يتناول المقال نشأة حركة كاخ العنصرية، والأفكار الرئيسية لمؤسسها الحاخام مئير كهانا المتمحورة حول: فرادة الشعب اليهودي وتميزه؛ قداسة أرض إسرائيل وتكاملها الإقليمي؛ الخلاص المشيحاني؛ رفض الديمقراطية والقانون؛ خطورة الفلسطينيين العرب على اليهود وإسرائيل؛ أهمية العنف في تحقيق الأهداف. كما يتناول أنشطة الحركة العنصرية والإرهابية ضد العرب؛ وفروع الحركة العلنية وتشكيلاتها السرية، ووضعها بعد مقتل زعيمها كهانا في نيويورك سنة 1990 على يد مواطن من أصل مصري، وموقف السلطة منها.
في الجلسة الاستثنائية التي عقدتها الحكومة الإسرائيلية في 25 شباط/ فبراير 1994، يوم وقوع مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل، وصف رئيس الحكومة الإسرائيلي، يتسحاق رابين، الحدث ومرتكب المجزرة، باروخ غولدشتاين، بقوله: "هذا حدث لا توجد كلمات لوصف خطورته ونتائجه، جريمة قتل سافلة وبشعة لمصلين في مكان مقدس لدى اليهود والعرب نفذها قاتل مختل عقلياً."[1] بعد أيام من ذلك، عدل رابين في البيان الذي أدلى به أمام الكنيست عن حكاية الـ"مختل عقلياً" هذه، التي أصبحت ممجوجة لكثرة ما ترددت على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين في مناسبات مشابهة سابقة، وأوضح أن غولدشتاين "قد لا يكون مختلاً عقلياً بالمعنى الطبي للكلمة، لكن هذه الفعلة المرعبة هي فعلة شخص مريض نفسياً (....) طفا على السطح من داخل إطار صغير ومحدود، ونشأ ونما في مستنقع مصادره الروحية موجودة هنا وفي ما وراء البحار، وهي غريبة عن اليهودية، وليست منا"، وذلك في إشارة إلى حركة كاخ التي ينتمي القاتل إليها، والتي ترجع في جذورها إلى الولايات المتحدة، ولا زالت فروعها ممتدة هناك. وقد أضاف رابين في البيان نفسه أنه لم يتخيل "في أسوأ أحلامه" أن يقف أمام الكنيست في ظروف صعبة بهذا المقدار.[2]
طبعاً لم يكن غولدشتاين مريضاً نفسياً، بالمعنى الطبي للكلمة، بمقدار أنه لم يكن مريضاً عقليً، بالمعنى ذاته، فهو ضابط (احتياط) في الجيش الإسرائيلي، وطبيب عامل حاصل على شهادة تقدير رسمية من رؤسائه لتفانيه وحسن أدائه لعمله، وعضو سابق في المجلس المحلي لكريات أربع، ومن "أعمدة المجتمع" فيها، ولم يحدث قط أن شك، أو شكك، أحد من زملائه أو المعجبين به من أقرانه المستوطنين في سلامته العقلية أو النفسية، لا قبل المجزرة ولا بعدها. وقد خطط لجريمته بذكاء شديد، ونفذها بأعصاب باردة وإتقان محكم، مع وعي كامل لتأثيراتها ونتائجها السياسية، تجلى في اختيار مكان الجريمة وزمانها. وستكشف التحقيقات الجارية حالياً ما إذا كان غولدشتاين قد قام بالعمل بمفرده، كما أعلنت الحكومة الإسرائيلية والجيش، أو شاركه فيها آخرون، كما تواترت شهادات الناجين من المجزرة. لكن ليس هذا ما يشغلنا هنا، بل هو، إذا استعرنا تعبير رابين "المستنقع" الذي نبت فيه القاتل، أي حركة كاخ، وفيما إذا كان يحق لرئيس الحكومة الإسرائيلي أن يفاجأ حقاً بما حدث.
النشأة والإنجاز
ترجع "كاخ" بجذورها إلى "عصبة الدفاع اليهودي"، التي أسسها الحاخام مئير كهانا في نيويورك سنة 1968، وبدأت نشاطها في إسرائيل سنة 1971، مع هجرة كهانا وعدد من أتباعه إليها، بعد تعرضه لمتاعب من سلطات الأمن الأميركية. وقد تحولت العصبة إلى حركة سياسية باسم "كاخ" قبيل انتخابات سنة 1973، وطورت أيديولوجية عنصرية وممارسات فاشية ضد الفلسطينيين العرب، داخل إسرائيل في البداية، ولاحقاً في الضفة الغربية المحتلة، أكسبتها صيتاً سيئاً، لكنها أدت إلى توسعها وانتشارها في الثمانينات على نحو باتت معه تشكل فضيحة سياسية وخلقية استثنائية لإسرائيل.
إن أيديولوجية "كاخ" موجودة في كتابات مؤسسها وزعيمها مئير كهانا. وهي أيديولوجية أصولية دينية مشتقة من أصول الديانة اليهودية، وممتزجة بكراهية شديدة للفلسطينيين العرب، وعناصر فاشية مستقاة من أفكار وممارسات الحركات اليمينية العنصرية المتطرفة في الولايات المتحدة. وفيما يلي أفكاره الأساسية بإيجاز شديد تحت عناوين رئيسية:
فرادة الشعب اليهودي وتميزه: المسلّمة الأولى في أيديولوجية كهانا هي أن الشعب اليهودي فريد ومتميز، ومقدس. لا شعب آخر أو أمة أُخرى ضاهته في الماضي، أو يمكن أن تضاهيه في المستقبل. والسبب: إنه الشعب الذي اختاره الرب. ومعنى ذلك أن الشعب اليهودي خاضع فقط لمعايير خاصة به حصراً، ويجب ألاّ يعير اهتماماً للمعايير الخلقية أو السلوكية للشعوب الأُخرى، التي ستظل معادية لليهود دائماً وأبداً، وليس هناك داع إلى أن يراعي الشعب اليهودي مشاعرها، أو أن يحاول إقناعها باستقامته.
