يتناول التقرير التلوث الصناعي الذي تتسبب به المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية التي تضم عدداً من الصناعات المسببة للتلوث والمنتجة لنفايات سامة. وتستعرض المقالة المستندة إلى الجداول الإحصائية أوضاع المناطق الصناعية في المستعمرات، والنفايات الصناعية وأثرها في البيئة، ويورد مثال منطقة برقان الصناعية في منطقة نابلس والتي تفرز كميات كبيرة من النفايات السائلة والصلبة المؤذية، وتلوث الأراضي الزراعية الفلسطينية في ثلاث قرى مجاورة. ويخلص التقرير إلى أن إسرائيل تلوث بيئة الضفة الغربية من خلال العدد الكبير من الصناعات اليهودية القائمة هناك، وأن القانون الإسرائيلي لحماية البيئة غير مطبق على الصناعات اليهودية في الضفة الغربية، بالإضافة إلى أن المياه المبتذلة الناجمة عن معظم هذه الصناعات لا تخضع للمعالجة الأمر الذي يؤدي إلى وصول معادن ثقيلة إلى الحقول الفلسطينية.
يُعتبر التلوث الصناعي أحد الهموم الكبرى في حماية البيئة. فالصناعات تساهم في تلويت البيئة، وخصوصاً في غياب الأنظمة التي تجبر الصناعيين على التخفيف من آثارها الخطرة. ومع ذلك، فإن المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية تضمّ عدداً من الصناعات المسبِّبة للتلوّث، والمنتجة لنفايات سامة. وتشمل هذه الصناعات الألومنيوم، والبطاريات، ودباغة الجلود، وصباع الأقمشة، والفايبر غلاس، وغيرها من الصناعات الكيماوية. إن النفايات الناجمة عن هذه الصناعات تؤثر في مناطق متعددة في الضفة الغربية. وعلى الرغم من ندرة المعلومات، فإن من الضروري جداً التركيز على الصناعات المسبّبة للتلوث داخل المناطق الصناعية اليهودية، وآثارها في البيئة في الضفة الغربية. وسنتناول منطقة برقان الصناعية كحالة للدراسة، حيث النفايات الصناعية تتدفق إلى الوادي المجاور.
المناطق الصناعية في المستعمرات
هناك سبع مناطق صناعية على الأقل في مستعمرات الضفة الغربية [...]. وتشغل هذه المناطق الصناعية مساحة تبلغ نحو 302 هكتار. وأكبر المناطق الصناعية في الضفة الغربية هي عطروت، وميشور أدوميم، وبرقان. ويقع معظم هذه المناطق على رؤوس التلال، الأمر الذي يؤدي، في الغالب، إلى تدفق المياه الصناعية المبتذلة إلى الأراضي الفلسطينية المجاورة. وقد أصدرت إسرائيل مؤخراً تراخيص لإقامة أربع مناطق صناعية يهودية جديدة في الضفة الغربية: في المنطقة "ج"، بالقرب من رام الله ونابلس والخليل ووادي الأردن. ويبين الجدول رقم 1 المناطق الصناعية اليهودية في الضفة الغربية، والمساحة التي تشغلها كل منطقة.
الجدول رقم 1
المناطق الصناعية
في مستعمرات الضفة الغربية
المنطقة الصناعية |
المنطقة |
مساحتها (هكتارات) |
حنانيت |
جنين |
10,99 |
برقان |
نابلس |
14,87 |
أريئيل |
نابلس |
14,84 |
معالي إفرايم |
نابلس |
2,58 |
عطروت |
القدس |
145,78 |
ميشور أدوميم |
القدس |
109,92 |
كريات أربع |
الخليل |
3,35 |
المجموع |
|
302,00 [تقريباً] |
وتشير التقديرات إلى وجود 200 معمل صناعي يهودي، على الأقل، في الضفة الغربية. وتوجد هذه المعامل إمّا في المناطق الصناعية اليهودية، وإمّا داخل المستعمرات اليهودية. والمعلومات نادرة بشأن النشاطات الصناعية اليهودية في الضفة الغربية. فبعض منتوجاتها محدّدة، لكن المعلومات التفصيلية عن كميات الإنتاج والعمال والنفايات الناجمة عنها غير متوافرة. وتشمل الصناعات الكبرى في هذه المناطق الصناعية ما يلي: الألومنيوم، ودباغة الجلود، وصباغ الأقمشة، والبطّاريات، والفايبر غلاس، واللدائن (البلاستيكية)، وغيرها من الصناعات الكيماوية، ويسبين الجدول رقم 2 الصناعات اليهودية في الضفة الغربية.
