يتناول المقال العلاقات الإسرائيلية ـ التركية في إطار الاستقطاب الآخذ بالتعمق بين النخبة العلمانية وشرائح المجتمع التركي. وتعرض لكيفية نشوء هذه العلاقات وتطورها، ويبين الكاتب أسباب هذا التحالف ويقول إن العلاقات الآخذة في التعمق هي دالة على الشعور لدى العسكر التركي، حرس التقاليد الكمالية بأنهم محاصرون في وجه التحديات المحلية لرؤيتهم المتجانسة. وبعد أن يصف الكاتب سمات هذا المحور يبين كيف أن ذلك يتناغم مع الحسم المتسارع بين الجيش والحكومة المدنية ذات القيادة الإسلامية. ويخلص إلى أن سياسة تركيا الخارجية أصبحت أسيرة القلق الأمني في الداخل، الناتج عن التحديات الكردية والإسلامية للسياسات الكمالية الهادفة إلى إيجاد الانسجام الداخلي، ولسعي المؤسسة الكمالية إلى أن تصير "بلداً أوروبياً داخل العالم الإسلامي".
يستكشف هذا المقال العلاقات الإسرائيلية - التركية في إطار الاستقطاب الآخذ في التعمق بين النخبة العلمانية وشرائح المجتمع ذات التوجه الديني في تركيا. ويبيّن الكاتب، خلال بحثه في أسباب هذا التحالف وفي إطاره السياسي، أن الصلات الآخذة في التعمق هي، على الأقل جزئياً، دالة على الشعور لدى العسكريين الأتراك، حرس التقاليد الكمالية، بأنهم محاصرون في وجه التحديات المحلية لرؤيتهم المتجانسة. وبعد وصف سمات هذا المحور نفسه، يُظهر الكاتب كيف أن ذلك يتناغم مع الحسم المتسارع بين الجيش والحكومة المدنية ذات القيادة الإسلامية. وأخيراً، يتطرق هذا المقال إلى العلاقة في ضوء المصالح القومية التركية، ليخلص إلى أن المشكلات التركية الرئيسية هي مشكلات داخلية، ولا تخضع لحلول خارجية.
ليلة الأول من شباط/فبراير 1997، أُقيم مهرجان في البلدة الصغيرة سينجان، القريبة من أنقرة، احتجاجاً على احتلال إسرائيل للقدس الشرقية. ورُفعت يافطات تؤيد حزب الله وحماس، وأُطلقت هتافات "تسقُط إسرائيل"، مع استنكار العلاقات التركية - الإسرائيلية الآخذة في التعمق. وكانت تظاهرات إحياء "يوم القدس" أصبحت، منذ سنة 1987، حدثاً سنوياً في مدن الأناضول كافة، ولا سيما في الجنوب والشرق.[1] وتميز مهرجان سينجان من الاجتماعات الأُخرى التي لا تُحصى بأنه أُقيم بالقرب من أنقرة، معقل أيديولوجيا الدولة العلمانية، وبحضور السفير الإيراني إلى جانب السياسيين الأتراك المحليين. وفي الرابع من شباط/فبراير، هدرت الدبابات في شوارع سينجان، وفرض العسكر على وزارة الداخلية اعتقال رئيس بلدية المدينة، منظم المهرجان وعضو حزب الرفاه الإسلامي الذي كان في السلطة آنذاك. ويمكن النظر إلى الحدث باعتباره الطلقة الأولى في الحسم بين الحكومة المدنية بقيادة حزب الرفاه، وبين القوى العلمانية بقيادة الجيش، وتتوَّج بعد أقل من خمسة أشهر بسقوط الحكومة.
إن علاقات تركيا الاستراتيجية بإسرائيل قضية سياسية خارجية، لكن التفاعل مع المشكلات الداخلية دينامي وبعيد الأثر. وفي التظاهرات التي وسمت الصراع بين حزب الرفاه والحركات الشعبية الإسلامية من جهة، وبين المؤسسة العلمانية ذات التوجه الغربي والجيش من جهة أُخرى، اختلطت يافطات تعلن أن "الإعلام التركي في خدمة إسرائيل"، وأن "هذه هي تركيا، لا إسرائيل"، وأن "تركيا لن تصبح إسرائيل"،[2] بيافطات تطالب الجيش التركي بـ "عُد إلى الثكنات"، وبالبقاء بعيداً عن الشؤون المدنية.[3] كما أصبح إحراق العلم الإسرائيلي سمة متكررة في التظاهرات.[4] وهكذا تحولت العلاقات النامية بين تركيا وإسرائيل إلى مجال خلاف بشأن توجّه تركيا القومي، وحتى إلى مصدر آخر للاستقطاب بين شرائح المجتمع المتصارعة.[5]
الهوية القومية ميدان المعركة
يستحيل إدراك وقع التحالف الإسرائيلي - التركي على الصعيد التركي الداخلي من دون التنقيب في الخلفية الاجتماعية - السياسية للجدل بشأن الهوية. فمنذ تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك سنة 1922 حتى سنة 1980، كانت القومية العلمانية هي السبيل الرئيسي للتحديث؛ وفي هذه الحالة التركية، لم تكن القضية قضية بناء دولة وإنما أيديولوجيا بناء أمّة، إذ إن بنية الدولة كانت متطورة إلى حد بعيد. لقد اعتبر النظام الكمالي الإسلام مسؤولاً عن تخلف تركيا الاقتصادي، وساوى بين التقدم وبين الهوية العلمانية الغربية السمة. وفي محاولة لبناء أمة متجانسة من مزيج من المجموعات الإثنية، كان الأيديولوجيون الكماليون مهتمين بالاعتماد على ماضي الحثيين والسومريين في الأناضول أكثر من اهتمامهم باستخراج المصادر الثقافية لـ "الذات" التركية من التراث العثماني. وفي الواقع، أحست النخبة الرسمية بأن الحداثة لا يمكن تحقيقها إلاّ بتحرير الجمهورية من التقليد العثماني - الإسلامي. ومن المفارقات أن تركيا العلمانية اعتبرت مواطنيها الأرمن واليونانيين واليهود أغراباً، حتى أنها أنشأت "معسكر العمل الإلزامي" للأقليات غير الإسلامية في الأربعينات من القرن الحالي لتسهيل تتريك الاقتصاد.[6]
وعلى الرغم من أن هدف إنشاء أمة تركية "علمانية"، الذي وضعه الكماليون لأنفسهم، تقدم تقدماً بطيئاً في المجتمع الأناضولي التقليدي، فإنه حقق نجاحاً مرموقاً بين النخبة في الأوساط المدينية الواسعة، وبين المهاجرين المسلمين من البلقان الذين استقروا بأعداد كبيرة في تركيا مع تقلص الإمبراطورية العثمانية بدءاً من أواخر القرن التاسع عشر، والتبادل السكاني اليوناني - التركي في العشرينات من القرن الحالي، وبين شرائح من الطائفة العلوية. وتطلبت عمليتا "التغريب" و"التقدم"، وهما المبرران لوجود النظام الجمهوري، أن يظل التفاعل مع الشرق الأوسط في حده الأدنى.[7] وهكذا فإن أنقرة نفّذت، في العشرينات والثلاثينات من القرن الحالي، سياسة "نزع الطابع العربي" والإسلامي عن المجتمع. وبينما كانت تركيا، في سنة 1949، أول دولة إسلامية تقيم علاقات مع إسرائيل، فإنها جهدت في أن تبقى بعيدة عن السياسة الشرق الأوسطية، ولم تحد عن ذلك إلاّ فترة قصيرة عندما انضمت إلى حلف بغداد سنة 1955. وكان توجه السياسة الخارجية التركية نحو التطابق مع الغرب نتيجة اعتبارات تفرضها الجغرافيا والحرب الباردة بالتأكيد، كما كان دالّة على التوجه السياسي والشرعية للنخبة الكمالية.[8] ولقد انطلقت العلاقات الخارجية من الهوية الأوروبية التي نسبتها النخبة العلمانية إلى نفسها، والتي أصبحت بدورها أساساً لتحديد "المصالح التركية القومية".
