رؤية لاتفاق "إعلان المبادئ"
كلمات مفتاحية: 
إعلان المبادىء بشأن ترتيبات الحكم الذاتي المؤقت 1993
اتفاق أوسلو 1993
منظمة التحرير الفلسطينية
النزاع العربي - الإسرائيلي
نبذة مختصرة: 

في حين أن "إعلان المبادئ" لا يمثل بالنسبة إلى الحكومة الإسرائيلية، قاعدة انطلاق لدولة فلسطينية وانسحاب إسرائيلي كامل وتخفيف السيطرة على القدس والمستعمرات، فإن الاتفاق يعني، بالنسبة إلى الفلسطينيين، انسحاباً كاملاً ونهائياً، ودولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.  

النص الكامل: 

إن الوصول إلى اتفاق " إعلان المبادئ" بين منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمثل الشعب الفلسطيني، وحكومة إسرائيل خطوة سياسية نوعية في الصراع العربي- الإسرائيلي، وخصوصاً أن مواقف الحكومات السابقة في إسرائيل أنكرت وجود التمثيل الشرعي الفلسطيني، وكانت تبني سياساتها على أساس عدم الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني أو على أساس التعامل السياسي مع جزء منه (الموجود) في الداخل، باعتباره الطرف المؤهل للتفاوض سياسياً مع إسرائيل.

وهذا العنصر هو الذي حكم عملية السلام في مدريد منذ سنة 1991، وقبلت المنظمة في حينه هذا الشرط الموضوع على التمثيل انطلاقاً من إيمانها بأن وجود ممثل فلسطيني في هذه العملية مقدمة مهمة للحضور الفلسطيني العام، ولا سيما أن الوفد ناب عن م.ت.ف. في التمثيل السياسي وفي الطرح السياسي، بعد المحادثات السرية التي امتدت ما يقارب تسعة أشهر هو إعادة الأمور إلى نصابها بالاعتراف بالتمثيل الفلسطيني... وشكل هذا أول كسر لمحرّم إسرائيلي: الاعتراف بـ م.ت.ف. وبما تمثل سياسياً وقانونياً.

لقد جاء الاتفاق في ظل وضع رأى الكثيرون أن م.ت.ف. كانت تعيش خلاله أزمة تنظيمية كبيرة، وكانت بالتالي على طريق الانهيار. واعتقدالبعض أن الفرصة الملائمة سانحة للقفز عنها والتعاطي مع أشكال جديدة للتمثيل الفلسطيني تسهل تحقيق بعض الأهداف السياسية التي لا تستجيب لطموحات الشعب الفلسطيني. وما حدث بدد هذه الأوراق كلها وأظهر من جديد أن م.ت.ف. ليس ذلك العنصر الهين أو اللين على الرغم من جميع الصعوبات المحيطة بها. وقد أدركت إسرائيل هذه الحقيقة من خلال منظور سياسي، وتعاملت مع م.ت.ف. مباشرة لأنها أدركت (وقبل فوات الأوان) أن المفتاح الخاص للوصول إلى سلام في يد الشعب الفلسطيني وفي يد ممثله وقائد كفاحه، م.ت.ف.، وذلك بعد مفاوضات استمرت عامين وشكلت أرضية مهمة قام وفدنا خلالها بالتعبير السياسي عن الرؤية الوطنية للشعب والمنظمة، وكان سفيراً بارعاً في الدفاع عن الشعب وعن ممثله الشرعي الوحيد، وأبلغ الجميع أن لا مكان إلا لـ م.ت.ف. ولا حوار حقيقياً إلا معها، الأمر الذي دفع حكومة إسرائيل إلى المجيء إلى العنوان الصحيح لتحاوره.

وفي ظل المتغيرات الدولية التي تشهد مرحلة انتقالية لنظام عالمي جديد بأبعاده السياسية والعسكرية والاقتصادية كافة، وبانعكاساته على المواقع الإقليمية والنزاعات القائمة، أخذت حكومة إسرائيل تشم طبيعة تلك المتغيرات، وبدأت إعادة صوغ استراتيجيتها وفق هذا المنظور، مدركة أن استراتيجيتها السابقة وأساليبها القديمة في اعتماد الخيار الأمني العسكري طريقاً للدفاع عن إسرائيل (وجوداً ومصالح) ليست الطريق الأنسب أو الأفضل في ظل هذه المتغيرات. وبرزت من داخل إسرائيل قيادة رسمت ملامح جديدة تقوم على أساس أن تعيد اسرائيل تصورها لتصبح دولة شرق أوسطية بامتداد أوروبي – أميركي لا دولة أوروبية – أميركية موجودة في الشرق الأوسط. وعليه، أخذت ترى أن مصلحة إسرائيل يجب أن تعتمد على طرح سياسة الانتقال من المواجهة إلى التعاون في المنطقة. ولهذا الأسلوب متطلبات على إسرائيل تلبيتها قبل أن تحقق هذا التوجّه.

