في أيار/مايو 1998، أي في الذكرى الخمسين للنكبة، أصدر الدكتور سلمان أبو ستة خريطة شاملة لفلسطين بعنوان: "وطننا فلسطين" أظهر فيها، بالتفصيل الدقيق، القرى والمواقع والأماكن التي احتلتها القوات الصهيونية وطردت سكانها العرب سنة 1948. وهذا العمل المميز جاء مباشرة بعد "سجل النكبة" الذي أعده الدكتور أبو ستة نفسه (لندن: مركز العودة الفلسطيني، 1977)، والذي شكل إضافة علمية إلى كتاب "كي لا ننسى" للأستاذ وليد الخالدي (صدر بالإنكليزية سنة 1992، ثم بالعربية سنة 1997). ووجه الإضافة في هذا المجال هو توسيع دائرة تعريف القرى والمدن المدمرة والمهجرة. فالأستاذ وليد الخالدي رصد 418 قرية دُمرت سنة 1948، بينما يرفع أبو ستة عدد الأماكن المدمرة والمهجرة إلى 531 موقعاً موزعاً على النحو التالي: 13 مدينة؛ 419 قرية؛ 99 موقعاً لقبائل فلسطينية منتشرة، في أغلبيتها الساحقة، في جنوب فلسطين.
يسجل أبو ستة 33 مجزرة ارتكبتها القوات الصهيونية بحق الفلسطينيين في سنة 1948 وحدها، ويضع أمام كل مجزرة في جدوله التاريخ التفصيلي لها. غير أنه، للأسف، لا يذكر عدد الضحايا التي سقطت في كل مجزرة، ولو تعقب هذا الأمر لكان عمله أكثر اكتمالاً.
إن أهم ما يميز هذه الخريطة هو البيانات والجداول. فثمة بيانات عن عدد القرى المدمرة والمهجرة في كل قضاء من أقضية فلسطين، وأمام كل قضاء أعداد الذين نزحوا عنه سنة 1948، وكم صارت أعداد النازحين سنة 1998، وأين يتوزع هؤلاء الآن، وما هي أعدادهم في كل بلد من بلاد اللجوء. وتُظهر الجداول أن عدد المدن والقرى التي هُجِّر أهلها بلغ 531 قرية ومدينة، وأن عدد اللاجئين بلغ 805 آلاف لاجئ، وصار عددهم، اليوم، نحو 4.920.000 لاجئ. أي أن 85% من سكان فلسطين التي استولت عليها القوات الصهيونية سنة 1948 صاروا لاجئين. ويعدد الدكتور سلمان أبو ستة الأسباب التي أدت إلى هذا النزوح الكثيف، ويستنتج أن 90% من القرى والأماكن التي نزح عنها أصحابها تعرضت لهجمات عسكرية.
رسم الدكتور أبو ستة هذه الخريطة اعتماداً على خرائط مساحة فلسطين لسنة 1942 وخرائط صندوق استكشاف فلسطين لسنة 1872، ثم بنى جداوله واستحلب معلوماته من أعمال الأستاذ وليد الخالدي، وبني موريس، وبشير نجم، وبشارة معمر، ومصطفى مراد الدباغ، وعارف العارف، فجاء هذا العمل، بلا ريب، دقيقاً ومتكاملاً ومفيداً. إنه كتاب في خريطة.