أحزاب "أقصى اليمين" في إسرائيل: سمات أيديولوجية وسياسية
كلمات مفتاحية: 
الأحزاب السياسية الإسرائيلية
حزب الليكود
الأحزاب اليمينية
حركة غوش إيمونيم
الانتفاضة 1987
نبذة مختصرة: 

يتناول المقال أحزاب "أقصى اليمين " في عهد حكومة الليكود (1991)، وذلك من خلال تحديد الأحزاب التي ينطبق عليها هذا الوصف استناداً إلى تحديد مصطلح "أقصى اليمين"، وهي كاخ، وغوش إيمونيم، وتحيا، وتسوميت، وموليديت، لينتقل إلى تحديد المنطلقات الفكرية لهذه الجماعات، وموقفها من الفلسطينيين العرب الذي يعتبر المعيار العام لقياس درجة تطرفها، مع التركيز على غوش إيمونيم كونها حركة استيطانية بالأساس. ثم يحاول المقال تحديد القوة الانتخابية لهذه الأحزاب ليخلص إلى حصول قفزة كبيرة في قوتها الانتخابية وذلك لثلاثة أسباب أساسية هي استمرار الانتفاضة، وتجذر فكرة الترانسفير وازدياد مشاعر الكراهية للعرب، والأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع البطالة.

النص الكامل: 

مع انضمام اللواء (احتياط) رحبعام زئيفي، حزب موليدت، إلى الحكومة الإسرائيلية في أوائل شباط/فبراير الماضي، تكتمل الدائرة وتقف أحزاب اليمين كلها جبهة متراصة لمواجهة أية ضغوطات سياسية قد تنشأ بعد انتهاء حرب الخليج، لحمل إسرائيل على التوصل إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين. وفي الحقيقة، لم يكن تأخر انضمام حزب موليدت إلى الحكومة التي تألفت في حزيران/يونيو الماضي، بعد انفراط عقد حكومة الوحدة الوطنية، ناجماً عن حرج الليكود من إشراك حزب ينادي صراحة بطرد الفلسطينيين العرب من المناطق المحتلة في الحكومة، بقدر ما كان ناجماً عن رفض رئيس الوزراء يتسحاق شمير منح زئيفي واحداً من المناصب الوزارية التي طالب بها خلال المفاوضات الائتلافية لتأليف الحكومة. ومن هنا، فإن انضمام حزب موليدت إلى الحكومة لا يجعلها أقل أو أكثر تطرفاً، ولن يؤثر كثيراً في توجهاتها. فهي أكثر الحكومات التي عرفتها إسرائيل منذ قيامها تطرفاً وشراسة، وستبقى كذلك مع موليدت ومن دونه.

    إن حزب موليدت يبدو، في المعايير الإسرائيلية، أكثر تطرفاً من باقي الأحزاب المشاركة في الحكومة بسبب رفعه صراحة لواء طرد (ترانسفير) الفلسطينيين العرب. لكنه في واقع الأمر ليس الحزب الوحيد الذي يدعو إلى ذلك، إذ تقاسمه هذا "الشرف" جملة أحزاب تشكل معه ما يسمى "أقصى اليمين" في إسرائيل. وهذه ظاهرة  تشير الاستقصاءات الأخيرة إلى قفزة كبيرة في نموها، بفعل المناخ الأيديولوجي – السياسي والأوضاع الأمنية والاقتصادية السائدة مؤخراً في إسرائيل.

إن مصطلح "أقصى اليمين" في إسرائيل يشير إلى خمسة أحزاب وحركات هي التالية، مدرجة بحسب التسلسل الزمني لإعلان تأسيسها رسمياً: كاخ، وغوش إيمونيم، وتحيا، وتسومت، وموليدت. ويتجسد القاسم المشترك بينها جميعاً في أمرين: (1) إن المحافظة على "أرض إسرائيل الكاملة" تحت السيادة الإسرائيلية هي الفكرة المركزية في نظرتها الشاملة والمحور الطاغي على نشاطاتها؛ (2) موقف من الفلسطينيين العرب يدعو (بحسب درجة تطرف كل منها) إلى ترحيلهم، كلهم أو أعداد كبيرة منهم، فوراً أو في نهاية المطاف. وتجدر الإشارة إلى أن ما يميز هذه التنظيمات السياسية من باقي أحزاب اليمين، وخصوصاً الليكود الذي تعتبر مواقفه السياسية في المعايير الإسرائيلية الحدّ الفاصل بين اليمين و"أقصى اليمين"، ليس فكرة المحافظة على "أرض إسرائيل الكاملة" بحد ذاتها، إذ تشترك الأحزاب اليمينية كلها في هذه الفكرة، وإنما الخلافات في شأن الاستراتيجيات والسياسات الواجب اتباعها لتحقيق هذا الهدف، والموقف من الفلسطينيين العرب.

وبكلمات أكثر تحديداً، يمكن القول – باختصار شديد جداً – إن ما يميز أحزاب أقصى اليمين سياسياً من الليكود في الواقع السياسي الإسرائيلي الراهن هو، في الأساس، الخلافات في شأن الأمور التالية:

- السيادة الإسرائيلية في المناطق المحتلة: تدعو أحزاب أقصى اليمين إلى تطبيقها فوراً، بينما يدعو الليكود إلى تأجيل ذلك حتى تنضج الأوضاع الملائمة.

- الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة: يشكل حجر الزاوية في سياسات الليكود لحل المشكلة الفلسطينية، بينما ترفضه أحزاب اليمين  جملة وتفصيلاً، وترفض كل ما يقود إليه أو يتفرع منه.

- الانتفاضة الفلسطينية في المناطق المحتلة: تدعو أحزاب أقصى اليمين إلى إصدار أوامر إلى الجيش بإخمادها فوراً، وتخويله اتباع كل الوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك، بينما يجنح الليكود إلى تفضيل السياسات والوسائل المتبعة حالياً، والتي تراعي الاعتبارات الداخلية والخارجية المعروفة.

- الاستيطان في المناطق المحتلة: تدعو أحزاب أقصى اليمين إلى توسيعه وتكثيفه من دون مراعاة زائدة للحساسيات الخارجية والاعتبارات الداخلية، وإلى إعطائه أولوية قصوى في المخصصات المالية، بينما يجنح الليكود إلى مراعاة الحساسيات الخارجية (الموقف الأميركي) والاعتبارات الداخلية النابعة من الضرورات الاقتصادية وضرورات الحكم الائتلافي.

- مصير االفلسطينيين العرب وحقوقهم: وهذا ما يتجه إلى أن يصبح المعيار العام في قياس درجة تطرف الأحزاب اليمينية والمعيار الرئيسي للتمييز بين أحزاب أقصى اليمين، ويتكلب شرحاً سيرد أدناه.

إن هذه الفوارق تشكل التخوم الفاصلة بين أقصى اليمين واليمين في إسرائيل. لكن بعيداً عن هذه التخوم، داخل معسكر أقصى اليمين في العمق، ما الذي يميز بين أحزابه المختلفة؟

المنطلقات الفكرية

    بناء على المنطلقات الفكرية يمكن تصنيف غوش إيمونيم وكاخ حركتين أصوليتين دينيتين قوميتين، وتحيا حركة هجينة، وتسومت وموليدت حركتين علمانيتين. وفي حين تمتلك الحركتان الأوليات نظرة أيديولوجية شاملة، تفتقر الحركات الثلاث الأخرى إلى مثل هذه النظرة.

نجد نظرة غوش إيمونيم الأيديولوجية في كتابات ومواعظ الحاخام تسفي يهودا كوك، الأب الروحي لغوش إيمونيم، وفي كتابات وشروحات أتباعه وتلامذته الذين تلقوا العلم علي يديه في يشيفات "مركاز هاراف" في القدس. وهي نظرة لا تختلف في خطوطها العريضة عن نظرة باقي الحركات الأصولية اليهودية، سوى في التشديد الذي تضعه على الاستيطان اليهودي في المناطق المحتلة.

إن الشعب اليهودي، في نظرة غوش إيمونيم الشاملة، ليس شعباً طبيعياً مثل سائر الشعوب، ولن يصبح كذلك، كما اعتقدت الصهيونية العلمانية الكلاسيكية، حتى لو انتهت وضعية "الشتات" وعاش حياة طبيعية. وإنما هو شعب فريد، مختار، مقدس، منشؤه إلهي في الميثاق المبرم إلى الأبد بين الرب والشعب اليهودي على جبل سيناء، وقد اختاره الرب من دون باقي الشعوب ليحقق به وبواسطته مشيئته في التارخي البشري. وكذلك الأمر بالنسبة إلى "أرض إسرائيل" التي هي، في نظر غوش إيمونيم، ليست فقط الوطن التاريخي والروحي للشعب اليهودي، كما جنحت الصهيونية العلمانية إلى القول، بل هي أيضاً – وقبل ذلك -  أرض  مقدسة "اختيرت حتى قبل اختيار الشعب"، كما كتب الحاخام كوك، لتشكل جزءاً من الميثاق الإلهي، الذي تختصره غوش إيمونيم بالعبارة التالية: "أرض إسرائيل، لشعب إسرائيل، في ظل توراة إسرائيل."

وحتى هنا، تتفق غوش إيمونيم مع الأصوليين اليهود الآخرين، لكنها تذهب إلى ما هو أكثر من ذلك؛ فتعتبر بقاء "أرض إسرائيل" كاملة وفي ظل السيادة اليهودية، واستيطانها، فريضتين دينيتين لا تقلان شأناً عن باقي الفرائض الأخرى، لا بل  تتقدمان عليها. كما أن لا مجال لتأجيلهما باعتبار أن عملية "خلاص" الشعب اليهودي، التي تحدثت الكتب الجينية اليهودية المقدسة عنها، قد بدأت فعلاً مع هذا الجيل.

وفي نظرة غوش إيمونيم الشاملة، فإن الفلسطينيين العرب في هذه الأيام هم شبه الكنعانيين الوارد ذكرهم في التوراة. ويستند الحاخام كوك إلى العلامة اليهودي موسى ابن ميمون، من كبار علماء الدين في القرون الوسطى، ليفتي بأن ما يجب أن يعرض على الفلسطينيين العرب هو الخيارات الثلاثة نفسها التي عرضها يهوشع بن نون على الكنعانيين القدامى: الرحيل عن البلد، أو الخضوع المطلق للحكم اليهودي، أو القتال. وإذا ما اختاروا القتال، فسيكون مصيرهم كمصير الكنعانيين: الهلاك.[1]

ومن هذه النظرة اشتقت غوش إيمونيم، في حينه، معارضتها للانسحاب من سيناء، التي اعتبرتها جزءاً من أرض إسرائيل، ومنها تشتق معارضتها لأية حلول سياسية تنطوي على تنازلات إقليمية،  ومعارضتها أيضاً للحكم الذاتي للفلسطينيين المنصوص عليه في اتفاق كامب ديفيد.

