نتنياهو يعرف كيف يبني بهدوء: توسيع المستعمرات بينما الدبلوماسية تتعثر
كلمات مفتاحية: 
سياسة إسرائيل الاستيطانية
الضفة الغربية
قطاع غزة
بنيامين نتنياهو
كتلة المستعمرات الإسرائيلية
المستعمرات
المقال الأصلي: 
نبذة مختصرة: 

يتناول التقرير زيادة وتيرة الاستيطان في الأراضي المحتلة في عهد حكومة بنيامين نتنياهو؛ هذه الزيادة والتي جرت "بهدوء" بهدف خلق وقائع جديدة على الأرض تسبق المزيد من إعادة الانتشار ومفاوضات الوضع النهائي. ويشير التقرير إلى زيادة البناء في المستعمرات الصغرى في الضفة الغربية، وهو ما يعني أن السياسات السابقة لتركيز البناء في المستعمرات الكبرى والأكثر شعبية والأقرب إلى إسرائيل تحولت إلى سياسة تشجع المستعمرات الصغرى المنتشرة في أرجاء الضفة الغربية.

النص الكامل: 

إن حمّى بدايات البناء في أنحاء الأراضي المحتلة اعتباراً من النصف الثاني من سنة 1997، تدل على الإدراك المتزايد لدى حكومة نتنياهو لفوائد البناء "بهدوء". فقد لوحظ قيام أعمال بناء جديدة، فعلاً، في 93 مستعمرة من مجموع 130 مستعمرة في الضفة الغربية، بينها مستعمرات بالقرب من القدس، وأُخرى معزولة في عمق الضفة الغربية – وهذا دليل واضح على مدى الجهد الذي تبذله حكومة نتنياهو ومجموعات الاستيطان حالياً.

ونظراً إلى بعد أعمال البناء عن المرافق القائمة، فإنه يمكن تصنيف ثلاثة عشر موقعاً للبناء، على الأقل، كمستعمرات جديدة، على الرغم من ادّعاء إسرائيل أنها جزء من المستعمرات القائمة. والبدء ببناء 4000 – 5000 وحدة سكنية كما ذكرت التقارير خلال سنة 1997، سيكون كافياً لزيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة بنسبة أكثر من 10 في المئة.

وفي الإجمال، فقد أفادت التقارير أن هناك نحو 10,500 وحدة في مراحل مختلفة من البناء في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويشمل هذا العدد محو 4000 وحدة كانت في قيد الإنشاء حين تسلّم نتنياهو السلطة في أواسط سنة 1996، كما يشمل العدد 6500 وحدة، بدىء بناؤها خلال ثمانية عشر شهراً من ولاية نتنياهو، ومعظمها كان قد وافقت عليه حكومتا رابين وبيرس.

ومما له مغزى، أن أقل من 30 في المئة من هذه الوحدات – 3000 وحدة فقط – يقع في المستعمرات المدينية الكبرى، كمستعمرة معاليه أدوميم، بينما أكثريتها – نحو 7500 وحدة – تقع في عشرات المستعمرات الصغرى في الضفة الغربية. فهذه النسبة تعني أن السياسات السابقة لتركيز البناء في المستعمرات الكبرى، والأكثر شعبية، والأقرب إلى إسرائيل، قد تحوّلت الآن إلى سياسة تشجّع المستعمرات الصغرى المنتشرة في أنحاء الضفة الغربية.

وكدليل آخر على جهود الحكومة لـ"إيجاد وقائع" تسبق المزيد من إعادة انتشار قوات الجيش الإسرائيلي، ومفاوضات الوضع النهائي مع الفلسطينيين، يذكر مصدر مطّلع أن أشغال البنى التحتية المموّلة من الحكومة تتقدّم في 80 – 90 مستعمرة من مجموع 120 مستعمرة في الضفة الغربية. ويجري تنفيذ هذه الأشغال في معظم الحالات على أراض ليست لها مخطّطات مقرّرة حالياً لبناء.

