تعرض هذه الدراسة المسار الذي قطعته الاتصالات بين الاتحاد السوفياتي وإسرائيل منذ تسلّم غورباتشيف السلطة في الاتحاد السوفياتي وما أدت إليه من نتائج على صعيد العلاقة بإسرائيل وانعكاسات هذا كله على مواقف دول المنظومة الاشتراكية من النزاع العربي - الإسرائيلي ومسألة التسوية السلميّة في المنطقة. لهذا تبدأ الدراسة بوصف التغيّر الحاصل داخل الاتحاد السوفياتي وفي سياسته الخارجية وانعكاس هذا التغيّر على الصعيد الإسرائيلي في تحريك الاتصالات السرّية ومن ثمّ العلنيّة بين الطرفين. تتحدّث الدراسة بعد ذلك عن موقف الاتحاد السوفياتي من أزمة الشرق الأوسط في ظلّ تطوّر الأحداث في المنطقة مشيرة إلى الجدل الذي دار بين السوفيات والإسرائيليين حول ضرورة عقد مؤتمر دولي تحضره منظّمة التحرير لحلّ قضية الشرق الأوسط. تتطرّق الدراسة بعدها إلى عودة النشاط إلى الاتصالات التجارية والثقافية المتبادلة بين الاتحاد السوفياتي وإسرائيل في انتظار العلائق الرسميّة متناولة التطوّر الإيجابي في العلائق بين الطرفين الذي أظهره موضوع هجرة اليهود السوفيات إلى إسرائيل. تتحدّث الدراسة أيضاً عن علائق المصالح، التجارية خاصة، التي تجمع إسرائيل بدول الكتلة الاشتراكية عامّة وبكلّ منها على حدة. وتتوّقع، في الختام، مزيداً من النتائج الإيجابية لسياسة غورباتشيف الجديدة على العلاقات السوفياتية - الإسرائيلية في المستقبل.
مع استلام ميخائيل غورباتشيف السلطة في الاتحاد السوفياتي في آذار/ مارس 1985، عرفت العلاقئق الإسرائيلية – السوفياتية حركة نشيطة بعد أعوام من القطيعة والجمود دامت أكثر من 18 عاماً؛ أي منذ سنة 1967 حين أقدم الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية) باستثناء رومانيا) على قطع العلائق بإسرائيل احتجاجاً على عدوانها على الدول العربية واستمرار احتلالها للأراضي العربية.
شهدت السنوات الأربع الأخيرة سلسلة اتصالات ولقاءات بين مسؤولين سوفيات وإسرائيليين أدت إلى نتائج مهمة على صعيد العلاقة بين البلدين. فقد أعلن الاتحاد السوفياتي، في تموز/يوليو 1987، تبادل الوفود القنصلية بين موسكو وتل أبيب. وترافق ذلك مع انفتاح إسرائيل على الدول الاشتراكية، كانت من نتائجه الأساسية فتح ممثلية للمصالح الإسرائيلية في كل من بولندا والمجر. وربما الحدث الأهم كان إعلان المجر، في أيلول/ سبتمبر الماضيـ إعادة العلائق الدبلوماسية الكاملة بإسرائيل، منهية بذلك قطيعة سياسية استمرت 22 عاماً.
وفيما يلي نعرض المسار الذي قطعته هذه الاتصالات، وما أدت إليه من نتائج على صعيد العلاقة بإسرائيل، وانعكاسات هذا كله على مواقف دول المنظومة الاشتراكية من النزاع العربي – الإسرائيلي ومسألة التسوية السلمية في المنطقة.
الاتحاد السوفياتي
من "التشدد" إلى "الانفتاح"
منذ سنة 1967، أقدم الإسرائيليون على عدة محاولات لفتح باب الحوار مع السوفيات، اصطدمت بالموقف السوفياتي المتشدد ولم تسفر عن نتاج إيجابية. ويدخل في هذا السياق اجتماع وزير الخارجية آبا إيبن في مطلع السبعينات إلى أندريه غروميكو، ولقاء يغآل آلون غروميكو أيضاً سنة 1976، وحتى يتسحاق شمير اجتمع إليه مرتين في سنة 1981 وسنة 1984.
وفي الواقع، فقد اتسمت السياسة السوفياتي في السبعينات بالتشدد حيال مسألة النزاع في الشرق الأوسط. فقد طالب السوفياتي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها سنة 1967 كشرط لإعادة العلائق بها. وهم، مع اعترافهم بحق إسرائيل في الوجود، اعترفوا بمنظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وأجازا فتح مكتب تمثيلي لها في موسكو سنة 1974، ودعموا نضالها ضد إسرائيل. كما أيد السوفيات حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة كيانه الوطني، وتشكيل دولته. واعتبروا القدس جزءاً لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية. ورأوا أن التسوية يجب أن تتم في إطار مؤتمر دولي للسلام تشارك فيه م. ت. ف.، ويقومون هم فيه بدور أساسي. وفي عهد أندروبوف امتازت السياسة السوفياتية بمزيد من التصلب إزاء إسرائيل، وبدأت حملة أيديولوجية وسياسة ضد الصهيونية العنصرية، والفت لجنة عليا مناهضة للصهيونية في الاتحاد السوفياتي، الأمر الذي زاد في حدّة مشكلة هجرة اليهود السوفيات واليهود المنشقين.
عند استلام ميخائيل غورباتشيف السلطة بدا أن تغيراً أساسياً أخذ يطرأ على السياسة الخارجية السوفياتية عامة، ولا سيما الموقف من أزمة الشرق الأوسط التي اعتبرها غورباتشيف في كتابه "البريسترويكا" عقدة يجب حلها. وطرح الزعيم السوفياتي مبادرة في شأن عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، تقوم على تحريك المفاوضات السياسية بين الأطراف كافة وبمختلف الأشكال، ثنائية كانت أو أكثر. وحدّد أن مهمة بلده هي البحث عن قاسم مشترك بين مصلحة إسرائيل ومصالح العرب، يمكن في نهاية الأمر أن يؤدي إلى احترام مصالح الأطراف جميعاً. وشدّد غورباتشيف على أن بلده يرغب في القيام بدور فعّال في المؤتمر الدولي المزمع عقده، وسيبذل كل ما في وسعه لدفع مسار التسوية السلمية في المنطقة. ويأتي هذا الموقف ضمن سياسة عامة تقوم على وقف سباق التسلح النووي، والحد من النزاعات الإقليمية التي تستغلها الولايات المتحدة في حملتها على الاتحاد السوفياتي، وتشجيع أجواء الوفاق الدولي. ولقد تبلورت هذه السياسة الجديدة في أكثر من مجال؛ فبرزت في موافقة السوفيات على نزع الصواريخ النووية المتوسطة والقصيرة المدى، وفي انسحابهم من أفغانستان. كما أنها تتجلى في مواقفهم الأخيرة من التسوية في الشرق الأوسط.