الجدول رقم 2
الصناعات اليهودية في الضفة الغربية
المنطقة |
موقع الصناعة |
الإنتاج الصناعي |
نابلس |
برقان
ألون موريه
شيلو |
الألومنيوم؛ الفايبر غلاس؛ اللدائن؛ الطلاء الكهربائي الألومنيوم؛ تعليب الأطعمة؛ صباغ الأقمشة الألومنيوم؛ دباغة الجلود |
رام الله |
حلميش غفعوت حدشا نيلي شيلتا [؟] عطروت |
الفايبر غلاس؛ دباغة الجلود المطاط الألومنيوم الفايبر غلاس؛ اللدائن الألومنيوم، الأسمنت؛ اللدائن؛ تعليب الأطعمة وسواها |
الخليل |
كريات أربع |
الخمور؛ حجارة البناء؛ البلاط؛ اللدائن |
القدس |
ميشور أدوميم |
اللدائن؛ الأسمنت؛ دباغة الجلود؛ المنظّفات؛ صباغ الأقمشة؛ الألومنيوم؛ الطلاء الكهربائي وسواها |
جنين |
حومش |
البطاريات؛ الألومنيوم؛ المنظّفات |
طولكرم |
بالقرب من حدود 1967، داخل الضفة الغربية |
مبيدات الحشرات؛ الفايبر غلاس؛ غاز ديكسون |
وقد نقلت إسرائيل الكثير من صناعاتها المسببة للتلوث من أماكن داخل إسرائيل إلى مناطق قريبة من حدود 1967، أو إلى داخل المستعمرات. فعلى سبيل المثال، نُقل مصنع لمبيدات الحشرات، ينتج مواد ملوِّثة خطرة، من كفر سابا إلى منطقة بالقرب من طولكرم، داخل الضفة الغربية. وقد أتلفت المياه المبتذلة الآتية من تلك المعامل أشجار الحمضيات، ولوّثت التربة في تلك المناطق، فضلاً عن التلوُّث الذي تسبّبه للمياه الجوفية.
وكمثال آخر، نُقل المعمل الصناعي لغاز ديكسون من موقعه السابق في نتانيا إلى المنطقة نفسها بالقرب من طولكرم. ويجري إحراق النفايات الصلبة المتولدة من هذه الصناعات في الهواء الطلق. وفي شباط/فبراير 1997، قامت وزارة الصحة الفلسطينية بفحص النفايات الصلبة الموجودة في الجزء الغربي من مدينة طولكرم، وأعلنت وجود فايبر وبولْيِسْتر فيها. إن احتراق هذه النفايات يؤدي إلى انتشار الدخان الأسود والغازات السامة الخطرة. كما أن الرياح الغربية تحمل تلك الأدخنة إلى المناطق السكنية والأماكن العامة في مدينة طولكرم والقرى المجاورة، الأمر الذي يشكّل مخاطر على الصحة.
وأفادت التقارير أن الحكومة اليهودية نقلت مخيّماً عسكرياً يهودياً من هذه المنطقة، لأن الجنود اليهود تأثّروا بأدخنة تلك الصناعات. وجرى مؤخراً تخصيص 200 دونم من الأراضي في منطقة ميشور أدوميم الصناعية، لنقل مصنعي الألومنيوم والنحاس من منطقة غِفعات شاؤول في القدس الغربية. كما أُنشىء مصنع لصهر الحديد بالقرب من قرية النبي الياس، على الطريق الرئيسية الممتدة من قلقيلية إلى نابلس.
