عودة إلى قرار التقسيم ـ 1947
كلمات مفتاحية: 
قرار الأمم المتحدة رقم 181
تقسيم فلسطين، 1947
تاريخ فلسطين
الصهيونية
التأريخ
نبذة مختصرة: 

يحاول الكاتب استعادة الرواية التاريخية لقرار تقسيم فلسطين الذي يرى أن الصهيونية فهمت قرار التقسيم على أنه ضوء أخضر للشروع في مشروعها الذي فكرت فيه طويلاً وأجلته بانتظار الوقت الملائم. ويشير إلى أن الرواية الصهيونية لخلفية قرار التقسيم باتت العدسة التي ينظر من خلالها إلى القضية الفلسطينية برمتها والصراع العربي الصهيوني قبل القرار وبعده، والتي يحكم عليه بموجبها. ويحاول المقال استعادة الأحداث التي سبقت قرار التقسيم التي طمستها الرواية الصهيونية وعتمت على كل ما سبق هذا القرار الذي فرض فرضاً على العرب ومن خلال أساليب ضغط استخدمتها الولايات المتحدة على الدول الصغيرة التي صوتت في مصلحة القرار. ويبين المقال بالاستناد إلى الوقائع والإحصاءات أن عملية التقسيم لم تكن عادلة ومتوازنة وعملية وقابلة للتطبيق. ويخلص المقال، في إشارة إلى المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى أنه من غير الممكن التوصل إلى مصالحة دائمة إذا أخرجت عناصرها من سياقها التاريخي وأرسيت على رواية كاذبة لأحداث الماضي.

النص الكامل: 

 من الأمور الشائعة والمبتذلة في التاريخ المدوّن أن المنتصرين في الحرب يمضون عادةً بالغنيمة وبروايتهم هم للأحداث - رواية لا يورثونها لذريتهم فقط، بل أيضاً لأصدقائهم وأعدائهم على السواء. ولهذه الحقيقة المبتذلة رنين مدوّ في الذكرى السنوية الخمسين لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، والذي أوصى بتقسيم فلسطين. وكان معنى هذا القرار، عملياً، إنشاء دولة صهيونية على التراب الفلسطيني بغض النظر عن رغبات الأغلبية الساحقة من سكان فلسطين، وفهمته القيادة الصهيونية ضوءاً أخضر للشروع في الغزو الذي كانت فكرت فيه طويلاً، وأجّلته بانتظار الوقت الملائم، من أجل إنشاء مثل هذه الدولة. وقد يبدو هذا القول لمعظم الغربيين، المتشبّعين بالرواية الصهيونية للأحداث، تشبّثاً بالخطأ صارخاً وعنيداً. لكنه، أيضاً، ربما يبدو هكذا لكثيرين من الفلسطينيين الذين تلقوا علومهم في الغرب، ويقوم شاهداً على قوة تأثير وأهمية ما يبدو "حقائق" في الكتابة التاريخية.

عندما يلتفت المرء إلى الماضي، في ضوء نصف قرن من التأمل، فإن ما يلفت النظر في شأن الرواية الصهيونية لخلفية قرار التقسيم الصادر سنة 1947، وطبيعته، والظروف التي أحاطت به، وما نجم عنه، هو مدى تحولها إلى النموذج أو العدسة التي يُنظر من خلالها إلى القضية الفلسطينية برمتها والصراع العربي - الصهيوني قبل القرار وبعده، والتي يحكم عليهما بموجبها. ويكفي للتحقق من صحة هذا الافتراض أن يسترجع المرء في ذاكرته كم مرة في الكتب، والمحاضرات، وأوراق المؤتمرات، وافتتاحيات الصحف ومقالات الكتّاب فيها، ورسائل القراء، بل حتى في المحادثات الخاصة المتعلقة بالقضية الفلسطينية - وفي هذه الأيام عملية السلام في الشرق الأوسط - افتُرض، صراحة أو ضمناً (ولو في التمهيد لما سيُقال)، أن قرار التقسيم هو اللحظة الحاسمة التي قبل فيها أحد الطرفين، انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية ومن روحية توفيقية، صيغة "حل وسط" قانوني وخُلقي وعادل ومتوازن وعملي وقابل للتطبيق، من أجل حل الصراع، بينما رفضها الطرف الآخر بشدة لأسباب من الصعب سبر غورها، لكن يُفترض أنها متجذرة في الأغوار الخفية لبدائية دينية أو ثقافية.

فقدان الذاكرة التاريخية

لقد أصبح قرار التقسيم الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1947 ذا أهمية حاسمة في رواية المنتصرين، إلى درجة أن فقداناً جماعياً للذاكرة التاريخية محى كل ما سبقه من أحداث في الماضي البعيد والمتوسط والسابق مباشرة له، كما لو أن قرار التقسيم هو بداية القضية الفلسطينية وأصلها، لا الذروة المأساوية (بالنسبة إلى الفلسطينيين) لكل ما سبقه منذ بداية الصهيونية السياسية.

وهكذا، إذا بدأنا بالماضي البعيد فإنه لم يجر التفكير في، أو محاولة للربط بين قرار التقسيم وبين نقطة البداية الحقيقية والواضحة جداً للصراع المعاصر: "برنامج بازل" الموضوع في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقد سنة 1897. إن جدول الأعمال الخفي لذلك البرنامج، الذي وضع قبل نحو خمسين عاماً من قرار الأمم المتحدة الصادر سنة 1947، وقبل الهولوكوست بفترة طويلة، مشروحٌ بصراحة وحشية، وبأسلوب إمبريالي كلاسيكي، في مسودة الـ "الميثاق" (charter) الذي وضعه هيرتسل لاستعمار فلسطين،[1] وأُحيط بكثير من التكتُّم.

كما لم يجر التفكير في، أو محاولة للربط بين قرار التقسيم وبين الوضع السابق له، كابوس الحكم البريطاني الطويل (1917 - 1947)، الذي عطَّل خلاله البلدُ الديمقراطي الرئيسي في الغرب الديمقراطيةَ في فلسطين من أجل أن يسهّل، بقوة الحراب، وضع الأساس للقوة الصهيونية في البلد في مواجهة المقاومة الفلسطينية المتنامية. ونُسي قمع القوة العسكرية البريطانية العاتية للثورة الوطنية الفلسطينية[2] اليائسة ضد تقرير اللجنة الملكية (بيل) في سنة 1937، الذي دعا إلى تقسيم البلد، وما نجم عن هذا القمع من تدمير لجميع التنظيمات السياسية والعسكرية الفلسطينية الفعالة.

ونُسيت أيضاً وجهة تبلور التفكير الصهيوني إزاء الفلسطينيين في الفترة نفسها، وخصوصاً لدى القائد الصهيوني الأعلى سلطة، دافيد بن - غوريون، كما يوضحها أبرز كتّاب سيرته، شبتاي طيفت. ونحن مدينون لطيفت بمعرفة أن بن - غوريون قرّر، منذ سنة 1936، أن العلاقة الوحيدة الممكنة بالفلسطينيين هي العلاقة "العسكرية"، لأنهم لن يقبلوا بأغلبية يهودية في البلد، ولا بهجرة غير مقيدة-[3] وذلك في وقت لم يكن عدد اليهود يتجاوز ربع السكان.[4] كما يخبرنا طيفت أن بن - غوريون، بوحي من تقرير بيل الذي حظي بقبوله، اعتبر أن "دولة يهودية في جزء من فلسطين [بحسب اقتراح بيل] هي مرحلة في سياق أطول مؤداه دولة يهودية في فلسطين كلها." وقد أوضح بن - غوريون، في محاضرة ألقاها أمام أعضاء ناشطين في حزب مباي في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1937، أن تحقيق الدولة اليهودية سيتم على مرحلتين: الأولى، "فترة البناء ووضع الأسس" التي ستستمر 10 - 15 عاماً، وتكون بمثابة تمهيد للمرحلة الثانية التي هي "فترة التوسع". والهدف في المرحلتين هو "جمع المنفيين في فلسطين بكاملها."[5] ويخبرنا طيفت أن هذه القناعات هي السبب في إحجام بن – غوريون عن محاولة الاتصال بالقادة الفلسطينيين بعد سنة 1936.[6]

