الهجرة من الاتحاد السوفياتي: التركيب الاجتماعي والمهني، والهوية اليهودية
كلمات مفتاحية: 
هجرة اليهود السوفيات
اليهود الروس
إسرائيل
استيعاب المهاجرين
المهاجرون
نبذة مختصرة: 

تتناول الدراسة الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفياتي خلال العقد الأخير من القرن الماضي، وتستعرض تصنيف المهاجرين بحسب الانتماء الطائفي، والتحصيل العلمي والمهني، والهدف النهائي لهجرتهم إلى إسرائيل أو إلى بلد آخر، والدوافع والتوجهات الأساسية مثل: هل هم صهيونيون مثاليون أو لاجئون أو مهاجرون أو ناجحون، أو تصنيفهم وفقاً لميولهم السياسية: يمين أو يسار، مع إعادة أراض محتلة مقابل السلام أو ضد إعادتها، مع الترانسفير أو ضده. والدراسة مدعمة بجداول إحصائية عن أعداد اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل وعن تصنيفاتهم السالفة الذكر.وتتجنب الدراسة الإشارة إلى توقعات مستقبلية لأن موجة الهجرة تتطور تطوراً دينامياً جداً ومن الممكن أن تكون في مرحلة البداية، ولأن التكهن المبني على إسقاط مباشر لمسار راهن على المستقبل، غالباً ما يكون مغلوطاً فيه، وفي تاريخ إسرائيل حدثت موجات هجرة استمرت بضعة أعوام وبعد ذلك حدثت ردات فعل مضادة وتغيرت الاوضاع الاساسية.وتوصي الدراسة بعمل كل شيء لإتاحة الخروج لكل يهودي من الاتحاد السوفياتي يرغب في ذلك، وأن يتم تجنيد الشعب والدولة في إسرائيل وتعبئتهما من أجل استيعاب موجة الهجرة للوصول في سنة ألفين إلى إسرائيل يسكنها 5 ـ 6 ملايين يهودي بمستوى تكنولوجي ـ صناعي وعلمي رفيع جداً.

النص الكامل: 

إن موجة الهجرة الجماهيرية الحالية من الاتحاد السوفياتي ليست مكوّنة، طبعاً، من كتلة واحدة. وكما هو الحال بالنسبة إلى كل جمهور كبير ومركب، يمكن أن نصنّف المهاجرين بموجب مقاييس عدة: بحسب الانتماء "الطائفي" (أشكنازيم، وغير أشكنازيم... إلخ)؛ التحصيل العلمي والمهنة؛ الهدف النهائي لـ"هجرتهم" إلى إسرائيل أو إلى بلد آخر؛ "الدوافع"؛ "التوجهات الأساسية" – صهيونيون مثاليون، "لاجئون"؛ "مهاجرون"؛ "ناجحون"؛ "من عامة الناس". كذلك يمكن تقسيمهم وفقاً للميول السياسية: يمين ويسار؛ مع إعادة مناطق في مقابل السلام وضد إعادتها؛ مع "الترانسفير" وضده... إلخ.

لقد بدأت موجة الهجرة الأخيرة قبل أشهر عدة، وهي الآن في ذروتها. وقد حدثت فيها تغييرات سريعة للغاية، وديناميتها عالية. ولا توجد أبحاث كثيرة ومعطيات كافية لإجابة شافية فيما يتعلق بهذه "السمات" كلها – وبالتأكيد، ليس خلال وقت قصير إلى هذا الحد. ومع ذلك كله، سنلخص أدناه – قدر الإمكان – المعطيات والمادة المتوفرة.

تنقسم الفترة بين إنشاء دولة إسرائيل وحزيران/يونيو 1990 (كما يلخصها الجدول رقم 1**) إلى أربع فترات فيما يخص الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفياتي: من سنة 1948 حتى سنة 1970، لم يكن هناك هجرة جماهيرية قط. وكان المعدل السنوي 1600 مهاجر. والعدد الأعلى هو الذي سُجل سنة 1957 – بعد حرب سيناء – وكان نحو 5000 مهاجر. وفي تلك السنة، جاء كثيرون إلى إسرائيل عن طريق بولندا، ذلك بأنه في عهد غومولكا***  سمح السوفيات لمواطنين بولنديين بالذهاب إلى إسرائيل. وفي سنوات معينة، انخفض عدد المهاجرين إلى 200 – 300 مهاجر؛ أما الهجرة الجماهيرية، فقد بدأت سنة 1971، بعد محاكمة "خاطفي الطائرة" في نهاية سنة 1970، وبعد مؤتمر بروكسل من أجل يهود الاتحاد السوفياتي في ربيع سنة 1971. واستمرت هذه الموجة حتى سنة 1980، وبلغ المعدل السنوي في هذه الفترة 15,000 مهاجر (وكما هو معروف، انخفض عدد المهاجرين إلى إسرائيل كثيراً، لا نتيجة منع الخروج من الاتحاد السوفياتي فحسب، بل أيضاً – وبمقدار حاسم – نتيجة التساقط في الغرب)؛ وفي الفترة 1981 – 1988، وصل إلى إسرائيل ما مجموعه 8600 مهاجر – بمعدل 1100 مهاجر في السنة؛ ومنذ النصف الثاني من سنة 1989، بدأ خروج اليهود من هناك خروجاً حراً وواسع النطاق. وفي الوقت نفسه أغلقت الولايات المتحدة أبوابها أمام الهجرة، وبدأت بالتالي هجرة جماهيرية بالتدفق إلى إسرائيل. ففي سنة 1989 وحدها، هاجر من الاتحاد السوفياتي إلى إسرائيل عدد يفوق عدد الذين هاجروا خلال الثمانينات كلها. وخلال النصف الأول فقط من سنة 1990، وصل عدد المهاجرين تقريباً إلى أكثر بضعف ونصف ضعف عدد الذين هاجروا في إبان الفترة 1948 – 1970: 49,000 مهاجر في مقابل 36,700 مهاجر. وعلى العموم، هاجر خلال 1989 – 1990 ما يقرب من 65,000 نسمة. إذاً، فقد هاجر من الاتحاد السوفياتي، طوال الفترة منذ إقامة إسرائيل حتى الآن، ما يزيد قليلاً على ربع مليون مهاجر. وإذا ما تحققت التوقعات الحالية، فمن الممكن أن يصل إلى إسرائيل مثل هذ ا العدد، أو حتى عدد أكبر منه، خلال 1990 – 1991. 