النفايات الصناعية وآثارها في البيئة
إن معظم الصناعات اليهودية في الضفة الغربية يتولد منه نفايات سائلة وصلبة مؤذية. ويمكن تعريف النفايات المؤذية بأنها النفايات التي ينجم عنها أذى محتَمل للإنسان أو النبات أو الحيوان. ويمكن لهذه النفايات أن تكون طينية، أو سائلة، أو غازية، [...]، بل يعتد أيضاً على احتوائها مواد غير عضوية معينة.
ولا يمكن، على العموم، تحديد المكوّنات الدقيقة للنفايات الصناعية بسهولة، من دون إجراء تحليلات مخبرية، لأن نوعية تلك المكوّنات تعتمد على نوع عملية التصنيع. ويواجه العلماء الفلسطينيون صعوبات في جمع عينات من النفايات، نظراً إلى عدم قدرتهم على الوصول إلى مصادرها. ولذا، فإنهم لا يستطيعون إعطاء أكثر من تقديرات بشأن مكوّنات النفايات المتولدة، إذ يحدِّد نوع الصناعة المكونات الأساسية للمواد المؤذية في النفايات. وتحتوي النفايات الصناعية على عناصر سامّة كالألومنيوم، والكروم، والرصاص، والزنك، والنيكل. فصناعة الألومنيوم، مثلاً، يتولد منها نفايات الألومنيوم والأحماض. ويفرز الطلاء الكهربائي نفايات النيكل والكروم والأحماض. وتُعتبر كل هذه المواد غير العضوية مؤذية، وهي تؤثر سلباً في الصحة إذا تراكمت في الجسم.
إن الأراضي الفلسطينية الواقعة عند سفوح تلال المناطق الصناعية تبقى عرضة لتدفق النفايات الصناعية. وتشير الدلائل إلى أن تدابير الوقاية من التلوث غير متّبعة في المرافق الصناعية اليهودية. كما أن النفايات الصناعية الصلبة تُجمع وتُرمى، في الغالب، في مناطق قريبة من القرى الفلسطينية. ويبين الجدول رقم 3 بعض القرى الفلسطينية المتأثرة بالصناعات في عدد من المناطق الصناعية اليهودية.
الجدول رقم 3
المواقع الفلسطينية المتأثرة
بالصناعة اليهودية في الضفة الغربية
الموقع الصناعي اليهودي |
الموقع الفلسطيني المتأثر |
حلميش |
قرية النبي صالح |
ميشور أدوميم |
برية القدس |
حومش |
سيلة الظهر |
برقان |
قرى كفر الديك وسرطة وبرقين |
شيلو |
قريوت وترمس عيّا |
ألون موريه |
طريق نابلس – وادي الباذان |
عطروت |
بير نبالا وجديرة |
كريات أربع |
بني نعيم |
المنطقة الصناعية اليهودية عند حدود 1967، بالقرب من طولكرم |
مدينة طولكرم، والمناطق الزراعية المجاورة |
منطقة برقان الصناعية
تقع منطقة برقان الصناعية في منطقة نابلس، وتشغل مساحة 150 دونماً. وهي تضم نحو 80 مصنعاً لصناعات متعددة مثل: الألومنيوم، والفايبر غلاس، واللدائن، والطلاء الكهربائي، والصناعات العسكرية. فهناك ثلاثة مصانع للألومنيوم، وعدة مصانع للدائن. وتفرز هذه الصناعات كميات كبيرة من النفايات السائلة والصلبة المؤذية. وتصبُ المياه الصناعية المبتذلة المتولدة من منطقة برقان الصناعية في الوادي المجاور، وتلوّث الأراضي الزراعية التابعة لثلاث قرى فلسطينية في منطقة نابلس هي: سرطة، وكفر الديك، وبرقين. وتشير التقديرات إلى أن هذه المنطقة الصناعية تفرز نحو 810 آلاف متر مكعب من المياه الصناعية المبتذَلة سنوياً. وفي سنتي 1991 و1992، قام المجلس الإقليمي اليهودي (شومرون) بدراسة لتقويم تركيبة النفايات المفرَزة، أظهرت أن تلك النفايات لا تراعي معايير المواد الكيماوية السامّة المؤذية. وقد بُلِّغ مدير المنطقة الصناعية نتائج الدراسة، لكنه لم يوقف تلك المأساة. كانت المياه المبتذَلة تُجمع سابقاً في ثلاثة خزّانات. ونظراً إلى خطأ في تصميم هذه الخزّانات، فإنها حالياً تفيض بالوحول، ولا تصلح للعمل. ولذا، فإن المياه الصناعية المبتذَلة تصبُّ في الوادي المجاور قبل معالجتها.
