تتناول الدراسة تطور أحوال الجالية الفلسطينية في الكويت، والتطورات الكثيرة التي جرت منذ الخمسينات حتى صيف 1990. وأقامت "حاجزاً مهماً" بينها من جهة وبين النظام السياسي في الكويت وبعض قطاعات المجتمع الكويتي من جهة أخرى. كما تعالج ردة الفعل الأولى للجالية على الغزو العراقي للكويت، وأثر العوامل الخارجية في أزمة العلاقة الفلسطينية ـ الكويتية آنذاك، ومحاولات التعايش في ظل تلك الأزمة، وتطور تلك العلاقة بعد الانسحاب العراقي.
خلفية تاريخية
نشأت الجالية الفلسطينية في الكويت أول ما نشأت بعد قيام إسرائيل سنة 1948، وذلك عندما تحول مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى لاجئين. والكويت - يوم كانت مقدمة على خطة طموحة للتنمية في أوائل الخمسينات والستينات - رحبت بأولئك المهاجرين الأوائل. وبمرور الأعوام، أصبح الفلسطينيون في الكويت جماعة ذات نفوذ في أجهزة الدولة وعلى صعيد القطاع الخاص، تتألف من مدرسين وأطباء ومهندسين ومديرين ومقاولين وفنيين وخبراء، وما إلى ذلك.[1] وعقب حرب حزيران/يونيو 1967، تضاعف عدد الفلسطينيين في الكويت؛ فالكثيرون من القادمين الجدد كانوا، في الواقع، من أبناء الفلسطينيين العاملين في الكويت ومن أقاربهم. وقد قدرت إحصاءات سنة 1970 عدد الفلسطينيين بنحو 696,147 نسمة مقارنة بـ 712,77 نسمة سنة 1965، و327,37 نسمة سنة 1961. وفي سنة 1970 بلغ عدد المواطنين الكويتيين 394,347 نسمة من مجموع 662,738 نسمة، هو إجمالي تعداد السكان في الكويت آنذاك.[2] وبحلول سنة 1990، كانت الكويت، بمواطنيها البالغ عددهم 000,650 نسمة، تضم واحدة من أكبر جوالي الشتات الفلسطيني، إذ بلغ أفرادها آنذاك نحو 000,380 فلسطيني.[3]
ولقد جرت منذ الخمسينات حتى صيف سنة 1990 تطورات كثيرة أقامت حاجزاً مبهماً بين الفلسطينيين من جهة، وبين النظام السياسي في الكويت وبعض قطاعات المجتمع الكويتي من جهة أُخرى. وشكلت حرب 1973 نقطة تحول باتجاه تبلور هذا الحاجز. فتلك الحرب لم تكن حاسمة، وجلبت معها إلى الكويت مخاوف من احتمالات التوصل إلى تسوية للصراع العربي - الإسرائيلي من شأنها أن تؤدي إلى بقاء جالية فلسطينية كبيرة في الكويت تساوي أكثر من نصف السكان. وتعززت المخاوف من جراء التورط الفلسطيني في الحرب الأهلية في لبنان سنة 1975 (وقبلها الحرب الأهلية في الأردن في فترة 1970 - 1971). وعندما جرى حل مجلس الأمة سنة 1976، كانت الحرب الأهلية في لبنان إحدى الذرائع الكثيرة التي أوردتها الحكومة لحله.[4] وأصبحت احتمالات أن يخل الفلسطينيون بميزان الجوالي في الكويت، وسط تحولات جذرية وتيارات سياسية سادت المنطقة آنذاك، واحدة من القضايا التي أخذت تقلق المسؤولين في الكويت.[5] وقد تعرضت الكويت في الثمانينات لضغوط داخلية من قِبل المجتمع الكويتي وفئاته المعارضة، وهو ما أدى إلى حل مجلس الأمة للمرة الثانية سنة 1986. كما شهدت الكويت في أواسط العقد الفائت موجة من الإرهاب على يد جماعات موالية لإيران. وانعكس هذا كله، من حيث زيادة الإجراءات الأمنية الداخلية والتدقيق في هويات المقيمين، على العلاقة بالجالية غير الكويتية الكبرى في الكويت، أي الفلسطينيين. بل بدأت السلطات الكويتية منذ أواخر السبعينات وخلال الثمانينات فرض قيود على الإقامة وتأشيرات الدخول وتصاريح العمل وحصول غير الكويتيين على رخص سياقة السيارات، وما إلى ذلك.
وفي تلك الفترة، وهذا عامل نعتبره في غاية الأهمية بالإضافة إلى العوامل الأمنية والسياسية، كانت الكويت نفسها تعاني ضغوطاً عديدة من قِبل مئات وآلاف الخريجين من الكويتيين الذين كانوا يطالبون بتوفير الوظائف والمزايا لهم، وبأن يُسمع رأيهم في إدارة شؤون البلد. وقد بدأ هؤلاء الخريجون من أبناء الطبقة الوسطى الكويتية الآخذة في النمو، يرون في الوجود المدني الفلسطيني الكثيف عنصر منافسة لهم، بل عنصراً يمنع ارتقاءهم وتوظيفهم. ونتج من هذه الضغوط اتباع الكويت سياسة "التكويت" التي كانت في أغلب الأحيان سريعة وغير منظمة. وهكذا بدأت المشاعر تجاه الفلسطينيين تتحول إلى نوع من الفتور، ومن البغض أحياناً.
وفي المقابل، ساد بحلول سنة 1990 شعور قوي بالاغتراب في أوساط مختلف فئات الجالية الفلسطينية - الأردنية (أغلبية الجالية من حملة الجوازات الأردنية)، التي كانت تضم آنذاك نحو 000,380 نسمة. فطبقة المهنيين والطبقة العليا من المجتمع الفلسطيني، اللتان تميزتا بثرائهما وبعلاقاتهما بالنخبة الكويتية، كانتا قادرتين دائماً على إدارة شؤونهما وترتيب حاجاتهما عبر الاستثناءات الإدارية التي تقدمها الدولة. أمّا الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة من الفلسطينيين، اللتان لم تكن لهما علاقات قوية بالسلطات العليا، فقد ولّدت لديهما القيودُ التي فرضت خلال عقد الثمانينات شعوراً قوياً بالاغتراب.[6]
ورافقت مشاعرَ الاستياء المنتشرة في الجالية الفلسطينية تجاه نظام الرقابة والسيطرة في الكويت، مشاعر مقابلة أساسها الارتباط بالكويت. وتجلت هذه المشاعر المتناقضة أكثر ما تجلت في أوساط الأجيال الجديدة من الشبان الفلسطينيين الذين ولدوا وترعرعوا في الكويت.[7] فمعظم هؤلاء الشبان لا يعرف أرضاً أو بيتاً أو بلداً غير الكويت. وعلى الرغم من حملهم وثائق وجنسيات من دول أُخرى (الأردن، أو غزة/مصر، أو غيرهما)، فإن معظم المنتمين منهم إلى طبقات شعبية لم يغادر الكويت قط. وتتقن أغلبية هذا الجيل اللهجة الكويتية، وتستطيع التكلم باللهجتين الكويتية والفلسطينية بسهولة. لهذا كانت الخيارات في صفوف هذا الجيل محدودة للغاية، وكان الشعور بالخوف من المستقبل يتنامى بسرعة فائقة.
لقد أدى اعتماد الكويت على القوة العاملة الفلسطينية، واعتماد الفلسطينيين على الكويت طلباً للرزق والعمل، إلى نشوء ساتر حال دون ظهور هذه المشاعر السلبية بين الطرفين قبل الغزو العراقي للكويت. إذ جرت العادة في أية حال، كما يشير هشام شرابي في معرض تعليقه على المجتمع العربي بصورة عامة، أن يجري إخفاء التوتر والخلافات بغطاء من التصريحات الودية وبـ "المسايرة والمجاملة".[8]
لكن، من جهة أُخرى، علينا أن نتنبه إلى أنه على الرغم من مختلف القوانين الجديدة، ومن حالة الغربة التي تحدثنا عنها، فقد كانت الجالية الفلسطينية حتى عشية الغزو العراقي للكويت في 2 آب/أغسطس 1990 تتمتع بأكبر نفوذ بين الوافدين في الكويت. فعلى الرغم من التناقضات التي أشرنا إليها، والتي يمكن الإشارة إلى ظواهر تشبهها في دول عربية شتى وبين جوال كثيرة، فإن الوضع لم يكن قد وصل إلى حدِّ التفجر؛ إذ كانت توجد أيضاً عناصر حماية وتداخلٍ ساهمت في إدامة العلاقة في ظل أجواء من الضيق المحمول. بل أكثر من ذلك، ظلت الكويت حتى سنة 1990، ومقارنة بدول عربية أُخرى، من أكثر الدول إيجابية في تعاملها مع الجالية الفلسطينية، التي اغتنت بوجود فنانين ومثقفين ومفكرين ورأسماليين ساهموا في الارتقاء بدولة الكويت. وهذا عنى في الوقت نفسه أنه لم يكن لدى الكويت والفلسطينيين، سواء بسواء، رغبة في الإخلال بالعلاقة، على الرغم من كثير من إشكالاتها التي شرحناها. إن القوانين الكويتية، بالإضافة إلى اقتناع الفلسطينيين بأن أي رفض علني لهذه القوانين سيعود عليهم بالخسائر، كانت بمثابة صمام الأمان لحالة التعايش التي ظلت قائمة حتى عشية الغزو.
ولهذا، يمكن القول، بلا تجنٍّ على الحقيقة، إنه على الرغم من القيود الحكومية الكويتية والاغتراب الفلسطيني الناجم عنها، فقد استفاد الفلسطينيون من الرفاهية الاقتصادية التي تمتعت الكويت بها، كما ساهموا في إيجادها. ويكاد المرء يجزم أنه لولا الغزو العراقي للكويت لاستمرت هذه الترتيبات والإجراءات عقوداً أُخرى.[9]
غير أن الخطأ الأكبر في هذه العلاقة (وفي جميع العلاقات في الشرق الأوسط التي ولدت انفجارات مشابهة) هو غياب أي إطار رسمي أو شبه رسمي تجري من خلاله مناقشة المشكلات وأسباب الخلاف، وإيجاد حلول لها. وبمعنى آخر، لم تكن هنالك مؤسسة كويتية تملك الشرعية الكافية لتميز الغث من السمين في القضايا المتعلقة بالعلاقات بين الأطراف المعنية. وقد طُرحت فكرة منح الإقامة الدائمة لعدد من الفلسطينيين أو لنسبة صغيرة من ذوي الكفاءات، فولّد ذلك ارتياحاً فلسطينياً في أواخر الثمانينات، غير أن الأمر لم يتحقق، مع أنه محل تفكير جدي لدى بعض أعضاء النخبة الحاكمة.
الغزو العراقي وردة الفعل الأولى للمجتمع الفلسطيني في الكويت
جاء الغزو العراقي للكويت ليجلب معه للفلسطينيين مشاعر الخسران وفقدان الاتجاه. فمن جهة، كان المجتمع الفلسطيني في الكويت معتمداً على النظام الكويتي لتأمين العيش والإقامة، ومن جهة أُخرى، تميز هذا المجتمع بارتباطه القومي وارتباط مشاعره بمصير الفلسطينيين في الدول الأُخرى. وتجلى الصراع في الوسط الفلسطيني بين القيم القومية والمصالح المعيشية أكثر ما تجلى في الأزمة التي تفجرت في آب/أغسطس 1990.[10]
منذ بداية الغزو، انقسم المجتمع الفلسطيني في الكويت إلى مجموعات ثلاث: هي: فلسطينيون متعاطفون مع العراق؛ فلسطينيون معارضون للغزو ومتعاطفون مع الكويت؛ آخرون اتخذوا سبيل الحياد. واتخذت كل واحدة من هذه المجموعات موقفها بناءً على خبراتها التاريخية في الكويت.[11] فالمتعاطفون مع الغزو العراقي نظروا إليه باعتباره عملية موقتة لن تضر بأحد، بل اعتبروا أن هذا الحدث قد يأتي بوضع مفيد لوجودهم في الكويت ولقضية الفلسطينيين في الأراضي العربية المحتلة. وكان ضمن هذه المجموعة فلسطينيون اعتقدوا أن الكويت كانت تضغط على الفلسطينيين لإجبارهم على مغادرتها، كما اعتبروا أن الغزو العراقي تم نتيجة رفض الكويت الاستجابة لبعض مطالب العراق الاقتصادية.