وتُظهر الأعداد الأولية للأشهر الأولى من سنة 1997 زيادة سكانية ثنائية الأعداد في مستعمرات منطقة نابلس (11,2 في المئة)، وفي مستعمرات منطقة رام الله (10,2 في المئة)، وفي غزة (10 في المئة). ويحدث معظم زيادات نابلس وغزة في مستعمرات صغرى، بينما يعود\ معظم الزيادة في منطقة رام الله إلى التوسّع في كريات سيفر (موديعين عيليت) وغفعات زئيف.

إن الزيادة السكانية للمستوطنين في الأراضي المحتلة، باستثناء القدس الشرقية، إلى نحو 170,000 نسمة في 45,000 وحدة سكنية في 150 مستعمرة ونيّف، تطرح أسئلة بشأن الدقة في تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لشهر أيار/مايو 1997، الذي قدّر نسبة الوحدات السكنية الخالية بـ26 في المئة في مستعمرات الضفة الغربية. وتبدو النسبة التي قدّرتها حركة "السلام الآن"، في وقت لاحق من السنة ذاتها، وهي 8 في المئة، نسبة أكثر واقعية. وربما نجم الفارق بين النسبتين عن كون تقديرات وكالة الاستخبارات المركزية وُضعت قبيل امتلاك عائلات إسرائيلية لبيوت جديدة خلال الأسابيع التي سبقت بدء العام الدراسي في أيلول/سبتمبر.

لقد حدثت موجة التوسّع الاستيطاني في الجزء الأخير من سنة 1997، قُبيل إعراب إدارة الرئيس كلينتون عن الحاجة إلى بعض التدابير للحدّ من سياسات التوسّع لدى حكومة نتنياهو، وبالتزامن مع تأكيدات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نفسه أن "لن يكون هناك أي توسّع كبير في المستعمرات، وأية مصادرة كبيرة [للأراضي]." وكما جاء في كلمة وزيرة الخارجية الأميركية، مادلين أولبرايت، أمام نادي الصحافة الوطني في 6 آب/أغسطس 1997، فإن الجهود الدبلوماسية للولايات المتحدة تركزت على ضرورة التوقف عن "الأعمال الأحادية الجانب والمعوقة... التي تحكم مسبقاً على المسائل المتروكة لمفاوضات الوضع النهائي." واعتُبرت هذه الصيغة، لاحقاً، "وقتاً مستقطعاً" في التوسّع الاستيطاني، ثم فُسّرت، مؤخراً، أنها جهد لحصر هذا التوسّع في المساحات المبنية سابقاً، والتي تشكّل نحو 3 في المئة من الضفة الغربية.

وبموجب أرقام جمعها مكتب رئيس الحكومة، فقد بيع نحو 80 في المئة من 4000 – 5000 وحدة سكنية، كان بدىء في بناؤها في سنة 1997.

ويعود هذا المستوى المدهش من الإقبال، على عكس التراجع في سوق الوحدات السكنية الإسرائيلية، إلى تدنّي أسعار المساكن في المستعمرات، قياساً بالتكاليف في إسرائيل ذاتها. فعلى سبيل المثال، يبلغ سعر بيت مستقل مساحته 150 م2 في مستعمرة نوكدريم الصغيرة، إلى الجنوب الشرقي من مدينة بيت لحم، 110,000 دولار، أيم ا يعادل سعر شقة مؤلفة من غرفتين في مدينة القدس.

إن انخفاض أسعار السكن في المستعمرات هو حصيلة عدد من العوامل: تصنيف المستعمرات كمناطق تطوير من الفئة "أ"، يجعلها تحصل على الحدّ الأقصى من المساعدة الحكومية، بما في ذلك 50 في المئة من ثمن الأرض؛ هامش الربح الذي تقبل به "أمناه"، الذراع البنائية لحركة غوش إيمونيم الاستيطانية، كما يقبل به المقاولون المقيمون بالمستعمرات؛ مواصفات البناء في المستعمرات أقل تشدّداً مما هي في إسرائيل. ومع أن تكلفة البناء للمتر المربع تتراوح بين 500 و600 دولار، فإن سعر بيعه يقتصر على 700 دولار فقط، وهو أدنى كثيراً من سعره وسط إسرائيل.