 

الجدول رقم (1)

الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفياتي

1948 1990

(الأرقام مكوّرة)

 

السنة

عدد المهاجرين

السنة

عدد المهاجرين

1948

1200

1981

2000

1949

3250

1982

1000

1950

2800

1983

400

1951

1000

1984

400

1952

300

1985

400

1953

250

1986

200

1954

200

1987

2000

1955

350

1988

2200

1956

900

المجموع 1981 - 1988

8600

1957

4700

1989

13,000

1958

1800

1990 حتى 30 حزيران/يونيو

49,000

1959

2350

المجموع

62,000

1960

3000

المجموع 1948 1990

263,700

1961

1200

المعدل السنوي

 

1962

700

1948 – 1970

1600

1963

1000

1971 – 1980

15,000

1964

1700

1981 – 1988

1100

1965

1600

1990 – 2000 (توقع)

100,000

1966

2300

 

 

1967

1500

 

 

1968

600

 

 

1969

3000

 

 

1970

1000

 

 

المجموع 1958 1970

36,700

 

 

1971

13,000

 

 

1972

32,000

 

 

1973

33,000

 

 

1974

17,000

 

 

1975

8500

 

 

1976

7300

 

 

1977

8400

 

 

1978

12,000

 

 

1979

17,500

 

 

1980

7500

 

 

المجموع 1971 - 1980        

156,400

 

 

 

التوزع المهني

يعرض الجدولان رقم 2 ورقم 3 التوزع المهني للمهاجرين من الاتحاد السوفياتي. ويتيح الجدول رقم 2 إجراء تحليل مقارن، إذ إنه يحتوي على معطيات عن موجة الهجرة في أوائل السبعينات بحسب التركيب المهني العام لسكان إسرائيل سنة 1975. كما أنه يورد معطيات عن الهجرة خلال سنة 1989، وفقاً للبنية المهنية للسكان سنة 1987. ويحتوي أخيراً على معطيات من بحث يتكهن بوصول 100,000 مهاجر ابتداء من سنة 1990. ويورد في نهايته تقديراً يقوم على أساس توافق التوزع المهني للمهاجرين إزاء أوضاع البلد بعد خمسة أعوام – توقعات 1995.

وتعرض الأرقام في الجدول صورة واضحة للغاية: يشكل المهاجرون من الاتحاد السوفياتي مجموعة ذات مستوى تعليمي – مهني أعلى كثيراً من متوسط مستوى السكان في البلد، وهذا صحيح بالنظر إلى موجة المهاجرين الحالية خاصة، إذ إنها لا تحمل إلى البلد فقط، الصهيونيين المثاليين و"عامة الناس" من أوساط الأشكنازيم ويهود الطوائف غير الأشكنازية. وفيما مضى، كان رجال النخبة المهنية من سكان المدن الكبيرة يتساقطون للسفر إلى الولايات المتحدة. وتشكل هذه الفئة الأخيرة بالذات عنصراً بارزاً في الهجرة الأخيرة؛ إذ إنه الآن، ومع انعدام إمكان السفر إلى الولايات المتحدة، تصل النخبة المهنية إلى إسرائيل. وثمة نحو 30 % - 40 % من المهاجرين علماء وأكاديميون في اختصاصات مختلفة، أي ما يعادل خمسة أضعاف أو أكثر مما في أوساط سكان البلد. ونحو 25 % منهم هم من أصحاب مهن تقنية، أي الضعف تقريباً قياساً بالسكان في البلد. وفي حين أن نحو 80 % من العمال في أوساط مجموع السكان هم عمال صناعة وزراعة وخدمات – فإنهم يشكلون في أوساط المهاجرين نحو 30 %. وفي التوقع المتعلق بسنة 1995، ترتفع نسبة فئة "عمال إنتاح وخدمات" في أوساط المهاجرين من 30 % إلى 45 %، وترتفع نسبة "التقنيين" من 25 % إلى 35 %. وفي مقابل ذلك، يخفض التوقع نسبة مجموع "العلماء والأكاديميين" من 40 % إلى 30 %، أي ما يساوي ثلاثة أضعاف أو أكثر مما في أوساط مجموع السكان. والافتراض هو أن جزءاً من مجموعة "العلماء" سيتحول إلى "تقنيين ومعلمين"، وأن جزءاً من الأخيرين سيصبح "عمال إنتاج وخدمات"، أي سيحدث de-professionalization (تدهور من ناحية مهنية) في أوساط جزء من المهاجرين. إن جزءاً بارزاً من المهندسين سيضطر إلى اجتياز تحول مهني إلى معلمين ثانويين، أو سيضطر إلى الاكتفاء بوظيفة عامل فني. كما أن عدداً من الأطباء سيعملون مساعدي أطباء على اختلافهم... إلخ. لكن، وكما تشير الأرقام في العمود الأخير من الجدول رقم 2، فإنه حتى بعد التوافق والتدهور المهني، سيبقى المهاجرون من الاتحاد السوفياتي مجموعة نخبة يندرج 30 % منها في فئة العلماء الأكاديميين والمعلمين الثانويين.

إن المشكلة صعبة للغاية إزاء معطيات استيعاب نحو 100 ألف مهاجر خلال سنة واحدة. لكن إذا استمرت الهجرة بهذه الوتيرة عدة أعوام، فإن ذلك يعني أنه سيصل في هذه الفترة عدد يساوي – بل يفوق العدد المستخدم اليوم في هذه الفروع في البلد. فهل في وسع إسرائيل زيادة مجموع المستخدمين في الطبابة والهندسة والبحث بمعدل الضعف أو الثلاثة أضعاف خلال بضعة أعوام؟ إن حل المشكلة مطروح، طبعاً، على صعيد تحويل إسرائيل إلى ما يشبه خزان قوة عمل ماهرة كبيرة، تعمل من أجل مصانع ومشاريع كبيرة قائمة خارج البلد، وحتى أنها تخرج من البلد للقيام بمهمات مختلفة.