أدّت محاولة الانفصال عن العالم الإسلامي المحيط إلى توسيع الهوة بين النخبة والجماهير إلى حد كبير. واتضح مدى هذه الهوّة في انتخابات 14 أيار/مايو 1950، عندما صوّت السكان بأعداد كبيرة لإخراج حزب الشعب الجمهوري، الذي حكم تركيا منذ أتاتورك، من السلطة، وفي المقابل، حقق الحزب الديمقراطي الذي وعد باحترام التقاليد الإسلامية، وصوّر نفسه عن وعي بأنه صوت الأكثرية الأناضولية المهمشة، انتصاراً ساحقاً، ونال 487 مقعداً نيابياً من مجموع 556 مقعداً. وفي رأي أستاذ علم السياسة إرغون أوزبودون، "كان القاسم المشترك بين مؤيدي الحزب الديمقراطي معارضتهم لمركز السلطة الرسمية."[9]
وبنشوء نظام التعدد الحزبي في الخمسينات من القرن الحالي، تضخمت ثنائية الهوية التركية الجمهورية. وجعلت الديمقراطية والليبرالية الاقتصادية المجموعات الإسلامية التوجه، والهامشية حتى ذلك الحين، أقرب إلى مركز السياسة، من خلال الحزب الديمقراطي بالدرجة الأولى في الخمسينات، ثم بعد حله سنة 1961 من خلال حزب العدالة. وصارت المجموعات الإسلامية القوية، مثل مجموعة نوركوس (أنصار سعيد نورسي) والطريقة النقشبندية الصوفية، ناشطة سياسياً في إطار حزب العدالة "العلماني"، لا في إطار حزب الإنقاذ الإسلامي الوطني (السابق لحزب الرفاه) بزعامة نجم الدين أربكان. وأدى وجود عناصر دينية قوية داخل الأحزاب السياسية العلمانية العلنية في الوسط واليمين - وهو ما لا يزال قائماً حتى الآن - إلى تلطيف العقوبات القاسية المضادة للدين التي حُوفظ عليها في الأعوام الأولى من العهد الكمالي.
في السبعينات من القرن الحالي، فرض عزل تركيا بسبب القضية القبرصية وتنامي الأهمية الاقتصادية للشرق الأوسط، بالإضافة إلى بروز المشاعر الإسلامية المحلية بصورة متزايدة، على الدولة التركية أن تصبح أشد حساسية إزاء العالم العربي الذي كان مستخَفاً به في السابق. وكان أحد مظاهر هذا التحول السماح لمنظمة التحرير الفلسطينية بتأسيس بعثة دبلوماسية كاملة في أنقرة سنة 1979. وفي أوائل أيلول/سبتمبر 1980 أجبر مجلس النواب، في خطوة لا سابقة لها، وزير الخارجية على الاستقالة من منصبه لعدم مبالاته المزعومة بالمصالح الإسلامية في القدس.[10] وازداد تدهور العلاقات بإسرائيل بعد الانقلاب العسكري التركي في 12 أيلول/سبتمبر 1980، إذ استدعت أنقرة سفيرها وطلبت من إسرائيل أن تستدعي هي الأُخرى سفيرها. ولم تُستأنف العلاقات على مستوى السفراء إلاّ في كانون الأول/ديسمبر 1991، وذلك في مسعى لمواجهة النقد الحاد الذي وجهه الغرب إلى تركيا بسبب امتناعها من التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإلغاء قرار سنة 1976 المتعلق بـ "مساواة الصهيونية بالعنصرية". وفي الوقت نفسه، رُفعت بعثة منظمة التحرير الفلسطينية إلى مستوى سفارة.
كان للتغيرات في الخريطة السياسية ما يوازيها في الميدانين الثقافي والاقتصادي، ولا سيما انطلاقاً من السياسة الليبرالية لتورغوت أوزال، الذي أصبح رئيساً للحكومة سنة 1983. ومع التحوّل من سياسات الاستيراد بالتبادل الرسمية في الستينات والسبعينات، إلى السياسة الاقتصادية الجديدة ذات التوجه التصديري في الثمانينات، بدأ المقاولون في إستنبول، وهم أناضوليون استقروا بالمدن مؤخراً، وذوو توجه إسلامي إلى حد كبير من الناحية الثقافية، وقريبون من حزب الوطن الأم الذي أنشأه أوزال مؤخراً، يتحدّون كبار الصناعيين المدعومين من الدولة. وأدى بروز كل من القطاع الخاص الناشط، المعروف بـ "النمور الأناضوليين"، والمراكز الاقتصادية الجديدة، إلى نسف القاعدة الاقتصادية للعلمانية. كما بدأت مجموعات رجال الأعمال المحلية تبرز، منذ أواسط الثمانينات، في شتى أنحاء تركيا؛ وأشهرها رابطة رجال الأعمال المستقلين (MÜSIAD)، التي تمثل الصناعات والأعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة، الإسلامية التوجه، في 45 مدينة، والتي تطمح بصورة علنية إلى أن تكون ذات وزن في مقابل رابطة الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك (TÜSIAD)، التي تضم عدداً من التجمعات التجارية التي يُنظر إليها أنها مستفيدة من محاباة الدولة. بالإضافة إلى ذلك، استخدمت شرائح من البورجوازية الجديدة، الأناضولية بالدرجة الأولى، ثروتها في تعزيز ارتباطاتها بالعالم الإسلامي الأوسع، وذلك في الغالب بشروط رمزية ذات صلة بالاستهلاك الرأسمالي. وقد شمل ذلك حملات بيع تَعِدُ بهبات للمؤسسات الخيرية الإسلامية العاملة في البوسنة وبلاد الشاشان، وحتى في الجزائر. وفي المجتمع المتزايد التقاطب، المتمثل في تركيا حالياً، بات شراء أنواع معينة، كمنتوجات أولكر (Ülker) الغذائية، بياناً سياسياً.
أدى التنوع الاقتصادي إلى التنوع في الخطاب الثقافي والرموز الثقافية. وهكذا، بالإضافة إلى تزايد القوة السياسية في العاصمة الإقليمية، واجه الأساس الأيديولوجي للجمهورية التركية تحدي الخصخصة في التربية والإعلام، بنشوء نحو مئة محطة تلفزية، أكثرها إسلامي التوجه، إلى جانب قناة الدولة الوحيدة التي احتكرت البث حتى أواسط الثمانينات. كما ازداد عدد الصحف والمجلات التي تمثل وجهات نظر متعددة. وبالتدريج، أخذت الرابطات القائمة على المجتمع المدني، بما فيها المؤسسات الثقافية والنقابات، والمنتظمة في شبكات صوفية، تستخدم أصواتها الانتخابية ووسائلها الاقتصادية لإعطاء الأحزاب السياسية من اليمين الوسط، واليمين الديني أيضاً، هيكليتها. ودفع ذلك إلى تجنيد الموالين الحزبيين ذوي التوجهات الدينية في المناصب الحكومية العالية والشرطة. وعلى الرغم من أن الجهود لاختراق الأكاديميات العسكرية فشلت، فإن تحولاً أساسياً حدث في صفوف الضباط الدنيا والوسطى، إذ أصبح الجيل الجديد من أبناء الأناضول الأوسط أكثر من أبناء مهاجري البلقان. وأخذت هذه التبدلات تترك أثراً مهماً في إعادة صوغ المصالح القومية.[11]
قد يبدو متناقضاً أن عدة عقود من التوسع الاقتصادي والليبرالية السياسية أمّنت الأساس لإنشاء هوية سياسية إسلامية. لكن من المهم أن نلحظ أن الحركة الحالية من أجل الهوية الإسلامية ليست عودة إلى الطرق القديمة، وإنما هي "خلقٌ حديثٌ يتلاءم مع الواقع السياسي الراهن."[12] إن هذا النمط من الهوية الإسلامية منفصل عن بيئته الريفية التقليدية، ومتجذر في إطار مديني مسيَّر تجارياً. كما يجب التأكيد أن التحديات الكثيرة للهوية القومية العلمانية السابقة لم تؤدِ إلى تفككها، وإنما إلى تمازج وتقارب بين الهويتين الإسلامية والقومية العلمانية.
في غضون ذلك، أدت قوى الليبرالية الاقتصادية والسياسية هذه إلى نشأة القومية الكردية التي قاعدتها الطبقة الوسطى، وبدأت منذ الثمانينات تطالب بالحقوق الثقافية للمواطنين الأكراد. وكان المثقفون الإسلاميون والأكراد العاملون خارج حدود الدولة المحددة رسمياً، ضمن الشرائح الاجتماعية والفكرية الأكثر نشاطاً في المجتمع المدني، الداعية إلى نظام أكثر تعددية وانفتاحاً.
وشكّل تعدد النخبة، بالإضافة إلى خطابات الهوية الجديدة، تحدياً جذرياً للخطاب الحكومي التقليدي للمؤسسة الكمالية التي استخدمت جميع الأساليب الممكنة للحد من الانحراف عن الخط الرسمي للأمة - الدولة المتجانسة، الموحدة بقيادة نخبة مستنيرة عاملة من أجل التحديث. وأمام هذه المطالب المتزايدة بأن تعترف الدولة بتنوع الهوية والمصالح في بلد متنوع تاريخياً، عزت النخبة العلمانية هذه التحديات إلى مؤامرات من إيران بالنسبة إلى الإسلاميين، ومن سورية بالنسبة إلى الأكراد. وكانت نتائج رفض الدولة للاعتراف بالتطلعات الثقافية المشروعة مأساوية بالنسبة إلى الأكراد خاصة، إذ كانت قضية الهوية أكثر تعقيداً. وبينما كانت الهوية الإسلامية وغيرها من الهويات تندمج أو، إلى هذا الحد أو ذاك، تتطابق مع الهوية القومية التركية، كان بعض الأكراد ينظر إلى الهوية الكردية أنها متناقضة. ثم تعزز التوجه عندما رفضت الدولة مطالب الأكراد بالحقوق الثقافية رفضاً كلياً. وفي أواسط الثمانينات، قام عصيان مسلح في الجنوب الشرقي من البلد. وفي حين نشأ حزب العمال الكردستاني نتيجة عدم تلبية مطالب الهوية الكردية ورفض الدولة التركية فسح مجال سياسي، فإن تزايد الدعم للحزب بين الأكراد كان مرده حملة عسكرية لم تميز مقاتلي الحزب من المتعاطفين العاديين معه.
