تصويت فلسطينيي الـ 48 في الانتخابات الإسرائيلية: النتائج والدلالات
كلمات مفتاحية: 
الانتخابات الإسرائيلية
الكنيست الإسرائيلي
الحكومة الإسرائيلية
الفلسطينيون في إسرائيل
نتائج التصويت
نبذة مختصرة: 

يتناول المقال نتائج الاقتراع العربي في انتخابات سنة 1996 لرئاسة الحكومة وللكنيست الرابع عشر. فيبدأ بتعريف موجز للقائمتين العربيتين الرئيسيتين (قائمة حداش والقائمة العربية الموحدة) من حيث تركيبتهما وبرنامجيهما الانتخابيين. ويحلل اتجاهات التصويت ويعقد مقارنة بين نتائج 1996 و 1992 من حيث توزع الأصوات على قوائم الكنيست. ويخلص إلى أن النتائج تشير إلى تعزيز مسار "الفلسطنة" على حساب "الأسرلة" في صفوف فلسطينيي الـ 48.

النص الكامل: 

عندما حصلت الأحزاب الصهيونية على أكثر من 50% من الأصوات العربية في انتخابات الكنيست الثالث عشر سنة 1992، تكوّن انطباع عن تحقيق تقدم بارز في مسار "الأسرلة" (اندماج الفلسطينيين في "الدولة الإسرائيلية" واكتسابهم هويتها) على حساب مسار "الفلسطنة" المعاكس، الذي انطلق منذ السبعينات على الأقل. لكن نتائج الانتجابات الأخيرة زعزعت مثل هذا الانطباع وسلطت ضوءاً جديداً على سيرورة هذين المسارين، في سياقهما الزمني الطويل.

نتناول في هذا المقال تحليل نتائج الاقتراع العربي في انتخابات هذه السنة (لرئاسة الحكومة وللكنيست) مقارنة بنتائج انتخابات الكنيست في المرات السابقة، محاولين استخلاص مغزى هذا الاقتراع فيما يتعلق بالفلسطنة خاصة. وقد أسبقنا التحليل المقارن للنتائج بتعريف موجز للقائمتين العربيتين الرئيستين اللتين فازتا بمقاعد في الكنيست، من حيث تركيبتيهما وبرنامجيهما الانتخابيين.

 القوائم العربية [1]

في بداية الحملة الانتخابية، كان ثمة ثماني قوى سياسية عربية، أو عربية – يهودية، تستعد لخوض معركة الانتخابات، وهذه القوى هي: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة – حداش (برئاسة هاشم محاميد)، التجمع الوطني الديمقراطي (عزمي بشارة)، الحزب الديمقراطي العربي (عبد الوهاب دراوشة)، الحركة الإسلامية (عبد الله نمر درويش)، الكتلة العربية الإسلامية (عاطف خطيب)، الحركة العربية للتغيير (أحمد طيبي)، التحالف الديمقراطي (محمد زيدان)، منظمة العمل الديمقراطي (أساف أديب). وقد تمت محاولات حثيثة لتوحيد القوائم العربية، وأُجريت مفاوضت شاقة لهذا الهدف، أسفرت عن تحقيقه بصورة جرئية. وبعد انسحاب الحركة العربية للتغيير من حلبة التنافس في شأن الأصوات العربية، وتوصُّل عدد من القوى إلى قوائم مشتركة، استقرت الحال على أربع قوائم خاضت الانتخابات، منها قائمتان رئيسيتان هما حداش والقائمة العربية الموحدة، وقائمتان لم تفلحا في تجاوز نسبة الحسم المطلوبة لدخول الكنيست (1,5% من أصوات المقترعين)، وهما التحالف الديمقراطي ومنظمة العمل الديمقراطي. وفيما يلي لمحة عن القائمتين اللتين تمثلتا في الكنيست.

