- تتحدث هذه الوثيقة عن التفاصيل التي رافقت سقوط مدينة حيفا بيد اليهود في عام 1948. وتتضمن شرحاً للخطة التي وضعتها قوات الهاغاناة للهجوم على المدينة ضمن عملية نحشون، وحجم القوات المهاجمة. كما تتضمن شرحاً عن الوضع الميداني في حيفا من حيث السكان والمقاتلين وعدم التكافؤ مع القوات المهاجمة، إضافة إلى تفاصيل العملية العسكرية والرسائل التي صدرت عن اللجنة القومية العربية في حيفا قبل السقوط في شهر نيسان/أبريل 1948.
مقدمة
بدأ تنفيذ خطة دالِت في الريف في 5 ـ6 نيسان/أبريل 1948 بعملية نَحْشون. وكانت أول مدينة هوجمت في نطاق هذه الخطة طبرية، التي سقطت في 18 نيسان/أبريل. وكانت المدينة الثانية على قائمة الهاغاناه حيفا. وكان عدم تدخل الجيش البريطاني (الذي كان من المفروض أن يحافظ على الأمن والنظام حتى موعد انتهاء الانتداب في 15 أيار/مايو) في القتال في طبرية وإجلاء السكان العرب عنها حدثاً لقي ترحيباً كبيراً من قيادة الهاغاناه وفتح عيونها على حقيقة الموقف البريطاني.
وكان جرى إعداد خطة لهجوم ضخم على الأحياء العربية في حيفا، أُطلق عليها اسم "عملية مِسْبَرايْم" (المقص). لكن وضع حيفا كان مختلفاً عن وضع طبرية، مع أن المدينتين كانتا من نصيب الدولة اليهودية في قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947. فقد كانت حيفا هي الميناء الرئيسي في فلسطين والمدينة المقرر أن تلتقي فيها القوات البريطانية لدى انسحابها من بقية أنحاء البلد من أجل تجميعها ونقلها بحراً إلى بريطانيا. وفي الواقع، كانت الحكومة البريطانية أعلنت مراراً أن الجلاء العسكري عن البلد لا يمكن إتمامه في 15 أيار/مايو لأسباب لوجستية، وأن جزءاً من قواتها سيبقى في حيفا وجوارها حتى أول آب/أغسطس. علاوة على ذلك، أخبرت بريطانيا الحكومات العربية، في سياق شرحها لخطط الانسحاب، أن حركة الانسحاب ستكون من "الجنوب إلى الشمال" عبر حيفا. وكانت مشكلة الهاغاناه في حيفا، خلافاً لما كان عليه الحال في طبرية، هي أن عملية بحجم "مِسْبَرايْم" من شأنها أن تؤدي إلى مجابهة مباشرة مع الجيش البريطاني، الذي كانت دورياته تحرس المنطقة الفاصلة بين الأحياء العربية والأحياء اليهودية في المدينة.
تبددت مخاوف الهاغاناه من هذه الناحية في 18 نيسان/أبريل، عندما استدعى الجنرال هيو ت. ستوكويل، القائد البريطاني في القطاع الشمالي، إلى مقر قيادته هاري بيلين، ضابط الارتباط في الوكالة اليهودية مع الجيش البريطاني في المدينة؛ وكان ذلك في اليوم نفسه الذي سقطت فيه طبرية وأجلى الجيش البريطاني السكان العرب عنها. ومن دون شك، كان ذلك الحدث البالغ الأهمية حاضراً بقوة في ذهن ستوكويل، كما في ذهن الهاغاناه. ولدهشة بيلين وقيادة الهاغاناه (التي قدم بيلين تقريراً إليها عن اجتماعه إلى ستوكويل)، أعلم الجنرال [ستوكويل] بيلين أنه ينوي الشروع فوراً في سحب قواته من المناطق الفاصلة بين الأحياء العربية والأحياء اليهودية في حيفا وأن الانسحاب سيكون قد استكمل يوم الثلاثاء، في 20 نيسان/أبريل. ويُقال إن ستوكويل اتجه إلى خريطة كبيرة لمدينة حيفا معلقة على جدار وسأل بيلين عما إذا كانت الهاغاناه تستطيع احتلال الأحياء العربية.
كان عدد سكان مدينة حيفا 140.000 نسمة، أكثر من نصفهم بقليل يهوداً. وكانت الأجزاء العربية من المدينة ممتدة بمحاذاة شاطئ البحر من الشمال إلى الجنوب على مسافة نحو 3500 متر، وتشرف وتسيطر عليها الأحياء اليهودية الحديثة في المرتفعات العليا من جبل الكرمل (هدار هَكَرْمل). وكان عرض الأحياء العربية 1000 متر في أقصى نواحيه، ومتوسط عرض المسافة بين الأحياء اليهودية والبحر بين 350 و400 متر. وفي نقطة قريبة جداً من السوق القديمة الواقعة بالقرب من الميناء (حيث كانت توجد قوة سرّية للهاغاناه متخفية في هيئة عمال ميناء)، كانت الأجزاء العربية الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية من المدينة متصلة بعضها ببعض بخصر ضيق جداً لا يكاد يبلغ عرضه 200 متر. وكان الاتصال البري للسكان العرب ببقية أجزاء فلسطين يتم عبر جسر روشميا في الجنوب الشرقي (أنظر الخريطة).
لم يكن هناك قوات من جيش الإنقاذ في حيفا، وإنما مواطنون متطوعون فقط، مع أن القائد (الضابط الوحيد المدرّب في حيفا) أمين عز الدين، اللبناني، كان تابعاً لجيش الإنقاذ ومُعيَّناً من اللجنة العسكرية في دمشق. وكان تسلم مهمات منصبه قبل ثلاثة أسابيع فقط، في 27 آذار/مارس. وكان عدد أفراد الحامية الفلسطينية نحو 450 شخصاً، مسلحين ببنادق بريطانية وفرنسية، معظمها من مخلفات الحرب العالمية الأولى، ويشكون نقصاً مزمناً في الذخيرة. ولم يكن لدى الحامية بأكملها سوى خمسة عشر رشيشاً، وهو سلاح أساسي في حرب المدن.
