يتناول المقال تقرير المفوض العام لوكالة الأونروا للعام 1996 -1997 لأن خلفية هذا التقرير باتت تعكس في الغالب مسار العملية التفاوضية الفلسطينية ـ الإسرائيلية، ولا سيما أن الوكالة أصبحت أحد الأطراف المشاركة في المفاوضات المتعددة الأطراف، وبات يستعان بها كوكيل للدول المانحة لدى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويستعرض المقال عدداً من الملاحظات على التقرير من بينها مسألة تعثر التسوية وبالتالي تراجع احتمال اتمام مهمة الوكالة، بالإضافة إلى المعضلة الدائمة المتمثلة في المأزق المالي، وانعكاساته على الخدمات التي تقدمها الوكالة: التعليم والصحة وبرنامج تطبيق السلام. ويخلص المقال إلى تقديم عدد من التوصيات منها: أن تقوم الجهات المشرفة على ملف اللاجئين بإعادة نظر شاملة في نمط التعامل مع هذه المؤسسة باعتبارها رمزاً لمسؤولية المجتمع الدولي عن أزمة اللاجئين؛ وإيجاد الأطر الملائمة القادرة على التعامل مع ملف الأونروا؛ وبذل الجهد لتعبئة الرأي العام بين أوساط اللاجئين للدفاع عن حقهم المشروع في أن تظل قضيتهم حية.
مقدمة
باتت التقارير السنوية للمفوض العام للأونروا تتمتع بدرجة متزايدة من الاهتمام من المهتمين بالشأن الفلسطيني عامة وبقضية اللاجئين الفلسطينيين خاصة، لا لأن هذه التقارير توفر معطيات ومعلومات شاملة عن أكثر من نصف الشعب الفلسطيني فقط، بل لأنها أيضاً تكاد تكون الوثائق الرسمية الوحيدة المتوافرة بانتظام والتي تعالم أوضاع اللاجئين في أغلبية أماكن وجودهم. ولذا فهي تشكل وثائق غاية في الأهمية لرصد أوضاع اللاجئين الفلسطينيين ومتابعتها. إضافة إلى أن للتقارير مرجعيتها الدولية بحكم الدور الذي تؤديه الدول الأوروبية، وخصوصاً الولايات المتحدة، في رسم سياسات الأونروا وكون الأخيرة أيضاً المساهم المالي الأول في ميزانية الأونروا.
وهكذا فإن خلفية تقرير المفوض العام تعكس، في الغالب (في الأعوام الستة الأخيرة)، مسار العملية التفاوضية الفلسطينية – الإسرائيلية، ولا سيما أن الأونروا باتت أحد الأطراف المشاركة في المفاوضات المتعددة الأطراف، وبات يستعان بها كوكيل للدول المانحة لدى السلطة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، إضافة إلى الدور التاريخي الذي اضطلعت به على صعيد اللاجئين طوال الأعوام الخمسين المنصرمة منذ تأسيسها في كانون الأول/ديسمبر 1949.
الأونروا ومآزق التسوية
يضعنا المفوض العام مباشرة، في مقدمة تقريره، أمام مسألتين رئيسيتين تبرزان المآزق والتحديات التي تواجه الأونروا: تمثل الأولى منهما "حالة الإفلاس التقني" التي وصلت إليها الأونروا، إذ باتت عاجز عن تسديد الكثير من التزاماتها المالية، وتبخر رأس مالها المتداول نتيجة العجز المتراكم، بالترافق مع مشكلة حادة في توفر السيولة النقدية، الأمر الذي كاد يؤدي إلى توقف عمليات الأونروا تماماً، في تشرين الأول/أكتوبر 1996، لو لم يجر تدخل في آخر لحظة (من الدول المانحة) حال دون هذه الكارثة.