قداسة أرض إسرائيل وتكاملها الإقليمي: المسلّمة الثانية هي الإصرار على قداسة "أرض إسرائيل"، على أن لدولة إسرائيل الحق في الأرض والسيادة، وينبغي لإسرائيل أن تطبق سيادتها على الأرض فوراً. ويضيف كهانا أن من حق إسرائيل عدم إعادة المناطق المحتلة الأخرى الضرورية لمصالح إسرائيل الأمنية، ومن هنا معارضة "كاخ" لإعادة سيناء إلى مصر في حينه، ومعارضتها لإعادة الجولان الآن.
الخلاص المشيحاني: إن خلاص الشعب اليهودي وظهور المشيح الذي تنبأت الكتب المقدسة اليهودية به باتا قريبين، ويمكن أن يتحققا في هذا الجيل، شرط حدوث أرمين: ضم المناطق المحتلة، وإزالة كل عبادة "غريبة" من جبل الهيكل (الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى)، وإجلاء جميع أعداء اليهود عن أرض إسرائيل.
الديمقراطية والقانون: الديمقراطية فكرة غريبة عن اليهودية، نبتت في عقل الأغيار، وقد تصلح لهم، لكنها لا تصلح لليهود. هؤلاء يجب أن يخضعوا لشريعة التوراة فقط، وإذا أطاعت حكومتهم المنتخبة ديمقراطياً الشريعة فلا ضرر منها، وإذا لم تفعل ذلك فإن قوانينها وسياساتها غير صحيحة وينبغي رفضها. ومن هنا فإن كهانا يهاجم بشدة "إعلان الاستقلال" الذي كفل لسكان إسرائيل، نظرياً، حقوقاً متساوية، بغض النظر عن انتمائهم العرقي أو الديني، ودولة إسرائيل إما أن تكون يهودية وإما أن تكون ديمقراطية، وبما أنها ملتزمة أن تكون يهودية، فيجب استثناء العرب من النظام الديمقراطي.
الفلسطينيون العرب: إن تعاسة إسرائيل وجميع متاعبها ناجمان عن الفلسطينيين العرب واليهود "المتغربين" عن يهوديتهم؛ فالفلسطينيون خطر على الشعب اليهودي ودولة إسرائيل، إذ إنهم كمجموع يتكاثرون كـ"البراغيث"، بحسب تعبير كهانا، وإذا لم يعالج أمرهم فسيصبحون بمرور الوقت أكثرية في البلد فسيسيطرون على الكنيست ويغيرون القوانين لينهوا إسرائيل كدولة يهودية. وهم كأفراد يلوثون نقاء الشعب اليهودي بملاحقتهم الفتيات اليهوديات ومضاجعتهن، وينتزعون لقمة العيش من فم أبنائه بمنافستهم إياهم على أماكن العمل بأجورهم الرخيصة.
العنف: شدد كهانا منذ أيام "عصبة الدفاع اليهودي" على أهمية العنف أسلوباً لتحقيق الأهداف المرغوب فيها، متأثراً في ذلك بتعاليم فلاديمير جابوتنسكي، زعيم الحركة الصهيونية التصحيحية، الذي كثيراً ما أبدى إعجابه به. وقد قسم كهانا، عندما كان في نيويورك، أعضاء عصبته إلى مجموعات من فئتين، أطلق على الأولى لقب: "حَيا" (معناها بالعبرية: وحش، حيوان)، وعلى الثانية لقب: أهل العلم والفكر. وقد تخلى عن هذا التقسيم عندما انتقل إلى إسرائيل، بسبب المدلولات السلبية لكلمة "حَيا" فيها. لكنه شجع أعضاء حركته على التصرف تجاه العرب كوحوش – إذا كانت الدولة غير قادرة أو غير راغبة في الرد بالمثل على من يريق الدم اليهودي، فمن واجب الأفراد فعل ذلك بأنفسهم.[3]
تحت راية هذه الأيديولوجية، التي يحتل الفلسطينيون العرب فيها موقعاً مركزياً بصفتهم العدو والمفسد والعقبة أمام خلاص الشعب اليهودي، بدأت "كاخ" تنشط لـ"معالجة أمرهم". وقد بدأت أنشطتها بحملات دؤوبة لإثارة الكراهية ضد الفلسطينيين العرب والتحريض على طردهم من البلد – وريثما يتم ذلك – التضييق عليهم وتنغيص عيشهم. وقد اتسمت هذه الحملات بكثير من العنصرية المكشوفة والسوقية والابتذال من ناحية، وبقدر كبير من الإثارة المسرحية المقصود بها اجتذاب أضواء الإعلام* من ناحية أُخرى. وكان أبرزها المسيرات التي نظمها كهانا في النصف الأول من الثمانينات إلى المدن العربية في أرض فلسطين المحتلة سنة 1948 للتحرش بسكانها و"إقناعهم" بأن ليس هناك مفر لهم من الرحيل عن "أرض إسرائيل". وقد انتهت هذه المسيرات دائماً بمصادمات مع العرب، وأثارت ضجة سياسية وإعلامية كبيرة في إسرائيل كما أثارت أصداء دولية، وهو ما حمل السلطات على حظر دخول كهانا إلى المدن والقرى العربية.