في المقابل، كانت حيفا مقر وقاعدة تجنيد لواء كرملي (اللواء الثاني) البالغ تعداده 3000 مقاتل، والذي كان واحداً من الألوية السبعة التي كان يتألف منها سلاح الميدان التابع للهاغاناه. وكان لواء كرملي يمتلك عربات مصفحة، ومدافع هاون من عيار 2 إنش و3 إنشات، ومدافع رشاشة، وستنّات ورشيشات، وبنادق، وقنابل يدوية ـ جميعها متوفرة بكميات كبيرة ـ ومخزوناً من قذائف الهاون والذخيرة غير محدود عملياً. واستخدم اللواء في حيفا أيضاً سلاحين أُطلق عليهما اسم "دافيدكا" و"رصاصات باراك". وكان السلاح الأول راجمة قذائف من صنع محلي شبيهة بمدفع الهاون تطلق قذائف وزنها 60 رطلاً، وتحدث لدى انفجارها دماراً كبيراً ودويّاً هائلاً. وكان السلاح الثاني براميل نفط وألغاماً بحرية كروية محشوة بالمواد المتفجرة كانت تدحرج من المناطق اليهودية المرتفعة على الأحياء العربية الواقعة إلى الأسفل منها. ولم يكن الـ "دافيدكا" و"رصاصات باراك" سلاحين دقيقين، لكنهما كانا يحدثان تأثيراً نفسياً مدمراً عند السكان المدنيين بسبب القتل العشوائي والدوي الهائل الناجمين عن انفجار عبواتهما.
شرع لواء كرملي في التحرك، مسلحاً بمعرفة مسبقة بالنيّات البريطانية وخطط الانسحاب وبضوء أخضر من ستوكويل. وجرى تعديل خطة عملية "مِسْبَرايْم"، التي كانت مبنيّة في الأصل على تصور هجوم واسع النطاق من نمط "اضرب واهرب" على أهداف عربية رئيسية في المدينة، بحيث أصبحت تهدف إلى تكرار ما حدث في طبرية: الاحتلال الدائم للأحياء العربية وإجلاء سكانها عنها. وبما أن موعد حلول عيد الفصح كان قد اقترب (حل في تلك السنة في 24 نيسان/أبريل) جرى تغيير اسم العملية إلى "بِعور حَميتسْ" (إزالة الخبز المختمر عند اليهود في وقفة عيد الفصح) من أجل الاحتفاء بالفصح، وكي يعكس الهدف الجديد للعملية.[1]
يوم الأربعاء، 21 نيسان/أبريل، استدعى الجنرال ستوكويل بالتتالي إلى مقر قيادته ممثلِين عن الهاغاناه وعن السكان العرب ليبلغهم رسمياً نيّته الانسحاب من المناطق الفاصلة بين الطرفين. واتخذ التبليغ شكل تصريح خطي موجه بالتساوي إلى الطرفين، قرأه ثم سلمه إلى ممثلي كل منهما في الاجتماعين المتتاليين، وكان نص التصريح:
إلى المسؤولين عن الشؤون العربية واليهودية في حيفا:
خلال الأسابيع القليلة الفائتة حدثت صدامات كثيرة بين العرب واليهود. هذه الصدامات يجب أن تتوقف ويجب إعادة الأمن والنظام إلى حيفا.
لا توجد لديّ نيّة جعل الجيش البريطاني أو الشرطة يتدخلان، بأي شكل من الأشكال، في الصدامات العربية ـ اليهودية.
وأنوي حماية الشوارع والمناطق اللازمة لجلاء القوات البريطانية خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة عبر ميناء حيفا.
تبع ذلك قائمة طويلة بالطرق، وشرايين المواصلات، والأحياء في المدينة التي سيسحب قواته إليها، والتي أظهرت بوضوح ودقة، بعد استثنائها، المناطق التي ستنسحب قواته منها.
لكن بينما كان ممثلو الهاغاناه، الذين اجتمع ستوكويل إليهم في الساعة العاشرة صباحاً، يعرفون أن الانسحاب كان قد استكمل مع غروب شمس اليوم السابق، الثلاثاء 20 نسيان/أبريل، كانت تلك هي اللحظة التي علم فيها الطرف العربي بما كان يجري. وقد أدرك النقيب عز الدين، الذي كان يرافقه جورج معمَر، ضابط الارتباط العربي مع الجيش البريطاني، على الفور، مغزى التصريح عندما قرأه ستوكويل. وعندما خرج عز الدين من الاجتماع الذي عقد في الساعة الحادية عشرة صباحاً، توجه على الفور إلى دمشق لتنبيه اللجنة العسكرية إلى ما أصبح واضحاً، بعد أن سلم قيادة الحامية العربية إلى نائبه، يونس نفاع، وهو فلسطيني مهنته مهندس صحة عامة، ولا توجد لديه أدنى خبرة عسكرية.
في الساعة العاشرة صباحاً، حتى بينما كان ستوكويل يقرأ تصريحه أمام ممثلي الهاغاناه، كان لواء كرملي قد أصدر أوامره ببدء عملية "بِعور حَميتس"، وبالتحرك إلى المواقع التي أخلاها البريطانيون، وبمهاجمة المواقع العربية في منطقة جسر روشميا. وبذلك يطبق الفخ على الأحياء العربية، ويمنع الخروج منها أو وصول التعزيزات العربية إليها.