ويمكن القول إن هذه الفئة من أبناء الجالية الفلسطينية في الكويت ضمت في صفوفها آراء عدة تراوحت بين التعاطف المتحفظ مع العراق وبين الدعم الكامل والمتحمس والعلني له. وقد ارتفع عدد الفلسطينيين المتعاطفين مع العراق عندما أعلن العراق أنه مستعد للانسحاب من الكويت شريطة أن تنسحب إسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ استحضر هذا الإعلان مسألة القيم القومية والوطنية لدى الفلسطينيين.[12] وهي قيم تعود إلى تجربة الفلسطينيين مع الصهيونية والغرب، وتحوُّلهم دوماً إلى ضحايا للصهيونية وتوسعها. ويُلاحظ أن النسبة الأكبر ضمن هذه الفئة كانت من قطاعات الفلسطينيين الأقل حظاً اقتصادياً. وقد عضد موقفهم هذا، في الأسابيع الأولى من الغزو، المعاملة الحسنة التي كان يتلقاها الفلسطينيون عند نقاط التفتيش التي أقامها العراقيون في شوارع الكويت.[13]
أمّا الفلسطينيون في الكويت الرافضون للاحتلال والمتعاطفون مع الكويت، وهم أقلية لا يستهان بها (بلغت نسبتهم نحو 30% على الأقل في بداية الغزو، ثم ارتفعت بمرور الوقت بعد أن اكتوى الكثير من الفلسطينيين بتصرفات الأجهزة العراقية والجيش العراقي غير المسؤولة في الكويت)، فقد استمدوا قوتهم العاطفية، تجاه القضية الكويتية الناشئة، من علاقاتهم الشخصية بالكويتيين، أكانوا مسؤولين أم أفراداً أم شركاء أم زملاء أم أصدقاء. وتتألف هذه الفئة من أفراد من الطبقات والمهن كافة، وكان دافعها إلى اتخاذ هذا الموقف العلاقة النفسية أو الاقتصادية أو المهنية أو الاجتماعية التي بنتها في الكويت عبر عقود من الزمن. كما أشار كثير من أفراد هذه الفئة إلى أن الكويت تضم بين ظهرانيها واحدة من أكبر الجوالي الفلسطينية وأكثرها ثراء في العالم. فالصحافة في الكويت قبل الغزو كانت أساساً "صحافة فلسطينية" تماماً، شأنها شأن وسائل الإعلام الأُخرى. أضف إلى ذلك كله أن الكويت دأبت طويلاً على دعم القضية الفلسطينية والانتفاضة،[14] كما كانت قبل الغزو واحدة من أكثر الدول العربية دعماً للانتفاضة.
وقد تجلت أنشطة هذه الفئة المعارضة للغزو في إعلانها الشك في نيات العراقيين الحقيقية، والمشاركة في الأنشطة المؤيدة للقضية الكويتية، والرفض التام للاحتلال، والتعاون مع العمل الشعبي والمقاوم الكويتي، وترك الكويت في أثناء الاحتلال. ولعل أول تعبير علني لتضامن الفلسطينيين مع الكويتيين جاء في هيئة تظاهرة علنية وحاشدة ذات طابع شبه عفوي هتفت لأمير الكويت وشعبها، وكان ذلك في 4 آب/أغسطس في منطقة حولي التي تقطنها أغلبية شعبية فلسطينية.[15]
أما المجموعة الثالثة، فتتألف من الفلسطينيين في الكويت الذين اتخذوا حيال الغزو موقف الحياد. وكان موقف المحايدين آنذاك نابعاً من تحفظهم تجاه السياسات العربية وعدم رغبتهم في المشاركة. وكان لسان حال هذه الفئة يقول: "لتحل الأمور نفسها بنفسها، فمن نحن لكي تكون لنا كلمة فيها، إنه أمر أكبر من قدرتنا على تغييره. إن الأميركيين والسعوديين والروس وصدام والصباح هم الذين سيحلون الأزمة. فهذا الأمر متروك للكبار." أو كانوا يقولون: "هل تعرف أنت أكثر من الملك حسين؟ إنه محنك ولا بد أنه يعرف شيئاً لا نعرفه نحن لكي يتخذ مثل هذا الموقف. وما علينا سوى إطاعة الأوامر وحماية عائلاتنا."[16] وهكذا فإن أهم ما كان يشغل بال هذه الفئة هو تحقيق أمنها الوظيفي بصرف النظر عمن هو صاحب العمل.
هذه الفئة التي عاشت اغتراباً في ظل النظام الكويتي قبل آب/أغسطس 1990 لم تفكر في جوانب الاحتلال الخُلُقية أو السياسية. لقد كانت محيَّدة أصلاً، ولم تكن قبل الغزو تشارك في أنشطة سياسية فلسطينية أو غير سياسية، وكان جل اهتمامها أن تستمر عجلة الحياة بصورة طبيعية قدر الإمكان، وبالتالي اتخذت خلال الأزمة موقفاً حيادياً. ويمكن القول إن هذه الفئة، التي ربما كانت نسبتها نحو 30% في بداية الغزو، تحولت مع الوقت عن موقف الحياد بعد أن رأت طبيعة الممارسات العراقية في الكويت.
إن ردة الفعل الأولى على الغزو بين الفلسطينيين في الكويت كانت، كما أوضحنا، خليطاً من المواقف والمشاعر المتناقضة؛ إذ تبلور موقف هو بين التأييد وعدمه، بين التعاطف وعدم التعاطف، بين الحقيقة والخيال. وهذا الموقف اختلف بين فئة وأُخرى وبين جماعة وأُخرى، كما اختلف بين فرد وآخر في الأُسرة الواحدة.
المؤثرات الخارجية
لكن في أوقات الأزمات، هناك دائماً قوى خارجية مباشرة وغير مباشرة تقوم بدور في التخفيف من حدة الأزمة أو في تصعيدها. وللعوامل الخارجية، كما يذهب كوبسون (Copson)، تأثير هائل في المواقف وقت الأزمات.[17] فالقادة العراقيون والفلسطينيون على حد سواء صبغوا بمواقفهم وسياساتهم غير السليمة المجتمع الفلسطيني في الكويت بصبغة يصعب إزالتها، وذلك بغض النظر عن حقيقة المواقف والمشاعر المعارضة أو المؤيدة.
في الأيام الأولى للأزمة في الكويت، بقي الأساس في العلاقة الفلسطينية - الكويتية على حاله السلمية، بل يمكن القول إنه لولا أثر العوامل الخارجية وضغطها وحضورها الدائم وسط الجالية الفلسطينية في الكويت لما توترت العلاقات الفلسطينية - الكويتية. فالعوامل الخارجية قامت بالدور الأكبر في تغير الموازين كافة بين المتعاطفين الفلسطينيين (المؤيدين للعراق) وبين المحتجين الفلسطينيين (ضد العراق). لقد أدى هذا التغير في النهاية إلى فتور المحتجين واتخاذهم موقفاً سلبياً، وإلى تعالي أصوات المؤيدين للعراق وتكريس وجودهم العلني في الكويت. وقد تم هذا على الرغم من أن أعداد المتعاطفين الفلسطينيين مع العراق بدأت تتناقص بمرور الوقت، إذ أصبحت الأغلبية من الفلسطينيين مناهضة للاحتلال بالقول أو ببعض الممارسات. وهذه حالة واضحة لتحكم الأقلية الإرهابية، والعوامل والعناصر الخارجية، في الأغلبية الخائفة والمفككة في الوقت نفسه.
بل لسوء حظ الجالية الفلسطينية في الكويت، فإنها منذ البداية اعتُبرت في الأوساط العربية، كما في الإعلام الخليجي والإعلام المصري، مؤيدة للعراق بغض النظر عن موقفها الحقيقي، الذي كان انعكاساً لانقسام حاد وآراء متناقضة تعبّر عن مشاعر خوف وغياب أمان أو عن قلق تجاه المستقبل.[18] بل اتُّهمت الجالية الفلسطينية من دون غيرها بحالة النهب والفوضى التي عمت الكويت، مع أن تلك الحالة كانت حالة عامة سادت الكويت وشاركت فئات عربية وغير عربية فيها. وهذه حالة شائعة في مثل تلك الأوضاع، وأمثلة الحرب الأهلية اليمنية أو الحرب الأهلية اللبنانية، أو حتى انقطاع الكهرباء في نيويورك مدة ثلاث ساعات، تؤكد لنا أن حالة النهب تتحول وسط قطاع من بسطاء الناس إلى حالة عامة عند سقوط هيبة القانون والنظام.
إن تصرفات منظمة التحرير الفلسطينية ومواقفها خلال الأزمة، ومنها على سبيل المثال زيارة رئيسها عرفات للعراق بعد يومين فقط من الغزو وتصويت المنظمة ضد قرارات القمة العربية التي عقدت في 10 آب/أغسطس والتي شجبت الغزو، قد سممت العلاقات الفلسطينية - الكويتية في الكويت. وفي حين أن مواقف بعض قادة منظمة التحرير، أمثال جويد الغصين وأبو إياد وخالد الحسن وأبو مازن ونبيل شعث، تراوحت بين مستنكر للغزو وبين من اعتبره خطأ لا يجوز ارتكابه، ظهر قادة آخرون من المنظمة، أمثال فاروق القدومي وجورج حبش وأبو العباس وياسر عبد ربه، على شاشة التلفزة العراقية وعبّروا عن تضامنهم مع العراق وشجبهم لموقف الولايات المتحدة.[19] وبينما عبّر زعماء آخرون في المنظمة، وبعضهم من حركة "فتح"، أمثال عبد الله حوراني وصخر حبش وعباس زكي، عن وقوفهم إلى جانب العراق، برز بعض التصريحات، وأهمها البيان الذي وقعه عشرات الشخصيات الفلسطينية في الأراضي المحتلة، التي تدعو العراق إلى الانسحاب وإلى حل سريع للأزمة.
وقد جاء إعلان الرئيس العراقي صدام حسين في 12 آب/أغسطس رَبْطَ الانسحاب العراقي من الكويت بانسحاب إسرائيل من المناطق التي تحتلها ليزيد في طين العلاقات الفلسطينية - الكويتية بلة. فقد رأى الكويتيون في هذا الربط بين القضيتين عائقاً أمام تحرير الكويت، بينما رأى الكثير من الفلسطينيين في العالم أن ذلك الربط إنما هو فرصة لتذكير العالم بمصيبتهم المعلقة منذ 42 عاماً.
إضافة إلى عوامل الإعلام الخارجي ومواقف منظمة التحرير الفلسطينية والربط السياسي بين قضية الكويت الجديدة وقضية فلسطين الأقدم، جاءت السياسة العراقية في الكويت لتستثمر كل شيء من أجل توريط الفلسطينيين في أمور الاحتلال. لقد أدرك العراقيون أن الفلسطينيون في الكويت كانوا منقسمين على أنفسهم، ومعتمدين على الأمن المعيشي وعلى نظام الإقامة السابق في الكويت، ولذا، قرروا استخدام النظام نفسه واستغلال حاجة الفلسطينيين إلى الإقامة والعمل والتأمين الاجتماعي لدفعهم إلى التعاون معهم. لقد وصل المسؤولون العراقيون إلى الكويت منذ أواسط آب/أغسطس وفي نيتهم إدارة شؤون البلد. وتصرفوا في الكويت كما لو أن تسوية ما سيتم التوصل إليها في أية لحظة مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لحل النزاع. وعليه، وعد العراقيون الفلسطينيين بتجديد عقود عمل المدرّسين منهم وموظفي الدولة إذا استأنفوا أعمالهم. كما وعدوا الذين باشروا أعمالهم بتجديد إقامتهم حالما تنتهي الأزمة وتصبح الكويت، بحسب دعواهم، "منطقة اقتصادية حرة" بإشراف العراق. وسيكون مصير من يرفض استئناف العمل الطرد وفقدان حقوق الإقامة وجميع التعويضات الناتجة من عملهم على مدى عقود.
وأُذيعت هذه الشروط عبر مختلف أجهزة الإعلام، من إذاعة وتلفزة وصحف، وأدت إلى انتشار رعب حقيقي في صفوف ألوف العائلات الفلسطينية التي ليس لها من ضمان معيشي سوى وظائفها وتعويضات نهاية الخدمة. كما أن هذه العائلات لا تعتمد في معظمها على دولة تعينها أو حكومة تنقذها من الفقر. ولعل الأوضاع التي واجهها آلاف الفلسطينيين الذين رحلوا إلى الأردن خلال الشهر الأول من الأزمة كانت في مصلحة العراق؛ فقد عانى أولئك الفلسطينيون البطالة والمعاملة السيئة الناجمتين في أحد وجوههما عن عدم تأييد الفلسطينيين القادمين من الكويت لصدام وشعاراته. وقد دفع هذا الأمر الكثيرين منهم، لحسن حظهم أو لسوئه، إلى ترك عائلاتهم والعودة إلى الكويت، يحدوهم الأمل بحماية أعمالهم وحقوقهم في الكويت.[20]
وهكذا، وقع الفلسطينيون بين فكي كماشة؛ فهم إن لم يتعاونوا مع العراق سيكون مصيرهم فقدان أعمالهم وإقاماتهم وتعويضاتهم، وغيرها من الفوائد التي عملوا من أجلها على مدى عقود؛ وإنْ تعاونوا واستأنفوا أعمالهم أصبحوا في نظر الكويتيين خونة. لهذا، أخذ الكثيرون من الفلسطينيين خطاً وسطاً، فقرر عدد كبير ممن كانوا يعملون في الأجهزة الحكومية قبل الاحتلال - وكان كثيرون منهم متعاطفين مع الكويت - العمل في وزارات الشؤون الاجتماعية والعمل والتربية والكهرباء وغيرها. وكان مبررهم أن لا غضاضة في العمل في ظل الاحتلال، تماماً كما فعل الفلسطينيون في إبان فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، وكما يفعلون في الضفة وقطاع غزة منذ سنة 1967.