نعرف أيضاً من التاريخ الرسمي للهاغاناه أن بن - غوريون أمر في صيف سنة 1937، قبل عشرة أعوام من صدور قرار التقسيم، قائد الهاغاناه في تل أبيب، إليميلخ سليكوفيتس ("أفنير")، بوضع خطة للاستيلاء عسكرياً على البلد بأكمله تحسباً لانسحاب بريطانيا من فلسطين الذي كان متوقعاً في إثر تقرير بيل. (من الغريب أنه لا يوجد ذكر في أي من المؤلَّفات الصادرة باللغة الإنكليزية عن تاريخ الصهيونية، والتي اطلعت عليها، لـ "خطة أفنير" التي كانت النموذج لخطة دالت بعد عشرة أعوام، مع أن المصدر العبري يشتمل على خريطة تبين المراحل العسكرية للغزو المتصور لفلسطين).[7] ولا يقل عن ذلك دلالة، بالنسبة إلى هذه الفترة، الانشغال المتواصل لذوي المراتب العليا في القيادة الصهيونية بنماذج الـ "ترانسفير" (التعبير المهذب عن التطهير العرقي لأية دولة يهودية ستقوم في المستقبل من السكان الفلسطينيين).[8]

وبالنسبة إلى الأحداث التي سبقت مباشرة قرار التقسيم، فإنها هي أيضاً نُسيت؛ لم تجر محاولة للربط بين خطة التقسيم وبين الحملة الإرهابية القاسية والمثابرة ضد البريطانيين (المهندسون المعماريون السابقون للوطن القومي اليهودي) التي شنّتها في السنوات 1945 - 1947 الهاغاناه ومنظمتا الإرغون (إيتسل) وشتيرن (ليحي) "المنشقتان". وكانت ليحي، طبعاً، بدأت الحملة في وقت أبكر من ذلك وأنشأت صلات بألمانيا النازية منذ سنة 1940 بحجة أن بريطانيا هي العدو الأخطر، في حين بدأت الإرغون (بقيادة مناحم بيغن، القادم حديثاً من بولندا إلى فلسطين) عمليات عسكرية ضد البريطانيين في فلسطين بينما كانت القوات البريطانية بقيادة الجنرال مونتغمري تختبر متانة الخطوط الدفاعية الغربية للمعاقل النازية في أوروبا الوسطى. وطبعاً، حاولت الهاغاناه بقيادة بن - غوريون الابتعاد بصورة انتقائية عن "المنشقين"، لكن هذا لم يمنعها من القيام بعمليات مشتركة منسّقة بعناية مع المنظمتين "المنشقتين" ضد "أهداف" بريطانية في فلسطين سنة 1946. وكانت هذه هي الفترة التي أُدخلت خلالها، أول مرة، إلى الشرق الأوسط على يد القوات الصهيونية تشكيلة من التكتيكات المبتكرة اشتملت على رسائل مفخخة، ورزم بريدية مفخخة، وسيارات متفجرة (السلاح الأمضى في حرب المدن)، وجلد وشنق رهائن من الجنود البريطانيين وتفخيخ جثثهم، وألغام ضد أهداف مدنية تفجر كهربائياً.[9] وبفضل هذه التكتيكات، التي بلغت ذروتها في الهجوم على مقر حكومة الانتداب في فندق الملك داود في القدس بتاريخ 22 تموز/يوليو 1946، الذي تمزقت فيه أشلاء أجساد 41 عربياً و17 يهودياً و28 بريطانياً[10]. ساد جو من الذعر أوساط السكان الفلسطينيين المدنيين - وهذا ما يمكن الافتراض أن القيادة الصهيونية تقصدت إحداثه. وقد كان هذا الجوّ بالذات هو ما دفع الحكومة البريطانية، مع الحامية العسكرية المؤلفة من 100.000 جندي من القوات الضاربة (بما فيها الفرقة السادسة المنقولة جواً، التي اشتهرت في الحرب العالمية الثانية في معركة أرنيم/Arnhem)،[11] إلى التخلي عن فكرة البقاء في البلد، وخصوصاً أن الذراع الأُخرى للاستراتيجيا الصهيونية العليا ثابرت على ممارسة ضغط متواصل وتراكمي من خلال الرئيس الأميركي الجديد، هاري ترومان، الذي خلف فرانكلين د. روزفلت في نيسان/أبريل 1945.

إن الحملة اليهودية ضد البريطانيين لم تكن تعني أن بن - غوريون بات يعتبر علاقته بالبريطانيين علاقة "عسكرية"، أو أنه كان يسعى لمواجهة شاملة معهم. بل بالعكس، يؤكد لنا طيفت أن بن - غوريون ظل يعتبر العلاقة "سياسية" حصراً.[12] وبعبارة أُخرى، فإن كل ما كان بن - غوريون يريده من بريطانيا في تلك المرحلة هو أن تتنحى جانباً كي يصبح في استطاعته أن يواصل علاقته "العسكرية" بالفلسطينيين وبالدول العربية. وواصلها فعلاً، بالطريقة، والرَويَّة، والتركيز العنيد على الهدف الذي كان من أهم الخصال التي حُبي بها، ومن خلال برنامج ضخم لاقتناء السلاح وبناء القوة العسكرية، بما في ذلك مشتريات معدات ثقيلة لصناعة الأسلحة والذخيرة من الولايات المتحدة بدئ بها سنة 1945، بيعت كخردة باعتبارها من مخلفات الحرب واشترتها الحركة الصهيونية بأموال التبرعات اليهودية الأميركية المعفاة من الضرائب.[13] وكل ذلك موثق بالتفصيل في التاريخ الرسمي للهاغاناه، وفي مذكرات بن - غوريون عن حرب 1948.

إن القول إن بن - غوريون كان يتطلع إلى الحرب ليس استنتاجاً أو تخميناً. ونقتبس من طيفت مرة أُخرى أن بن - غوريون كان مصمماً، منذ سنة 1942، على إزاحة حاييم وايزمن عن رئاسة المنظمة الصهيونية العالمية (وهذا هدف حققه في المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرين في آب/أغسطس 1946) لأنه اعتبره "عاجزاً عن توجيه الصهيونية في الطريق المتعرج المفضي إلى إقامة دولة، وغير مؤهل لقيادة الييشوف أو الأمة في الحرب من أجل إقامتها."[14] ولا يقل عن ذلك دلالة، فيما يتعلق بنيّة بن - غوريون بالنسبة إلى الحرب، سلسلة الخطط العسكرية (أ، ب، ج، د)، لكن بصورة خاصة الخطة دالِتْ (د)، النسخة المحسَّنة عن "خطة أفنير" الموضوعة سنة 1937 والخطة الشاملة الجديدة لغزو فلسطين بأسرها التي أمر بن - غوريون هيئة أركان الهاغاناه بوضعها خلال تلك الفترة.[15]

ومن العوامل الأُخرى الحاسمة في الفترة السابقة مباشرة لقرار التقسيم عامل مهم جرى أيضاً تجاهله، وهو الإزعاج المتواصل والضغط اللذان وجههما الرئيس ترومان ضد بريطانيا خلال 1945 - 1946 "للسماح بدخول أكبر عدد من اليهود إلى فلسطين يمكن السماح بدخوله"، كما قال في إثر عودته من مؤتمر بوتسدام سنة 1945.[16] وقد خفض ترومان لاحقاً هذا المطلب إلى مطالبة بالسماح بدخول 100.000 يهودي فوراً على أساس، كما روت ابنته، أنه مع "وجود 600.000 يهودي، وأكثر من 2.000.000 عربي في فلسطين، فإن 100.000 [يهودي] آخرين لن يخلّوا بالتوازن السكاني."[17] لكن استخدامه هذا المطلب لمناطحة البريطانيين، وتأييده العلني في عيد الغفران (4 تشرين الأول/أكتوبر 1946) لخطة الوكالة اليهودية الداعية إلى تقسيم فلسطين، أديا إلى تدمير أي إمكان لتعاون أنكلو - أميركي من أجل حل القضية الفلسطينية (الأمل الوحيد الذي كان متاحاً للتوصل إلى حل سلمي نسبياً)، وساهما مساهمة حاسمة في دفع بريطانيا إلى اتخاذ القرار بالتخلي عن الانتداب والكف عن الوقوف حاجزاً بين اليهود والفلسطينيين - وهذا ما كان الهدف الاستراتيجي الذي سعى له بن - غوريون، على الأقل منذ سنة 1939.

