تغيُّر النظام العالمي وتضميناته بالنسبة إلى عملية السلام بين العرب وإسرائيل
كلمات مفتاحية: 
النظام العالمي الجديد
الاتحاد السوفياتي
الحرب الباردة
النزاع العربي - الإسرائيلي
عملية السلام
هجرة اليهود السوفيات
نبذة مختصرة: 

تتناول الدراسة التغيرات التي شهدها النظام الدولي في العقد الأخير من القرن الماضي والتي نجمت عن التغيرات التي شهدها الاتحاد السوفياتي منذ وصول ميخائيل غورباتشوف إلى سدة الحكم، والتغيرات الجذرية التي أدخلها في المجتمع السوفياتي في مجالي السياسة الداخلية والخارجية وأفضت إلى إنهاء انقسام أوروبا وبداية تفكيك ترسانات الأسلحة النووية، وإلى وقف الحرب الباردة بين الجبارين، والآثار التي تركتها على استمرار الصراعات الإقليمية أو حلها وتستعرض الدراسة السياسة السوفياتية أو "التفكير الجديد" في الاتحاد السوفياتي، وتطبيقات هذه النظرية على النزاع العربي الإسرائيلي التي تمثلت بتغيير موقف موسكو من إسرائيل وتجريد السياسة الخارجية من الايديولوجية وتسهيل هجرة اليهود السوفيات إلى إسرائيل، ثم مواقف أطراف النزاع من هذه القضية، لينتقل إلى عرض مسألة التعاون السوفياتي الأميركي: العوامل الباعثة لهذا التعاون، والعوائق التي تقف في طريقه، ومجالاته الممكنة.

النص الكامل: 

إن تغيُّر النظام العالمي ناتج، في الحقيقة، من التغيرات الثورية التي وقعت في الاتحاد السوفياتي منذ ارتقاء غورباتشوف سدة الحكم سنة 1985. والتغييرات الجذرية التي أدخلها غورباتشوف في المجتمع السوفياتي، في مجالي السياسة الداخلية والخارجية، هي التي أفضت إلى إنهاء انقسام أوروبا وإلى بداية تفكيك ترسانات الأسلحة النووية الضخمة، وأدت فوق ذلك كله إلى وقف الحرب الباردة بين الجبارين. ولا بد من أن تخلّف هذه التطورات، التي عملت فعلاً على تشكيل نظام عالمي جديد على المستوى العام، أثراً مهماً في استمرار الصراعات الإقليمية أو في حلها. ولمّا كان التغير في السياسة السوفياتية هو الذي قد ولّد هذه التغيرات تطاولت إلى مستوى الصراعات الإقليمية، فضلاً عن إتاحة الفرصة للتعاون بين القوتين العظميين، فلا بد من دراسة السياسة السوفياتية أولاً، على أن تشفع بدراسة ردات فعل الفرقاء المعنيين، وما ينطوي عليه ذلك من إمكانات حل النزاع العربي – الإسرائيلي. 

النظرية: "التفكير الجديد"

[.......]

النظرية والنزاع العربي الإسرائيلي

إن "التفكير الجديد"، بكل سماته الآنفة الوصف ومشكلاته، هو ما يجري اليوم تطبيقه على النزاع العربي – الإسرائيلي، وعلى غيره من النزاعات أيضاً.[1]   ويمكن الوقوف على ذلك بالنظر إلى الموقف من الصراع نفسه، وإلى نوع التسوية المنشودة، وإلى وسائل تحقيق هذه  التسوية. فإذا اطُّرحت لعبة الغالب والمغلوب وجُردت السياسة الخارجية من الأيديولوجيا فإن الصراع العربي – الإسرائيلي يفقد عندئذ، كغيره من الصراعات، كثيراً من جاذبيته للاتحاد السوفياتي. ولقد سبق أن بدأ يفقد، في أية حال، قيمته كأداة لمنافسة الغرب، أو أنه بدأ يفقد قيمته كأداة فعالة. ومع انتهاء المنافسة لم يعد ثمة من كسب سياسي أو استراتيجي يرجى. ذلك بأن ما يتبقى من مصالح السوفيات في المنطقة إنما هو مما يمكن تحقيقه من دون النزاع، لأن هذه مصالح دفاعية ترتبط ارتباطاً مباشراً بالمدماك الشمالي من دول الشرق الأوسط المتاخمة للاتحاد السوفياتي. ففي نطاق نظرية الكفاية الدفاعية، بدلاً من التدخل الحربي في الخارج، تكتسب حماية الحدود الجنوبية، وفي جملتها الحماية من انتشار النزعات الأصولية الإسلامية في صفوف الجماعات الإثنية المسلمة الحرون في آسيا الوسطى، أهمية قصوى.

وإذ يفقد الصراع أهميته مع إعادة صوغ المصالح السوفياتية، فإن استمراره يبدو مضراً بهذه المصالح أيضاً. ربما كان من شأن إقصاء الجبارين عن التورط المباشر، أو عن التزام نصرة موالي كل منهما، أن يخفف من مخاطر المواجهة. إلا أن النزاع المستمر يولد مخاطر من نوع آخر وضغوطاً جدية على موسكو (وضغوطاً مثلها على واشنطن). فقد اتخذ السباق على التسلح في المنطقة منعطفاً مقلقاً في اتجاهه نحو الأسلحة غير التقليدية، وتطوير أنظمة صاروخية قادرة على تهديد دول بعيدة عن المنطقة. إن من شأن عناصر، كوجود الصواريخ المتوسطة المدى، وتطوير أنظمة مضادة للصواريخ، وانتشار الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، أن تلقي ظلال الشك على معاهدات الجبارين.[2]

يضاف إلى ذلك أن ردة الفعل السوفياتية على سباق التسلح، أي الاستعداد للمضي في شحن المزيد من الأسلحة المتطورة ومنها الطائرات إلى سوريا، مثلاً، قد باتت محكّاً (من جملة محكّات أخرى) لمصداقية البيريسترويكا – "التفكير الجديد" في أعين الولايات المتحدة. بيد أن التخفيضات المهمة في شحنات الأسلحة، ولا سيما حصر الشحنات بما تعده موسكو "الكفاية الدفاعية المعقولة" بدلاً من "التوازن  الاستراتيجي" الذي تطلبه دمشق مع استمرار النزاع مع إسرائيل، قد أحدثت توتراً في العلاقات السوفياتية – العربية.[3]   والحق أن هذا ليس والحق أن هذا ليس إلا واحداً من مصادر التوتر في العلاقات السوفياتية بالعرب الذين ما زالوا يمارسون الضغوط على القيادة السوفياتية.[4]   لكن، خلافاً لما كانت موسكو تفعله في الماضي، فإنها ما عادت تستجيب لهذه الضغوط بموقف يصدر عن قول بريجنيف بـ"انقسام الانفراج". ومع ذلك، وعلى الرغم من أن إنهاء لعبة الغالب والمغلوب يجب أن يلغي الحاجة إلى الاستجابة لمطالب مواليها خوفاً من انقلابهم إلى صف الأميركيين، فإن موسكو غير مستعدة لتجاهلهم والتخلي عن نفوذها تماماً. ولعل موقفها هذا يصدر عن المأزق الآنف ذكره: الدافع إلى الحفاظ على مكانتها كقوة عظمى، إنْ لم يكن الحفاظ على امبراطوريتها.

وثمة أيضاً سبب داخلي يحمل موسكو على عدم تجاهل الضغوط العربية. فقد نشأ، بنشوء الأوضاع الجديدة في الاتحاد السوفياتي، شيء أشبه بـ"اللوبي المؤيد للعرب".[5]   وهؤلاء هم أناس يدعون إلى وفاء موسكو بحقوق حلفائها السابقين وأصدقائها من العرب، في ما تنتهجه موسكو من سياسة سوفياتية في الشرق الأوسط، ويعارضون أية خطوة من شأنها إضعاف العرب أو تقوية إسرائيل. ويبدو أن الأشخاص الذين يعتمدون هذا الموقف هم "العروبيون"، سواء من كان منهم في صفوف الدائرة الدولية في الحزب الشيوعي، أو في وزارة الخارجية التي باتت (اليوم) أهم من الأولى، أو في معاهد الأبحاث، أو في الصحافة. فمن ذلك أن يؤري غريادونوف، أكبر خبراء الشرق الأوسط في الدائرة الدولية، كان بين هؤلاء، وقد عُيّن مؤخراً سفيراً لبلده في عمان.[6]   كما أن فلاديمير بولياكوف، الذي ظل حتى وقت قريب رئيس دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، قد دعا جهاراً إللى وفا موسكو لأصدقائها العرب. وقد أُشيع أن ألكساندر دجازوخوف، عضو المجلس الرئاسي (والسفير السابق في سوريا)، ينتمي أيضاً إلى جيل العروبيين القدامى، وإنْ سرت أيضاً شائعات تفيد بانفتاحه.[7]  ويمكن العثور على نموذج مشابه، مثل فيتالي ناومخين في المعهد الشرقي الذي يديره ميخائيل كابيتسا من رعيل المحافظين.[8]   وثمة أيضاً صحافيون مثل كارين غيفاندوف وإيغور بليايف، وكلاهما من قدامى خبراء الشرق الأوسط، وكذلك ألكساندر سميرنوف، من وكالة نوفوستي (نائب رئيس قسم الشرق الأوسط)، ممن تمهلوا في التخلي عن دعم مطالب العرب، بما في ذلك تأييد بعض أعمال الإرهاب الفلسطينية أحياناً.[9]

ولئن استمدت آراؤهم بعض القوة من تأييد المسلمين السوفيات، فإن المساهمة الكبرى تعود إلى الحركات المعادية للصهيونية، ولا سيما اللجنة الشعبية لمقاومة الصهيونية واللجنة الشعبية لمعارضة استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. وتتألف هذه اللجان من أشخاص ينتمون إلى جماعات معادية لليهودية، مثل باميات أو القوميين الروس، أو تربطها علاقات تحالف معهم في معظم الأحيان. والنتيحة الصافية المنجرَّة عن موقفهم العدائي الجوهر، هي تعزيز مصالح العرب ؛ والحق أن حجاجهم كثيراً ما يتخذ شكل الانتصاف للعرب من "العنصرية اليهودية".[10]  وهم على الصعيد الداخلي يرتبطون بالمعسكر المحافظ، المعادي  للبيريسترويكا، ذلك لأن المواقف من النزاع العربي – الإسرائيلي قد بات لها في بعض الدوائر تداعيات ترمز  إلى المواقف السياسية من الشأن الداخلي. ولذلك كان من المتوقع لأصواتهم أن تنضاف إلى أولئك المهتمين بصون مكانة الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى في العالم، وأولئك القلقين إزاء الخسائر الاقتصادية المنجرَّة عن التخفيضات في مبيعات الأسلحة، فضلاً عن المستائين في صفوف العسكر.

وفي مواجهة هذه الجماعات يقف أنصار مجموعات حديثة التكوين تدعو إلى تطبيق "التفكير الجديد" على الشرق الأوسط. وقد شكل بعض هؤلاء اللجنة الشعبية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. وتسعى هذه اللجنة، التي تضم العديد من اليهود ومن غير اليهود، لمواجهة مناهضي الصهيونية واليهودية. ولمّا كان هؤلاء المناهضون ينتسبون إلى موقف معارض للبيريسترويكا، لذلك كان الداعون إلى استئناف العلاقات من مؤيدي "التفكير الجديد". فمن أبرز دعاة هذا الموقف الصحافي الصريح ألكساندر بوفين، وقد انضم إليه فلاديمير نوسينكو وسيرغي روغوف من كبار الخبراء بشؤون الشرق الأوسط، فضلاً عن سيرغي بيشال مساعد فالين رئيس الدائرة الخارحية المسؤول (في جملة مسؤولياته) عن شؤون الشرق الأوسط.[11]

ويفهم من بعض الاتهامات التي أُطلقت في أثناء تظاهرة معادية للصهيونية، أن يفغيني بريماكوف، ومن فوقه ياكوفليف، هما أهم مهندسي السياسة الجديدة إزاء هذا النزاع.[12]   والحق أنه بقدر ما يعدُّ هذان مسؤولين عن تقديم الأسس النظرية لـ"التفكير الجديد" – وبريماكوف نفسه من خبراء الشرق الأوسط الذين دعوا منذ سنة 1972 إلى موقف سوفياتي مختلف من النزاع – فمن الجائز جداً أن يكونا الزعيمين المسؤولين عن تطبيق "التفكير الجديد" على النزاع العربي – الإسرائيلي.[13]   وما من سبب يدعو إلى الاعتقاد أن شيفارنادزه لا يشاطرهما الرأي. ومن الدلائل على ذلك ملاحظات شيفارنادزه في لقاءاته مع المسؤولين الغربيين، فضلاً عن استبداله من بولياكوف على رأس دائرة الشرق الأوسط بفاسيلي كولوتوشا، سفير الاتحاد السوفياتي السابق في لبنان، والذي تروج أقاويل عن كونه من أصحاب "التفكير الجديد" في شأن المنطقة.[14]

وقد كان من نتائج السجال والضغوط المضادة أن بات الصراع العربي – الإسرائيلي أشبه بمسألة داخلية، خلافاً لبقية الصراعات الإقليمية. لذلك ربما كانت البيريسترويكا تولِّد اليوم حالاً شبيهة بالظاهرة المعروفة في واشنطن، مشفوعة بلوبي داخلي وجماعات من أصحاب المصالح المحلية، تحول القضية إلى مسألة داخلية شائكة. ولمّا كانت المعارضة قد جعلت هذا الأمر من جملة البيريتسرويكا (حتى أن يلتسين قد ذهب إلى ذلك من وجه آخر، داعياً إلى تحسين العلاقات بإسرائيل والتشدُّد في معاملة الدعاة المحليين إلى معاداة السامية، من جملة خطوات أخرى على طريق الإصلاح الجذري[15])، فقد يجد غورباتشوف مصلحة إضافية، داخلية هذه المرة، في إيجاد حل لهذا النزاع. ولئن كان من شأن هذا أن يعمل، وإنْ بطريقة غير مباشرة، على تشكيل دافع إلى إيجاد حل، فمن الجائز أيضاً أن يعمل بعض هذه العوامل نفسها، ولا سيما الضغوط المؤيدة للعرب والمناهضة لإسرائيل، على كبح هذا الدافع، وعلى الحؤول دون انفكاك السوفيات عن هذا النزاع ووضع حد له. وهذه العوامل هي، على الأقل، من العوامل القاهرة التي لا بد من أخذها في الحسبان؟ 