- أمّا المسألة الثانية، فهي التعثر الملحوظ في مسارات عملية التسوية في الشرق الأوسط، الذي ترافق مع تراجع حاد في العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية، وتزايد الاصطدامات وحوادث العنف في الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل، الأمر الذي جعل المفوض العام يصل إلى استنتاج أساسي مفاده "أن عملية السلام تمر بأزمة حادة... فإن [وهذا هو المهم] إمكانية التوصل إلى حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، كما بدت في اتفاقات سباقة بين الفرقاء، ومعها الإتمام النهائي لمهمة الوكالة، أصبحت أبعد من ذي قبل." ويعني بالجملة الأخيرة سنة 2000 باعتبارها السنة التي يفترض التوصل فيها إلى تسوية دائمة كما جاء في وثيقة إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي في خريف سنة 1993. وبذلك تتراجع الوكالة عن نتائج اجتماع عمان الشهير، سنة 1994 (للدول المانحة والأونروا)، الذي حدد السقف الزمني لولاية الوكالة بخمسة أعوام فقط، والذي رسم اتجاهات استراتيجية جديدة في عمل الأونروا، وأبرزها خطط المواءمة، وربما يضمن تسليم الخدمات إلى الدول المضيفة والسلطة الفلسطينية، ونقل مقر الأونروا إلى غزة، واستحداث برنامج تطبيق السلام، وتطبيق استراتيجيات جديدة في التربية والصحة والخدمات الاجتماعية. وترافق مع ذلك كله تحول سخاء الدول المانحة والمتبرعة من الصندوق العام للوكالة إلى برنامج تطبيق السلام!!
- إن اعتراف المفوض العام الصريح بأن حل قضية اللاجئين ما زال بعيد المنال دفعه إلى نتيجة مباشرة تناقض نتائج اجتماع عمان المذكور لخصها على النحو التالي: إن استمرار الوكالة واستمرار خدماتها لا يزالان مطلبين ملحين، وإن أي تقليص لهذه الخدمات ليس مبرراً إنسانياً، ولا يمكن تبريره في الإطار السياسي، معللاً ذلك، إضافة إلى تعثر عملية السلام، بنشوء "مخاوف حقيقية بين اللاجئين من احتمال تصفية الوكالة قبل التوصل إلى حل لمشكلة اللاجئين طبقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة"، ومؤكداً أن "أي تقليص في خدمات الوكالة [يصبح] بمثابة رسالة سلبية إلى اللاجئين وغيرهم من الأطراف في المنطقة حول مدى التزام المجتمع الدولي بعملية السلام وإيجاد حل لمشكلة اللاجئين، ويبدو استباقاً لمفاوضات الوضع النهائي حول مسألة اللاجئين."
إن الاقتباس الأخير غاية في الأهمية، وكنا قد حذرنا سابقاً من أن هذا هو الموقف الفعلي من مسألة اللاجئين كما جرى معالجتها في إطار اتفاق إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي. ثم يعود المفوض العام هانسن، فيؤكد حقيقة ثانية جَهَدَ المفوض السابق، ألتر تركمان، في نفيها، وهي: تورط الوكالة في مجريات العملية التسووية الجارية، حين يقول: "ومع أن الأونروا لم تكن طرفاً في حل النزاع، فإن الوكالة... ارتبطت بهذه العملية ونتائجها بشكل وثيق." ويستخلص، من هذا، "أن الوقت الذي تمر فيه عملية السلام بمرحلة دقيقة، هو الوقت الأنسب بالتحديد، لإعادة تعزيز دور الأونروا كعامل استقرار في تفرة من الغموض والتغيير."