ومما زاد في الطين بلة وأدى إلى ازدياد العلاقات بين الكويتيين والفلسطينيين في الكويت سوءاً رفْض الكويتيين في أغلبيتهم العظمى، باستثناء العاملين في الوظائف الحيوية كالصحة والماء والكهرباء، التعامل مع العراقيين. وهكذا، بينما أعلن الكويتيون الإضراب عن العمل تفاؤلاً بتحرير بلدهم، بدا الفلسطينيون في الكويت متشائمين حيال إمكان تحرير الكويت، كما لو أنهم يناصرون العراق على حساب الكويت؛ فتجربة الفلسطينيين مع السياسة في وطنهم فلسطين كانت: "إذا ضاعت الأرض فلن تعود ثانية بسرعة." وهكذا، ساد العصيان المدني بين أغلبية الشعب الكويتي، باستثناء بعض حالات التعاون مع العراقيين، بينما لم يكن الأمر كذلك في الوسط الفلسطيني، على الرغم من النقمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية على السياسة العراقية.[21]
في تلك الأثناء، كانت جميع الرسائل التي تصدر عن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والأردن تشير إلى أنه سيتم في النهاية التوصل إلى شكل من أشكال التسوية (الحل العربي)، وأن الذين استأنفوا أعمالهم خلال فترة الاحتلال سيكونون جزءاً من الصيغة الجديدة للتسوية. واستهانت جميع التعليمات والإشارات التي صدرت عن القيادة الفلسطينية الرسمية آنذاك باحتمالات اللجوء إلى الحل العسكري، والفلسطينيون أيضاً، وقد رفضوا تماماً فكرة وقوعهم أسرى شتات جديد، كانوا ضعافاً أمام السياسة العراقية. وقد توقع عدد قليل أن يتم تحرير الكويت عسكرياً،[22] لكن قسماً كبيراً كان مقتنعاً بأن الكويت ستُحرَّر بوسيلة أو بأُخرى.
هناك حالة معروفة تلقي الضوء على أساليب العراق في محاولة السيطرة والتأثير في الجالية الفلسطينية في الكويت، وهي تلك المتعلقة بالمدرسين الفلسطينيين هناك. فقد عاد ما لا يقل عن ثلاثة آلاف مدرس فلسطيني من إجازاتهم واستأنفوا أعمالهم في أوائل أيلول/سبتمبر بناءً على إعلانات السلطات العراقية وتهديدها العلني بطرد كل من لا يعود إلى عمله. وكان هؤلاء المدرسون والمدرسات يخشون فقدان حقوقهم كافة، فسجلوا أسماءهم كما طلبت السلطات العراقية. وقد أراد العراقيون، بأوامر من حسن علي المجيد، ابن عم صدام حسين ورئيس الإدارة العسكرية للاحتلال، أن يلقنوا الفلسطينيين الذين يعتبرونهم غير متعاونين معهم درساً؛ إذ قرر المجيد فصل كل مدرس فلسطيني استأنف العمل متأخراً عن الموعد (1 أيلول/سبتمبر) ولو يوماً واحداً. وهكذا تم فصل الأغلبية. أمّا الذين واصلوا أعمالهم ولم يُفصلوا من الخدمة فقد أرعبهم القرار العراقي، واستمر بعضهم في التعاون فشغل مناصب قيادية في الإدارة الجديدة، وآثر بعضهم الآخر عدم التعاون، والتهرب أو البقاء في مكان عمله مع العراقيين، من دون القيام بأي دور واضح، منتظراً فرصة للتهرب من أية مسؤوليات جديدة.
وبهذه الأقلية من المدرسين بدأت المدارس تستعد لاستئناف الدراسة. وأصبحت إعادة فتح المدارس في الكويت مثار خصومة رئيسية بين الكويتيين والفلسطينيين. والواقع أن عدداً قليلاً من المدارس فتح أبوابه، ولم يتجاوز عدد التلامذة الفلسطينيين فيها الخمسة آلاف تلميذ سُجلوا فقط في الأيام الأولى. والحقيقة أن كثيرين من الأهالي أجابوا حين سئلوا عن سبب التسجيل بالقول: "لمنع الأطفال من البقاء في الشقة أو الشارع طوال اليوم بلا أي رقابة من الأب مع كل آفاق الفلتان الأخلاقي والفوضى واحتمالات التعرض لمواقف سلبية في ظل الاحتلال."
لكن التلفزة العراقية استغلت هذه المسألة أيما استغلال لتزيد الخلاف الكويتي - الفلسطيني اتساعاً، ولتوجِد آلية تؤدي إلى مزيد من الاعتماد الفلسطيني في الكويت عليها، وذلك عندما بثت مشاهد تصور الطلاب والمدرسين الفلسطينيين وهم يهتفون بشعارات تمجد صدام وتهاجم الكويت. وعلى الرغم من أن هذه المدارس لم تستمر طويلاً في عملها، فإنها أجّجت النار المشتعلة بين الشعبين؛ إذ ساد بين الكويتيين اعتقاد أن همَّ الفلسطينيين الأكبر هو التوطن في الكويت من دون أي اعتبار لمصير الكويتيين. كما استأنف عدد آخر من الطلاب الفلسطينيين، وعددهم نحو 1500 طالب، الدراسة في جامعة الكويت، ومعهم عدد آخر من العاملين فيها. لكن الجامعة لم تُفتح رسمياً، كما أن الكثيرين من العاملين الفلسطينيين الذي سجلوا أسماءهم وذهبوا إلى الجامعة تعاونوا مع الكويتيين بتسريب المعلومات التفصيلية بشأن نيات العراقيين وأعمالهم في الجامعة أو بمزاولة العمل بصورة سلبية جداً تجاه العراقيين. وقام العراقيون فيما بعد بإغلاق الجامعة ونقلوا جميع ممتلكاتها وأجهزتها ومعداتها إلى العراق، تماماً كما فعلوا بمعظم المؤسسات الكويتية الأُخرى.
وإمعاناً في زيادة تأثير العوامل الخارجية، عمد العراق إلى إرسال نحو 200 فلسطيني من أعضاء "جبهة التحرير العربية"، التي ترعاها بغداد، لضبط المجتمع الفلسطيني والسيطرة على بعض ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية المحليين ممن تعاطفوا مع الكويت. فقد كان عدد غير قليل من العاملين المحليين في صفوف منظمة التحرير وفصائلها، متعاطفين مع الكويت، وقد لمسوا على مدى الأعوام الدعم الكويتي لقضيتهم. ووُزِّع أعضاء من "جبهة التحرير العربية" هذه، وكانت أغلبيتهم من الفلسطينيين المولودين والناشطين في العراق، على مختلف نقاط التفتيش وبعض أقسام الشرطة العراقية، الأمر الذي أحدث توتراً في أوساط الفلسطينيين أنفسهم، ومزيداً من التوتر بينهم وبين الكويتيين.
وقد انضم أعضاء من "جبهة تحرير فلسطين" بقيادة أبو العباس إلى أعضاء "جبهة التحرير"، وجلبوا معهم إلى الكويت في تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 1990عشرات المسلحين. ووُزعت جماعة أبو العباس أيضاً على نقاط التفتيش في الكويت. وكانت تصطف أمام مكاتب هذه الجماعات سيارات نقل كبيرة لنقل الممتلكات المسروقة.[23] أمّا تنظيم أبو نضال المنشق عن "فتح"، فقد أقام مكتبين له في الكويت، أحدهما في الخالدية (وذلك إمعاناً في استفزاز الكويتيين)؛ إذ إن الخالدية ضاحية تقطنها أغلبية كويتية تقليدية، والآخر في منطقة النقرة ذات الأغلبية الفلسطينية. وكان يعمل في ذينك المكتبين عدد يتراوح بين 10 أشخاص و20 شخصاً. أما "جبهة النضال الشعبي"، فقد فتحت هي الأُخرى مكتباً لها قوامه 10 أشخاص. كما بعثت جماعة أُخرى، تتألف من أعضاء تابعين لمنظمة صغيرة كان يقودها وديع حداد سابقاً، أحد ممثليها إلى الكويت. وعينت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في مكاتبها أفراداً محليين، فهي مثل حركة "فتح" وبعض التنظيمات الفلسطينية الأُخرى، كانت قد أسست لنفسها وجوداً شرعياً ومحلياً ومكتسباً في الكويت قبل الاحتلال، ولم تكن بحاجة إلى جلب عناصر من الخارج.
وحقيقة الأمر أنه كان هناك فعلاً حالات تعاون مع سلطات الاحتلال من قِبل فلسطينيين محليين، لكنها كانت في الجوهر محدودة ولا تعكس الموقف العام للفلسطينيين في الكويت. بل إن المتعاونين كانوا يتعرضون لضغوط من عائلاتهم للكف عن تعاملهم مع الجيش الشعبي أو مع بعض المنظمات العاملة مع العراق. فعندما شرع العراقيون في تشرين الأول/أكتوبر 1990 في تسجيل جنود في الجيش الشعبي، انضم مئات من الفلسطينيين الفقراء إلى هذا الجيش أملاً بالحصول على رواتب متواضعة وعلى امتيازات معينة، كالوقود والخبز، مجاناً، وتجاوز الوقوف في صفوف ساعات طويلة، كالكويتيين وغيرهم من الفلسطينيين، للحصول على حاجاتهم. كما شارك مئات من الفلسطينيين في معسكرات التدريب التي أُقيمت في المدارس، كالمعسكرات التي أقامتها "جبهة التحرير العربية" في مناطق مختلفة في الكويت. وقد شارك في تلك التدريبات مئات من الفلسطينيين الذين كانوا يطمحون إلى مقاتلة الولايات المتحدة التي يعتبرونها سبب نجاح إسرائيل في الاحتفاظ بأراضيهم.
وضمن هذا السياق، وفي ظل الفوضى التي سادت، ارتكب عدد من الفلسطينيين تجاوزات ضد كويتيين أبرياء ومدنيين. وكانت "جبهة التحرير العربية"، وربما جماعات أُخرى أيضاً، تتولى أحياناً القبض على الكويتيين الذين تشك في تعاملهم مع المقاومة، لكنها كانت تمارس العمل نفسه تجاه الفلسطينيين المعارضين للوجود العراقي أو الرافضين للتعايش معه. ولا شك لدينا في أن قوى فلسطينية أُخرى ارتكبت حماقات. وعلى الرغم من أن المتعاونين كانوا أقلية في أية حال، وعلى الرغم من محدودية أعداد الفلسطينيين الذين قدموا معلومات عن أفراد مقاومين كويتيين، ومن مقاومة فلسطينيين رفضوا هذه السلوكيات المدمرة، ومن أن مشاعر أغلبيتهم كانت بدرجة أو بأُخرى مناقضة للسياسة العراقية، على الرغم من ذلك كله، فإن مواقف هذه الأقلية وتصرفاتها تجاه الكويتيين تركت جروحاً عميقة في نفوس الشعب الكويتي.
والواقع أن التباعد بين الشعبين اتسع وبلغ مستويات جديدة عندما بدأت المقاومة الكويتية حملة اغتيالات محدودة النطاق. فقد قُتلت معلمة فلسطينية عندما حاولت استئناف عملها في أيلول/سبتمبر 1990، وفُجرت في تشرين الثاني/نوفمبر سيارة مفخخة خلف مكتب "فتح"، كرسالة تحذيرية. وهاجمت خلية للمقاومة الكويتية مدرسة ثانوية للبنات في إثر إعلان التلفزة العراقية فتح أبواب تلك المدرسة. وكانت مشاهد الطالبات والمدرسات وهن يتغنين بالشعارات التي تمجد صدام قد أثارت حفيظة أفراد هذه الخلية، فهاجموا المدرسة في اليوم الثاني لبدء الدراسة فيها، الأمر الذي أدى إلى مقتل عدد من الطالبات والمعلمات.[24] كما وقعت خلال فترة الاحتلال عدة حوادث تفجير في المناطق ذات الأغلبية الفلسطينية، وهو ما صعّد حدة التوتر بين الطرفين، وجعل إمكان التعايش بينهما أمراً في غاية الصعوبة. وعلى الرغم من العلاقة السلمية وعلاقات التعاون بين الشعبين زهاء 55 عاماً، أي منذ منتصف الثلاثينات، فقد تبلورت حالة من حالات نزع الصفة الإنسانية (dehumanization) عن الطرف الآخر في نظرة كل منهما للآخر. وهذه حالة مألوفة في جميع الصراعات، سواء الدولية منها أو المحلية.[25]
لقد كان من الممكن، على الرغم من الظروف العدائية السائدة، التخفيف من حدة التوتر بين الطرفين. والواقع أنه جرى خلال هذه الأزمة تصنيف الشعوب (الفلسطينيون والمصريون والسوريون إلخ...) طبقاً لمواقف حكوماتها، وتم اعتبار الفلسطينيين بالتالي في صف العراق بصرف النظر عن الانقسامات الفعلية في صفوفهم، التي أشرنا إليها أعلاه. وهكذا، شعر الفلسطينيون في الكويت، في ظل التصنيف العام لهم، بأنهم خسروا الحكومة الكويتية في المنفى ووقعوا في مصيدة يصعب الخلاص منها. بل نجد أن أجهزة الإعلام في كثير من الدول العربية ساهمت بصورة مقصودة أو بصورة عفوية في نشر معلومات غير مدروسة وغير صحيحة عن عمليات سلب ونهب قام الفلسطينيون بها، وعن تعاونهم الكامل مع العراق. بل صور إعلام بعض الدول العربية الاحتلال العراقي للكويت بأنه احتلال فلسطيني. وكان في هذا الكثير من التجني.