لقد شدّد ترومان نفسه (وآخرون) على أن الدافع وراء الخط السياسي الذي اتبعه تجاه فلسطين في السنوات 1945 - 1947 كان، إلى حد كبير، الاعتبارات الإنسانية النابعة من أحوال اللاجئين اليهود عقب الهولوكوست. ولكن، حتى لو غض المرء النظر عن أن سنة 1948 كانت سنة انتخابات رئاسية، فإن الشك في دوافعه كان من شأنه أن يكون أقل لو أنه حث في الوقت نفسه على السماح للاجئين اليهود بدخول الولايات المتحدة. ففي فترة 1932 - 1943 استقبلت هذه القارة الفسيحة، الولايات المتحدة، 170.883 يهودياً فقط، بينما استقبل البلد الضئيل، فلسطين، 232.524 يهودياً.[18] وقد سنحت الفرصة للولايات المتحدة للمشاركة في تحمل العبء مع دول أُخرى عندما جرت المناقشة العامة في الأمم المتحدة لتقرير اللجنة الخاصة بفلسطين (UNSCOP)، وذلك قبل صدور قرار التقسيم. فقد أوصت اللجنة الخاصة، التي كانت أُرسلت إلى الشرق الأوسط سنة 1947، بالإجماع، باعتبار مشكلة اللاجئين اليهود "مسؤولية عالمية". لكنْ لا الأمم المتحدة بمجموعها ارتقت إلى مستوى المسؤولية الخُلقية في هذه المناسبة، ولا الولايات المتحدة بصفتها الزعيمة الأقوى نفوذاً في الهيئة الدولية.

تقسيم من دون موافقة

كلاّ، لم يكن قرار التقسيم الصادر سنة 1947 صيغة "الحل الوسط" القانوني والخلقي والعادل والمتوازن والعملي والقابل للتطبيق، كما يحلو للكثيرين وصفه. وأصلاً أنّه كان قانونياً، مسألة فيها نظر. لقد فشلت الجمعية العامة للأمم المتحدة في التعامل مع التحديات القانونية الوجيهة جداً، التي طرحتها الوفود العربية في صورة مسودات قرارات قُدمت إلى الجمعية العامة في اجتماعها المنعقد لمناقشة القضية الفلسطينية. فقد طلبت الوفود العربية أن تُرفع المسألة، قبل أن تتخذ الجمعية قرارها، إلى محكمة العدل الدولية العليا لإبداء رأيها في الأمور التالية: (أ) فيما إذا كانت فلسطين، أو لم تكن، ضمن الأراضي العربية التي وعدت بريطانيا بمنحها الاستقلال في نهاية الحرب العالمية الأولى؛ (ب) فيما إذا كان التقسيم منسجماً مع أهداف الانتداب وشروطه؛ (ج) فيما إذا كان التقسيم منسجماً مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة؛ (د) فيما إذا كان إقرار التقسيم وفرض تطبيقه بالقوة ضمن اختصاصات الأمم المتحدة أو من صلاحياتها؛ (هـ) فيما إذا كان من حق أي عضو أو مجموعة أعضاء في الأمم المتحدة تطبيق التقسيم من دون موافقة أغلبية الناس الذين يعيشون في البلد.

إن التصويت الذي جرى بشأن صلاحية الأمم المتحدة فيما يختص بإقرار التقسيم وتطبيقه - مزيج من الفقرة (د) والفقرة (هـ) - مفيد بصورة خاصة في إيضاح ما كان يجري. فالقرار المضاد الذي نص على أن الأمم المتحدة تتمتع، فعلاً، بمثل هذه الصلاحية أُقر في الجمعية العامة (المؤلفة من 57 عضواً)، التي اجتمعت بصفة لجنة موقتة للبحث في هذا الموضوع بالذات (Ad Hoc Committee)، بأغلبية صوت واحد فقط - 21 صوتاً مع القرار، في مقابل 20 صوتاً ضده.[19] كما لا يوجد ما يدل على أن الاعتبارات الخُلقية أدت دوراً مهماً في توجيه تصويت الدول التي أيدت الصهيونية، أو ما يدل على أن دوافعها كانت محكومة برغبتها في التخفيف من شقاء يهود أوروبا. فالوفود العربية، بوحي من روحية توصية لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين، المشار إليها أعلاه، فيما يتعلق بالمسؤولية العالمية تجاه حالة اليهود، قدمت مسودة قرار تنص على أن "اللاجئين اليهود والأشخاص المرحّلين أو الذين اضطروا إلى الرحيل عن أوطانهم.... يجب أن يتم استيعابهم في أراضي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بما يتناسب مع مساحة الدولة، ومواردها، والدخل الفردي، وعدد السكان، والعوامل الأُخرى ذات الصلة بالموضوع." لكن الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي اجتمعت مرة أُخرى بصفة لجنة موقتة للبحث في هذا الموضوع، لم توافق على القرار. وكانت نتيجة التصويت 16 صوتاً مع القرار في مقابل 16 صوتاً ضده، وامتناع 25 من التصويت.[20]

وعلى ذكر خُلقية قرار التقسيم، فإن أساليب لوي الذراع، التي استخدمتها واشنطن في الضغط على الدول الصغيرة كي تصوت في مصلحة القرار ضد ميولها وتقديرها الخاص للوضع، قد جرى توثيقها جيداً،[21] بينما تُظهر حتى قراءة خاطفة للنقاش العام الذي سبق التصويت الشكوك الخُلقية الجدية فيما يتعلق بالتقسيم التي ساورت الكثيرين من الذين دعوا إليه. ويلفت النظر بالمقدار نفسه التوافق في الرأي بشأن التقسيم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي عشية الحرب الباردة بالذات. ومن شأن القارئ أن يرجع دوافع موسكو إلى الشفقة إن شاء ذلك، إلاّ إن الدافع الحقيقي لموقف موسكو كان التعجيل في انسحاب بريطانيا من إحدى قواعدها الاستراتيجية الرئيسية في الشرق الأوسط.

لكنْ كم كانت عادلة، ومتوازنة، وعملية، وقابلة للتطبيق خطة التقسيم ذاتها التي أقرتها الأمم المتحدة سنة 1947؟ بخطوط عريضة: أعطى التقسيم 55.5 في المئة من إجمالي مساحة فلسطين إلى اليهود (معظمهم كانوا مهاجرين جدداً) الذين كانوا يشكلون أقل من ثلث السكان ويمتلكون أقل من 7 في المئة من الأراضي. أمّا الفلسطينيون، في المقابل، الذين كانوا يشكلون أكثر من ثلثي السكان ويمتلكون الأغلبية العظمى من الأراضي، فقد أُعطي لهم 45.5 في المئة من الوطن الذي كان ملكاً لهم بصورة متواصلة منذ مئات الأعوام.

وإذا تفحصنا الوضع بتفصيل أكثر، نجد أن فلسطين كانت بلداً مساحته 27 مليون دونم، وكان عدد سكانه في كانون الأول/ديسمبر 1946 أقل قليلاً من مليوني نسمة (1.972.000): 1.364.000 فلسطيني و608.000 يهودي.[22] وقد قسمت خطة التقسيم البلد إلى ثمانية أجزاء: ثلاثة يهودية؛ ثلاثة فلسطينية؛ جيب دولي (corpus separatum) يشتمل على بلدية القدس والقرى المحيطة بها؛ جيب تقع فيه مدينة يافا، هو جزء من الدولة الفلسطينية، مع أنه محاط كلياً بالدولة اليهودية.