وإلى جانب مثل هذه الأنشطة العلنية ضد عرب الـ48، حفل سجل "كاخ" أيضاً بأنشطة سرية إرهابية وتآمبرية ضد فلسطينيي المناطق المحتلة، شملت الاعتداء على الأشخاص والإضرار بالممتلكات، وتخريب الأشجار والمزروعات، وأحياناً القتل، وانتهت بسجن عدد من أعضائها. ولا يوجد بين أعضاء "كاخ" البارزين من لم يعتقل أكثر من مرة، أو من ليس له ملف إجرامي في سجلات الشرطة. وحتى زعيمها كهانا، الذي كان بالغ الحذر من التورط شخصياً في أنشطة إرهابية، لم يسلم من الاعتقال: إذ اعتُقل سنة 1980 بأمر إداري صادر عن وزير الدفاع، وسجن ستة أشهر من دون إبداء الأسباب. واتضح لاحقاً أن السبب كان عملية تخريبية ضد المسجد الأقصى، خطط لها مع أحد أتباعه، وكشفت الشرطة أمرها.
وقد خففت "كاخ"، منذ أواخر الثمانينات، أنشطتها داخل الأرض المحتلة سنة 1948، ونقلت مركز الثقل في عملها إلى الضفة الغربية، حيث قاعدتها البشرية الرئيسية ومقر قيادتها الموجودة في مستوطنة كريات اربع، بالقرب من الخليل، التي انتقل كهانا للعيش فيها منذ سنة 1975، ومارس نشاطه منها حتى مصرعه في نيويورك في تشرين الثاني/ نوفمبر 1990 على يد مواطن من أصل مصري.
بالإضافة إلى فروع الحركة الساسية العلنية، ومعهدين دينيين لتدريس اليهودية وتعاليم كهانا، وهما "يشيفات هار هَبَيْت" ("معهد جبل الهيكل") و"يشيفات هَرَعيون هَيِهودي" ("معهد الفكرة اليهودية")، اللذان أسسهما كهانا نفسه، اقترن اسم "كاخ" بتنظيمين سريين مسلحين، أُنشىء أولهما سنة 1986، ويدعى "لجنة الأمن على الطرق"، وأُنشىء ثانيهما سنة 1989، ويدعى "منظمة دولة يهودا". وأخطر الاثنين هو "لجنة الأمن على الطرق"، الذي يقدر عدد أفراده بمئات من الأعضاء، يقيم معظمهم في مستوطنة كريات أربع، والمجهز بوسائط نقل سريعة وأجهزة اتصال حديثة، ويمتلك، كما أكدت التحقيقات والتقارير الصحافية مراراً، مخابىء أسلحة ومواد تخريبية، زيادة على الأسلحة الفردية المرخص بها والموجودة في حوزة أعضائه بصفتهم مستوطنين في الضفة وأفراداً في وحدات الدفاع الإقليمي أو الخدمة العسكرية الاحتياطية. وقد بدأ نشاطه علناً في البداية، بتوفيره مواكبة مسلحة لباصات "إيغد" وسيارات المستوطنين المسافرين على طرق الضفة الغربية، ثم ما لبث أن انتقل إل العمل السري، وأخذ ينظم حملات انتقامية وإرهابية ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم في المدن والقرى وعلى الطرق، قتل وجرح بسببها عدد كبير من الأشخاص. وفي الحالات كافة، كان الجيش يصل إلى أماكن الحوادث بعد أن يكون أعضاء التنظيم قد غادروا المكان. وقد تفاقم أذاه بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في المناطق المحتلة، إلى حد دفع بعض أعضاء الكنيست اليساريين إلى تقديم استجوابات للحكومة بشأنه سنة 1990، وإلى مطالبتها بالكشف عنه ووضع حد لأنشطته.[4]
أما "منظمة دولة يهودا"، فهي تشكيل سري يختفي خلف ما يسمى "دولة يهودا المستقلة" التي ظهرت إلى الوجود سنة 1989، واتخذت زعامتها لاحقاً من كريات أربع مقراً لها. ففي كانون الثاني/ يناير 1989 اجتمع في أحد فنادق القدس 50 مندوباً بصفة ممثلين عن المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان، بحضور عدة مئات من المراقبين، وأعلنوا تأسيس كيان سموه "دولة يهودا المستقلة". وكي يؤكدوا أن إعلانهم ليس مجرد كلام فارغ، فقد اشتمل طقس الإعلان على علم، ونشيد، ودستور، وهيئات منتخبة. وانتخب كهانا، الذي عمل هذه المرة من وراء الستار، رئيساً فخرياً للدولة، وميخائيل بن حورين، من مستوطني الجولان وعضو "كاخ"، رئيساً لما سمي "اللجنة التنفيذية" التي تألفت من سبعة أعضاء. وقد أعلن المؤسسون أنهم موالون لدولة إسرائيل الحالية وقوانينها وهيئاتها المنتخبة، لكن في اللحظة التي تتخلى الدولة عن أي جزء من "أرض إسرائيل" فإن هذه الولاء سينتهي. وتعهدوا بالسيطرة، بالقوة، على أية أراض يتم التخلي عنها، والدفاع عنها، وتجسيد "دولة يهودا المستقلة" فيها.[5] وقد غابت "دولة يهودا" عن الأذهان فترة من الوقت لتعود إليها مقترنة بحوادث قتل لفلسطينيين وتهريب أسلحة، كشفت الصحف الإسرائيلية في إثرها عن وجود تشكيل سري مسلح باسم "منظمة دولة يهودا"، وسمت عدداً من عناصره، الأمر الذي دفع سلطات الأمن إلى اعتقال عدد من عناصر "كاخ" والتحقيق معهم بشأن الموضوع، لكن سرعان ما أفرجت عنهم لعدم ثبوت تهم ضدهم. وظلت "منظمة دولة يهودا"، شأنها شأن "لجنة الأمن على الطرق"، شبحاً يظهر ويختفي في الصحافة الإسرائيلية من وقت إلى آخر.[6]
وإلى جانب هذين التنظيمين، اقترن اسم "كاخ" أيضاً بتنظيمين سريين آخرين، هما: "ت. أن. ت." ("الإرهاب ضد الإرهاب") و"السيكاريكيم" ("حملة الخناجر")، نشطا لفترة وجيزة، وفي نطاق محدود، الأول ضد العرب، والثاني ضد اليهود. وقد اقتصار نشاط "السيكاريكيم" ضد اليهود على توجيه رسائل تهديد وإلحاق ضرر محدود بممتلكات بضع شخصيات عامة يهودية من مؤيدي السلام مع العرب.