من ناحية موضوعية، تقوم الهجرة من الاتحاد السوفياتي إذاً بدور مشابه للدور الذي قامت الهجرة "الألمانية" به في الثلاثينات، سواء في إسرائيل أو في الولايات المتحدة. إنها "تدفع" إسرائيل – بصورة جزئية، لكن ليس طوعاً – في اتجاه مجتمع صناعي متطور، بل حتى إلى ما هو أبعد من ذلك: مجتمع منشغل أساساً بالبحث والتطوير التكنولوجي السريع، في مستوى أعلى من الإنتاج، في الفن وفي الموسيقى وفي الثقافة. ويوضح نموذج واحد الأمر: فبحسب خطة وزارة العلوم سيتضاعف عدد الباحثين في البلد خلال خمسة أعوام، وسيُبذل جهد خاص لجلب عشرات من "النجوم الكبيرة" في العلوم من ذوي الشهرة العالمية، وخصوصاً من "العباقرة الشبان الواعدين" جداً. وعلى حد قول وزير العلوم، يوفال نئمان، سيرفع تحقيق هذه الخطط دولة إسرائيل إلى مستوى جديد وأعلى كثيراً في عالم العلوم الدولي.

وكي نقف على مزيد من الوضوح للقضية نورد (في الجدول رقم 3) المعطيات بحسب المهن طبقاً للبحث الذي أُجري في شأن 100,000 طلب للهجرة من الاتحاد السوفياتي. 

 

الجدول رقم (2)

البنية المهنية: المهاجرون من الاتحاد السوفياتي قياساً بسكان إسرائيل

 

 

موجة الهجرة

1970 1979

سكان إسرائيل

1975

الهجرة في سنة 1989

سكان إسرائيل

 1987

توقعات 1990 بالنسبة إلى 100,000 مهاجر

توقعات 1995 التوافق مع البلد

علماء أكاديميون

وأساتذة تعليم ثانوي

 

29,9

 

6,6

 

40,8

 

8,4

 

41,1

 

30

مهندسون

13,8

1,6

22,1

2,0

30,0

15

أطباء

5,0

0,9

7,8

1,1

5,2

4

أساتذة جامعيون وتعليم ثانوي

1,2

2,3

0

2,8

0,4

5

آخرون

9,9

1,8

10,9

2,5

5,5

6

فنيون ومهن مشابهة

19,1

12,8

31,7

14,3

24,9

30

أساتذة

1,6

4,6

6,7

5,1

3,7

7

ممرضات، طواقم طبية

4,4

2,7

5,4

2,3

4,5

6

فنيون

6,9

3,5

11,0

4,2

8,6

15

آخرون

6,2

2,0

8,6

2,7

5,1

2

خدمات وإنتاج

51

80,6

27,5

77,3

34,0

40,4

مديرون، موظفون

9,7

20,3

5,3

23,9

7,3

10,0

موظفو مبيعات

5,2

7,8

2,0

8,4

 

 

عمال خدمات

3,4

11,5

4,5

12,9

14,7

15,0

زراعة

0,1

6,3

0

4,3

 

 

صناعة بناء، مواصلات

32,5

33,7

15,6

26,4

12,0

15,0

آخرون

0,1

1,0

0,1

1,4

 

 

المجموع

100%

100%

100%

100%

100%

100%

 

 

الانقسام "الحزبي"

ما هي تركيبة الهجرة الجماعية من الاتحاد السوفياتي من ناحية "حزبية سياسية"؟ ما سيكون تأثيرها في نسب القوى بين المعسكرات السياسية في إسرائيل؟ في الواقع يوجد القليل جداً من المعلومات عن هذا الموضوع. ثمة عينة ليست تمثيلية، تشير إلى أن نحو 24 % من المهاجرين كانوا سيصوتون في مصلحة الليكود، وما يقرب من 9% في مصلحة حزب العمل، و1 % في مصلحة أحزاب اليسار الصغيرة، ونحو 3 % في مصلحة أحزاب "اليمين القومي" (تحيا، موليدت، تسومت)، ونسبة مشابهة في مصلحة قوائم دينية. والباقي – نحو 60% - قالوا إن "ليس لديهم معرفة بالموضوع"، ولم يكونوا مستعدين لإعطاء أي جواب، أو إنهم "لن يصوتوا". وتؤكد هذه المعطيات الفرضيات  المألوفة: هناك بين المجيبين نسبة تقرب من 3:1 في مصلحة "اليمين"؛ غير أنها، من جهة أخرى، تشير إلى أن أكثرية المهاجرين "لم تحدد هويتها" من ناحية سياسية. لكن، كما ذكر، نتحدث هنا عن نتائج أولية فقط.

من استقصاء وسط عينة مشابهة بالنسبة إلى السؤال "هل ينبغي لنا أن نعيد مناطق في مقابل سلام مع العرب"، وردت نتائج تدل على انقسام مشابه جداً للانقسام في الجمهور الإسرائيلي العام: ما يزيد قليلاً على نصف الذين سئلوا أجاب "نعم". لكن. مرة أخرى، ليست هذه المعطيات نموذجية أو ممحصة. ومع ذلك تبدو معقولة؛ تلك الأكثرية، غير المحددة من ناحية حزبية، والمؤلفة إلى حد كبير – كما يبدو – من الـ"لاجئين" ومن الـ"الناجحين"، معنية أولاً وقبل كل شيء بأن "يكون هناك هدوء" في البلد، بحيث لا تضطر هذه الأكثرية إلى تأدية خدمة طويلة في الجيش وفي الاحتياط، وحتى خلال الحرب لا سمح الله.

وبصورة عامة، يوجد بين جمهور المهاجرين من الاتحاد السوفياتي نفور من كل أمر يذكّرهم بالحكم الشيوعي: علم أحمر، "اشتراكية"، حركة عمال"... إلخ. كما يوجد بين يهود الاتحاد السوفياتي أنفسهم بداية حركة صهيونية في هيئة "بيتار" ومجموعات "متدينين قوميين" ("محنايم")، وليس هناك انتظام لمجموعات في هيئة "صهيونية اشتراكية". وإذا ما أُجريت انتخابات في إسرائيل سنة 1991 أو سنة 1992، فسيتمكن المهاجرون الجدد من الاقتراع (إذ إنهم أُدرجوا في لوائح الناخبين في اليوم المحدد، بصورة عامة، بعد إقامة في البلد لمدة نصف عام). وهم يستطيعون أن يحسموا الأمر بالنسبة إلى عضوين أو أربعة أعضاء كنيست. وإذا صوتت أكثريتهم الكبرى باتجاه واحد، فسيكون في ذلك نوع من الحسم بالغ الدلالة في أوضاع "التعادل" بين المعسكرين الكبيرين في البلد. لكن إذا انقسم تصويتهم بين المعسكرات. فسيكون له تأثير قليل. ولا يزال من المبكر الجزم في هذا الموضوع؛ والكثير مرتبط أيضاً بمدى النجاح في استيعاب الهجرة في البلد، والجبهة التي سيعزو المهاجرون إليها النجاح في استيعابهم أو الفشل فيه. 