تضاعف التأثير التراكمي للأسلحة التي استخدمتها الهاغاناه بصورة متواصلة من الساعة 10:30 صباح الأربعاء، 21 نيسان/أبريل، نهاراً وليلاً حتى وقت متأخر من مساء الخميس، 22 نيسان/أبريل، بفعل القصف النفسي المتواصل للبث الإذاعي باللغة العربية من إذاعة الهاغاناه، "كول هَمَغِن" ("صوت الدفاع")، ومكبرات الصوت المحمولة على الشاحنات، التي كانت تحث العرب على إجلاء النساء والأطفال فوراً. وفي الواقع، بحسب ما أوردته صحيفة "بالستاين بوست"، التي خلفتها "جروزالم بوست"، فإن البث الإذاعي بدأ منذ الاثنين، 19 نيسان/أبريل، أي اليوم التالي للاجتماع الذي تم بين بيلين وستوكويل.
إن المؤرخين الإسرائيليين، ومنهم المؤرخون التصحيحيون الليبراليون، يعزون أهمية كبيرة للموقف الذي اتخذه رئيس بلدية حيفا اليهودي، شبتاي ليفي. ففي الاجتماع الثاني من الاجتماعين اللذين عقدا في قاعة البلدية في 22 نيسان/أبريل، وجه ليفي مناشدة حارة إلى زملائه العرب طالبهم فيها بإعادة النظر في طلبهم ـ الذي وُجِّه تحت وطأة هجوم الهاغاناه والإصابات العربية الكثيرة ـ إجلاء السكان العرب تحت حماية ملائمة. لكن ليفي لم يكن يعكس سياسة الهاغاناه؛ فالممثل الرئيسي للطرف اليهودي لم يكن ليفي وإنما كان "موتكي" مَكْليف، ضابط العمليات في لواء كرملي. وعندما التفت الجنرال ستوكويل، بعد أن أنهى ليفي كلامه، إلى مَكْليف وسأله عن رأيه في مسألة إجلاء السكان العرب، كان جوابه: "هذا من شأنهم ويتعيّن عليهم هم أن يقرروا."
في أية حال، مهما يكن الكلام الذي قيل في ذلك الاجتماع، فإن أفعال الهاغاناه كانت هي العامل المهم. وكانت الأوامر التي صدرت إلى الوحدات المهاجمة، في 21 نيسان/أبريل، تقضي بـ "قتل أي عربي تصادفونه... وبإحراق كل شيء قابل للاحتراق... وباقتحام الأبواب بالمتفجرات." لقد أُطلق لواء كرملي من عقاله بكامل قوته لمهاجمة سكان مدنيين يبلغ عددهم نحو 75.000 نسمة محصورين داخل منطقة لا تتجاوز مساحتها 1.5 كلم2. وعندما علمت قيادة الهاغاناه أن السلطات العربية كانت تدعو السكان العرب المدنيين إلى التجمع في ساحة السوق القديمة للاحتماء من القصف، أصدرت أوامرها، بحسب التاريخ الرسمي للواء كرملي، بقصف ساحة السوق بمدافع الهاون من عيار 3 إنشات. "عندما بدأ القصف، وبدأت القذائف تتساقط داخل السوق، ساد ذعر شديد. واندفع الجمهور إلى الميناء مقتحماً البوابة بعد أن نحّى جانباً الشرطة التي كانت تحرسها وصعد القوارب وبدأ الفرار من المدينة." ووصف تقرير عربي كُتب في ذلك الوقت المشهد كما يلي: "داس الرجال أصدقاءهم وداست النساء أطفالهن. وسرعان ما امتلأت القوارب في الميناء بحمولاتها البشرية، وكان الازدحام فيها مخيفاً. وانقلب كثير منها وغرق ركابه جميعاً."
لقد فاجأ تصرف ستوكويل في حيفا الحكومة البريطانية (كما فاجأ جميع العواصم العربية). واستشاط وزير الخارجية، إرنست بيفن، على السلطات العسكرية واتهمها بخذلانه. واحتاج الأمر إلى تدخل رئيس الحكومة، كليمنت أتلي، لإعادة العلاقات إلى طبيعتها بين بيفن والفيلد مارشال مونتغمري، رئيس هيئة الأركان الإمبراطورية ورئيس ستوكويل.
إن المذكرات الست المنشورة أدناه، والمكتوبة في الأصل بالإنكليزية والتي يجري نشرها هنا أول مرة، تسجل آلام احتضار مدينة حيفا في الفترة ما بين الأربعاء 21 نيسان/أبريل والأحد 25 نيسان/أبريل. وموقّعو هذه المذكرات هم أعضاء اللجنة القومية العربية في حيفا، وهي هيئة طارئة تألفت، كما حدث في المدن العربية الأُخرى، بعد صدور قرار التقسيم عن هيئة الأمم المتحدة، من أجل الإشراف على تطور الأوضاع. وكانوا رجال أعمال ومحامين، لا دراية لهم إطلاقاً بالشؤون العسكرية.
(أ) اللجنة القومية العربية في حيفا، رسالة إلى الجنرال ستوكويل، القائد العسكري، القطاع الشمالي، حيفا، بشأن تصريحه عن إعادة الانتشار، 22 نيسان/أبريل 1948.
مقدمة
منذ أن بدأت الهاغاناه هجومها الأرضي، وطوال نهار الأربعاء، 21 نيسان/أبريل، رفض الجنرال ستوكويل المحاولات المتعددة التي قامت اللجنة القومية العربية في حيفا بها لترتيب اجتماع عاجل معه. وأخيراً، في الساعة 9:30 ليلاً، وافق ستوكويل على الاجتماع إلى وفد يمثل اللجنة، لكن فقط في صباح اليوم التالي، الخميس 22 نيسان/أبريل في الساعة العاشرة. إلاّ إنه في هذه الأثناء كان عشرات الأشخاص قد قتلوا، وكثيرون جرحوا، وآلاف النساء والأطفال فروا من بيوتهم مذعورين.