إن أيديولوجية كاخ، أو بالأحرى أيديولوجية كهانا، موجودة في كتابات هذا الحاخام الغريب، الذي ألّف أكثر من 15 كتاباً وكراساً تؤهله، في اعتقاد أحد دارسيه الجديين، لاحتلال منصب أستاذ كرسي في جامعة دينية محترمة. وهي أيديولوجية أصولية دينية، لا تختلف في مرتكزاتها الفكرية كثيراً عن أيديولوجية غوش إيمونيم، إذ أنهما كلتيهما مشتقتان من الأرومة الدينية اليهودية نفسها. لكن ما وصل من "رسالة" كهانا إلى أتباعه وإلى الجمهور العريض لم يكن أيديولوجيته الشاملة المنمّقة، وإنما موقفه من الفلسطينيين العرب. وهو موقف عنصري نابع من الأحشاء، ويتسم بكراهية عميقة من المشكوك فيه أن تحتمله أية ديانة سماوية، أو أي تفسير لها. ومن الصعب جداً تلمّس هذه الكراهية من دون إطلالة مباشرة على نماذج من الخطاب السياسي لكهانا. لكن قد يكفي الاقتباس التالي من خطبة ألقاها في أحد المهرجانات الجماهيرية، لإيضاح المقصود:

"قيل في التوراة عن اسماعيل [اقرأ: العرب]: متوحس، يعتدي على الجميع، والجميع يعتدون عليه. الجزء الأول تحقق. امنحوني القوة لأحقق الجزء الثاني. إنْ جاء ليقتلك فبكّر واقتله! هل هذه عنصرية؟ (...) العرب هم سرطان، سرطان، سرطان في وسطنا، وليس هناك رجل واحد يقوم ويعلن ذلك صراحة. إنهم يتكاثرون كالبراغيث! فلنرمهم في البحر! إنهم يمصّون دماءنا، هؤلاء العلق! تعايش؟ أنا والسرطان الذي أشكو منه نتعايش؟ السرطان تستأصله وتقذف به إلى الخارج (...) أنا أقول لكم ما يشعر به كل واحد في قرارة نفسه، هناك حل واحد ولا حل غيره. وهو ليس حلاً جزئياً: العرب إلى الخارج!!! (...) اجعلوني وزيراً للدفاع لشرين ولن يبقى منهم صرصور واحد هنا!".[2]

أما تِحيا التي تشكلت، سنة 1979، من عناصر يمينية (مجموعة منشقة عن الليكود بزعامة غيئولا كوهين)، وعناصر دينية (غوش إيمونيم)، وعناصر يسارية ("حركة أرض إسرائيل الكاملة")، فهي هجين فكري لا يجمعه سوى الولاء لفكرة "أرض إسرائيل الكاملة")، فهي هجين فكري لا يجمعه سوى الولاء لفكرة "أرض إسرائيل الكاملة"، ومواقف سياسية معينة. وقد اعتقد مؤسسو الحركة أن الجمع بين هذه العناصر سيحقق لها نجاحاً انتخابياً ساحقاً، باستقطابه أنصار "أرض إسرائيل الكاملة" من مختلف الاتجاهات الفكرية. لكن هذا لم يحدث، إذ ظلت تحيا حركة سياسية صغيرة (3 مقاعد في الكنيست الحالي)، بينما أدى التضارب في المنطلقات الفكرية إلى "انفصامات" في خطابها السياسي، دفعت بأحد أبرز أعضائها المؤسسين، حانان بورات (غوش إيمونيم)، إلى الانسحاب منها والعودة إلى صفوف حزبه الصلي المفدال، وشكلت واحداً من العوامل التي دفعت بعضو الكنيست رفائيل إيتان (تسومت) إلى الانسحاب مع أنصاره من الحركة. وقد لاحظ مؤلفا كتاب "آيات الله الإسرائييون"، أن "رجال دين أورثوذكسيين يهوداً وفتيات بتنانير قصيرة، حتى لو اشتركوا في الإيمان بأرض إسرائيل، فإنهم لا يمتزجون بالضرورة بسهولة."[3]

أما حزب تسومت، الذي تأسس واتحد مع تحيا سنة 1984 لينشق عنها قبيل انتخابات سنة 1988، وحزب موليدت، فهما في الأساس قائمان على سمعة وجهود زعيمهما، رئيس الأركان السابق رفائيل إيتان واللواء (احتياط) زئيف غاندي، بالتتالي.  وكلاهما عسكري نشأ في أحضان منظمة الهاغاناه، وتعود جذوره الفكرية إلى حركة العمل الصهيونية الاشتراكية، وينتسب في منطلقاته الفكرية إليها.

الموقف من الفلسطينيين العرب

    ذكرنا أعلاه أن الموقف من الفلسطينيين العرب يتجه بالتدريج إلى أن يصبح المعيار العام لقياس درجة تطرف أحزاب اليمين، والمعيار الرئيسي للتمييز بين أحزاب أقصى اليمين. وإذا استخدمنا هذا المعيار نجد أن أكثر أحزاب أقصى اليمين تطرفاً هو حركة كاخ، يليها موليدت، ثم تسومت وتحيا، فغوش إيمونيم.