من الاتصالات السرية إلى اللقاءات العلنية
انعكست السياسة السوفياتية الجديدة، على الصعيد الإسرائيلي، في تحريك الاتصالات السياسية بين المسؤولين. ولقد اتخذت في البداية طابعاً سرياً. فكان اللقاء السري الذي جرى في باريس بتاريخ 16 تموز / يوليو 1985 بين السفير السوفياتي يوري فورنتسوف والسفير الإسرائيلي عوفاديا سوفير، وسرت الصحف الإسرائيلية عن فورنتسوف قوله: "كان قطع العلائق بإسرائيل سنة 1967 غلطة خطرة وخطوة عاطفية غير محسوبة أضرّت بالاتحاد السوفياتي. لكن، بعد أن حدثت لا يمكن الرجوع عنها إلا إذا نشأت الأوضاع التي تبرر استئناف العلائق." وفي تشرين الأول / أكتوبر من السنة نفسها، التقى وزير الخارجية السوفياتي إدوارد شيفارنادزه رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك شمعون بيرس، في حفل اقامه رونالد ريغان لوزراء الخارجية في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولمّح شيفارنادزه خلاله إلى إمكان عقد حوار وإجراء اتصالات رسمية بين البلدين في وقت قريب. وقد رأى الإسرائيليون في التحرك السوفياتي الجديد مؤشراً إيجابياً ودليلاً على تقارب سوفياتي. لكنهم، من جهة أخرى، رفضوا القبول بفكرة السوفيات الدعوة إلى "مؤتمر دولي للسلام يشاركون هم فيه. وعلّق بيرس على ذلك بقوله إن بلده يرفض مؤتمراً دولياً يحضره الاتحاد السوفياتي ما لم يعد علائقه بإسرائيل. ورأى أن التغير الذي طرأ على أسلوب تعاطي السوفيات مع إسرئايل لم يؤد إلى أي تغيير جوهري في السياسة السوفياتية إزاءها.
في 18 آب / أغسطس 1986، عقد اجتماع في هلسنكي بين مندوبين عن الاتحاد السوفياتي وإسرائيل، اقترح السوفيات فيه إرسال وفد في تشرين الأول/ أكتوبر إلى إسرائيل لتسجيل الأملاك السوفياتية والاهتمام بشؤون المواطنين السوفيات الذين يعيشون هناك. وردّ الإسرائيليون بمطالبتهم بإرسال وفد لهم إلى موسكو، وأرادوا طرح مسألة هجرة اليهود السوفيات إلى إسرائيل، الأمر الذي أدى إلى فشل الاجتماع إذ لم يستمر أكثر من ساعة ونصف الساعة، سارع السوفيات بعده إلى التقليل من أهميته. فجاء في بيان صادر عن رئيس دائرة الإعلام في وزارة الخارجية السوفياتية قوله: "كان اللقاء ذا طابع تحضيري صرف، إذ كان يجب الاتفاق على كيفية مناقشة قضيتين قنصليتين في المستقبل، وهما قضية الملكية السوفياتية في إسرائيل، وقضية تقديم المساعدة القنصلية إلى المواطنين السوفيات هناك. غير أن رئيس الوفد الإسرائيلي أدلى في اللقاء بتصريح ذي طابع سياسي عن أساليب حل أزمة الشرق الأوسط، وطرحت قضية المواطنين السوفياتي من اليهود - وكل هذا تخطى نطاق الطابع القنصلي للمفاوضات."
أدى فشل محادثات هلسنكي إلى تأخر قدوم الوفد القنصلي السوفياتي إلى إسرائيل قرابة العام. إلا أنه برز تطور مهم في الموقف السوفياتي من إسرائيل في تلك الأثناء. فقد تناول غورباتشيف موضوع العلائق الإسرائيلية – السوفياتية خلال الزيارة التي قام الرئيس حافظ الأسد بها لموسكو أواخر نيسان/ أبريل 1987. إذ قال في مأدبة عشاء أقامها على شرف ضيفه: "في الآونة الأخيرة يتحدثون كثيراً عن العلائق بين الاتحاد السوفياتي وإسرائيل، علماً بأنه تطرح أكداس من الخرافات في شأنها. وأقول صراحة أنه لا يجوز اعتبار غياب مثل هذه العلاقة أمراً طبيعياً... إننا نعترف صراحة بحق إسرائيل في السلام والوجود الآمن، بالقدر نفسه الذي نعترف به بحق جميع الدول. بيد أن الاتحاد السوفياتي يعارض، كما في السابق، معارضة قاطعة سياسة القوة والضم التي تتبعها تل أبيب . ويجب أن يكون واضحاً أن التغيرات في العلائق بإسرائيل ممكنة في مجرة عملية التسوية في الشرق الأوسط فقط... ونحن على يقين من أن التحضير الدولي بمشاركة الأطراف ذوي الشأن كافة، يجب أن يكون النقطة التي تتلاقى فيها الجهود الجماعية الرامية إلى التسوية." إن النقطة الأهم التي دعا غورباتشيف إليها في محادثاته مع الأسد هي التخلي عن استخدام القوة العسكرية لتسوية النزاع، وتبني فكرة عقد مؤتمر دولي للسلام، في الوقت الذي كان الرئيس السوري في مرحلة السعي لإيجاد توازن استراتيجي مع إسرائيل. ولقد وجد الإسرائيليون في اعتراف غورباتشيف بعدم وجود علائق بهم، أنه أمر غير طبيعي، تعزيزاً لموقعهم، ولا سيما أن هذا الكلام قيل أمام زعيم أشد الدول عداء لهم: سوربا. لكن، من ناحية أخرى، بحث الإسرائيليون عن تعبير ملموس لهذا الكلام على صعيد العلائق بموسكو فلم يجدوه، وعزا أسباب ذلك إلى صراع داخلي يدور في الكرملين بين المعارضين لسياسة الانفتاح على إسرائيل وبين المؤيدين لها. كما تحدثوا عن رغبة السوفيات في استغلال الوقت لامتصاص ردات الفعل العربية إزاء التقارب السوفياتي – الإسرائيلي.
في تموز/ يوليو 1987، وصل الوفد القنصلي السوفياتي إلى إسرائيل. وأعلن رئيسه، يفغني أنميبوف، أن مهمته ستستمر ثلاثة أشهر، وستقتصر على الشؤون القنصلية، وهو لن يقابل في تلك الأثناء لا رئيس الحكومة ولا وزير الخارجية. غير أن هذه الخطوة التي هلّل الإسرائيليون لها أعقبتها خطوات أخرة من جانب السوفيات اعتبرتها الحكومة الإسرائيلية موجهة ضدها. منها، مثلاً التحذير الذي وجّهته الإذاعة السوفياتية في 31 تموز / يوليو 1987 عبر برامجها باللغة العبرية إلى إسرائيل، من نتائج تطوير صاروخ "يريحو – 2" ذي الرأس النووي الذي يصل مداه إلى جنوب الاتحاد السوفياتي، بالإضافة إلى تصويت الاتحاد السوفياتي، في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 1987، إلى جانب قرار طرد إسرئيل من الأمم المتحدة، وكأنما أراد السوفيات أن يفهموا الإسرائيليين أن نشاطهم القنصلي في إسرائيل ليس له أي مردود حقيقي على صعيد العلائق الدبلوماسية بين البلدين.