عندما ظهرت "كاخ" في أوائل السبعينات في المشهد السياسي الإسرائيلي، بأفكارها العنصرية، ودعوتها الفجه إلى طرد الفلسطينيين من إسرائيل والمناطق المحتلة بقضهم وقضيضهم، وبممارستها الفاشية، أثارت، في ظل الثقافة السياسية التي كانت سائدة وقتئذ، كثيراً من الاستهجان والرفض، وظلت محصورة في الهوامش السياسية للمجتمع الإسرائيلي. وقد رشح كهانا نفسه لانتخابات الكنيست في سنوات 1973 و1977 و1981، بيد أنه فشل في الحصول على عدد كاف من الأصوات لانتخابه. لكن مع تغير المناخ السياسي والقيمي بعد وصول الليكود إلى الحكم سنة 1977، ومع نمو الأصولية الدينية اليهودية واليمين الراديكالي وازدياد مشاعر العداء ضد العرب، بدأت "كاخ" تشق طريقها بقوة نحو المركز. وهكذا، عندما رشح كهانا نفسه في انتخابات سنة 1984، حملته أصوات نحو 26 ألف ناخب إلى الكنيست. وقد شكل فوز كهانا بمقعد في الكنيست فضيحة سياسية لإسرائيل، وأشعل ضوءاً أحمر في دهاليز المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية، التي مالت، حتى ذلك الوقت، إلى الاستخفاف به وبحركته. وأقدم الكنيست على تعديل قانون الانتخابات بحيث بات يحظر القوائم المشاركة في الانتخابات والداعية إلى التمييز العنصري، وإثارة مشاعر الكراهية والعداء ضد العرب.
لكن هذا لم يخفف من شعبية كهانا أو شعبية "كاخ"، التي تنبأت لها الاستقصاءات عشية انتخابات سنة 1988، وقبل حظر مشاركتها فيها، بموجب القانون المذكور، بالفوز بخمسة مقاعد برلمانية.
وإذا كان من الصعب معرفة ما كانت ستؤول إليه أمور حركة "كاخ" وشعبيتها لولا مقتل زعيمها سنة 1990 وتعرضها بفعل ذلك إلى ضربة قاصمة، فإن أحداً لا يشك في شأن "الإنجاز" الذي حققته. فكما لاحظ د. جاد برزيلاي، الذي تتبع تطور الكهانية أعواماً طويلة، فـ"إنه من المهم جداً التمييز بين الرجل ومجموعته، التي كانت منبوذة سياسياً وخارج الإجماع في اللعبة السياسية، وبين أفكاره. إذ إن الأفكار التي نادى بها استوعبت جيداً، من دون أدنى شك، في أوساط تتسع باستمرار في المجتمع."[7] وكما لاحظ أيضاً البروفسور إيهود شبرينتساك، الخبير بشؤون الحركات المتطرفة في إسرائيل، ومؤلف كتاب "صعود اليمين الراديكالي الإسرائيلي""، فـ"إنه من أجل أن تكون هناك رذالة وعنف ومشاعر معادية للعرب، لم تعد هناك ضرورة لكهانا. من ناحية سياسية كان فشلاً مطلقاً (...) لكن من ناحية ثقافية كان نجاحاً كبيراً جداً"، وقد "تحركت الثقافة السياسية بمجملها في اتجاهه."[8]
بعد مقتل الزعيم
فقدت "كاخ" بمقتل زعيمها مئير كهانا، مصدر قوتها الرئيسي؛ فقد كان هو المنظِّر، والداعية، وجامع الأموال، وقائد الحملات الدعاوية، ومتخذ القرارات الأساسية، وموجّه الأنشطة السياسية ومحركها الرئيسي. ولم يكن بين معاونيه من يتمتع بنضج سياسي أو كفاءة فكرية أو جاذبية جماهيرية. كانوا في حياته بمثابة أدوات تنفيذية له، واستمروا بعد مقتله في إدارة "تركته" بالأساليب نفسها، لكن ضمن نطاق أضيق وبفاعلية اقل. وقد تعرضت "كاخ"، بعد فترة قصيرة من مقتل كهانا، إلى انشقاق قسمها إلى تنظيمين، احتفظ أحدهما بالاسم الأصلي للحركة، وتبنى الثاني اسم "كهانا حي".[9] وبقيت قيادة "كاخ" في كريات أربع، بينما تمركزت قيادة "كهانا حي" في مستوطنة كفار تبواح، في قضاء نابلس. إن التنظيم الأكبر والأخطر بينهما هو التنظيم الذي احتفظ باسم الحركة الأصلي – "كاخ". ويبلغ عدد أعضائه المسجلين عدة مئات، وأنصاره عدة آلاف، موجودين أساساً في كريات أربع والخليل. وله فروع علنية في القدس والمدن الكبرى وبعض مدن التطوير في إسرائيل. ويستمد أعضاءه وأنصاره إجمالاً من شرائح اجتماعية فقيرة، قليلة التعليم، متذمرة وناقمة على المؤسسة الحاكمة، وتتسم بعداء وكراهية شديدين للعرب. وتبرز في نواته الصلبة، وقيادته، العناصر المهاجرة من الولايات المتحدة، مدفوعة بتعصبها الديني وعدائها للأغيار وحلمها بالخلاص المشيحاني. كما أن له فروعاً قوية في الولايات المتحدة، تمده بالأموال والأسلحة المهربة، وترفده بأعضاء مهاجرين جدد بعد تدريبهم على استخدام السلاح.