- إننا نتفق مع المفوض العام على أهمية استمرار قيام الوكالة بمهماتها من دون أي تقليص لبرامجها، لكن استناداً إلى حيثيات ودوافع أُخرى أبرزها: إن استمرار الأونروا هو رمز لاستمرار مسؤولية المجتمع الدولي عن محنة اللاجئين، ولاستمرار تحمل مسؤولياتهم حتى حل قضية اللاجئين وفقاً لما أقره المجتمع الدولي نفسه (قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة). ونختلف معه في تفسير وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى درجة ولّدت مخاوف من أن ما يجري هو استباق لمفاوضات الوضع النهائي، وتأكيداً لذلك نحيله على نصوص وثيقة إعلان المبادئ التي أرجأت مسألة اللاجئين إلى ما بعد نهاية الفترة الانتقالية على صعيد المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وحولتها إلى قضية ثنائية مع كل من الدول المضيفة (اتفاقية وادي عربة)، وإلى قضية محض إنسانية في إطار المفاوضات المتعددة الأطراف والتي لم يتبق من كل لجانها سوى لجنة اللاجئين. باختصار: إن مجمل العملية التفاوضية قد رحّل الموضوع برمته إلى مستقبل مجهول، وهو ما يفسر القلق والمخاوف والتحركات المتنوعة في أوساط اللاجئين، وبدلالة أن تقدم مسار التسوية لم يؤد إلى ارتقاء أوضاع الأونروا، وإنما انعكس الوضع التفاوضي سلباً، في الحالتين، على مجتمعات اللاجئين (باستثناء قطاع غزة في الأعوام الأربعة الأولى، بحكم أن برنامج تطبيق السلام صبّ كل إمكاناته وأكثر من 50٪ من موارده في غزة لأسباب معروفة). وعدا القطاع، فقد انخفضت نسبة الخدمات التي تقدمها الأونروا أكثر من 50٪، والنتيجة هي أن مجتمعات اللاجئين تدفع الثمن في حال تقدم التسوية وفي حال تعثرها أيضاً، وهذا هو مصدر القلق الحقيقي في أوساطهم. أمّا فيها يتعلق بمسألة العجز المالي التي أثارها تقرير المفوض العام فنلاحظ التالي:
المعضلة القديمة – الجديدة والمتجددة (المأزق المالي)
إن ما يطلق عليه المأزق المالي للأونروا ليس حالة طارئة أو مستجدة في سياق أدائها لبرامجها، فلطالما كان الابتزاز المالي إحدى الوسائل الرئيسية للضغط على الشعب الفلسطيني ومؤسساته، سواء لجهة جره (أو لجر أطراف منه) إلى طاولة المفاوضات وفقاً لأسس دون الحدود الدنيا الوطنية، أو للضغط على المفاوض الفلسطيني بغية استدراج مزيد من التنازلات، أو للضغط على الشعب الفلسطيني، في لقمة عيشه وصحة أبنائه وتربيتهم، لدفعه إلى القبول بالواقع الذي يُعمل على تمريره. وغير خافٍ على أحد أن هذه الضغوط سُلّطت، وتحديداً في عام 1996 – 1997، من إسرائيل عبر تعميم الإغلاقات والحصار الاقتصادي وتوسيعهما، وعبر الولايات المتحدة بما تملكه من نفوذ على الأونروا، وهو ما أوصل الأونروا إلى حالة لم تصل إليها من قبل، أي حالة الإفلاس التقني، وخلاصتها: استهلاك الاحتياط النقدي ورأس المال المتداول (بعد أن جرى مد اليد إليهما في الأعوام الماضية)؛ عجز تراكمي لبعض الحسابات الممولة من خارج الميزانية (عدد من برمج الصحة، وخصوصاً في لبنان، وبعض المشاريع المحدثة في إطار برنامج تطبيق السلام، مثل مستشفى غزة).
ويردّ التقرير هذا الوضع إلى عدة أسباب أبرزها:
- نقص كبير في التمويل، بمعنى أن التبرعات النقدية غير كافية لتغطية نفقات البرامج العادية.
- سوء في توقيت دفع التبرعات، إذ إن بعضها يصل في نهاية العام الأمر الذي يجعلها أكثر عرضة لتقلبات صرف العملة (بلغت خسائر الصرف لسنة 1997، على سبيل المثال، 10 ملايين دولار. ونضيف سبباً ثالثاً ورئيسياً هو أن التبرعات، وبالتالي الميزانيات، لا تأخذ بعين الاعتبار الزيادة الطبيعية للسكان، ونسب التضخم السنوية).