المهاجرون بحسب الطوائف

ما هو تركيب المهاجرين من ناحية الأصل "الطائفي"؟ حتى موجة الهجرة الحالية، كان وزن يهود طوائف "الغرب" من دول البلطيق (ليتا، ولاتفيا، وإستونيا)، ومن مولدافيا، ومن "الشرق" (جورجيون، وجبليون، وبُخاريون)، أكبر كثيراً من وزنهم في أوساط السكان اليهود عامة. أما وزن أولئك الذين هم في الكتلة اليهودية الرئيسية في المناطق السلافية (روسيا، وأوكرانيا، وبييلوروسيا)، فقد كان منخفضاً نسبياً. ففي 1971 – 1972، شكل يهود جورجيا فقط نحو ثلث مجموع المهاجرين من الاتحاد السوفياتي. وفي 1974 – 1975، شكل المهاجرون من طوائف "الشرق" ما يزيد على 40 % من مجموع المهاجرين. كما أن أعواماً مرت كان عدد اليهود المهاجرين "الغربيين" فيها يفوق ثلث عدد المهاجرين. لكن اليهود من هاتين الكتلتين ("شرقيون"، و"غربيون") يشكلون، في الواقع، أقل من 10 % من مجموع السكان اليهود في الاتحاد السوفياتي.

إن موجة الهجرة الحالية تعكس، فعلاً، أكثر من غيرها تركيب السكان اليهود: فالمهاجرون من الطوائف "غير السلافية" يشكلون نحو 10 % من المهاجرين. والقضية هي أن عدداً قليلاً من اليهود بقي في المناطق البلطيقية وفي جورجيا، ومن الممكن أن ترتفع نسبة اليهود "الشرقيين" نتيجة مغادرة جماهيرية ليهود وسط آسيا – وخصوصاً من أوزبكستان. إن نحو 90 % من المهاجرين هم من الكتلة الوسطى لروسيا وأوكرانيا وبييلوروسيا – من المدن الكبيرة: موسكو ولينينغراد وكييف ومينسك... إلخ. وفي هذه المراكز توجد النخبة المتعلمة – المهنية ليهود الاتحاد السوفياتي.

  

الجدول رقم (3)

توقع المهاجرين لسنة 1990 طبقاً لمهن مفصلة

(بناء على بحث أُجري في شأن 100 ألف طلب للهجرة من الاتحاد السوفياتي)

 

مهن أكاديمية

53 %

إدارة وتجارة وخدمات

22%

معلمون

2700

سائقون

1500

مهندسون (كهرباء، تبريد، بناء، إلخ)

11200

محاسبون

1400

أطباء

1300

ممرضات

1300

أطباء أسنان

1300

حلاقون

1000

اختصاصيو رياضيات وفيزياء

1000

خياطون

950

موسيقيون

1000

عاملات تجميل

600

علماء اقتصاد

1300

باعة

600

أمناء مكتبات

300

حذّاؤون

330

اختصاصيات روضة

300

سكرتيرات، طابعات

320

بيولوجيون

190

إدارة

180

صيادلة

120

عمال تجارة

270

علماء

110

ساعاتيون

150

مترجمون

100

طباخون

270

صحافيون

65

صاغة

120

معماريون

150

صانعو نظارات طبية

60

مؤرخون

50

رسامو هندسة

100

جيوفيزيائيون

90

مختلفون

3 %

جيولوجيون

70

مصورون

350

ياقات زرق

21 %

مدربون

200

تقنيون

2500

رسامون

440

عمال

3000

ممثلون

60

حدادون

1000

بحارة

5

دهانون

700

ملحنون

25

كهربائيون

700

مخرجون

40

عمال مختبر

250

أدباء

30

ميكانيكيون

700

مطربون

20

عمال تلحيم معادن

180

عازفو بيانو

20

خراطون

175

شعراء

15

مجلدون

40

رياضيون

20

سمكريون

15

 

 

مربّون

35

 

 

مصممو أزياء

15

 

 

 

 

الجدول رقم (4)

توزع المهاجرين بحسب الطوائف (طبقاً لمعطيات وزارة الاستيعاب)

 

السنة  - الطائفة

يهود جيورجيون

يهود بخاريون

يهود جبليون

آخرون

المجموع

 

أرقام مطلقة

النسبة المئوية

أرقام مطلقة

النسبة المئوية

أرقام مطلقة

النسبة المئوية

أرقام مطلقة

النسبة المئوية

أرقام مطلقة

 

1968

-

-

-

-

-

-

231

100

231

1969

400

13,3

-

-

-

-

2633

86,7

3033

1970

-

-

-

-

-

-

999

100

999

1971

4300

33,5

450

3,5

-

-

8069

63

12819

1972

10900

34,5

2100

6,7

60

0,2

18592

58,6

31652

1973

7450

22,2

3750

11,2

325

0,1

21952

66,5

33477

1974

2670

15,9

2460

14,7

1570

9,3

10116

60,1

16816

1975

870

10,3

410

4,8

2270

26,7

4981

58,2

8531

1976

496

6,8

323

4,4

1212

16,6

5248

72,1

7279

1977

436

5,2

764

9,2

848

10,2

6300

75,4

8348

1978

930

7,6

1630

13,4

1575

12,9

8057

66,1

12192

1979

1139

6,5

3237

18,4

1982

11,2

11256

63,9

17614

1980

818

10,8

497

6,6

703

2,3

5552

73,3

7570

1981

250

14,9

45

2,7

160

9,6

1219

72,8

1674

المجموع

30659

18,9

15666

9,6

10705

6,6

105,205

64,9

162,235

 

أين سيسكن المهاجرون؟

أين يستوطن المهاجرون من الاتحاد السوفياتي؟ إن الخلاف بشأن توطينهم في المناطق المحتفظ بها – يهودا والسامرة وقطاع غزة – أمر معروف. وقد كان بينهم في إبان الهجرة المقلصة في الثمانينات، كما ذُكر، نسبة عالية من "الصهيونيين المثاليين". وكان جزء بارز منهم مؤيداً لـ"أرض إسرائيل الكاملة"، وكان بينهم من اختار الاستيطان في المناطق. أما في موجة الهجرة الجماهيرية اليوم، فإن نصيبهم من الاستيطان هناك أكثر ضآلة، إذ إن أقل من 1 % فقط قد استوطن هناك.