والرسالة التالية هي ردّ على تصريح ستوكويل المتعلق بإعادة انتشار قوات الجيش البريطاني في حيفا (المقتبس أعلاه في الملاحظات التقديمية)، والذي سبق أن قرأه ستوكويل للممثلين العرب وأعطاهم نسخة عنه في الساعة 11:00 من صباح اليوم السابق. وقد كتب موقعو الرسالة الرد في اجتماع طارئ عقدوه الساعة 6:00 من صباح اليوم الواقع فيه 22 نيسان/أبريل، استعداداً للاجتماع الذي كان سيعقد مع ستوكويل بعد ساعات من ذلك. وسلمت إلى ستوكويل خلال الاجتماع.
نص الرسالة
اللجنة القومية العربية
حيفا
22 نيسان/أبريل 1948
إلى: القائد العسكري
القطاع الشمالي
حيفا
السيد العزيز،
1 ـ إن اللجنة القومية العربية في حيفا أُتيحت لها الفرصة للنظر في مضمون مذكرتكم المؤرخة الحادي والعشرين من الشهر الجاري، والموجهة إلى الضابط المسؤول عن الحرس الوطني العربي لمدينة حيفا، بشأن حفظ الأمن والنظام في المدينة، في انتظار الجلاء النهائي لقوات جلالته عن فلسطين.
2 ـ تُسجِّل اللجنة بقلق شديد أن في نيتكم ضمان المحافظة على الهدوء في تلك الأجزاء من المدينة المحددة في المذكرة المشار إليها أعلاه،[2] وترك الأجزاء الباقية عرضة للاضطراب والفوضى. وحيال هذه الأوضاع، تجد اللجنة نفسها ملزمة بتسجيل احتجاج شديد ضد هذا الإجراء، الذي تعتبره خرقاً فاضحاً للسياسة المعلَنة من حكومة جلالته، والتي فحواها أنها مسؤولة عن حفظ الأمن والنظام حتى الخامس عشر من أيار/مايو 1948 ضمناً، وهو التاريخ الذي سينتهي فيه الانتداب. واللجنة مقتنعة بأن موقفكم مضر بمصالح العرب، لأنه يسبب أذى كبيراً لهم، ويعرضهم لخطر عظيم ناجم عن إطلاق النار المتواصل من القناصة اليهود من المواقع المشرفة على الأحياء العربية. إن الحوادث الأليمة التي جرت الليلة الماضية، إذ أطلق اليهود النار عشوائياً، وقصفوا المستشفى العربي والأحياء العربية الآهلة في المدينة القديمة ووادي النسناس والأجزاء الشرقية من المدينة، موقعين عدداً كبيراً من الإصابات بين قتيل وجريح، [هذه الحوادث] دليل أكيد على خطأ سياستكم، التي تشكل تنكراً للمسؤوليات القانونية والخلقية للحكومة في حفظ الأمن والنظام وحماية أرواح السكان وممتلكاتهم. ونقول، من دون تردد، إن عليكم وحدكم تقع المسؤولية عن قيام اليهود بالقتل الوحشي بدم بارد لأشخاص أبرياء، الأمر الذي شجعت على القيام به، وحثت عليه، فعلاً، الترتيباتُ المبينة في مذكرتكم المشار إليها أعلاه.
3 ـ لا تجد اللجنة ضرورة لتأكيد أنها كانت دائماً مخلصة وجادة في سياستها لمساعدة السلطات في حفظ الأمن والنظام في المدينة. والأدلة الوافرة على صدق نيتها ونزاهة هدفها، يمكن العثور عليها في المناشدات الكثيرة التي وجهتها إلى السكان العرب في المدينة، وفي المنشورات التي وزعتها في الوسط العربي من حين إلى آخر. وما من شك في أن الضباط الإداريين البريطانيين، وضباط الشرطة والضباط العسكريين، سيؤكدون لحضرتكم هذه الحقيقة؛ وليس لدى اللجنة أي شك في أن موقفها في هذا المجال لا يغفل عن أي شيء محبَّذ. ففي جميع الصدامات التي اشتكت منها مذكرتكم تقريباً، كان اليهود معتدين، والعرب في موقع الدفاع عن النفس.
4 ـ إذا كان لدى السلطات الرغبة الصادقة في ضمان الأمن والنظام في المدينة، في انتظار الخروج النهائي لقوات جلالته من فلسطين، فإن اللجنة ترجو أن تقترح توفير الحراسة الكافية من الدوريات العسكرية، ليلاً ونهاراً، لجميع الأماكن التي يرجح أن تحدث فيها اشتباكات بين العرب واليهود. ومن الضروري، بصورة خاصة، أن تشمل الخطة الموجزة في مذكرتكم مناطق شوارع أللنبي، والحجاز، والناصرة، والعراق. فاللجنة تدرك أن استثناء هذه الشوارع من الترتيبات المزمعة، سيترك أمام اليهود فرصاً واسعة لشن اعتداءات دموية على العرب الأبرياء المقيمين والعاملين في تلك الأحياء. ولقد سوغت حوادث الساعات الاثنتي عشرة الأخيرة هذا التخوّف حقاً. وتجدر الإشارة إلى أن الخطة تحمي تماماً الشوارع ذات الأكثرية العربية التي يستخدمها اليهود في السياق الطبيعي لتجارتهم، بينما تحرم من تلك الحماية الشوارع التي يرتادها السكان العرب في سياق تجارتهم وأعمالهم اليومية.
5 ـ على الرغم من الحوادث المؤسفة التي وقعت الليلة الماضية، نود أن نؤكد لكم استعدادنا المطلق لمواصلة التزام السياسة التي تبنيناها واتبعناها إلى الآن، وللتعاون مع السلطات على حفظ الأمن والنظام في مدينة حيفا كلها. لكننا نشعر بعدم قدرتنا على ذلك إذا بقيت الأحياء العربية المهمة، المذكورة في الفقرة السابقة، مستثناة من الحماية الملحوظة في الخطة الواردة في مذكرتكم المؤرخة الحادي والعشرين من الشهر الجاري.