من ناحية السكان، فإن الدولة الفلسطينية المقترحة كانت ستشتمل على 818.000 فلسطيني (بمن في ذلك 71.000 فلسطيني يقطنون في جيب يافا)، وأقل من 10.000 يهودي. أمّا جيب القدس فكان سيشتمل على 105.000 فلسطيني و100.000 يهودي. وأمّا الدولة اليهودية فكانت ستشتمل على نحو 499.000 يهودي، ونحو 438.000 فلسطيني؛ ولو كان جيب يافا، المحاط بالدولة اليهودية من نواحيه كافة، أُلحق بالدولة اليهودية، كما اقترحت ذلك في الأصل لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين، لكان عدد الفلسطينيين حتى في الدولة اليهودية أكثر من عدد اليهود فيها.[23]

في ذلك الوقت، كانت إحدى الحجج التي أكثر اليهود من تردادها ضد قيام دولة موحدة في فلسطين، أنه ليس من العدل أن تحكم الأغلبية العربية الأقلية اليهودية. وقد علق مندوب باكستان في الأمم المتحدة، محمد ظفر الله خان، على هذه الحجة بقوله: "إذا كان من غير العدل أن يعيش 33 في المئة من سكان فلسطين (عدد السكان اليهود في الدولة الموحدة المقترحة) تحت حكم 67 في المئة من السكان، أَوَليس أقل عدلاً من ذلك أن يعيش 46 في المئة من السكان [العرب في الدولة اليهودية المقترحة] تحت حكم 54 في المئة؟"[24]

وإذا تفحص المرء الأجزاء الثلاثة التي تتكون الدولة اليهودية المقترحة منها، فإنه يلاحظ أن عدد اليهود في الجزء الجنوبي - النقب - كان 1020 يهودياً، بينما كان عدد العرب 103.820 عربياً. وبعبارة أُخرى: مُنح هذا الجزء بأكمله لواحد في المئة من سكانه. وفي الجزء الشمالي - الجليل الشرقي - كان عدد السكان الفلسطينيين أكبر بثلاثة أضعاف من عدد السكان اليهود (86.000 فلسطيني في مقابل 28.750 يهودياً). وفقط في الجزء الأوسط - السهل الساحلي بين تل أبيب وحيفا والسهل الداخلي (مرج ابن عامر/Esdraelon) الواقع جنوبي شرقي حيفا - كان اليهود يشكلون الأغلبية (469.259 يهودياً في مقابل 235.760 فلسطينياً). لكن حتى هنا فإن الأغلبية، من ناحية الانتشار الجغرافي، كانت ظاهرية أكثر منها حقيقية. فمن مجموع السكان اليهود في هذا الجزء كان نحو 304.000، أي تقريباً 65 في المئة، يعيشون في تل أبيب. وبالتالي، فإن اليهود كانوا يشكلون في الريف أقلية في هذا الجزء أيضاً.[25]

من ناحية ملكية الأرض، فإن مجموع مساحة الأراضي التي كان اليهود يمتلكونها لم يكن يتجاوز عشية قرار التقسيم، بحسب المصادر اليهودية، 1.820.000 دونم، أي أقل من 7 في المئة من المساحة الإجمالية للأراضي في البلد،[26] وذلك على الرغم من أكثر من سبعين عاماً من استعمار مكثف منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي، موجه مركزياً، وممول دولياً. ويأتي رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة (تريغفي لي، الذي لم يكن صديقاً للفلسطينيين) لـ "يمنح" الدولة اليهودية، بضربة مطرقة واحدة تأكيداً لقرار التقسيم، 15.000.000 دونم، بينما لم تكن مساحة الأراضي التي يملكها يهود داخل حدود هذه الدولة تتعدى 1.678.000 دونم على الأكثر، أي 11.2 في المئة. ومن الـ 7.500.000 دونم المعتبرة صالحة للزراعة (البقية صحراء) كان اليهود يملكون 1.500.000 دونم فقط، في حين كانت بقية الأراضي - 80 في المئة بالتمام والكمال - مُلكاً لفلسطينيين. وبالمقارنة: من مجموع الـ 12.000.000 دونم التي "أُعطيت" للدولة الفلسطينية، كان اليهود يملكون 130.000 دونم فقط، أي نحو 1 في المئة. وأخيراً، فإن مساحة أراضي جيب القدس كانت تبلغ 187.000 دونم، وكانت ستبقى جميعها تقريباً خارج الدولة الفلسطينية، ولم يكن اليهود يملكون فيه سوى 12.500 دونم.[27]

لكن المسألة لم تكن، فيما يتعلق بالأراضي التي خُصصت للدولة اليهودية، مسألة المساحة فقط، بل أيضاً أن ما خُصص لها كان أفضل الأراضي - معظم السهول الساحلية الخصبة (من يافا إلى حيفا) وجميع السهول الداخلية (من حيفا إلى بيسان وطبرية)، ومن ضمنها تقريباً جميع المناطق المنتجة للحبوب وللحمضيات. وكان نصف الأراضي المنتجة للحبوب، ومعظم الأراضي المنتجة للحمضيات، ملكاً لملاكين فلسطينيين. وكانت الحمضيات الغلّة الرئيسية في صادرات البلد، وبلغت قبيل الحرب العالمية الثانية 80 في المئة من إجمالي قيمة الصادرات. وبالنسبة إلى الحبوب، كانت فلسطين وقتئذ مضطرة إلى استيراد نصف حاجاتها تقريباً من القمح.[28] وهكذا، فإن استبعاد جميع المناطق المنتجة لهذين المحصولين الرئيسيين من الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية المقترحة، المعتمدة أساساً على الزراعة، كان في حد ذاته بمثابة إجهاز اقتصادي عليها. وكأن هذا لم يكن كافياً، إذ نجد أن 40 في المئة من الصناعة الفلسطينية،[29] والجزء الأكبر من الموارد التي كانت تزود فلسطين بالطاقة الكهربائية واقعة ضمن الدولة اليهودية المقترحة.

باستثناء مدينة القدس، الواقعة ضمن حدود الجيب الدولي، والتي كان ربعها تقريباً فقط ملكية يهودية،[30] فإن حدود الدولة اليهودية رُسمت بحيث تضم لا 99 في المئة من المستعمرات الزراعية اليهودية فقط، بل أيضاً جميع المدن وضواحي المدن اليهودية مع مساحات كبيرة من المناطق المحيطة بها من أجل النمو الطبيعي والتوسع. ولم يكن الأمر على هذا النحو بالنسبة إلى القرى والمدن الفلسطينية. فمن مجموع نحو 800 قرية فلسطينية، كان النصف منها على الأقل واقعاً في الدولة اليهودية. أمّا مدينة يافا (السكان الفلسطينيون: 71.000)، الميناء الفلسطيني التاريخي ومركز الحياة الثقافية والاجتماعية الفلسطينية الزاخر بالحيوية، فإن الأمر لم يقتصر بالنسبة إليها على حصرها ضمن حدودها البلدية، من دون متنفس للنمو والتطور، بل فُصلت أيضاً عن بساتين البرتقال الذي حمل اسمها وكان المصدر الرئيسي لمعيشتها الاقتصادية. في حين أن مدينة حيفا - ميناء فلسطين الرئيسي، والمحطة الأخيرة لأنبوب النفط الممتد من العراق، ومستودع النفط للبلد كله، ومقر الشرائح التجارية الأنشط في المجتمع الفلسطيني، والتي كان يقطنها عدد من الفلسطينيين مساوٍ تقريباً لعدد اليهود (71.000 في مقابل 74.000) - مُنحت بخفّة للدولة اليهودية. وأُبقيت مدن عربية رئيسية أُخرى كثيرة متضمنة في الدولة الفلسطينية - طولكرم وقلقيلية واللد والرملة وغزة والمجدل وبئر السبع - داخل حدودها فحسب، من دون أراضيها الزراعية الخصبة جداً وامتدادها الريفي الاقتصادي. وأُعطيت الأراضي المرتفعة التي ينحدر منها نهر الأردن، وبالتالي السيطرة على المصدر النهري الرئيسي لمياه الدولة الفلسطينية، إلى الدولة اليهودية. وأُدخلت بحيرة طبرية بأكملها وثروتها السمكية، التي كانت تقليدياً في أيدي الفلسطينيين، ضمن حدود الدولة اليهودية. وأُحيط الجسم الرئيسي للدولة الفلسطينية، الذي حُصر في المرتفعات الجبلية الوسطى، بالأرض من جميع الجهات، من دون اتصال مباشر بالبحر الأحمر جنوباً أو بالبحر الأبيض المتوسط غرباً. ولم تكن المدينتان الساحليتان الأُخريان، عكا وغزة (ما عدا يافا المعزولة)، الواقعتان ضمن الدولة الفلسطينية تمتلكان ميناء أو منشآت للنقل البحري. وأُلحق المطار الوحيد في البلد (بالقرب من اللد)، الذي كان على اتصال بالعالم الخارجي، بالدولة اليهودية، تاركاً الدولة الفلسطينية أيضاً من دون إمكان اتصال جوي بالعالم. صحيح أن التقسيم كان قائماً على افتراض وجود وحدة اقتصادية بين الدولتين، لكن في غياب اتفاق سياسي على المبادئ، سواء فيما يتعلق بالتقسيم أو فيما يتعلق بالوحدة الاقتصادية، فإنه كان من السخف ومنتهى الخفّة ربط الأمرين معاً.