وفي الوقت نفسه، وقع الفلسطينيون ضحية السياسة الرسمية الفلسطينية، إذ لم يقم رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات ولا أعضاء المنظمة بمناشدة الفلسطينيين عدم التعاون مع العراقيين؛ بل إنهم، ونتيجة سياسة غير مدروسة تغلب عليها الانفعالات والغوغائية السياسية، أجّجوا النار وأوحوا للفلسطينيين بإمكان إيجاد حل عربي للأزمة.([26]) أمّا الفلسطينيون في الكويت، فعلى الرغم من صغر نسبة المتعاونين منهم فعلاً، فقد وقعوا في حيرة من أمرهم؛ فقد كانوا بلا قيادة حقيقية (كان معظم الوجوه المعروفة في الجالية خارج الكويت عندما وقع العدوان)، وبلا معلومات، وسط رمال متحركة ودول ومنظمات وأحزاب أرادت جميعها استخدام ورقتهم بما يعود عليها بالكسب السريع. وهذا مجرد مثال لفشل السياسة العربية ومدى انحطاطها، ودليل على قدرة الأزمات المفاجئة على تغيير العلاقات الطبيعية إلى صراعات عميقة بين الشعوب.[27]
وعلى الرغم من القول إنه كان يمكن للفلسطينيين في الكويت اتخاذ موقف آخر منذ بداية الأزمة (كما فعل الأرمن في لبنان خلال الحرب الأهلية ومنذ انطلاقتها)، فإن هذا الأمر كان من الصعب تحقيقه، بل يمكن الجزم أنه كان مستحيلاً في ظل العوامل الإقليمية والخارجية والعراقية التي سادت حينذاك، كما سبق أن شرحنا في هذه الدراسة. إن العوامل الخارجية، كمواقف منظمة التحرير الفلسطينية والأردن والعراق، وغياب قيادة فلسطينية داخلية، مع ما رافق ذلك من مشاعر الاغتراب في أوساط الفلسطينيين آنذاك، تضافرت جميعها لإعطاء الجالية الفلسطينية في الكويت بعداً لا يعبّر عن حقيقة موقفها. وبينما نجد أن الأرمن في لبنان كانوا مواطنين لبنانيين ولم تقلقهم يوماً قضايا الإقامة والضمان الوظيفي، ولم تقضّ مضاجعهم المخاوف من احتمالات ترحيلهم، فإن القضايا التي كانت تؤرق الفلسطينيين وسط الأزمة كانت مصدر ضعف موقفهم، وسبباً من أسباب نجاح العراقيين في زجهم في أمر لم يكونوا، على الصعيدين الذاتي والجماعي، يرغبون في التورط فيه.
لقد أبقت هذه التطورات في العلاقة الكويتية - الفلسطينية، إلى حد كبير، الصورة الكلية في الشارع الكويتي تجاه الفلسطينيين غامضة، كما أبقت الصورة الكلية بين الفلسطينيين تجاه ما كان يجري بين الكويتيين أيضاً غير واضحة. لكن يجب التأكيد هنا أنه فيما يتعلق بعملية نزع كل طرف عناصر الصفة الإنسانية عن الطرف الآخر فإن كلاً منهما لم تتوفر لديه المعلومات عن الوجه الإنساني الكلي للطرف الآخر خلال الاحتلال. فالفلسطينيون لم يعرفوا الكثير عن الانتهاكات العراقية لحقوق الإنسان في المناطق الكويتية، إذ لم يكن أحد في منطقة حولي، على سبيل المثال، يعرف ما كان يجري فعلاً في منطقة القادسية الكويتية، مع أن الفاصل بينهما شارع واحد فقط. وفي المقابل، لم يكن سكان منطقة القادسية الكويتيون يعرفون، خلافاً لاعتقادهم، أن قطاعاً كبيراً من الفلسطينيين لم يكن مغتبطاً بما كان يجري لهم، وأن الكثيرين منهم خاطروا بأنفسهم، بصورة أو بأُخرى، عندما امتنعوا من التعاون مع العراقيين.([28]) وبما أن عدداً قليلاً من الكويتيين زار المناطق الفلسطينية، كما أن عدداً قليلاً من الفلسطينيين زار المناطق الكويتية في إبان الاحتلال، فإن في الإمكان القول إن نسبة الخوف وتشكك كل منهما في الآخر قد ارتفعت. وخلال فترة الاحتلال، كانت شقة الخلاف والتباعد تتسع بين الشعبين، إذ كانا يفسران الحدث الواحد من منظورين مختلفين متناقضين، ولم يقترب أي من المنظورين من تفهم أوضاع وحاجات وحقائق الآخر.[29]
سياسة عراقية فاشلة وأوضاع تتدهور
مع ذلك، وعلى الرغم من الأوضاع الإقليمية ودور القوى الخارجية، يمكن القول بكل ثقة إن سياسة العصا والجزرة التي اتبعها العراق كي يلوي ذراع الفلسطينيين ويفرض التعامل عليهم في الكويت كانت نتيجتها، بمرور الوقت، عكسية تماماً، بل كانت سياسة فاشلة لم تجلب للعراق سوى حفنة من المتعاونين وأقلية من المتعاطفين. فلو أخذنا، على سبيل المثال، إدارة شؤون العرب، التي استحدثها العراقيون للإشراف على إقامات غير العراقيين في الكويت، لوجدنا أنها أجبرت الفلسطينيين على التوجه إليها والوقوف في صفوف طويلة ومهينة أياماً كثيرة لتقديم مستنداتهم إلى موظف عراقي صغير لإثبات إقاماتهم. وفي تشرين الأول/أكتوبر أعلن العراق مساواة العملة العراقية بالدينار الكويتي، مخفضاً بذلك المدخرات اثني عشر ضعفاً. وقد شكل ذلك بداية كارثة اقتصادية لجميع الفلسطينيين ولكل من استخدم الدينار الكويتي، أُضيفت إلى قيام العراق بطرد المدرسين الفلسطينيين بالألوف، ثم إغلاق الجامعة ونقل محتوياتها إلى العراق، ثم الشروع في حملة نهب لمرافق حيوية كثيرة في الكويت. وهكذا بدأ الناس يصنعون الخبز في بيوتهم، وبدأ المهندسون والصيادلة والمدرسون الفلسطينيون يبيعون مقتنياتهم الشخصية لتأمين معيشتهم تحت نير الاحتلال. وفي زمن الغزو العراقي، وفي غضون أسابيع، تحولت هذه الجالية الغنية المرفهة (مثل سائر أبناء الشعب الكويتي) إلى جالية عاطلة عن العمل وفقيرة بكل معنى الكلمة.
ومع مرور الوقت، تحول تعاطف قطاع من الفلسطينيين، ممن صدّقوا شعارات العراق القومية، إلى مشاعر متباينة من الخوف والتوجس والرفض. لقد حطم جيش العراق العربي حياة الجميع وأسباب عيشهم، والعدد القليل من الفلسطينيين ممن استفاد من الاحتلال كان في أغلبيته من الأوغاد واللصوص والمنتهزين، ومن ذوي المذاهب السياسية المؤيدة للعراق. أما العائلات التي اضطرت إلى الرحيل إلى الأردن وأخذ أمتعتها معها، فكان يتحتم عليها أن ترشو الجنود العراقيين، كأن تعطيهم أجهزة فيديو أو غيرها من الأدوات الكهربائية. إن ما لا يقل عن 000,200 فلسطيني ممن كانوا يملكون الحد المالي الأدنى الذي مكّنهم من مغادرة الكويت خلال فترة الاحتلال يمكن وضعهم في خانة المعارضين للاحتلال والرافضين لأساليبه. والذين رحلوا إلى الأردن، بعد أن اتضحت لهم حقيقة الاحتلال العراقي، عاشوا هناك حالة من الاغتراب في مجتمع كان مغشوشاً ومخدوعاً بشعارات صدام ووعوده. وكان لسان حال الكثيرين منهم انتظار الوقت الذي تنجلي فيه هذه الحقيقة بوضوح أمام الجمهور المشحون في الأردن.[30]
وفي غمرة الفوضى التي سادت الكويت آنذاك، حاول عدد من أعضاء مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت إنقاذ الموقف الفلسطيني المضطرب والمفكَّك. فكان أن رأَس أبو الأديب (سليم الزعنون)، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" ونائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني وممثل قديم لحركة "فتح" في الكويت ودول الخليج، وعوني بطاش، ممثل المنظمة في الكويت، وفداً من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت لمقابلة ما سُمي حكام الكويت الجدد: حسن علي المجيد، وسبعاوي إبراهيم الحسن، الأخ غير الشقيق لصدام والمسؤول عن الأمن في العراق والكويت. وكان هذا الاجتماع الذي عقد في الكويت مثالاً لانعدام الثقة بين الطرفين وشاهداً على طبيعة العلاقة بين الفلسطينيين والمحتلين العراقيين.
وفي أثناء اللقاء، الذي تخلله بعض المجاملات التقليدية في البداية، تقدم الوفد الفلسطيني من العراقيين بشكاوى تتعلق بصعوبة الأوضاع التي يعيشها الفلسطينيون، وعبّر عن مخاوفه وقلقه بشأن رواتب الفلسطينيين ووظائفهم، وبشأن البطالة المتفشية في صفوفهم. كما تساءل الوفد عن مصير من يغادر الكويت، وعن مصير الدينار الكويتي وصعوبة التصرف في حساباتهم ومدخراتهم في المصارف، وشكا للمجيد الوقوف في صفوف طويلة للحصول على الخبز والغاز المنزلي، وأوضح أن الفلسطينيين الذين كانوا يعملون في وزارات الأشغال العامة والداخلية والدفاع والخارجية، وغيرها من الوظائف، طُردوا من أعمالهم بدعوى ضم الكويت إلى العراق. واشتكوا له من قيام عراقيين بنهب ممتلكات للفلسطينيين، من شركات ومتاجر ومعدات وسيارات نقل، وما إلى ذلك.