تتألف قيادة "كاخ" العليا من ثلاثة أعضاء، هم: باروخ مرزيل، رئيس الحركة؛ ونوعام فدرمان، الناطق بلسانها؛ وتيران بولاك، رئيس "لجنة الأمن على الطرق". وقد برزوا خلال حياة كهانا، واكتسبوا مكانتهم في الحركة وخبرتهم العملية والتنظيمية من خلال الأنشطة السرية الإرهابية وتنظيم التظاهرات والاعتداءات على العرب وممتلكاتهم. وكان رئيس الحركة باروخ مرزيل (34 عاماً)، المقيم مع عائلته في تل الرميدة في الخليل، أمين سر كتلة "كاخ" في الكنيست والناطق بلسان الحركة، وساعد كهانا الأيمن. وقد اعتقلته الشرطة مرات كثيرة، لكن حوكم ودين فقط في حالات قليلة. وعندما سئل في إثر مجزرة الخليل عن رأيه في العمل الذي أقدم عليه باروخ غولدشتاين، مرتكب المجزرة، كان جوابه: "أعتقد أنه يجب محاكمة هذه الحكومة التي دفعت رجلاً صديقاً إلى الإقدام على مثل هذا الأمر. إنه ليس مجنوناً، إنه رجل عظيم، رجل صديق."[10] أما الناطق بلسان الحركة نوعام فدرمان (24 عاماً)، من سكان كريات أربع، فقد سُجن عدة مرات بعد إدانته بتهم من نمط التهم المألوفة فيما يتعلق بـ"كاخ"، وحكم عليه مؤخراً بالسجن مع وقف التنفيذ وبغرامة مالية بعد تجريمه بتهمة البصق في وجه فيصل الحسيني. أما رئيس "لجنة الأمن على الطرق" تيران بولاك (25 عاماً)، فخلْفَه أيضاً قائمة إجرامية طويلة، وَدين قبل أعوام بتهم، منها إحراق كنيسة، وإلحاق أضرار بممتلكات عرب ويهود "يساريين"، وحكم عليه بالسجن عشرين شهراً. ويعمل تحت قيادة هؤلاء أشخاص على شاكلتهم، بعضهم معروف وبعضهم مجهول، لكنه لا يقل خطراً عن المعروف. ومن أبرز المعروفين شموئيل بن يشاي، أول رئيس لـ"لجنة الأمن على الطرق"، الذي أعلن في عهد رئاسته للجنة أن أية حادثة تنطوي على مضايقة لحرية تنقل اليهود على الطرق تجعله يطلق النار للقتل من دون إنذار: "إنني لا أطلق النار في الهواء. أنا أطلق النار كي أقتُل... من الحماقة إفراغ مخزن الذخيرة بأكمله في الهواء."[11] وقد صرح بعد ساعات معدودة من ارتكاب مجزرة الخليل أن غولدشتاين "كان رجلاً حقيقياً (...) وقام بعمل بطولي. لقد قال دائماً إنه ينبغي أخذ زمام الأمور باليد وقتل العرب."[12] ومن المعروفين أيضاً بن تسيون غوفشتاين (23 عاماً)، التلميذ في "يشيفات هرعيون هيهودي"، الذي اعتقل لفترة طويلة بصفته المشبوه الرئيسي بقتل مواطنين عربيين من اللُّبَن الشرقية في قضاء نابلس في اليوم التالي لمقتل كهانا، وأُفرج عنه لعدم توفر أدلة كافية ضده. ومنهم أيضاً الحاخام أبراهام طوليدانو، رئيس "يشيفات هارهَبَيْت"، الذي ألقي القبض عليه في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر من السنة الماضية فيمطار بن – غوريون، لدى عودته من الولايات المتحدة، بعد أن ضبطت في حقائبه أسلحة، ومواد تخريبية، ومبلغ كبير من المال. وقد أدى التحقيق معه إلى القبض على ستة مشبوهين، بعضهم له صلة بـ"يشيفات هارهبيت" بصورة أو بأُخرى، لكن سرعان ما أُفرج عنهم أيضاً لـ"عدم توفر أدلة كافية" على تورطهم. وجميع الأشخاص المذكورين أعلاه، باستثناء بولاك وطوليدانو، صدرت في حقهم أوامر اعتقال إدارية في إثر مجزرة الخليل.