تطبيق النظرية على النزاع العربي الإسرائيلي

على الرغم من هذه العوامل المقيّدة، فإن من أوائل الدلائل على تطبيق "التفكير الجديد" على النزاع العربي – الإسرائيلي ما ظهر من تغيّر في موقف موسكو تجاه إسرائيل. إن أي مسعى حقيقي من أجل الحل يستلزم مشاركة إسرائيل، ومع نهاية لعبة التنافس بشأن من يكون الغالب ومن يكون المغلوب، ومع تجريد السياسة الخارجية من الأيديولوجية، فقد انعدم المسوِّغ لاعتماد موقف معاد لإسرائيل. فمن ذلك أن غورباتشوف قد أعلن (في إبان زيارة الرئيس السوري الأسد وفي حضوره) اتجاه موسكو إلى سياسة تطبيع العلاقات مع إسرائيل.[16]  ومعلوم أن هذا الإعلان قد جاء عقب الشروع في خطوات سابقة للتعامل مباشرة مع إسرائيل بدلاً من التعامل معها بطريقة غير رسمية، أو من خلال الولايات المتحدة. فقد فتحت قنوات رسمية ومباشرة للتواصل، وتطورت العلاقات في مجالات شتى، منها: تبادل البعثات القنصلية على أساس موقت؛ المبادلات الثقافية والأكاديمية والرياضية؛ المحادثات التجارية والسياحة؛ وحتى زيارة الاتحاد السوفياتي من قبل وزراء في الحكومة الإسرائيلية.[17]

وقد كان التعاون الإسرائيلي في القبض على مختطفي الطائرة السوفيات وإعادتهم، وما عقبه من مساعدة إسرائيلية لضحايا الزلزال في أرمينيا، من العوامل التي عجلت في خطى عملية التطبيع. والحق أن التطبيع قد بلغ مستوى لا يبعد عن استئناف العلاقات الدبلوماسية استئنافاً كاملاً في سنة 1989، عندما تحادث شيفارنادزه مع وزير الخارجية آرنس (في القاهرة) خلال زيارته الأولى للمنطقة.[18]   ثم بلغ التطبيع ذروة رمزية في أيلول/سبتمبر 1989، عندما تخلى السوفيات أخيراً عن دعمهم المعتاد للدعوة التي يطلقها العرب سنوياً إلى طرد إسرائيل من الأمم المتحدة،[19]   وعقب ذلك بعام الموافقة على إقامة علاقات قنصلية دائمة.

ولئن قصر ذلك عن استئناف العلاقات الدبلوماسية استئنافاً كاملاً،  من جراء الضغوط العربية والداخلية المشار إليها آنفاً، فلقد تقلّصت الشروط السوفياتية لهذا الاستئناف تقلصاً واضحاً.[20]   ولقد كانت هذه الشروط قد تذبذبت كثيراً في الماضي، وبلغت أعلى ذروة لها أيام أدركت الزعامة التي سبقت غورباتشوف ضآلة حظوظها في المشاركة في مفاوضات الشرق الأوسط. وقد برزت في حقبة غورباتشوف عودة إلى انخفاض المطالب السوفياتي إلى حدها الأدنى المقتصر على تقدم عملية السلام، مع انحرافات وجيزة عن الخط كأن تكون الموافقة الإسرائيلية حتى على محادثات سلام تمهيدية (مع الفلسطينيين في القاهرة، مثلاً، كما اقترح الأميركيون) كافية.

ومن أجل إقناع القدس بأن موسكو قد غيرت موقفها، فقد استعيض عن الدعاية المناوئة لإسرائيل بتقارير أكثر موضوعية، أو ربما بتقارير مؤاتية لإسرائيل في وسائل إعلام الحكومة الحكومة والحزب. لكن وجود الغلاسنوست يعني أن التقارير المناوئة  لا تزال تصادف، ولا سيما في الصحف والمجلات القومية الروسية.[21]   إلا إن الصهيونية نفسها قد حظيت بإشارة إيجابية للمرة الأولى منذ تكوّن البلشفية. فقد تكلم عدد من الخبراء السوفيات بشؤون الشرق الأوسط، ومنهم أحد موظفي وزارة الخارجية، عن تعدد ملامح الصهيونية التي تحتوي، فيما زعموا، على تيار شعبي ديمقراطي.[22]    ومن أجل إقناع إسرائيل – وبسبب من الضغوط الأميركية ودينامية البيريسترويكا أيضاً، وكلاهما قد أدى إلى التحرر الكامل عملياً في ميدان حقوق الإنسان – قام غورباتشوف بتحسين وتحرير حياة اليهود داخل الاتحاد السوفياتي، بينما سمح – بالتدريج – بهجرة اليهود الحرة إلى الخارج. وقد غادر 100,000 يهودي سوفياتي، على حد قول "البرافدا"، في سنة 1989، كما قد وصل في النصف الأول من سنة 1990 ما يزيد على 60,000 منهم إلى إسرائيل.[23] 

وقد باتت هجرة اليهود السوفيات المكثفة إلى إسرائيل، محط انتقادات العرب لسياسة الاتحاد السوفياتي الجديدة في الشرق الأوسط. وإذ كان العرب يقلقون، ولا شك، من المساهمة التي قد تقدمها هجرة اليهود السوفيات في تصمي إسرائيل وقدرتها على البقاء في المناطق المحتلة والحؤول دون إقامة دولة فلسطينية فيها، فقد بدا العرب أنهم يصبّون جام غضبهم من جرّاء قضايا عديدة عندما راحوا يؤاخذون موسكو على الهجرة.[24]   فمن ذلك أن مخاوف السوريين، مثلاً، قد تعدّت هذه القضية، لأن إعراض السوفيات عن النزاع كان يعني فتور استعدادهم لتقديم أي دعم عسكري أو سياسي من أجل أن تمضي دمشق في النزاع إلى أجل غير معلوم. ومع أن السوفيات لم يزالوا يتمنعون من دعم هجوم سوري على إسرائيل، أو من التدخل العسكري المباشر في المعارك، فقد كانت السياسة الجديدة تعني المزيد من تقليص الدعم حتى في حال انعدام المعارك. فقد خُفِّضت كميات الأسلحة المشحونة إلى سوريا بنسبة تصل إلى الخمسين في المائة في الأعوام الخمسة المنصرمة. كما أن بعض أنواع الأسلحة قد أُوقف شحنه (ولا سيما صواريخ س س – 23). كما أن مراجعة سوفياتية لديون سوريا (نحو 16,5 مليار دولار) قد أثارت المخاوف السورية من معنى "الكفاية الدفاعية المعقولة" التي وعدتها موسكو بها.[25]

ومع أن العلاقات السوفياتية – السورية قد تأثرت كثيراً من جراء التغير في السياسة السوفياتية حيال النزاع، فإن هذه العلاقات لم تطَّرح. فالخلافات الجدِّية لم تزل، منذ وقت طويل، قائمة بين البلدين بسبب تمنُّع موسكو، حتى في الماضي، من تمكين دمشق من  تحقيق "التكافؤ الاستراتيجي" مع إسرائيل، وفي شأن دخول سوريا إلى لبنان، وفي شأن الانشقاق في منطقة التحرير الفلسطينية، وفي شأن فكرة التسوية السياسية مع إسرائيل، وأمور شتى أخرى. والمشكلات الحالية تضرب على وتر حساس أكثر، وربما كان ذلك بسبب من عمق الخلافات وطول أمدها (أو ما قد يدعوه السوفيات طبيعتها الاستراتيجية غير التكتية) التي باتت تفرق بين البلدين من جراء "التفكير الجديد". إلا إن إعراض السوفيات عن النزاع لا يعني إعراضهم عن سوريا. ذلك بأن موسكو وإنْ كانت تسعى بوضوح إرساء العلاقات على أسس جديدة، فالظاهر أنها غير مستعدة للتخلي عن دورها ومكانتها كقوة عظمى، شرط أن يكون من الممكن تحقيق ذلك بأقل تكلفة اقتصادية وسياسية ممكنة.

ولقد كان من شأن التغير في تفكير السوفيات في النزاعات الإقليمية إجمالاً، وفي النزاع العربي – الإسرائيلي تخصيصاً، أن يؤثر تأثيراً واضحاً في علاقات الاتحاد السوفياتي بمنظمة التحرير أيضاً. ولم تكن هذه العلاقات، بدورها، خالية من الشوائب، بل ما زالت التباينات في الرأي تميزها على مر الأعوام. ذلك بأن موسكو لم تزل تحث الفلسطينيين أكثر من حثها سوريا في الماضي على الاعتدال في مواقفهم، بحيث يمكنهم أن يتحولوا إلى ممثلين مقبولين على المسرح الدولي، ولم تجد إلا بالتدريج مرتكزات مشتركة لدعم معظم أهداف منظمة التحرير. وكما لم تزل الحال إجمالاً في علاقات السوفيات بحركات التحرر الوطني، فإن اهتمام موسكو بالمنظمة لم يزل تكتياً في طبيعته. والحق أن دعم السوفيات لمنظمة التحرير قد تزايد مع تزايد التنافس السوفياتي – الأميركي؛ إذ استغلّت موسكو القضية الفلسطينية استغلالها لما كانت تعتبره موطن الضعف الأساسي في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.[26]  وقد فرض هذا الموقف التكتي أو الوسيلي حدوداً معلومة على الدعم السوفياتي للمنظمة وعلى التورط معها، وإنْ فرض أيضاً على موسكو أن توليها اهتماماً يفوق ما قد توليه لأية حركة تحرير أخرى.

لذلك، كان من شأن منظمة التحرير أن تتوقع تغيراً ملموساً في الموقف السوفياتي على مستويين، في ظل "التفكير الجديد". فعلى المستوى الأعم، أدى إنهاء لعبة الغالب والمغلوب وتجريد السياسة الخارجية من الأيديولوجية إلى تقليص الدعم لحركات التحرر الوطني، وضمنه الدعم الممناوح لمتابعة النضال المسلح والإرهاب. ولمّا كان الدعم السوفياتي لمنظمة التحرير يرتبط مباشرة، في هذه الحال المخصوصة، بالمنافسة بين الجبارين وإنْ داخل إطار الاهتمام السوفياتي بالنزاع الإقليمي، وكان هذا الاهتمام نفسه يرتبط بالمنافسة إياها، فما عاد من أمل يرجى في استمرار الدعم. ولذلك صح أن يقال، على الصعيد النظري على الأقل، أن الإعراض عن النزاع العربي – الإسرائيلي سيعني الإعراض عن الفلسطينيين أيضاً. إلا إن اهتمام موسكو بحل النزاع قد ساقها إلى الاحتفاظ بالتزامها القضية الفلسطينية بدلاً من التخلي عنها. ولعل ذلك يعزى إلى قناعتها بأن أي حل دائم لن يكون، في الأرجح، ممكناً من دون حل هذه القضية.

غير أن طبيعة العلاقة قد تغيرت، فبدلاً من مقاربة مؤيدة ومتعاونة – وإنْ تخلّلتها الخلافات والمشكلات – يخضع السوفيات الآن منظمة التحرير لضغوط ومطالبات بتغيير سياساتها. وقد تجلى ذلك، من حيث المنهج، في انقلاب الموقف المتعاطف الذي لم يزل عليه دعاة الدائرة الدولية في الحزب، إلى موقف العمل الرسمي اليومي الذي بات يعتمده المسؤولون في وزارة الخارجية (وإنْ كان هذا الانقلاب ناتجاً من إعادة نظر موسكو في كل شؤون السياسة الخارجية، بصرف النظر عن هوية الدول أو الحلفاء المخصوصين). وقد تبين ذلك عملياً أو ما تبين في نصائح غورباتشوف العلنية لعرفات، وضغوطه البعيدة عن الأضواء على حواتمه وحبش للاعتراف بحاجة إسرائيل إلى الأمن، أي فكرة توازن المصالح بين حاجة الفلسطينيين إلى تقرير المصير وبين حاجة إسرائيل إلى الأمن.[27]    ولقد ضغط السوفيات من أجل اعتراف منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود (قرار الأمم  المتحدة رقم 242)، وكذلك من أجل الموافقة على ما يطالب الأميركيون به من الكف عن استعمال العنف من أجل التأهل للاشتراك في عملية السلام.

ومن دون أن يتخلى السوفيات عن تأييدهم لفكرة الدولة الفلسطينية، فإنهم ركزوا على هذا الهدف أقل مما ركزوا على الحاجة إلى مقترحات واقعية كفيلة بانخراط إسرائيل في المفاوضات. فقد عارضت موسكو خطة منظمة التحرير الهادفة إلى إعلام إقامة دولة، وامتنعت من الاعتراف بها لمدة تنوف على العام بعد إعلانها في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في سنة 1988.[28]   وكان السوفيات يفضلون إبقاء الخيارات المستقبلية مفتوحة، ميالين في ذلك إلى صيغة حق تقرير المصير الأكثر غموضاً بدلاً من تنفير الإسرائيليين بأمر واقع وتعقيد الحالة تعقيداً إضافياً.[29]  ولم يخب أمل منظمة التحرير من جراء هذا الموقف فحسب، بل أنها عانت أيضاً من جراء خطوات العرقلة التي قام الاتحاد السوفياتي بها عندما نسق مع الولايات المتحدة في شأن الحؤول دون قبول عضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة أو في منظمة الصحة العالمية في سنة 1989.[30]

ولم يقلّ موقف موسكو السلبي عن هذا إلا قليلاً في قضية هجرة اليهود السوفيات. وقد كان الفلسطينيون في مقدم المتضررين من هجرة اليهود السوفيات الكثيفة إلى إسرائيل، وبلّغوا السلطات السوفياتية مخاوفهم بوضوح. وعلى الرغم من أن الشكاوى الفلسطينية قد تبنّتها الدول العربية في معظمها، والسوفيات المعارضون للتقارب السوفياتي مع إسرائيل، فإن أقصى ما أبدت موسكو استعدادها لعمله كان الامتناع من الموافقة على تيسير الرحلات الجوية  المباشرة من موسكو إلى تل أبيب. كما أنها انضمت أيضاً إلى حملة الدول، وبينها الولايات المتحدة، التي طلبت من إسرائيل ضمانات بعدم توطنين المهاجرين في المناطق المحتلة. وقد هدد غورباتشوف فعلاً بتأخير الهجرة أو حتى تعليقها إنْ لم تمتثل إسرائيل لهذا الطلب.[31]   لكن من الجائز مع ذلك، ألاّ يكون ذلك التهديد أكثر من مجرد لفتة، نظراً إلى ما كان سيترتب عليه من تكلفة باهظة في مجال العلاقات الأميركية – السوفياتية، ولا سيما التجارة الخارجية.