"مرونة" سوفياتية و "تصلب" إسرائيلي؟
عرفت الاتصالات السوفياتي – الإسرائيلية زخماً كبيراً سنة 1988. ولقد جرى ذلك في ضوء حدثين أساسيين: الانتفاضة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتحضير لانتخابات الكنيست الثاني عشر. وكان السوفيات قد أعلنوا، في مطلع السنة، استعدادهم لاستقبال وفد قنصلي إسرائيلي في بلدهم، الأمر الذي اعتبره الإسرائيليون رضوخاً لمطلبهم. من جهة أخرى، دفعت الانتفاضة وتفاقم العنف في الأراضي المحتلة السوفيات إلى زيادة نشاطهم وبلورة مواقفهم. ولقد لخص الاتحاد السوفياتي موقفه في مجموعة مقترحات عرضها رئيس دائرة العلائق الدولية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي، أناتولي دوبرينين، على شمعون بيرس في أواسط أيار/ مايو، خلال اجتماع جرى بين الاثنين في منزل رئيس المؤتمر اليهوي العالمي إدغار برونفمان. وكان بيرس قد سبق أن عرضها مع ألكسندر زوتوف وألكسندر ويبر في مدريد خلال انعقاد مؤتمر الأممية الاشتراكية في وقت سابق من الشهر ذاته.
وذكرت الصحف الإسرائيلية أن المقترحات الجديدة* تتلخص في ثلاث نقاط أساسية:
1- التمثيل الفلسطيني: اقترح زوتوف أن يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بتوجيه دعوات إلى كل الأطراف، بمن فيهم العرب الفلسطينيون موضحاً أنه لا يرفض صوراً أخرى مختلفة في هذا الموضوع، بما في ذلك إمكان التمثيل الفلسطيني في إطار وفد عربي مشترك.
2- حق تقرير المصير للفلسطينيين: في هذا الشأن قال زوتوف إن حل المسألة الإقليمية يجب أن يسبق حل المسألة القومية. وأضاف أنه على الرغم من أن الاتحاد السوفياتي يطالب بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، فهناك إمكان للبحث في هذا الموضوع في المرحلة الثانية فقط، وربما بين فلسطين والأردن كمسألة عربية داخلية. وهو لم يتحدث عن دولة فلسطينية، وأشالار أنه يؤمن بأن منظمة التحرير الفلسطينية سوف تكون على استعداد للقبول بالتسوية المرحلية.
3- المؤتمر الدولي: ذكرت الصحف أن بيرس تلقى من دوبرينين تأكيداً بأن الاتحاد السوفياتي يعتبر المؤتمر إطاراً محدداً من دون أن تكون له صلاحيات فرض وإلزام. لكنه لم يتخل عن طلبه أن تكون في المؤتمر لجان متعددة الأطراف إلى جانب اللجان الثنائية التي ستجري فيها مفاوضات مباشرة.
وعلى الرغم من أن شمعون بيرس وجد المقترحات السوفياتية "مثيرة للاهتمام" وأكثر تقدماً مما كانت عليه في الماضي، فإنه أكد رفض إسرائيل مشاركة منظمة التحرير في المؤتمر الدولي. من جهتها، وصفت الصحف الإسرائيلية المقترحات السوفياتي بأنها "محاولة لإحداث ثغرة في الإجماع القومي الواسع ضد إقامة دولة فلسطينية، وضد منظمة التحرير."
في 28 تموز/ يوليو 1988، وصل الوفد القنصلي الإسرائيلي إلى موسكو. وصرّح رئيسه أن بعثته تُعتَبَر "أول خطوة في عملية تحسين العلائق بين إسرائيل والاتحاد السوفياتي." أما السوفيات، فسارعوا إلى إعلان أن وصول الوفد ليس خطوة لاستئناف العلائق بين البلدين. ولفت أنظار المراقبين عدم مشاركة أي مسؤول سوفياتي في استقبال الوفد.
السوفيات: "لا علائق من دون موافقة على المؤتمر الدولي"
امتازت سنة 1989 بأنها أتت في ظل أحداث سياسية مهمة على الصعيد الفلسطيني، مثل إعلان منظمة التحرير قيام دولة فلسطين، واعترافها بقراري مجلس الأمن 242 و338، إضاف إلى استمرار الانتفاضة في الأراضي المحتلة. أما الحدث الأهم، على الصعيد الإسرائيلي، فكان فوز الليكود في انتخابات الكنيست الثاني عشر.
استهل وزير الخارجية السوفياتي، إدوارد شيفارنادزه، السنة الجديدة بلقاء عقده مع وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه آرنس في مطلع كانون الثاني/ يناير في باريس، أعلن في ختامه أن الاتحاد السوفياتي قرر توسيع حجم نشاط بعثته في تل أبيب وتحسين أوضاع عملها، بحيث يصبح من الممكن أن تتناول موضوعات سياسية إلى جانب المسائل القنصلية. وفي شباط/ فبراير من السنة نفسها، عاد شيفارنادزه فالتقى آرنس في مصر، خلال جولة قام بها في عدد من الدول العربية للبحث في مسألة التسوية السلمية. وقد اتضح في نهاية المحادثات، التي جرت بين شيفارنادزه وآرنس، أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لا تؤيد فكرة عقد مؤتمر للسلام، ولا توافق طبعاً على التفاوض مع منظمة التحرير.
لخص شيفارنادزه الموقف السوفياتي في كلمة ألقاها في النادي السياسي للحزب الديمقراطي المصري، حين قال: "كما فهمت من الحديث مع آرنس، فإن فكرة المؤتمر الدولي لا تنال حتى الآن حظوة لدى الإسرائيليين. أما نحن فنرى أن المؤتمر بالذات يقدم فرصة لحل وسط تاريخي بين العرب وإسرائيل. ونود أن تعلم حكومة إسرائيل أن اختيارها للمؤتمر وموافقتها على الدخول في الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية سيمكّنان كلا من بلدينا من أن يخطة خطوة أخرى إلى الأمام على طريق إعادة العلائق الدبلوماسية الكاملة. أما بداية المؤتمر فمن شأنها أن تشكل بدء العد لاستئناف هذه العلائق."
من ناحية أخرى، ازدادت حدة التضارب في المواقف السياسية مع إعلان الاتحاد السوفياتي رفضه خطة رئيس الحكومة الإسرائيلية، يتسحاق شمير، التي وصفها الناطق باسم وزارة الخارجية السوفياتي، غينادي غراسيموف، بأنها مجرد "حيلة" لإرجاء التوصل إلى حل حقيقي. وأوضح في حديث أدلى به إلى وكالة أنباء مصرية، في 9 حزيران/ يونيو 1989، أن التصور الحالي لخطة الانتخابات غير مقبول من جانب الفلسطينيين، وأن ذها الموقف يحظى بتأييد بلده. وتساءل كيف تجري إسرائيل انتخابات من دون مشاركة منظمة التحرير. وقال إن بلده يجري حواراً مع الإسرائيليين لإقناعهم بقبول فكرة المؤتمر الدولي للسلام.
