المكسب الاستراتيجي لإسرائيل والأردن
كلمات مفتاحية: 
معاهدة السلام الأردنية ـ الإسرائيلية 1994
إسرائيل
الأردن
نبذة مختصرة: 

يرى المحلل العسكري زئيف شيف أنه يجب فحص اتفاق السلام مع الأردن من زاوية البعد الاستراتيجي الشامل. إن الإنجاز إسرائيلي وأردني أيضاً. فالأردن نجح في تخفيف ضغوط جارته في الغرب الأقوى منه كثيراً، والفكرة التي ينادي أريئيل شارون بها، بأن الأردن هي فلسطين، تلقت ضربة قوية. وإسرائيل نجحت في تقليص التهديدات من الشرق إلى حد كبير، وإذا تعززت العلاقات بينها وبين الأردن، فإنها قد تثمر تعاوناً استراتيجياً، خلافاً للسلام مع مصر.

النص الكامل: 

يجب فحص اتفاق السلام مع الأردن، ليس فقط وفقاً لعدد الدونمات وآبار المياه التي استأجرته إسرائيل؛ إذ إن طاقم المفاوضات برئاسة إلياكيم روبنشتاين جدير بالمديح لنجاحه في الحيلولة دون تفكيك مستوطنات أُخذت منها أراضيها الزراعية ومصادر المياه، وإنما يجب عرض الاتفاق قبل أي شيء آخر من زاوية البعد الاستراتيجي الشامل، وهنا الإنجاز الأكثر دلالة.

إن الإنجاز إنجاز إسرائيلي وأردني أيضاً؛ فالأردن، الدولة العازلة الكلاسيكية، نجح في تخفيف ضغوط جارته في الغرب الأقوى منه كثيراً. وستكون لإسرائيل مصلحة حيوية ومضاعفة في الحفاظ على الاستقرار في الأردن، فلا حاجة له بعد الآن إلى أن يخشى إقدام إسرائيل على تهجير فلسطينيين من  المناطق [المحتلة] إليه. والفكرة التي ينادي أريئيل شارون بها، بأن الأردن هي فلسطين، تلقت ضربة قوية. وليس عبثاً أن يكون ولي العهد الأردني احتل مكانه اللائق به في المعادلة الثلاثية: إسرائيل - فلسطين - الأردن، وهو واثق بأن إسرائيل تعمل كي لا يلحق ضرر به في الاتفاقات التي ستعقد بين أطراف المعادلة الثلاثية.

والإنجاز، من ناحية إسرائيل هو أنها نجحت في تقليص التهديدات من الشرق إلى حد كبير، تلك التهديدات التي طالما اعتبرت خطرة جداً. وقد تقلص الخطر في القطاع الأكثر حساسية، المواجه لبطن إسرائيل الرخوة. وقامت إسرائيل بخطوة أُخرى [على طريق] قطع الصلة بين الطوق القريب لدول المواجهة والطوق الخارجي - العراق وإيران - الأخطر بفعل قدراته. فإذا تعززت العلاقات بينها وبين الأردن، فإنها قد تثمر تعاوناً استراتيجياً، خلافاً للسلام مع مصر التي تعمل على إضعاف إسرائيل.

بدت ردت الفعل الفلسطينية [على الاتفاق] كما لو أن الفلسطينيين سُلبوا شيئاً ما. لكن في إمكانهم أن يجنوا منه فائدة مباشرة. فإذا تقلصت، فعلاً، الأخطار التي تتعرض إسرائيل لها من الشرق، ولم يعد الأردن منطقة انتشار ونقطة عبور للجيوش المهاجمة لإسرائيل، فإننا لن نكون بحاجة إلى انتشار عسكري مكثف في الضفة الغربية. وإذا انضمت سوريا أيضاً إلى التسوية السلمية، فإن [دواعي] المطالبة الإسرائيلية بالانتشار في الضفة الغربية ستتقلص أكثر.

لقد كان الأردن دوماً يحتل مكاناً ذا وزن في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي. وما كان يقلقنا ليس حجم الجيش الأردني، وإنما في الأساس موقع الأردن الجغرافي وبنيته السكانية التي غلب العنصر الفلسطيني عليها. وكان قرب الأردن من الأهداف الإسرائيلية الحيوية، كالمطارات والمراكز الصناعية والسكانية، يوتر الأعصاب في إسرائيل عندما كان يطرح حدوث تغيير في الانتشار العسكري في الضفة الشرقية. فدافيد بن - غوريون أيضاً [سبق] له أن حذر الأردن من الإقدام على مثل هذا التغيير. وتحول هذا الأمر إلى ما يشبه الخط الأحمر بالنسبة إلى إسرائيل.

وكانت إسرائيل قلقة أيضاً من حدوث تغيير سياسي متطرف في الأردن، أكان ذلك من خلال سيطرة الفلسطينيين أو أطراف إسلامية متطرفة، أم من خلال انضمام الأردن إلى تحالف عربي هجومي. واليوم أصبح واضحاً أنه على الرغم من مختلف الهزات، كان نظام الملك حسين مستقراً أعواماً مديدة. فلأعوام طويلة ساد العلاقات بين الأردن وإسرائيل حالة من إلغاء حالة الحرب، لكن كان هناك أيضاً هزات وتحولات صعبة: في فترة العمليات الانتقامية الكبرى، في الخمسينات، وفي حرب الأيام الستة [1967] وبعدها، وفي حرب يوم الغفران [1973]، وعندما أيد الأردن [الرئيس العراقي]  صدام حسين. وقد سبّب بعض هذه الأحداث، كالانتفاضة، هزات في الأردن أيضاً.

وعندما تعاظمت وطأة الانتفاضة قرر الملك قطع ارتباطه بالضفة. لكن الأمر كان اصطناعياً، لأنه من غير الممكن قطع الروابط الديموغرافية والجغرافية بين الضفتين بواسطة أمر إداري. والأردن لم يتخلّ في النهاية عن الرغبة في التأثير في ما يجري في الضفة. وكان واضحاً في إسرائيل أن تسوية مع الفلسطينيين يجب أن تتم في إطار مثلث العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية - الأردنية؛ فهذا المثلث كتلة واحدة من ناحية جغرافية وناحية ديموغرافية، وبالتالي يجب النظر إليه من ناحية عسكرية أيضاً. وفي الترتيبات الأمنية، كان السبق للاتفاقات مع الأردن.

إن اتفاق السلام مع الأردن لم يقدم حلولاً للمشكلات كلها، إذ إن هناك قضايا يُشك في إمكان إيجاد حلول لها. مثلاً، المشكلة الديموغرافية التي تلقي بثقلها على الأردن. وفي أفضل الأحوال، يمكن تخفيف ضغط هذه المشكلة. ونظراً إلى أن لإسرائيل مصلحة في الحفاظ على استقرار الأردن والإبقاء على النظام الهاشمي، فإنها ستعمل على منع ممارسة ضغوط انفصالية عليه. وهي ستبذل قصارى جهدها لتعزيز اقتصاد الأردن، وستتقبل بتفهم تعزيز قدراته الدفاعية، نظراً إلى أن الجيش الأردني هو اليوم مركز الثقل الأساسي للنظام.

وهذه الأعمال، إضافة إلى اتفاق سلام جيد، لا تحرر الطرفين، الأردن وإسرائيل، من مواجهة المسألة الكبرى: كيفية دمج الفلسطينيين في التسوية وضمان أن الكيان الفلسطيني الذي سيقوم لن يطلق آلات الدمار غرباً ت نحو إسرائيل، أو شرقاً - نحو الأردن.

 

المصدر: "هآرتس"، 21/10/1994.