وبصرف النظر عن عدم الاستعداد للتضحية باعلاقات السوفياتية – الأميركية من أجل الفلسطينيين، وهو أمر ليس بالجديد، فقد تأثر موقف غورباتشوف من منظمة التحرير تأثراً كبيراً جرّاء إنهاء المنافسة مع الولايات المتحدة في هذا النزاع. فمنذ سنة 1988، وعلى نحو أشد منذ سنة 1989، عمل الاتحاد السوفياتي إجمالاً على حث منظمة التحرير على الاستجابة أو تقديم بعض التنازلات الضرورية بالنسبة إلى شتى خطط السلام المقترحة، أياً يكن مصدرها.[32]  والحق أن هذا ربما كان من أهم علامات تخلي السوفيات عن منافسة الولايات المتحدة في هذا النزاع. وأن انعدام المعارضة السوفياتية، كما أن التشجيع السوفياتي للمحادثات بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير، وحث المنظمة على التعاون مع مقترحات، كخطة بيكر للمحادثات الإسرائيلية – الفلسطينية في القاهرة، تتعارض تعارضاً بيِّناً مع مخاوف السوفيات السابقة من نجاحات الأميركيين. فمن ذلك أنه لمّا دخل عرفات، سنة 1985، في اتفاق مع الملك حسين من أجل شق طريق نحو الأميركيين وخطة ريغان، ردت موسكو يومها بقطع العلاقات مع عرفات، وساهمت في المساعي الرامية إلى خلع الزعيم الفلسطيني (وإنْ لم تساهم في انشقاق المنظمة)، وعلّقت المساعدات التي كانت تبذلها لقوات فتح وتدريبها حتى أُلغي اتفاق عرفات – حسين. إلا إن هذه السياسة كانت قد تغيرت سنة 1988. فقد رحّب السوفيات بفتح الحوار الأميركي – الفلسطيني (ويذهب البعض إلى أنهم قد مهدوا له)، ولم يزالوا يجدون شيئاً إيجابياً في كل مكان الأميركيون يقدمونه من مقترحات عملياً (أو ما يقدمه المصريون أو حتى الإسرائيليون).[33]   ولما علّقت واشنطن الحوار رداً على العملية التي نفذها رجال أبي العباس، عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، في حزيران/يونيو 1990 على الشواطىء الإسرائيلية، عبّر السوفيات عن أسفهم. ثم أنهم ذهبوا إلى تسويع الخطوة الأميركية على نحو غير مباشر في رسالة بعثوا بها إلى عرفات ونصحوا فيها لمنظمة التحرير، على ما قيل، الإقلاع عن عمليات كالتي قام أبو العباس بها.[34]

كان التغير في السياسة السوفياتي إزاء منظمة التحرير ذا دلالة على التغير الشامل في موقف موسكو من التسوية المرغوب فيها للنزاع، والوسائل لتحقيق هذه التسوية. وليست طبيعة الاتفاق الذي يتصوره السوفيات، أي الانسحاب الإسرائيلي وحل المشكلة الفلسطينية داخل الأراضي التي تخليها إسرائيل، مع ضمانات لأمن جميع الأطراف المعنية، هي التي تغيرت تغيراً جوهرياً فيما يبدو. بل إن ما تغير هو الطريقة التي باتت تحول فيها موسكو إلى هذه الأمور. فبدلاً من المطالبة بهذه الأمور أو حتى تسميتها وتعدادها، كما درجت موسكو من قبل،[35]   فقد صار المسؤولون السوفيات يصرحون علناً، وفي المحادثات الخاصة مع جميع المعنيين، أنهم لا يمتلكون موقفاً أو صيغة ثابتة للتسوية، وأن كل ما يقبل فرقاء النزاع به مقبول لديهم.[36]   إن الانفتاح والمرونة هنا سمتا الموقف السوفياتي من طبيعة التسوية اليوم. وهذا يعني، كما رأينا، تقليلاً من الاهتمام بإقامة دولة فلسطينية والإشارة، بدلاً من ذلك، إلى فكرة "تقرير المصير" التي يكتنفها غموض أكبر، ومن دون أية إشارة محددة إلى الحدود، أو القدس، أو اللاجئين. بل إن التفاصيل الوحيدة التي قدمها السوفيات هي المقترحات من أجل الترتيبات الأمنية التي قدمها شيفارنادزه في القاهرة أوائل سنة 1989 (والتي سنناقشها لاحقاً). 

رد فرقاء النزاع

بصرف النظر عن الحملة التي يشنها الفلسطينيون في المقام الأول، ومعهم سوريا ومعظم الدول العربية، بالنسبة إلى مسألة الهجرة، فقد أعرب الطرف العربي في النزاع عن مخاوف جمة من التغيرات الواسعة التي طرأة على السياسة السوفياتية حيال النزاع. فمن ذلك أن دمشق، مثلاً، قد استولى عليها القلق من أن تؤدي الأولويات الداخلية للبيريسترويكا، ومعها تضاؤل القدرات الاقتصادية والنفوذ العسكري – السياسي السوفياتي في العالم، إلى فقدان الاتحاد السوفياتي، في المدى الطويل، كحام وحليف فعال. كما أن انهيار الامبراطورية السوفياتية، وانهيار الشيوعية نفسها في أوروبا الشرقية، يؤذنان بتضاؤل الدعم الخارجي لسوريا. والأكثر من ذلك، أن هذه التطورات لم يقتصر أثرها على جعل متابعة النزاع (أو من وجهة النظر السورية: الحفاظ على مكانتها في وجه إسرائيل) أعسر على دمشق، بل لقد صاحبها حثٌّ سوفياتي مباشر على الاعتدال والتخلي عن النزاع. ولم يزل الضغط، في موازاة هذه الخطوط، من نتائج مواقف موسكو الجديدة من إسرائيل (ومن منظمة التحرير) إنْ لم نقل أنه كان محور هذه المواقف، وهذا ما يعقِّد مواصلة النزاع من قبل سوريا. ولقد اعتبرت هذه الضغوط جزءاً من الخطوة السوفياتية للتعاون مع الولايات المتحدة على حساب المصالح العربية.[37]

[.......]

وبالنسبة إلى منظمة التحرير أيضاً، كان التغير في مواقف موسكو مؤذناً بواقع جديد يعود بالفوائد على إسرائيل. وقد بدت إسرائيل، في أعين الفلسطينيين وأعين السوريين أيضاً في أغلب الظن، المستفيدة من تحسن العلاقات السياسية والاقتصادية (بما تنطوي عليه الأخيرة من فرص مهمة لها) من دون أن تغيِّر أية من سياساتها على أي نحو كان؛ ومن سيل عارم من المهاجرين ذوي الكفاءات العالية؛ ومن الاعتراف بعدالة العديد من مطالبها (ولا سيما الأمن) في إطار التسوية؛ ومن تراخي الضغوط السوفياتية (المباشرة وغير المباشرة) للتفاوض في إطار مقبول لدى الفلسطينيين. يضاف إلى ذلك أن انخفاض الاهتمام السوفياتي ونهاية الحرب الباردة، ربما خففا من قلق الأميركيين على المنطقة، ومن شأن هذا أن يقلِّص اهتمام الجبارين بالضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات من أجل التسوية. وعلى الأقل، فقد برز القلق العربي من أن يقود السوفيات بحثهم عن علاقة جديدة بالولايات المتحدة إلى موقف جديد من إسرائيل ومن النزاع، ومتعارض مع مصالح العرب.[38]

وقد تركَّزت الاستجابة الإسرائيلية للتغيرات التي طرأت في موسكو على مجال العلاقات الثنائية، واتسمت بموقف ردات الفعل على الخدوات السوفياتية بدلاً من المبادرة إلى التغيرات على الصعيد السياسي. على أن إسرائيل كانت السباقة إلى إقامة الاتصالات على مستوى الشعبين، وإلى المبادرات الثقافية والتجارية. أما في الدائرة السياسية، فقد ركزت إسرائيل على استئناف العلاقات الدبلوماسية، وأصرت على أنه لمّا كانت موسكو  هي التي قطعت العلاقات فعليها أن تتخذ الإجراءات اللازمة من أجل استئنافها. وعلى هدي هذا الموقف، المبني على أن قطع العلاقات كانت خطوة سوفياتي غير مسوَّغة ومن جانب واحد، فقد احتفظت إسرائيل بموقف اللامبالاة المدروسة، على مدى الأعوام، حيال شتى الشروط التي كانت تضعها موسكو من أجل استئناف العلاقات (وهي شروط مرتبطة عادة بالمطالب السوفياتي – العربية بالنسبة إلى النزاع). أما النظر إلى هذه الشروط فكان يقع حصراً في مجال تقويم مدى العداوة السوفياتية لإسرائيل في هذه المناسبة أو تلك، أو – في أحسن الأحوال – تقويم مدى الاهتمام السوفياتي باستئناف العلاقات. وكان تقليص المطالب السوفياتية يفسَّر عادة بأنه جزء من سياسة العصا والجزرة التي يقصد بها تخفيف المعارضة الإسرائيلية لمشاركة السوفيات في عملية السلام.

يضاف إلى ذلك أن إسرائيل مالت، عن قصد أو عن غير قصد، إلى المحافظة على التمييز الواضح بين العلاقات الثنائية السوفياتية – الإسرائيلية وبين القضايا المتعلقة بالصراع العربي – الإسرائيلي. وخلافاً لمساعي موسكو من أجل الربط بين الأمرين، فقد أصرت إسرائيل على التنكر لشرعية هذا الربط، معتبرة أن إقامى العلاقات الدبلوماسية (أو استئنافها) هي الوضع الطبيعي المرغوب فيه بين دولتين ذواتي سيادة. فمن ذلك أن إسرائيل كانت مستعدة للذهاب إلى مؤتمر دولي يضم الاتحاد السوفياتي في سنة 1973، على الرغم من انقطاع العلاقات الدبلوماسية، ولم تبد أية معارضة للدور الذي قامت موسكو به، وإن كان رمزياً في توقيع اتفاقيات فك الاشتباك مع مصر وسوريا سنة 1974، وفي الإطار الظاهري لمؤتمر جنيف. لكن إسرائيل حرضت، في الوقت نفسه، على تجنّب أي ربط بين الصراع وبين القضية الثنائية الأعظم أهمية في نظر إسرائيل، وهي قضية هجرة اليهود السوفيات. وهنا، أيضاً، كان لا بد من أن تظل القضايا الثنائية منفصلة، إذ سعت إسرائيل – فيما يبدو – لتجنب أي نوع من الابتزاز الذي قد يسعى السوفيات لفرضه عن طريق الربط بين مطالبة إسرائيل بتقديم التنازلات في الإطار العربي – الإسرائيلي وبين اهتمام إسرائيل العميق باليهود السوفيات.[39]

وقد بدا التغير واضحاً في موقف إسرائيل بعد أن بدأ غورباتشوف أولى محاولاته لمراجعة السياسة السوفياتية تجاه إسرائيل في سنة 1985. فقد عكس شمعون بيرس، الذي كان رئيساً للحكومة آنئذ، الربط السوفياتي المعتاد بأن طالب موسكو باستئناف العلاقات الدبلوماسية إذا كانت تريد أن تقوم بدور عملية السلام في الشرق الأوسط. وقد ذهب إلى حد القبول بدور سوفياتي في لقاء دولي ، ثم قبل أخيراً، في آب/أغسطس 1986، بفكرة مشاركة السوفيات في مؤتمر دولي شرط أن تستأنف موسكو العلاقات. وقد تقدم بيرس وشمير الذي كان وزيراً للخارجية يومئذ بربط، فيه من المخاطر ما فيه، بين المطالبة بهجرة اليهود السوفيات وبين الموافقة الإسرائيلية على قيام السوفيات بدور في عملية السلام. ولم يكن هذا من باب فرض الشروط من أجل عرقلة إمكان تحسين العلاقات بإسرائيل. بل كان، من قبل بيرس على الأقل، مسعى للاستفادة مما كان يعتبر اهتماماً سوفياتياً بإقامة علاقات جديدة مباشرة مع إسرائيل – وهي السياسة السوفياتية. لذلك، كان الربط بين الأمرين يستند إلى حسبان صحيح مفاده أن السوفيات باتوا على استعداد للاستجابة الإيجابية لهذا المطلب الإسرائيلي.

غير أن اهتمام بيرس لم يكن ينصب على تحسين العلاقات بالاتحاد السوفياتي في حد ذاتها، ولا في منح السوفيات دوراً في عملية السلام. بل كانت مقاربته وسيلية؛ كان مهتماً بمؤتمر دولي لا سبيل إليه بغير تحسين العلاقات بالاتحاد السوفياتي. أما سبب الاهتمام بالمؤتمر الدولي فكان الأردت لا غير. ذلك بأن حزب العمل لم يزل يدعو إلى ما يسمى الخيار الأردني. والحق أن القادة اليهود لم يزالوا، منذ أيام ما قبل الدولة، يتعاملون، أو على الأقل يتكلمون مع الهاشميين بينما كان القادة العرب الآخرون، ولا سيما الفلسطينيون منهم، يرفضون أي اتصال. وقد احتفظ بيرس بهذا الميل التقليدي عند العمل للتعامل مع الأردن. وقد كان الأردن، في جو الوقائع الشرق الأوسطية الجديدة سنة 1986، مستعداً للتفاوض مع إسرائيل، لكن في ظل مظلة المؤتمر الدولي الواقية. وكان ذلك يعني بالنسبة إلى بيرس، يومها، ضرورة الموافقة على المؤتمر الدولي، وفيه المشاركة السوفياتي باعتبارها تنازلاً للأردن، لكن مع الحرص على أن يدفع السوفيات الثمن.