وفي نظرة كهانا (كاخ)، فإن الفلسطينيين العرب خطر على الشعب اليهودي ودولة إسرائيل، كمجموع وكأفراد: فهم كمجموع يتكاثرون "كالبراغيث"، بحسب تعبيره. وإذا لم يعالج أمرهم فسيصبحون بمرور الوقت أكثرية في البلد ويسيطرون على الكنيست ويغيرون القوانين لينهوا إسرائيل كدولة يهودية: وهم كأفراد يلوثون نقاء الشعب اليهودي بملاحقتهم الفتيات اليهوديات، وينتزعون لقمة العيش من فم أبنائه بمنافستهم إياهم في أماكن العمل وقبولهم العمل بأجور رخيصة. وتشكل هذه النغمات الثلاث (التكاثر، والاعتداء على الشرف اليهودي، والتسبب بالبطالة في أوساط العمال اليهود) لازمة تتكرر في كل  خطب كهانا ومنشوراته الدعاوية. وقد تدرج مع الوقت في الحل الذي اقترحه لمعالجة هذا الخطر، من المطالبة بتقليص حقوقهم السياسية والمدنية، إلى التضييق عليهم في لقمة العيش لدفعهم إلى الهجرة، إلى طردهم جميعاً، بل وحتى عندما ينفلت لسانه من عقاله، إلى إبادتهم. ولا فارق عنده بين عرب المناطق المحتلة منذ سنة 1967 وبين عرب الـ 48 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.

وتشكل هذه النقطة الأخيرة (عدم التمييز بين عرب الـ 67 وعرب الـ 48) علامة فارقة بين كاخ وباقي أحزاب أقصى اليمين. ويشكل علامة أخرى الأسلوب الخطابي والموضوعات المختارة في الحملات الدعاوية ضد العرب. فالاعتداء على الشرق اليهودي، وتحديد العرب كمسبب رئيسي للبطالة في الوسط اليهودي، موضوعان نادراً ما يظهران في الخطاب السياسي لباقي أحزاب أقصى اليمين، ويحل محلهما "الخطر الديموغرافي" و"الخطر الأمني". وقد أوردنا أعلاه نموذجاً على نمط الأسلوب الذي يستخدمه كهانا في حملاته التحريضية. وفيما يلي نموذج آخر، موضوعه هذه المرة "الشرف اليهودي":

"بعد ساعة، في تل أبيب، في كل مدينة ومدينة، في القدس، في حيفا، في أشدود، في كل مدينة ومدينة، بعد ساعة سيجلس في المقاهي عرب مع يهوديات. في كل ساعة، في كل ساعة. مقاه. عرب. يجيء ابراهيم من كفر قاسم أو من سخنين أو من أم الفحم أو من الطيبة أو من الطيرة أو من غزة؛ يجيء ابراهيم، يرى هناك فتاة يهودية جميلة، يتقدم ابراهيم منها ويقول لها: 'شالوم عزيزتي، اسمي آبي'. ابراهيم فجأة أصبح آبي. آبي. آبي، آبي، نعم. يجيء موسى، 'شالوم عزيزتي، اسمي مويشه'. هو ليس فقط موشيه، إنه مويشه (...) إنهم يضحكون وأنا أبكي. بنات إسرائيل (...) الأرض المقدسة، دمروا حياتهن، دمروا حياتهن."[4]

عندما أثار كهانا موضوع طرد العرب، ابتداء من أواسط السبعينات، اعتبر ذلك كسراً لقواعد اللعبة وقوبل باستهجان شديد. وقد صوَّرت المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية ووسائط الإعلام كهانا أنه نبتة شيطانية وافدة من الولايات المتحدة، غريبة عن الصهيونية، وادعت أن آراءه غريبة عن التفكير الإسرائيلي، ولا تلاقي قبولاً إلا في أوساط هامشية خارج التيار الرئيسي للحياة السياسية في إسرائيل. لكن عندما أسس رحبعام زئيفي حزب موليدت قبيل انتخابات سنة 1988، ونقش على لوائه شعار الترانسفير، وفاز بمقعدين في الكنيست بفضل ذلك، اتضح أن الأمر أبعد ما يكون عن ذلك. فرحبعام زئيفي هو من "عظم الرقبة"، سليل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وتقاليد حركة العمل الصهيونية، ومعظم أعضاء حركته وعدد كبير من مؤيديه ينتمون إلى شرائح راسخة ومؤسسة في المجتمع الإسرائيلي.