- إن ما سبق جعل ميزانية الأونروا لسنة 1997 هي الميزانية الأكثر انخفاضاً منذ سنة 1991، على الرغم من أن عدد اللاجئين المسجلين (كشوف الأونروا) قد ارتفع في الفترة نفسها بنسبة 36٪، كما هو موضح في الجدول رقم 1، ص 77.
وإذا أخذنا معدلات التضخم السنوية خلال الفترة نفسها واعتمدنا الحد الأدنى لها 3٪ سنوياً، فإن هذا يجعلنا نصل إلى استنتاج مفاده أن انخفاض نسبة الخدمات التي قدمت إلى اللاجئين في الأعوام الستة الماضية وصل إلى 50٪ عما كانت عليه الحال في سنة 1991 (أي منذ انطلاقة مسيرة التسوية). ولا ينكر التقرير هذا، وإنما يطرحه بطريقة أُخرى، وذلك في الفقرة رقم 8، ص 8، حيث يذكر التقرير بالنص: "يتضح الأثر التراكمي لنقص التمويل والتدابير التقشفية على برامج الوكالة من خلال الانخفاض بنسبة 29 في المئة في معدل النفقات على اللاجىء الواحد خلال السنوات الأربع الماضية [أربع سنوات فقط]، أي من 110,4 دولارات في عام 1992 إلى 78,2 دولاراً في عام 1996، دون أن نأخذ في الحسبان آثار التضخم المالي." وهو ما يجعل النسبة التي طرحناها، أي 50٪، أقرب إلى الحقيقة والواقع, وينبغي لنا كي نصل إلى حقيقة معاناة اللاجئين الفلسطينيين في الفترة نفسها أن نضيف: نتائج حرب الخليج الثاني وانعكاسها على أكثر من نصف مليون نسمة كانوا يعملون في الكويت وفقدوا أعمالهم؛ الوضع المالي لمنظمة التحرير الفلسطينية وتحللها من الكثير من التزاماتها حيال اللاجئين؛ الأزمات الاقتصادية المتلاحقة في المنطقة؛ السياسات الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية (ساهمت الإغلاقات المتكررة والطويلة، والتضييق الاقتصادي الإسرائيلي، في خفض نصيل الفرد من الدخل القومي إلى 50٪ عما كانت عليه الحال عشية انطلاق مفاوضات مدريد)، كي ندرك حجم الضغط والابتزاز اللذين يمارسان على الشعب الفلسطيني، واللاجئين منه بصورة خاصة.
نتائج التقليص المالي واتجاهاته
طرح تقرير العام الماضي، في معرض الحديث عن الأزمة المالية للأونروا، أنه ما لم يُحل العجز في الميزانية فإن الوكالة ستجد نفسها مرغمة على إلغاء خدمات بكاملها، أو تقليص هذه الخدمات إلى الحدود الدنيا، أو تخفيض نوعية هذه الخدمات. أمّا تقرير هذا العام فقد تضمن الحالات الثلاث مجتمعة. وفي التطبيق شملت إجراءات التقليص 72,2 مليون دولار طالبت مباشرة البرامج الأساسية، و76,5 مليون دولار شملت برامج العاملين والخدمات المشتركة والتشغيلية.
توزعت إجراءات التقليص في البرامج الأساسية كما يلي:
30,6 مليون دولار على برنامج التعليم، أي تقليص بنسبة 21٪؛
20,1 مليون دولار على برنامج الصحة، أي تقليص بنسبة 42٪؛
21,5 مليون دولار على برنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية، أي تقليص بنسبة 83٪.
استناداً إلى بند النفقات الفعلية لسنة 1996 في الجدول رقم 12، ص 88 من التقرير، حيث برزت هذه التخفيضات في الجدول المذكور موزعة على بنود الميزانية بأكملها، فلم يتضح حجمها الفعلي، في حين أُجملت في الملحق المرفق بالتقرير في الفقرة 21، ص 12 – 13.