 

قائمة حداش: من أجل "دولة لكل مواطنيها"

ضمت هذه القائمة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والتجمع الوطني الديمقراطي. وقد قامت الشراكة بين الجبهة والتجمع، كما جاء في برنامجهما الانتخابي، "على أساس برنامج سياسي واجتماعي مشترك، يتلخص في النضال المثابر لتحقيق السلام الإسرائيلي – الفلسطيني والإسرائيلي – العربي العادل والشامل والمستقر، من أجل جعل دولة إسرائيل ديمقراطية ولكل مواطنيها، ومن أجل مساواة قومية ومدنية كاملة لمواطني دولة إسرائيل، يهوداً وعرباً، وللدفاع عن حقوق العاملين، ومساواة المرأة، ومن أجل المساواة الطائفية، والاعتراف بالعرب، مواطني إسرائيل، كأقلية قومية." ويتضح لدى قراءة البرنامج الانتخابي المشترك (أنظر فقرات منه في الملف /1 في هذا العدد، ص 93) أنه جاء حصيلة تنازلات متبادلات قدمها الطرفان بشأن مواقفها من بعض القضايا الأساسية. فعلى سبيل المثال، لم يتضمن البرنامج موقفاً مؤيداً لاتفاق أوسلو (كما هو موقف الجبهة)، لكنه لم يتضمن صراحة، في المقابل، مطلب الحكم الذاتي الثقافي (الذي يرفع التجمع لواءه).

لئن كانت الجبهة معروفة، وكانت خاضت انتخابات الكنيست من قبل، فإن التجمع الوطني الديمقراطي لم يبصر النور إلاّ مؤخراً، عندما تسجل، بصورة رسمية، حزباً ليخوض معركة الانتخابات. ومع ذلك، فإن الهيئات نفسها التي تألف التجمع منها هي هيئات قديمة ، معروفة في معظمها، باعتبارها قوى وطنية تقدمية منخرطة في النضال الفلسطيني العربي، لكن من خارج الكنيست. وبين هذه المجموعات، كما جاء في مختلف المصادر [2]حركة أبناء البلد (أمينها العام رجا أغبارية) والقائمة التقدمية للسلام والأنصار ومنظمة حقوق البدو والنهضة، بالإضافة إلى حركة ميثاق المساواة.

من الواضح أن حركة ميثاق المساواة هي الحركة التي تطبع التجمع الوطني الديمقراطي كله بطابعها؛ فرئيسها عزمي بشارة كان المرشح الرئيسي لـ "التجمع" في القائمة المشتركة مع حداش. كما أن البنود الأساسية التي تضمنها ميثاق المساواة الذي قُدم إلى الاجتماع التأسيسي للحركة في نيسان/أبريل 1992، تمثل الركائز الرئيسية التي قام التجمع الجديد عليها. ومن هذه البنود/الركائز:

  • جعل إسرائيل دولة ديمقراطية، هي دولة مواطنيها العرب واليهود على حد سواء، وبالتالي إلغاء جميع القوانين والنظم والممارسات التي تكرس صهيونية إسرائيل (قانون العودة، قوانين الأرض، الاتفاقات القائمة بين إسرائيل والوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي)؛
  • الاعتراف بالفلسطينيين، في إسرائيل، أقليةً قومية تتمتع بجميع حقوق الأقليات؛
  • الاعتراف بحق الأقلية الفلسطينية في "الحكم الذاتي الثقافي" في القضايا التي تخصها، وفي رأسها التربية والتعليم.[3]

واللافت أيضاً من أمر التجمع الوطني الديمقراطي، بأطرافه التي ذكرنا أعلاه، هو الاشتراك بحد ذاته في انتخابات الكنيست. فحركة ميثاق المساواة امتنعت من المشاركة في انتخابات سنة 1992، وإن كانت ضمّت تياراً دعا إلى المشاركة في حينه. وحافظت سائر الأطراف، ولا سيما حركة أبناء البلد، لفترة طويلة على موقفها التقليدي المقاطع لانتخابات الكنيست.