في نظر رحبعام زئيفي، فإن الفلسطينيين العرب في المناطق المحتلة خطر ديموغرافي وأمني، لا يمكن مجابهته إلا بترحيلهم إلى الدول العربية المجاورة، وعلى الأخص العراق الذي يشكو في اعتقاده من قلة السكان. إنه يختلف عن كهانا لأنه "حاشا وكلا" أن يدعو إلى طرد الفلسطينيين العرب، وإنما هو يدعو إلى ترحيلهم بالاتفاق. مع من، معهم، لأنه ليس هناك إنسان يترك بإرادته بيته، وحقله، وكرمه، وتينته." مع من إذاً؟ "يتركون باتفاق مع حكومات [عربية]، كما تم ترحيل سكان مدينة و12 قرية [يهودية] من سيناء." وإذا لم تقبل حكومات عربية بذلك، هل تشن إسرائيل حرباً ساحقة ضد العرب لتفرض الأمر عليهم؟ "هل الصهيونية عملية؟ الصهيونية ليست عملية منذ بداية الاستيطان (...) لكن إذا تحلينا بالإيمان تصبح عملية." وريثما يتم ترحيل العرب عن المناطق المحتلة، ماذا يقترح؟ "منذ حرب الأيام الستة أعطينا كل طالب عمل عملاً، ورفعنا مستوى الحياة في الضفة الغربية (...)  يجب أن نقود العرب إلى وضع مشابه للوضع الذي كان سائداً قبل الحرب لندفعهم إلى الذهاب كي يشقوا طريقهم في الدول العربية." وماذا بشأن "عرب إسرائيل"، إنهم مشكلة، لماذا لا يرحلهم أيضاً؟ "طبعاً سيكون ذلك أفضل، لنا ولهم (...) ولكنهم مواطنون إسرائيليون. وهذا لأننا ارتكبنا أخطاء وفسحنا المجال لأقلية كي تنمو من 113 ألفاً إلى 800 ألف، ولأن القيادة لم تستشرف التطورات (...) لكنني أقبل بهم كأمر مسلم به."[5]

هذه المقتطفات، المقتبسة من مقابلة أجرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" مع رحبعام زئيفي، تشير إلى وجهة تفكير حزب موليدت بشأن الفلسطينيين العرب، وما يعتبره فارقاً بينه وبين كاخ. وقد حرص زئيفي باستمرار على تأكيد أن فكرة ترحيل (ترنسفرة) الفلسطينيين العرب ليست فكرته، بل هي مستمدة من فكر الصهيونية الاشتراكية وممارساتها. ولم يأل جهداً في مهاجمة منتقديه في أوساط اليسار. فقد صرح في الاجتماع التأسيسي لحزب موليدت "أن الترانسفير فكرة متوقدة وجارفة، تعشّش في قلوب يهود كثيرين (...) وإذا كانت مقيتة بهذا المقدار فإن بن – غوريون  كان كبير الفاشيين الإسرائيليين (...) إنها ليست فكرتي. وقد اكتسبتها وتعلمتها من أساتذتي في حركة العمل الصهيونية ومن قادة الجيش في كل الأجيال."[6]   وشرح في حديث أجرته معه صحيفة "معاريف"، "أن كل التاريخ الصهيوني الرسمي كان سياسة الترانسفير، وحرب التحرير [1948 – 1949] دارت عاماً ونصف العام على فكرة الترانسفير." وهاجم منتقديه اليساريين واتهمهم بالنفاق قائلاً "إن مبام والكيبوتس القطري، اللذين يصرخان بشدة اليوم (...) ينسيان أن لواء [غفعاتي] في حرب التحرير، الذي كان قادته كلهم من الكيبوتس القطري، نظف كل القرى العربية التي كانت في طريقه ولم يترك قرية واحدة في مكانها."[7]

ويتفق حزباً تحيا وتسومت مع حزب موليدت في تشخيصهما للخطر العربي، وفي الحيثيات، لكن الحل الذي يطرحانه في الوقت الراهن يبدو أقل تطرفاً، ويتفادى كلمة "ترانسفير". إنهما لا يدعوان في برنامجهما إلى ترحيل كل سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، كما يدعو إلى ذلك موليدت، وإنما إلى ترحيل اللاجئين منهم فقط، البالغ عددهم أكثر من نصف السكان، ويشيران إلى ذلك بمصطلح "إعادة توطين اللاجئين في الدول العربية." وقد استخدمنا تعبير "يطرحان في الوقت الراهن" أن وجهة هبوب الريح فيهما تشير  إلى أن تماثلهما مع حزب موليدت، في الموقف والمصطلحات، لم يعد بعيداً. وقد حدثت هزّة في حزب تحيا في كانون الأول/ديسمبر الماضي، عندما طرح عدد من زعماء الصف الثاني موضوع الترانسفي في اللجنة المركزية للحزب، وطالب بتبني الفكرة والمصطلح. وقد رفضت زعامة الحزب الأولى الاقتراح، وأدانته بشدة. لكن مراسل صحيفة "معاريف" لشؤون الأحزاب لاحظ أن أغلبية الأعضاء في الحزب هي مع الترانسفير، وتخالف موقف الزعاة الأولى.

وقد شرح آبي فرحان، من قادة الصف الثاني ومرشح الحزب رقم 7 في قائمته الانتخابية، الدوافع إلى طرح الاقتراح: "في الانتخابات المقبلة لن نحصل حتى على ثلاثة مقاعد. يجب عدم الاستخفاف بجمهور مؤيدينا الذي يريدنا أن نرفع هذا اللواء، لواء الترانسفير."[8]   وقال تسفي غوتمان، المرشح رقم 12 في قائمة تحيا للكنيست، إنه هو أيضاً يؤيد الترانسفير، ولا يوجد حل آخر. وأضاف: "أن هذا هو الرأي الحقيقي في اللجنة المركزية إذا اخترقنا قشرة ضغوطات المؤسسة الحزبية (...) لا يوجد فارق بيننا وبين موليدت. ويجب أن نتحد مع موليدت وتسومت وننشىء 'جبهة اليمين القومي'."[9]  ولا يبدو زعيم الحزب، يوفال نئمان، بعيداً عن هذا التوجه عندما صرح، في مقابلة أجرتها معه مجلة "نيكوداه"، أنه لا يوجد بين تحيا وموليدت فوارق أيديولوجية، "والناس أعمى أبصارهم قبل الانتخابات سحر كلمة 'ترانسفير' (...) ان نصف السكان العرب في يهودا والسامرة هم لاجئون، وهؤلاء يجب 'ترنسفرتهم'؛ وقد قلت ذلك في تحيا منذ سنة 1979."[10]

وبالنسبة إلى غوش إيمونيم، ليس هناك في برامجها السياسية دعوة إلى ترحيل الفلسطينيين العرب، وربما تقبل ببقائهم في "أرض إسرائيل" إذا قبلوا الخيار الثاني من خيارات يهوشع بن نون، وهو الخضوع للحكم اليهودي وقبول تطبيق قواعد الشريعة اليهودية في شأنهم.