إضافة إلى ما سبق، هناك 25,4 مليون دولار إلغاء تعويضات نهاية الخدمة، وهو ما سيعني تغطيتها من بنود البرنامج الأُخرى، و15,1 مليون دولار للخدمات التشغيلية، و31 مليون دولار للخدمات المشتركة، فضلاً عن مبلغ غير محدد يشمل تقليصات على الصيانة.
يجب أن نأخذ هذه التقليصات بما نجم عنها، على أرض الواقع، من نتائج كي ندرك خطورتها، ولا سيما تلك التي طالب البرامج الأساسية:
التعليم: طال تأثير التقليصات
- تأجيل تنفيذ فتح صف السنة العاشرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي كان يجب أن يُفتح منذ العام الدراسي 1993 – 1994، إلى العام الدراسي القادم، وهو التأجيل الثالث؛
- استئجار أبنية غير مصممة أصلاً كمدارس لاستيعاب التلاميذ الجدد بدلاً من بناء مدارس نظامية؛
- توسيع نظام العمل بالفترتين لتصل نسبته إلى 74,5٪ من مجموع المدارس؛
- وقف توظيف معلمين جدد، الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد التلاميذ الصف الواحد واستخدام معلمين على أساس تعاقدي (لمدة عام أو عامين)، وبراتب شهري أدنى؛
- ضعف صيانة المباني المدرسية؛
- وقف ترقية معلمي المرحلة الابتدائية الحائزين الشهادة الجامعية الأولى.
وفي مجال التدريب المهني:
- لم يجر تجهيز مراكز التدريب بالمستوى المطلوب أو صيانة مرافقها؛
- لم يجر استحداث دورات تدريبية جديدة لمواكبة حاجة سوق العمل؛
- انخفاض نسبة الموجهين التربويين بالنسبة إلى عدد المعلمين.
الصحة: وهي المشكلة الأكبر والتي تبدّت من خلال
- تحميل اللاجئين مسؤولية تغطية 50٪ - 70٪ من تكلفة الفحوص الطبية المتخصصة والطراف الصناعية؛
- ارتفاع معدل العبء اليومي على الطبيب الواحد إلى ما يزيد على 100 استشارة؛
- التهديد بإنهاء خدمات الصحة العائلية إذا لم يجر تجديد الاتفاقية المعقودة مع الجماعة الأوروبية (وهي تبرع من خارج الميزانية)، وخصوصاً للبنان؛
- التهديد بتخفيض مستوى الخدمات الصحية الراهنة في لبنان إذا لم تتوفر للأونروا تبرعات من خارج الميزانية.
ولن تتوسع الوكالة أكثر في مجالات الإغاثة والخدمات التشغيلية وغيرها التي ستترك انعكاساتها أيضاً على البرامج الأساسية.
- إن ما سبق، على خطورته، هو الراهن فقط. أمّا الأعوان القادمة فستشهد مزيداً من التدهور، إذا اعتُبرت ميزانية سنة 1997 هي ميزانية الصفر للسنوات القادمة، بمعنى اعتماد الميزانية نفسها من دون أي زيادات. بالإضافة إلى ما ذكرناه من انخفاض في نسبة الخدمات حتى سنة 1996 وصلت نسبتها إلى 50٪، فإننا سنتوصل إلى استنتاج لا نرغب في الوصل إليه؛ فمع ازدياد عدد السكان وارتفاع معدلات التضخم ستصبح خدمات الوكالة للأعوام الخمسة القادمة خدمات رمزية. وهذا يتناقض مع ما وصل إليه المفوض العام من أهمية الحفاظ على الوكالة من دون أي تقليص. ولا ندري كيف ستحافظ الأونروا على نفسها من دون تقليص خدماتها مع استمرار الشروط السابقة المذكورة.