وهكذا بات واضحاً للإسرائيليين أن لا مجال للبحث في إمكان عودة العلائق الكاملة بالسوفيات، ما لم تتجاوب الحكومة الإسرائيلية مع المبادرة السوفياتي في شأن حل النزاع. لكن هذا الجمود في الوقف السوفياتي لم يمنع السوفيات من تأييد خطوة المجر في إعادة علائقها الدبلوماسية بإسرائيل. فقد نقلت الصحف الإسرائيلية تعليق غينادي غراسيموف على ذلك، إذ قال: "إن الاتحاد السوفياتي لن يعارض قيام دول أخرة في حلف وارسو بإعادة علائقها الدبلوماسية بإسرائيل كما فعلت المجر... فهذه الدول مستقلة في تقرير موضوع علائقها الخارجية وفق مصالحها. وبالنسبة إلى المجر، فقد أخذنا بعين الاعتبار إعلان رئيس الحكومة أن هذه الخطوة تهدف إلى دفع حل النزاع في الشرق الأوسط." من جهة أخرى، وصف مرجع رفيع المستوى في الحزب الشيوعي السوفياتي خطوة المجر بأنها "خطة إيجابية نحو السلام في المنطقة."
وعلى الرغم من الجمود الذي يحيط بموضوع إعادة العلائق بين موسكو وتل أبيب، فإن هناك مؤشرات إيجابية عديدو تجري بين البلدين على أكثر من صعيد: منها: مثلاً، امتناع الاتحاد السوفياتي في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 1989 من التصويت في الجمعية العام للأمم المتحدة إلى جانب قرار يطالب بطرد إسرائيل، على الرغم من التوضيح السوفياتي الذي صدر فيما بعد والقائل إن هذا لا يغير شيئاً من موقف السوفيات الداعي إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة، وإدانتهم لأعمال القمع والعنف التي تمارَس ضد الشعب الفلسطيني.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى الضجة التي أثارتها تصريحات السفير السوفياتي في دمشق، ألكسندر زوتوف، إلى صحيفة "واشنطن بوست" (20/11/1989)، والتي قال فيها إن على سوريا أن تتخلى عن جهودها للتوصل إلى التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل. وأشار إلى أن على الاتحاد السوفياتي أن يأخذ بعين الاعتبار الحدود الممكنة لقدرة سوريا على دفع المبالغ المستحقة عليها لقاء السلاح الذي تحصل عليه من الاتحاد السوفياتي.
لكن زوتوف سارع إلى عقد مؤتمر صحافي في دمشق أوضح فيه حقيقة كلامه الذي شوهته "وسائل الإعلام"، مشدداً على الطابع "الاستراتيجي للعلائق بين بلده وسوريا. وأكّد صلابة العلائق بدولة هي "حليفتنا الأساسية في المنطقة." وأضاف أن بلده قد تعهد بتزويد سوريا بكل مساعدة لضمان أمنها في مواجهة إسرائيل.
بعد القمة التي عقدها الرئيسان بوش وغورباتشيف في مالطا، في مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر 1989، في إمكاننا تلخيص الموقف السوفياتي من مسألتي تسوية النزاع العربي – الإسرائيلي وإعادة العلائق الدبلوماسية بإسرائيل، كالتالي:
1- وجود رغبة سوفياتية كبيرة في القيام بدور أكبر في التسوية السياسية في المنطقة، وفي دفع عجلة المفاوضات السياسية المباشرة بين الفلسطينيين وحكومة إسرائيل. والظاهر أن السوفيات تعهدوا، في قمة مالطا الأخيرة، بعدم عرقلة مشروع بيكر ونقاطه الخمس.
2- في رأي السوفيات إن قيام اتصالات سياسية مع المسؤولين الإسرائيليين يوفّر لهم وسيلة لممارسة ضغط فاعل على الأوساط الحاكمة في إسرائيل، لدفعها في طريق التسوية بحيث لا تبقى واشنطن وحدها تقوم بدور الوسيط بين إسرائيل والعرب.
3- ينبغي للدول العربية ألا تعتبر الاتصالات السوفياتية – الإسرائيلية موجّهة ضدها. فالاتحاد السوفياتي تربطه بعدد من هذه الدول معاهدات صداقة وتعاون. والأكيد أن موسكو لا تريد التخلي عمّا حققته في الشرق الأوسط. لكن التوجه الجديد في السياسة السوفياتي لم يعد يقتصر على مفهوم "الصداقة" الذي يربط الاتحاد السوفياتي بدول المنطقة، وإنما هو بدأ ينحو نحو المزج بين الصداقة والمصالح الحيوية التي له معها. من هنا يفضّل بعض الخبراء والمعلّقين السوفيات استخدام كلمة "شراكة" في وصف العلائق الجديدة للاتحاد السوفياتي بالعرب، وهي علائق تقوم على أساس الاحترام المتبادل للمصالح المشتركة.
في انتظار العلائق الرسمية، عودة النشاط
إلى الاتصالات التجارية والثقافية المتبادلة
على الرغم من الجمود الظاهر على مسألة عودة العلائق الدبلوماسية بين الاتحاد السوفياتي وإسرائيل في مستقبل قريب، فقد شهدت النشاطات المتبادلة بين البلدين جهوداً ملحوظة، تجلّت في الزيارات المتبادلة والاتفاقات التجارية والنشاطات الثقافية.
ففي المجال التجاري، وقعت مجموعة من خمسة علماء من أكاديمية العلوم السوفياتية في 13 آب/ أغسطس 1989 اتفاقية لإنشاء شركة إسرائيلية – سوفياتية، مهمتها تصدير مستلزمات إنتاج زراعي من إسرائيل إلى الاتحاد السوفياتي. وفي 27 أيلول/ سبتمبر 1989، وقّع كل من إسرائيل والاتحاد السوفياتي، بالأحرف الأولى، اتفاقية لإقامة مكتب تجاري في كل من البلدين، على أن يصار إلى التوقيع النهائي في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر.
في مطلع أيلول/ سبتمبر، جرت مفاوضات في باريس بين وفد إسرائيلي برئاسة داني غيلرمان رئيس نقابة غرف التجارة، وبين وفد سوفياتي برئاسة نائب رئيس غرفة التجارة السوفياتية. وبنتيجة المحادثات، تم الاتفاق على التعاون الاقتصادي بين البلدين. ولقد أبدى السوفيات اهتماماً خاصاً بمجال الزراعة والطبابة والتكنولوجيا الإسرائيلية. كما تم الاتفاق، على هامش اللقاءات، على التعاون بين بنك ليئومي الإسرائيلي ومصرف التجارة الخارجية في الاتحاد السوفياتي. ولقد اتفق المصرفان على تمويل الصفقات التي ستتم بين الدولتين. ووافق بنك ليئومي على تمويل صفقة تصدير أولى من إسرائيل إلى الاتحاد السوفياتي، تبلغ قيمتها سبعة ملايين دولار. وفي 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989، قام وزير الزراعة الإسرائيلي أبراهام كاتس – عوز بزيارة للاتحاد السوفياتي، بدعوة من الأكاديمية العلمية. وهناك التقى رؤساء لجنة الزراعة في مجلس السوفيات الأعلى، وزار الوفد المرافق كولخوزا. وبحث مع السوفيات في إمكان تزويد منطقة موسكو بإنتاج زراعي من إسرائيل. والمقصود صفقة تبادل يقدم السوفيات فيها سلعاً ومواد خاماً.