لقد كُتب الكثير عن أن المهاجرين يفضلون الاستيطان في وسط البلد – وهذا الأمر واضح فعلاً. لكن تفحُّص الأمر يظهر أن المهاجرين يتوزعون في البلد الآن بما يشبه توزع السكان اليهود القائم: ما يزيد على 50 % في وسط البلد؛ نحو 25 % في لواء حيفا والشمال؛ نحو 10 % في لواء القدس؛ نحو 15 % في لواء الجنوب والنقب. والأماكن التي يفضلها المهاجرون هي المدن المتطورة في الشفيلاه (السهل الساحلي). وفي الفترة الممتدة بين نيسان/أبريل 1989 ونيسان/أبريل 1990، استوطن في حيفا 3500 مهاجر، واستوطن في كل من القدس وتل أبيب 2000 مهاجر. واستوطن في بتاح تكفا 1150 مهاجراً، وفي بئر السبع 1200 مهاجر، وفي أشدود 1000 مهاجر. وتتمتع المدن الجنوبية القريبة من تل أبيب بشعبية كبيرة جداً: ففي كل من ريشون لتسيون وحولون نحو 2000 مهاجر، وفي بات يام 1800 مهاجر، وفي رحوفوت 1400 مهاجر، ويبلغ المجموع 7200 مهاجر. وأُعلن أن عدد الذين استوطنوا في نتانيا وحدها حتى حزيران/ يونيو من هذه السنة، بلغ نحو 6000 مهاجر. ويبدو أن تغييراً ما سيحدث في توزع أماكن استيطان المهاجرين بعد نفاد مخزون الشقق للتأجير في وسط البلد، وبعد أن تتمكن الحكومة من توجيههم إلى مناطق خارج وسط البلد عن طريق بناء شقق في هذه المناطق. 

"أصوليون" و"لاجئون" و"ناجحون"

من ناحية "الطابع العام"، يمكن الفصل بين عدة مجموعات يختلف بعضها عن بعض من ناحية السمات الرئيسية: دوافع الخروج إلى إسرائيل؛ الحوافز الرئيسية في ممارساتهم هنا؛ مستواهم التعليمي – المهني؛ النظرة إلى اليهودية وإسرائيل... إلخ.

قبل كل شيء، يمكن أن نميز بين مجموعتين رئيسيتين: الأولى "يهود أصوليون"، وأصحاب وعي ديني، ويهودية قومية، وحتى "صهيونية طبيعية" أحياناً؛ والثانية "اليهود غير الأصوليين"، الذين يمكن أن نرى بينهم نوعين رئيسيين هما: "لاجئون" و"ناجحون". كما أن "اليهود الأصوليين" ينقسمون هم أيضاً إلى دينيين، و"عامة الشعب" – أشكنازيم وطوائف الشرق – ويهود قوميين صهيونيين. وكانت هذه الفئات الأخيرة من "اليهود الأصوليين"، تمثّل حتى موجة العام الأخير الأكثرية الكبرى من الهجرة. ويبدو اليوم أنها تشكل أقلية – نحو ثلث المجموع العام. وهذه المجموعات هي، جزئياً، ذات تعليم ومستوى مهني أكثر انخفاضاً من المعدل. والأمر صحيح، كما يبدو، فيما يتعلق بالمتدينين (عدا "التائبين" من جيل الشباب الذين يتمتعون بمستوى مهني رفيع)، وكذلك فيما يتعلق بأفراد طوائف الشرق (عدا أقلية ذات تعليم عال). ويشمل "اليهود الأصوليون" أيضاً مجموعة من "نشيطين جدد" في حركة الهجرة وفي الجمعيات الثقافية الجديدة في الاتحاد السوفياتي. وقد تأثر هؤلاء الأشخاص الذين كانوا في الماضي بعيدين عن النشاطات اليهودية، والذين أخفى بعضهم حتى يهوديته، تأثراً عميقاً بانهيار الأيديولوجيا الشيوعية والهوية "السوفياتية الأممية"، وهم الآن في مسار البحث عن هوية شخصية جديدة وبنائها. وفي الجو العام، من تزايد التعصب القومي والديني، لا يستطيع هؤلاء التماثل مع الحركات القومية المحلية عن طيب خاطر. فلا يستطيع أي يهودي التماثل مع الحركة القومية الأوكرانية، التي ترى في حملنيتسكي وبتلورا بَطَلَيْها ومؤسسَيْها، وفي الدين البروبوسلافي وشعائره أساساً لهذه القومية – سواء الروسية منها أو تلك التابعة للشعوب الإسلامية؛ إنها تتضمن اليوم، في أصولها ومضامينها، أسساً معادية لليهودية. ويجب أن نضيف إلى ذلك صعود معاداة السامية الشعبية وحتى المعاداة للسامية لدى الانتلجنسيا المتعصبة قومياً. وفي مناخ كهذا "يدفع" عدد غير قليل من اليهود  - شبان في الأساس – إلى تطوير وعي وهوية قويين يهوديين خاصين بهم.

كما سبق أن ذُكر، وبناء على استقصاءات وتقدير يشكل "اليهود الأصوليون" نحو الثلث فقط من موجة الهجرة الحالية، ويفتقر نحو الثلثين إلى "وعي يهودي" واضح؛ أي أنهم يتوجهون إلى إسرائيل لأسباب أخرى، وبعضهم "لاجئون"، أي أشخاص "أُزيحوا" من أماكنهم تلقائياً.

قبل بضعة أسابيع، أُجريت في مطار بن – غوريون مقابلة مع عائلة من مدينة برغانا في أُوزبكستان؛ عائلة نموذجية، متعددة الأجيال، مؤلفة من 12 فرداً: أجداد، وبنين وبنات، وأحفاد. وقد قالت امرأة تحمل ولداً نائماً على صدرها (كان ذلك في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل) شارحة:

كان علينا أن نهرب من هناك... شاهدنا القتل والمذابح والعنف من الأوزباكيين ضد الأتراك المستنزفين... في هذه الأثناء لم يتعرضوا لنا، لكن منذ ذلك الحين لم يعد في إمكاننا الخروج في المساء، ولا النوم ليلاً. يوجد رعب في أوساط اليهود... هنا وهناك زلّ لسان أحدهم "في المرة المقبلة سنفعل ذلك بكم".

عائلة أخرى جاءت من مدينة تقع في جنوب بييلوروسيا، على مسافة غير بعيدة من تشيرنوبيل. وكان بين أفراد هذه العائلة أيضاً أطفال صغار:

لم يظهروا لنا حجم الخطر في الوقت الملائم، ولم يتخذوا الإجراءات المطلوبة... الكثيرون من الأشخاص، وخصوصاً الأطفال، عانوا دواراً وأمراضاً "غير مألوفة" ووهنا... وقد توجّب علينا أن نغادر.