وخلال الاجتماع، انفجر حسن المجيد غاضباً، متهماً الفلسطينيين بـ "الفساد والإفساد"، كما اتهمهم بالتركيز على "القضايا الثانوية التافهة"، وطعن في قوميتهم ووطنيتهم، وسمّاهم "البخلاء قومياً". وكما جاء على لسان أبو الأديب وآخرين حضروا الاجتماع، فإنه قال لهم: "إنكم تفتقرون إلى القومية إلى حد أنكم لا تدعموننا حتى بمظاهرة واحدة في مدينة الكويت. فكيف لي أن أطلب من جنودي دعم قضيتكم بينما أنتم لا تدعموننا حتى شفهياً داخل الكويت؟" ومضى حسن المجيد قائلاً: "إنكم تثيرون قضايا ثانوية كالحسابات في البنوك والممتلكات بينما نحن نحارب نيابة عنكم، بل إننا نخوض عنكم المعركة القومية." ثم قال لهم إنه يتعين عليهم الانتظار خمسة عشر عاماً قبل أن تتحسن الأوضاع في الكويت والعراق.[31]
وخرج الفلسطينيون من الاجتماع بمشاعر الخيبة وعدم الاطمئنان إلى المستقبل؛ أهانهم حسن المجيد، وأدركوا أن الفلسطينيين خاسرون لدى كلا الطرفين، وأن ما ينتظرهم لا يبعث على الاطمئنان؛ فإن بقي العراقيون في الكويت فإن الفلسطينيين سيخسرون أموالهم وحساباتهم في المصارف وشركاتهم ووظائفهم، وعليهم عندئذ مغادرة الكويت؛ وإنْ عاد آل صباح إلى الحكم، فإنهم سيُعتبرون متعاونين. وعقب ذلك الاجتماع، ازداد الفلسطينيون في الكويت ضياعاً. ففي تشرين الأول/أكتوبر 1990، وبعد اجتماع عاصف آخر مع حسن المجيد، غادر أبو الأديب وعوني بطاش الكويت. وفي ذلك الوقت، كان العراق قد بدأ يعتقل المئات من الفلسطينيين الذين رفضوا السياسة العراقية والعمل مع العراقيين، وأبدوا رفضهم للاحتلال العراقي للكويت. لكن عندما استفسر مكتب منظمة التحرير في الكويت، بضغط من أهالي الفلسطينيين المفقودين، السلطات العراقية عن مصير هؤلاء، قوبل ممثل المنظمة بالرفض والصد. بل إن حسن المجيد طلب من المنظمة عدم الاستفسار عن أي فلسطيني يحمل جواز سفر أردنياً، باعتبار أنه من رعايا الأردن وليس فلسطينياً.[32]
محاولات التعايش في ظل الأزمة: سلوكيات فلسطينية مقاوِمة
ربما كان حسن علي المجيد مصيباً؛ إذ على الرغم من الضغوط العراقية، لم تخرج تظاهرة واحدة للفلسطينيين يمكن أن نقول إنها تعبّر عن التيارات السياسية والاجتماعية الفلسطينية في الكويت. وخشية عواقب السياسة العراقية في الكويت، وانطلاقاً من فهم لطبيعة الغزو الذي يتعرض المجتمع الكويتي له، حاول الكثير من ناشطي العمل السياسي الفلسطيني في الكويت، أكانوا من حركة "فتح" أم من بعض العناصر الفاعلة في منظمة التحرير الفلسطينية، التصدي لحالات التعاون الفلسطيني مع العراقيين. كما قام عدد من أعضاء حركة "فتح" ومنظمة التحرير بمحاولات لم يكتب لها النجاح للضغط على قيادة المنظمة في تونس من أجل تعديل موقفها السياسي من الأزمة.[33] وكانت إحدى نتائج هذه المحاولات اغتيال رفيق قبلاوي (أبو زياد)، قائد "فتح" في الكويت، بإطلاق النار عليه أمام أحد أقسام الشرطة العراقية في تشرين الأول/أكتوبر 1990. ولم تكن هنالك أية جهود منظَّمة من قِبل حركة "فتح" أو "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" لضم أعضائها إلى الجيش الشعبي العراقي. فهذا الجيش الشعبي لم تكن له شعبية في أوساط الفلسطينيين، والمئات القليلة من الفلسطينيين التي انضمت فعلاً إلى الجيش العراقي كان دافعها الأول الكسب المادي. ويمكن القول إن الجهتين الفلسطينيتين الوحيدتين اللتين تعاونتا مع الجيش الشعبي هما جماعة أبو العباس و"جبهة التحرير العربية" المحسوبتين على العراق؛ إذ قامتا فعلاً بتسجيل أعضاء منهما في الجيش الشعبي العراقي.
وعندما اجتمع أعضاء ناشطون من حركة "فتح" (فرع الكويت) إلى أبو إياد، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، في 15 تشرين الأول/أكتوبر 1990، في إبان زيارته لبغداد، أبدى أبو إياد قلقه من مجريات الأحداث في الكويت، وكان خلال الحديث يسمي الكويت "الأراضي المحتلة". وصرح للمجتمعين أن موقف منظمة التحرير الفلسطينية أضعف القضية الفلسطينية برمتها. ثم طلب من الناشطين في حركة "فتح" مساعدة الكويتيين بالوسائل الممكنة ما عدا الوسائل العسكرية. كما أخبرهم أنه سيعلن قريباً شجبه للاحتلال. وبعد بضعة أيام غادر أبو إياد العراق غاضباً، وذلك عقب اجتماع عاصف له مع صدام حسين. وقد اغتيل أبو إياد في تونس في كانون الثاني/يناير 1991.
إن جل الجهود التي بذلت لإنقاذ التعايش بين الكويتيين والفلسطينيين كانت على يد أبو أيمن (علي الحسن)، الذي ربما كان الفلسطيني الوحيد الذي أدى دوراً قيادياً وسياسياً حقيقياً خلال الاحتلال. فبعد الغزو، عين ياسر عرفات أبو أيمن، شقيق خالد وهاني الحسن، في منظمة التحرير لتسيير شؤون الفلسطينيين الاجتماعية في الكويت، وذلك على الرغم من الخصومة بين الرجلين. فعرفات، الذي كان قد أعلن تأييده للعراق، وجد في أبو أيمن، الذي هو من أنصار حركة "حماس" ومن الشخصيات الفلسطينية الإسلامية التي عاشت عقوداً في الكويت ولها علاقات قديمة فيها، شخصاً يمكن الاعتماد عليه للحفاظ على وضع الفلسطينيين هناك. ولم يكن هناك فلسطيني آخر مستعد للقبول بتلك المهمة الصعبة والعلنية، بمن في ذلك كبار ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت. ولعل ارتباط أبو أيمن بحركة "حماس"، وبالتالي بالحركة الإسلامية في العالم العربي وفي الكويت، كان مهماً جداً لإنجاح تلك المهمة. فقد جاءت المهمة في وقت كان يحاول العراق استمالة الحركات الإسلامية في المنطقة؛ ولذا، فإن ارتباط أبو أيمن بـ "حماس" منحه بعض الحصانة السياسية في تنفيذ سياسته. وقد وصل أبو أيمن إلى الكويت عبر العراق بعد عدة أسابيع من الاحتلال.
فوجئ أبو أيمن عند وصوله بحجم الكارثة. فمن أصدقائه الكويتيين سمع عن الأحوال والأهوال، ومن الفلسطينيين سمع عن المعاملة القاسية بحقهم. وهكذا، ومنذ الأسبوع الأول، غيّر انطباعاته المتفائلة بإمكان الوصول إلى حل ينقذ الجميع من كارثة محدقة، وبدأ يتحول إلى التشاؤم الحذر. وبدأ يرى في أثناء تعامله مع الجالية الفلسطينية ومع الكويتيين نتيجة الأهوال التي كان العراق يحدثها في الأحياء الكويتية. لقد كان أبو أيمن معجباً، إلى حد كبير، بقيام أبناء كبرى العائلات الكويتية بممارسة تنظيف الشوارع، وحماية الأحياء، وكان معجباً بالكويتيين العاملين في الهلال الأحمر الكويتي وفي صفوف العمل الإسلامي وغير ذلك، وكان يرى في صبرهم وتحملهم وجهدهم ما هو وطني وإسلامي وإنساني وأصيل في آن واحد.[34]
بعد وصول أبو أيمن، أصبحت مهمته العمل على تخفيف حدة التوتر بين الفلسطينيين والكويتيين، وكبح جماح العناصر الفلسطينية غير المسؤولة التي كانت تزيد في الأوضاع سوءاً. ولئن لم يتمكن من احتواء أفعال قطاع الطرق واللصوص أو أفعال جماعات "جبهة التحرير العربية" وأبو العباس وغيرها، فإن التاريخ يشهد له وللذين عملوا معه أن فضل عدم ارتكاب الفلسطينيين أعمال عنف كبيرة ضد الكويتيين إنما يعود له.[35] فقد كانت هناك نية لارتكاب مثل هذه الأفعال في إثر الهجوم على مدرسة فلسطينية للبنات واغتيال عدد من الطالبات والمعلمات. وأصر أبو أيمن أمام الفلسطينيين الذين أتوا إليه محتجين وغاضبين على أن هذه الأعمال هي من فعل عراقي، وأن المقصود منها الوقيعة بين الشعبين. لقد أصر أبو أيمن إصراراً قاطعاً على دور أجهزة محسوبة على العراق في أعمال العنف، وذلك على الرغم من معرفته من أوساط فلسطينية دور عناصر من المقاومة الكويتية في هذه الأعمال. بل حتى عندما فُجرت سيارة مفخخة خلف مكتب "فتح" في أيلول/سبتمبر، أصر أبو أيمن وأنصاره على أن التفجير ليس من أعمال المقاومة الكويتية وإنما من فعل العراقيين لخلق الفتنة بين الشعبين.[36]
كما نجح أبو أيمن في الجمع بين الكويتيين والفلسطينيين للعمل معاً في أحد مراكز توزيع الخبز في المدينة، وهو ما ساهم في إيجاد نوع من التعايش، أو مثّل، كما يعرف بلغة حل الأزمات، محاولة لوقف تصعيد التوتر.[37] كما طلب من مناصريه إقامة الصلوات مع الكويتيين. وشارك عدد من أنصاره السكان الكويتيين في بعض مظاهر العصيان المدني بأشكال مختلفة خلال الأزمة. وفي أيلول/سبتمبر 1990، ألقى العراقيون القبض على 12 عنصراً من أنصار أبو أيمن، وجميعهم فلسطينيون، بتهمة دعم المقاومة الكويتية. وكادت السلطات العراقية تعدمهم لولا تحرك أبو أيمن السريع على مستوى منظمة التحرير، الذي أدى في النهاية إلى الإفراج عنهم. واستدعت الاستخبارات العراقية أبو أيمن مرتين على الأقل خلال الاحتلال، وأخضعته للتحقيق وحذرته من مغبة أنشطته.
وكان من أهم ما قام أبو أيمن به في أثناء الاحتلال العراقي تركيزه على العمل الاجتماعي. فقد انطلق أساساً من أن حاجة الفلسطينيين في الكويت إلى المساعدات يمكن أن تدفع قطاعات كبيرة معوزة إلى التعاون مع العراقيين والالتحاق بالجيش الشعبي. وقد أدى هذا إلى تبنّيه تقديم مساعدات للناس، الأمر الذي عنى عملياً توزيع الأموال على آلاف من الأُسر الفلسطينية الفقيرة، وساعد بدوره في تراجع نسبة التعاون مع العراقيين في أوساط الفلسطينيين. ولا شك في أن العمل على المستويين الاقتصادي والاجتماعي كان أساسياً لتخفيف حدة التوتر بين الكويتيين والفلسطينيين. وقد قام أبو أيمن بدور في منع خروج أية تظاهرة فلسطينية فعلية واحدة تأييداً للعراق طوال فترة الاحتلال. بل إن التظاهرة الوحيدة التي تجمّع فلسطينيون فيها كانت تلك التي جرت احتجاجاً على مجزرة في المسجد الأقصى. وعندما رفع أنصار "جبهة التحرير العربية" صوراً لصدام حسين خلال التظاهرة، انسحب أبو أيمن ومعظم المتظاهرين، تاركين "الجبهة العربية" وحدها. أمّا التظاهرات التي قامت تحت حراب البنادق العراقية، وأمام حواجز طيارة قام العراقيون بوضعها وإجبار السائقين على التظاهر خمس دقائق أمام آلات تصوير التلفزة العراقية، فلم تكن سوى تظاهرات كاذبة لا تحسب على أحد.
ولئن تقطعت أواصر العلاقات بين الكثير من الفلسطينيين والكويتيين، خلال محنة الاحتلال، فإنها استمرت بين كثير من الفلسطينيين وأصدقائهم أو شركائهم الكويتيين. إذ إن تحرك الفلسطينيين في البلد، وعدم اشتباه العراقيين فيهم (مقارنة بالكويتيين) عند نقاط التفتيش، ساعداهم في إحضار الطعام والمؤن للكويتيين. وفي جامعة الكويت، ساعد عدد غير قليل من الفلسطينيين ممن استأنفوا أعمالهم فيها، قبل أن يغلقها الاحتلال نهائياً، في إنقاذ وإخفاء الوثائق والأوراق المهمة الخاصة بالأساتذة والعاملين في مختلف الأقسام الذين لم يتمكنوا من الذهاب إلى الجامعة خوفاً من أن يعتقلهم العراقيون ويسيئوا معاملتهم. فقد استطاع الفلسطينيون، على سبيل المثال، تدمير عدد من أجهزة الكمبيوتر خشية استخدام العراقيين للمعلومات التي تحويها. وفي المصارف الرئيسية، ساعد عدد من الفلسطينيين في إنقاذ السجلات وأعداد كبيرة من الوثائق وأقراص الكمبيوتر الخاصة بالشركات والمؤسسات الرئيسية في البلد. وكما يمكن توثيق عشرات الروايات السلبية، من سرقة وإساءة، هناك في المقابل مئات من الأمثلة الإيجابية التي تعكس العلاقة الخاصة بين الفلسطينيين والكويت، والتي يمكن توثيقها بكل سهولة ويسر.[38]
وشارك عشرات الفلسطينيين أيضاً في خلايا المقاومة الكويتية، فوفق أحمد السيافي، أحد أبطال المقاومة الكويتية: "لقد تعلمنا كيفية صنع المولوتوف من أحد الفلسطينيين."[39] وأشركت إحدى أهم خلايا المقاومة الكويتية، وهي مجموعة 25 شباط/فبراير، في عملياتها أفراداً عراقيين وفلسطينيين وشيعة وسنة ومن فئة "البدون" (فئة لا تحمل أوراقاً رسمية تدل على جنسية محددة).[40] وكان بين هذه المجموعة فلسطينيان هما أشرف محمود نافع، وسمير محمود أبو دكر، اللذان كانا مسؤولين عن عملية التفجير التي هزت فندق الهيلتون الذي كان يستخدم مقراً لرئاسة أركان عراقية في الكويت في 15 كانون الأول/ديسمبر 1990.[41] وقد ألقى الجيش العراقي القبض على هذين الفلسطينيين، بالإضافة إلى أفراد آخرين في المجموعة الكويتية بلغ عددهم 12 فرداً بينهم سيدتان، وأُعدموا في 5 شباط/فبراير 1991 أمام منازلهم. وحتى في مقبرة الرقة، حيث كان يجري دفن الكويتيين الذين يستشهدون تحت وقع التعذيب، بقي أحد الفلسطينيين حتى النهاية مع المجموعة الكويتية التي أخذت على عاتقها مسؤولية دفن الشهداء.[42]
وإبراهيم دبدوب، مدير المصرف الوطني في الكويت، مثال آخر للرفض الفلسطيني للغزو. فقد كان في لندن قبل الغزو. وبصفته رئيساً للمديرين العامين في المصرف، استطاع أن يدعو إلى أول اجتماع لمجلس الإدارة في لندن. وبفضل جهوده، تمكن المصرف من إنقاذ سجلاته ومراقبة أرصدته مع المصارف الأُخرى وتقديم الخدمات للكويتيين في لندن. ودبدوب هو الذي أعد الترتيبات لدخول زوجته إلى الكويت مع عدد من كبار موظفي المصرف الفلسطينيين لتهريب سجلات المصرف قبل وقوعها في أيدي العراقيين أو إتلافها. وقد كتب لهذه المهمة النجاح (يعود الفضل في جانب منه إلى رشوة دُفعت للعراقيين بلغت قيمتها 30 ألف دولار).[43]
ولا شك في أن دور الفلسطينيين في تقديم الخدمات الطبية، بالإضافة إلى خدمات الكهرباء، خلال فترة الاحتلال، يعكس المساهمة الفلسطينية الإيجابية في ضمان قدرة الكويت على البقاء ومقاومتها للاحتلال العراقي. ويمكن القول هنا إن الفلسطينيين في الكويت، كرافضين للاحتلال أو كمحايدين، شكلوا ما يشبه الحاجز بين المجتمع الكويتي والظلم العراقي، وخففوا في الوقت نفسه من الضرر الذي ألحقه الفلسطينيون المتعاملون مع الاحتلال بالكويتيين. إذ لولا وجود فلسطينيين رافضين للاحتلال، وآخرين محايدين، لأصبحت إمكانات البقاء والصمود في الكويت أصعب بالنسبة إلى المجتمع الكويتي، ولانصرف العراقيون إلى المزيد من التنكيل بالمجتمع الكويتي.