وتظهر صورة[1] أُخذت من الجو في أيار/مايو 1995 أن ثمة جدولين من المياه المبتذلة آتيين من منطقة برقان الصناعية: يجري الأول نحو وادي رباح، فيتلف الأراضي الزراعية التابعة للقرى المجاورة، بينما يتّجه الثاني نحو وادي قانا. وقد ولحظ أن المياه المبتذَلة تواصل تدفقها، وفق ما تظهره صورة أرضية أُخذت من الأقمار الصناعية سنة 1996.
وكما ورد في العدد 9915 من صحيفة "القدس" الصادرة في الثاني من نيسان/أبريل 1997، فإن مئات الأبقار والأغنام تشرب من جدول المياه المبتذَلة في منطقة برقان الصناعية، وتأكل النباتات الملوّثة في الجوار. ويتم تسويق منتوجاتها من الألبان في مدينة نابلس وقرية سلفيت. إن السكان المقيمين بالقرب من المدخل الشمالي لقرية برقين، عرضة أيضاً للأذى الناجم عن جدول المياه المبتذَلة الذي يجري عبر هذه المنطقة.
والخلاصة هي أن إسرائيل تلوّث بيئة الضفة الغربية من خلال العدد الكبير من الصناعات اليهودية القائمة هناك. والقانون الإسرائيلي لحماية البيئة غير مطبّق على الصناعات اليهودية في الضفة الغربية. كما أن المياه المبتذَلة الناجمة عن معظم هذه الصناعات لا تخضع للمعالجة، الأمر الذي ينجم عنه، في الغالب، وصول معادن ثقيلة إلى الحقول الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، فإن النفايات الصلبة تُرمى من دون معالجة، في الغالب، في أرض فلسطينية. ومن شأن هذه الممارسات أن تؤدي من دون شك إلى تلوّث المياه الجوفية في الضفة الغربية، لأنه يمكن للنفايات السامّة أن تتسرّب إليها. لذا، يجب اعتماد تدابير صارمة في تصريف النفايات السائلة والصلبة، لضمان سلامة المياه الجوفية.
إن مصادرة الأراضي لإنشاء مناطق صناعية يهودية جديدة. في الضفة الغربية، من أجل تلبية الحاجات اليهودية، أمر يرفضه الفلسطينيون. لذا، يجب إيقاف سياسة المصادرة هذه، ونقل الصناعات اليهودية إلى مناطق داخل إسرائيل. كما يجب البدء ببرامج للوعي البيئي بشأن الأثر الذي تتركه المواد المؤذية، المختلطة بالمياه، في الصحة. وعلى العلماء والمسؤولين الفلسطينيين إبلاغ المنظمات الدولية، المعنية بالبيئة والصحة وحقوق الإنسان، بالأثر الذي تتركه الصناعات اليهودية في صحة الفلسطينيين وبيئتهم.
[1] ورد في التقرير صور وأشكال لم ندرجها هنا لأسباب تقنية.