 

القائمة العربية الموحدة: "وحدتنا وُلدَت يا عربي"

تألقت هذه القائمة من الحزب الديمقراطي العربي والحركة الإسلامية والكتلة العربية الإسلامية. ولئن كان الحزب قد خاض انتخابات الكنيست وفاز بمقاعد فيه منذ سنة 1988، فإن هذه هي المرة الأُولى التي يشارك الإسلاميون في هذه الانتخابات. أمّا في الانتخابات السابقة، فقد برزت داخل الحركة الإسلامية خلافات في هذا الشأن، بين داع إلى المقاطعة، وآخر يقول بالاشتراك في قائمة عربية موحدة (على رأسه، زعيم الحركة عبد الله نمر درويش)، وثالث يدعو الإسلاميين إلى دعم المرشحين العرب. وتجددت الخلافات هذه المرة، وأصرّ تيار المشاركة على رأيه، وكان له ذلك، ففاز اثنان من الإسلاميين في القائمة الموحدة بعضوية الكنيست، لكن لقاء ثمن باهظ تمثل في انشقاق الحركة الإسلامية. وقد ضم الجناح الداعي إلى المشاركة كلاً من عبد الله نمر درويش وعضوي الكنيست الجديدين عبد المالك دهامشة وتوفيق خطيب ورئيس المجلس المحلي لكفر قاسم إبراهيم صرصور، بينما ضم الجناح الآخر رئيس بلدية أم الفحم رائد صلاح، وكلاً من كمال خطيب وحسام أبو الليل ومنير أبو الهيجا وهاشم عبد الرحمن. [4]وبيقى السؤال مطروحاً: هل يتعمق هذا الانشقاق ويصبح نهائياً، أم أنه سيكون مجرد "انقسام انتخابي"، يتبعه "تصحيح المسار"، بحسب حسن الخطيب، رئيس تحرير صحيفة الحركة "صوت الحق والحرية"؟[5]

أياً يكن الأمر، فإن التركيب الشخصي للقائمة العربية الموحدة هو الذي يميزها من غيرها أكثر كثيراً مما يميزها برنامجها الانتخابي. فهي، خلافاً لقائمة الجبهة – التجمع، كانت قائمة عربية محضة بأعضائها المرشحين العشرة، الذين احتل أربعة منهم مقاعد في الكنيست الحالي. وهي بذلك تُعتبر امتداداً للتقليد الذي بدأه الحزب الديمقراطي العربي سنة 1988 (برئاسة دراوشة، المنشق عن حزب العمل) وترسيخاً لهذا التقليد في الحياة السياسية لفلسطينيي الـ 48.

أمّا من حيث البرنامج الانتخابي للقائمة العربية الموحدة (أنظر فقرات منه في موضع آخر من الملف/1، ص 95)، فإن هذا البرنامج يتقاطع إلى حد كبير مع برنامج الجبهة – التجمع، ولا سيما فيما يعني الموقف من قضايا "التسوية السلمية" من جهة، والمطالب المتعلقة بـ "الأقلية العربية" من جهة أُخرى. كما أنه لا يحمل صبغة إسلامية واضحة تعكس مشاركة الإسلاميين في القائمة، حتى فيما عني المطالب المتعلقة بــ "الأوقاف الإسلامية والمقدسات". فمثل هذه المطالب لم يكن حكراً على القائمة الموحدة، القومية – الإسلامية، بل جاء بعضها في قائمة الجبهة – التجمع، اليسارية – العلمانية.

اتجاهات التصويت

بلغ عدد "غير اليهود"، ممن يملكون حق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة، 541,598 شخصاً. وهؤلاء يشكلون نحو 21% من مجموع الناخبين البالغ 3,933,250 ناخباً.[6] ومن أول ما يُلاحظ أن نسبة مشاركة العرب في الانتخابات كانت الأعلى في تاريخ انتخابات الكنيست منذ أواخر الستينات. فقد بلغت هذه النسبة نحو 78% (أي 340 ألف مقترع تقريباً)، قياساً بـ 69,7% سنة 1992 و 70% سنة 1988 و72% سنة 1984 و68% سنة 1981. ويعود هذا الارتفاع إلى مشاركة ناخبين من الحركتين القومية والإسلامية في هذه الانتخابات أول مرة. كما أنه يعود إلى تعزز وضع القوائم العربية، والاستقطاب الجاري بين القائمتين الرئيسيتين فيها، واحتدام التنافس في شأن رئاسة الحكومة بين مرشح حزب العمل شمعون بيرس ومرشح الليكود بنيامين نتنياهو.