وفي 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989، حطت أول مرة منذ زمن طويل طائرة "إيروفلوت"، وذلك في أول رحلة تقوم الشركة بها إلى إسرائيل منذ قطع العلائق. ولقد أقلّت الطائرة الفريق السوفياتي للشطرنج الذي يحلّ ضيفاً على إسرائيل. وفي الواقع، فإن المفاوضات بين الشركة السوفياتية وشركة "أل – عال" الإسرائيلية، لافتتاح خط مباشر بين موسكو وتل أبيب، كانت قد بدأت منذ كانون الثاني/ يناير 1989. وكادت تصل إلى نتيجة لولا عقبات عدة وخلافات سوّي البعض منها، مثل مسألة إصرار السلطات الإسرائيلية على أن يكون الحفاظ على الأمن في مكاتب الشركة وعلى الطائرات في عهدة رجال الأمن الإسرائيليين. لكن ما زال الخلاف قائماً في شأن تحديد ثمن بطاقة السفر للمهاجرين الجدد إلى إسرائيل. وحتى 3 كانون الأول/ ديسمبر 1989، لم يكن قد حُدد بعد تاريخ بدء العمل على الخط الجديد.
أما على صعيد الزيارات والنشاطات الثقافية، فقد كان هذا النجال حافلاً بالنشاط. ونذكر مثلاً: زيارة وفد إسرائيلي رسمي برئاسة عضو الكنيست أفرايم غور، في 7 أيلول/ سبتمبر 1989، لجمهورية غروزيا السوفياتية؛ اشتراك أكثر من 50 مندوباً إسرائيلياً في معرض الكتب الذي أقيم في الفترة نفسها في موسكو؛ قيام الكاتب السوفياتي شينغيز إيطماطوف، عضو مجلس السوفيات الأعلى، وبحسب الصحف الإسرائيلية من أقرب المقربين للرئيس غورباتشيف، بزيارة لإسرائيل استمرت 11 يوماً؛ وفي الفترة ذاتها، وصل إلى إسرائيل فريق الباليه السوفياتي الشهير البولشوي في جولة قدّم فيها عدة عروض على المسارح الإسرائيلية؛ وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، توجه المنتخب الإسرائيلي لكرة القدم إلى موسكو، بعد انقطاع دام 24 عاماً.
في استطاعتنا أن نضيف هذا كله إلى ما لمسه الإسرائيليون من اهتمام وسائل الإعلام السوفياتية وانفتاحها على الوضع الإسرائيلي. فقد بثت التلفزة السوفياتية سلسلة من ثماني حلقات عن إسرائيل، وأجرت مقابلات مع سياسيين إسرائيليين أمثال آرنس وبيرس. وكان شمعون بيرس قد تلقى دعوة منلجنة السلام السوفياتية إلى زيارة الاتحاد السوفياتي. وقد تأجل موعد الزيارة أكثر من مرة. وفي حال حدوثها، فإن بيرس سيكون من أوائل الشخصيات الإسرائيلية التي ستزور موسكو.
ومن المجالات التي تدل على التطور الإيجابي في العلائق السوفياتية – الإسرائيلية، موضوع هجرة اليهود السوفيات؛ فما الجديد الذي طرأ على هذا الصعيد؟
قضية يهود الاتحاد السوفياتي
شغلت قضية هجرة اليهود السوفيات إلى إسرائيل مكاناً بارزاً في الاتصالات التي كانت تجري بين مسؤولي البلدين. وتركزت مطاليب الإسرائيليين، في الفترة الأخيرة، على مطالبة السوفيات بتسيير رحلات مباشرة بين إسرائيل والاتحاد السوفياتي مروراً ببوخارست، وذلك للحؤول دون توجه اليهود إلى أماكن أخرى غير إسرائيل بعد خروجهم من الاتحاد السوفياتي.
والمفارقة في الموضوع أنه في الوقت الذي كانت فيه الاتصالات الإسرائيلية – السوفياتية تخطو خطوات ثابتة نحو الأمام، كان يتقلص عدد المهاجرين السوفيات إلى إسرائيل. ففي آب/ أغسطس 1985، تقلص عدد المهاجرين بحيث بلغ أصغر رقم عرف منذ 13 عاماً؛ فقد وصل إلى إسرائيل 11 يهودياً فقط قادمين من الاتحاد السوفياتي.
الجدول رقم 1
عدد اليهود في دول أوروبا الشرقية
البلد |
عدد اليهود |
عدد السكان العام |
بلغاريا |
5100 |
9,903,000 |
رومانيا |
23,000 |
32,017,000 |
الاتحاد السوفياتي |
2,200,000 |
281,700,000 |
يوغسلافيا |
6000 |
23,123,000 |
بولندا |
8000 |
27,203,000 |
تشيكوسلوفاكيا |
12,000 |
15,500,000 |
المجر |
85,000 |
10,649,000 |
ألمانيا الشرقية |
650 |
16,644,000 |
المصدر: نقلاً عن:
The Jewish Year Book, 1988.
وتعتبر إسرائيل الاتحاد السوفياتي أكبر احتياطي للمهاجرين اليهود؛ ففيه أكبر جالية لليهود في مجمل أوروبا الشرقية (أنظر الجدول رقم 1)، إلى جانب أن المهاجرين السوفيات هم من الأشكناز، ومن أصحاب المهارات والخبرات، أي ما تحتاج إسرائيل إليه حالياً لإعادة التوازن الذي اهتز لمصلحة اليهود الشرقيين داخل المجتمع الإسرائيلي اليوم.
ومع المرونة التي أبدتها السلطات السوفياتية إزاء هجرة اليهود، فإن مشكلتهم لم تحل. فقد أدركت الأجهزة الإسرائيلية المكلفة شؤون الهجرة أن المشكلة لا تكمن في خروج اليهود من الاتحاد السوفياتي فقط، وإنما في حملهم أيضاً على التوجه إلى إسرئايل. فقد تبين أن الأغلبية الساحقة لليهود السوفيات تفضل الهجرة إلى الولايات المتحدة عن الهجرة إلى إسرائيل. وهكذا باتت مشكلة تساقط اليهود السوفيات (توجههم إلى غير إسرائيل) من المسائل الضاغطة التي تتطلب حلاً جذرياً، ولا سيما بعد أن بلغ معدل التساقط نحو 90% سنة 1988 (أنظر الجدول رقم 2).
الجدول رقم 2
يهود الاتحاد السوفياتي: مغادرتهم وهجرتهم وتساقطهم، 1968 – 1988
السنة |
عدد المغادرين |
المهاجرون إلى إسرائيل |
عدد المتساقطين |
1968 |
231 |
231 |
- |
1969 |
3033 |
3033 |
- |
1970 |
999 |
999 |
- |
1971 |
12,897 |
12,839 |
58 |
1972 |
31,903 |
31,652 |
251 |
1973 |
34,733 |
33,277 |
1456 |
1974 |
20,767 |
16,888 |
3879 |
1975 |
13,363 |
8435 |
4928 |
1976 |
14,254 |
7250 |
7004 |
1977 |
16,833 |
8350 |
8483 |
1978 |
28,956 |
12,090 |
16,866 |
1979 |
51,331 |
17,278 |
34,053 |
1980 |
21,648 |
7570 |
14,078 |
1981 |
9448 |
1762 |
7686 |
1982 |
2692 |
731 |
1961 |
1983 |
1314 |
861 |
453 |
1984 |
896 |
340 |
556 |
1985 |
1140 |
348 |
792 |
1986 |
904 |
201 |
703 |
1987 |
8155 |
2072 |
6083 |
1988 |
18,961 |
2173 |
16,788 |
المجموع |
294,548 |
168,380 |
126,078 |
المصدر: أعدّ هذه الأرقام المجلس العام من أجل يهود الاتحاد السوفياتي، ونشرته "غيشر، (119)، ربيع سنة 1989، ص 19.