ونتيجة الإحياء الإسلامي - الذي اتخذ في منتصف التسعينات شَكْلَ خطر انتخابي مع نشوء حزب "الرفاه" - وتطور المشكلة الكردية وتوسعها، أصبحت السياسة التركية الداخلية والخارجية خاضعة أكثر فأكثر لإحساس آخذ في التعمق بانعدام الأمن. ونشأت بالتالي "دولة الأمن أولاً" على حساب المجتمع المدني والحقوق الإنسانية الأساسية، بحيث تأخر كثيراً نُضْج المجتمع التركي المدني والديمقراطي عن مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلد. وبالنسبة إلى المؤسسة الكمالية، فإن الشعور بالحصار والهلاك ازداد حدة عقب إيقاف مهمتها - الرامية إلى أن تصبح جزءاً من الغرب - بقسوة، بواسطة ما ارتئي أنه تصميم من الاتحاد الأوروبي على استثناء "تركيا المسلمة"، بينما كان يفكر في قبول الخصوم السابقين في حلف وارسو، كبولندا والمجر، وحتى ربما رومانيا وبلغاريا، بالتالي.[13] حيال هذه الخلفية، سعت النخبة العسكرية للتغلب على الخطر الداخلي وعلى عزلة تركيا في العالم الغربي عبر التحالف الجديد مع إسرائيل.
من التطبيع إلى الشراكة الاستراتيجية
إن السياسة التركية المتبعة منذ فترة طويلة في الحفاظ على "التوازن" بين العرب والإسرائيليين، بل في الميل إلى العرب بدرجة معينة منذ السبعينات، أخذت تنهار منذ حرب الخليج. فقد تنبهت الدولة لحقيقة أن التجارة مع العالم العربي انخفضت انخفاضاً حاداً، وتدنت الصادرات التركية إلى الدول العربية من 47% من مجموع صادراتها سنة 1982، إلى 12% فقط سنة 1994. كما وفرت الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مصدراً بديلاً محتملاً للنفط والغاز، والأسواق للسلع التركية. وعلى الصعيد السياسي، عززت حرب الخليج وما نجم عنها تقسيم العالم العربي، الأمر الذي دفع صانعي السياسة التركية إلى الاستنتاج أن مفهوم "كتلة عربية" في مجمله يجب ألاّ يؤخذ بجدية.[14] والأهم من ذلك "كعامل مسهِّل" هو أن الاتفاقات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل وَقَت البيروقراطية التركية من النقد الداخلي والعربي.[15] وبعد مؤتمر مدريد في تشرين الأول/أكتوبر 1991، ردت وزارة الخارجية على المعارضة الداخلية لتطبيع علاقاتها بإسرائيل، بتصريحات فحواها أن لا مبرر لأنْ نكون "عرباً أكثر من العرب". وبما أن الدول العربية، بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية، تسعى لتطوير العلاقات بإسرائيل، فلماذا ينبغي لتركيا ألاّ تفعل الشيء نفسه؟
جاءت حرب الخليج وما عقبها، بالإضافة إلى رفع "القيود" عن تقارب تركيا مع إسرائيل، لتزيد في الحوافز على الإقدام على مثل هذا التحالف. وفي إثر عاصفة الصحراء، بات انفجار التمرد الكردي أهم خطر على وجود الدولة التركية. وفي الوقت الذي جعل انهيار الاتحاد السوفياتي دور تركيا التقليدي في التحالف الغربي غير ثابت، فإن كلا أساليب الدولة المتزايدة وحشية لسحق المتعاطفين مع حزب العمال الكردستاني وتعليقها الحقوق السياسية الأساسية للأحزاب الكردية، جعلها هدفاً لنقد متزايد من الغرب. ولقد أجبر الاحتجاج الأوروبي على خروقات تركيا لحقوق الإنسان، فيما يتعلق بالقضية الكردية، كلاً من بلجيكا وألمانيا والنرويج، ودول أوروبية أُخرى، على الرضوخ للضغوط العامة وعلى إيقاف مبيعات الأسلحة إلى تركيا، الأمر الذي دفع هذه الأخيرة إلى تطوير صناعتها المحلية للأسلحة، وشجعها على البحث عن المساعدة لدى إسرائيل، التي لا تربط مبيعاتها من الأسلحة بشروط احترام حقوق الإنسان. كما أن التعاون مع إسرائيل انسجم مع رغبة تركيا في الضغط على سورية من أجل وقف دعمها لهجمات حزب العمال الكردستاني على الأهداف المدنية والعسكرية التركية.[16]
وفي ضوء ذلك، تتضح أسباب التطبيع التركي مع إسرائيل والتحالف العسكري الذي تلاه. وبواسطة العلاقة الاستراتيجية بإسرائيل فإن المؤسسة الكمالية، بقيادة العسكريين هذه المرة، تأمل بأن: (1) تُحقق الاتصال بواشنطن من "الباب الخلفي" عبر الوساطة الإسرائيلية، مواجهة بذلك جماعتي الضغط (اللوبي) اليونانية والأرمنية؛ (2) تؤكد توجه تركيا الغربي بعد أن رفض الاتحاد الأوروبي طلبها الانتساب إليه، وبأن تظهر ميولها "العلمانية"؛ (3) تتصدى للدعم الإقليمي (من إيران وسورية، بالدرجة الأولى) للمجموعات الإسلامية المحلية ولحزب العمال الكردستاني؛ (4) تؤمن مصدراً موثوقاً به جديداً للتقنية العسكرية لا يكون مشروطاً بحقوق الإنسان. وبعد تشكيل حكومة أربكان الائتلافية في حزيران/يونيو 1996، أُضيف إلى ذلك حافزاً آخر هو إحراج الحكومة ذات التوجه الإسلامي بإظهار عجزها عن منع قيام تحالف كانت عارضته علناً.
ويمكن القول إن "التطبيع" مع إسرائيل بدأ بزيارة وزير السياحة التركي، عبد القادر آتِش، في حزيران/يونيو 1992 (أول زيارة يقوم بها وزير تركي خلال 27 عاماً) وتوقيع معاهدة لتسهيل السياحة بين البلدين. لكن لا جدال في أن إعلان المبادئ في 13 أيلول/سبتمبر 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية فتح الطريق أمام تحول ملحوظ في السياسة التركية إزاء إسرائيل. وبعد شهر، بتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 1993، زار إسرائيل وزير الخارجية التركي، حكمت تشيتين، وهو أعلى مسؤول تركي يقوم بذلك علناً منذ قيام إسرائيل سنة 1948. كانت القضايا الاقتصادية من أهم البنود المدرجة في جدول الأعمال: رغبة إسرائيل في النفاذ إلى آسيا الوسطى عبر تركيا؛ حاجة تركيا إلى تأييد إسرائيل في الحصول على دعم الولايات المتحدة لتمرير أنابيب النفط من بحر قزوين إلى ميناء الإسكندرون فيها. والوثيقتان اللتان وقعتا كانتا، في الأساس، إطاري اتفاقيتين بشأن السياحة والتعاون الاقتصادي وتبادل برامج التعليم.[17] غير أن أهمية الزيارة تكمن في مجال آخر؛ وقد عرضت الصحيفة التركية الرسمية Newspot ذلك أنه يفتتح "عهداً جديداً في العلاقات التركية - الإسرائيلية." ولدى عودة تشيتين إلى أنقرة صرح إلى أحد الصحافيين "أن العلاقات التركية - الإسرائيلية ستحقق تطوراً في جميع الميادين. لقد اتفقنا على أنه يجب أن تتعاون تركيا وإسرائيل على إعادة بناء الشرق الأوسط."[18]
وتلا ذلك سيل من الزيارات قام به مسؤولون إسرائيليون على مستوى رفيع. ولتأكيد المضامين الاستراتيجية لزيارة تشيتين، ترأس المدير العام لوزارة "الدفاع" الإسرائيلية، دافيد عِفري، وفداً من رسميين كبار وجنرالات إلى أنقرة للبحث في مجالات التعاون الممكنة. كما قام الرئيس الإسرائيلي، عيزر وايزمن، بزيارة رسمية في الفترة 25 - 27 كانون الثاني/يناير 1994، ثم تلتها زيارة رسمية أُخرى قام بها وزير الخارجية، شمعون بيرس، في نيسان/أبريل 1994، عندما وقع اتفاقية بشأن البيئة.