لم يتغير طابع أنشطة "كاخ" ضد الفلسطينيين في عهد قيادتها الجديدة، وكل ما في الأمر هو أنها أصبحت أكثر شراسة وجرأة، ولا سيما في إثر حلول حزب العمل في الحكم محل الليكود، ونمو مخاوف المستوطنين من انسحابات إسرائيلية في الضفة الغربية، وتزايد عمليات حركة "حماس" ضد جيش الاحتلال والمستوطنين، وخصوصاً في أواخر العام الماضي. وفي مهمات المواكبة المسلحة للباصات والسيارات الإسرائيلية، كان أعضاء "لجنة الأمن على الطرق"، عندما تُقذف مركبة بالحجارة، يوقفون سياراتهم ويطلقون النار على رماة الحجارة، وإذا فشلوا في إلحاق الأذى برماة الحجارة، كما كان الأمر في معظم الحالات، كانوا يدخلون شوارع الأحياء أو القرى العربية المجاورة للحادث، ويطلقون النار في الهواء وعلى السخانات الشمسية المركبة على سطوح البيوت، ويحطمون زجاج نوافذ البيوت بالحجارة. وكانوا أحياناً يدخلون البيوت ويعتدون على السكان بالضرب، ويحطمون الأثاث ويمزقون أُطر السيارات الواقفة أمامها، ويهشمون زجاجها. وعندما يُقتل أو يجرح مستوطنون في عمليات للمقاومة، تزداد الحملات "التأديبية" شراسة ويتسع نطاقها، فتشمل، إضافة إلى ما ذُكر، الاعتداء على المواطنين العرب في الشوارع، وإضرام النار في السيارات أو قلبها، وتخريب المنشآت الزراعية، وإتلاف الأشجار والمزروعات، وأحياناً إطلاق النار بقصد القتل، وكان المشهد المعتاد في مدينة الخليل في إثر مقتل أو جرح اي مستوطن في أي مكان، هو أن يندفع المستوطنون في كريات أربع وقلب الخليل، وفي مقدمهم أعضاء "كاخ"، إلى سوق الجملة في وسط المدينة، فيقلبون البسطات ويحطمون الحوانيت، ويتلفون محتوياتها، ومن ثم ينتشرون في وحدات مسلحة صغيرة في الأزقة والشوارع المجاورة، ويعتدون على السكان والممتلكات. وغالباً ما كان يسقط في هذه الاعتداءات جرحى مصابون بالرصاص، وأحياناً قتلى، من السكان العرب. وقد أثار الاستهجان بصفة خاصة مقتل ثلاثة عمال عرب من سكان قرية ترقومية، الواقعة بالقرب من مدينة الخليل، بالرصاص في أثناء عودتهم من عملهم في بيت شيمش في كانون الأول/ ديسمبر 1992، رداً على مقتل مستوطنَيْن قبل ذلك بأيام. ورجحت الصحف الإسرائيلية في حينه أن يكون مرتكبو الجريمة من أعضاء حركة "كاخ".[13]
أما تنظيم "كهانا حيً" فهو أقل شأناً وعدداً، ولا يختلف عن "كاخ" في أيديولوجيته أو نمط أعضائه وأساليب عمله. وقد انشق في الأصل عن "كاخ" بسبب خلافات على المناصب بعد مقتل مئير كهانا. وإذا كان "المكتوب يبين من عنوانه"، كما يُقال، فإن في المنشور الذي وزعه التنظيم في آذار/ مارس 1992 بعنوان "اقصفوا أم الفحم"، بعد أن اتضحت مشاركة اثنين من سكانها في عملية ضد معسكر للجيش، قتل فيها ثلاثة جنود، ما يدل على عقليته ومستوى نضجه السياسي. وقد ورد في المنشور: "لماذا عندما خرج عرب من أم الفحم وذبحوا ثلاثة جنود، أرسلت الحكومة [الطائرات] بقصف حزب الله في لبنان، بدلاً من أن تقصف وكر العقارب في أم الفحم. لماذا في كل مرة يقتل فيها يهودي يقصفون لبنان، لا القرى العدوة في دولة إسرائيل؟"[14]
يرئس "كهانا حيّ" بنيامين كهانا، ابن الزعيم المقتول، الذي يقيم في كفار تبواح مع مساعديه الرئيسيين وعائلاتهم. وساعده الأيمن هو دافيد اكسلرود (26 عاماً)، الذي ولد في نيويورك وهاجر إلى إسرائيل قبل 14 عاماً. وقد علق على أحد جدران غرفة الاستقبال في منزله، بحسب رواية صحافي إسرائيلي، ثلاث صور فقط تلخص بشكل رمزي رؤيته (ورؤية تنظيمه) للعالم: صورة مئير كهانا، وصورة أبراهام شتيرن قائد منظمة "ليحي"، وصورة للحرم الشريف يبرز في وسطها (بفعل عملية مونتاج) رسم لـ"الهيكل الثالث" مكان مسجدي الحرم الشريف والأقصى. وشرح للصحافي بقوله: "ابنتي البالغة من العمر أربعة أعوام لا تعرف مطلقاً أنه يقوم اليوم في جبل الهيكل مسجدان، ومن ناحيتي، على الأقل لبضعة أعوام مقبلة، من الأفضل ألا أحدثها عن ذلك."[15] وقد كان واحداً من بضعة أشخاص اعتقلتهم الشرطة، وحققت معهم مطولاً بشبهة قتل المواطنين العربيين من قرية اللُّبن الشرقية، في اليوم التالي لمقتل كهانا، وأفرجت عنهم لـ"عدم كفاية الأدلة" لإدانتهم.