ولقد توصلت السلطات الإسرائيلية إلى حل هذه المشكلة عن طريق تغيير قوانين الهجرة من الاتحاد السوفياتي إلى الولايات المتحدة، الذي بدأت السلطات الأميركية تنفيذه مؤخراً.
فمنذ بداية تشرين الأول/ أكتوبر، بات على كل راغب في الهجرة من الاتحاد السوفياتي إلى الولايات المتحدة، أن يحصل على تأشيرة هجرة من السفارة الأميركية في موسكو. وبما أن هناك أكثر من 40 ألف تأشيرة هجرة معطاة من الولايات المتحدة ليهود الاتحاد السوفياتي، فإن على كل طالب تأشيرة جديدة أن ينتظر على الأقل عاماً كاملاً.
وقد توقعت الجهات الرسمية في إسرائيل أن تؤدي الإجراءات الجديدة إلى هجرة نحو 100 ألف يهودي سوفياتي إلى إسرائيل خلال السنوات الثلاث أو الخمس المقبلة. وسرعان ما اتضح أن عدد المهاجرين السوفيات آخذ في الازدياد. ولقد كشف مؤخراً رئيس دائرة الهجرة والاستيعاب في الوكالة اليهودية، أوري غوردون، أن 900 ألف يهودي سوفياتي تقدموا حتى الآن بطلبات هجرة إلى إسرائيل. لكن يبدو أن الحكومة الإسرائيلية غير قادرة، بإمكاناتها الحالية، على استقبال هذه الأعداد الضخمة من المهاجرين الجدد واستيعابها. من هنا، توجهت بطلب قرض من الولايات المتحدة يقدّر بـ 4000 مليون دولار لاستيعاب هؤلاء المهاجرين وإسكانهم. وتقدّر الحكومة أن عملية الاستيعاب تتطلب مبلغ 3 مليارات دولار.
وإزاء هذه الأرقام والوقائع، تحوّلت هجرة اليهود السوفيات وعملية استيعابهم اليوم إلى مشكلة يهودية – إسرائيلية، ولم تعد مشكلة سياسية مع دولة عظمى استغلتها إسرائيل لوقت طويل كموضوع للابتزاز السياسي واستدرار العطف الدولي عليها.
إسرائيل ودول الكتلة الاشتراكية:
علائق مصالح
تختلف علاقة إسرائيل بدول المنظومة الاشتراكية عن علاقتها بالاتحاد السوفياتي. إذ على الرغم من قرار قطع العلائق الدبلوماسية، فقد حافظت إسرائيل على خيط من المصالح التجارية والاقتصادية مع هذه الدول طوال هذه الفترة (أنظر الجدول رقم 3). ويظهر مثلاً أن يوغسلافيا التي تعتبر أكثر الدول الاشتراكية محافظة وتمسكاً بمبدأ انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها سنة 1967 كشرط لإعادة العلائق الدبلوماسية بها، هي الدولة التي تمتلك أكبر ميزان تجاري مع إسرائيل. ففي سنة 1984، بلغ الميزان التجاري الإسرائيلي مع يوغسلافيا 44 مليون دولار، وبلغت صادرات إسرائيل إليها 21 مليون دولار. هذا، على الرغ من علائق يوغسلافيا بكتلة دول عدم الانحياز التي تملك الدول العربية فيها تأثيراً كبيراً. وحتى الآن، ما زالت يوغسلافيا البلد الأكثر تعاوناً اقتصادياً مع إسرائيل. وفي 24 أيار/مايو 1989، ختم وفد اقتصادي يوغسلافي زيارة قام بها لإسرائيل بتوقيع اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتجاري بين اتحاد المكاتب التجارية الإسرائيلية ويوغسلافيا. كما تقرر تبادل الزيارات للوفود الاقتصادية بين الدولتين وإنشاء أجهزة التبادل العلمي. وفي 16 كانون الأول/ ديسمبر 1989، ذكرت وكالات الأنباء أن لجنة اشؤون الخارجية في مجلس النواب اليوغسلافي اتخذت قراراً بفتح ممثلية لها في إسرائيل، وأن إعادة العلائق الدبلوماسية مرهونة باعتراف إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. أما بلغاريا، التي تنادي بإقامة دولة فلسطينية وبمفاوضات للسلام، والتي لم تخرج حتى الآن من جمودها السياسي مع إسرائيل، فقد بلغت قيمة صادراتها إلى إسرائيل 5 ملايين دولار سنة 1984، وقيمة وارداتها منها 15 مليوناً. وفي مطلع تشرين الأول/أكتوبر 1989، نشرت الصحف الإسرائيلية خبراً ورد فيه أن بلغاريا ستفتح في وقت قريبت مفوضية رسمية لوزارة التجارة الخارجية لديها. وستسعى لتوطيد الصلة الاقتصادية بإسرائيل، وهي تأمل بأن يساعدها ذلك في الاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية. كما تأمل بمساعدة إسرائيل لدخول أسواق أوروبا الغربية والولايات المتحدة.
الجدول رقم 3
العلائق التجارية بين إسرائيل ودول أوروبا الشرقية
تستند هذه الأرقام إلى معطيات وزارة الصناعة والتجارة (بآلاف الدولارات)
الدولة |
استيراد في سنة 1987 |
تصدير في سنة 1987 |
استيراد في النصف الأول من سنة 1988 |
تصدير في النصف الأول من سنة 1988 |
بلغاريا |
1,150 |
2,708 |
1,196 |
4,104 |
الاتحاد السوفياتي |
- |
- |
- 38 |
- |
ألمانيا الشرقية |
2,040 |
109 |
67 |
356 |
المجر |
8,056 |
9,572 |
11,208 |
5,373 |
يوغسلافيا |
24,138 |
15,295 |
8,499 |
12,593 |
بولندا |
4,258 |
53 |
146 |
537 |
تشيكوسلوفاكيا |
2,541 |
191 |
147 |
928 |
رومانيا |
6,770 |
30,593 |
19,120 |
5,235 |
المجموع |
48,953 |
58,958 |
40,421 |
29,126 |
المصدر: نقلاً عن: "هآرتس"، 7/10/1988.