وسجلت زيارة رئيسة الحكومة التركية، تانسو تشيلر، إلى إسرائيل في الفترة 3 - 5 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 نقطة تحول في العلاقات التركية - الإسرائيلية. وخلال الزيارة شددت على اتفاقية تجارة حرة؛ لكن هذه الاتفاقية لم توقع إلاّ في 14 آذار/مارس 1996، ولم يتم التصديق عليها إلاّ في نيسان/أبريل 1997؛ غير أن الدولتين وقعتا فعلاً اتفاقيات تعاون في ميادين الاتصالات البعيدة، والخدمات البريدية، ومكافحة الاتجار بالمخدرات. إلاّ إن أهمية هذه الزيارة كانت سياسية: فقد شكر رئيس الحكومة الإسرائيلية، يتسحاق رابين، تشيلر "على اتخاذها خطوة لم يجرؤ أي رئيس حكومة تركي على اتخاذها؛ وهي زيارة إسرائيل." ومع أن وزير الخارجية، ممتاز صويصال، وهو المؤيد القوي لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، دفع تشيلر إلى زيارة بيت الشرق في القدس الشرقية، فإنها أثنت علناً على الصهيونية أمام مضيفيها الإسرائيليين، وشبهت بن - غوريون بأتاتورك.[19] وبالنسبة إلى الإسرائيليين، رمزت هذه الزيارة إلى تغير سياسي رئيسي في المنطقة.[20]
ولم يتضح مدى هذا التغير إلاّ بعد مضي أكثر من عام، عندما عُلم في نيسان/أبريل 1996 أن "اتفاق تعاون وتدريب عسكريين" بين تركيا وإسرائيل قد وُقِّع في 23 شباط/فبراير 1996.[21] ولم يُعلَن مضمون هذا الاتفاق لكنه يشمل، بحسب ما أُشيع، اتفاق تدريب مشترك مع سلاحي الجو والبحر الإسرائيليين.[22] وبموجب هذا الاتفاق تتبادل تركيا وإسرائيل الأشخاص العسكريين؛ ويكون لكل منهما الحق في زيارة القواعد العسكرية لدى الأُخرى؛ كذلك يُسمح لإسرائيل بأن تقوم بطلعات جوية للرقابة الإلكترونية فوق حدود تركيا مع إيران والعراق وسورية. وجرى التشديد على التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وعلى أمن الحدود، بما في ذلك مساعدة إسرائيل لتركيا في حماية حدودها من تسلل المقاتلين الانفصاليين الأكراد.[23]
من المفارقات أنه عند توقيع الاتفاق العسكري كانت الانتخابات التركية العامة في كانون الأول/ديسمبر 1995 أمنت لحزب الرفاه الإسلامي، بزعامة نجم الدين أربكان، أكثرية نيابية. وكان أربكان خاض الحملة على أساس الوعد بقطع العلاقات بإسرائيل؛[24] كما أن خطاباته وأدبيات حزبه كانت حافلة بشجب الصهيونية والدولة اليهودية.[25] إلاّ إنه لم يستطع أن يغير مسار التحالف؛ ففي 26 آب/أغسطس 1996، بعد شهرين من تسلمه السلطة أخيراً في 28 حزيران/يونيو 1996، أنجزت تركيا وإسرائيل صفقة بقيمة 590 مليون دولار، تقوم شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، بموجبها، بتحديث أسطول تركيا من مقاتلات فانتوم "ف - 4" (F-4) بتجهيزات عالية التقنية.[26] ووقع رئيس الحكومة، أربكان، هذه الصفقة في 8 كانون الأول/ديسمبر 1996 تحت أشد الضغوط من العسكريين الأتراك، بحسب ما أُشيع.[27]
تدرس تركيا أيضاً مسألة استبدال بندقية الهجوم "ج/3" (G3) الألمانية الصنع، ببندقية "غليل" (Galil) الإسرائيلية الصنع. كما أنها اشترت خمسين صاروخاً من طراز "بوب آي 1" (Popeye I) لأسطولها من طائرات "ف - 4" (F-4) الذي يتم تطويره حالياً في شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية. وتم الاتفاق بين تركيا وإسرائيل على إنتاج مشترك لصواريخ جو - أرض "بوب آي 2" المتقدمة، وذلك عبر اتحاد مالي بين مؤسستين تركيتين ورفائيل. وبلغت القيمة الأولية لهذه الصفقة نحو مئة مليون دولار.[28]
الحسم
أوصلت الانتخابات البلدية، التي أُجريت في 27 آذار/مارس 1994، حزب الرفاه الإسلامي إلى السلطة في المدن التركية الكبرى، بما فيها أنقرة وديار بكر وإستنبول وقيصرية وطرابزون.[29] ثم إن الانتخابات النيابية في 24 كانون الأول/ديسمبر 1995، التي فاز فيها حزب الرفاه بالعدد الأكبر من الأصوات، سجلت انعطافاً نفسياً في تاريخ تركيا. وقد نشر بعض الصحف هذه الأخبار تحت العناوين التالية: "الأتراك السود في مواجهة الأتراك البيض"؛[30] "تركيا الأُخرى تفوز بالانتخابات"؛ "فاتح ينتصر على حربية."[31] كما كشفت نتائج هذه الانتخابات عن مجتمع منقسم بحدة، وعكست البحث المتواصل عن علاقات جديدة بين الدولة والمجتمع.
كان مرور ستة أشهر بين الانتخابات وبين تشكيل نجم الدين أربكان للحكومة الائتلافية في 28 حزيران/يونيو 1996، في حد ذاته، دليلاً على ذعر المؤسسة التركية العميق من هذا النصر الانتخابي. إن خطوات أربكان، مثل اختياره أن يَستقبل كأول زائر أجنبي له زعيم الإخوان المسلمين، ابن المرحوم حسن البنا،[32] ومثل اختياره إيران وليبيا لتكونا أول بلدين يزورهما رسمياً، أكّدت هدفه الاستراتيجي لتحويل تركيا إلى قائدة في العالم الإسلامي في مقابل "تابعة خاضعة" في الكتلة الغربية. كما أن رفض الاتحاد الأوروبي لتركيا الثابت ألهب، بصورة مباشرة، مطامح أربكان إلى إعادة توجيه البلد شرقاً من خلال مشاريع الوحدة الإسلامية، كرابطة "الثماني النامية" المكونة من الدول الإسلامية ومنظمة التعاون الاقتصادي. وقد كانت المؤسسة العلمانية ترقب خطوات أربكان هذه بذعر.
بعد حادثة سينجان في 4 شباط/فبراير 1997، برز هذا النزاع الذي كان يتفاعل ببطء منذ فترة طويلة. وبلغت شائعات احتمال وقوع انقلاب عسكري وشيك مستويات محمومة. وبين 24 و28 شباط/فبراير 1997، شن رئيس هيئة الأركان التركي الجنرال إسماعيل كاراداي هجوماً مضاداً، وذلك بأن قام بزيارة إسرائيل من دون أن يكلف نفسه عناء إبلاغ الائتلاف الذي يقوده الرفاه[33] وفُسر توقيت زيارته، إلى حد بعيد، بأنه رد على محاولات أربكان تطوير علاقات بالدول الإسلامية. وفور رجوعه إلى أنقرة في 28 شباط/فبراير 1997، أخذت القوات المسلحة التركية تتدخل في السياسة علناً عبر مجلس الأمن القومي - الذي يشارك فيه أعلى جنرالات البلد، بحكم مناصبهم - وطلبت من حكومة أربكان تنفيذ مخطط من 18 نقطة لضبط التحركات الإسلامية السياسية والاجتماعية في البلد. وقد دعا المخطط إلى: (أ) تنفيذ كامل لقانون "التماثل في التعليم"، بما في ذلك إغلاق الكثير من المدارس القرآنية ومدارس الأئمة الخطباء؛[34] (ب) اعتبار "الأعمال المعارضة للعلمانية" ضد الدولة غير مشروعة؛ (ج) وقف تعيين الإسلاميين في وظائف الدولة؛ (د) رقابة دقيقة لنشاطات المجموعات الإسلامية الاقتصادية. وبعد ذلك، في شباط/فبراير 1997، نشر العسكريون لائحة تضم نحو مئة شركة لن يتم التعامل معها في المستقبل، وستُخْضَع للتحقيق باعتبارها داعمة للحركات الإسلامية مالياً. ولقد كانت هذه الشركات، والكثير منها كان في مقدمة الناشطين لتعزيز الصادرات التركية، تشمل عملاق تصنيع الأغذية، أولكر (Ülker)، وشركة إخلاص (IHLAS) المهيمنة، وتعاونية كومباسان التي تضم 36 شركة. بعد ذلك، أورد الجيش أسماء 19 صحيفة، و20 محطة تلفزية محلية، و51 محطة إذاعية، و110 مجلات، و1200 رابطة طالبية، على أنها تشارك في "نشاطات إسلامية تخريبية".[35]
في أثناء هذه الفترة العصيبة من المواجهة بين القيادتين العسكرية والمدنية، زار وزير الخارجية الإسرائيلي، دافيد ليفي، أنقرة في الفترة 6 - 9 نيسان/أبريل 1997، واجتمع إلى رئيس الأركان الجنرال كاراداي. وطلب الضابط التركي من ليفي أن يستخدم نفوذ إسرائيل لدى واشنطن للإفراج عن الأسلحة المحتجزة. ومع أن رئيس الحكومة، أربكان، كان معروفاً بمعارضته اتفاقية التجارة الحرة، فقد أرغمه الجيش على توقيعها،[36] ثم صُدقت أخيراً عشية زيارة ليفي. إلاّ إن أربكان استغل مناسبة لقائه ليفي ليعبر أمام الإعلام عن وجهة نظره السلبية حيال سياسات إسرائيل، وبلّغ ليفي أن "على إسرائيل أن تنسحب من المناطق المحتلة، بما في ذلك القدس، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة الصادرة منذ فترة طويلة."[37]
في آخر نيسان/أبريل، كشفت القوات المسلحة، في معرض التشدد بحملتها ضد التوجه الإسلامي، عن صوغ مفهوم جديد للاستراتيجيا العسكرية القومية، وسمت فيه الحركات الإسلامية علناً بأنها "العدو رقم 1" إلى جانب الانفصاليين الأكراد. وهكذا، فقد أدلى رئيس دائرة الأمن الداخلي والتخطيط في مكتب رئيس الأركان، الجنرال كنعان دينيز، في 29 نيسان/أبريل 1997، بحديث إلى الصحافيين عن "الراديكالية الإسلامية والمسألة الكردية"، معلناً أنه "وفقاً للتعليمات الأمنية القومية الجديدة، فقد أُدرك أن الخطر انتقل من خارج البلد إلى داخله: الحركات الإسلامية والانقسامية [القضية الكردية] التي تعزز الواحدة منها الأُخرى."[38] وما يدل على حالة الحصار أن القوات المسلحة اتخذت خطوة لا سابقة لها، هي حمل المدعي العام على الطلب من المحكمة الدستورية حظر حزب الرفاه؛ وهو العضو الرئيسي في حكومة الائتلاف الحاكمة.