وفيما يتعلق بالتصويت لهذين المرشحين، اقترع 94,4% من الناخبين العرب لمصلحة بيرس في مقابل 5,2% اقترعوا لنتنياهو، [7]في حين اعتُبرت الأصوات الباقية غير صالحة، وهي في معظمها بطاقات بيض. وتمثل هذه البطاقات "اقتراعاً احتجاجياً متعمداً" على سياسة بيرس المتمثلة في الإغلاق المتواصل للضفة والقطاع وتأخير إعادة الانتشار في الخليل، وعلى عدوان "عناقيد الغضب" ومجزرة قانا، وكذلك على استرضاء بيرس للمتديني المتزمتين (الحريديم) و "القوميين المتطرفين" الصهيونيين – الأمر الذي اعتبره كثيرون من العرب الفلسطينيين أنه محا بالتدريج الفارق بينه وبين منافسه نتنياهو.[8]

بالإضافة إلى ذلك، يمكن تفسير نتائج الاقتراع العربي للمرشح لرئاسة الحكومة الإسرائيلية بأكثر من عامل؛ فالعرب، أساساً، عاشوا مأزق الاختيار بين السيئ (بيرس) والأسوأ (نتنياهو)، وجاءت بطاقاتهم البيض لتعبّر عن هذا المأزق. أمّا ما يفسر الـ 5% من الأصوات العربية التي حصل نتنياهو عليها فهو النسبة العالية نسبياً (أكثر من 21%) [9]التي نالها في القرى الدرزية، حيث يتمتع الليكود بنفوذ تقليدي معيّن. كما أن القوى السياسية العاملة في "الوسط العربي" لم تتخذ موقفاً موحداً وواضحاً بشأن انتخاب بيرس أو الامتناع كلياً من التصويت . بل إن المواقف في هذا الشأن تباينت داخل الحزب الواحد/ القائمة الواحدة. فقد أعلن دراوشة أن حزبة سيوصي أنصاره بانتخاب بيرس. [10]وفي المقابل، قرر المجتمع الوطني الديمقراطي الامتناع من انتخاب أي من المرشحيْن لرئاسة الحكومة والاقتراع ببطاقة بيضاء. أمّا جبهة حداش، خليفة التجمع، فقد عبّرت من خلال منشوراتها وتصريحات قادتها عن تفاسير مختلفة لقرار الجبهة في هذا الصدد، تراوحت بين انتخاب بيرس والامتناع من التصويت لأي من المرشحين.[11] أمّا فيما عني توزع الأصوات العربية على قوائم الكنيست، فقد كان على النحو الذي يبينه الجدول التالي:

 

توزع الأصوات العربية على قوائم الكنيست الرابع عشر

مقارنة بتوزعها في الكنيست السابق (%)

 

اسم القائمة

سنة 1996

سنة 1992

العمل

16,6

20,3

الليكود

2,2

8,8

ميرتس

10

10

المفدال

1,7

4,7

شاس

1,3

4,8

يهدوت هتوراه

0,1

0,4

موليدت

0,1

0,2

حداش [والمجتمع]

36,8

23,1

الديمقراطي العربي [والإسلاميون]

25,5

15,2

الطريق الثالث

0,6

-

يسرائيل بعلياه

صفر

-

منظمة العمل الديمقراطي

0,1

-

التحالف التقدمي

3,7

9,1

قوائم أخرى

0,2

-

المصدر: مستعد من "معاريف"، 31/5/1996.

 

يتضح من هذا الجدول أن القوائم " العربية" نالت حصة الأسد من أصوات العرب هذه المرة؛ إذ حصدت نحو 70% منها. ويبرز هذا الاتجاه الصاعد في الاقتراع العربي منذ فترة طويلة إذا ما قارنّا النسبة المذكورة بمثيلاتها في الانتخابات السابقة، والتي كانت كالتالي: 30% سنة 1977، 37% سنة 1981، 51% سنة 1984، 58% سنة 1988، 48% سنة 1992 (شهدت هذه السنة الأخيرة انخفاضاً طارئاً، كما هو واضح).