وكذلك، فإن المسؤولين التشيكوسلوفاكيين، وهم الذين يعتبرون من المتحفظين في تأييدهم لسياسة "الغلاسنوست" ولغورباتشيف، بدأوا هم أيضاً اتصالات بالإسرائيليين. واتفق مؤخراً وزيرا الخارجية التشيكي والإسرائيلي على إرسال بعثة قنصلية. وذكرت الصحف الإسرائيلية أن وزير الخارجية التشيكي اقترح على بيرس إرسال خبراء إلى إسرائيل لدراسة إمكانات توسيع العلائق الاقتصادية بين البلدين. وأضاف أن براغ أثبتت منذ سنة 1967 أنها شريك جيد في الأعمال مع إسرائيل، وأنها على عكس بعض دول أوروبا الشرقية الأخرى لا تغرق في الديون. واقترح إقامة عملية توأمة بين مدن إسرائيلية وأخرى تشيكية. وكان آبا إيبن قد قام بزيارة لتشيكوسلوفاكيا أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 1988، حيث استقبله الزعيم التشيكي بوهميتس كوشوفا. وكانت هذه أول زيارة يقوم بها عضو كنيست إسرائيلي لتشيكوسلوفاكيا منذ قطع العلائق بين البلدين.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التحسن في علائق الدول الاشتراكية بإسرائيل يترافق مع أزمات داخلية حادّة، عصفت وتعصف بهذه الدول، وتؤدي إلى إحداث تغييرات جوهرية وأساسية فيها. ومن أهم التغيرات التاريخية التي هزت أوروبا الشرقية، كان ذلك الذي شهدته ألمانيا الشرقية. وكان من نتائجه سقوط جدار برلين وفتح الأبواب بين الدولتين الألمانيتين. وفي تسلسل مفاجىء للأحداث، عاشت ألمانيا الشرقية تغيرا سياسية جذرية أدت إلى إطاحة القيادة السياسية السابقة للبلد وإحالتها على المحاكمة، والبدء بعملية إصلاح سياسي جذرية تشمل الحزب الشيوعي الذي يطالب حالياً العديد من أعضائه بحلّه وتشكيل حركة "اشتراكية عصرية".
كان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي إدغار برونفمان قد قام في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر بزيارة لألمانيا الشرقية، صرح بعدها أن ألمانيا قد لا تكون البلد الأول الذي يقيم علائق بإسرائيل، لكنها لن تكون الأخيرة. لكن في ضوء ما حدث ويحدث، طرأ زخم جديد على الموضوع برز في تصريح وزير خارجية ألمانيا الشرقية في 8 كانون الأول/ ديسمبر 1989، خلال لقائه رئيس الطائفة اليهودية هناك سيغموند روتشتاين، إذ قال إن بلده مستعد لإعادة علائقه الدبلوماسية بإسرائيل. كما أعلن تأييده لـ "حل عادل ودائم للنزاع في الشرق الأوسط"، مما يفترض "تأمين الحقوق المشروعة لكل دول المنطقة وشعوبها، وبينها الشعب الفلسطيني." والواقع، أن التطورات السياسية في ألمانيا الشرقية سرّعت كثيراً عملية التقارب مع إسرائيل. ففي 14 كانون الأول/ ديسمبر 1989، أفادت وكالة أنباء ألمانيا الشرقية أن مسؤولاً رفيع المستوى أكد استعداد ألمانيا لمناقشة موضوع إعادة العلائق الدبلوماسية بإسرائيل. وذكر نائب وزير الخارجية الألماني أن هذه المفاوضات يجب ألا تُسيء إلى العلائق الجيدة بالدول العربية. ولا مساومة بين إقامة العلائق بإسرائيل والتزام ألمانيا اعترافها بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
المجر:
في الوقت الذي أعلنت المجر إعادة علائقها الدبلوماسياة الكاملة، في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 1989، كان هذا البلد يشهد تغييرات جذرية بدت أنها سلسلة من تطورات أساسية يمر بها عدد من دول المنظمة الاشتراكية.
ففي مطلع الشهر المذكور، أعلن الحزب الشيوعي المجري الحاكم حلّ نفسه، وإنشاء حزب اشتراكي جديد يلتزم الديمقراطية البرلمانية والحريات المدنية واقتصاد السوق. وأعلن أن البلد سيخوض، في ربيع سنة 1990، انتخابات برلمانية حرّة من شأنها أن تنهي سيطرة الحزب الشيوعي في المجر.
أولى الإسرائيليون المجر اهتماماً خاصاً، لأنهم اعتبروها أقلّ الدول الاشتراكية معاداة للصهيونية. إذ يتمتع اليهود هناك بحرية كبيرة. وبرز هذا الاهتمام بالزيارات الرسمية التي قام بها كل من شمعون بيرس ويتسحاق شمير لهذا البلد في سنة 1988. ولقد أدت المساعي الإسرائيلية إلى افتتاح مكتب لرعاية المصالح في كل من بودابست وتل أبيب في آذار/مارس 1988. ثم بدأ الضغط الإسرائيلي على المجريين لإعادة العلائق الكاملة. لكن، كان يجب الانتظار أكثر من عام كي يحدث ذلك.
وفي الواقع، فإن عدوة العلائق بالمجر ذات صلة بالمشكلات الاقتصادية التي يعانيها هذا البلد أكثر مما لها صلة بالوقائع والتغيرات السياسية التي تحدث فيه. إذ يعاني الاقتصاد المجري نتيجة حاجته الماسة إلى الانفتاح على أسواق جديدة للتصدير. هذا، بالإضافة إلى حاجته إلى رؤوس أموال أجنبية لاستثمارها في مشاريع اقتصادية مختلفة. وهنا يبرز دور الإسرائيليين الذين يعتبرهم المجريون "جسرهم" إلى الغرب وإلى الولايات المتحدة.
والمجر هي الدولة الأولى في الكتلة الشيوعية التي طبقت إصلاحات اقتصادية في العقدين الأخيرين، ومزجت بين الأسلوب الاشتراكي والاقتصاد الحر، فأقامت قطاعاً خاصاً صغيراً له دينامية ويتمتع باستقلالية نسبية. ويعتبر مستوى الحياة في المجر الأعلى بين دول الكتلة الشرقية. لكن الاقتصاد المجري واجه صعوبات كبيرة، فارتفعت نسبة التضخم، وانخفضت القوة الشرائية بسرعة مفاجئة، مما دفع الدولة إلى الاستدانة للحفاظ على مستوى الحياة الأمر الذي ضاعف الدين الخارجي الذي بلغ 18 مليار دولار، وهو الأكبر بالنسبة إلى عدد السكان في أوروبا الشرقية كلها.
وانطلاقاً من هذا كله، يتوقع المجريون أن تدعم إسرائيل بلدهم اقتصادياً عن طريق جذب المشاريع الاقتصادية التي تملكها في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من الثمن الذي قد تضطر المجر إلى دفعه في علائقها بالدول العربية، فإنها مقتنعة بأن إسرائيل تمسك في يدها اليوم أوراقاً اقتصادية لا تقل عن تلك التي يملكها العرب.
أما إسرائيل فتنتظر من المجر أن تكون "جسرها" نحو الكتلة الشرقية. ويعتقد مسؤولون في وزارة الخارجية الإسرائيلية أن الدول الآن هو لبولندا بعد المجر.
بولندا:
تركت بولندا بعد قطعها علائقها بإسرائيل فرعاً مصرفياً فيها. وحافظت طوال هذه السنوات على صلاتها الثقافية بها. ونظراً إلى حادة الحكومة البولندية إلى مداخيل من العملة الصعبة من قطاع السياحة، فقد عمدت إلى صيانة معسكرات الإبادة النازية الموجودة على أراضيها، وحولت معتقل أوشفيتس إلى متحف. واستُخدم المصرف البولندي في إسرائيل قناة لتخويل الأموال والهدايا من إسرائيل إلى أقاربهم في بولندا، كما كان يحتفظ بحساب موظفي سفارة رومانيا في غسرائيل. ومع ذلك، ظلّ الميزان التجاري مع بولندا ضعيفاً فبلغ 100 ألف دولار سنة 1984.