ورداً على فورة التظاهرات، بما فيها تجمع حاشد لـ 000ر300 شخص في إستنبول، احتجاجاً على إغلاق المدارس القرآنية ومدارس الأئمة الخطباء الإعدادية، في 11 أيار/مايو 1997،[39] أعلنت القوات المسلحة في 11 حزيران/يونيو 1997 "استعدادها لاستعمال القوة ضد المجموعات الإسلامية." وبعد أسبوع استقال أربكان بضغط من العسكريين في ما سمته الصحافة التركية "انقلاباً معتدلاً". لكن تأليف حكومة جديدة برئاسة مسعود يلماظ، من حزب الوطن الأم، لم يوقف الهجوم على الإسلاميين، إذ استمر إغلاق المدارس، واتُخذت خطوات للرقابة على محتويات الكتب المدرسية، وتم طرد 76 ضابطاً آخر من الجيش لتعاطفهم مع الإسلاميين.
ويزعم أربكان وأنصاره أنه ضُحي به في سبيل ربط البلد بإسرائيل بصورة أوثق.[40] وفي حين كان هذا الإقصاء عن الحكم أكثر ارتباطاً، ولا ريب، بسياسته الداخلية، فإن المحللين السياسيين وجدوا صلة بين المحور التركي - الإسرائيلي وضرب حزب الرفاه. ويرى لطف الله قره مان من جامعة بوغازجي، على سبيل المثال، أن توقيت العلاقات بإسرائيل يمثل تصميم "المؤسسة في تركيا" على قمع المجتمع المدني.[41] وأشار سامي كوهين، المحلل البارز في الشؤون الخارجية، إلى أن تعميق العلاقات بإسرائيل والقيام بالزيارات العسكرية الرفيعة المستوى إليها، تزامناً مع الكشف عن المفهوم الجديد للاستراتيجيا العسكرية القومية الذي يستهدف الإسلاميين.[42]
ومما لا شك فيه أن سعي العسكريين الناشط لإقامة علاقات بإسرائيل يُقصد به، إلى حد ما، إحراج حكومة دعا رئيسها علناً إلى قطع تلك الصلات. وبزيادة توثيق الصلات بإسرائيل، "حول [الجنرالات] السياسة الخارجية إلى كرة قدم سياسية داخلية"،[43] ودعوا أربكان إلى تحديهم، فأذعن أربكان متردداً إذ أدرك عجزه عن مواجهة العسكريين. وقد عبر جوناثان ليونز، الصحافي البارز في "رويتر"، بوضوح عن برنامج العسكريين قائلاً: "إن الروابط العسكرية بإسرائيل وضعت حداً لأي اندفاع تجاه الشرق كان يمكن تخيله في سياسة تركيا الخارجية خلال عهد حكومة أربكان."[44]
كان من شأن علاقة تركيا الجديدة بإسرائيل أن أبرزت، بصورة حادة، الدور المتفوق للعسكريين في سياسة تركيا الخارجية. وقد عبّر عن هذا الدور بلطف نائب رئيس الأركان، الجنرال تشيفيك بير، الداعية العسكري الأكثر تشدداً في الحملة المضادة للإسلاميين، والذي يُعتبر بصورة عامة المحرك الرئيسي في الجانب التركي للمحور مع إسرائيل، حين أكّد "أن القوات المسلحة التركية جزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية التركية."[45] وفي الواقع، يبدو أن الحكومة المدنية نفسها لم تكن تعرف التفصيلات فيما يتعلق بالعلاقة بإسرائيل. ووفقاً لعبد الله جول، وزير الدولة في حكومة أربكان ورئيس دائرة الشؤون الخارجية في حزب الرفاه حالياً، فقد سأل أربكان وزير الدفاع في اجتماع حكومي عن مضمون الاتفاقات والمفاوضات مع إسرائيل، فردّ وزير الدفاع أنه لا يعرف لكن الجنرالات أخبروه أن هذه الاتفاقات والمفاوضات غير موجهة ضد "بلد ثالث".[46] بالإضافة إلى ذلك، ردت وزارة الشؤون الخارجية في 18 تشرين الأول/أكتوبر 1996، على نائب من غازيانتيب استخدم العملية البرلمانية في 13 آب/أغسطس 1996 للحصول على معلومات تتعلق بالاتفاقات، بلائحة للاتفاقات قد تكون كاملة، أو قد لا تكون كذلك، من دون أية تفصيلات.[47]
ومن المفارقات، أن تدخل الجيش الصارخ في الحكومة المدنية يجعل هذه الاتفاقات نفسها أكثر ضَعفاً، ولا سيما أن الصلات الوثيقة بإسرائيل تلقى دعماً قليلاً جداً على المستوى الاجتماعي. وقد كتب ألان ماكوفسكي، الخبير بالشؤون التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو مؤسسة تؤيد إسرائيل، أن التحالف التركي - الإسرائيلي يجب أن يتم تناوله "بمهارة".[48] لكن هذا، في الواقع، لم يحدث حتى الآن. وبما أن حملة العسكريين المضادة للإسلاميين تزامنت مع تسارع الزيارات إلى إسرائيل، فقد فُسر ذلك إلى حد بعيد، على المستوى الشعبي، بأنه وسيلة لتعميق العلاقات التركية - الإسرائيلية؛ وفي التصور الشعبي أن العسكريين يخدمون الاستراتيجيا الإسرائيلية المعادية للإسلاميين في المنطقة؛ كما أن إسرائيل مسؤولة، فعلاً، عن إسقاط حكومة أربكان، وعن التدخل بفظاظة في الديمقراطية التركية. ومن شأن هذه التصورات، مهما يكن مغلوطاً فيها، أنها لا تقوِّض استقرار العلاقات التركية بإسرائيل فحسب، بل تقوّض أيضاً وضع القوات المسلحة فيما يتعلق بالمسلمين المحافظين في تركيا.[49] وحتى بين الأتراك الذين لا يؤيدون حزب الرفاه، فإن حقيقة أن العلاقة بإسرائيل أصبحت أداة لتأكيد السيطرة العسكرية على حكومة مدنية، أدت إلى امتعاض شديد من إسرائيل.
التحالف والمصالح التركية القومية
مما لا شك فيه أن تركيا ستحقق، من خلال علاقتها بإسرائيل، مكاسب في بعض المجالات. فمن المتوقع أن يضاعف اتفاق التجارة الحرة، الموقع في آذار/مارس 1996، التجارة بين البلدين أربع مرات خلال ثلاثة أعوام. ولقد ازدهرت التجارة في السنة الماضية فبلغت 500 مليون دولار؛ والهدف هو مليارا دولار سنة 1999. ويعمل البلدان أيضاً على مشاريع مشتركة تشمل الأقمار الصناعية التجارية، ونقل البضائع، وإنتاج الكهرباء، والصناعة المشتركة لإنتاج الأسلحة. لذا، فإن العقبات التجارية والرسوم على معظم السلع (باستثناء المنتوجات الزراعية) ستلغى بالتدريج. وفي غضون ذلك، زار 300.000 سائح إسرائيلي تركيا سنة 1996، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 350.000 سائح سنة 2000. وفي رأي المخططين، فإن هذا الأساس الاقتصادي سيؤدي إلى تشكيل كتلة إقليمية جامعة من دول متماثلة في الذهنيات وتتمتع برعاية الولايات المتحدة.