6 ـ ونحن واثقون بأنكم قادرون على إعادة النظر في هذه المسألة، في ضوء الأفكار الواردة هنا، واتخاذ الإجراء الفوري الضروري لضمان الأمن والنظام الكاملين في جميع أنحاء المدينة، ولمنع أي عدوان آخر من جانب اليهود على السكان العرب. وقد بلّغنا الدول العربية[3] الحوادث الجارية في مدينة حيفا حالياً، وأبرزنا النيات السيئة للسلطات البريطانية هنا، وخصوصاً فيما يتعلق برفض تلك السلطات تقديم أية مساعدة لإنقاذ النساء والأطفال، على الرغم من المطالبات المبكرة المتكررة، التي تقدم بها السيد جورج معمَّر، ضابط الاتصال العربي، والسيد فريد السعد، أحد أعضاء هذه اللجنة، إلى السلطات العسكرية والمدنية في المدينة.[4]
المخلصون
فيكتور أ. خيّاط
فريد السعد
جورج معمَّر
الياس كوسا
أنيس نصر
اللجنة القومية العربية في حيفا
حاشية: إننا نشعر بالألم والأسى الشديدين لغياب التعاطف من السلطات البريطانية في تقديم الإسعاف للجرحى، مع أنها طولبت بالقيام بذلك. فالكثيرون من الأشخاص المصابون بجروح خطرة، والممدَّدون في الشوارع والأبنية، تُركوا من دون أية عناية. والقنّاصون اليهود يحبطون محاولات الخدمات الطبية العربية تقديم المساعدة الضرورية. إذ وقعت حوادث إطلاق نار على سائقي سيارات الإسعاف والممرضين، فجُرحوا بينما كانوا يقومون بهذا الدور الإنساني.
(ب) اللجنة القومية العربية في حيفا، مذكرة عن الاجتماع بين الجنرال ستوكويل والممثلين العرب، 22 نيسان/أبريل 1948.
مقدمة
كتب الوفد العربي هذه المذكرة، التي تلخص فحوى المحادثات بين موقّعيها والجنرال ستوكويل في الاجتماع الذي عقد في الساعة العاشرة من صباح اليوم الواقع فيه 22 نيسان/أبريل، بينما كان الاجتماع ما زال مستمراً. وسُلِّمت إلى الجنرال ستوكويل من أجل الاطلاع عليها وتوقيعها تصديقاً على ما ورد فيها. وقد فعل ذلك.
نص المذكرة
من: [أعضاء اللجنة القومية العربية في حيفا]
نحن الموقِّعين أدناه، اجتمعنا اليوم إلى الجنرال ستوكويل، بحضور حاكم لواء حيفا، والقنصل البريطاني، والبريغادير جونسون، بشأن موضوع المذبحة الجاري تنفيذها الآن على أيدي يهود ضد عرب في مدينة حيفا. وقد بلَّغنا أنه غير قادر، وبالتالي غير مستعد لمقاتلة اليهود ووضع حد لما يجري، وأيضاً أنه لا يريد السماح للمسلحين العرب بدخول المدينة لمساعدة السكان العرب. إن اهتمامه منصب، أساساً، على حراسة الطرق والمناطق التي يحتلها الجيش. وعلاوة على ذلك، أبدى استعداده للتدخل لدى السلطات اليهودية من أجل التوصل إلى هدنة، مشيراً إلى أنه لن يتدخل إلاّ إذا وافقنا على التفاوض في شأن هدنة.
(بتواقيع....)
فيكتور أ. خيّاط
فريد السعد
الياس كوسا
جورج معمَّر
أنيس نصر
22 نيسان/أبريل 48
نُظِر هـ. ستوكويل
(ج) قيادة الهاغاناه، شروط لهدنة بين اليهود والعرب في حيفا، 22 نيسان/أبريل 1948.
مقدمة
بعد أن وقّع الجنرال ستوكويل المذكرة التي تسجل رفضه التدخل في القتال ما لم يوافق وفد اللجنة القومية العربية على التفاوض مع الهاغاناه للتوصل إلى هدنة معها، طلب الوفد، الذي كان شديد الحاجة إلى إيقاف سفك الدماء والتدمير، الحصول على شروط الهدنة.
وبحسب فريد السعد، الذي كان عضواً رئيسياً في الوفد، خلا الجنرال ستوكويل بمساعديه بحجة أنه أراد إجراء اتصال باليهود. ورجع في أقل من 15 دقيقة ليقرأ من ورقة مطبوعة على الآلة الكاتبة النص الوارد في الوثيقة التالية.
أثار الوفد اعتراضات كثيرة وشدد على ضرورة أن تشتمل الوثيقة على فقرة تشير إلى أن الهدنة لا تتضمن اعترافاً بصلاحية قانونية للهاغاناه أو بأي تغيير في المكانة السياسية للبلد، الذي كان ما زال شكلياً تحت السيادة البريطانية الانتدابية. وسجل ستوكويل ملاحظة بهذا المطلب، ووعد بتداوله مع اليهود.
إن اللافت للنظر في الوثيقة، بالإضافة إلى كونها وثيقة استسلام غير مشروط بكل ما في هذه الكلمة من معنى، هو الدور الموكل فيها إلى الجيش البريطاني بنزع سلاح السكان العرب نيابة عن الهاغاناه.
وتم الاتفاق على عقد اجتماع في قاعة البلدية في الساعة الرابعة عصراً من اليوم نفسه (الخميس، 22 نيسان/أبريل) بين وفد اللجنة القومية العربية وبين ممثلين عن اليهود، بحضور ستوكويل، للبحث في شروط الهدنة.
نص الوثيقة
حيفا، 22/4/48
شروط قيادة الهاغاناه لهدنة
من أجل تطبيقها بين اليهود والعرب في حيفا،
22 نيسان/أبريل 1948
1 ـ النزع الكامل لجميع الأسلحة العربية، بما فيها مختلف أنواع الأسلحة، والمتفجِّرات، والآليات العسكرية، وغيرها من المعدات العسكرية من دون استثناء.