وهكذا، لم يكن استعداد بيرس لإشراك السوفيات في مؤتمر دولي صادراً عن شيء يشبه التعاطف "اليساري" مع الاتحاد السوفياتي. إذ إن التصنيف النمطي إلى يسار موالٍ للسوفيات، ويمين مناوىء لهم، لا يصح في إسرائيل. فالواقع أن حزب العمل الإسرائيلي لم يزل مناوئاً للسوفيات، سواء في حقبة ما قبل الدول أو في أعوامها الأولى. ويعزى ذلك في جزء منه إلى معارضة الأحزاب الموالية للسوفيات على يسار العمل، وفي جزء آخر إلى تخوف حقيقي من تدخل عسكري سوفياتي.  فقد كان حزب العمل هو الداعي إلى وقف القتال في حربي 1967 و1973، لما كان يستشعره من خطر التدخل العسكري السوفياتي. كما أن العمل هو الذي لم يزل يحذر من مخاطر ازدياد التوتر في المنطقة، مشدِّداً على ضرورة التحرك نحو السلام من جراء التهديد المترتب على الوجود السوفياتي في المنطقة.

أما الليكود فكان له حيال موسكو موقف أكثر تعقيداً. فقد اعتمد رئيس الوزراء الأسبق، مناحم بيغن، فعلاً موقف الرجل اليميني المقاتل في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي. وقد كان موقفه ذاك يصدر، في معظم الأحيان، عن رغبته في إرضاء الولايات المتحدة، كما كان ربما يصدر عن نزوعه الشخصي إلى إدانة الاتحاد السوفياتي. ومع ذلك فقد كان حزبه، حيروت، أقل تخوفاً في ظل حكومته من تدخل السوفيات في المنطقة مما كان حزب العمل. فمن ذلك أن حيروت قد قدَّم، رداً على التخوف من التدخل السوفياتي سنة 1973، رؤية أحسن ظناً بنيات السوفيات وأعمالهم في المنطقة. وربما كان سبب هذه الرؤية الرغبة في معاقبة حزب العمل على سياسته المتهاودة جداً مع العرب، لذلك راح حيروت يقلل من شأن التهديد السوفياتي من أجل تهدئة المخاوف التي قد تثيرها سياساته الأكثر عدوانية تجاه العرب.

وأما شمير فلا يقع، بالضرورة، في هذه الفئة من ساسة حزب حيروت، فخلافاً لبيغن، قلَّما اعتمد شمير موقف العداء للسوفيات أو المقاتل ضدهم في الحرب الباردة. وربما جاز أن يعزى موقفه الأكثر تساهلاً إزاء الاتحاد السوفياتي إلى دوره السابق كزعيم للحركة السرية اليهودية الجذرية في حقبة ما قبل الدولة، وهي حركة ليحي المعروفة بعصابة شتيرن التي كانت لفترة ما موالية موالاة صريحة للسوفيات. ولمّا كانت عصابة شتيرن قد تولدت من العداء للبريطانيين فقد رأت في الاتحاد السوفياتي حليفاً، حتى أنها ذهبت إلى حد المطالبة بجمهورية شعبية على ضفتي الأردن.[40]   ولذلك كان شمير، خلافاً لبيغن (قائد منظمة الإرغون التي انشقت عصابة شتيرن عنها) أو لزملاء حاليين من أمثال موشيه آرنس، لا يشارك في موقف الحرب الباردة التقليدي من موسكو. بل إن شمير قد سعى، منذ أوائل أيامه كوزير للخارجية، لتحسين العلاقات بالاتحاد السوفياتي. ثم أنه قد أوضح موقفه قائلاً إن معارضته للمؤتمر الدولي لم تكن ترتكز على معارضة دخول السوفيات عملية السلام، بل على رفض فكرة المؤتمر الدولي بحد ذاتها – مع الاتحاد السوفياتي أو من دونه.[41]   وفعلاً، ففي تشرين الأول/أكتوبر 1987، ثم في أوائل سنة 1989، عبّر شمير عن موافقته على فكرة لقاء برعاية الدولتين العظميين.[42] 

ومع أن فكرة المؤتمر الدولي أصبحت فعلاً قضية سجال سياسي محلي بين العمل والليكود، فإن العلاقات بالاتحاد السوفياتي لم تكن قط محل سجال خاص أو خلاف. كان ثمة فوارق في المقاربة، كما أشرنا، بين بيرس وشمير، أو حتى بين شمير وبعض قادة حيروت كموشيه آرنس. فقد بدا آرنس أقل اهتماماً بتحسين العلاقات، ومستعداً بالتالي للمطالبة بثمن باهظ جداً. فمن ذلك، أنه قبيل الشروع في أول محادثات رسمية سوفياتية – إسرائيلية منذ سنة 1967، وهي محادثات هلسنكي القنصلية في آب/أغسطس 1986، حث آرنس الحكومة على المطالبة بموافقة السوفيات على حرية هجرة اليهود السوفيات كشرط مسبق لعقد اللقاء أصلاً. وبعد أن صار وزيراً للخارجية، وفي إثر التقائه في باريس شيفارنادزه في كانون الثاني/يناير  1989، لطّف آرنس موقفه كثيراً. إذ إنه عقب الاجتماع قال للصحافيين (الذين ذكروه بموقفه السابق من مشاركة السوفيات في عملية السلام) إنه يعتقد أن السوفيات باتوا الآن ينشدون السلام والاستقرار في المنطقة، وأن في وسعهم تقديم مساهمات إيجابية.[43]  

كان ثمة بعض التباينات الطفيفة في الآراء داخل وزارة الخارجية الإسرائيلية، وذلك في شأن مدى ما ذهب السوفيات إليه، أو مدى ما هم مستعدون لأن يذهبوا إليه في تحسين العلاقات. فقد ذهب البعض إلى أن كل ما كان دون استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة لا يمكن أن يسمى تقارباً، ويجب اطّراحه. ولعل لسبب كهذا رفضت إسرائيل اقتراحاً سوفياتياً في سنة 1988 من أجل افتتاح قسم للمصالح المتبادلة، ولكن لم يكن ههنا في الواقع خلاف حقيقي في شأن المسار العام الذي اتخذته العلاقات.

وعلى الرغم من أن شمير ظل مهتماً بتحسين العلاقات الثنائية، فإنه لم يكن متماسكاً تماماً في تقويمه السياسة السوفياتية، أو التغيرات التي طرأت. فمنذ إعلان شمير خطته للسلام، لم ينفك عن إبداء شكوك متزايدة بالنسبة إلى أي تغير في موقف موسكو الأساسي من إسرائيل.[44]    فقد بلّغ أحد الصحافيين في أيلول/سبتمبر 1989، أن "الغلاسنوست قد أعرضت عن الشرق الأوسط وما زال عليها أن تصل إلى إسرائيل."[45]   ثم أنه استهان بمختلف الخطوات التي اتخذت على سبيل التطبيع في السنوات الثلاث المنصرمة، واصفاً وجود البعثات القنصلية وغير ذلك من الإجراءات بأنها "عرضية". ولم يأت إلى ذكر الهجرة أو سواها من مكونات السياسة السوفياتية الجديدة، بل أشار إلى ما وصفه بدعم موسكو المستمر للمنظمات الإرهابية وعلاقتها الخاصة بمنظمة التحرير الفلسطينية. وقد ذهب شمير إلى أن هذه أمور تمليها بقايا النظرية اللينينية واهتمام السوفيات المستمر بإرضاء الدول العربية. وفي رد على سؤال قال رئيس الوزراء الإسرائيلي أن هذه السياسة، التي ينتهجها السوفيات، تعرقل مسار التعاون السوفياتي – الأميركي في الشرق الأوسط.

إن تعليقات شمير تعبّر، إلى حد ما، عن الإحباط الإسرائيلي من جرّاء الاستمرار في عدم استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة الموعودة والتي طال انتظارها. وهي تعبّر عن شيء أوسع مدى، ربما كان يدل على أن الحكومة الإسرائيلية كانت، ولعلها ما زالت، منشغلة بعملية تقويم آثار السياسة السوفياتية في ظل غورباتشوف، وتقويم تضميناتها بالنسبة إلى الصراع العربي – الإسرائيلي. فقد بدا أن شمير يعلم المخاوف التالية: أولاً، إن ما يبدو من تلطيف السياسات السوفياتية في العالم الثالث، ولا سيما الانسحاب من التورط مع العرب، قد يخلق انطباعاً بتراخي قوة العرب (ولا سيما سوريا) العسكرية، وتالياً الانطباع بتضاؤل الخطر على إسرائيل من جيرانها العرب؛ وأن انطباعاً كهذا قد يقود الإسرائيليين إلى الرضا والاعتداد بالنفس، وانخفاض الالتزام الأميركي (الشعبي والرسمي) بإسرائيل من جرّاء تضاؤل الخطر على إسرائيل، وتالياً إلى تخفيضات في المساعدة العسكرية الأميركية لمواجهة هذا الخطر.[46]

ثانياً، ربما كان من شأن الاعتقاد أن الموقف السوفياتي من النزاع العربي – الإسرائيلي قد طرأ عليه التغير، وأن موسكو باتت تسعى لحمل العرب على الاعتدال بدلاً من إذكاء عداوتهم لإسرائيل، أن يؤدي إلى اتهامات (داخلية وخارجية) تضع الملامة على إسرائيل في عدم التقدم في عملية السلام. ثالثاً، إن الاتحاد السوفياتي إذا ما اعتبر ساعياً لسياسة بناءة محسَّنة حتى بالنسبة إلى إسرائيل، بعد نجاح الإصلاح فيه، ربما بدا في عيني واشنطن أنه لا يمثل أي خطر على إسرائيل ولا ينافس الولايات المتحدة في الحرب الباردة، وهذا قد يمهد الطريق إلى ضغوط سوفياتية – أميركية منسقة على إسرائيل من أجل القبول بحل مفروض لقضية الشرق الأوسط، أو على الأقل للموافقة على إجراءات أو تدابير تعدّها حكومة شمير مضرة بالمصالح الإسرائيلية.

وهكذا يبدو أن ثمة تناقضات وتساؤلات جدية في الطريقة التي نظر بها فرقاء النزاع إلى ما يترتب على سياسات موسكو الجديدة. فلا إسرائيل في معظم الأمر، ولا الفرقاء العرب في النزاع بدوا أنهم يصدقون أن التغيرات ستكون في مصلحتهم أو في مصلحة تسوية النزاع. فالتغير في الموقف السوفياتي يبدو أنه قد جعل إسرائيل أكثر استعداداً للموافقة على مشاركة السوفيات في عملية السلام (شرط أن يصاحب ذلك استئناف العلاقات الدبلوماسية، وهذا ما بات يبدو ممكناً إذا ما قبلت إسرائيل بصيغة ما للمفاوضات). إلا أن ذلك لم يعدل شيئاً من مواقف إسرائيل الأساسية. فبينما كانت إسرائيل مرتابة بالنسبة إلى قدرة السوفيات المستقبلية على التاثير الجدي في العرب من جراء ما ستبذله من مجهود للاعتدال. وهكذا يبدو أن إسرائيل، أو قيادة الليكود على الأقل لم تر أن قابلية إسرائيل للعطب قد خفّت من جراء التغير في التورط السوفياتي (ولعل ذلك يعزى إلى أن الليكود لم يكن يرى، خلافاً للعمل، أن لهذا التورط شأناً خطراً). ولذلك فإن القدس، وإن قبلت بدور ما للسوفيات، فلن تكون مستعدة لتقديم التنازلات أو لإرساء أمنها على وعود أو ضمانات سوفياتية بسبب من شكوكها في نيات السوفيات وقدراتهم في الوقت لأن ترسي أسس أمنها المستقبلي على ضمانات خارجية.

أما الفرقاء العرب في النزاع، فلم يعد في وسعهم أن يتكلوا على التأييد السوفياتي غير المشروط عملياً، أو التأييد الكامل على الأقل، لا قبل عملية التفاوض ولا في أثنائها. وربما كان خسران الدعم السوفياتي للمجهود الحربي، أو حتى الاستمرار في الحفاظ على قوة العرب العسكرية، عاملاً أهم من قيمة وجود الاتحاد السوفياتي على طاولة المفاوضات. غير أن الخسارة في المجالين قد نسفت، بلا شك، مسوِّغات الاعتماد على موسكو. فالمسألة قد باتت في كيف يمكن مقاربة التعاون السوفياتي – الأميركي المتنامي، والذي بات يُدرَك بوضوح متزايد أنه مضر بمصالح العرب. فقد جرّبت منظمة التحرير الانضمام إليه وذلك بالانفتاح على واشنطن (ولم يحملها عليه تغير السياسة السوفياتية بقدر ما حملها عليه اندلاع الانتفاضة، والتقويمات الداخلية)؛ وقد أخفق هذا المسعى. أما سوريا التي لم تزل منذ زمن طويل تتحاشى هذا الخيار، فقد قرّرت أخيراً أن تتوجه هذه الوجهة أيضاً، يحملها على ذلك – مثلما رأينا – عزلتها وازدياد قابليتها للعطب، فضلاً عن التغيرات في السياسة السوفياتية. 

التعاون السوفياتي الأميركي: العوامل الباعثة[47]

بينما ينظر فريقا النزاع كلاهما إلى التعاون السوفياتي – الأميركي باعتباره النتيجة المحتومة للتغير في النظام العالمي، فإنه يبقى أن نرى هل أن الجبارين مقتنعان بهذا الأمر. يمكن للمرء أن يفترض، نظرياً على الأقل، أن هذا التعاون مرتبط بالمصالح المتبادلة بين موسكو وواشنطن فيما يتعلق بالمنطقة. والحق أن القوتين العظميين تتشاركان في الاهتمام بتجنب الحرب العربية – الإسرائيلية، كجزء من اهتمام أساسي بتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة والحفاظ عليه. ومن جملة هذه  الاهتمامات، تحاشي تفاقم التوترات التي قد تخل بالتوازن الدقيق والتعاون الذي ولّده النظام الجديد، وعرقلة تطور العلاقات السوفياتية – الأميركية في المجالين السياسي والاقتصادي. وللجبارين في هذه المسألة، إذاً، اهتمام بضبط مواليهم وحملهم على الاعتدال.