وقد بلّغ أحد كبار المسؤولين صحيفة "هآرتس" أنه "بعكس الرأي في أن ثمة ركوداً في قطاع البناء، فإنه ليس هناك ركود في يهودا والسامرة. ففي مستعمرة ألون مثلاً، تم بيع سبع وثلاثين وحدة سكنية في ليلة واحدة. وفي طلمون، تم بيع أربعين وحدة سكنية فور عرضها في السوق. فالإقبال، ببساطة، مستعر."

في آب/أغسطس 1996، جرى تخويل وزير الدفاع، يتسحاق مردخاي، صلاحية الموافقة على جميع أعمال البناء في المستعمرات. ومنذ ذلك الحين، أصدر مردخاي موافقة نهائية على بناء أقل من 2500 وحدة سكنية جديدة. فكيف، إذاً، بدأ بناء ضعف هذا العدد من الوحدات السكنية، علماً بالتوافق الواسع على وجود نحو 5000 وحدة سكنية في بداية البناء خلال سنة 1997؟

إن الكثير من الوحدات السكنية التي بدىء بناؤها في سنة 1997، كان قد نال الموافقة منذ حكومة يتسحاق شمير، لكن جرى تجميده بقرار من يتسحاق رابين بعد سنة 1992. وقد أقرّت حكومة رابين نفسها بناء وحدات سكنية أكثر ممّا بدىء بناؤه، فعلاً، خلال ولاية رابين، ونسجاً على منوال حزب العمل، يبدو أن حكومة نتنياهو قد "رفعت التجميد" بهدوء عن الكثير من هذه الوحدات السكنية، بعد اتخاذ القرار بإمكان بدء البناء من دون موافقة علنية رسمية من مردخاي. وبما أن أعمال البناء هذه تجري في معظمها – حتى 70 في المئة – في مستعمرات صغرى، فإنها لم تدخل، لأسباب غير معروفة، في الإحصاءات الحكومية لبدايات البناء في المستعمرات.

ووفقاً لأرقام جمعتها "أمناه"، فإن نحو 2000 وحدة من الوحدات السكنية التي بدىء بناؤها في سنة 1997، هي جزء من برنامج "إبنِ بيتك الخاص". وبين هذه الوحدات، هناك 1000 وحدة في قيد البناء في مستعمر إلكانا، و300 وحدة في ألفي مِنشيه، و250 وحدة في كرني شورمون، و150 وحدة في كدوميم، و80 وحدة في كريات نتفيم، و80 وحدة في ياكير.

ويرى أحد مسؤولي "أمناه" أن برنامج "إبنِ بيتك الخاص" جزء من سياسة الحكومة للبناء "الهادىء". وتعود شعبية هذا البرنامج إلى التسهيلات النسبية التي تقدّمها إدارة أراضي إسرائيل لتسويق القطع المخصّصة للبناء، وإلى تفضيل المقاولين بيع الأرض، لديهم الحقّ في البناء عليها، بدلاً من المخاطرة بالبناء في سوق ضعيفة.

ولمواجهة تقارير بشأن التوسّع الاستيطاني على نطاق واسع، كثّفت وزارة الخارجية الأميركية جهود استخباراتها ومراقبتها. لكن مكتب وزير الدفاع، مردخاي، أحبط محاولات الولايات المتحدة للحصول من حكومة نتنياهو مباشرة على معلومات فورية ودقيقة بشأن أعمال البناء التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي المحتلة. واستناداً إلى مصادر حسنة الاطّلاع، فإن مساعداً كبيراً لمردخاي رفض طلباً من السفير الأميركي، إدوارد بيكر، للحصول على معلومات عن التوسع السكاني في مستعمرات الضفة الغربية، مشيراً إلى أن التصريح بمثل هذه المعلومات سيثير مشكلات بين إسرائيل والولايات المتحدة. وقد علّق أحد المصادر أن "ووكر فغر فاه".

ولم تتكرر مطالبة الولايات المتحدة بمعلومات عن بناء المستعمرات، كما لم تتمّ الإشارة إلى الالتزامات التي قدّمها رئيس الحكومة، نتنياهو، إلى الرئيس كلينتون، في أول اجتماع لهما في حزيران/يونيو 1996. وفي الواقع، يقال إن ووكر بعث ببرقية إلى واشنطن، ينصح فيها للولاياتالمتحدة أن تعدل عن بذل أية جهود إضافية للحدّ من توسيع المستعمرات.