ومن أجل وضع جميع ما سبق ذكره في إطار ما يتيح المقارنة يمكن، على سبيل المثال، إلقاء نظرة إلى تقسيم الهند الذي كان جارياً في الفترة نفسها. ففي الهند، كانت المناطق التي كان المسلمون يشكلون أكثر من 50 في المئة من السكان فيها واقعة بصورة واضحة في الشرق، في المنطقة المحيطة بداكا، وفي الشمال الغربي في المناطق الممتدة من كراتشي إلى لاهور إلى الحدود الأفغانية. أمّا في فلسطين، فكان الجزء الأكبر من السكان اليهود (70 في المئة) متركزاً في ثلاث مدن (القدس الغربية وتل أبيب وحيفا) وفي المناطق البلدية التابعة لها. ولم تكن تتوفر لليهود في الريف قاعدة جغرافية شبيهة بتلك التي كانت متوفرة للمسلمين الهنود. وفي الواقع، كان اليهود يشكلون أغلبية تتجاوز 50 في المئة من السكان فقط في قضاء واحد (قضاء يافا - تل أبيب) من أقضية البلد الستة عشر. وبالنسبة إلى بقية الأقضية الخمسة عشر كانت نسبتهم إلى مجموع السكان، بتعداد تنازلي، كما يلي: حيفا (47 في المئة)؛ القدس (38 في المئة)؛ طبرية (33 في المئة)؛ بيسان (30 في المئة)؛ الرملة (22 في المئة)؛ طولكرم (17 في المئة)؛ الناصرة (16 في المئة)؛ صفد (13 في المئة)؛ عكا (4 في المئة)؛ غزة (2 في المئة)؛ بئر السبع (أقل من 1 في المئة)؛ الخليل (أقل من 1 في المئة)؛ جنين ونابلس ورام الله (صفر في كل منها). وهكذا، فإن التقسيم في الهند كان بين شعبين، يقطن كل منهما في موطنه الأصلي، ولكل منهما قاعدته الجغرافية. وهذا هو السبب، إلى حد كبير، في أن قادة المسلمين والهندوس في الهند، على الرغم من نفور الهندوس الشديد من الأمر، تمكنوا من التوصل إلى اتفاق على التقسيم. ولم يكن الأمر كذلك في فلسطين.

في الشرح المعجمي لمعنى "الحل الوسط" نجد أنه يعني "تسوية من خلال التحكيم أو من خلال موافقة يتم التوصل إليها نتيجة تنازلات متبادلة"؛[31] إنه "تنظيم لنزاع من خلال تنازلات من كلا الطرفين"، و"تخلٍّ جزئي عن الموقف [الأصلي]."[32] إن المقومات المميزة للحل الوسط هي، كما يبدو من الشرح، الموافقة والتبادلية والطبيعة المقيَّدة لما يمكن التخلي عنه من أجل التوصل إلى مثل هذا الحل. وهذه المقومات مترابطة فيما بينها منطقياً وجوهرياً. والتبادلية، بصورة خاصة، تفترض - مسبقاً - توفر تناظر إلى حد ما بين نوعية التنازلات المتبادلة. وليس من السهل رؤية معالم تناظر كهذا في قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1947. وحتى المندوب البريطاني الأفخم بيل، صاحب مشروع التقسيم لسنة 1937، والذي ادعى لنفسه ما وصفه بيرك بـ "الحياد البارد لقاض نزيه"، رأى أية كفة من كفتي الميزان سترجحها التنازلات. فقد كتب في تقريره: "إذا أخذنا في الاعتبار ما يعنيه إمكان توفر ملجأ في فلسطين بالنسبة إلى مئات الآلاف من اليهود المعذبين، فإننا لا نستطيع أن نصدق أن الكرب الذي سيسببه التقسيم، مهما عظم، أكبر مما يستطيع الكرم العربي احتماله."[33]

بالنسبة إلى الموافقة، فإن مما لا مجال للاختلاف فيه أن القرار الصهيوني لم يكن، في أي وقت من الأوقات، مرتبطاً بالموافقة الفلسطينية - لا في وقت برنامج بازل (1897)، أو وعد بلفور (1917)، أو تضمين صك الانتداب الوعد في سان ريمو (1920)، أو برنامج بلتمور (1942) - وفي الواقع، ولا في أي منعطف مهم من منعطفات المشروع الصهيوني. ويلخص حاييم وايزمن، بإيجاز محكم، مسألة الموافقة في روايته لما جرى بينه وبين الرئيس روزفلت في اجتماع عُقد بينهما سنة 1944: "أكدتُ بالحجة فرضية أننا لا نستطيع أن نرهن قضيتنا بموافقة العرب؛ وما دامت موافقتهم مطلوبة فإنهم، طبعاً، سيرفضون إعطاءها."[34]

وهكذا، أيضاً، كان غياب الموافقة في صلب قرار التقسيم الصادر سنة 1947. ومنذ أن سببت توصية تقرير لجنة بيل بتقسيم فلسطين (الذي كان أقل جذرية من التقسيم الذي قضت به الأمم المتحدة) تصعيداً واتساعاً كبيرين في الثورة الفلسطينية سنة 1937، لم يعد لدى القيادة الصهيونية والمراقبين الخارجيين أية أوهام بشأن المقاومة الغريزية والمتفانية التي شنها الفلسطينيون ضد مبدأ التقسيم. ومثل الفلسطينيين، أعرب جميع أعضاء جامعة الدول العربية (باستثناء شرق الأردن) بوضوح عن معارضتهم التقسيم قبل أن تتخذ الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها بذلك. كما لم تكن لدى القيادة الصهيونية، أو لدى أي من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي أيدت القرار، أية أوهام بأن من الممكن تطبيق القرار من دون استخدام القوة الساحقة تجاه المقاومة الفلسطينية والعربية. وإلاّ كيف كان من الممكن، في غياب الموافقة الفلسطينية والعربية، توسيع السيطرة الصهيونية على الأرض، من 7 في المئة إلى الـ 55.5 في المئة من الأرض الفلسطينية التي خُصصت للدولة اليهودية، والتي تمثل ما نسبته 900 في المئة زيادة في أراض مكتظة بالفلسطينيين؟

انتصار الرواية الصهيونية

وإذا كانت رواية المنتصر المتعلقة بقرار التقسيم عتّمت على الأحداث المتصلة بالموضوع والسابقة للقرار، فإنها أيضاً ساهمت في تحسين الصورة السائدة في العالم الغربي لبطل الرواية الصهيوني المتصف في نظره بالبراءة والنقاء، بينما رسَّخت الصورة السلبية المغلّفة بالشرّ والمرتسمة لديه لضحية القرار، الفلسطينيين.

منذ سنة 1897 والصهيونيون في حالة هجوم استراتيجي؛ ذلك بأنهم كانوا، منذ البداية، هم الذين حرّكوا كل عصب سعياً وراء إحداث انقلاب كامل في الوضع القائم الفلسطيني من نواحي الديموغرافية، وملكية الأرض، وموازين القوى بين الجماعتين، والسيطرة السياسية السيادية. وفي الواقع، يستحق برنامجهم أن يكون بجدارة مثالاً نموذجياً للتعريف اللامع وغير الماركسي، الذي قدمه هانس مورغنتاو، للإمبريالية في نظرية السياسة الدولية الغربية الحديثة.