في المجال الاستراتيجي، يقدم المحور الجديد مجالاً للتكنولوجيا العالية والمعدات العسكرية، بالإضافة إلى التعاون الإسرائيلي في برامج الدفاع الواسعة النطاق. وهو، من حيث المبدأ، يعد بالضغط على سورية للحد من دعمها لحزب العمال الكردستاني. إلاّ إنه يبدو أن الاتفاقية كان لها، في هذا المجال الأخير، تأثير عكسي؛ فردّاً على توغل تركيا الأخير في شمال العراق. في أيار/مايو 1997، استخدم حزب العمال الكردستاني، أول مرة، صواريخ روسية الصنع، لإسقاط الطوافات التركية العسكرية، الأمر الذي أدى إلى مقتل عدد من كبار المسؤولين. ويعتقد الكثيرون من المحللين أن سورية وفّرت الصواريخ تصعيداً لدعمها حزب العمال الكردستاني.
لكن السؤال الذي ينطوي عليه الكثير من النقد القوي للتحالف، من اليمين الديني حتى اليسار العلماني، لا يزال قائماً وهو: إلى أي مدى تتوافق فعلاً المصالح الإسرائيلية والتركية - وحتى مصالح العسكريين الأتراك؟ طبعاً، من غير الواقعي أن يتوقع الجنرالات أية مؤازرة إسرائيلية ثابتة في حربهم ضد الأكراد ومجموعات المعارضة الأُخرى.[50] وعلى الرغم من أن إسرائيل كانت، منذ فترة طويلة، داعمة أساسية لدولة كردية مستقلة في شمال العراق، تمشياً مع "استراتيجيتها بالنسبة إلى الأطراف"، فإن مثل هذا الكيان يمثل خطراً على تركيا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الليبراليين داخل المجتمع اليهودي الأميركي حساسون حيال قضايا حقوق الإنسان؛ وقد انتقدوا العسكريين على تعسفهم وسوء معاملتهم حتى للمنشقين الأكراد اللاعنفيين. كذلك من المشكوك فيه أن اللوبي المؤيد لإسرائيل في واشنطن، والذي يعتبره الجنرالات ذا نفوذ غير محدود، سيكون على استعداد لاستخدام نفوذه بقوة لدى حكومة الولايات المتحدة من أجل خدمة المصالح التركية. ولئن كان صحيحاً أن سبق للوبي أن ساعد تركيا في الحصول عبر إسرائيل على أسلحة كان الكونغرس جمّدها لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان، فإن مثل هذا الاستخدام للضغط يخدم، بصورة مباشرة، مصالح إسرائيل ويجعل تركيا أكثر اعتماداً عليها.
وهناك سؤال أكثر أهمية هو: هل في مصلحة تركيا، حقاً، أن تقدم على سياسة تنفّر جيرانها منها؟ إن بولاند أجاويد، زعيم حزب اليسار الديمقراطي، الشريك الأصغر في الائتلاف التركي الجديد الذي تسلم الحكم بفعل التدخل العسكري، هو أحد العلمانيين الأتراك الكثيرين الذين يدعون إلى سياسة خارجية، إقليمية القاعدة، تجهد كي لا تبعد عنها أياً من جيران تركيا في الشرق الأوسط. وفي هذا المجال، علّق محمد علي بيراند، وهو ديمقراطي اشتراكي ليبرالي وأحد الصحافيين الأتراك البارزين على صعيد السياسة الخارجية، قائلاً إن الاتفاق "نسف احتمالات إقامة علاقات أفضل بين تركيا وسورية"، وأسف على "كون تركيا أُجبرت على أداء دور في المواجهة الإسرائيلية - السورية - الإيرانية."[51] ولخصت كلمات المحلل الكبير جنكيز تشاندار وجهة نظر الكثيرين: "إن البلد الإسلامي الذي ينهج سياسة خارجية معتمدة على إسرائيل قد يحقق الارتياح لإسرائيل، لكن هذه السياسة ستعزل ذلك البلد في المنطقة وفي النظام الدولي معاً."[52]
خلاصة
لقد أصبحت سياسة تركيا الخارجية أسيرة القلق الأمني في الداخل، الناجم عن التحديات الكردية والإسلامية للسياسات الكمالية الرامية إلى إيجاد الانسجام الداخلي، ولسعي المؤسسة الكمالية كي تصبح "بلداً أوروبياً داخل العالم الإسلامي." وإذ ترى المؤسسة العسكرية التركية البيروقراطية أن مصادر مشكلات تركيا تقع خارج الحدود، فإنها تسعى لتأمين الحلول عبر تحالفها العسكري مع إسرائيل.
وفي حين أن العلاقات التركية - الإسرائيلية قد تبرهن أنها مفيدة فيما يتعلق بالإنتاج العسكري ونقل التكنولوجيا، فإنها لا تستطيع بالتأكيد أن تحل مشكلات البلد الداخلية الملحة؛ إنها، في الواقع، ستزيدها حدة لأنها ستمثل عنصر تقاطب إضافي. فإسرائيل، حتى لو أرادت أن تكون لها علاقة بالمشكلة الكردية، لا تستطيع أن تساهم في حلها. فالمسألة الكردية لم تعد مشكلة أرض نتيجة توزع الأكراد بفعل حرب استمرت أكثر من عقد، ثم أن مواجهتها بالتالي غير ممكنة إلاّ عبر حل سياسي سليم قائم على الاعتراف بحقوق الأكراد الثقافية الشرعية. كذلك، فإن "التحدي" الإسلامي غير قابل للحل بواسطة تحالف مع أطراف خارجية. وفي الواقع، فإن استخدام الجنرالات العلاقة بإسرائيل لإذلال الحكومة ذات الميول الإسلامية لم يؤد إلاّ إلى تعميق أزمة الشرعية للعسكريين الأتراك أنفسهم. وأخيراً فإن رفض الغرب قبول تركيا دولةً من دوله لن يتغير بفعل وساطة إسرائيل، حتى لو تحققت هذه الوساطة فعلاً.
إن "تركيا القديمة"، كما قال غراهام فولّر، "انتهت. ونحن غير متأكدين كيف ستكون تركيا الجديدة."[53] إن تركيا "القديمة"، الخاضعة لرؤية كمالية واحدة مهيمنة، كانت قائمة على "نسيان" واعٍ للماضي العثماني الإسلامي. أمّا تركيا الجديدة، التي لا بد من أن تنشأ في النهاية، فستكون - على الرغم من النكسات - نتيجة فعل نخبة أكثر تنوعاً إلى حد بعيد. فهي التي ستعيد بدورها تشكيل الخطاب التركي بشأن الهوية القومية ومن ثم، السياسة الخارجية. ولا يمكن لتركيا "الجديدة" هذه أن تقوم إلاّ على "تذكّر" التاريخ والتنوع العثماني الإسلامي في عملية يجب ألاّ تُرى أسلمةً للقومية التركية فقط، بل أيضاً تتريكاً للتقليد الإسلامي. وستقرر سرعة إنجاز هذا التحول مدى سرعة قدرة تركيا على التغلب على أزمة الهوية وعلى مشكلة القلق الأمني الداخلي، اللتين أوجدتهما لنفسها، وعلى القيام بدور خلاق في البلقان وقفقاس والشرق الأوسط.
[1] في أثناء عملي الميداني خلال إعـداد البحـث في أرضـروم وبـايبورت، حضـرت أحـد نشـاطات "يـوم القدس" التي تستمر طوال الليل. بعد تلاوات من القـرآن الكـريم ينـوّه المتكلمـون بأهميـة المدينـة في إطــاري الإســلام والتــاريخ العثمــاني. ثــم ينتقــدون سياســتي الحكومــة الداخليــةوالخارجيــة ويـدعون إلى نظـام عـادل. وتُخـتم الاجتماعـات، عـادة، بتعهـدات بــ "عـدم التعامـل مـع إسـرائيل" وبالعمـل لأولئـك الـذين يحققـون "العـدل في الـداخل والخـارج." بعـدذلـك يُعـزف النشـيد العسـكري العثمــاني لتعميــق المشــاعر الدينيــة. وكــان مــن شــأن هــذه الشــبكات الشــعبية أن جعلــت عمليــة التعبئة ممكنة في تركيا في سبيل القضية البوسنية
Zaman, 29 July 1997. :أنظر) [2]
[3] أنظر، على سبيل المثال:
1997. August 16 ,Zaman and Milli.
[4] في التظــاهرات التــي تقــوم احتجاجــاً علــى الــروابط الاســتراتيجية بإســرائيل يُحــرق، في الغالــب، العلم اليوغسلافي إلى جانب العلـم الإسـرائيلي، بسـبب مـا زُعـم مـن بيـع إسـرائيل أسـلحة لصـربيا في أثناء عمليات الإبادة لمسلمي البوسنة .