2 ـ إن جميع الأسلحة المذكورة أعلاه، باستثناء الأسلحة المرخص لها، والتي سيعرض مفوض حاكم لواء حيفا قائمة بها على الهاغاناه، يجب تسليمها بحلول الساعة 12:00 من نهار 23 نيسان/أبريل 1948، في أماكن التجميع التالية. ويمكن تمديد الموعد المحدد حتى الساعة 17:00 من نهار 23 نيسان/أبريل 1948، وفقاً لاستنساب القيادة العسكرية [للهاغاناه]، القطاع الشمالي:
(أ) قرب جسر روشميا، قبالة مكاتب المجلس الإسلامي الشرعي؛
(ب) زاوية شارع المحطة والبرج؛
- مدخل السوق القديمة؛
- محطة إيغد، جادة الكرمل.
وتُستودع هذه الأسلحة كأمانة للهاغاناه، ويتم تسليمها إليها وفقاً لاستنساب القيادة العسكرية، القطاع الشمالي، في موعد أقصاه منتصف ليل 15 ـ 16 أيار/مايو 1948.
3 ـ الإزالة الفورية للعوائق العربية من الطرق، والضمان الفوري لحرية التنقل من دون أية قيود، بإشراف السلطات العسكرية.
4 ـ يحتشد جميع الذكور العرب الأجانب في أماكن تجميع تحددها الهاغاناه، وسيغادرون فلسطين خلال أربع وعشرين ساعة تحت مراقبة عسكرية.
5 ـ يُسلم الأوروبيون النازيون إلى [السلطات] العسكرية.[5]
6 ـ تفرض السلطات العسكرية حظر التجول مدة أربع وعشرين ساعة على الأحياء والمنازل العربية لضمان تجريدها من السلاح تجريداً كاملاً.
7 ـ سيعامَل عدم تسليم الأسلحة خلال الفترة المحددة كجريمة تستوجب العقاب.
8 ـ بعد رفع حظر التجول عن المنازل سيكون كل شخص في حيفا حراً في الاستمرار في مزاولة أعماله الاعتيادية ونمط معيشته.
9 ـ سيزاول جميع الأشخاص أعمالهم كمواطنين متساوين وأحرار في حيفا.
10 ـ أي اجتماع مشترك يجب أن يُعقد في قاعة البلدية.
11 ـ يسري مفعول هذه الهدنة فوراً.
(د) اللجنة القومية العربية في حيفا، رسالة إلى الجنرال ستوكويل تلخص موقفه في اجتماعات 22 نيسان/أبريل في قاعة البلدية، حيفا، 23 نيسان/أبريل 1948.
مقدمة
استعداداً للاجتماع الذي تقرر عقده في قاعة البلدية الساعة 4:00 من عصر اليوم الواقع فيه 22 نيسان/أبريل، دعا وفد اللجنة القومية العربية، بعد مغادرته مقر قيادة الجنرال ستوكويل في الساعة 12:15 من اليوم نفسه، أعيان حيفا العرب إلى اجتماع عام لتداول الوضع. وعُقد الاجتماع في منزل فيكتور خيّاط، بعد أن نُقل المجتمعون بالدبابات البريطانية نظراً إلى استمرار المعركة.
بلّغ الوفد الحاضرين فحوى محادثاته مع ستوكويل. وسأل هؤلاء يونس نفاع، نائب قائد الحامية العسكرية، عن المدة التي يمكن للحامية أن تستمر في المقاومة فيها. فرفض مناقشة المسائل الأمنية علناً. وتبع ذلك نقاش مؤلم بشأن مزايا وسلبيات قبول شروط الهدنة التي كان ستوكويل قرأها سابقاً. وجرى إجماع على أن الاعتبار الأهم يجب أن يكون لوقف أعمال القتل الجارية ضد المدنيين. وخُوِّل الوفد توقيع أية اتفاقية يعتبر أن الأوضاع تقتضيها.
عُقد الاجتماع المقرر في دار البلدية في الساعة 4:00 في موعده المحدد. وحضره عن الجانب اليهودي رئيس البلدية شبتاي ليفي، وممثل عن الوكالة اليهودية، و"موتكي" مَكْليف ضابط العمليات في لواء كرملي، وممثل الهاغاناه. وقرأ ستوكويل شروط الهدنة المقترحة، التي كانت عملياً متطابقة مع الشروط التي كان قرأها في الصباح في مقر قيادته.
احتجت اللجنة القومية العربية بشدة على الشروط باعتبارها مجحفة ومدمرة للحقوق السياسية العربية. وتلا ذلك نقاش ساخن. وطلب العرب إضافة شرط فحواه أن الاتفاقية لا تعني ضمناً الاعتراف بصلاحية قانونية للهاغاناه أو بتغيير في المكانة السياسية للبلد. وعندما رفض الطرف اليهودي هذا المطلب، طلب الوفد العربي مهلة 24 ساعة للتشاور مع الحكومات العربية بشأن هذه المسألة البالغة الأهمية. ورفض ستوكويل واليهود ذلك. وهنا قال ستوكويل بلهجة جازمة إنه ينبغي للوفد العربي أن يوقع الاتفاقية كما هي مساء اليوم نفسه إذا أراد تجنب 300 ـ 400 إصابة أُخرى. وبعد مطالبات ملحة ومتكررة من أعضاء الوفد لمهلة من أجل استشارة زملائهم في حيفا، منحهم ستوكويل مهلة حتى الساعة 7:00 من مساء اليوم نفسه.
عندما غادر الوفد قاعة البلدية، عاد إلى منزل فيكتور خيّاط لإطلاع الأعيان على ما جرى. ودار نقاش مؤلم ثانٍ في ضوء التحذير الرهيب الذي وجهه ستوكويل في حضور ممثلي الهاغاناه. وجدد المجتمعون تخويلهم الوفد عمل ما يراه ضرورياً في ضوء الخطورة الشديدة للوضع، وتوقيع الاتفاقية إذا لم يكن هناك مناص من ذلك.
