مصالحة. "أرض أكثر وعرب أقل: سياسة 'الترانسفير' الإسرائيلية في التطبيق، 1949-1996" (بالعربية)
النص الكامل: 

احتل مفهوم "الترانسفير" موقعاً مركزياً في الفكر الاستراتيجي للحركة الصهيونية، وظلت فكرة نقل الفلسطينيين إلى البلاد العربية، ولا سيما شرق الأردن وسورية والعراق، راسخة في التصور الصهيوني الذي اعتقد دوماً أن فلسطين هي أرض إسرائيل وهي حق لليهود منذ القدم؛ أمّا الفلسطينيون فهم مجرد جالية عربية استوطنت أرض إسرائيل، وعليها إمّا قبول السيادة الإسرائيلية، وإمّا الرحيل.

وهذا الكتاب يعالج، بالتفصيل، البنية الفكرية النمطية للقادة الإسرائيليين الذين ابتدعوا مفهوم "الترانسفير". وهذا المفهوم الذي شاع، على نطاق واسع، في إسرائيل بعد سنة 1948 يرى أن الحل الأمثل، في مواجهة المشكلة الديموغرافية، هو طلب المزيد من الأرض بسكان أقل من العرب. ويتحدث الكتاب عن سلسلة من الخطط العملية التي تقدم بها وزراء إسرائيليون ورسميون إسرائيليون كبار منذ سنة 1948 فصاعداً بهدف تنفيذ فكرة الترحيل. وكانت هذه الخطط تشدد على أن "الترانسفير" أو التبادل السكاني ليس أمراً غير خلقي البتة، بل إن الكثير من حالات الطرد في القرن العشرين يقدم سوابق يمكن الاستناد إليها، مثلما حدث بين اليونانيين والأتراك، أو بين الهنود والباكستانيين.

لقد ظل مفهوم "الترانسفير" يجول في رؤوس القادة الصهيونيين بعدما نجحت إسرائيل في طرد 750 ألف فلسطيني سنة 1948، مع أنها فشلت، في الوقت نفسه، في تطبيق هذا المفهوم بصورة شاملة. فاضطرت، لأسباب شتى، إلى الإبقاء على نحو 150 ألف فلسطيني كأقلية صغيرة تحت سيطرتها (صاروا اليوم 900 ألف نسمة تقريباً). وعلى الرغم من أن ميثاق "استقلالها" وعد بأن تتمسك الدولة اليهودية بالمساواة الكاملة بين جميع مواطنيها من دون تمييز في الدين أو العرق أو الجنس، فإن إسرائيل فرضت قانون الطوارئ على العرب بحجة الأمن. غير أن المقصد غير المعلن كان منع عودة اللاجئين الفلسطينيين، ودفع أعداد أُخرى من الفلسطينيين إلى خارج الحدود، وإخلاء بعض القرى والبلدات من السكان العرب، وتحقيق السيطرة على من بقي منهم.

إن أهمية هذا الكتاب لا تكمن في كشفه الثاقب عن مشاريع "الترانسفير" القديمة فحسب، بل في محاولة فهم المشاريع المستقبلية في هذا المجال أيضاً. ومن الصعب جداً على أي ناقد أن يخاطر بتحدي استنتاجات الكاتب، فمصادره التي تعتمد، أساساً، على مكتبة الجامعة العبرية، وعلى محفوظات دولة إسرائيل، وعلى الأرشيف الصهيوني المركزي في القدس، لا تترك مجالاً للشك في صحة الوقائع التي كشفها أو التي استند إليها.