طابع النشاطات العام

    إن غوش إيمونيم حركة استيطانية في الأساس، ومجال عملها الرئيس المناطق المحتلة. وقد قامت بدور كبير في تعبئة الرأي العام الإسرائيلي ضد سياسات حزب العمل الاستيطانية، التي اتجهت إجمالاً إلى حصر الاستيطان اليهودي في المناطق المحددة في "مشروع آلون". وتقترن غوش إيمونيم في الذهن الإسرائيلي، أساساً، بالحملات المتكررة التي قامت بها في أعوام تأسيسها الأولى، لإنشاء مستعمرات يهودية في المناطق المزدحمة بالسكان العرب في الضفة الغربية، والتي رافقتها مسيرات جماهيرية حاشدة وتظاهرات واعتصامات في الأمكنة المختارة للاستيطان، وغالباً ما انتهت بمصادمات مع الجيش وبإجلاء المستوطنين. وقد استمرت هذه الحملات حتى بعد تولي الليكود الحكم سنة 1977، ولم تطو كواقع وأسلوب عمل إلا بعد أن نفذ الليكود، بعد فوزه مرة أخرى في انتخابات سنة 1981 وعودته إلى تأليف الحكومة، برنامجاً استيطانياً واسعاً في جميع أنحاء الضفة الغربية، ألغى عملياً "خريطة آلون" الاستيطانية.

وتعتبر فترة الحملات هذه الحملات هذه الفترة الذهبية لغوش إيمونيم، وفيما سجّل عدد أعضائها نمواً كبيراً وبلغت شعبيتها الأوج. وقد فقدت غوش كثيراً من هذا البريق في السنوات الأخيرة، نتيجة عوامل متعددة، لكنها لا تزال التنظيم القائد والمهيمن على المستوطنين في المناطق المحتلة. وهي تمارس هذه الهيمنة عن طريق اتحاد المجالس المحلية لمستعمرات الضفة الغربية وقطاع غزة، التي تتمتع فيه بالأغلبية، وعن طريق تنظيمات أخرى تابعة لها.

لكن النشاطات الاستيطانية ليست السمة الوحيدة البارزة لغوش إيمونيم. فبالإضافة إليها، هناك سمة أخرى مقترنة بها، وهي النشاطات الإرهابية ضد الفلسطينيين العرب، والحملات "الانتقامية" و"التأديبية" المنظمة التي حفلت وتحفل الصحافة بأخبارها. وقد كان أخطر ما صدر عن غوش إيمونيم من نشاطات هو أعمال التنظيم السري الإرهابي، الذي شكله عدد من أعضائها في بداية الثمانينات، ونفذ في فترة 1980 – 1984 عدداً من أسوأ العمليات الإجرامية ضد الفلسطينيين العرب. وقد اعتُقل أعضاء هذا التنظيم في سنة 1984، وحوكموا وأدينوا بتهم أبرزها لغم سيارات ثلاثة رؤساء بلديات في الضفة الغربية والتسبب بإلحاق أذى باثنين منهم، وقتل طلاب في الكلية الإسلامية في الخليل، وهجمات بالقنابل اليدوية على فلسطينيين عرب، وزرع متفجرات في حافلات، والتآمر لنسف مسجد قبة الصخرة في القدس.

وقد أثار كشف التنظيم ومحاكمة أعضائه وصدور أحكام بالسجن بحقهم في سنة 1985، هزة عنيفة في صفوف قيادة غوش إيمونيم وأعضائها، وأدى إلى تنافر بين القادة ما زالت رواسبه مستمرة حتى الآن؛ إذ بينما استهجن فريق منهم أعمال التنظيم الإرهابي وطالب بقطع كل صلة لغوش إيمونيم بأعضائه المعتقلين، أبدى الفريق الآخر تفهمه لدوافعهم ونظّم حملة واسعة النطاق للدفاع عنهم ومساعدتهم وطلب العفو عنهم. وقد كان من أبرز المدافعين عن أفراد التنظيم الإرهابي الحاخام موشيه ليفنغر، أبرز زعماء غوش إيمونيم، الذي أُدين في السنة الماضية بتهمة قتل مواطن عربي في الخليل، وحكمت عليه محكمة عسكرية، في محاكمة أقرب ما تكون إلى المهزلة، بالسجن لمدة خمسة أشهر، خرج بعدها بطلاً في نظر أنصاره.

