فيراري. "الفاتيكان واسرائيل: من الحرب العالمية الثانية إلى حرب الخليج" (بالإنكليزية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

الفاتيكان وإسرائيل: من الحرب العالمية الثانية إلى حرب الخليج

Vaticano e Israele: dal secondo conflitto mondiale alla Guerra del golfo

Silvio Ferrari

Florence, Italy: Sansoni Editore, 1991. 348 pages. Lit. 50.

 

سيلفيو فيراري، أستاذ القانون الكنسي في جامعتي بارما وتورينو ومؤلف عدة دراسات في الأبعاد القانونية لمسألة القدس، هو واحد من أبرز الخبراء بشؤون الفاتيكان. وكتابه هذا هو أحدث كتبه وأشملها في موضوع اجتذب كثيراً من الانتباه منذ أن قرر الفاتيكان إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع دولة إسرائيل.

أطروحة فيراري المركزية هي أن مسألة القدس كانت من أكبر العقبات في العلاقات بين الفاتيكان وإسرائيل. حتى من قبل إقامة إسرائيل، كان الفاتيكان قد أعرب عن معارضته التامة لإقامة وطن لليهود في فلسطين. وفي سنة 1944، وفي سياق زيارة للفاتيكان قام ونستون تشرشل بها، أعدَّ رئيس لجنة الشؤون الاستثنائية في وزارة الخارجية، المونسنيور تاردِيني، مجموعة من الملاحظات للبابا جاء فيها ما نصه: "إن الفاتيكان لم يزل يعارض السيطرة اليهودية على فلسطين وقد أفلح [البابا] بنديكتوس الخامس عشر فيما عمله للحؤول دون أن تصبح فلسطين دولة يهودية" (ص 41). ولا تزال دبلوماسية الفاتيكان تسترشد بهذه الآراء حتى إقامة دولة إسرائيل؛ إذ كان الفاتيكان قلقاً من أن تصبح إسرائيل معقلاً اشتراكياً في الشرق الأوسط، وأن تقوي بذلك القوى المعادية للمسيحية في المنطقة. والأمر الثاني الذي كان مصدر قلق كبير للفاتيكان هو مصير ووضع المسيحيين العرب المقيمين بالأرض المقدسة وسواها من البلاد العربية والإسلامية. وأخيراً كانت قضية القدس. فالفاتيكان كان يريد ألاّ يرى مدينة المسيحية المقدسة تقع في قبضة "الكفار"، أكانوا يهوداً أم مسلمين. لهذه الأسباب، دعا البابوات إلى "تدويل" القدس.

ويستخدم فيراري مجموعة متنوعة من الوثائق ليبين تطور موقف الفاتيكان من القدس. وهو يستخدم أوراقاً من محفوظات الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا لدعم حجاجه. ففي سنة 1948، أصدر البابا بيوس الثاني عشر رسالة بابوية مهمة دعا فيها إلى ضمانات دولية لتأمين "الوصول والدخول إلى الأماكن المقدسة المتناثرة في فلسطين وحرية العبادة واحترام الأعراف والتقاليد الدينية" (ص 121). ويذهب المؤلف إلى أن عدة عوامل حملت البابا على المطالبة بتدويل القدس. أولاً، كان الفاتيكان يخشى أن تؤدي الحرب العربية - الإسرائيلية (1948) إلى وقوع المزارات المسيحية في قبضة الإسرائيليين. وكان ثمة اقتناع بأن الحكومة الإسرائيلية ستقوم بـ "جهد هادئ" كي "تلغي أي وجود مسيحي أو مسلم في مدينة القدس الجديدة" (ص 121). والعامل الثاني وراء مطالبة بيوس الثاني بتدويل القدس يكمن في مخاوف الفاتيكان من ألاّ يتمكّن اللاجئون الفلسطينيون من العودة إلى أراضيهم، وأن تغدو القدس، في نظر البابا، ملاذاً آمناً للاجئين. أخيراً يذكر فيراري الدور المهم الذي قامت فرنسا وكثير من دول أميركا اللاتينية به لدعم التدويل في الأمم المتحدة وتمريره. فقد نشأ صراع عنيف وتطور بين الدول الكاثوليكية والدول ذات الأكثرية البروتستانتية. ويذهب فيراري إلى أن إصرار الفاتيكان العنيد على تدويل مدينة القدس كلها جوبه بـ "حملة بروتستانتية" شديدة أشرفت الحكومة الإسرائيلية عليها في ربيع سنة 1950.