في مدن في الأورال ازدادت الجرائم، وسيطرت "مافيات" على الأسواق، وكان من المستحيل الخروج مساء. وقد كثرت حوادث السطو... لا حياة هناك، لا أمن أبداً. الناس يخافون يومياً من انفجار عام – وعندها سيكون اليهود الضحية الأولى...

كلمات كهذه كثيراً ما تُسمع.

لكن هناك أيضاً، بين مهاجري الموجة الحالية، مجموعة أخرى يمكن أن نسمي أفرادها "ناجحين"، أي انهم من نوع فئة موازية للجيل الأميركي المعروف بـ"الشباب المحترف الصاعد" (Yuppes/Young Upwardly Mobile Professional). ومعظم هؤلاء الشبان ذوو ثقافة وحيوية ودينامية شعروا بأنهم "مطوقون" في الاتحاد السوفياتي، فتطلعوا دائماً إلى مناسبة للخروج إلى العالم الغربي الكبير. وفي الحقيقة أمل بعضهم، في البداية، بأن يتمكن من الانطلاق في طريق النجاح نتيجة إصلاحات غورباتشوف. لكن هذا الحلم تبدد بسرعة، وأعقبه خيبة أمل مريرة. فالـ"بيريسترويكا" أعطت ثماراً فاسدة، وأدت إلى نتائج أكثر سلبية. وكان الكثيرون من هؤلاء سيتساقطون في فيينا بالتأكيد، لو أن هذا الإمكان موجود اليوم. والكثيرون من هذه الفئة أصحاب كفايات عالية بصورة خاصة، وهم يأتون إلى إسرائيل على أمل النجاح مهنياً أو تجارياً، ويرونها بمثابة "نافذة على العالم الغربي". ويبرز هذا الأمر في مقابلات كثيرة أُجريت مع يهود في الاتحاد السوفياتي قبل هجرتهم إلى البلد، وأخرى أُجريت معهم حتى هنا – بعد وصولهم. ولبعضهم موقف صريح: إذا تدبروا أمرهم في البلد، وتقدموا في مجالهم، فسيتمكنون أيضاً من السفر إلى "العالم الكبير" بين حين وآخر – وعندها سيبقون طوعاً ويصبحون إسرائيليين بكل معنى الكلمة. لكن هناك قسماً منهم يعتبر إسرائيل، بالنسبة إليه، "محطة انتقال ضرورية" لتحقيق الحلم المنشود: أميركا. ويظهر بحث، أجراه طلبة في الجامعة العبرية، أن 40% أجابوا بأن لديهم رغبة قوية في الاستيطان في إسرائيل؛ وأن 30% أجابوا بأنهم "سيبقون إذا تدبروا أمرهم بصورة جيدة، وإذا لم يحدث ذلك فسيواصلون سفرهم، إذا كان الأمر ممكناً"؛ وأن نحو 20 % لم يخفوا حقيقة أن هدفهم النهائي هو الولايات المتحدة أو أي بلد غربي آخر يتيح لهم الدخول؛ بينما ادعى 10 % إنهم "مرتبكون" في هذه المرحلة ولا يستطيعون الإجابة عن السؤال المطروح. وليست هذه المعطيات نموذجية، ويجب ألا نحكم على أساسها، لكنها تعطينا فكرة عن الاتجاه. ويمكن أن نفسر النتائج المذكورة أعلاه من عدة اتجاهات: إذا ضممنا الـ 40% الذين قالوا "بالتأكيد إسرائيل" إلى نحو 30 % قالوا "ربما إسرائيل"، نحصل على نحو 70 % ينوون الاستيطان في البلد. من ناحية أخرى، يمكن أن نضم الـ 20 % القائلين "ليس إسرائيل" إلى الـ 30% القائلين "ربما إسرائيل (إذا لم يتدبروا أمورهم في البلد)" وأيضاً إلى جزء من الـ 10% الذين أجابوا: "لا أعرف"، عندها ستتشكل صورة وكأن المهاجرين في معظمهم سيغادرون – إذا لم ينجحوا في تدبير أمورهم في البلد، وإذا أتيح لهم إمكان الإقدام على ذلك.

كم من المهاجرين – الذين ليسوا "يهوداً أصوليين" – هم "لاجئون"، وكم منهم هم "ناجحون"؟ ليس هناك معطيات مؤكدة. والتقدير الأوّلي يمكن أن يشير إلى أن نحو 40 % "لاجئون"، ونحو 30% "ناجحون". وكما سبق أن ذُكر، فإن هذا تقدير عشوائي. وفي الواقع، لا تمييز محدداً بين كل هذه المجموعات، وثمة تشابك في الدوافع في أوساط عامة المهاجرين.

لم يتعرض المقال للدوافع "المادية" (تدهور في تزويد المواد الغذائية والسلع، مستوى معيشة أعلى في إسرائيل...)، ولا للدوافع الـ "سلطوية" (اشمئزاز من الحكم، الرغبة في العيش في دولة ديمقراطية "غربية"، الحنين إلى الحرية... إلخ). ولهذه الدوافع تأثير مهم في المهاجرين. والأمور معروفة للغاية، ولا حاجة هنا إلى مناقشتها بتوسع. فكل الدوافع التي ذُكرت موجود، في الواقع، بصورة متداخلة تقريباً لدى كل مهاجر: "أصولي"، "لاجىء"، "ناجح". والفارق بينهم هو في التشديد ضمن تركيبة هذه الدوافع. 