لقد كان التقسيم، من وجهة نظر الصهيونية، خطوة جبارة في اتجاه تبرير سبب وجود الحركة التي تحمل اسمها. وبات هدفاها الرئيسيان - السيادة اليهودية وجمع المنفيين - في متناول اليد الآن: الأول فوراً، والثاني قابل للتحقيق أكثر من أي وقت مضى. وفي الواقع أصبح التقسيم، منذ بيل، الهدف التكتي لقيادة التيار الرئيسي في الحركة الصهيونية، كما صاغ ذلك بن - غوريون، بينما واصل المعسكر التصحيحي بقيادة فلاديمير جابوتنسكي، والذي فرَّخ منظمتي الإيتسل وليحي، الدعوة جهاراً إلى إقامة دولة يهودية على كلا ضفتي نهر الأردن بقوة السلاح. ومن الصحيح أن بن - غوريون مال علناً إلى المقولات التصحيحية عندما وضع سنة 1942 برنامج بلتمور الذي عرّف الهدف الصهيوني بأنه "إعادة تشكيل فلسطين كدولة يهودية ديمقراطية" (“the establishment of Palestine as a Jewish commonwealth”)، خلافاً لمفهوم التقسيم القائم على إقامة دولة يهودية ديمقراطية في فلسطين. لكن مع حلول ربيع سنة 1946 كان بن - غوريون قد عاد إلى التبني التكتي للتقسيم، وظل على موقفه هذا حتى صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1947.

وهكذا فإن التقسيم، بشرط أن يتضمن إقامة دولة يهودية في الجزء الأكبر من فلسطين (وهذا ما فعله قرار الجمعية العامة)، كان المطلب العلني في ذلك الوقت للتيار الرئيسي في الحركة الصهيونية. وبقبول القرار - حتى لو افترضنا أن القبول كان صادقاً - فإن الصهيونيين كانوا بذلك "يقبلون" في جوهر الأمر مطلبهم. ومن الصعب معرفة لماذا يُمجَّد خُلقياً الطرف الذي يَقبل برنامجه هو بالذات، ولماذا يوصم بعار أبدي الطرف الذي يرفض صفقة يرى أنها تهدد وجوده القومي. إن "الحل الوسط" لا يتحقق إذا كانت شروطه المفترضة منسجمة مع رغبات أحد الطرفين، ونقمة بالنسبة إلى الطرف الآخر. كما أنه لا يتحقق بمجرد إعلان الطرف المنتصر ومؤيديه من الأطراف الأُخرى أنه "حل وسط".

لكن هل كانت "عودة" بن - غوريون إلى التقسيم في 1946 - 1947 صادقة؟ هل سلَّم حقاً بفقدان القدس في الجيب الدولي، وبعدم إلحاق الجليل الغربي وغوش عتسيون القريبة من الخليل بالدولة اليهودية؟ إن مجرد قراءة سطحية لنص خطة دالِتْ يدل على عكس ذلك.[35] وهنا من المفيد أن يتذكر المرء ردات فعل بن - غوريون تجاه مقترحات بيل التي أشرنا إليها سابقاً.

وفي الواقع، كان بن - غوريون نفسه هو من حذّر وقتئذ زملاءه من اعتبار قبوله التقسيم تنازلاً، وشرح لهم أن هناك شيئاً يدعى "الصهيونية العميقة"، وأن هناك مراحل في فهم الصهيونية. ويصوغ طيفت أفكار بن - غوريون على النحو التالي: "فقط أولئك الذين [يؤمنون] بالصهيونية العميقة يقدّرون مذهب التطبيق المتدرج للأيديولوجيا. إن الرؤية الصهيونية لا يمكن تحقيقها دفعة واحدة، وخصوصاً تحويل فلسطين إلى دولة يهودية. وقد تطلبت المقاربة القائمة على المرحلية في التطبيق، والتي أملتها الظروف غير الملائمة أبداً، صوغاً للأهداف بدا للصهيونيين في مستويات الفهم الدنيا أنه ’تنازلات‘."[36] كما أن الملاحظة التي سجلها بن - غوريون في يومياته بتاريخ 14 أيار/مايو 1948، عشية تأسيس دولة إسرائيل، ربما لا تخلو من دلالة: "لنأخذ إعلان الاستقلال الأميركي، مثلاً.... إنه لا يحتوي على ذكر للحدود الجغرافية. ونحن لسنا مجبرين على ذكر حدود دولتنا."[37] مع ذلك، وفي حين كانت ألوية البلماح التابعة لبن - غوريون تتأهب في شتاء سنة 1947 للانقضاض على الحقول التي لم تزرعها، والبساتين التي لم تغرس أشجارها، والمدن والقرى التي لم تشيّدها ولم تسكن فيها، تلفّع الصهيونيون، بقبولهم قرار التقسيم المتجاوب مع رؤيتهم، أيضاً برداء التسامي الخُلقي الكاذب مُتّخذين مظهر وضعية الدفاع عن النفس والتقيد بإرادة المجتمع الدولي النزيهة. علاوة على ذلك وُصم الفلسطينيون، الذين أرّقهم منذ سنة 1897 الخوف من الاحتلال والطرد على يد شعب غريب، والذين كان التقسيم بالنسبة إليهم إنكاراً لحقهم الجوهري في المحافظة على وحدة أراضي وطنهم المتوارث أباً عن جد، والذين وجدوا أنفسهم أمام خطة تقسيم أشد وحشية من خطة تقسيم بيل التي سبقتها بعشرة أعوام؛ وُصموا بأنهم عدوانيون لأنهم لم يخضعوا بوداعة لتقطيع أوصال وطنهم.

لقد نجمت عن هذا القلب العجيب للأمور في تقويم الموقف الأساسي للطرفين تجاه قرار التقسيم نتائج كثيرة. فقد مكّن الصهيونيين من أن يموهوا، حتى اللحظة، مسؤوليتهم التاريخية الأساسية عن فرار وطرد نحو 750.000 فلسطيني من مدنهم وقراهم، وأمدهم بعذر جاهز للتهرب من أي التزام خُلقي تجاههم. وحجب عن النظر المدقق، حتى فترة قريبة، احتلالهم نحو 518 قرية فلسطينية و12 مدينة، وتدميرهم نحو 400 قرية من هذه القرى تدميراً كاملاً.[38] كما أنه أضفى "شرعية" على المصادرة الشاملة للثروة الضخمة غير المتوقعة التي وقعت في قبضتهم من أملاك الفلسطينيين المنقولة وغير المنقولة، والتي وزعوها غنيمة حرب على مواطني الدولة الجديدة. والأخطر من ذلك كله، تحول هذا القلب للأمور إلى مظلة لتبرير جميع أفعال إسرائيل اللاحقة، بما في ذلك الاستعمار المستمر للمناطق المحتلة منذ سنة 1967. ومع استثناءات قليلة، فإنه حتى الجيل الأصغر من المؤرخين الإسرائيليين الذي أخذ يعيد النظر في الرواية الصهيونية للأحداث ما زال غير قادر على مواجهة اللحظة الحاسمة المتمثلة في سنة 1947 بشجاعة، وعندما يتعامل معها أو مع نتائجها فإنه يختبئ، بدلاً من مواجهتها، خلف ستار من الضرورات القاهرة العسكرية وإفرازاتها المدنية غير المتعمدة زعماً.