بعد التحرير
لقد دفع الفلسطينيون الذين بقوا في الكويت بعد تحريرها، والذين بلغ عددهم 000,150 شخص، ثمناً غالياً؛ وذلك عندما أصبحوا محط غضب الكويتيين وإحباطاتهم المتولدة من أفعال العراق، إضافة إلى أفعال بعض الفلسطينيين المتعاملين مع العراقيين في أثناء الاحتلال، والمتولدة في الوقت ذاته من موقف منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الأردنية والكثير من المثقفين الفلسطينيين في إبان الأزمة. ولا شك في أن ما قاله عرفات في المؤتمر الصحافي الذي عقده في 17 شباط/فبراير 1991في عمّان، وحديثه إلى إذاعة مونتي كارلو بعد ذلك بأيام، قد زاد كثيراً في حدة الغضب الكويتي تجاه الموقف الفلسطيني.[44]
وفي المقابل، لم يكن لدى معظم الفلسطينيين الذين بقوا في الكويت دراية شاملة بالآثام التي ارتكبها سواهم، ذلك بأن اللصوص والمجرمين، أكانوا فلسطينيين أم عراقيين، الذين دعموا العراق فعلاً، غادروا في أغلبيتهم الكويت مع الجيش العراقي. بل إن الكثير من الذين بقوا في الكويت بعد التحرير كانوا من الذين قدموا الدعم لأسرة أو لصديق كويتي بشكل من الأشكال. ولم يدرك الفلسطينيون الذين لم يتعاونوا، والذين رفضوا الاحتلال، أنه في ظل هذه الشحنة العاطفية المتأججة، كانت أية علاقة بالعراقيين، مهما يكن نوعها أو شكلها، تعد شكلاً من أشكال التعاون. بل حتى ختْم جواز السفر من قِبل مسؤول جوازات عراقي، أو تغيير لوحات أرقام السيارات من لوحات كويتية إلى لوحات عراقية، أو تسجيل طفل في مدرسة، أو الحصول على إذن إقامة وفق القانون العراقي، أو تسجيل الاسم عندما أعلن العراق بدء الدوام في الدوائر الحكومية، كان يعتبر تعاوناً مع المحتلين.
بلغ عدد الذين اعتُقلوا منذ اليوم الأول من تحرير الكويت في شباط/فبراير 1991 حتى انتهاء موجة الاعتقالات في تموز/يوليو 1991 ما مجموعه ستة آلاف شخص من الجنسيات كافة.[45] ولا شك في أن الكثيرين منهم تعرضوا للضرب المبرح بينما جرى تعذيب آخرين أياماً وأسابيع على أيدي شبان تنقصهم الخبرة. وقد وثَّقت منظمة "مراقبة الشرق الأوسط" (Middle East Watch) والصليب الأحمر الدولي معظم تلك الاعتقالات. أمّا عدد القتلى من المدنيين، بمن فيهم المدنيون العراقيون و"البدون" الذين عاشوا في الكويت قبل آب/أغسطس وبقوا فيها بعد التحرير، فقد بلغ نحو مئة شخص. وبلغ عدد المفقودين من الجنسيات كافة مئة وستين شخصاً.[46] وكان نصيب الفلسطينيين من ذلك كله، وفق إحصاءات مدققة، ستة عشر قتيلاً وثلاثة وثلاثين مفقوداً.[47] ويمكن اعتبار معظم المفقودين في عداد القتلى. ومع أن هذه الأرقام أقل كثيراً مما أُشيع في الشهور التي تلت الاحتلال، فإن أية خسارة لحياة بريئة تشكل في حد ذاتها خسارة إنسانية على كل صعيد. ووفقاً لأقوال أبو أيمن، فإنه لم تسجَّل في حق فلسطينيين حالات اغتصاب من قبل كويتيين، كما أُشيع في بعض وسائل الإعلام، لكن كان هناك نحو 13 حالة اغتصاب بين فتيان فلسطينيين.[48] وكانت الحكومة الكويتية في البداية بطيئة في اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه العنف المدني، ولم تضع حداً له إلا في حزيران/يونيو 1991، وذلك بعد تدخل شخصي من رئيس الوزراء أُعلن في وسائل الإعلام وعبر التلفزة.
لقد مارس الاحتلال العراقي بحق الشعب الكويتي تنكيلاً وسلوكاً جائراً وغير إنساني، الأمر الذي حول هذا الشعب إلى ضحية أمام الممارسات العراقية القاسية. وخلال فترة الاحتلال، وللأسباب التي ذكرت آنفاً، راح قطاع من الفلسطينيين وآخر من الكويتيين يمارسان أحدهما تجاه الآخر نزعاً لإنسانية الآخر، معبِّرَيْن عن مشاعر من البغض والألم تجاه موقف الآخر. لكن بعد التحرير، اقتصر هذا الفعل، بصورة عامة، على الكويتيين تجاه الفلسطينيين، بينما تحول شعور الفلسطينيين إلى إحساس بالمعاناة وبأنهم أصبحوا هم الضحية.[49]
وفي المقابل، إن اعتبار المجتمع الكويتي كله متهَماً بانتهاكات تجاه الفلسطينيين بعد التحرير فيه الكثير من التجني على الكويت. والحقيقة أن كثيراً من الكويتيين أخذ على عاتقه حماية حقوق الإنسان الفلسطيني. ففي أوساط الجيش وأجهزة الأمن، وفي المجتمع الكويتي عامة، كان هناك كويتيون نظروا إلى الأحداث نظرة موضوعية. فقد وردت تقارير عن حالات أفرج فيها كويتيون عن فلسطينيين ظهرت لهم براءتهم، وعن حالات أنقذ فيها كويتيون فلسطينيين تبين أنهم اعتقلوا بطريق الخطأ. كما قام عدد من الكويتيين بإخفاء أصدقاء فلسطينيين لهم في الأسابيع الأولى من التحرير رداً لجميل صنعه هؤلاء لهم أيام الاحتلال.[50] فقد ساعد علي سالم العلي الصباح، وهو أحد أقطاب المقاومة الكويتية ونجل رئيس الحرس الوطني، في تحسين أوضاع الفلسطينيين في أحد المعتقلات الرئيسية الذي كان يعج بالمئات، وقام، بمبادرة شخصية منه، بطرح القضية على رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله. ونظراً إلى دور علي سالم العلي في إبان الاحتلال وإلى صدقيته، فقد نجح في إطلاق الكثير من الفلسطينيين الأبرياء، كما ساهم في تخفيف ما كان سائداً في أوساط عدة من نظرة الاتهام تجاه الفلسطينيين.[51]
أمّا الجمعية الكويتية للدفاع عن ضحايا الحرب وجمعية المحامين الكويتية، فقد بذلتا جهوداً جبارة من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان في الكويت.[52] وقد عبّرت سبع جماعات سياسية إسلامية وليبرالية أُلفت في الكويت عقب التحرير عن استنكارها لخرق حقوق الإنسان في الكويت. وأصبحت مسألة حقوق الإنسان تحتل صدر الإعلام العالمي. كما أدت السفارات البريطانية والألمانية والأميركية في الكويت، إضافة إلى الإعلام الغربي، دوراً لا يستهان به عقب تحرير الكويت من أجل تحسين الأوضاع الإنسانية وتنبيه الحكومة الكويتية إلى تلك الخروقات.
كما مارست لجنة مميزة من الفلسطينيين، وبدور مميز من الفنان الفلسطيني إسماعيل شموط وآخرين، دوراً مهماً في أمور كثيرة، منها تحقيق لقاءات عقدتها مع رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ سعد العبدالله. وقد نتج من هذا الأمر تهدئة الأوضاع وتخفيف الإجراءات، وتعويض الراغبين في السفر، وغير ذلك من الأمور. وقد دفع الوضع رئيس مجلس الوزراء إلى إلقاء خطاب في حزيران/يونيو 1991 عبر محطة التلفزة دعا فيه إلى تحسين معاملة السجناء في مراكز الاعتقال، ومنع الاعتقالات غير القانونية. ووفقاً لغانم النجار، رئيس الجمعية الكويتية للدفاع عن ضحايا الحرب، كان أسوأ الأوضاع التي مر الفلسطينيون بها أوضاع فترة آذار/مارس - نيسان/أبريل 1991. ومع حلول حزيران/يونيو، كان الصليب الأحمر الدولي قادراً على دخول جميع السجون ومراكز الاعتقال. كما وافقت الحكومة الكويتية على منح المتهمين الحق في استئناف الأحكام التي أصدرتها محكمة أمن الدولة بحقهم.
كانت المحاكم الميدانية، التي جرت المحاكمات فيها علانية في 18 أيار/مايو 1991، غير منظمة. وكانت تلك المحاكمات حافلة بالمواقف العاطفية التي صدرت عن الكويتيين الذين حضروا المحاكمات، أو عن ذوي الموقوفين (كان هناك نحو 350 معتقلاً بتهمة التعامل مع العراقيين، بينهم 20 امرأة). وكان القضاة متأثرين إلى حد كبير بما جرى للشعب الكويتي. وقد انتقد الإعلام الغربي بشدة إجراءات تلك المحاكمات، وأحكام الإعدام التي صدرت بحق عدد من المتهمين. وكان المحاميان عماد السيف ونجيب الوقيان من أوائل المحامين الكويتيين الذين دافعوا عن المتهمين في ظل ظروف صعبة وسخط شعبي على الفلسطينيين، واستطاعا استصدار عفو عن عدد كبير منهم ثبتت براءتهم. وقد مهدت هذه المحاكمات، على الرغم من ردات الفعل الدولية التي شككت في نزاهتها، لإجراء محاكمات أكثر تنظيماً ووضوحاً في نيسان/أبريل 1992. فقد جيء حينها بالشهود، ولم يؤخذ بالاعترافات التي انتُزعت بالقوة أو بالتعذيب. وأدى هذا إلى تبرئة العشرات من المتهمين، ولم تتم إدانة إلاّ عدد قليل منهم.[53] والجدير بالذكر أن أمير الكويت أصدر قراراً بتخفيف أحكام الإعدام عن جميع المتهمين.