والاهتمام بضبط الفرقاء ينطبق أيضاً على مجال إنتاج الأسلحة وتطويرها، وذلك مع تنافي المخاوف في البلدين من جراء انتشار القدرات النووية والكيماوية والبيولوجية. فتطوير الصواريخ في المنطقة يهدِّد الاتفاقات التي توصل الجباران إليها، كما أن التعديلات التي أُدخلت على المعدات التي قدمها كلاهما، أو ما باتت تستغل من أجله هذه المعدات (مثل تعديل العراقيين للصواريخ أرض – أرض السوفياتية، أو تطوير الإسرائيليين لصواريخ جيريكو أو مشروع الصاروخ أَرو المضاد للصواريخ) تثير التساؤلات بالنسبة إلى السوفيات، على الأقل، نظراً إلى قربهم من المنطقة. فالمخزون الضخم من الأسلحة غير التقليدية، والقدرات العسكرية العالية لدى دول المنطقة، قد تشكل تهديداً لأمن الاتحاد السوفياتي، ولا سيما في إطار جهود موسكو الداخلية للإبقاء على وحدة الاتحاد السوفياتي. يضاف إلى ذلك، أن وجود قوة إقليمية أقوى من المعتاد، بحيث تخل بتوازن القوى داخل المنطقة، قد يكون من شأنه لا تقييد عملية نزع السلاح على مستوى الجبارين فحسب، بل قد يكون من شأنه أيضاً أ، يحد من ميل الجبارين أو قدرة أحدهما على تفادي التدخل، بما في ذلك التدخل العسكري، في المنطقة. لذلك، كان من الجائز أن يكون للجبارين كليهما مصلحة في الحد من التسلح، ولا سيما في مجال الأسلحة غير التقليدية، تحاشياً لخرق اتفاقات نزع السلاح السوفياتية – الأميركية، وتفادياً لتشجيع الصراع وخطر التصعيد ومخاطر تحول ذلك إلى تهديد يتعدى المنطقة.

ولئن كان القرب يجعل الاستقرار في المنطقة عظيم الأهمية بالنسبة إلى الاتحاد السوفياتي، فإن استمرار تدفق النفط إلى الغرب هو الغرب الاستراتيجي الأميركي الأول من وراء الاستقرار. فوجود قوة إقليمية قوية جداً ربما شكل (وقد شكل فعلاً في أزمة الخليج) خطراً على إمدادات النفط من الشرق الأوسط إلى الغرب واليابان، وعلى أسعار النفط. فالأزمات في هذه المنطقة تهدد تدفق النفط وتهدد، تالياً، أمن الحلفاء أسعار النفط، فهو مهتم أيضاً بالاستقرار الأساسي في أسواق الطاقة، لأن الاتحاد السوفياتي قد بات يعتمد اعتماداً متزايداً على اقتصاد عالمي مزدهر ومتنام من أجل نجاح إصلاحاته الاقتصادية الخاصة.[48]

والظاهر أن القوتين العظميين كليهما تبديان اهتماماً باحتواء الأصولية الإسلامية التي تميل إلى الاغتذاء بالنزاعات القائمة وبالقلق السائد في المنطقة. وللحركات الأصولية القدرة على اختلاق الأزمات داخل المنطقة، مهددة بذلك لا استقرار الحلفاء وأمنهم فحسب بل أمن وسلامة الاتحاد السوفياتي أيضاً، ومناطق أخرى مثل آسيا الوسطى. ومع أن الولايات المتحدة مرشحة لأن تكون الهدف المباشر لعداوة الأصوليين الإسلامية والمشكلات الإثنية في الاتحاد السوفياتي يشكل مصدراً كبيراً للقلق لدى موسكو.

فالطبيعة المسيحانية*  العنيفة للأصولية الإسلامية تثير أيضاً مسألة الإرهاب الدولي، التي أعلنت القيادتان السوفياتية والأميركية اعتبارها في طليعة المشاغل الكبرى. فقد بات السوفيات أنفسهم، وبصورة متزايدة، من ضحايا الإرهاب المحلي إنْ لم يضحوا من ضحايا الإرهاب العالمي، بينما يبدي قادتهم رغبتهم في تحسين المناخ الدولي وصورتهم الخاصة في العالم إلى ما قد يكون اهتماماً أصيلاً بالقضاء على الإرهاب الدولي. وظاهرة الإرهاب تُنسب في نظر السوفيات على الأقل، إنْ لم تكن في نظر الأميركيين، إلى استمرار وجود الصراعات الإقليمية والمحلية، وفيها الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني تخصيصااً، وبذلك يمكن للاهتمام بالقضاء على الإرهاب أن يكون من جملة المصالح السوفياتية – الأميركية المشتركة بالنظر إلى النزاع نفسه.

إن من شأن الاعتبارات الاقتصادية، وكذلك السياسية على نحو أدق، أن تولّد مصالح متشابهة لدى الجبارين في الانفكاك من النزاع أو تخفيض تورطهما في هذه المنطقة على الأقل. فالعوامل الداخلية قد توفر لغورباتشوف، مثلما رأينا من قبل، سبباً إضافياً لأن يفضل وضع حد للنزاع العربي – الإسرائيلي، نظراً إلى تحوّل هذه القضية إلى مسألة داخلية لديه، فضلاً عن كونها دولية. أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فثمة مشكلة تراخي التأييد الشعبي لإسرائيل داخل البلد. أي أن انفراط عقد ما سَلَفَ من إجماع على الالتزام الأميركي بإسرائيل ربما حمل واشنطن على تخفيض تورطها. وقد انجرّ هذا الانفراط، في المحل الأول، عما صار يُعد على نحو متزايد تعنُّتاً لا مسوِّغ له من قبل الحكومة الإسرائيلية. وإن عجز إسرائيل عن الارتفاع إلى مستوى المعايير والتوقعات الأميركية، بالنسبة إلى الديمقراطية الغربية الطراز في التعامل مع الانتفاضة، لهو من أسباب خيبة الأمل تلك.

يضاف إلى ذلك أن انعدام المسوغات المتعلقة بالحرب الباردة من أجل استمرار التورط الأميركي، قد ساهم في تغير موقف الرأي العام وفي تآكل التأييد لإسرائيل والحق أن أهمية إسرائيل، من حيث هي حليف استراتيجي لأميركا، قد باتت موضع تساؤل نظراً إلى ما صار يبدو من "عدم جدواها" بالنسبة إلى الرد الأميركي على غزو العراق للكويت (الذي سنعالجه لاحقاً). إن الإحباك المتنامي في المدى البعيد، من جراء سلوك إسرائيل، وما انجرّ عنه من انقسام الجالية اليهودية الأميركية، ربما سهّلا تآكل التأييد إنْ لم يساهما فيه. وبالتزامن مع هذه العوامل، فقد تقود إعادة تقويم أولويات المساعدات الخارجية، على هدي التطورات الثورية في أوروبا الشرقية، الأميركيين ولا سيما أعضاء الكونغرس إلى إعادة النظر في التزام واشنطن بإسرائيل على أسس اقتصادية.

إن بعض المصالح المذكورة أعلاه، كالمصلحة السوفياتية – الأميركية المتبادلة بالنزاع العربي – الإسرائيلي نفسه. فلئن كانت الحرب الباردة قد انتهت فعلاً، وكانت المنازلة في لعبة الغالب والمغلوب، والمنافسة الأيديولوجية قد اطُّرِحتا، فإن استمرار النزاع لا يعود بأية منفعة على أي من الجبارين. وقد يجوز لقائل أن يقول إن استمرار النزاع لم يَعُدْ أصلاً على أي منهما بشيء من قبل، إلا إن وجود النزاع  كان مطية لدخول السوفيات المنطقة وتغلغلهم فيها. كان هدف السوفيات في الأصل الحد من الوجود الغربي في المنطقة أو القضاء عليه، ثم تطور فيما بعد إلى الحصول على مواقع عسكرية في مواجهة القوى الغربي. ولذلك يتقلص الاهتمام السوفياتي بالنزاع تقلصاً فريداً، إذا ما باتت هذه المواقع وما وراءها من مزاحمة غير مطلوبة ولا مرغوباً فيها. وبالمثل، ينعدم لدى الولايات المتحدة الباعث على التورط في النزاع من أجل صد التغلغل السوفياتي في المنطقة ومجابهة موالي السوفيات. ومع أن ذلك ربما لم يكن من أغراض التورط الأميركي والالتزام بإسرائيل، فإن انعدام هذا العامل قد يخفف الحوافز (والمسوِّغات) الأميركية على التورط أكثر. في أية حال، فالنزاع لم يزل مصدر إزعاج في العلاقات الأميركية – العربية؛ وقد صار اليوم مصدر إزعاج في العلاقات السوفياتية – العربية. ومع أن من الجائز لقائل أن يقول إن كلا الجبارين ستتناقض مصلحته في استمالة العرب، إلا إن لكليهما بعض المصالح على الأقل كالمصالح الاقتصادية التي قد تقودهما إلى تفضيل التخلُّص من مصادر الإزعاج هذه في علاقاتهما بالعرب. وقد يصح هذا في حالتي الأميركيين والسوفيات كليهما بسبب الضغوط الداخلية المشار إليها آنفاً، فضلاً عن مصالحهما التقليدية في الحفاظ على مكانة الدولة العظمى، وإنْ لم تكن هذه المكانة عارية من المزاحمة والأيديولوجيا. ومع ذلك، فربما جاز أن يقال إن أية من الدولتين العظميين ولا سيما الاتحاد السوفياتي، لم تعد لديها المصالح السابقة، ولا ما يقاربها لإرضاء العرب، بعد نهاية الحرب الباردة.

وربما كان من شأن هذا أن يسهِّل، بدوره، تحقيق تسوية للنزاع، لأن انعدام المزاحمة المعهودة في الحرب الباردة قد يقضي تماماً، أو يخفض تخفيضاً بالغاً دالَّة الموالين (أو قوى الرفض بين الموالين) على القوتين العظميين. فلن يعود في وسع الموالين أن يقاوموا الضغوط التي قد تمارس عليهم من أجل الاعتدال بالتقرب إلى إحدى القوتين نكاية بالأخرى؛ كما لن يكون في وسعهم المضي في تعنُّتهم بثقة واطمئنان إلى أن وسائل مواصلة النزاع سيستمر ورودها (كالأسلحة والقروض والتدريب، أو غير ذلك من ضروب العون الضروري لخوض المعارك، أو لرعاية الإرهاب). يضاف غلى ذلك، إن تضافر الضغوط على طرفي النزاع أو على أحدهما، سيكون أوفر حظاً في النجاح من ضغوط إحدى القوتين على حليفها. زد على ذلك، أن إضفاء الصبغة الشرعية على الاتصالات المباشرة بين كل من القوتين العظميين وبين موالي الأخرى،  يفتح الطريق لإمكان تقديم حوافز إضافية إلى فرقاء النزاع.

لم تزل الولايات المتحدة أقل اعتماداً من الاتحاد السوفياتي على النزاع، بل إنها لم تزل تجد في هذا النزاع معوِّقاً لسياستها. لذلك جاز لقائل أن يقول إن الاهتمام الأميركي بتسوية النزاع، بالطرق السياسية، ليس مستجداً. ومن دون التطريق إلى مسألة اهتمام السوفيات في الماضي بحل النزاع وبتفضيل الطرق السياسية على الطرق العسكرية، فإن هذا الاهتمام قد بات اليوم اهتماماً سوفياتياً – أميركياً من جراء التغيرات التي طرأت على سياسة الاتحاد السوفياتي. فمما يتزايد وضوحه يوماً بعد يوم أن "التفكير الجديد" في السياسة الخارجية السوفياتية يملي موقفاً جديداً من النزاع، وأن هذا الموقف من شأنه أن يسهّل التعاون بين الجبارين. وهو أيضاً موقف يسعى لتعاون كهذا، لا من أجل الحؤول دون بسط السلام الأميركي كما في الماضي، بل على نحو غير تنافسي ومن دون التفريط بكل المصالح السوفياتية في المنطقة، أو بمكانة الاتحاد السوفياتي كدولة عظمى.

ولربما شاطرت الولايات المتحدة الاهتمام السوفياتي بهذا الدور، وإنْ بصورة عامة على الأقل. فثمة اهتمام مشترك لدى الاثنين بتوكيد مكانتيهما في النظام الجديد الذي أوجده مناخ ما بعد الحرب الباردة. وهما يشتركات أيضاً في الاهتمام بإثبات أن في قدرة هذا النظام الجديد أن يعمل على نحو أفضل من عمل النظام الدولي القديم. فقد يشتركان، تخصيصاً، في الاهتمام بإثبات أن التعاون في معالجة النزاعات وحلها لهو أقدر على خلق مناخ دولي أكثر استقراراً، وأن في وسع هذا التعاون أن يفعل ذلك بتدخل اقل من قبل الجبارين. لذلك، كان من الممكن أن يُعدَّ التعاون السوفياتي – الأميركي على تخفيف حدة النزاعات في أماكن أخرى – كجنوب أفريقيا وجنوب شرق آسيا  وأميركا الوسطى وأفغانستان – نموذجاً يمكن محاكاته في المنطقة، سواء لجهة النزاع العربي – الإسرائيلي. والواقع أن التعاون السوفياتي – الأميركي في أزمة الخليج قد صار يعدُّ، في تطوره، مثالاً يحتذى في حل النزاع العربي – الإسرائيلي، كما سنرى من بعد.

بيد أن ثمة تبايناً في الاهتمام بالتعاون. فالاتحاد السوفياتي يملك، من الناحية التقنية، الوسائل العسكرية للتأثير أو حتى للتدخل في الصراعات الإقليمية. ومع ذلك، فإن ميل موسكو إلى التدخل قد تراخى كثيراً من جرّاء سياساتها الجديدة وانهماكها في الشؤون الداخلية، وآثار ما بعد الحرب الأفغانية في الرأي العام السوفياتي. كما أن مصادقية قدرة موسكو على بسط قوتها وتأييدها السياسي قد تآكلت كثيراً. لذلك، ربما وجد الاتحاد السوفياتي نفسه مدفوعاً للبرهنة على استمرار مكانته كقوة عظمى قدر ما يستطيع في إطار جهود التعاون (مع الولايات المتحدة وحدها، أو من خلال الهيئات الدولية). فقد يستطيع بهذه الطريقة أن يحافظ على مساواته الظاهرية للولايات المتحدة، وإنْ لم يكن له نظير ما لها من قوة اقتصادية أو سياسية أو إرادة لبسط القوة العسكرية. لذلك، ونظراً إلى ضعف موقعه، وإلى استمرار حرصه على الظهور بمظهر القوة العظمى وإلى دوره الأكبر في توكيد فعالية النظام العالمي الجديد الذي كانت له اليد الطولى في خلقه، فإن للاتحاد السوفياتي اهتماماً أشد بجهود التعاون. يضاف إلى ذلك، أنه ليس من الواضح أن الولايات المتحدة ملتزمة التزاماً تاماً بمسعى التعاون في كل حالة، ولا سيما فيما يتعلق بالنزاع العربي – الإسرائيلي.