ومما يثير الدهشة والسخرية أن جيلاً جديداً من العرب الذين تلقوا علومهم في الغرب، بما في ذلك عدد غير قليل من المؤرخين الفلسطينيين (من أبناء أو أحفاد ضحايا 1947 - 1948)، قد استسلم تحت وطأة القصف المتواصل المتمثل في الرواية الصهيونية للأحداث لإغراء النظر إلى الماضي "من دون عقد نفسية". ومن خلال هذا المنظور، صار يرى في قرار التقسيم الصادر سنة 1947 ملامح لا يمكن تخيّل أن يتعرف إليها أحد من الفلسطينيين الذين عاصروا القرار وقت صدوره. واكتسب هذا التوجه دفعة قوية بعد مدريد، عندما درجت، مع علو شأن "الاستقامة السياسية" (political correctness)، موضة التوجع من سلبية الآباء والأجداد سنة 1947. إن حقيقة أن الفلسطينيين والقيادات العربية الأُخرى، بعد نحو أربعة عقود من الزمن وسبع حروب، أصبحوا يقبلون بالتقسيم (وبدولة فلسطينية أصغر كثيراً من تلك المقترحة في خطة التقسيم سنة 1947) كحل عملي من أجل وضع سقف لمعاناة الشعب الفلسطيني، لا تعني قبولاً بمفعول رجعي لخطة الأمم المتحدة ومقدماتها، ولا إثباتاً متأخراً لقابليتها للتطبيق سنة 1947. بل هي بالأحرى شاهد على شدة تعلق الإنسان بموطنه الأصلي.

نتائج التقسيم

إن الفرصة الوحيدة التي كانت متاحة في السنوات 1945 - 1947 لرعاية مفاوضات من أجل التوصل إلى تسوية سياسية، كانت في قيام تعاون كامل بين البريطانيين والأميركيين لهذا الغرض. ولم يكن ذلك أمراً مستحيلاً بين الحليفين الأوثق ارتباطاً أحدهما بالآخر في الحرب العالمية الثانية. ومع أن الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية كانت معارضة للتقسيم، فإن آمالها كانت معقودة في ذلك الوقت على المساعي الدبلوماسية. ولم يكن لأي منها حتى أي كلام مع الاتحاد السوفياتي. ولم يكن لدى أي منها استعدادات للحرب. وكانت جميعها صديقة للولايات المتحدة.

لكن تعاوناً بريطانياً - أميركياً كان مستحيلاً بسبب الطريقة التي اختار أن يتعامل بها مع المسألة الرئيس ترومان، الذي كان مفتقراً إلى أية معرفة بالشرق الأوسط (أو حتى بعدد الفلسطينيين في البلد)، وشديد الارتياب من موظفي وزارة خارجية بلده. وقد تسبب ذلك، إضافة إلى الإرهاب الصهيوني، بدفع بريطانيا إلى اختيار إحالة المشكلة على الأمم المتحدة، ومن ثم، بعد صدور قرار التقسيم، إلى اتخاذ القرار بإنهاء الانتداب في 15 أيار/مايو 1948.

وبتصفية بريطانيا لإدارة الانتداب التي استمرت ثلاثين عاماً، وبسحبها قواتها من جميع أنحاء البلد خلال ستة أشهر، مع رفضها تنفيذ قرار التقسيم، زال الحاجز الذي كان يفصل بين الصهيونيين والفلسطينيين. وفي غياب قوة بديلة للمحافظة على التوازن بين الطرفين المتنازعين، وغياب تسوية سياسية متفق عليها تتضمن تنظيماً للعلاقات فيما بينهما، وفي ضوء النيات المعروفة لكل منهما، لم يكن من الصعب توقع حتمية انفجار المشاعر المكبوتة، المتراكمة لدى الطرفين منذ سنة 1897. وفي حالة الهند المتزامنة مع حالة فلسطين، والشبيهة بها، نجد أنه على الرغم من الاتفاق الرسمي المسبق بين القيادتين الإسلامية والهندوسية، تحت الرعاية البريطانية، على مبدأ التقسيم، وعلى الرغم من انقسام شبه القارة الهندية، الواضح نسبياً، إلى ولايات ذات أغلبية ساحقة مسلمة أو هندوسية، وهو ما يسهل نظرياً تقسيمها، وعلى الرغم من وجود جيش كبير أنكلو - هندي تحت القيادة البريطانية وشخصية رفيعة المستوى بصفة نائب الملك مخولة الإشراف على الأمور في مرحلة الانتقال إلى الوضع الجديد؛ على الرغم من ذلك كله فقد انفتحت أبواب الجحيم تحت وطأة صدمة التقسيم.

في فلسطين، حقق بن - غوريون هدفه المحدد بإزاحة البريطانيين عن الساحة. وكانت لديه موافقة الدولتين العظميين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، على التقسيم. وكانت قواته العسكرية على أهبة الاستعداد. وكانت حدود الدولة اليهودية، الأوسع كثيراً من الحدود التي اقترحتها لجنة بيل، معينة على خريطة الأمم المتحدة، وكان هناك ضوء أخضر يشع من مقر الأمم المتحدة. ولم يكن هناك ما يكبح جماحه.

وكان هذا، لا من أطلق "الطلقة الأولى"، هو العامل الحاسم في رسم الأحداث اللاحقة. وإذا افترض المرء أن الفلسطينيين لم يطلقوا الطلقة الأولى التي يُدّعى أنهم كانوا هم من أطلقها، هل يمكن تخيل أن الهاغاناه أو ليحي أو الإيتسل (وكلتا المنظمتين الأخيرتين عارضت التقسيم علناً وأصرت علناً أيضاً على "أرض إسرائيل" بكاملها) ما كانت لتطلق طلقة أولى في سياق الاستيلاء على الجزء الأكبر من فلسطين، الذي كان هو مربط الفرس في قرار التقسيم؟

*  *  *

إن كل ما أوردناه أعلاه لم يكن القصد منه تمريناً لاستحضار الماضي لذاته. إن العرب والفلسطينيين ملتزمون تجاه عملية سلام يمكن أن تؤسس قاعدة لتعايش دائم بينهم وبين إسرائيل.

ومدريد وأوسلو نقطتا انطلاق في هذه العملية، على الرغم من عيوبهما، شرط أن تكون إسرائيل وواشنطن، على حد سواء، جديتين بشأنها. لكن لا يمكن أن تكون هناك مصالحة دائمة إذا أُخرجت عناصرها من سياقها التاريخي وأُرسيت على رواية كاذبة لأحداث الماضي.

 

[1] أنظر :

Walid Khalidi, “The Jewish-Ottoman Land Company: Herzl’s Blueprint for the Colonization of Palestine,” JPS 22, No. 2 (Winter 1993), pp. 30-47

[2]بدأت الثورة في أيار/مايو ،1936 لكنها أُوقفت موقتاً في تشرين الثـاني/نـوفمبر عنـدماوصـلت لجنــة بيــل إلى البلــد. واســتؤنفت، بعنــف أكبــر، بعــد نشــر تقريــر بيــل في تمــوز/يوليــو ،1937 واستمرت حتى صيف سنة 1939 .

[3] Shabatai Teveth, Ben-Gurion and the Palestinian Arabs: From Peace to War (Oxford and New York: Oxford University Press, 1985), p. 193.

[4] في ســـنة ،1936 كـــان عـــددالســـكان اليهـــود 382.857 نســـمة مـــن مجمـــوع الســـكان البـــالغ .1.388.852 أنظر :

Justin McCarthy, The Population of Palestine (New York: Columbia University Press, 1990).

[5] Teveth, Ben-Gurion, pp. 189-190.

[6] Ibid., pp. 164, 193.

[7] Dinur Benzion (ed.), Sefer Toldot HaHaganah, Vol. II (Tel Aviv: Zionist Library and Marakhot, 1964), pp. 749-754.

[8] أنظر :

Nur Masalha, The Expulsion of the Palestinians (Washington: Institute for Palestine Studies, 1992).

[9] بشأن استخدام الرسائل المفخخة، أنظر :

The Times (London), 10 June 1947, pp. 5-7, and Sunday Times (London), 24 September 1972.

وبالنسبة إلى الطرودالملغومة، أنظر :

The Times, 4 September 1947.

وفيما يتعلق بشنق الرهائن، أنظر :

R. D. Wilson, Cordon and Search (Aldershot: Gale and Polden, 1949), p. 132.

وفيما يخص الألغام المفجرة كهربائياً في الأسواق العامة، التـي كانـت منظمـة الإيتسـل أول مـن استخدمها سنة ،1938 أنظر :

Dinur Benzion (ed.), Sefer Toldot HaHaganah, Vol. III (Tel Aviv: Zionist Library and Marakhot, 1955-1972), p. 812.