وفي الفصل الخامس يفصّل فيراري تطور العلاقات بين الفاتيكان وإسرائيل. كانت هذه العلاقات رهينة المد والجزر في العلاقات بين الشرق والغرب والعلاقات الكاثوليكية - اليهودية. ففي الخمسينات والستينات، مع ظهور كثير من الدول التي استقلت حديثاً، ومع إنشاء حركة عدم الانحياز بتعاطفها المعلن مع القضية الفلسطينية، ومع خيارات الفاتيكان الفلسفية باعتماد موقف سياسي يدعو إلى إقرار السلام وتوطيده بالعدل، كانت العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل غير واردة. وكان الفاتيكان قد اعتمد، من خلال البابا بولس السادس، موقفاً مؤيداً للفلسطينيين في القول والفعل. وبلغ اهتمام البابا بولس السادس بالشرق الأوسط ذروته خلال رحلته التاريخية إلى الأراضي المقدسة سنة 1964، وهي الزيارة الوحيدة التي قام بها حبر أعظم إلى الشرق الأوسط. وقد أراد البابا بولس السادس أن يتابع ويعزز رسالة المجمع الفاتيكاني الثاني لعلاقات أفضل مع الإسلام والعالم العربي. ومرت العلاقات بين الفاتيكان وإسرائيل، في عهد البابا بولس السادس، بمرحلة وعرة ذروتها إدانة الفاتيكان المحاولات الإسرائيلية لـ "تهويد" القدس بعد احتلالها سنة 1967، واللقاء بين البابا وغولدا مئير سنة 1973، والسجال بشأن قضية مطران القدس للروم الكاثوليك، النائب البطريركي هيلاريون كبوجي (1974 - 1977)، ومأساة لبنان (ص 179).

وفي أيام البابا يوحنا بولس الثاني، اعتمد الفاتيكان مقاربة متوازية للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. ويركِّز فيراري على الطبيعة البراغماتية للنظرة البابوية السائدة، يومها، إلى الشؤون الدولية ولا سيما في الشرق الأوسط. فقد أضحت نكبة الفلسطينيين لازمة دائمة التكرار في البيانات البابوية. ولمكافأة ياسر عرفات على اعتماد الحل الدبلوماسي للصراع مع إسرائيل، استقبله البابا مرتين. وفي هذه الأثناء كانت الجهود الحثيثة تبذل من جانب الجالية اليهودية في الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية للضغط على الفاتيكان وحمله على الاعتراف بإسرائيل. وضاعف البابا يوحنا بولس الثاني الخطوات الإيجابية حيال الشعب اليهودي، كزيارة معسكر اعتقال أوشفيتز ومحفل روما اليهودي. لكن فيراري يشير، مع ذلك، إلى أن التقارب بين الفاتيكان وإسرائيل تعرقل جراء حوادث كبرى كحرب الخليج. فقد أرادت الحكومة الإسرائيلية أن يتم تحرير الكويت على حساب تدمير قدرة صدام حسين العسكرية، وبذلك إلغاء خطره على إسرائيل. ولم يكن ذلك ليحدث، في نظر إسرائيل، من دون مجابهة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة والعراق من الجهة المقابلة. أمّا الفاتيكان فقد اعتمد مقاربة أشد حذراً خوفاً من أن تسمِّم المواجهة في الخليج العلاقة الدقيقة بين المسلمين وبين جيرانهم المسيحيين العرب. والحق أن البابا يوحنا بولس الثاني دعا عدة مرات إلى حل سلمي للنزاع، وجنَّد دبلوماسية الفاتيكان لإقناع الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية باعتماد لهجة أقل ميلاً إلى الحرب.

ويخلص فيراري في الخاتمة إلى أن الفاتيكان تخلَّى عن مطالبته بتدويل القدس، وبات يرضى اليوم بالسيادة الإسرائيلية (أو السيادة الفلسطينية بانتظار المفاوضات)، لكنه سيطلب ضمانات دولية لمدينة القدس القديمة (الجزء القائم وراء الأسوار). ويقول المؤلف ذو الاتصالات الوثيقة بأمانة سر الدولة بالفاتيكان، إن كرسي روما يودُّ أن تضمن حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة وحرية العبادة لجميع الجماعات الدينية الموجودة في القدس. وسيطلب من إسرائيل أن تتعهد أمام ممثل للأمم المتحدة احترام هذه الحقوق (ص 214). والمستوى من الضمانات التي يطلبها الفاتيكان هو احترام هوية القدس التاريخية من حيث المباني والمقامات والمزارات والمتاحف والبيئة الخارجية. ويتمنى الفاتيكان أن يرى المدينة القديمة تحت إشراف اليونسكو ورعايتها مثل مدينة البندقية في إيطاليا: القدس بما هي ميراث ثقافي وديني للبشرية. أخيراً، المستوى الثالث من الضمانات هو ذاك المتعلق بالجماعات المقيمة بالقدس. هنا يود الفاتيكان أن يُمنح هؤلاء ضمانات دولية كتلك المنصوص عليها في مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا (CSCE)؛ ضمانات تحمي بحزم حقوق الإنسان التي للمسيحيين والمسلمين المقيمين بالقدس.

لقد أعطانا فيراري كتاباً مهماً وقيّماً يستطيع العلماء والقراء الإيطاليون أن يعتمدوا عليه اعتمادهم على مصدر مهم لتحليل العلاقات بين الفاتيكان وإسرائيل. أمّا الباحثون الأميركيون فعليهم أن ينتظروا ترجمة محتملة له.

السيرة الشخصية: 

جورج عيراني: أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية (بيروت).