[5] M. Hakan Yavuz, “Turkey’s Relations with Israel,” Foreign Policy (Ankara) 25, :أنظـر) 5( Nos. 3-4 (1991), pp. 41-68; and M. Hakan Yavuz and Mujeeb R. Khan, “Turkish Foreign Policy Toward the Arab-Israeli Conflict: Duality and Development,” Arab Studies Quarterly 14, No. 4 (1992), pp. 69-94.
[6]Faik Ökte, The Tragedy of the Turkish Capital Tax (London: Croom Helm, 1987).
[7] Soli Özel, “Of Not being a Lone Wolf: Geography, Domestic Plays and Turkish Foreign (7) Policy in the Middle East,” in Geoffrey Kemp and Janice G. Stein (eds.), Powder Keg in the Middle East (Lanham, MD: Rowman and Littlefield, 1995), pp. 161-94.
[8] Frank Tachau, Turkey: The Politics of Authority, Democracy and Development (New (8) York: Praeger, 1984), pp. 165-66.
[9]Ergün Özbudun, Political Change and Political Participation in Turkey (Princeton: (9) Princeton University Press, 1976), p. 52
[10] بعـد أن صـدقت إسـرائيل قانونهـا الأساسـي بشـأن القـدس وأعلنـت المدينـة "عاصـمتها الأبديـة"، اتهــم حــزب الإنقــاذالقــومي، بزعامــة أربكــان،وزيــر الخارجيــة خيــر الــدين إركمــن بأنــه مؤيــد لإسرائيل،وذلك بسبب تردده في قطـع العلاقـات الدبلوماسـية بهـا احتجاجـاً علـى هـذه الخطـوة، وتقــدم بــاقتراح حجــب الثقــة. وفي 4 أيلــول/ســبتمبر ،1980 أقــر مجلــس النــواب الاقتــراح ضــد إركمن بـ 230 صوتاً في مقابل صوتين وامتناع 180 نائباً من التصويت. وأيّد بولند أجاويـد، مـن حـزب الشـعب الجمهـوري، الاقتـراح. أنظـر: 4 ,Milliyet; 1980 September 3 ,Cumhuriyet September 1980
[11] إن عمليــات الجــيش التطهيريــة المتتابعــة لــ "العناصــر الإســلامية"، في نيســان/أبريــل وكــانون الأول/ديســمبر 1996 وأيــار/مــايووآب/أغســطس ،1997 تشــير إلى درجــة تســلّل الأصــوات الإسلامية إلى الجـيش. وتـدل هـذه العمليـات التطهيريـة الدائمـة علـى المقاومـة الداخليـة لسياسـة الضباط من ذوي الرتب العالية .
[12] Sami Zubaida, “Islam, Cultural Nationalism and the Left,” Review of Middle East Studies, No. 4 (1990), p. 6.
[13] Mujeeb R. Khan, “External Threats and the Promotion of a Transnational Islamic (13) Consciousness: The Case of the Late Ottoman Empire and Contemporary Turkey,” Islamic World Report 1, No. 3 (1996), pp. 115-28
[14] Ihsan Gürkan, “Turkish-Israeli Relations and the Middle East Peace Process,” Turkish Review of Middle East Studies, No. 7 (1993), p. 123.
[15] الفلسطينية، لكان ممكناً تصور التقارب مع إسـرائيل." أنظـر مقابلـة شـاهين ألبـاي مـع سـزر في: Milliyet, 21 July 1997. يرى ديوغو بازوغلو - سيزر أنه "لـو لم تكـن هنـاك عمليـة سـلام بـين إسـرائيل ومنظمـة التحريـر
[16] هنالـك زعـمفحـواه أن القسـم الأكبـر مـن المـال الـذي خصصـتهرئيسـة الحكومـة السـابقة تشـيلر للرشــوات،وهــو 6.5 ملايــين دولار، اســتُخدم في تشــكيل "دائــرة تجســس صــغيرة" في دمشــق لمهاجمة أهداف سورية،ولتخويف دمشق كي تتخلى عن دعمزعـيم حـزب العمـال الكردسـتاني، عبد الله أوجلان
[17] للاطلاع على نص الاتفاق، أنظر :
Gürkan, op. cit., pp. 133-36
[18] Newspot, November 18, 1993.
[19] Milliyet and Cumhuriyet, 7 November 1994
[20] Jose Rosenfeld, “Free-trade Pact with Turkey Near,” The Jerusalem Post, 6 November 1994
[21]Robert Olson, “The Turkey-Israel Agreement and the Kurdish Question,” Middle East International, 24 May 1996, pp. 18-19
[22] Mehmet Ali Birand, “Türkiye, Israel ile Uzaklara Gidecek, Ancak,” Sabah, 27 May 1997; “Türkiye Israil’in Silah Pazarina Daldi,” Sabah, 28 May 1997.
[23] أحــد أهــداف تركيــا مــن التحــالف هــو منــع الــدعم الإســرائيلي للقوميــة الكرديــة. ولقــد جعلــت "اسـتراتيجيا الأطـراف"، التـي تعتمـدها إسـرائيل لتشـجيع الحركـات الاسـتقلالية للأقليـات غيـر العربية، الكثيرين مـن الأتـراك ينظـرون بشـك قـوي إلى أن إسـرائيل هـي الـداعم الرئيسـي للقوميـة الكردية في العراق وسوريةوإيران
[24 أنظر .
The Jerusalem Post, 4 May 1997 (24) “Türk Donanmasi Israil’de,” Milliyet, 17 June 1997.
[25] لقـد اتهـم، علـى سـبيل المثـال، "الصـهيونيين بالسـعي لاسـتيعاب تركيـاواقتلاعنـا مـن جـذورنا الإسـلامية التاريخيـة عبـردمجهـا في اجملتمـع الأوروبـي"؛وكثيـراً مـا أظهـر إسـرائيل أنهـا مركـز عــــالمي رئيســــي للنشــــاط المعــــادي للإســــلام. وفي إثــــر القصــــف الإســــرائيلي للبنــــان، في نيسان/أبريل ،1996وزّع أنصار حزب الرفاه أشرطةفيديو للتدمير الذي حـدث نتيجـةقصـف بلدةقانا .
[26] وفقاً لنائب رئـيس الأركـان، تشـيفيك بيـر،فـإن هـذا الاتفـاق عقـد في 18 أيلـول/سـبتمبر ،1995 “Çevik Bir ‘Isbirligi’ni Savundu,” Yeni Şafak, ) .العسكري التعاون نحو الخطوةالأولى لّومث 1996 June 5(. وبسـبب سـرية الاتفاقـات ازدادالإربـاك أوالفـوارق بشـأن مـا "تقـرّر" أو"أُنجـز" أو "وُقِّع"،ومتى تمذلك .
[27] Steve Rodan, “Turkish PM Signs IAI $650 m. F-4 Deal,” Jerusalem Post, 8 December (27) 1996
[28] Arieh O’Sullivan, “Israel, Turkey to Make ‘Popeye’ Missiles,” Jerusalem Post, 18 May 1997.
[29] كان لقونية رئيس بلدية إسلامي؛وقد أُعيد انتخابه .
[30] يشير تعبير "الأتراك السود" هنا إلى الأناضوليين،وتعبير "الأتراك البـيض" إلى أتـراك الروميلـي من البلقان أو، على العموم، إلى النخبة التي اعتنقت الدعوة الكمالية العلمانية. أنظر :
Mehmet Ali Soydan, Dünden Bugüne ve Yarina Türkiye’nin Refah Gerceǧi (Erzurum: Birey Yayincilik, 1994).
[31] “The Other Turkey Wins” (front cover) and “Fatih Wins Against Harbiye” in Izlenim, 2- 9 April 1994.
(فاتح وحربية هما ضاحيتان في إستنبول؛ "فاتح" ضاحية كبيرة تقليديـةومحافِظـة،و"حربيـة"ضاحية كوزموبوليتانية غربية الطابع). ولتقويم انتخابات آذار/مارس ،1994 أنظر :
Abdurrahman Dilipak, “RP’nin Baş arisinda Gözardi Edilen Birkaç Nokta,” Milliyet, 22 April 1994; Saffet Solak, “Son Seçimler ve Bazi Gerçekler,” Zaman, 23 April 1994. ولتقويم انتخابات كانون الأول/ديسمبر ،1995 أنظر : Eric Rouleau, “Refah Partisi’nin Başarisi Sürecek Mi?” Yeni Yüzyil, 5 January 1996; Ümit Cizre Sakallioǧlu, “Alacakaranlik Kuşaǧi Seçimleri,” Birikim, No. 81 (January 1996), pp. 26-30.
[32] Yeni Yüzyil, 14 October 1996.
[33] Nicole Pope, “Turkey’s Generals Behind the Israel Axis,” Middle East International, 16 (33) May 1997, p. 3.