يهودية المهاجرين من الاتحاد السوفياتي

ما هي يهودية المهاجرين من الاتحاد السوفياتي في الموجة الحالية؟ هل من الممكن التأكد من "يهوديتهم" لضرورات تسجيل القومية في بطاقة الهوية؟

يجب القول إنه ليس في أية بطاقة من الاتحاد السوفياتي دليل يمكن الاعتماد عليه فيما يتعلق بيهودية المهاجرين وخصوصاً بالنسبة إلى عائلات مختلطة، وذلك لسببين: عقود كثيرة من الملاحقات والاعتداءات والاندماج؛ والقوانين السوفياتية. وفي البلد تُطلب شهادة ولادة مسجل فيها "يهودي". لكن عندما يكون الوالدان من قوميتين مختلفتين، فإنهما يستطيعان تسجيل ولدهما وفقاً لقرارهما بحسب قومية أحدهما: الأب أو الأم. أي إنه في حالات كثيرة سُجل ولد من أم يهودية أنه "غير يهودي" بحسب رغبة الوالدين، وبالعكس: فقد سُجل ابن أو ابنة لأم غير يهودية "يهودياً بحسب رغبة الأب اليهودي. وفي سنة السادسة عشرة، ينبغي لكل شاب سوفياتي أن يحصل على "جواز سفر"، أي بطاقة هوية. ومرة أخرى، يحق لصاحب البطاقة أن يختار القومية بحسب رغبته: قومية الأب أو قومية الأم. وبالنسبة إلى والدين "مختلطين"، ليس هناك إذاً، في تسجيل "يهودي" في بطاقة الهوية، أي يقين بالنسبة إلى "يهودية" الشاب تبعاً لأمه فقط. وفي الحقيقة، إذا كان الأب يهودياً، فإن هناك أسباباً خاصة مختلفة لميل الشاب إلى تسجيل نفسه كذلك أيضاً. والرجل في معظم العائلات، في الاتحاد السوفياتي، هو العنصر المهيمن؛ إنه رب العائلة، وكالعادة تُكنّى العائلة باسم الأب. فإذا كان اسمه، مثلاً "لازار أبراموفيتس رابينوفيتش"، فمن الصعب جداً على أبنائه أن يختاروا قومية روسية أو أية قومية أخرى.

ونتيجة الاضطهاد والاندماج والرغبة في التقدم المهني أو في ضمان "مستقبل أفضل للأولاد"، تتم في الاتحاد السوفياتي منذ عدة أجيال عملية إخفاء الأصل اليهودي (للأم أو للأب)، واستبداله بانتماء قومي آخر؛ هذا يحدث في روسيا قبل ثورة 1917 وبعدها. ويكفي التذكير بأسماء تروتسكي، وسفردلوف، وزينوفييف، وكامنييف، ومدرطوف، وكثيرين غيرهم. وقد انتشر الأمر انتشاراً واسعاً في أوساط الانتلجنسيا اليهودية الشابة في الأجيال الأخيرة.

وفي زيارتي الأخيرة لموسكو، تعرفت على الرئيس اليهودي لـ "جمعية الصداقة بين الاتحاد السوفياتي وإسرائيل"، الذي كان اسمه روسياً كلاسيكياً: ألكسندر أوستروفسكي.

إن بين النشيطين الرئيسيين في صفوف الجالية اليهودية في الاتحاد السوفياتي من يحمل إسماً روسياً نموذجياً مثل: كوسولابوف، وفيليبوف، وكروتيكوف، وباباييفا، وبانكوف – وحتى أيضاً إيفانوف ورومانوف (اسم سلالة الأسرة الحاكمة الأخيرة في روسيا). يتضح، إذاً أن شخصاً يسمى أبراموفيتش أو ليفي يمكن أن يكون إبناً لأم غير يهودية، بينما يكون آخر يحمل اسم ميخايلوف أو تيودوروف إبناً لأم يهودية.

علاوة على ذلك، وبحسب قانون العودة، فإن اليهودي هو من لم يغير دينه إلى دين آخر. لكن قانون الأحوال الشخصية في الاتحاد السوفياتي لا يتعرض لشؤون الدين أبداً – عائلة من أصل يهودي تحولت إلى المسيحية أو الإسلام، لا تزال مسجلة من دون تغيير كـ"يهودية". وبالعكس، فإن غير يهودي اعتنق الديانة اليهودية، حتى بموجب الشريعة، يبقى مسجلاً "غير يهودي" في وثائقه الثبوتية كافة.

ينبغي لنا أن نؤكد، مرة أخرى، أن الأوضاع في الاتحاد السوفياتي تختلف في جوهرها عما في بلاد منظمة في الغرب. فبعد أن شاع أن في إسرائيل يجب تقديم شهادة ولادة مسجل فيها "يهودي"، حرص المهاجرون "الملتبسون" بالذات على الحصول على هوية كهذه. وفي مقابل علبة سجائر أميركية أو "هدية" أخرى، يمكن في الاتحاد السوفياتي الحصول على تسجيل "فلان" بدلاً من "علاّن"، ونيل الهوية المطلوبة. والنتيجة: إغراء بالرشوة و"تلفيق" هويات. وفي الحقيقة، هذا ما يفعله أيضاً أولئك الذين لا لبْس في شأنهم، إذا لم يتوفر لديهم اليوم إمكان السفر إلى مسقط رأسهم أو الكتابة إلى معنيين هناك للتزود بالهوية المطلوبة، قبل مغادرتهم إلى إسرائيل.

ويتعذر هناك أيضاً التوجه إلى الحاخامين أو إلى رؤساء الطائفة المحلية، وطلب التصديق على "يهودية" المهاجرين. وهناك كثيرون من "زعماء الطائفة" أنفسهم ليسوا يهوداً بحسب الشريعة.

إن المشكلات العويصة، التي قد تنشأ نتيجة اللقاء بين الواقع – كما تطور في أوساط اليهود في الاتحاد السوفياتي – وبين الواقع الإسرائيلي، تتجسد في الموضوع الذي راجعتني فيه امرأة ناضجة: زوجها يهودي، وبفعل الأوضاع وجدت نفسها في "عائلة مختلطة". لقد سألتْ في شأن ابنها، الذي تزوّج روسية، ولديهما أولاد لطيفون، والابن يرى نفسه يهودياً، لكنه مسجّل "روسي". والعائلة كلها تريد الآن أن تهاجر إلى إسرائيل؛ سألتْ: "إذا ما هاجرنا أنا وزوجي إلى إسرائيل، وأخذنا معنا – وفقاً للحق الذي يمنحنا إياه القانون – العائلة كلها، فأية حياة ستكون لنا هناك مع أحفادنا، إذا لم يُعرتف بهم أنهم يهود؟ ماذا سيكونون، هل سيكونون مواطنين ليسوا حتى من درجة ثانية؟ الأمر كله يبدو أنه من أجل توحيد العائلات. لكن ماذا سيحدث لنا هناك؟ هل ستتحطم عائلتنا؟" قلت لها: "ربما ستتهودون"، فقالت: "في الحقيقة لن توافق زوجة ابني بأي شكل، ولا ابني حتى. إنهما غير متدينين مطلقاً، ماذا نفعل، هل نمثِّل، نكذب على أنفسنا؟" 

شريحة "يهود تابعين"

لقد وضعتنا الهجرة من الاتحاد السوفياتي مرة أخرى أمام الثورة الكبرى، التي حدثت في الأوضاع الموضوعية والوجدانية في حياة الشعب اليهودي في العصر الحديث، والتي هي نتيجة ثلاثة مسارات مختلفة، لكنها مترابطة ترابطاً متبادلاً: تحرر، وعصرنة، وعلمانية.

