زحلان (تحرير). "إعادة إعمار فلسطين: التنمية المدينية والريفية" (بالإنكليزية)
الكتاب المراجع
المقال الأصلي: 
النص الكامل: 

منذ اتفاقات السلام الإسرائيلية – الفلسطينية سنة 1993، شغل التحدّي المتمثل في إعادة الإعمار والتنمية موقعاً مركزياً في برنامج العمل السياسي الفلسطيني. وممّا يؤكّد الاهتمام المتزايد بهذا الموضوع، الحاجة المزدوجة إلى عكس عملية التراجع الطويل الأجل في البنية التحتية التي أُهملت طوال سبعة وعشرين عاماً من الاحتلال الإسرائيلي، وإلى تحقيق إنجازات ملموسة على الأرض من خلال عملية السلام. ومن المتطلبات الإنمائية التي حدّدتها السلطة الفلسطينية والمانحون منذ سنة 1993، تلك المتصلة بالبنية التحتية، بما فيها الإسكان، لمواكبة النموّ السكاني المتسارع، والمضغوط بضيق الأرض ونقص المرافق السكنية. وتُعتبر هذه المتطلبات عناصر أساسية بالنسبة إلى التنمية والسلام.

وكرئيس فريق من المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية وإعادة الإعمار، قام أنطوان زحلان – المعروف بإنجازاته في مجالات السياسة العلمية والتكنولوجيا والموارد البشرية في العالم العربي – بتنظيم وتنفيذ مؤتمر في عمّان سنة 1996، ضمّ مجموعة متنوّعة من الخبراء الفلسطينيين والعرب والدوليين، للبحث في الموضوعات الواردة في هذا الكتاب. وينضاف إلى رصيده أنه قام بتحرير ونشر هذه المجموعة الفريدة التي تزيد على أربعين دراسة متطلعة إلى المستقبل، عن الأوضاع السكنية الفلسطينية وحاجاتها، وعن الاستراتيجيات والسياسات الإنمائية المدينية والريفية للمرحلة الانتقالية وما بعدها.

وفي شأن ما يجب أن يصبح حتماً مرجعاً أساسياً في الموضوع، رتّب زحلان بعناية المسائل المتنوعة في المجال التقني والسياسي، تحت ستة عناوين مترابطة: 1) المؤسسات والتخطيط والسياسات؛ 2) استخدام الأراضي وامتلاكها؛ 3) إطار العمل التنظيمي؛ 4) الخيارات السكنية، صيانتها وتجديدها؛ 5) الخدمات المالية؛ 6) صناعة البناء. إن الدراسات كلها التي أعدّتها نخبة قدية من الخبراء الأكاديميين وسواهم، تعالج المسائل ذات الأولوية التي تواجه جهود الإسكان وإعادة الإعمار، استناداً إلى الواقع الفلسطيني، فضلاً عن الخبرات والدروس الدولية ذات الصلة. ويشكّل كل من هذه المساهمات دراسة قائمة بذاتها، مدعومة بثروة من المراجع والبيانات. ويسبق الأقسام الستة الرئيسية دراسات موضوعية تؤدي إلى الدراسات اللاحقة، لإعطاء فكرة أوسع عن الموضوعات في قيد الدراسة. وهذا التقديم المفيد يتيح للقارىء تحديد المسائل المشتركة في كل دراسة موضوعية، ويبرز مواطن القوة في المساهمات المتنوعة. وغنيّ عن القول إن قلّة من القرّاء قد تحتج إلى دراسة الأزمة السكنية في فلسطين من جميع الزوايا التي يتناولها هذا الكتاب. لكنْ على الرغم من حجم الكتاب، وعمقه، وتعقيده الظاهر، فإنه في متناول جمهور عريض، مهتم بديناميات بناء المؤسسات الفلسطينية وبجهود إعادة الإعمار، كما أنه في متناوَل الخبراء وصانعي السياسة.

ويعرض الكتاب موجزاً عن توصيات مؤتمر عمّان بشأن الحاجات المستقبلية الكثيرة، وما يقابلها من إجراءات لإعادة تأهيل افسكان المديني والريفي في فلسطين، فضلاً عن التخطيط وإطار العمل المؤسساتي. ويُبرز هذا الموجز الخطوات العاجلة والفورية المطلوبة، إضافة إلى إجراءات في المديين المتوسط والبعيد، الأمر الذي يشكّل خطة عمل مفيدة على مختلف المستويات. ومن أقوى الرسائل المنقولة عبر هذه التوصيات، الحاجة الماسّة إلى إقامة مؤسسات نوعية وآليات تنسيق مرنة، وإلى سياسات حديثة ذات صلة، وإلى أنظمة وإجراءات مقبولة دولياً، على أن تكون القيادة في معظم الميادين للسلطة الفلسطينية والنظّمات غير الحكومية.

والواقع أنه بينما تنسحب الطبيعة التقنية والجوهرية لهذه الدراسة على كل من الأقسام والمساهمات الواردة فيها، فإنه يتخلّلها بالمقدار نفسه دعوة إلى العمل السريع على مستويات متعددة، لتلافي المزيد من التراجع، وتجنّل تكرار أخطاء الآخرين. وترى هذه الجماعة المميّزة من الخبراء ضرورة تنفيذ تشكيلة واسعة من الإصلاحات والإجراءات والأعمال، كي تستطيع فلسطين تلبية حاجاتها وتحقيق تطلّعاتها على صعيد التنمية المدينية والريفية، وتخطيط استخدام الأراضي، والإسكان، وصيانة البيئة وحمايتها، والدور المتزايد للإسكان والبناء في إنهاض الاقتصاد الفلسطيني.

وهذه الفجوة بين الوقائع على الأرض والتطلّعات إلى مجتمع مدني فلسطيني عصري ومؤهل فنّياً، ربّما هي تحديداً العامل المزعج الوحيد الذي يبرزه هذا الكتاب المهم. فكما هي الحال في مجالات أُخرى للتنمية الفلسطينية، هناك نوع من الإحباط الناجم عن مقارنة ما يجب عمله بما تمّ تحقيقه منذ سنة 1993، وما يمكن توقّع حدوثه فعلاً. وإذا أخذنا في الاعتبار أداء السلطة الفلسطينية حتى الآن، والوضع الفلسطيني الراهن – بين الاحتلال، والحكم الذاتي، والمفهوم المرحلي للاستقلال المنشود – فإن المخطّط الطموح للعمل المقترح في الكتاب ربما يستغرق وقتاً أطول كثيراً مما هو متوقّع، أو مطلوب، أو مرغوب فيه، كي يبصر النور.

السيرة الشخصية: 

رجا الخالدي: باحث وكاتب متخصص باقتصاد الإنماء الفلسطيني.