في هذه الأثناء، كانت عملية "بِعور حَميتس" مستمرة في كامل عنفوانها. وكما روى موشيه كرمل، قائد لواء كرملي، طلب الإنكليز منه وقفاً لإطلاق النار من أجل إيجاد "جو مساعد" لإنجاح اجتماع الساعة 4:00، لكن "لم نعتقد أن من الملائم فعل ذلك، واستمرت المعارك."
في الطريق إلى اجتماع الساعة 7:00 في قاعة البلدية، تشاور أعضاء الوفد، وقرروا أنه على الرغم من "التفويض" الذي حصلوا عليه من الاجتماع العام في منزل خيّاط، فإنهم لا يستطيعون هم أنفسهم تحمل المسؤولية الوطنية الهائلة المتمثلة في الموافقة على اتفاقية لا تشتمل على فقرة بشأن الصلاحية القانونية للهاغاناه وبشأن المكانة السياسية للبلد.
وعندما دخلوا قاعة البلدية، أعلنوا أنهم لا يستطيعون المصادقة على اتفاقية الهدنة المقترحة، وطالبوا بإجلاء سكان حيفا العرب (الذين كانوا، في أية حال، واصلوا المغادرة طوال النهار مكرهين) بسبب رفض ستوكويل حماية أرواحهم وممتلكاتهم.
بعد سماع ذلك، وليس في أية مرحلة سابقة، أتى خطاب رئيس البلدية المؤثر، شبتاي ليفي، الذي طالب فيه الوفد بإعادة النظر في قراره، والعبارتان المتبادلتان بين ستوكويل ومَكليف اللتان سبق ذكرهما في التقديم العام أعلاه. وفي ختام هذا الاجتماع الثاني في قاعة البلدية، تقرر عقد اجتماع في الساعة 11:00 من صباح اليوم التالي، الجمعة 23 نيسان/أبريل، لمناقشة ترتيبات الإجلاء.
وقد كتب أعضاء الوفد الوثيقة التالية قبل الاجتماع الذي تقرر عقده في الساعة 11:00 من صباح اليوم التالي لتسجيل وحفظ موقف ستوكويل في اجتماعات قاعة البلدية في 22 نيسان/أبريل. وعندما رفض تسلمها، أعطيت بدلاً من ذلك إلى حاكم اللواء.
نص الرسالة
اللجنة القومية العربية
حيفا
23 نيسان/أبريل 1948
إلى: القائد العسكري
القطاع الشمالي، حيفا
السيد العزيز،
[1 ـ] إننا نقدم هذه المذكرة تأكيداً للتصريح الذي بلّغتنا إياه خلال الاجتماع في قاعة بلدية حيفا، نهار الخميس، في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، والذي فحواه
- أنه ما لم يقبل العرب شروط قيادة الهاغاناه لهدنة في حيفا، فإن اليهود سيواصلون هجومهم القاتل على الأحياء العربية، موقعين نحو 300 ـ 400 إصابة، من القتلى والجرحى؛ و
- أنك غير قادر وغير مستعد لاتخاذ أي إجراء فعال لمنع الهجوم المزمَع.
2 ـ ونود أن نكرر تصريحنا في ذلك الاجتماع، بأنه بينما يجري جلاء السكان عن المدينة طوعاً، وبناء على طلبنا، فإن هذا الطلب جاء، إلى أبعد حد، نتيجة رفضكم اتخاذ أي إجراء لحماية أرواح أولئك السكان وممتلكاتهم.
المخلصون
فيكتور خيّاط
فريد السعد
الياس كوسا
أنيس نصر
جورج معمَّر
نسخة إلى:
حاكم اللواء، حيفا
(هـ) اللجنة العربية القومية في حيفا، رسالة إلى رئيس بلدية حيفا شبتاي ليفي، 23 نيسان/أبريل 1948.
مقدمة
عقد الاجتماع للبحث في ترتيبات الإجلاء في موعده المحدد في الساعة 11:00 من صباح 23 نيسان/أبريل. وحضر الاجتماع، بالإضافة إلى الوفد العربي، موظفون بريطانيون عسكريون ومدنيون كبار، بينهم ستوكويل، وحاكم اللواء، وضباط يمثلون الجيش والبحرية والشرطة. وكان حاضراً أيضاً سي. هـ. ماريوت، البريطاني ذو النفوذ الخفي والقوي لدى ستوكويل (كان عُيّن قنصلاً قبل فترة وجيزة، ومجال خبرته أميركا اللاتينية)، وشبتاي ليفي، وممثلون يهود آخرون.
قبل مناقشة خطط الجلاء، سجل الوفد العربي احتجاجاً شديد اللهجة على استمرار أعمال العنف غير المبررة ضد العرب المغادرين، التي يقوم بها لواء كرملي وعصابتا شتيرن والإرغون (اللتان سمحت لهما الهاغاناه بالمشاركة في عملية "بِعور حَميتْس"): إطلاق النار على المدنيين العزَّل؛ اقتحام البيوت وسرقة جميع محتوياتها؛ اعتقال عدد كبير من المدنيين بقي مصيرهم مجهولاً؛ منع الناس من دخول منازلهم. ووعد ستوكويل باتخاذ إجراءات لإعادة الأمور إلى نصابها، لكن لم يُفعل أي شيء بشأن أي من هذه الاعتداءات.
وقد سلمت الرسالة التالية إلى شبتاي ليفي في هذا الاجتماع باعتباره رئيس البلدية. وهي تدل على محاولة من جانب الوفد العربي لتقليل حجم الجلاء. وعلى الرغم من نيّات ليفي الطيبة، فإنه لم ينجم عن المذكرة أية نتيجة.