إن ما سبق هو الذي يفسر زيادة اهتمام مجتمعات اللاجئين بنشاطات الوكالة ومراقبة أدائها عن كثب وبرز اهتمام جدي، في العامين الأخيرين، بتنظيم الندوات والدراسات والكتابة عن هذا الموضوع في الصحافة، ترافق مع نشاط ملحوظ لتجمعات اللاجئين من أجل تنظيم نفسها، مثلما برز عبر تأليف لجان المخيمات في مخيمات غزة والضفة الغربية والأردن، وأنماط أُخرى في سورية ولبنان، وفي التحركات الجماهيرية التي أخذت طابعاً جماهيرياً متسعاً في الأشهر الأخيرة، وهو مرشح للاتساع والانتظام والتنوع في الأيام القادمة.
أخيراً: برنامج تطبيق السلام
أُطلق هذا البرنامج في تشرين الأول/أكتوبر 1993 بهدف إبراز محاسن السلام لمجتمعات اللاجئين. ورصد له، منذ ذلك الوقت، 219,5 مليون دولار، منها 26,9 مليون دولار فقط لسنة 1996. وقد توجه اهتمام البرنامج نحو قطاع غزة، في الدرجة الأولى، حيث أُنفق نحو 50٪ من إجمالي المبلغ على شكل نفقات غير مكررة طالت البنى والمؤسسات التحتية. ويبدو من معالجة المفوض العام لهذا البرنامج أنه بات يعتقد أن البرنامج استنفد أغراضه، ويعزو هذا إلى انخفاض كبير وملحوظ في التبرعات والتعهدات للعام في قيد الدرس قياساً بالأعوام السابقة، ليصل إلى استنتاج مفاده "أن التمويل للبرنامج قد بلغ ذروته"، وأن البرنامج سينتقل إلى التركيز على "إتمام المشاريع الممولة"؛ وهو ما يعني، وبوضوح، إضافة أعباء جديدة على الصندوق العام للأونروا بفعل تكلفة وتشغيل وصيانة المؤسسات والمشاريع والخدمات التي أقيمت في إطار برنامج تطبيق السلام، كما سيضاعف من حدة المشكلات والصعوبات المالية للأونروا. وبديهي أن الموقف من البرنامج هو انعكاس دقيق لما آلت إليه التسوية!!
أخيراً
ما هي أفضل السبل للتعامل مع هذا الواقع؟ - واقع الأونروا على خلفية مشكلاتها المالية والسياسية (تعثر التسوية)، وضمان عدم إنهاء هذه المؤسسة الدولية أو تقليص خدماتها، وبما ينعكس سلباً، اقتصادياً واجتماعياً وتربوياً وصحياً، وإضافة إلى كل هذا سياسياً، على مجتمعات اللاجئين، باعتبار قضية اللاجئين قضية أساسية لكل الشعب الفلسطيني.
(1) إن ما سبق ذكره يملي على كل الجهات المسؤولة عن ملف اللاجئين من ممثلي اللاجئين (لجان مخيمات؛ لجان لاجئين على المستوى الوطني؛ قوى؛ فصائل؛ مؤسسات؛ جهات رسمية فلسطينية)، والدول المضيفة (ولا سيما الجهات المعنية فيها بالملف) إعادة نظر شاملة في نمط وشكل التعامل مع هذه المؤسسة الدولية، لا باعتبارها الجهة التي تتحمل المسؤولية الأبرز عن ضمان حياة لائقة للاجئين الفلسطينيين فقط، بل باعتبارها أيضاً رمزاً لمسؤولية المجتمع الدولي بأسره عن مأساة اللاجئين الفلسطينيين إلى أن تُحل قضيتهم حلاً عادلاً في إطار قرارات الشرعية الدولية المعنية بهم، والعمل على إيجاد الوسائل على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإيجاد حل دائم لتمويل الأونروا يخرجها من دائرة التبعية للتبرعات المباشرة، ويحمّل المجتمع الدولي ككل هذه المسؤولية.