إن الطابع العام لنشاطات كاخ معروف جيداً، والإشارة إليه قد تكون من نافلة القول، لكن الوصف يظل ناقصاً من دونه – حملات دؤوبة لإثارة الكراهية ضد الفلسطينيين العرب والتحريض على طردهم من البلد، وريثما يتم ذلك التضييق عليهم وتسويد عيشهم. وهي حملات اتسمت بكثير من العنصرية المكشوفة والسوقية والابتذال من ناحية، وبقدر كبير من الإثارة المسرحية المقصود بها اجتذاب أضواء الإعلام.

وقد كان أبرز هذه الحملات المسيرات التي نظمها كهانا إلى المدن العربية في فلسطين المحتلة منذ سنة 1948 في النصف الأول من الثمانينات للتحرش بسكانها و"إقناعهم" بأن لا مفر لهم من الرحيل عن "أرض إسرائيل". وقد انتهت هذه المسيرات دائماً بمصادمات مع العرب، وأثارت ضجة سياسية وإعلامية كبيرة في إسرائيل وأصداء دولية، مما حمل السلطات على حظر دخول كهانا إلى المدن والقرى العربية.

وإلى جانب النشاطات العلنية، يحفل سجل كاخ أيضاً بنشاطات سرية إرهابية وتآمرية ضد عرب المناطق المحتلة، تراوحت بين القتل والاعتداء على الأشخاص والممتلكات، وانتهت بكثير من أعضائها إلى السجن، ويندر بين أعضاء كاخ البارزين من لم يُعتقل أكثر من مرة، ومن ليس له ملف إجرامي في سجلات الشرطة. وحتى زعيمها كهانا، الذي كان بالغ الحذر من التورط شخصياً في نشاطات إرهابية، لم ينج من الاعتقال؛ إذ أُلقي القبض عليه سنة 1980 بأمر إداري صادر عن وزير الدفاع، وسجن ستة أشهر من دون إبداء الأسباب. واتضح لاحقاً أن السبب عملية تخريبية ضد المسجد الأقصى، خطط لها مع أحد أتباعه، وكشفت الشرطة أمرها.

وقد خففت كاخ في الأعوام الأخيرة نشاطاتها داخل الأرض المحتلة منذ سنة 1948، ونقلت مركز الثقف في عملها إلى الضفة الغربية. وقد اقترن اسمها بتنظيم سري للمستوطنين أُطلق عليه اسم "لجنة السلامة على الطرق"، ارتكب عدداً كبيراً من الجرائم والاعتداءات على الفلسطينيين العرب وممتلكاتهم، مما دفع بعدد من أعضاء الكنيست اليساريين إلى تقديم استجوابات بشأنه للحكومة، وإلى مطالبتها بالكشف عنه ووضع حد له. وفي بداية السنة الماضية، أنشأت حركة كاخ تنظيماً علنياً دعته "منظمة دولة يهودا"، وأعلنت أن الهدف منه هو الإعداد لإقامة دولة يهودية مستقلة عن إسرائيل في الضفة الغربية، إذا حدث وانسحبت إسرائيل منها. وقد فرخ هذا التنظيم بدوره، تمشياً مع تقاليد كاخ، تنظيماً سرياً مسلحاً آخر، كشفت الصحف الإسرائيلية عن وجوده، وسمّت عدداً من عناصره، مما أرغم سلطات الأمن على اعتقال عدد من عناصر حركة كاخ للتحقيق معهم في شأن الموضوع. لكنها ما لبثت أن أفرجت عنهم، وظل "التنظيم المسلح لدولة"، شأنه شأن "لجنة السلامة على الطرق"، شبحاً يظهر ويختفي في الصحافة الإسرائيلية بين الفينة والأخرى.[11]

أما نشاطات الأحزاب الثلاثة الأخرى، تحيا وتسومت وموليدت، فليس لها سمات  استثنائية، ولا تخرج إجمالاً عن النشاطات السياسية التي تمارسها الأحزاب البرلمانية عادة، وتبقى بصورة عامة ضمن قواعد اللعبة.

القوة الانتخابية

حصلت أحزاب أقصى اليمين الممثلة في الكنيستـ في الانتخابات العامة الأخيرة، على نسبة 7,5% تقريباً من الأصوات، أهّلتها لاحتلال 7 مقاعد من مجموع 120 مقعداً، موزعة على النحو التالي: 3 تحيا، 2 موليدت، 2 تسومت، وكاخ، كما هو معروف، ليست ممثلة في الكنيست، لأنه محظور عليها خوض الانتخابات بسبب كونها قائمة عنصرية، بينما غوش إيمونيم حركة غير برلمانية، ولا تشارك في الانتخابات.

وتشير استقصاءات الرأي العام في إسرائيل، في أواخر السنة المنصرمة، إلى قفزة كبيرة في قوة هذه الأحزاب من شأنها، لو تأكدت فعلياً في الانتخابات المقبلة، أن تمنحها ضعف عدد مقاعدها الحالية. فقد أظهر استقصاء أجراه معهد "داحف" لحساب صحيفة "يديعوت أحرونوت" في النصف الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 1990، لقياس قوة الأحزاب الانتخابية النيابية في تلك الفترة لحصلت أحزاب أقصى اليمين على 13 مقعداً، منها 5 لموليدت (في مقابل 3 في الكنيست الحالي)، و5 لتسومت (في مقابل 2 أيضاً)، و 3 لتحيا (أي العدد الحالي نفسه).[12]   وأكد استقصاء أجراه راقي وحانوخ سميث في النصف الثاني تشرين الثاني/نوفمبر وأوائل كانون الأول/ديسمبر، هذه النتيجة؛ إذ حصلت الأحزاب الثلاثة المذكورة فيه على نسبة 15,5 % من الأصوات، في مقابل 7,5 % حصلت عليها في الانتخابات الماضية.[13]