ومع ذلك، كانت هذه المحاكم بمثابة علاج عام للجروح في المجتمع الكويتي. فقد عنت للكثيرين في الكويت، ولو نفسياً، أن العدو أو بعض مخلفاته أصبح خلف القضبان، وأن الاحتلال صار في السجن. أمّا المحامون الكويتيون الذي أخذوا على عاتقهم الدفاع عن المتهمين، فقد كان موقفهم في حد ذاته مخاطرة، إذ إنهم تعرضوا لتهديدات من المواطنين الغاضبين. وهذه الحقيقة المتناقضة - أي أن تكون المحاكم علاجاً عاماً للكويت في الوقت الذي يدافع محامون كويتيون عن المتهمين - تعبّر عن الأبعاد الإنسانية والنفسية في مثل هذه الصراعات الشديدة التعقيد التي تصيب الشعوب والحلفاء السابقين.[54]
بعد التحرير انخفض عدد الفلسطينيين في الكويت من 150 ألفاً إلى نحو 40 ألفاً. لقد أصبح واضحاً أن الكويت لم تعد تحتمل وجود جالية فلسطينية كبيرة، وسلمت الحكومة موظفيها من الفلسطينيين المغادرين تعويضاتهم قبل مغادرتهم. وقد توجه معظم الذين غادروا الكويت إلى الأردن لأن أغلبيتهم كانت من حملة الجوازات الأردنية. لكن الفلسطينيين الحاملين وثائق سفر مصرية واجهوا صعوبة كبيرة في الانتقال إلى دولة أُخرى، إذ لم تقبلهم دول كثيرة، حتى مصر التي هي أساساً مصدر هذه الوثائق. وأمّا الفلسطينيون الذين خدموا في القطاع الحكومي وكانوا خارج البلد بعد التحرير، فقد حصلوا على مستحقاتهم فور تقديم مستنداتهم عن طريق أحد أقربائهم أو أصدقائهم.
ومن جهة أُخرى، فقد الكثير من الفلسطينيين، الذين كانوا قبل الغزو يعملون في القطاع الخاص ولم يتمكنوا من دخول الكويت بعد التحرير، الكثير من حقوقهم. إذ قَبِل الكثير منهم بيع أسهمه بأسعار بخسة في شركات كانوا هم قد أسسوها وامتلكوا أسهمها الرئيسية. وبينما نجد أن الكثير من الكويتيين أبقى على شركائه الفلسطينيين، بل أوفى بالشروط الأصلية في اتفاقاته مع شركائه الفلسطينيين، فإن هناك في المقابل حالات عديدة تؤكد تنكر كويتيين لشركائهم الفلسطينيين بحجة أنهم كانوا سيواجهون المصير نفسه من قبل شركائهم الفلسطينيين لو أن الكويت لم تتحرر. وفي بعض الحالات، نجح كويتيون في إدخال شركائهم الفلسطينيين إلى الكويت لتسيير أمور شركاتهم. وتعتمد هذه الحالات في معظمها على الشريك الكويتي وعلى وضع الشركة المالي. كما استطاع كثير من الفلسطينيين تسيير أعمالهم (مع شركائهم الكويتيين) وهم في الأردن أو في غيره من الدول، بينما سوّى البعض الآخر الخلاف مع شريكه عبر القضاء.[55] وقد صدرت في سنة 1994 قرارات من الحكومة الكويتية تلزم القطاع الخاص بتعويض الذين كانوا عاملين وموظفين فيه قبل الغزو. وبالتالي، فإن أية شكوى ضد شركات القطاع الخاص تقدَّم إلى الجهات الحكومية من قِبل فلسطينيين في الخارج أو في الكويت، عبر وكيل أو محام، تلزم الدولة بتخليص حقوق هؤلاء العاملين السابقين فيه. لكن القطاع الخاص يتحجج من جانبه بما كبدته الحرب من خسائر، وبعدم حصوله على تعويض من تلك الخسائر من جانب الدولة أو من التعويضات الدولية.
لقد احتاج الكويتيون إلى ردح من الزمن للتخلص من آثار الغزو النفسية وجروحه. لكن ما أثار دهشة المسؤولين في الكويت هو أن عدداً كبيراً من التجار وأصحاب القطاع الخاص كتب توصية قوية في مصلحة شركاء وموظفين فلسطينيين من أجل تأمين الإقامة لهم، وبالتالي تمكينهم من مزاولة أعمالهم. ولم تكن الإقامة تُمنح إلاّ بعد أن يقوم رب العمل أو الشريك الكويتي بكتابة رسائل إلى وزير الداخلية يشيد فيها بموقف شريكه أو بمواقف موظفيه في إبان المحنة التي ألمت بالكويت. وكي يُمنح الإقامة، كان لا بد من الحصول على موافقة وزير الداخلية شخصياً. وهكذا، كان على آلاف أرباب العمل الكويتيين مقابلة وزير الداخلية لاستصدار الموافقة منه، وبالتالي مُنحت آلاف من الإقامات لفلسطينيين فضلوا البقاء في الكويت.
كان ذلك هو الوضع خلال الشهور الأولى من سنة 1992، وكانت المشاعر قد هدأت نسبياً، وبدأ الكثير من المواطنين الكويتيين يتساءل عن حقيقة مجريات الأمور خلال الغزو، ولا سيما فيما يتعلق بدور الفلسطينيين. وهنا بدأ الناس يدركون أنه كان هناك فعلاً فلسطينيون أيدوا الشعب الكويتي مثلما كان هناك فلسطينيون جاهروا بمواقف معادية للكويت. وبدأ الكثير من أبناء الكويت يفكر جدياً في أحداث الأزمة من منظور أكثر شمولية، ويعيد تقويم تلك الفترة، ويعيد النظر في مدى صحة التعميم بشأن الفلسطينيين تجاه ما حدث. وبالمثل، أدرك الكثير من الفلسطينيين والأردنيين مدى فداحة الأخطاء التي ارتكبتها قياداتهم وكثير من أفراد مجتمعهم في أثناء الاحتلال العراقي للكويت.[56] ومع ذلك، ما زالت الهوة بين الشعبين والمجتمعين العربيين قائمة. ومثل أي صراع ذي أبعاد إنسانية وعاطفية، فإن من الصعب أن تلتئم الجروح التي خلفها الاحتلال بلا جهود وسياسات وحوارات ومبادرات من الطرفين، الهدف منها تفادي أخطاء الماضي، وفهم أزمة الخليج والغزو العراقي والمواقف التي ارتبطت بالأزمة بصورة علمية أكثر، وذلك في إطار استخلاص دروسها وتجاوزها نحو المستقبل.
خاتمة
لا شك في أن انتهاء سريان العقد الاجتماعي - السياسي بين الفلسطينيين والكويتيين (حلفاء وأصدقاء على مدى نصف قرن) كان نهاية حزينة أضرت بمصالح الطرفين الاقتصادية والثقافية والمهنية والإنسانية. فالكويتيون لم يدركوا في السابق حجم الضغوط ومشاعر الاغتراب التي كابدها الفلسطينيون في الكويت قبل الثاني من آب/أغسطس 1990، والفلسطينيون من جانبهم لم يتفهموا حجم معاناة الكويتيين في أثناء الاحتلال. فقد سيطر على الكويتيين تجاه الفلسطينيين الشعور بالألم، وبأنهم طُعنوا في الظهر، تماماً كما سيطر على الفلسطينيين الشعور بأنهم كانوا ضحايا لكل ما حدث. لقد كان من الصعب جداً على أغلبية الكويتيين أن تعي جيداً المشاعر المتناقضة التي عصفت بالفلسطينيين خلال الاحتلال العراقي للكويت. فكلا الشعبين تجاهل الدور الإيجابي الذي قام الناشطون به في مجال حقوق الإنسان، ودور الرافضين وغيرهم من الأفراد والجماعات التي التقت مصالحها في إحقاق الحق والعدالة في الكويت. فليس صحيحاً أن جميع الفلسطينيين في الكويت، أو أغلبيتهم، ناصروا الاحتلال، كما أنه ليس صحيحاً أن جميع الكويتيين آذوا الفلسطينيين. فقد عانى الكثيرون من كلا الطرفين جراء وقفتهم لإحقاق العدل وتأمين حقوق الإنسان في الوقت الذي كان الغضب في كلا الطرفين سيد الموقف. ولا شك في أن الشعبين الفلسطيني والكويتي لم يفهما أحدهما الآخر حق الفهم في هذا الشأن. وهذا ما يجعل هذه الحالة مثالاً مؤلماً لشعبين كان كل منهما بحاجة إلى الآخر، لكنهما فشلا مع ذلك في حل معضلة التعايش والصداقة في أثناء الأزمات والصراعات التي أثبتت أنها أكبر كثيراً من قدرتهما على التعامل معها.
ولئن شعر وسطاء الخير من كلا الطرفين، الذين نادوا بضبط النفس والتعايش، بأن مساهماتهم ضاعت وسط ضوضاء الأزمة، فإن تراثهم وتراث نشيطي حقوق الإنسان في كلا المعسكرين كان لهما تأثير مباشر في الأزمة برمتها. إذ لولا وجود فلسطينيين مناهضين للاحتلال لارتفع عدد المتعاملين منهم مع سلطات الاحتلال، ولبلغت حدة الأزمة بين الكويتيين والفلسطينيين مستويات أعلى في أثناء الاحتلال. وبالمثل، لولا وجود كويتيين نشيطين في مجال حقوق الإنسان، ولولا ضبط النفس على مستويات قيادية في الكويت، لارتفع عدد القتلى من الفلسطينيين وعدد من تعرض للأذى بعد التحرير. ولا شك في أن البعد الإنساني الذي يوفره أفراد مثل هؤلاء في أوقات الحروب والأزمات يمكن أن يستخدم أساساً لبناء الصلح الأهلي بين المجتمعات المتصارعة. إن الوجه الإنساني في كلا الطرفين يجب أن يصبح في المستقبل حجر الأساس لتحقيق المصالحة، ولإقامة علاقات إيجابية بين الشعبين.
* يمكن الاطلاع على مزيد من التفصيلات بشأن هذا الموضوع في: شفيق الغبرا، "من تداعيات احتلال الكويت" (الكويت: دار قرطاس، 1995).
المصادر:
[1] أنظر:
Shafeeq Ghabra, Palestinians in Kuwait: The Family and the Politics of Survival (Boulder, Colo.: Westview Press, 1987), pp. 33-80.
[2] بلال الحسن، "الفلسطينيون في الكويت: بحث إحصائي"، دراسات فلسطينية، 97 (بيروت: منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث، 1974)، ص 11 - 14.
[3] لا يوجد إحصاءات حديثة بشأن الفلسطينيين في الكويت قبل سنة 1990. وكان إحصاء سنة 1975 آخر إحصاء شمل الفلسطينيين والأردنيين كمجموعة مميزة، واعتبر كل الفلسطينيين والأردنيين فلسطينيين، وجاء فيه أن عددهم 178,204 نسمة. أمّا الإحصاءات فيما بعد، فقد شملت جميع العرب في الكويت من دون تحديد جنسياتهم. أنظر: وزارة التخطيط، "الإحصاء السكاني: 1975" (الكويت: الإدارة المركزية للإحصاء، 1976)، ص 187. ويمكن القول إن المحللين والباحثين يوافقون في معظمهم على هذا التقدير. وقد كان عدد غير الكويتيين قبل الغزو 2,1 مليون نسمة، وهم من ذوي عشرات الجنسيات العربية والآسيوية وغيرها. وكان عدد الفلسطينيين في الكويت، مع حلول سنة 1990، نحو 000,380 نسمة. أنظر على سبيل المثال:
Abdul Salam Y. Massarueh, “The Palestinians: Exiles in the Diaspora,” Middle East Insight, 4, No. 6 (1986), p. 27.
[4] عادل طبطبائي، "السلطة التشريعية في دول الخليج العربي" (الكويت: 1985)، ص 45 - 344.
[5] بشأن دور الجوالي المهاجرة في ظل أوضاع عدم الاستقرار السياسي، أنظر:
Myron Weiner, “Security, Stability, and Migration,” in Richard K. Betts (ed.), Conflict after the Cold War: Arguments on Causes of War and Peace (New York: Macmillan Publishing Company, 1994), pp. 394-412.
[6] أنظر:
Ghabra, Palestinians in Kuwait..., op. cit., pp. 105-106, 140, 161-167.
[7] في أواخر الثمانينات، نوقش مثل هذه الأمور بتوسع وبصورة عفوية في كثير من الأوساط الفلسطينية في الكويت.
[8] هشام شرابي، "مقدمات في دراسة المجتمع العربي" (الكويت: شركة كاظمة للنشر والتوزيع)، ص 50 - 57.
[9] بشأن معوقات الحركة الوطنية الفلسطينية، أنظر:
Shafeeq Ghabra, “National Independence in the Arab World: The Case of the Palestinians (1964-1992),” Journal of Arab Affairs, 11, No. 1 (Spring 1992), pp. 69-91.
[10] بشأن هرم القيم أنظر:
John Burton, Conflict: Resolution and Prevention (Houndmills, UK: The Macmillan Press, 1990), pp. 36-40.
[11] هذا الجزء مبني على الكثير من المقابلات مع فلسطينيين في الكويت وفي مكتب منظمة التحرير الفلسطينية وأماكن أُخرى بين آب/أغسطس 1990 وتشرين الأول/أكتوبر 1990، وقت غادر المؤلف الكويت. وهو مبني على حوارات إضافية أجراها الباحث بعد تحرير الكويت سنة 1991.