كما يتضح، في المقابل أن حصة الأحزاب اليهودية، سواء العلمانية أو الدينية ، من الأصوات العربية قد تقلصت، على نحو بارز لدى بعض هذه الأحزاب (الاستثناء الوحيد في هذا المجال هو ميرتس، الذي حافظ على قاعدته الانتخابية العربية كما كانت في انتخابات سنة 1992). ففي حين أن حزب العمل فقد نحو 4% من أصوات الناخبين العرب، فإن نسبة الأصوات العربية التي حصل عليها كل من الليكود وشاس ويهدوت هتوراه انخفضت إلى ربع ما كانت عليه تقريباً. وفي الإجمال، نالت الأحزاب الصهيونية أدنى نسبة من الأصوات العربية تحصل عليها منذ انتخابات سنة 1977 على الأقل. وكانت هذه النسبة تتدنى باطراد منذ ذلك الحين، من 70% حتى 30%، باستثناء انتخابات سنة 1992 التي ارتفعت النسبة فيها بعض الشيء عن انتخابات سنة 1988.

لقد أثمر هذا الاتجاه "التعريبي" (إن جاز القول) لأصوات العرب الانتخابية زيادة لافتة في تمثيل القوائم العربية في الكنيست؛ إذ ارتفع عدد أعضاء هذه القوائم في الكنيست الحالي ضعفين (من 4 أعضاء إلى 8 أعضاء). هذا، في حين ظل عدد العرب في قائمتي "اليسار" الصهيوني على ما كان عليه (2 حزب العمل، 1ميرتس)، وخلت قائمة الليكود وغيره من الأحزاب "اليمينية" من أي عضو عربي. [12](للتفصيلات، أنظر الملف/1، ص 78).

 

خلاصة: تعزيز الفلسطنة

لا شك ي أن بروز التجمع الوطني الديمقراطي ومشاركته ومشاركة الإسلاميين في الانتخابات الأخيرة هي وقائع تساهم جميعها في تفسير ما أشرنا إليه من اتجاه نحو "تعريب" الصوت العربي الانتخابي. لكن هذه الوقائع نفسها بحاجة، بدورها، إلى تفسير نجده في مسار "الفلسطنة" الذي يجتازه عرب فلسطين منذ أواخر الستينات، والمتسارع أحياناً حوادث يوم الأرض والانتفاضة/الثورة مثلاً، والمتباطئ أحياناً أُخرى تحت تأثير "التسوية السلمية" أساساً (ولعل هذا ما يفسر انتكاس الاتجاه والمسار المذكورين في انتخابات سنة 1992، التي طغت الاعتبارات التسووية فيها على نحو خاص). وقد تجسد مسار "الفلسطنة" هذا، الذي يجري بصورة معاكسة تماماً لمسار آخر نقيض له هو "الأسرلة" في عدد من الوقائع الملموسة للحياة السياسية الفلسطينية داخل الكيان الصهيوني، نخص بالذكر منها:

  1. المحاولات المتكررة لتأليف قائمة عربية واحدة
  2. الزيادة المطردة في وزن القوائم العربية في الكنيست (كما أشرنا أعلاه).
  3. النمو المتواصل في حجم القائمة العربية البحتة، متمثلةً في الحزب العربي الديمراطي منذ سنة 1988، وفي القائمة العربية الموحدة في الانتخابات الأخيرة.
  4. بروز التجمع الوطني الديمقراطي على قاعدة المطالبة بدولة ديمقراطية لمواطنيها أجمعين، وبنزع الطابع الصهيوني/اليهودي عن الدولة، وبمنح العرب حكماً ذاتياً ثقافياً؛ الاتساع المتدرج لهذه القاعدة لتشمل أطيافاً أُخرى في اللون السياسي الفلسطيني (حداش والقائمة الموحدة).
  5. الاتجاه المتسارع نحو "تعريب" الحزب الشيوعي الإسرائيلي، على خلفية أزمة الحزب المتفاقمة منذ أوائل التسعينات. وتمثل هذا "التعريب" للحزب في" ازدياد تمثيل العرب في قائمة حداش التي يقودها الحزب في الكنيست؛ تولّي فلسطيني عربي (هو توفيق زياد، ثم هاشم محاميد) رئاسة القائمة أول مرة منذ سنة 1992؛ انتخاب فلسطيني عربي (محمد نفّاع) سكرتيراً عاماً للحزب، أول مرة أيضاً.