وللتنظيم، شأنه شأن "كاخ"، فروع كبيرة في الولايات المتحدة، ترفده بالأموال والأسلحة والأفراد، ويجري التدريب فيها على السلاح علناً. وينظم الأنشطة في الخارج يكتوئيل بن يعقوب (31 عاماً) الذي ظهر اسمه في قائمة من خمسة وثلاثين مطلوباً اشتبه "مكتب التحقيقات الفدرالي" (FBI) الأميركي بتنظيم اعتداءات ضد أهداف عربية في الولايات المتحدة. وقد ارتبط اسمه باغتيال رجل الأعمال الأميركي من أصل عربي فيليكس عودة، في الولايات المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر 1985.[16]
ويوجد لـ"كهانا حيّ" فرع للفتيان يدعى "نوعَر مئير" ("فتيان مئير")، اعتقل أربعة منهم بعد عام من إلقاء قنبلة في سوق القصابين في البلدة القديمة (القدس) بتاريخ تشرين الثاني/ نوفمبر 1992، أدت إلى قتل وجرح عدد من المواطنين العرب، وثبت أنهم هم الذين ارتكبوا الجريمة.
موقف السلطة
في إثر مجزرة الخليل "اكتشفت" الحكومة الإسرائيلية أن حركتي "كاخ" و"كهانا حيّ" منظمتان إرهابيتان، فحظرت أنشطتهما، وأصدرت أوامر اعتقال إداري في حق خمسة من قادة "كاخ"، وتعليمات بمصادرة أسلحة بضعة أفراد آخرين، بينهم رئيس "كهانا حي" بنيامين كهانا. لكن هل كان يجب أن تقع المجزرة حتى تكتشف الحكومة ذلك؟ وماذا بشأن باقي المستوطنين وجرائمهم؟
إذا تجاوزنا تعاليم كهانا وأقواله وتصريحات قادة "كاخ"، وتركنا جانباً الحملات التأديبية والانتقامية، وما فيها من اعتداءات على السكان العرب وجرحهم بالرصاص، وإلحاق الضرر بممتلكاتهم وإتلاف منشآتهم ومزروعاتهم، واكتفينا بجرائم القتل فقط، فإنه يتضح من تقرير حديث لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية (بتْسيلم) أنه خلال أعوام الانتفاضة الفلسطينية فقط قُتل 62 عربياً برصاص المستوطنين. فماذا حدث للقتلة؟ باختصار شديد، كما كتبت أوريت شوحط في صحيفة "هآرتس": "جزء منهم لم يُقدَّم إلى المحاكمة قط، وجزء منهم حكم عليه بأحكام خفيفة، وواحد منهم فقط محكوم بالسجن المؤبد."[17] لماذا؟ باختصار شديد أيضاً، نقتبس مما كتبه ران كسليف في عدد آخر من الصحيفة نفسها في أواخر سنة 1993، تقيباً على العمليات الانتقامية وتزايد قتل العرب وما رددته الصحافة بشأن تنظيمات إرهابية تقف وراء أعمال القتل: "في وضع يسيطر فيه المستوطنون عملياً في الضفة [الغربية]، لا ضرورة لمنظمة إرهابية. وحتى منظمة 'هشومير'، كميليشيا محلية، تبدو لا لزوم لها. ماذا يمكن أن تفعل هذه الميليشيات أكثر مما يفعله المستوطنون أنفسهم. ماذا يمكن أصلاً أن يُفعل أكثر؟ (...) كل هذا يحدث لأنه يوجد في ذهن الجمهور عندنا اختلاط كامل في المفاهيم؛ ففي نظر كثيرين جداً، هذه هي عمليات مشروعة لمستوطنين يدافعون عن أنفسهم ضد إرهاب عربي. وهذا الاختلاط ليس محصوراً في أذهان المواطنين العاديين، بل هو متغلغل أيضاً في صفوف الجيش (....) وفي صفوف الشرطة (....)، وحتى في المحاكم التي تطلق المشبوهين بالقتل بعد ثلاثة – أربعة أيام من اعتقالهم."[18]
عندما كان أعضاء "كاخ" و"كهانا حيّ" يحملون أسلحتهم المرخص بها ويتجولون طلقاء في الضفة الغربية، وفي ذروة سلسلة من الحملات الانتقامية نفذها المستوطنون بمشاركة رجال "كاخ"، في الضفة في أواخر العام الماضي، حذّر أحد زعماء المستوطنين قائد المنطقة الوسطى [السابق]، نحاميا تماري، في اجتماع عقده في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 1993 مع زعماء مجلس المستوطنات في المناطق المحتلة، من أنه ينبغي ألا يندهش "إذا دخل مستوطن مفرد قرية عربية وحصد ثلاثين – أربعين شخصاً." وحذره زعيم آخر من أن من الممكن "أن يهب أفراد فينفّذوا هجمات جنونية في قرى عربية." ونشر إيهود شبرينتساك، في الفترة ذاتها، مقالة تحت عنوان: "ماذا ينتظر؟" كتب فيها:
"ما يحدث الآن في يهودا والسامرة هو بداية حلقة إرهاب عربي وإرهاب يهودي مضاد، من الممكن أن يتدهور أكثر في الأيام المقبلة (...)
"لحسن حظنا، هناك حقيقتان ما زالتا تتيحان لأجهزة الأمن السيطرة على مستوى العنف: عدد وحدات الإرهاب العربي قليل، ولم ينضم إلى صفوف المنتقمين، كما يبدو، متطوعون جدد. وبالنسبة إلى الإرهاب اليهودي المتزايد فإن القائمين به وقادته معروفون، ويتجولون في الساحة من دون تمويه."