(2) إيجاد الأطر الملائمة القادرة على التعامل مع ملف الأونروا بصورة شاملة. وإذا كان ذلك يجري في إطار اللجنة الاستشارية للأونروا فحريّ أن يكون ذلك ممكناً بين الأطراف الفلسطينية والعربية المعنية بهذا الشأن، بمعنى إيجاد إطار عربي فلسطيني يسعى لبلورة تصور ورؤية موحدين فيما يخص أساليب التعامل مع هذا الملف. وهذا لا يتناقض مع مؤتمر المشرفين المنبثق من جامعة الدول العربية، وإنما هو تطوير أكثر جدية لهذا الموضوع.
(3) آن للأطر الفلسطينية الرسمية والشعبية أن تستحدث جهات وهيئات تعنى بمتابعة ملف الأونروا واللاجئين، ووضع الأبحاث والدراسات والمقترحات أمام القيادات السياسية المعنية، وبما يكفل لهذا الملف (الأونروا واللاجئين) ما يستحقه من اهتمام.
(4) من المهم توحيد الجهد الوطني في كل ساحة بما يكفل التوصل إلى تفاهم بشأن ملف الأونروا، بحيث يشمل، ما أمكن، أوسع تمثيل للقوى والفعاليات.
(5) أهمية نشر المعلومات وتعميمها وإيجاد آليات تضمن تزويد الأطراف المذكورة كل ما يمس نشاط الأونروا وما يتصل بشؤونها، وإيلاء أهمية كبيرة للنشر والكتابة وتنظيم الندوات والدراسات ونشرها على نطاق واسع، والدخول على كل الجهات الدولية التي تعنى بهذا الملف بجهود منظمة ورؤى ومطالب محددة وموحدة.
(6) إن المفصل الأهم للعناوين السابقة يتوقف، إلى حد كبير، على جهود اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم في تنظيم أنفسهم وحمل قضيتهم والمبادرة إلى إثارة الاهتمام بها على الصعد المتعددة. وهنا فإن الكثير من المبادرات، وهي كثيرة على هذا الصعيد، لم يتمكن من الاستمرار لأسباب متعددة، إلا إن هذا لا يعني أن هذا الهدف لم يعد قائماً، بدلالة استمرار المبادرات والمحاولات ونجاح بعضها (بعض مؤتمرات المخيمات في الضفة الغربية مثلاً). إن ما سبق يؤكد ضرورة توحيد جهود الجميع للوصول إلى تأليف لجان على مستوى القطر ترتبط من خلال علاقات تنسيقية بلجان المخيمات في إطار لجنة مركزية. ويمكن أن يكون النموذج الأردني الذي تشكل مؤخراً صيغة يمكن الاستفادة منها، إذ تألفت اللجنة من 13 مندوباً عن أحزاب المعارضة، و3 مندوبين عن اتحادات العاملين في الوكالة، و7 شخصيات تمثيلية، وهي صيغة يمكن البناء عليها وتطويرها بحسب واقع كل ساحة.
(7) أثبتت التحركات والأنشطة والفعاليات الجماهيرية والدراسات والندوات واللجان... إلخ، خلال العامين الماضيين، وبما ولّدته من ضغوط على الأونروا وصل صداها إلى من يهمه الأمر، أن في الإمكان تعبئة الرأي العام بين أوساط اللاجئين وتنظيمه حتى في الحدود الدنيا الممكنة للدفاع عن حقه المشروع في أن تظل قضيته حيّة، وفي هذا الإطار استمرار الأونروا واستمرار خدماتها. وقد نجح هذا الأمر في إرغام الأونروا ومن يوجه سياستها على الرضوخ والتراجع في بعض الأمور.
أخيراً
يبقى ما سبق مجرد اقتراحات قد تصوّب وقد تطوّر، ويمكن أن يخطىء بعضها أو كلها وتطرح بدائل منها كلها أو بعضها، فلا بأس بهذا كله إذ إنه أفضل من أن يبقى كل ما سبق صرخة في واد.