[34] بينمـا تـدرِّس المـدارس القرآنيـة القـرآن الكـريمفقـط،فـإن لـدى مـدارس الأئمـة الخطبـاء منهجـاً مختلطـاً مـن التعلـيم العلمـاني والتعلـيم الـديني،وهـي تمـنح شـهادات معادلـة لتلـك التـي تمنحهـا الثانويـات الرسـمية. ومـن المفارقـات أن العسـكريين شـجعوا المـدارس عقـب انقـلاب سـنة 1980 باعتبارها حاجزاً ضد اليسار الذي كان يُرى آنذاك أنه الخطر الأساسي على الدولة
[35] Hugh Pope, “Turkish Military Tightens Noose on Pro-Islamic Regime,” Wall Street Journal, 13 June 1997.
[36] Michael Yudelman, “Erbakan to Meet Levy,” Jerusalem Post, 8 April 1997.
[37] Fikret Ertan, “David Levy’e Birkaç Söz,” Zaman, 8 April 1997; Yeni Yüzyil, 9 April 1997.
[38] إن ميـل الجنـرالات إلى الجمـع بـين الإسـلام السياسـي والأكـراد كخطـرين زاد حـدة نتيجـة اتسـاع التمثيـل الكـردي داخـل حـزب الرفـاه. ففـي الانتخابـات الوطنيـة سـنة ،1995 كـان 26 نائبـاً مـن مجموع 158 نائبـاً مـن حـزب الرفـاه هـم مـن الأكـراد(1996 July 22 ,Yüzyil Yeni(،وكـان العـدد الأكبر من نـواب المنـاطق الكرديـة هـو مـن حـزب الرفـاه. ولقـد كـان حـزب الرفـاه هـو المهـيمن في المنــاطق الكرديــة، لا لأن الأكــرادأكثــر "إســلامية" مــن الأتــراك،وإنمــا لأنــه كــان يُعتبــر حزبــاً معارضاً للنظام.
[39] Daniel J. Wakin, “Erbakan Chronology,” Associated Press, Ankara, 18 June 1997.
[40] Melik Aktas, “Israil’in Hedefi Arz-I Mev’ud Olabilir,” Islam, June 1997,pp. 46-49.
[41] أنظر مقابلةفؤاد عاتق مع لطف اللهقره مان في :
“Israil ile yakinlasma Resmi Türkiyenin Tercihi,” Islam (June 1997), p. 48. وانظر أيضاً : Ahmet Davutoǧlu, “Islam Tehdit Deǧil, Bir Dinamizm Kaynaǧi,” Altinoluk (August 1997), p.
[42] Sami Kohen, “Israil ile Stratejik Diyalog,” Milliyet, 7 May 1997.
[43] David Butler, “A Country Pulled in Two Directions,” Middle East Economic Digest, 30 May 1997, p. 2
[44] Jonathan Lyons, “Growing Turkish-Israeli Ties Bury Islamic Dream,” Reuters World Service, 11 May 1997.
[45] "تشـيفيك بيـر". اعتـرض عـدد مـن الكتّـاب الأتـراك،ولا سـيما اليسـاريين، علـى تنـامي العلاقـات التركيـة - الإسـرائيلية لأنهـا، بالتحديـد، تطبـع السياسـة التركيـة الخارجيـةوالداخليـة بالطـابع العسـكري. مـثلا،ً يأسـف علـي بيـرم أوغلـو، المحلـل الـديمقراطي الاشـتراكي لصـحيفة Yüzyil Yeni علــى أن تكــون سياســة تركيــا الخارجيــة "مــن وضــع الســلطة العســكرية... وهــذا يمثــل الإشــراف العسكري على عملية صنع القرار في تركيا."
( April 25 ,Yüzyil Yeni” ,Asker ve Politika Diş“ 1996). وانظر أيضاً : Ergun Balçi, “Türkiye’ye Karşi Tehlikeli Cephe,” Cumhuriyet, 30 June 1997.
[46]ية مع عبد الله جول، في 23 تموز/يوليو 1997؛ في النظـام التركـي لا يملـك وزيـر الدفاع سلطة على العسكر. وهو، بحسب البروتوكول الرسمي، يأتي بعدرئيس الأركان
[47]إن المـذكرة الموجـودة في محاضـر الجمعيـة ( 18 ,Tutanaklani Meclisi Millet Büyük Türkiye 1996 October(، تـنص علـى مـا يلـي: "إلى رئـيس الجمعيـة الوطنيـة التركيـة الكبـرى. رداً علـى سؤال النائب ياشار أونال في 13 آب/أغسـطس ،1996 بشـأن الاتفاقـات الموقعـة مـع إسـرائيل، فهــي مدوّنــة أدنــاه، كمــا يلــي. بــاحترام، الأســتاذة الــدكتورة تانســو تشــيلر،وزيــرة الخارجيــة ونائبةرئيس الحكومة . 1 - اتفاق تعاون في الميادين الثقافيـةوالتربويـةوالعلميـة، بتـاريخ 14 تشـرين الثـاني/نـوفمبر . 1993 2 - مذكرة بشأن مبادئ التعاون المتبادل، بتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 1993 . 3 - اتفاق بشأن حماية البيئةوالطبيعة، بتاريخ 11 نيسان/أبريل 1994 . 4 - اتفـــاق تعــــاون في مجــــالي الاتصـــالات البعيــــدةوالخدمــــة البريديـــة، بتـــاريخ 3 تشــــرين الثاني/نوفمبر 1994 . 5 - اتفاق بشأن العقاقير اخملدرةوالمؤثرة في الذهن، بتاريخ 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 . 6 - اتفاق تعاون بشأن الخدمات الطبيةوالصحية، بتاريخ 14 آذار/مارس 1995 . 7 - مذكرة بشأن التعاون الزراعي، بتاريخ 27 حزيران/يونيو 1995 . 8 - اتفاق بشأن التعليموالتعاون العسكريين، بتاريخ 22 شباط/فبراير 1996 . 9 - اتفاقية التجارة الحرة، بتاريخ 14 آذار/مارس 1996 . 10 - اتفاق حماية الاستثمار، بتاريخ 14 آذار/مارس 1996 . 11 - اتفاق لدراسة الازدواج الضريبي، بتاريخ 14 آذار/مارس 1996 . 12 - اتفـــاق تعـــاون في الميـــادين الاقتصـــاديةوالعلميـــةوالتقنيـــة، بتـــاريخ 14 آذار/مـــارس . 1996 13 - اتفاق تعاون في الصناعة الدفاعية، بتاريخ 28 آب/أغسطس .1996"
[48] Alan Makovsky, ‘Israeli-Turkish Relations: A Turkish ‘Periphery’ Strategy?” in Henri J. (48) Barkey (ed.), Reluctant Neighbor: Turkey’s Role in the Middle East (Washington: United States Institute of Peace Press, 1996), p. 149.
[49] في مقابلة بتاريخ 12 آب/أغسطس ،1997 صرح دبلوماسي تركي رفيع المستوى للمؤلف في شـيكاغو عـن ظهـور شـعارات جديـد تسـمي الجـيش: Yahudi ,artik deǧil Ocaǧi Peygamber“ “Ocaǧi] لم يعد بيت الرسول،وإنما بيت اليهود.]
[50] Makovsky, op. cit., pp. 166-67.
والطريـــف أن صـــحيفة إســـرائيلية يوميـــةذكـــرت أنـــه في أثنـــاء زيـــارة تشـــيتين، في تشـــرين الثـاني/نـوفمبر ،1993 لم يكـن المسـؤولون الإسـرائيليون مرتـاحين حيـال مناشـدة تشـيتين شـن معركة مشتركة ضد الإرهاب: "لسنا راغبين في صنع أعداء لنا. إن حزب العمال الكردسـتاني لم يؤذنـاقـط. ثـم أن لا مصـلحة لنـا في اسـتعداء سـورية" ( 27 ,International Post Jerusalem 1993 November(. وفي أثنـــاءزيـــارة الـــرئيس الإســـرائيلي،وايـــزمن، لتركيـــا في كـــانون الثــاني/ينــاير التــالي، رفــض الجانــب الإســرائيلي أن يعلــن الإدانــة المباشــرة لحــزب العمــال الكردستاني (1994 January 30 ,Post Jerusalem(. وفي 25 كـانون الثـاني/ينـاير ،1994 كتبـت صــحيفة Cumhuriyet التركيــة في افتتاحيــة لهــا أن الزعمــاء الإســرائيليين يرفضــون توقيـــع اتفاقــات تعــاون ضــد الإرهــاب، محــط اهتمــام تركيــا،وهــميســعون للحصــول علــى مســاعدة لأنفسهمفقط .
[51] Mehmet Ali Birand, “Türkiye, Israel ile Süriye Savasina Katildi,” Sabah, 16 April 1996.
[52] Cengiz Çandar, “Türkiye, Kudüs’ün Neresinde?” Sabah, 10 April 1997.
[53] “Turkey’s Refah Party in Power: An Assessment: An Interview with Graham Fuller,” in Middle East Affairs Journal 3, Nos.1-2 (Winter-Spring 1997), p. 167.