[12] Burton, Conflict...,op. cit., pp. 36-40.
[13] أنظر:
Shafeeq Ghabra, “The Iraqi Occupation of Kuwait: An Eyewitness Account,” Journal of Palestine Studies, Vol. XX, No. 2 (Winter 1991), pp. 112-125.
[14] أنظر: عبد الرضا أسيري، "الكويت في السياسة الدولية والمعاصرة" (الكويت، 1993)، ص 131 - 138. أنظر أيضاً:
Shafeeq Ghabra, “Palestinian Political Participation: The Case of the Palestinians in Kuwait” (Paper delivered at the Middle East Studies Association Conference, Baltimore, MD, 1987); Pamela Ann Smith, Palestine and the Palestinians, 1876-1983 (New York: ST. Martin’s Press, 1984); Laurie A. Brand, Palestinians in the Arab World: Institution Building and the Search for State (New York: Columbia University Press, 1988).
[15] مقابلة مع أحد منظمي التظاهرة من الفلسطينيين، الكويت، آذار/مارس 1991.
[16] مقابلات مع فلسطينيين محايدين، الكويت، آب/أغسطس - تشرين الأول/أكتوبر 1990.
[17] Raymond W. Copson, “Peace in Africa? The Influence of Regional and International Change,” in Francis M. Deng and I. William Zartman (eds.), Conflict Resolution in Africa (Washington, DC: The Brookings Institution), pp. 27, 34-36.
[18] Taghreed Alqudsi-Ghabra, “Two Months under Iraqi Occupation: A Personal Account.” Digest of Middle East Studies, 2, No. 1 (Winter 1993), pp. 38-39.
[19] بشأن الموقف الفلسطيني في إبان الأزمة، أنظر:
Michael Simpson, “The Palestinians and the Gulf Crisis,” in Ibrahim Ibrahim (ed.), The Gulf Crisis: Background and Consequences (Washington, DC: Center for Contemporary Arab Studies, 1992), pp. 247-274; Philip Mattar, “The PLO and the Gulf Crisis,” Middle East Journal, 48, No. 1 (Winter 1994), pp. 31-46.
[20] هذا القسم مبني على حوارات تمت مع فلسطينيين عملوا خلال فترة الاحتلال. وجرى معظم هذه المناقشات في الفترة الواقعة بين آب/أغسطس وتشرين الأول/أكتوبر 1990. كما جرت مناقشات مع غيرهم، ولا سيما ممن استأنفوا أعمالهم، وذلك في مقابلات أُجريت معهم بعد تحرير الكويت في 1991 - 1992.
[21] بشأن وصف العصيان المدني في الكويت، أنظر:
Alqudsi-Ghabra, “Two Months under Iraqi Occupation…,” op. cit., pp. 29-39; Ghabra, “The Iraqi Occupation…,” op. cit., pp. 112-125; Shafeeq Ghabra, “Associational Groups: The Foundation of a New System?,” Middle East Journal, 45, No. 2 (Spring 1991), pp. 199-215.
[22] بناء على مناقشات مع ناشطين من حركة "فتح"، الكويت، كانون الثاني/يناير 1992.
[23] هذا الجزء مبني على مقابلات أُجريت مع ناشطين فلسطينيين مناهضين للاحتلال، بعضهم يعمل مع حركة "فتح" وبعضهم مستقل، الكويت، أيلول/سبتمبر 1990 وأيلول/سبتمبر 1991. أكد هذه المعلومات مسؤولون فلسطينيون كانوا في الكويت في أثناء الاحتلال.
[24] مقابلات مع أفراد من المقاومة الكويتية، حزيران/يونيو وآب/أغسطس 1992.
[25] أنظر:
Demetrios A. Julius, “The Genesis and Perpetuation of Aggression in International Conflicts,” in Vamic Volkan, Joseph Montville, and Demetrios Juliu9; Rafael Moses, “On Dehumanizing the Enemy,” Ibid., pp. 111-118; John E. Mack, “The Psychodynamics of Victimization among National Groups in Conflict,” Ibid., pp. 119-129, and Idem, “The Enemy System,” Ibid., pp. 57-69.
[26] Mattar, “The PLO and the Gulf Crisis,” op. cit., p. 35.
[27] Michael Nicholson, Rationality and the Analysis of International Conflict (Cambridge: Cambridge University Press, 1992), pp. 12-13.
[28] مقابلات مع فلسطينيين في الكويت أُجريت في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 1990، وأُخرى أُجريت في الكويت في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 1991.
[29] أنظر:
Vamic D. Volkan, “An Overview of Psychological Concepts Pertinentto Interethnic and/or International Relationships,”in Volkan (et al.), op. cit., pp. 38-39.
[30] عندما تم تحرير الكويت في شباط/فبراير 1991، كان هناك نحو 000,150. أمّا الباقون، ويقدر عددهم بنحو 000,220، فقد غادروا إلى الأردن والضفة الغربية وغيرهما.
[31] مبنية على رواية أبو الأديب، بعد بضعة أيام من اجتماعه إلى حسن المجيد في أيلول/سبتمبر 1990. وقد أكد المعلومات نفسها أعضاء آخرون حضروا الاجتماع، بمن فيهم عوني بطاش ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت، ونائبه محمد جابر.
[32] مقابلة مع محمد جابر في آذار/مارس 1992. حتى أيار/مايو 1995، بلغ عدد المعتقلين الأردنيين في السجون العراقية 700 معتقل. وهذا العدد أقل كثيراً من عدد الأردنيين (الفلسطينيين من الكويت) ممن احتجزهم العراق في إبان غزوه للكويت. وقد أثار وزير الخارجية الأردني، عبد الكريم الكباريتي، هذا الأمر مع محمد سعيد الصحاف، وزير خارجية العراق، في أيار/مايو 1995. أنظر: "الحياة" (لندن)، 10/5/1995.
[33] مقابلات مع ناشطين من منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت، في فترة آب/أغسطس وكانون الأول/ديسمبر 1991، وآب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 1994؛ ومقابلة مع عماد عمر، وهو فلسطيني ناشط من حركة "فتح" في الكويت، آب/أغسطس 1991. وكان عمر قد نظم مع عدد من الناشطين لقاء مع أبو إياد (صلاح خلف)، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح".
[34] هذا الجزء مبني على مقابلات ولقاءات مكثفة، امتدت ساعات طويلة، مع أبو أيمن (علي الحسن) في إبان الاحتلال وبعد التحرير. وهو مبني أيضاً على لقاءات مع ناشطين ممن عملوا مه خلال فترة احتلال الكويت.
[35] بشأن التصعيد، أنظر:
Nazli Choucri, “Analytical and Behavioral Perspectives: Causes of War and Strategies for Peace,” in W. Scott Thompson and Kenneth M. Jensen (eds.), Approaches to Peace: An Intellectual Map (Washington, DC: United States Institute of Peace, 1991), p. 285.
[36] مقابلات مع الكويتيين الذين شنوا الهجوم، كانون الثاني/يناير 1992؛ ومقابلة مع أبو أيمن وغيره من الناشطين، آذار/مارس 1991.
[37] أنظر:
Louis Kriesberg and Stuart J. Thompson (eds.), Timing the De-Escalation of International Conflicts (Syracuse, NY: Syracuse University Press, 1991).
[38] بناء على تجربة فعلية مع كثير من الفلسطينيين في إبان الاحتلال.
[39] مقابلة مسجلة على شريط فيديو مع عضوين رئيسيين في المقاومة الكويتية خلال الغزو العراقي للكويت: مسلم عقيل، وأحمد السيافي، الكويت، أيلول/سبتمبر 1991.
[40] إن بعض الذين هم من فئة "البدون" تعاون مع الجيش العراقي، كما أن آخرين منهم قاتلوا مع المقاومة، لهذا يصعب التعميم في هذا الأمر. إن "البدون" يشكلون نحو 000,200 نسمة، وهم أساساً من قبائل بدوية من العراق والسعودية وأماكن أُخرى ممن عاشوا على حدود الكويت أو هاجروا إليها. وقد أحجم عدد من هذه المجموعة عن التقدم لطلب الجنسية بعد استقلال الكويت مباشرة، ولبعضهم أقرباء يحملون الجنسية أو متزوجون فتيات من أُسر كويتية، وبعضهم جاء إلى الكويت في فترة لاحقة. والجدير بالذكر أن معظم أفراد الجيش وقطاعاً كبيراً من الشرطة كانا حتى سنة 1990 من فئة "البدون". ونسبة لا تقل عن 30% من أفراد الجيش هي اليوم من هذه الفئة. إن جيلاً كاملاً من "البدون" ولد وترعرع في الكويت، ولا يعرف مكاناً آخر سوى الكويت؛ وهذا يعني، في المحصلة، أن هناك مشكلة إنسانية واجتماعية وسياسية لا بد من التعامل معها حقوقياً بما يتلاءم مع مصالح الكويت، لكن بما يتلاءم، في الوقت نفسه، مع حقوق الإنسان ومستقبل الكويت.
[41] مقابلة مع إبراهيم الدشتي، أحد المنظمين الرئيسيين لمجموعة 25 شباط/فبراير، الكويت، حزيران/يونيو 1992.
[42] مقابلة مع محمود شاكر، عضو المجموعة، الكويت، حزيران/يونيو 1992.
[43] مقابلة مع إبراهيم دبدوب، مدير المصرف الوطني، الكويت، ربيع 1992.
[44] أنظر تفصيلات المؤتمر الصحافي في:
Carol Rosenberg, “War in the Gulf,” Knight-Rider News Service, February 17, 1991, Amman, Jordan; Arafat’s widely publicized statement to Radio Monte Carlo on February 24-25, 1991.
[45] مقابلة مع غانم النجار، رئيس الجمعية الكويتية للدفاع عن ضحايا الحرب، الكويت، أيلول/سبتمبر 1991.
[46] إن تقديرات كل من الجمعية الكويتية للدفاع عن ضحايا الحرب، والصليب الأحمر، والمجتمع الدبلوماسي، بما فيه سفارة الولايات المتحدة الأميركية، لا تتجاوز هذا العدد. وهذا مبني على قوائم بأسماء المدنيين في الكويت قبل 2 آب/أغسطس 1990 وبعد التحرير. وقد بُلّغت أُسر في الكويت وفي الخارج بشأن المفقودين من أقاربها. وبالتأكيد، فإن هذه الإحصاءات تتعلق بالمدنيين ولا تتضمن عدد الجنود العراقيين أو عناصر الاستخبارات العراقية الذين قُتلوا في الأيام الأولى من حرب التحرير.
[47] وفّر محمد جابر هذه التقديرات في حزيران/يونيو 1993. وتعتبر القائمة التي قدمها الأحدث والأدق؛ فهي تحوي جميع الأسماء، بما فيها أسماء الذين اعتُبروا في عداد المفقودين، لكنهم ظهروا ثانية في العراق والأردن. ووفقاً لمحمد جابر، فإن القائمة كانت أطول كثيراً، إذ كانت تحتوي على مئات الأسماء، غير أنها تقلصت بفعل توالي الإفراج عن الأفراد وظهور آخرين في بغداد أو عمان. كما كان هناك الكثير من القتلى ممن اعتُقد في بداية الأمر أنهم فلسطينيون ثم تبين أنهم إمّا عراقيون وإمّا من فئات أُخرى. وقد أكدت الجمعية الكويتية للدفاع عن ضحايا الحرب قائمة محمد جابر. كما أن هذه القائمة سُلّمت إلى منظمة التحرير، وهي القائمة المقبولة لدى الصليب الأحمر ولدى غيره من الجهات التي تقوم بالبحث عن المفقودين.
[48] مقابلة مع أبو أيمن، الكويت، آب/أغسطس 1991.
[49] بشأن نزع الإنسانية وخلق الضحية، أنظر:
Volkan, “An Overview of Psychological...,” op. cit., pp. 40-41; Mack, “The Enemy System,” op. cit., pp. 57-69; Moses, “On Dehumanizing the Enemy,” op. cit., pp. 111-118; Mack, “The Psychodynamics of Victimization...”, op. cit., pp. 119-129.
[50] بناء على مقابلات مع ناشطين كويتيين في مجال حقوق الإنسان ومع أفراد من المقاومة الكويتية؛ ومقابلات مع فلسطينيين خاضوا التجربة نفسها، الكويت، تموز/يوليو - كانون الأول/ديسمبر 1991.
[51] مقابلة مع علي سالم العلي الصباح، الكويت، حزيران/يونيو 1992.
[52] مقابلة مع غانم النجار، رئيس الجمعية الكويتية للدفاع عن ضحايا الحرب، الكويت، أيلول/سبتمبر 1991.
[53] مقابلة مع عماد السيف، الكويت، ربيع 1993.
[54] Volkan, “An Overview of Psychological...,” op. cit., pp. 31-46.
[55] مقابلات مع رجال أعمال كويتيين وفلسطينيين، الكويت، 1993.
[56] المصدر نفسه؛ أنظر أيضاً:
Thompson (et al.), Approaches to Peace..., op. cit., pp. 43-44.