 

لقد لحظ مسارَ "الفلسطنة" / "التعريب" هذا عددٌ من المراقبين والعاملين في الشأن السياسي، من اليهود والعرب سواء بسواء، لكن كلاِّ منهم رآه على طريقته فالبروفسور آفي دغني، رئيس أحد معاهد الاستطلاعات الإسرائيلية، يرى في نتائج الانتخابات الأخيرة أربعة انقلابات اجتماعية – سياسية، يضع "الانقلاب العربي" الذي "لا رجعة عنه" في مقدمها (تليه الانقلابات "الروسية" والدينية - الحريدية والأيديولوجية). [13]بينما استنتج أحد الصحافيين الإسرائيليين أن العرب اكتشفوا "سلاح الورقة البيضاء"، أنهم "ليسوا في جيب أحد"، وأن أسلوب الانتخاب الجديد أعطى حلاً للمعضلة التي كثيراً ما واجهوها، والمتمثلة في اضطرارهم إلى الاختيار بين المنفعة المتأتية من اقتراعهم لمصلحة الأحزاب العربية. [14]أما العضو العربي الجديد في الكنيست ممثلاً للتجمع الوطني الديمقراضي، فرأى أن "بالإمكان الاستفادة من هذه التجربة للمستقبل"، وأن المجال فُسح أخيراً "للسباحة ضد تيار الأسرلة"، وأن الوعي القومي يرتبط بالوعي الديمقراطي أول مرة، "وهذا هو الإنجاز الذي يجب المحافظة عليه مثل بؤبؤ العين."[15]

 

[1] يقصد بها القوائم العربية البحتة، أو القوائم المشتركة التي تضم عدداً كبيراص من العرب وتعتمد على أصوات المقترعين العرب.

[2] غاي لشم ومحمد خليلية، "دافار ريشون"، 31/3/1996؛ ربى الحصري، "الحياة"، 20/5/1996.

[3] قابل "البيان" (نشرة لمرة واحدة)، نيسان/أبريل 1992، ص 1 و 10 بــ "البرنامج – المبادئ – الأهداف" الصادر عن التجمع عشية الانتخابات.

[4] بشأن الانشقاق، أنظر: يوسف الغازي، "هآرتس"، 7/4/1996.

[5] ربى الحصري، "الحياة"، 19/5/1996.

[6] “1996 Elections: Statistics” (received via e-mail).

[7] أنظر: "معاريف"، 31/5/1996.

[8]أنظر: داني رابينوفيتش، "بشأن تصويت العرب"، "هآرتس"، 3/6/1996. وأنظر أيضاً: غابي بارون، "المنتخبون العرب انتقموا من بيرس بسبب عملية عناقيد الغضب"، "يديعوت أحرونوت"،31/5/1996، حيث جاء على لسان عبد المالك دهامشة قوله: "إن نتائج الانتخابات تبرهن على أن بيرس ليس جديراً لأن يكون رئيساً للحكومة. فهو تعلَّق اليمين والمستوطنين، وشوّه السلام، وأضعف السلطة الفلسطينية."

[9] "معاريف"، 31/5/1996. وبلغت النسبة 25%، بحسب رابينوفيتش، مصدر سبق ذكره.

[10] محمد خليلية، "دافار ريشون"، 21/5/1996.

[11] يوسف الغازي، "هآرتس"، 26/5/1996.

[12] يُلاحَظ أن عدد الأعضاء العرب الإجمالي في الكنيست آخذ في الازدياد منذ فترة طويلة: من 5 (في انتخابات سنة 1981) إلى 7 (سنة 1984) إلى 8 (سنة 1992) إلى 11 (سنة 1996). لكن ليس لهذه الزيادة، حد في ذاتها، من مغزى فيما يعني الاتجاه نحو "تعريب" الصوت العربي؛ إذ إن بعض هؤلاء الأعضاء ينتمي إلى أحزاب صهيونية (بما فيها الليكود).

[13] للتفصيلات، أنظر: "يديعوت أحرونوت"، 31/5/1996.

[14] رابينوفيتش، مصدر سبق ذكره.

[15] عزمي بشارة، "بين حساب النفس وتصفية الحسابات"، "الحياة" 9/6/1996.