العوائق في وجه التعاون

العائق الأول في وجه التعاون بين الجبارين على حل النزاع العربي – الإسرائيلي ربما كان ممانعة الولايات المتحدة في إيلاء الاتحاد السوفياتي أي دور. فحتى اندلاع أزمة الخليج على الأقل كان موقف واشنطن لا يزال يزعم أن مشاركة السوفيات غير ضرورية، بل ربما أدت إلى تعقيد عملية التفاوض بشأن الحل فوق تعقيدها. وربما كان هذا الموقف وليد الاعتقاد المتأصل لدى واشنطن أن السياسة السوفياتية في المنطقة لم تتغير تماماً بعد. ولربما كان لا يزال في وزارة الخارجية من يعتقد، أكثر من البيت الأبيض، أن موسكو ما انفكت تواصل لعبة الغالب والمغلوب في المنطقة، وتسعى لذلك من أجل تحقيق بعض المكاسب العسكرية – الاستراتيجية والسياسية أيضاً. ولذلك، كانت المشاركة السوفياتية في عملية السلام، على مذهب أصحاب هذا الرأي، مطلباً سوفياتياً تنشده موسكو، كما كانت تفعل في الماضين لا لشيء إلا للحيلولة دون بسط السلام الأميركي أو لصد النفوذ الأميركي في المنطقة.

ومن الجائز أيضاً أن تكون ممانعة الولايات المتحدة في إشراك السوفيات في الحل صادرة عن الرغبة في الحفاظ على امتياز أميركا السياسي، لكونها القوة الوحيدة القادرة على التوسط، أي على التعامل مع فريقي النزاع، وعلى الضغط (الآن أكثر من أي وقت مضى) من أجل تحقيق التسوية وبسط السلام. ولمّا كانت الولايات المتحدة تمانع في التسليم بما قد ينطوي عليه خطأً موقف التعاون من تناظر بينها وبين الاتحاد السوفياتي، فقد تستلهم إدراكها لعدم التناظر بين الموقع المتوقع لكل منهما في مرحلة "ما بعد الحل". فالولايات المتحدة هي الدولة التي من المتوقع أن يستعان بها للنهوض بأعباء التوظيفات المالية الكبرى، وللمساعدات من أجل تنفيذ الحل السلمي. هنا أيضاً ربما انطمس عدم التناظر بين قوى وقدرات الجبارين تحت الستار الظاهري للتعاون. ولعل وهم المساواة هذا هو الذي حدا الاتحاد السوفياتي على المطالبة بـ"تدويل" عملية السلام، من أجل الحفاظ على مكانة وقوة لم يعد ثمة ما يسوِّغهما في الواقع.

لذلك، لم يكن الاتحاد السوفياتي هو من عارض التعاون بل الولايات المتحدة،أو أن هذا كا كان حتى وقت قريب على الأقل. فقد تقدمت موسكو بشروط دنيا عملياً، وأظهرت ما هو أقرب إلى أن يعدَّ اهتماماً بالمظاهر منه بالقوة الفعلية. وذلك ما ترتب على محادثات غورباتشوف – بوش في واشنطن؛ إذ ذكر غورباتشوف المشاورات التي جرت مع الاتحاد السوفياتي في شأن مقترحات شولتس، معتبراً إياها مثالاً لنمط المشاركة التي ترضي الاتحاد السوفياتي. والأكثر من هذا، أن موسكو كانت قد وافقت على دور مراقب في المحادثات الإسرائيلية – الفلسطينية المقترحة، وهو دور كانت ستتولاه الولايات المتحدة إسمياً، بالنظر إلى الدور الفعّال الذي كان يتوقع لها أن تقوم به لو قيِّض لهذه المحادثات أن تجري في القاهرة كما كان مأمولاً.

وربما برزت عقبات أخرى في وجه التعاون من جراء الفوارق التي تفصل بين الجبارين بالنسبة إلى مضمون الاتفاق. غير أن هذه الفوارق ليست في الواقع بكبيرة. فالجبارات يتفقان كلاهما على أن لا بد لإسرائيل من التخلي عن المناطق المحتلة، وربما كان بينهما بعض الفوارق في شأن مقدار الأراضي التي يجب أن تنسحب منها، إلا إن تلك فوارق طفيفة. وكلاهما متفق على الحاجة إلى تدابير أمنية والتعويض على اللاجئين العرب على الأقل، واعتبار "عودة" اللاجئين وتوطينهم أمراً يجب أن يتم أساساً في الأراضي المعطاة للفلسطينيين. ولا خلاف بين الاثنين بشأن رفض الاعتراف حتى بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، ورفض ضم القدس الشرقية من باب أولى؛ كما أن أياً منهما لا يعتبر المستعمرات الإسرائيلية في المناطق المحتلة مرغوباً فيها أو دائمة (أو شرعية). ثمة خلاف في شأن إقامة دولة فلسطينية، وإنْ كانت الولايات المتحدة تنظر إلى إقامة هذه الدولة نظرتها إلى أمر مكروه ولا بد منه، بينما حرص الاتحاد السوفياتي، من جهته على إبقاء المجال مفتوحاً لخيارات متنوعة باعتماده صيغة "تقرير المصير" التي تفتقر إلى الدقة.

والأرجح أن الفوارق الأهم ستبدو بالنسبة إلى أصول المعالجة. فاتحادر السوفياتي لم يزل، وبغض النظر عن المشكلة الأساسية المتعلقة بمشاركته – أو ربما بسببها – يدعو إلى عقد مؤتمر دولي من أجل تحقيق اتفاق شامل. أما الولايات المتحدة فلم تزل تعارض إطاراً كهذا، ولعلها ترفض بسبب مشكلة مشاركة دول أخرى، وتدعو إلى اتفاقات ثنائية تتم خطوة خطوة، على أن تتضمن هذه الاتفاقات معاهدات انتقالية، كالحكم الذاتي لفترة محددة، وإجراءات لتنمية الثقة المتبادلة. ومع ذلك، فإن الاتحاد السوفياتي اقترب أكثر فأكثر من الموقف الأميركي. ثم أنه وسع مفهومه للمؤتمر الدولي بحيث بات لا يتعدى كونه مظلة، تكاد تكون رمزية، من شأنها أن تتيح المحادثات الثنائية، من دون الحاجة إلى موافقة المشاركين. كما أن الاتحاد السوفياتي قد وافق أيضاً على المحادثات الثنائية التمهيدية وأقر بالقيمة الممكنة لكل فكرة من الأفكار التي طرحتها الولايات المتحدة وإسرائيل عملياً، من خطة شولتس إلى فكرة شمير القاضية بإجراء انتخابات في المناطق المحتلة، وإنْ اقتصر الإقرار على اعتبارها إجراءات مرحلية. والخلاف بين القوتين العظميين في شأن مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية قد أفضى إلى الاعتراف الأميركي بضرورة مشاركة الفلسطينيين، وإنْ لم ينطوِ ذلك على مشاركة منظمة التحرير، بينما قبلت موسكو بفكرة مشاركة المنظمة على نحو غير مباشر.

وأرجح الظن أن تعاون القوتين سيكون أيسر تحقيقاً إذا ما اعتمدتا مواقف محايدة أو متوازن، بدلاً من الظهور بمظهر المناصرتين لفريق أو لآخر من فريقي النزاع. ولا يعني هذا إقامة علاقات سوفياتية – إسرائيية وعلاقات مماثلة بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير فحسب، بل يتطلب ممارسة المزيد من الكبح من قبل كل من الجبارين على سياسات من يوالية، واستعداده لتحمل التطرف من قبل الفريق الآخر لا الاعتدال. غير أنه في حالي إسرائيل ومنظمة التحرير كلتيهما، ربما أدى الإحساس بتخلي حامييهما عنهما إلى مزيد من التطرف بدلاً من التساهل والموافقة. يضاف إلى ذلك أن لدى كلا الجبارين مصالح داخلية وغيرها قد تعرقل خطوة من هذا القبيل. ولذلك، فلئن كان استمرار مساعدة كل من الجبارين لمن يواليه يشكل عقبة في وجه التعاون، فإن من الممكن تنسيق جهود القوتين لتنظيم هذه المساعدة بحيث تستجيب لمخاوف هذا الفريق أو ذاك من فريقي النزاع، وتتجشم عبء الجهد المطلوب لتبديد مخاوف الفريق الآخر.

مجالات التعاون الممكنة

ثمة إجراءات في وسع القوتين العظميين أن تتخذاها معاً من أجل دفع عملية السلام قدماً. فقد راجت منذ حرب 1967 أقاويل عن إمكان حل مفروض فرضاً، أي معاهدة سلام تفرضها القوتان العظميان على فرقاء النزاع. وقد كان للفكرة، في إسرائيل على الأقل، بعض الجاذبية لأن من شأنها أن تعفي القادة فيها من مسؤولية ووزر التنازلات المطلوبة من أجل اتفاقية سلام. إلا إن من المستبعد الآن أن تكون  أية من القوتين على استعداد، أو حتى على اقتدار، لأن تفرض حلاً ما أخذاً بعين الاعتبار تناقص سيطرتها وتردي العلاقات بينها وبين من يواليها.

على أنه ما زال في قدرة الجبارين أن يمارسا بعض الضغوط على مواليهما، وربما كان أحد هذه الضغوط التهديد بينهما، إنْ لم يكن تعاونهما الفعلي. وثمة مثال لذلك من الماضي هو البيان السوفياتي – الأميركي المشترك الذي صدر في تشرين الأول/أكتوبر 1977، والذي نبه أطراف النزاع في الشرق الأوسط إلى استعداد الجبارين للتعاون. يقيناً بأن البيان لم يدفع عملية السلام إلى الأمام؛ بل إنه أدى إلى نسف ما كان يخطط من استئنافٍ لمؤتمر  جنيف. غير أن البيان، وبما انطوى عليه من إحياء ظاهري لدور السوفيات، قد أدى فعلاً إلى زيارة السادات للقدس وبداية المحادثات الثنائية التي أسفرت عن معاهدة السلام الإسرائيلية – المصرية.

من الجائز القول إن اللعبة قد تمت، إلى حد ما، بفضل التلويح بعمل مشترك. ومن الجائز أن تهديدات مماثلة، وإنْ من جانب الولايات المتحدة وحدها، قد تخلِّف أثراً مماثلاً في إسرائيل، وهي الفريق الذي يعارض تدويل عملية السلام. فالعرب المعنيون بالأمر، ولا سيما الفلسطينيون، ما زالوا يطالبون بمشاركة السوفيات ويجدون فيها سنداً لهم، على الرغم من تضاؤل ثقتهم بالاتحاد السوفياتي. لذلك، فإن اقتراحاً مشتركاً، متضمناً إجراءات من قبل الجبارين في اتجاه عقد مؤتمر دولي ملائم؛ إن اقتراحاً هذا شأنه قد يؤثر في سلوك الفرقاء – وإنْ توقف أثره عند حثِّهم على الشروع في محادثات ثنائية (كتلك التي لحظتها مقترحات مبارك – بيكر)، من أجل تفادي اللقاء الموسَّع. ولربما كان من الممكن تحقيق الأثر نفس بالالتفات إلى الأمم المتحدة باعتبارها متميزة من مؤتمر دولي. غير أن تدخل الأمم المتحدة لن يحظى بكبير حظ في النجاح نظراً إلى ما يعتمل في نفوس الإسرائيليين وحكومتهم من ريبة وحقد عليها. ومع ذلك، فإن إمكان تحرك سوفياتي أميركي مشترك في هذا المحفل، أو في أي محفل غيره، قد يحث الفرقاء المعنيين على الحركة.

إن اقتراحاً سوفياتياً – أميركياً لاستضافة محادثات تمهيدية، إنْ لم يكن مؤتمراً كاملاً، قد يكون أوفر حظاً لا في الخروج من الطريق المسدود فحسب بل في الحصول أيضاً على بعض الاعتبار من الفرقاء المعنيين. وكما سلفت الإشارة، فقد بات يعرف عن شمير أنه منذ بداية سنة 1989 قد عبر عن ميله، أو عن عدم معارضته على الأقل لفكرة لقاء كهذا. لكن ما يثير الاهتمام أن العرب – وخصوصاً الفلسطينيين والأردنيين – هم الذين يعارضون الفكرة. ثمة دلائل عدة على تخوفهم من صفقة سوفياتية – أميركية على حسابهم؛ فالأردن والفلسطينيون يعتقدون أن لهم في الأروروبيين أنصاراً أوفى. ومع ذلك، يبدو أن من الممكن التغلب على هذه  المعارضة إذا ما لاحت في الأفق دلائل موثوق بها على المجيء بإسرائيل إلى لقاء كهذا.

وقد اقترح بعض العلماء السوفيات والأميركيين لقاءات غير رسمية أن تنخرط القوتان العظميان في حملة تربوية لتهيئة الفلسطينيين والإسرائيليين لمحادثات كهذه، أو لمحادثات ضمن أي إطار. على أن يكون الهدف الأول تهدئة المخاوف والشكوك الإسرائيلية فيما يتعلق بأهداف الفلسطينيين، سواء بالنسبة إلى مسائل عامة كالحدود المستقبلية أو كمسألة اللاجئين ("حق العودة"). وليس المطلوب أن يكون التعاون بين الجبارين في تضافر الجهود أو في صوغ المقترحات المشتركة بقدر ما المطلوب هو العمل الأحادي مع كل حليف على حدة. فالسوفيات قد يؤازرون الفلسطينيين في الإدلاء بتصريحات أقدر على الإقناع، أو القيام ببوادر تستجيب لمخاوف الإسرائيليين وتأخذها في الحسبان، بينما يقوم الأميركيون بإقناع الإسرائيليين بحمل هذه الجهود على محمل الجد. ومن الممكن توسيع هذه العملية حتى تبلغ شكل رعاية أو تنظيم حوارات غير رسمية، قد تبلغ ذروتها في محادثات كاملة. لكن، مع أن هذا سبيل قليل الضرر، هذا إنْ كان له ضرر، فإنه طويل الأجل من حيث طبيعته والأليق به أن يكون رديفاً لغيره من الجهود الهادفة إلى التسوية السياسية من أن يكون هو نفسه سبيلاً مباشراً إليها.