في العصر الحديث، لم يعد هناك انقطاع تام بين اليهودي وغير اليهودي. إن معظم الشعب اليهودي في العالم موجود اليوم في فئة لم تكن موجودة قط حتى الزمن الحديث: فئة الـ"يهودي غير المتدين". فنتيجة الاندماج وانفتاح المجتمع غير اليهودي أمام اليهود، وفي إثر انكسار الحواجز الدينية والإثنية في المجتمع المتطور، زال الوضع الذي ارتفع فيه سور مطلق بين اليهود وغير اليهود. في القرون الوسطى، كان هناك تمييز بين يهودي متدين ويهودي تخلّى عن الشعب اليهودي. وفي ذلك الحين، كان من الضروري أن يقبل بدين آخر. واليوم، عاد الوضع – بمفهوم معين – إلى ما كان عليه قبل عهد المنفى والقرون الوسطى. إذ إن شهادات كثيرة، حتى من المصادر الدينية نفسها، تشهد على أنه في الزمن القديم كان هناك فئة أخرى من "الخليط" أو من "المتهودين" على أنواعهم بين اليهود وغير اليهود؛ "خليط" من "أتباع اليهود" كهذا هاجر، مثلاً، مع اليهود من مصر. واليهود، وحتى زعماؤهم المرموقون، كونوا "عائلات مختلطة". موسى تزوج امرأة مِدْيَنِية وحتى امرأة زنجية (...) صحيح أن عزرا طلب من اليهود العائدين إلى صهيون أن يطلِّقوا نساءهم غير اليهوديات، لكن مصادر مختلفة تقول إن "الزيجات المختلطة" استمرت حتى في أوساط عائلات كبار الكهنة وعائلات الحكام اليهود في يهودا القديمة.

اليوم، إذاً، عاد الشعب اليهودي – بهذا المفهوم – إلى الوضع الذي كان قائماً في ذلك الحين: هناك بين اليهود وغير اليهود شريحة كاملة وواسعة من "يهود بالكمون"، وهذا مسار موضوعي ذو دينامية خاصة به، ولا يمكن أبداً وقفه أو إلغاؤه، إذ يتطور بهذه القوة أو تلك في كل شتات يهودي من دون فارق في الحكم والأيديولوجيا: في الولايات المتحدة، كما في الاتحاد السوفياتي، كما في فرنسا، كما في هنغاريا.

وبناء على تقديرات خبراء، فإن نسبة الزواج المختلط تتشابه في أوساط يهود الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وفرنسا؛ فهي تتراوح بين 30 % و 50 % وهذا الأمر مُنتشر حتى وسط القيادة اليهودية في مختلف المهاجر. 

حيال مهمة تاريخية

في هذه اللحظة، من الصعب جداً التوصل إلى أية خلاصة عن موجة الهجرة الحالية من الاتحاد السوفياتي، لأن هذه الموجة تتطور الآن تطوراً دينامياً جداً. ومن الممكن أنها لا تزال في مرحلة البداية فقط، وإنْ كان يبدو في هذه اللحظة أنها ستستمر بقوة كبيرة خلال السنوات المقبلة – سنوات التسعينات كلها. لكن التاريخ يظهر أن التكهن المبني على إسقاط مباشر لمسار راهن بحرفيته على المستقبل، غالباً ما يكون مغلوطاً فيه، وفي حالات كثيرة يتم التطور عبر ارتفاعات وانخفاضات. وفي تاريخ إسرائيل هناك موجات هجرة استمرت بضعة أعوام. وبعد ذلك حدثت ردات فعل مضادة، وتغيرت الأوضاع الأساسية، وتسببت هذه بانخفاض في الهجرة وانكسار موجتها. كما أنه ليس لإسرائيل وللشعب اليهودي سيطرة على الأوضاع الأساسية في الاتحاد السوفياتي نفسه، وهي الأوضاع التي "تدفع" يهوداً إلى الهجرة إلى إسرائيل. وهناك إمكان معقول مفاده أن "انفجاراً" سيقع في الاتحاد السوفياتي عاجلاً أو آجلاً، وسيؤدي إلى مغادرة مئات الآلاف من اليهود بصورة طارئة خلال وقت قصير. ويوجد أيضاً إمكان معكوس: الوضع هناك "يستقرّ"، ويتوقف الخروج الحر، أو يواجه الاستيعاب الجماهيري في البلد أزمة خطرة.

في أية حال، إن إسرائيل تسيطر على ما يجري هنا، في البلد، من أجل استيعاب الهجرة الكبرى من الاتحاد السوفياتي. ولا أحد في العالم يعرف ماذا سيحدث هناك غداً – حتى ولا غورباتشوف نفسه. ومن البديهي أن علينا أن نفعل كل شيء كي نتيح الخروج من هناك لكل يهودي راغب في ذلك، وكي يُستوعب باحترام في وطن الشعب اليهودي. إن تجنّد الشعب والدولة في إسرائيل، واستعدادهما إزاء موجة الهجرة الكبرى، يجب أن يكونا مشابهين – إلى حد ما – للتعبئة التي حدثت وسط الشعب في أوقات الحرب. وإذا حدثت تعبة ملائمة، وتم استيعاب الهجرة الجماهيرية، فإن إسرائيل ستكون في سنة 2000 دولة "أخرى": مكونة من  5 – 6 ملايين يهودي، في مستوى تكنولوجي – صناعي وعلمي رفيع جداً. فهل سيتحمل الشعب اليهودي في العالم وفي إسرائيل عبء المهمة التاريخية؟

 

* المصدر: زئيف كاتس، "سكيراه حودشيت"، العدد 7 – 8، 16/9/1990، ص 41. 

 

** سبق أن نشرنا في العدد الماضي من "مجلة الدراسات الفلسطينية" الجدولين رقم 1 و2 في باب إحصاءات واستقصاءات. ونعيد نشرهما هنا تسهيلاً للعودة إليهما. (المحرر)

*** زعيم بولندا في ذلك الحين.

السيرة الشخصية: 

زئيف كاتس: يحمل شهادة دكتوراه، وهو محاضر في قسم الدراسات الروسية في معهد التاريخ التابع للجامعة العبرية في القدس.