وأضاف شبرينتساك أن الحكومة عززت الجيش في الضفة الغربية وكثفت الدوريات على الطرق لتأمين سلامة المستوطنين، وتابع:
"لكن بالنسبة إلى المعطى الثاني، أكرر التساؤل، ماذا ينبغي أن يحدث حتى ينشطوا ضد الإرهابيين اليهود؟ وبما أنه لا يوجد لدي أدنى شك في أن السادة مرزيل وبولاك، وفدرمان، واكسلرود، ورافيف، وكهانا الإبن، ونشيطين آخرين معروفين أقل وخطرين أكثر، سيتم وضعهم في قيد الاعتقال الإداري، فإنني لا أستطيع أن أفهم لماذا لا يحدث ذلك الآن."[19]
ويبقى السؤال:
هل، حقاً، لم يتخيل رابين، في أسوأ أحلامه، أن يقف أمام الكنيست في الموقف الذي وجد نفسه فيه، بعد مجزرة الخليل؟!
آذار/مارس 1994
المصادر:
[1] "هآرتس" 27/2/1994.
[2] المصدر نفسه، 1/3/1994.
[3] من أجل موجز لأيديولوجية كهانا راجع:
Ehud Sprinzak, “Kach and Kahane: The Emergence of Jewish Quasi-Fascism,” in Asher Arian and Michael Shamir (eds), The Elections in Israel, 1984 (Tel-Aviv: Ramot Publishing Co., 1986), pp. 177-182.
ومن أجل عرف مفصل لتاريخ حركة كاخ وأيديولوجيتها راجع:
Ehud Sprinzak, The Ascendance of Israel’s Radical Right (Oxford: Oxford University Press, 1991), pp. 211-250.
* من أجل لمس الكراهية التي كان كهانا يكنّها للعرب، نقتبس فقرة من إحدى خطبه، ربما تساعد أيضاً في فهم نفسية مرتكب مجزرة الخليل، الذي كان كهانا أيضاً حاخامه قبل مقتله: "قيل في التوراة عن إسماعيل [إقرأ: العرب]: متوحش، يعتدي على الجميع، والجميع يعتدون عليه. الجزء الأول تحقق. امنحوني القوة لأحقق الجزء الثاني. إن جاء ليقتلك فبكّر واقتله! هل هذه عنصرية؟ (...) هم سرطان، سرطان، سرطان في وسطنا، وليس هناك رجل واحد يقوم ويعلن ذلك صراحة. إنهم يتكاثرون كالبراغيث! فلنرمهم في البحر! إنهم يمصون دماءنا، هؤلاء العلق! تعايش؟ أنا والسرطان الذي أشكو منه نتعايش؟ السرطان تستأصله وتقذف به إلى الخارج (...) أنا أقول لكم ما يشعر به كل واحد في قرارة نفسه (...) اجعلوني وزيراً للدفاع ولن يبقى منهم صرصور واحد هنا!" (المصدر: آفي كتسمن، "تشريح بعد الوفاة: نظرة في كتابات وخطب الرجل الذي وقف الكنيست دقيقة صمت حداداً عليه"، "هآرتس"، 16/11/1990).
[4] من أجل معلومات عن التشكيلات السرية لحركة كاخ وأنشطتها، أنظر، إضافة إلى المصدر السابق: يهوشع مئيري، "هآرتس"، 12/1/1990؛ تسفي زينغر، "يضحكون في طريقهم إلى السجن"، "يديعوت أحرونوت"، 4/3/1994.
[5] Sprinzak, The Ascendance…, op.cit., pp. 247-248.
[6] مئيري، مصدر سبق ذكره.
[7] "عال همشمار"، 9/11/1990.
[8] "دافار"، 9/11/1990.
[9] من أجل معلومات عن حركة كاخ بعد الانشقاق و"كهانا حي" وقادتهما، أنظر: نداف شراغي، "كهانا حي وهو يخوض الانتخابات"، "هآرتس"، 12/3/1992؛ نداف شراغي، "مستنبت دورية الانتقام"، "هآرتس"، 16/7/1993.
[10] يوئيل زينغر، "يضحكون في طريقهم إلى السجن"، "هآرتس"، 4/3/1994؛ "هآرتس"، 28/2/1994، وفيه أسماء الأشخاص الذين صدر في حقهم أمر اعتقال إداري بعد مجزرة الخليل ومعلومات موجزة عنه.
[11] Sprinzak, The Ascendance…, op.cit., p. 237.
[12] "يديعوت أحرونوت"، 4/3/1994.
[13] من أجل وصف لتفصيلات الحملات الانتقامية وتصرفات المستوطنين خلالها، راجع، على سبيل المثال: صحيفة "هآرتس"، الأعداد بتاريخ 8/11/1993، 9/11/1993، 16/11/1993، 17/11/1993، 8/11/1993. ومن أجل وصف لمقتل العمال العرب الثلاثة من ترقومية، راجع: "هآرتس"، 12/12/1993.
[14] شراغي، "كهانا حيّ..."، مصدر سبق ذكره.
[15] شراغي، "مستنبت دورية..."، مصدر سبق ذكره.
[16] زينغر، "يضحكون في طريقهم..."، مصدر سبق ذكره. وقد أكد وزير الاستيعاب مئير تسبان، أمام مركز مابام، أن "عشرات من رجال كهانا يتدربون على السلاح في الولايات المتحدة، وينوون القدوم إلى إسرائيل قريباً." ("يديعوت أحرونوت"، 28/2/ 1994).
[17] أوريت شوحط، "مجرم مجهول الهوية"، "هآرتس"، 4/3/1994.
[18] ران كسليف، "القتلة والقتلة أقل"، "هآرتس"، 17/12/1993.
[19] إيهود شبرينتساك، "ماذا هو ينتظر؟"، "هآرتس"، 17/12/1993.