نص الرسالة
اللجنة القومية العربية
حيفا
23 نيسان/أبريل 1948
السيد العزيز شبتاي ليفي،
فيما يتعلق بالإجلاء المقترَح للسكان العرب عن مدينة حيفا، يسرنا أن نحصل من حضرتكم ومن السلطة اليهودية المعنية على تأكيد خطّي أن:
(أ) كل عربي يبقى في المدينة سيتمتع بحرية كاملة في العمل والإقامة، ولن يتعرض لأية مضايقات أو قيود باستثناء الإجراءات التي تفرضها مستلزمات الأمن والنظام في المدينة، والتي ستكون مفروضة على جميع المواطنين العرب واليهود سواء بسواء؛
(ب) ممتلكات السكان العرب المغادرين المدينة ستُولى الحماية الكافية؛ و
(ج) جميع المؤسسات الدينية ستولى الحماية، ولن يسمح باقتحام حرمة أي منها.
المخلصون
فيكتور خيّاط
فريد السعد
الياس كوسا
جورج معمَّر
أنيس نصر
نسخة إلى:
حاكم اللواء، حيفا
القائد العسكري، القطاع الشمالي، حيفا
(و) اللجنة القومية العربية في حيفا، رسالة إلى الجنرال ستوكويل، 25 نيسان/أبريل 1948.
مقدمة
تسجل هذه الرسالة استمرار عدم احترام الهاغاناه التزاماتها، كما تدل على المحاولات الأخيرة اليائسة والمثيرة للشفقة من جانب اللجنة القومية العربية للتقليل من حجم المغادرة، بل وعكسها إن أمكن ذلك. ولم تلق سوى استجابة ضئيلة من ستوكويل.
نص الرسالة
لجنة الطوارئ العربية
حيفا
25 نيسان/أبريل 1948
إلى: القائد العسكري،
القطاع الشمالي، حيفا
السيد العزيز،
[1 ـ] نود أن نلفت انتباهكم إلى ثلاث مسائل ذات أهمية حيوية بالنسبة إلى السكان العرب في مدينة حيفا. ونحن واثقون بأنكم ستجدون سبيلكم إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية لضمان المعالجة العاجلة لشكاوى السكان العرب.
2 ـ يبدو من المذكرة المؤرخة في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، والتي تقدمتم بها إلى الضابط المسؤول عن الحرس الوطني العربي، أن السبب في استثناء الأحياء ذات الأكثرية العربية من المنطقة التي تتولون فيها مسؤولية حفظ الأمن والنظام، هو تكرر الاشتباكات بين العرب واليهود. وقد توقفت هذه الاشتباكات نهائياً في الثاني والعشرين من الشهر الجاري. لذا، فنحن نؤكد أن من العدل والإنصاف أن تتولوا الآن السيطرة على المدينة كلها، وأن تكونوا مسؤولين عن المساعدة في حفظ الأمن والنظام فيها، وفقاً للسياسة المعلنة لحكومة جلالته. إذ إن تبنّي هذا الإجراء سيكفل إخراج أفراد القوات اليهودية من الأحياء العربية، وسيساهم حتماً في استعادة الشعور بالثقة والأمان لدى السكان العرب، ويقلّص إلى الحد الأدنى عدد المغادرين منهم.
3 ـ والشكوى الثانية هي السلب المنظم والمبرمج للممتلكات العربية. فقد أُفرغت المنازل والأبنية التجارية، فعلاً، من محتوياتها المنقولة، وجُرّدت عائلات عربية كثيرة من كل ممتلكاتها، باستثناء الملابس التي يرتديها أفرادها الآن. وجرى اقتحام المستشفى العربي في المدينة القديمة، ونُهبت المعدات الجراحية والطبية جميعها.
4 ـ والشكوى الثالثة هي أن اليهود يمنعون جميع الأشخاص العرب من التنقل في الأحياء العربية بذرائع باطلة. ومن شأن هذا التصرف أن يعزز الشعور بعدم الثقة بسلامة نية الإجراءات اليهودية ونزاهتها، وأن يُحبط جهود هذه اللجنة في تهدئة مواطنيها.
5 ـ لقد طالبنا السلطات اليهودية تكراراً بأن تضع حدّاً لهذه الأوضاع، لكن جميع جهودنا لم تسفر، للأسف، عن أية نتائج، ولا يمكننا إلاّ أن نعتبر السلطات البريطانية، مدنية وعسكرية، مسؤولة عن هذه الحال المؤسفة، ونعتقد أن في وسعكم إعادة الأمور إلى نصابها.
المخلصون
فيكتور خيّاط
فريد السعد
ا. ن. كوسا
جورج معمَّر
أنيس نصر
نسخة إلى:
حاكم اللواء، حيفا
سيادة رئيس بلدية حيفا
[1] بحسب "الموسوعة اليهودية" (Encyclopaedia Judaica)، "يجب ألاّ توجد خميرة في المنزل أو أن يمتلك أحد خميرة خلال عيد الفصح (Ex 12: 15, 19). وفي الليلة السابقة لحلول العيد، يُفتّش البيت بدقة بحثاً عن الخميرة (Pes 1: 1). وأية خميرة يعثر عليها في البيت تجمع في مكان واحد وتحرق في اليوم التالي قبل الظهر."
[2] الإشارة هنا إلى أحياء المدينة التي كان ستوكويل سيسحب قواته إليها.
[3] جرى ذلك بواسطة قناصل مصر وسورية وشرق الأردن ولبنان في حيفا.
[4] في الساعة الخامسة فجراً من ذلك اليوم، 22 نيسان/أبريل، كان جورج معمَّر، ضابط الاتصال بالجيش البريطاني في حيفا، ناشد الجيش إرسال سيارات إسعاف لنقل جرحى القصف الذي سبق هجوم الهاغاناه على منطقة جسر وادي روشميا. وعندما رفض الجيش ذلك، ناشده إرسال قوات بريطانية لمواكبة سيارات الإسعاف العربية من أجل حراستها، فرُفض هذا الطلب أيضاً.
[5] لم يكن هناك أي نازي، لكن هذه كانت "حيلة بارعة" ذات مفعول دعائي جيد.