استقصاء معهد "داحف"

(تشير الأرقام بين قوسين إلى عدد المقاعد في الكنيست الحالي)

 

معراخ

35 (39)

راتس

6 (5)

مبام

3 (3)

شينوي

2 (2)

 

ليكود

39 (40)

تحيا

3 (3)

تسومت

5 (2)

موليدت

5 (2)

 

 

حداش + التقدمية + دراوشه

6 (6)

مفدال

5 (5)

أغودات يسرائيل

4 (5)

شاس

5 (6)

ريغل هتوراه

2 (2)

 

شمل الاستقصاء 1039 شخصاً من عينة تمثيلية للسكان اليهود من أصحاب حق الانتخاب، وأُجري بين 5 و12 تشرين الثاني/نوفمبر.

المصدر: "يديعوت أحرونوت"، 16/11/1990.

 

ويعزو المراقبون في إسرائيل أسباب القفزة الكبيرة في شعبية أحزاب أقصى اليمين، في الفترة الأخيرة، إلى ثلاثة عوامل رئيسية:

- استمرار الانتفاضة الفلسطينية في المناطق المحتلة، وزيادة التعرض للأفراد اليهود داخل إسرائيل وفي المناطق (حرب السكاكين)، مما عمق الشعور بالقلق على المصير وولّد إحساساً بالخوف على السلامة الشخصية.

- تجذّر فكرة الترانسفير واتساع انتشارها، وازدياد مشاعر الكراهية والعداء تجاه العرب.

- الأوضاع الاقتصادية الصعبة، واستمرار ارتفاع معدلات البطالة.

وهي عوامل مترابطة وتصب كلها في مصلحة أحزاب أقصى اليمين، في اتجاه دفع أعداد متزايدة من الجمهور نحو مزيد من التطرف.

يشير البروفسور إيهود شبرنتساك، الخبير بالمناظمات اليمينية المتطرفة، إلى "الاغتراب الاجتماعي بين الطوائف"، و"ضغوطات الإرهاب"، و"الضائقة الاقتصادية المستمرة"، و"تجذر آراء كهانا"، بصفتها العوامل الرئيسية في النمو المتزايد لأحزاب أقصى اليمين.[14]  ولكن، إذا دقق المرء في الفوارق بين مواقف أحزاب أقصى اليمين والليكود، في الواقع السياسي الراهن في إسرائيل، فلن يكون من الصعب عليه الاستنتاج أن العامل الأقوى في تصاعد قوة أحزاب اليمين هو، على الأرجح، السمات "الكهانية" التي تتصف بها. ومن هذه الناحية، لا يقدم أو يؤخر كثيراً حظر مشاركة كاخ في الانتخابات، أو أن زعيمها قد لقي مصرعه. وكما يلاحظ د. جاد برزيلاي، الذي تتبع تطور الكهانية أعواماً طويلة، "فإنه من المهم جداً التمييز بين الرجل ومجموعته، التي كانت منبوذة سياسياً وخارج الإجماع في اللعبة السياسية، وبين أفكاره. إذ إن الأفكار التي نادى بها استوعبت جيداً، من دون أدنى شك، في أوساط تتسع باستمرار في المجتمع."[15]   وكما لاحظ أيضاً البروفسور إيهود شبرنتساك، "فإنه من أجل أن تكون هناك زعرنة وعنف ومشاعر معادية للعرب، لم تعد هناك ضرورة لكهانا. فمن ناحية سياسية كان فشلاً مطلقاً (...) لكن من ناحية ثقافية كان نجاحاً كبيراً جداً"، و"قد تحركت الثقافة السياسية كلها في اتجاهه."[16]

16/1/1991 

[1]    من أجل شرح مفصل لأيديولوجية غوش إيمونيم، راجع: إيان لوسْتِك، "أصوليو إسرائيل الخطرون"، "فورين بوليسي"، العدد 68، خريف 1987، ص 118 – 139.

[2]    آفي كتسمن، "تشريح بعد الوفاة: نظرة في كتابات وخطب الرجل الذي وقف الكنيست دقيقة ضمت حداداً عليه"، ملحق "هآرتس" الأسبوعي، 16/11/1990.

[3]   رافائيل ميرغي وفيليب سيمونو، "آيات الله الإسرائيليون" (لندن، 1987)، ص 100.

[4]   آفي كتسمن، مصدر سبق ذكره.

[5]   "يديعوت أحرونوت"، 8/7/1988.

[6]   "معاريف"، 24/8/1988.

[7]   المصدر نفسه، 5/8/1988.

[8]   المصدر نفسه، 14/12/1990.

[9]   المصدر نفسه.

[10]   "نيكوداه"، العدد 138، شباط/فبراير 1990.

[11]   ظهرت أوسع معلومات عن التنظيمين السريين المسلحين لحركة كاخ في مقالة ليهوشع مئيري،  نشرت في ملحق "هآرتس" الأسبوعي الصادر بتاريخ 26/1/1990.

[12]   "يديعوت أحرونوت"، 16/11/1990.

[13]   "دافار"، 7/12/1990.

[14]   المصدر نفسه، 9/11/1990.

[15]   "عال همشمار"، 9/11/1990.

[16]   "دافار"، 9/11/1990.