في أيلول/ سبتمبر 1986، كانت بولندا أول دولة في أوروبا الشرقية تفتح مفوضية لها في تل أبيب، في الوقت الذي بدأ العمل في المفوضية الإسرائيلية في وارسو. ومنذ ذلك الحين، ما زال الإسرائيليون ينتظرون الخطوة التالية: إعادة العلائق الدبلوماسية. وهم يرون أن الخطوة المجرية ستشجع البلونديين على حسم الأمر. لكن الراهن أن وتيرة البولنديين أبطأ من المجريين. هذا على الرغم من أن بولندا هي أيضاً تمر بفترة تقلبات وتغيرات سياسية، لعل تعبيرها الأمثل سيطرة نقابة "التضامن" على الحكومة البولندية الحالية بعد فوزها في الانتخابات. وقد انتظر الإسرائيليون أن تنعكس التطورات السياسية الأخيرة في بولندا بصورة إيجابية على علاقتهم بهذا البلد. وهم من أجل بلوغ هذا الهدف لم يولوا اهتماماً كبيراً للمشكلة التي برزت مع السلطات البولندية نتيجة إقدام راهبات الكرمليت على إقامة دير لهم على أراضٍ تقع داخل حرم معسكر الإبادة أوشفيتس الذي يعتبر ملكاً للطائفة اليهودية. وذلك على الرغم من الضجة الكبيرة التي أثارتها القضية في أوساط أوروبا، والتي وصلت إلى حد اتهام البولنديين بمعاداة السامية. واللافت هنا أن التعامل الإسرائيلي مع المشكلة كان هادئاً وبعيداً عن التحريض.
وفي الواقع ينتظر الإسرائيليون أن تعيد علائقها الدبلوماسية في وقت قريب قبل نهاية سنة 1989، وفي أبعد تقدير في بداية السنة الجديدة. هذا هو الانطباع الذي خرج به موشيه آرنس بعد لقائه وزير الخارجية ال البولندي الجديد في بروكسل أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. ومما يزيد في هذا الإمكان ما نقل في أواخر الشهر ذاته عن رئيس نقابة "التضامن"، البروفسور برونيسلاف غارمك، من أن كتلته في البرلمان ستدعم قرار تسريع إعادة العلائق الكاملة بإسرائيل. وهذا أيضاً ما أكده المندوب البولندي الجديد، رئيس مكتب المصالح في تل أبيب في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1989، إذ قال إنه يأمل بأن تعاد العلائق وتفتح السفارة البولندية أبوابها في إسرائيل في وقت قريب جداً. وفي 27 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، قام القائم بأعمال رئيس الحكومة، شمعون بيرس، بزيارة رسمية لبولندا أوضح بعدها نائب وزير الخارجية البولندية، تعليقاً على أخبار نشرتها الصحف الإسرائيلية وتحدثت عن أن قراراً بإعادة العلائق قد اتخذ: "إن هذا الخبر غير صحيح. فحكومة بولندا تدرس إمكان إعادة العلائق الدبلوماسية بإسرائيل في المستقبل القريب جداً، لكنها لم تتخذ قراراً كهذا." ولقد التقى بيرس خلال زيارته، بالإضافة إلى وزير الخارجية البولندي، الرئيس ياروزلسكي. وبالاستناد إلى التقديرات التي رشحت عن نتائج هذه الزيارة، فإن عودة العلائق بين إسرائيل وبولندا ستكون على الأرجح في مطلع كانون الثاني/ يناير 1990. وفي الواقع فقد قام وزير خارجية بولندا في 15 كانون الأول/ ديسمبر 1989 بإبلاغ جامعة الدول العربية عزم بلده على إعادة علائقه بإسرائيل في مطلع الشهر المقبل.
وفي انتظار عودة العلائق، ثمة خطوات عدة تجري لترسيخ التعاون بين البلدين، ولا سيما على الصعيدين الزراعي والصناعي. ويدخل في هذا الإطار تعهد الإسرائيليين بتسويق المنتوجات الزراعية البولندية، والوعود باستثمار رؤوس أموال أجنبية في مشاريع صناعية داخل بولندا.
رومانيا:
تعتبر رومانيا الدولة الوحيدة التي لم تقطع علائقها الدبلوماسية بإسرائيل سنة 1967. وقد حافظت على شبكة من العلائق السياسية والاقتصادية والثقافية معها طوال هذه الفترة، على الرغم من المواقف الرومانية الرسمية المطالبة بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة، ومعارضة سياسة الضمّ الإسرائيلي للأراضي المحتلة، والعلائق الوثيقة التي تربط بين رومانيا وقيادة منظمة التحرير.
لكن حتى رومانيا تتطلع الآن إلى الحصول على الدعم الاقتصادي من إسرائيل. ولهذا الغرض أرسل الزعيم الروماني، نيكولاي تشاوشيسكو، نائب رئيس حكومته في أيار/ مايو 1988 إلى إسرائيل للبحث في سبل تمتين العلائق بين البلدين في مجالي الاقتصاد والزراعة.
من جهة أخرى، ذكر مصدر مطلع لصحيفة "هآرتس" (28/6/1988) أن رومانيا ستحصل على مبلغ ألف دولار في مقابل كل يهودي يعبر أراضيها ف طريقه إلى إسرائيل. كما ستحصل على ترتيبات تجارية خاصة.
وبعد زيارة قام بها إدغار برونفمان، رئيس المؤتمر اليهودي والشخصية اليهودية التي أدت وتؤدي دوراً أساسياً في تطبيع العلائق بين إسرائيل ومعظم الدول الاشتراكية، قال إن رومانيا تسعى وراء استثمار المال اليهودي في مشاريع مشتركة.
خلاصة
يقدر الإسرائيليون أن سياسة غورباتشيف الجديدة، ورياح التغيير التي تهب حالياً على دول أوروبا الشرقية، سيكون لها المزيد من النتائج الإيجابية على صعيد علائق هذه الدول بهم. وهم يعتقدون أن عامل الزمن يعمل لمصلحتهم، نظراً إلى المكانة التي تحتلها إسرائيل سواء في الغرب أو في الولايات المتحدة، حيث تتوجه أنظار الدول الاشتراكية في الفترة الحالية.
والراهن أن الإسرائيليين غير مستعدين، في الوقت الحاضر، لتقديم أية تنازلات سياسية في مقابل تطبيع العلائق بالسوفيات أو بغيرهم. ففي رأيهم أن المسار الذي بدأ قبل أربعة أعوام سيستمر على الرغم من التعنت الإسرائيلي الرافض حتى الآن لمسارات التسوية المقترحة من السوفيات أو من غيرهم.
* نشرتها صحيفة "عال همشمار"، 12/5/1988. وللمزيد من تفاصيل النقاشات التي دارت في لقاء بيرس – زوتوف، في الإمكان العودة إلى مقال: دفنه فاردي، "عال همشمار"، ملحق السبت، 13/5/1988. أما لقاء بيرس – دوبرينين، ففي الإمكان العودة إلى "دافار"، 19/5/1988.