[10] Nicholas Bethel, The Palestine Triangle (London: Andre Deutsch, 1979), p. 263.

[11] من أجل التاريخ الرسمي في فلسطين للفرقة السادسة المنقولة جوا،ً أنظر:

Wilson, Cordon and Search.

[12] 3 .p ,Gurion-Ben ,Teveth،

الـذي في رأيـه أراد بـن - غوريـون إزاحـة بريطانيـا عـن الطريـق منذ سنة 1939 .

[13] Benzion, Sefer Toldot HaHaganah, Vol. III, pp. 1234-1236. 

كمثــال للمشــتريات مــن إدارة مخلّفــات الحــرب تــم شــراء خمســين آلــة للاســتخدام في اختبــارات إنتــاج الــذخيرة بمبلــغ قــدره 120 دولاراً أميركيــا،ً مــع أن الســعر الاعتيــادي المفتــرض للآلــة الواحدة كان 18.000 دولار (1236 .p .,Ibid(.

[14]830 .p ,Gurion-Ben ,Teveth.

أنظـر: ff 823 .p .,Ibid مـن أجـل هجـوم بـن - غوريـون العنيـف علــى حــاييموايــزمن في منــزل الحاخــام وايــز في نيويــورك مباشــرةبعــد مــؤتمر بلتمــور ســنة . 1942

[15]أنظر :

Walid Khalidi, “Plan Dalet: Master Plan for the Conquest of Palestine” and its Appendices A, B, and C in JPS 18, No. 1 (Autumn 1988), pp. 3-70.

مــن أجــل نــص الخطــةدالِــتْ التــي أُنجــزت في آذار/مــارس ،1948 مترجمــاً عــن العبريــة، أنظــر: (24 .p .,Ibid (B Appendix. وبحسـب مـاورد في مقدمـة الخطـة (المنشـورة أيضـاً في المصـدر نفسـه، ص 24 - 25)،فـإن هـذه الخطـةقائمـة علـى أسـاس الخطـة ب (أيلـول/سـبتمبر 1945)، والخطة ج (غيمِل،ْ بالعبرية) التـي تعـرف أيضـاً باسـم خطـة أيـار/مـايو ،1946وخطـة يهوشـوَع (غلوبرمان)، على اسمواضعها، الذي قتل في أوائل كـانون الأول/ديسـمبر .1947 وقـدوضـعت اللمسات الأخيرة في الخطةدالِتْ في آذار/مارس .1948 من أجل الخطة ج أنظر: A Appendix (20 .p .,Ibid(. وبحسـب مـاورد في مقدمـة الخطـةدالِـتْ نفسـها،فــ "بمـا أن هـذه الخطـط [أي: الخطـة ب،والخطـة ج،وخطـة يهوشـوَع غلوبرمـان] وُضـعت مـن أجـل التعامـل مـع الوضـع داخـل البلد،فإن الخطتين الأوليين تعالجان المرحلة الأولى مـن الحـوادث، بينمـا تعـالج الخطـة الثالثـة إمكان قيام جيوش نظامية من الأقطار العربية اجملاورة بغزوالبلـد.... وهـدف الخطـةدالِـتْ هـو مــلء الفجــوات في الخطــط الســابقة لجعلهــا أكثــر ملاءمــة للوضــع المتوقــع أن ينشــأ مــع انتهــاء الحكم البريطاني للبلد."

[16] Harry, S. Truman, Memoirs of Harry S. Truman, Vol. II: Years of Trial and Hope, 1946- 1952 (New York: Signet, 1965), p. 162

[17] Margaret Truman, Harry S. Truman (London: Hamish Hamilton, 1973), p. 299.

[18] American Jewish Committee, “Toward Peace and Equity” (New York, 1946), p. 73.

[19] Muhammad Zafrulla Khan, Palestine in the UNO (Karachi: Pakistan Institute of International Affairs, 1948), p. 6ff

[20]Ibid

[21] أنظر: على سبيل المثال :

Kermit Roosevelt, “The Partition of Palestine: A Lesson in Pressure Politics,” Middle East Journal 2, No. 1 (January 1948), pp. 13-16; Carlos P. Romulo, I Walked with Heros (New York: Holt, Rinehart, and Winston, 1961), p. 285ff.

[22] Report of Sub-Committee 2 of the United Nations Special Committee on Palestine to Ad  Hoc Committee, 11 November 1947 (A/AC 14/32 and Add. I), Appendix A.

[23] Report of Sub-Committee 2, paragraph 59.

[24] Khan, Palestine in the UNO

[25] الأرقام المتعلقة بعدد السكان تستند إلى :

Report of Sub-Committee 2, paragraph 56ff and Appendices A, B and C.

[26] Jewish National Fund, Jewish Settlements in Palestine (Jerusalem: Author, March 1948), p. ii.

[27] جميع التقديرات المتعلقة بالملكية مأخوذة من :

Jewish National Fund, Jewish Settlements in Palestine.

[28] UNSCOP, Report to the General Assembly by the United Nations Special Committee on Palestine (Official Records of the 2nd session of the General Assembly, 1947, Supplement No. 11), chapter 2, paragraph 27.

[29] Fred J. Khoury, The Arab-Israeli Dilemma (Syracuse: Syracuse University Press, 1985), p. 4

[30] خــلال فتــرة الانتــداب، كانــت الملكيــة في مدينــة القــدس الجديــدة خــارج أســوار البلــدة القديمــة كالتــالي: فلســطينية (40 في المئــة)، يهوديــة (26.12 في المئــة)، مســيحيون غيــرفلســطينيين (13.86 في المئــة)، حكوميــةوبلديــة (2.9 في المئــة)، طــرق وخطــوط ســكة حديــد (17.12 في المئــة). وكــان معظــم الملكيــة اليهوديــة في النصــف الغربــي مــن المدينــة الجديــدة. أنظــر الشــرح المرفق بخريطة القدس التي نشرها

Palestine Refugee Office, New York, 1951.

[31] Webster’s Third New International Dictionary of the English Language (Spring-field, MA: Merriam-Webster, 1988).

[32] The Shorter Oxford English Dictionary, Third Edition (Oxford: Clarendon Press, 1959).

[33] Palestine Royal Commission Report, Cmd. 5479 (London: His Majesty’s Stationery Office, 1937), p. 395.

[34] Chaim Weizmann, Trial and Error: The Autobiography of Chaim Weizmann (New (34) York: Schocken, 1966), p. 435.

[35] أنظـر) خارج حدود الدولة اليهودية المعينة في قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة. وتقول الفقـرة الأولى في الخطةدالِتْ (25 .p .,Ibid; B Appendix (ما يلي: "هدف هذه الخطة هـو السـيطرة علـى مناطق الدولة اليهوديةوالدفاع عن حدودها. كما أنها تهدف إلى تحقيق السيطرة على منـاطق الاســتيطان اليهــودي والتجمعــات الســكانية [اليهوديــة] الواقعــة خــارج الحــدود ضــد القــوات النظاميــة،وشــبه النظاميــة،والقــوات الصــغيرة العاملــة مــن قواعــد خــارج الدولــة أوداخلهــا." قـوائم علـى ،)Ibid., p. 34ff), “Operational Orders to the ‘Brigades’” ج الملحـق ويشـتمل بأسماء المدن والقـرى الفلسـطينية الواقعـة داخـل الدولـة الفلسـطينية التـي يتعـيّن علـى كـل واحـد مـن ألويـة الهاغانـاه السـتة احتلالهـا. ولا تـرد في هـذه القـوائم أسـماء المـدن والقـرى الموكـل أمـر احتلالها إلى أشرس وأفضل وحدات الهاغاناه، من حيـث التـدريب والتسـليح - قوتهـا الضـاربة المحمولة، ألوية البلماح الثلاثة .

[36]Teveth, Ben-Gurion, p. 101

[37]Michael Bar-Zohar in Ben-Gurion: The Armed Prophet, trans. By Len Ortzen :ذكـره) ((Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall, 1968), p. 133.

[38]أنظر:

Walid Khalidi (ed.), All That Remains: The Palestinian Villages Occupied and Depopulated by Israel in 1948 (Washington: Institute for Palestine Studies, 199