وربما كانت إجراءات توطيد الثقة المتبادلة ذات النمط العملي المحسوس أبعد مدى في تهدئة مخاوف الفرقاء المحليين، ولا سيما إسرائيل. وقد تشتمل هذه الإجراءات على خطوات ملموسة لتطمين إسرائيل إلى حياد موسكو وحسن نيَّتها؛ خطوات تدل على اهتمام السوفيات باحل واستعدادهم للنظر إلى مصالح إسرائيل فضلاً عن مصالح العرب. وإن من شأن خطوات مماثلة من قبل الولايات المتحدة في اتجاه العرب، ولا سيما الفلسطينيين، أن تعود بالفائدة أيضاً على عملية السلام، وإنء كانت عرضة لإثارة مخاوف إسرائيل. ذلك بأن أعظم مصادر القلق لدى حكومة إسرائيل هو أن معظم القوى يؤيد العرب، بينما تجد إسرائيل نفسها معزولة عملياً على الساحة الدولية (ولهذا السبب لن يكون من المفيد إدخال المزيد من اللاعبين الخارجيين من أوروبا أو الأمم المتحدة).

أما إجراءات توطيد الثقة المتبادلة من قبل القوتين العظميين، فقد تشتمل على ما يأتي: استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل، وتخلي السوفيات عن قرار اعتبار "الصهيونية ضرباً من العنصرية" الذي أيده الاتحاد السوفياتي في الأمم المتحدة في الماضي؛ استئناف الاتصالات المستقرة بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية، وإعطاء تأشيرة تسمح  بدخول عرفات الولايات المتحدة. أما الإجراءات المشتركة من قبل القوتين العظميين فقد تشتمل على مقترحات أمنية كتلك التي طرحها شيفارنادزه في أثناء جولته في الشرق الأوسط سنة 1989. فمن ذلك أن مناقشات سوفياتي – أميركية لإنشاء مركز للسيطرة على الأزمات في المنطقة (أو ما سمّاه السوفيات مركزاً لتخفيض المخاطر العسكرية)، والآليات المشتركة للحفاظ على السلام كأنظمة الإنذار المبكر، قد تبدِّد بعضاً من مخاوف إسرائيل الأمنية.

والأشد إلحاحاً، ولعله الأهم أيضاً، هو التنسيق بين القوتين في مجال الحد من شحنات الأسلحة (وهذا متوقف على التزام المصادر الأخرى، كالصين وفرنسا، بذلك). كما أن الإشراف على دخول أو تطوير تكنولوجيات جديدة، ولا سيما في مجال الأسلحة غير التقليدية، قد يهدىء مخاوف فرقاء النزاع، وقد ينطوي ذلك على عمليات التحقق والكشف الحسي على المواقع نفسها، وعلى إجراءات أخرى أيضاً كالإشعار المسبق بإجراء التدريبات أو تخفيض عدد القوات المسلحة وفقاً لخطوط معلومة، والتحقق المتبادل وبإشراف دولي، واتخاذ خطوات عملية ضد الإرهاب، وربما كان ثمة مجال لمحادثات من أجل نزع السلاح من المنطقة وفقاً لمقترحات مبارك الهادفة إلى تجريد المنطقة من أسلحة الدمار الشامل. لا يمكن للخطوات المحلية أن تحل محل التسوية، إلا أنها قد تدعم عناصر الأمن في التسوية وتسهل بذلك موافقة إسرائيل. وفي وسع القوتين العظميين أن تعرضا على الأقل تجربتهما في مجال الحد من الأسلحة وفي مجال الأمن كمساهَمَتيْن في التفكير الأصيل في هذا الأمر من قبل أطراف النزاع.

والتعاون في مجال الأمن سيستجيب، من وجهة النظر السوفياتية، لمخاوف سوفياتية حقيقية من التسابق على السلاح، ولا سيما في حقلي الأسلحة غير التقليدية وتكنولوجيا الصواريخ، في منطقة قريبة من تخوم الاتحاد السوفياتي نسبياً. والحق أن هذا الوجه من أوجه المشكلة هو الذي يجعل حل النزاع العربي – الإسرائيلي أهم أو أشد إلحاحاً من نزاعات إقليمية أخرى، كالنزاع في أنغولا أو كمبوديا. كما أن معالجة القضايا الأمنية ستضع، في الوقت نفسه، الاتحاد السوفياتي بصورة مشروعة ومنطقية على قد المساواة مع الولايات المتحدة في مجهود مشترك تجد فيه  الدولتان المصالح نفسها. والواقع أن الولايات المتحدة قد تكون أقل معاندة بكثير في شأن إدخال السوفيات في إجراءات تتعلق بالأمن من معاندتها في إشراكهم في عملية السلام. فالحاجة إلى مشاركة السوفيات غنية عن البيان، نظراً إلى الدور المركزي الذي تقوم موسكو به في إمداد العرب بالسلاح، بل أنه ليس ثمة ما يحمل واشنطن على القلق من خسارة ما لم تزل تسعى له من امتياز سياسي بكونها القوة الوحيدة القادرة على تحقيق التسوية السلمية. فالعمل معاً، والتعاون في مجالات الحد من التسلُّح والتدابير الأمنية. سيبدوان من الأمور المنطقية والضرورية، ولا يترتب عليهما أي شيء من حيث علاقة القوتين بمواليهما، وعلاقة كل منهما بالأخرى.

وسيتاح المجال أيضاً، أو بالأحرى ستظهر الحاجة إلى تعاون الجبارين في الحقل الاقتصادي، إنْ لتسهيل عملية السلام أو للمساعدة لاحقاً في بسط السلام. ولئن كان من البيِّن أن ليس ثمة من تناظر بين الاثنين من حيث ماهية وكمية ما يستطيع كل منهما أن يقدمه في هذا الحقل، إلا إن ثمة مع ذلك بعض المجال للتعاون وإنْ كان ذلك رمزياً. قبل التسوية سيكون التوظيف المالي الخارجي ضرورياً لتحضير بنية اقتصادية تحتية في المناطق المحتلة. لكن نظراً إلى مشكلات السوفيات الاقتصادية الخاصة، فقد يكونون أقرب إلى تقديم الخبراء الفنيين، بينما يظل الأميركيون أقرب إلى توظيف رؤوس الأموال. وستشتد الحاجة إلى المهارات الفنية للبدء باعتبار مشكلات، كالمياه وغيرها، من الموارد المطلوبة لسد حلجات اللاجئين والمهاجرين القادمين إلى الدولة الفلسطينية وإلى إسرائيل كليهما. وحتى في مجال الزراعة، وهي وسيلة المعاش الأولى في المناطق المحتلة، فإن في وسع القوتين العظميين أن تقوما بدور مهم في التجارة الخارجية والمساعدات. وفي المجال الاقتصادي، كما في المجال الأمني، فإن الترتيبات الإقليمية الأوسع قد تكون أفعل أو مرغوباً فيها أكثر من وجهة نظر القوتين. كما أن إشراك أوروبا سيكتسي أهمية خاصة، ولا سيما بعد إتمام الوحدة الأوروبية المرتقبة في سنة 1992. ومن البيِّن أن التعاون الاقتصادي، فيما يتعلق بالمناطق المحتلة، سيستلزم تعاون إسرائيل مع ذلك قبل الحل. على أن ثمة إمكاناً لتحقيق ذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما يتنامى الآن في إسرائيل من اهتمام بفصل اقتصاد المناطق المحتلة عن الاقتصاد الإسرائيلي (من أجل إبقاء العمال الفلسطينيين القادمين من المناطق المحتلة خارج إسرائيل). وبذلك، فقد لا تكون الغاية القصوى التي تتوخاها الحكومة الإسرائيلية وأولئك الذين يقدمون العون الخارجي واحدة، لكن النتيجة ستكون تهيئة المناطق المحتلة اقتصادياً للاستقلال. وربما صاحب ذلك ارتياح إسرائيل من أسباب القلق على المشكلات والموارد الاقتصادية المرتبطة بمسؤوليتها عن المناطق المحتلة، ولا سيما بعد تكاثر أعداد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل والتعويضات التي ستطالب بها من أجل اللاجئين.

[.......].

 

*قدمت هذه الدراسة (التي ننشر فيها ما يلي الجزء الأكبر منها) إلى المؤتمر الذي عقد في القاهرة بين 13 و18 كانون الأول/ديسمبر 1990 برعاية أكاديمية العلوم والفنون الأميركية في القاهرة، وموضوعه "التحولات العالمية ومنطقة الشرق الأوسط". ولعل ما ورد في دراسة الباحثة الإسرائيلية غولان عن تاريخ العلاقات العربية – السوفياتية والفلسطينية – السوفياتي ووقائعها يحفز الخبراء الفلسطينيين والعرب الذين واكبوا هذه العلاقات وشاركوا في صنعها، على الكتابة في هذا الموضوع بما يضيء مختلف جوانبه، وبما يخدم توجهات السياسة الخارجية العربية في منعطف تاريخي بالغ الأهمية. (المحرر)

 

[1]    دعا غورباتشوف إلى ربط التقارب بين الجبارين وبين حل المشكلات الإقليمية وذلك في "البرافدا"، 2 حزيران/يونيو 1988. كما روي عن البوليتبورو موافقته على تطبيق "التفكير السياسي الجديد" على قضية الشرق الأوسط في نيسان/أبريل 1988 ("برافدا"، 15 نيسان/أبريل 1988).

[2]   أشار شيفارنادزه إلى ذلك في كلمته في القاهرة، وكالة تاس، 23 شباط/فبراير 1989.

[3]   أنظر: John Hannah, At Arms Length: Soviet-Syrian Relations in the Gorbachev Era, The Washington Institute Policy Paper No. 18, Washington, DC, 1989.                 

[4]   أنظر الإشارة السوفياتية: USSR Foreign Ministry, “The Foreign and Diplomatic Activity of the USSR,” International Affairs, No. 1, 1990, p. 93.                                          

[5]  العبارة مستعملة في جواب صحيفة "إزفستيا" (18 تشرين الثاني/نوفمبر 1989) عن شكوى أحد القراء من وجود لوبي كهذا.

[6]   أنظر مثلاً تعليقه في عمان، Petra-JNA, 28 June 1990، وصحيفة "الرأي"، 29/6/1990 (FBIS-NES-90-126, 29 June 1990, pp. 30-31).

[7]   أنظر المناقشة تحت عنوان “The USSR and the Third World,” International Affairs, No. 12, 1988, p. 138.                                                                                                     

نائب وزير الخارجية يوري فورونتسوف، الذي عين مؤخراً سفيراً إلى الأمم المتحدة هو، فيما يشاع، من معارضي الموقف الجديد من النزاع.

[8]   أنظر مقابلة ناومخين في صحيفة "الشرق الأوسط" (لندن)، 8/7/1990 (FBIS-SOV-90-134, 12 July 1990, pp. 17-18)                                                                                      

[9]   غيفاندوف مثلاً في "إزفستيا"، 30 آذار/مارس 1988؛ 18 كانون الأول/ديسمبر 1988؛ 9 شباط/فبراير 1989؛ بليايف في الإذاعة السوفياتية، 4 كانون الأول/ديسمبر 1988، و5 آذار/ مارس 1989، أو في “Middle East Versions,” International Affairs, No. 6, 1988, pp. 55, 63, 79؛ وسميرنوف في صحيفة "الأنباء" (الكويت)، 27/5/1988؛ "إزفستيا"، 6 أيلول/سبتمبر 1989؛ "المجلة" (لندن)، 20/2/1990 (FBIS-SOV-90-033, 16 February 1990, pp. 24-25).

[10]   مثال ذلك إ. إفسييف (الذي توفي) في:

Krasnaia Zvezda, 30 January 1990 or the “Letter of the Writers of Russia,” in Moskovskii literator and Literaturnaia Rossiia, 2 March 1990 as reported in The Soviet Union and the Middle East, Marjorie Mayrock Center for Soviet and East European Research, Vol. XV, No. 3, 1990, pp. 13-14.      

[11]   تاتيانا كاراسوفا هي رئيسة قسم إسرائيل في المعهد الشرعي المحافظ إجمالاً، وهي عضو اللجنة أيضاً.

[12]   وقد جاء ذلك في منشور معادٍ لليهود اتهم ياكوفليف (الذي ظن أنه يهودي) بترقية اليهود (ولا سيما بريماكوف وأربانوف، فيما يزعم) إلى مراكز النفوذ والضغط على غورباتشوف لاستئناف العلاقات مع إسرائيل. وقد رعى التظاهرة اتحاد المنظمات الوطنية السوفياتية في أوائل سنة 1990.

KUNA (Kuwait) in English, 18 February 1990 (FBIS-SOV-90-034, 20 February 1990, 31).    

وربما كان السفير الجديد إلى واشنطن ونائب وزير الخارجية السوفياتية، ألكساندر بسمرتنيخ، من أوائل دعاة السياسة الجديدة.

[13]   أنظر:    V.V. Zhurkin and E.M. Primakov, Mezhdunarodnye Konflikty, Mezhdunar- odnye otnosheniia, Moscow, 1972.                                                                            

[14]   الإذاعة اللبنانية، 29 حزيران/يونيو 1990 (FBIS-NES-90-127, 2 July 1990, p. 29). وقد عين بولياكوف سفيراً إلى القاهرةز أما جينادي تيراسوف، نائب بولياكوف والذي كان فاتراً نسبياً على الأقل فيما يتعلق بتطبيق السياسة الجديدة على إسرائيل، فقد نقل أيضاً. وسيعين سفيراً إلى الرياض. ولم يعلن شيء بعد في شأن من سيحل محله.

[15]   رداً على أسئلة استفزازية طرحها صحافي عربي في موسكو: Jerusalem Post, 3 June 1990.

[16]   "برافدا"، 25 نيسان/أبريل 1987.

[17]   كانت المراحل الأولى شديدة التحفظ من الجانب السوفياتي الذي رفض التبادل مثلاً في السماح للإسرائيليين بالمجيء إلى الاتحاد السوفياتي، إنْ في بعثة قنصلية أو بأية صفة أخرى، بينما كان يُبعث الرسميون والجماعات السوفيات إلى إسرائيل. لكن هذه الممانعة نفسها بدأت تزول منذ أوائل سنة 1988.

[18]   وفي ذلك الوقت صرح المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية يشعياهو حانوخ أن إسرائيل والاتحاد السوفياتي قد دخلا في طور "التطبيع الفعلي للعلاقات من دون تسميته تطبيعاً." Jerusalem Post, 23 February 1989.

[19]   امتنع المندوب السوفياتي من التصويت للمرة الأولى.

[20]   وقد جرى نقاش عام في مسألة استئناف العلاقات، انطلاقاً من مقال كتبه ألكساندر بوفين في "إزفستيا" بتاريخ 26 آب/أغسطس 1989 ودعا فيه بقوة إلى استئناف العلاقات. ثم نشر رد سلبي ("إزفستيا"، 22 أيلول/سبتمبر 1989) كتبه ألكساندر زوتوف الذي يُعدُّ من دعاة التفكير الجديد الشديدي الارتباط بالتقارب مع إسرائيل، وربما كان موقفه المستغرب صادراً عن سعيه لتحسين صورته في سوريا حيث يعمل سفيراً لبلده. وبعد عدد من الردود الرافضة بأقلام كتاب عرب، نشر بوفين خلاصة للرسائل التي أُرسلت إلى الصحيفة تجاوباً مع النقاش، وقال إن الرسائل كانت بنسبة 9 مع إعادة العلاقات إلى واحد ضد استئنافها ("إزفستيا"، 25 كانون الثاني/يناير 1990).

[21]   مثال ذلك: Sovetskaia Rossiya, Leningradskaia Pravda, or Moskovskaia pravada . وثمة مصدر آخر للكتابة ضد إسرائيل وهو صحيفة الجيش Krasnaia zvezda، التي نشرت تعليقات كتبها معلق وكالة تاس السياسي العريق في عدائه لإسرائيل، ألكساندر باليبانوف، فضلاً عن الكاتب المجاهر بعدائه لليهود وعدائه للصهيونيةإ. إفسييف (رئيس اللجنة المعارضة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل).

[22]   D. Makarov, “Diplomacy Without Diplomatic Relations,” Argumentryi Fakty, No. 49, 3-9 December 1988, pp. 5-6 (مقابلة مع فلاديمير نوسنكو الذي كان يومها في المعهد الشرقي ثم نقل بعدها إلى iMEMO, FBIS-SOV-88-233, 5 December 1988, p. 27); Sergei Rogov and Vladimir Nosenko, “CHto skazal ‘A’ ichto skazal ‘B’,” Sovetskaia Kultura, 9 February 1989 and Soviet Minister to Britain, Alexandr Galitzin, quoted in "دافار" (تل أبيب)، 23/11/1989 ملقياً كلمة في لندن بدلاً من جينادي تيراسوف.

[23]   "برافدا"، 22 تموز/يوليو 1990؛ Mideast Mirror, 24 July 1990.

[24]   وقد اقترح الصحافي والخبير بشؤون الشرق الأوسط، أندريه أوستالسكي، ذلك في "إزفستيا" 8 آذار/مارس 1990.

[25]   Hannah, Soviet-Syrian; New York Times, 28 August 1988.

وقد خفض عدد الخبراء العسكريين السوفيات في سوريا أيضاً.

[26]   أنظر: Galia Golan, The Soviet Union and the Palestine Liberation Movement: An      Uneasy Alliance (New York: Praeger, 1980), or “The Soviet Union and the PLO”

   in George Breslauer (ed.) Soviet Strategy in the Middle East (London: Unwin and  Hyman, 1990). من أجل المقارنة بمعاملة السوفيات لحركات التحرر الوطني الأخرى، أنظر:

Galia Golan, The Soviet Union and National Liberation Movements in the Third World (London: Unwin and Hyman, 1988).                                                                           

[27]   وكالة تاس، 9 نيسان/أبريل 1988؛ "برافدا"، 10 أيلول/سبتمبر و12 تشرين الأول/أكتوبر  1988؛ "الحوادث" (لندن)، 21/10/1988 (مقابلة مع نائب وزير الخارجية بيتروفسكي)؛ Le Quotidien de Paris, 13 October 1988 (interview with Poliakov); Moscow domestic radio International Observers’ Roundtable, 23 October 1988 (FBIS-SOV-90-206,

25 October 1988, p. 5); Sovetskaia Rossiia, 26 October 1988;                                       

"الأنباء"، 19/9/1988؛ "الاتحاد" (أبو ظبي)، 18/1/1989، مستشهدة بمسؤول في وزارة الخارجية السوفياتية عن الدور السوفياتي)؛ "الأنباء"، 7/1/1989 (تيراسوف)؛ "إزفستيا"، 30 نيسان/أبريل 1989 (أبو مازن).

[28]   جاء الاعتراف السوفياتي الرسمي مع افتتاح السفارة الفلسطينية في موسكو في كانون الثاني/ يناير 1990. وقد جاء توقيت الاعتراف بحيث يعوض من زيارة وزير العلوم الإسرائيلي، عيزر وايزمن، لموسكو في الأسبوع نفسه.

[29]   وقد أوضح ذلك صراحة بعض الخبراء السوفيات في أثناء محادثات مع نظرائهم الغربيين (والقول التالي غير منسوب: "لقد كففنا عن التركيز على ضرورة إقامة دولة فلسطينية. ويكتفي الاتحاد السوفياتي اليوم بالكلام عن تقرير المصير").

[30]   نقلت وكالة رويتر، واشنطن، 7 كانون الأول/ديسمبر 1989، ثناء وزارة الخارجية الأميركية والسفارة الإسرائيلية على ما أبدته موسكو من تعاون.

[31]   في ختام قمته مع بوش في حزيران/يونيو، تلفزيون موسكو، 3 حزيران/يونيو 1990 (FBIS-SOV-90-108, 5 June 1990, p. 21).                                                                         

وقد ذهب السوفيات إلى أبعد مما ذهبت الولايات المتحدة إليه، إذ دعوا إلى قرار من مجلس الأمن "يناشد الحكومة الإسرائيلية ألاّ تأذن في أعمال من شأنها تغيير البنية السكانية للمناطق المحتلة" خرقاً لاتفاقيات جنيف. ("إزفستيا"، 13 شباط/فبراير 1990، في مؤتمر  صحافي عقده النائب الأول لوزير الخارجية يوري فورونتسوف، وهو الآن سفير الاتحاد السوفياتي إلى الأمم المتحدة، كما أنه فيما يشاع من معارضي التقارب مع إسرائيل). وحتى عندما كان المسؤولون السوفيات يزعمون، دفاعاً عن سياستهم، في وجه العرب أن القوانين السوفياتية (التي لم تقرّ بعد) تمنع من التدخل في حرية الهجرة، فقد كانوا يصرحون أن السماح بخروج اليهود السوفيات بسهولة قد يُعرقل أو يعلِّق إذا لم تقدم إسرائيل ضمانات كافية فيما يتعلق بعدم توطينهم فيالمناطق المحتلة.

[32]   كان ثمة استثناء ظاهر واحد في أواخر خريف سنة 1989، يوم نصحت موسكو لمنظمة التحرير الفلسطينية حجب موافقتها على مقترحات الأميركيين، إلا إن السوفيات قد قلبوا هذه النصيحة فيما بعد.

[33]   أنظر بيان وزارة الخارجي، "برافدا"، 18 كانون الأول/ديسمبر 1988، أو "برافدا"، 20 كانون الأول/ديسبمر 1988 و"إزفستيا"، 18 كانون الأول/ديسمبر 1988.

[34]   إذاعة عمان بالعربية، 7 تموز/يوليو 1990 (FBIS-NES-90-131, 9 July 1990, p. 1). وقد أنكروا، في العلن، صراحة أية مسوغات لتعليق الأميركيين الحوار مع المنظمة. وقد زعمت وكالة تاس بتاريخ 22 حزيران/يونيو، أن قيادة منظمة التحرير قد تبرأت من أية علاقة بالعملية. من أجل مناقشة للسياسة السوفياتية فيما يتعلق باستعمال الإرهاب من قبل منظمة التحرير، أنظر:

Galia Golan, Gorbachev’s New Thinking on Terrorism (New York: Praeger, 1990).              

وقد علقت موسكو فيما يبدو تدريب فدائيي منظمة التحرير. ويشاع أن جهاز أمن الدولة (KGB) قد بات يطلع الأميركيين على معلوماته عن الإرهاب، وذلك في سياق التعاون الدولي لمكافحته.

[35]   أنظر خطط السوفيات في السبعينات، وعلى نحو أخص سنة 1982 وسنة 1984.

[36]   مثال ذلك في المحادثات  مع بيرس في روما، نيسان/أبريل 1987، أو المقابلة مع بروتنت في الكويت، كونا، 3 حزيران/يونيو 1988 (FBIS-SOV-88-108, 6 June 1988, p. 50) أو قول غورباتشوف لعرفات، وكالة تاس، 9 نيسان/أبريل 1988. والحق أن العلامة الفارقة التي يمتاز بها "أصحاب التفكير القديم" أو معارضو السياسة الجديدة، هي استعمال الصيغة الثلاثية الشُعَب التي باتت تخلو منها البيانات الرسمية وتصريحات الزعماء في عهد غورباتشوف (أنظر، مثلاً، يوري غريادونوف بعدما قدم أوراق اعتماده كسفير للاتحاد السوفياتي إلى عمان، PETRA-INA، بالعربية، 28/6/1990 (FBIS-NES-90-126, 29 June 1990, p. 30) أو نائب رئيس المعهد الشرقي والخبير بشؤون الشرق الأوسط فيتالي ناومخين، "الشرق الأوسط (لندن)، 8/7/1990 (FBIS-SOV-90-134, 12 July, 1990, pp. 17-18).

[37]   وقد لمّح إلى هذه المخاوف إنْ لم يصرَّح بها مثلاً في كونا، 18 شباط/فبراير 1990؛ إذاعة موسكو بالعربية، 3 حزيران/يونيو 1990 (FBIS-SOV-90-107, 4 June 1990, pp. 43-44)؛ "الشرق الأوسط" (لندن) 8/7/1990 (FBIS-SOV-90-134, 12 July, 1990, pp. 17-18). وكذلك خلال زيارة الأسد لموسكو، "برافدا"، 29 نيسان/أبريل 1990.

[38]   أنظر إذاعة موسكو بالعربية، 3 حزيران/يونيو 1990 (FBIS-SOV-90-107, 4 June 1990) التي تناولت هذه المخاوف بالمعالجة بعد قمة غورباتشوف – بوش في حزيران/يونيو 1990.

[39]   ومن اللافت للنظر أن السوفيات أيضاً قد احتفظوا بهذا التمييز؛ لم يكن ثمة أي ترابط عملياً بين موجات العداء الرسمي لليهود في الاتحاد السوفياتي في السبعينات مثلاً، وبين مواقف موسكو من النزاع العربي – الإسرائيلي.

(Jonathan Frankel, “The Anti-Zionist Press Compaigns in the USSR 1969-1971:           

An Internal Dialogue,” and “The Soviet Regime and Anti-Zionism: An Analysis,’  Research Papers Nos. 2 and 55, Marjorie Mayrock Center for Soviet and East European Research, Hebrew University of Jerusaelm, Jerusalem).                          

وفي ظل غياب العلاقات السوفياتية – الإسرائيلية، ولمصلحة إسرائيل، باتت الهجرة موضوع العلاقات السوفياتية – الأميركية، مع إملاء الولايات المتحدة ما تراه من ترابطات (إصلاحات جاكسون – فانك وستيفنسون)، وذلك نظراً إلى تفوق الموقف الأميركي في وجه حاجة السوفياتي إلى الانفراج في ذلك الوقت.

[40]   Joseph Heller,……..

[41]  Jerusalem Post, 8 June 1987, 24 October 1987; New York Times, 21 November 1987.

[42]   Jerusalem Post, 13 January 1989, 23 January 1989.

[43]   Jerusalem Post, 10 February 1989.

عبر دافيد ليفي عن رأي يتعلق بالعلاقات السوفياتية – الإسرائيلية بعيد تسلمه منصب وزارة الخارجية. وبعد أن أشار إلى أن موسكو مستمرة في شحن "كميات هائلة من الأسلحة إلى [أعداء إسرائيل]" وتدعم الدولة الفلسطينية، دعا السوفيات إلى "تجديد الروابط [مع إسرائيل] وانتهاج سياسة أكثر توازناً في مقاربتكم، وتفهموا مخاكر إسرائيل، ودعونا نتكلم عندما توجد قناة للحوار بين البلدين" (مقابلة في: Jerusalem Post, 13 July 1990).

[44]    أنظر مثلاًJerusalem Post, 12 May 1989, 12 January 1990   (على الرغم من أن الدبلوماسيين الإسرائيليين قد أثنوا، فيما روي، على التعاون السوفياتي في صد محاولة إدخال الدولة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة أو منظمة الصحة العالمية في أواخر سنة 1989. (Reuters Information Service, 7 December 1989).

[45]   Jerusalem Post, 8 September 1989.

[46]   تكلم رابين أيضاً، خلال زيارته لواشنطن في كانون الثاني/يناير 1990، عما وصفه بإخفاق الغلاسنوست في الوصول إلى الشرق الأوسط، وذلك في مسعاه لتعزيز الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل.

[47]   أود أن أشكر غور عوفير على ملاحظاته (خلال عملنا معاً على مشروع يتعلق بالتعاون السوفياتي – الأميركي والنزاع في الشرق الأوسط) التي أفدت منها في إعداد هذا القسم وما يليه.

[48]   والواقع أن إنتاج النفط السوفياتي هو في هبوط من جراء تدهور الأوضاع في صناعة النفط ومن جراء الاقتصاد السوفياتي ككل، ولذلك فإن موسكو لم تعجز عن الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط فحسب بل أنها قد عانت من جرّاء العقوبات التي تشارك فيها ضد العراق، كما كان عليها أن تخفض إمدادها أوروبا الشرقية بالنفط. أنظر:

Galia Golan, “The Test of New Thinking: The Soviet Union and the Gulf Crisis,” Soviet Economy, Vol. 6, No. October-December 1990.                             

*   الإيمان بمجيء مخلِّص ما – قد يكون المسيح أو غيره – ليحكم العالم ويملأ الأرض عدلاً وسلاماً. (المحرر)

السيرة الشخصية: 

غاليا غولان: أستاذة في الجامعة العبرية في القدس، من حركة السلام الآن.