استناداً إلى ما سبق كنا نؤمن بأن قوتنا الراهنة تكمن في هذا المتغير، إلى جانب فشل جميع الخيارات العسكرية الإسرائيلية الهادفة إلى القضاء على الروح الكفاحية للشعب الفلسطيني وعلى كفاحه الوطني عبر عشرات الأعوام والمتجسد هنا في الانتفاضة الوطنية المجيدة المستمرة منذ قرابة خمسة أعوام. وخلافاً لما كان البعض يعتقد، فإننا لم نفاوض من موقع ضعف، على الرغم من المظهر العام لاختلال التوازن في المنطقة وفي العالم، والذي يبدو كما لو أنه في مصلحة إسرائيل.

إلا إن المفاوضات، كالتي نعيشها، لها طابع آخر، فهي لا تعتمد على الميزان العسكري فحسب بل إنها محكومة أيضاً بعدد من العناصر التي تتحكم في سير هذه العملية، وخصوصاً بالنسبة إلى دولة مثل إسرائيل، تبحث عن الاعتراف بها والدخول إلى المنطقة، وبناء علاقات طبيعية مع العالم العربي، وتحتاج إلى إقرار بوجودها من قِبل الطرف الذي اعتقدت أنها قامت على حسابه وعلى أساس نفي وجوده ومصادرة أرضه وتشريد شعبه.

والأعوام الأربعون الماضية علّمت الحكومة الإسرائيلية الحالية أن ذلك النفي لم يتحقق بل إنه لن يتحقق يوماً من الأيام لأن شعبنا أثبت أنه ليس من تلك الشعوب التي تنتهي؛ فنحن ننتمي إلى أُمة احتضنت شعبنا ودعمته في استمرار وجوده بأشكال عدة.

لذلك فالمفاوضات لم تكن بين طرف مهزوم وطرف منتصر يفرض شروطه على الطرف المهزوم، علماً بأنه في المقابل لم نكن نحن الطرف الأقوى لكننا لم نكن الطرف الأضعف أيضاً. هذا هو المنطق أو هذه هي الفلسفة التي حكمت معادلة التفاوض بين م.ت.ف. وحكومة إسرائيل، وهذا ما سنجد انعكاسه السياسي في مجمل بنود الاتفاق على الرغم من التحفظات كلها التي يشار إليها أو التي ما يصطلح على وصفها بالتنازلات، وهي في رأيي مواقف تعبّر عن "حلول وسط" لا تنازلات سياسية وقانونية بالمعنى المتعارف عليه، بالضرورة؛ فالحل الوسط تفاهم في المواقف بين طرفين متفاوضين، بعيداً عن لغة فرض الأمر الواقع.

لقد سجل الاتفاق مجموعة من الحقائق السياسية التي تمثل بالنسبة إلينا مقدمة لرحلة العودة نحو بناء الوطن الفلسطيني، إذ أقرت إسرائيل أول مرة بالحقوق السياسية والمشروعة للشعب الفلسطيني، وأقرت بأن الانتخابات التي ستجري للمجلس الموقت إنما هي خطوة تمهيدية نحو إقرار الحقوق المشروعة لشعبنا ومتطلباته العادلة، ونحن نفهمها، بكلمة أُخرى، أساساً لحق تقرير المصير لشعبنا وبالتالي بناء الدولة المستقلة التي ناضلنا من أجلها عشرات الأعوام.

وأورد الاتفاق أيضاً سابقة مهمة لدى الشعب الفلسطيني وممثله م.ت.ف. عندما سجل أن نتيجة المفاوضات النهائية ستقود إلى تنفيذ القرارين رقم 242 ورقم 338، وأن التنفيذ ستسبقه خطوة عملية تمهد له من خلال النص على انسحاب إسرائيل من قطاع غزة وأريحا، وبالتالي فإننا نجد أن تنفيذ القرار سيبدأ بالخطوة الأولى – الانسحاب من أرض فلسطينية، وهي البداية نحو جلاء القوات الإسرائيلية عن الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، كما نص عليه القرار رقم 242.

وتضمن الاتفاق ترابطاً زمنياً وعضوياً بين المرحلتين: الانتقالية والنهائية، بحيث تقود الأولى إلى الوصول إلى تسوية دائمة بعد انتهاء المفاوضات النهائية، وهذا يبدد مخاوف البعض الذي يعتقد أن الحل الموقت حل دائم.

ونص الاتفاق على هذه المسألة في بنود عدة، سواء في ما يتعلق منها بالطابع الموقت للاتفاقية الخاصة بالمرحلة الموقتة أو بطبيعة المجلس - السلطات - الصلاحيات - الانتخابات - الانسحاب من غزة وأريحا - الولاية الجغرافية - والتي ربطت جميعها بموضوعات التفاوض في المرحلة النهائية، التي تشمل قضايا القدس- اللاجئين -  الحدود- الترتيبات الأمنية – المستوطنات العلاقة بالجيران، وأية أشكال أخرى.

ونلاحظ هنا موافقة إسرائيل (كسابقة لم تحدث) على التزام التفاوض بشأن هذه الموضوعات، وهو ما يشكل إقراراً مهماً من قِبلها بكيانية الشعب الفلسطيني واعترافاً غير مباشر بعدم شرعية ضم القدس سنة 1967، وخصوصاً إذا لاحظنا أن في ملحق الانتخابات  نصاً صريحاً على مشاركة أهلنا في القدس في العملية الانتخابية (وهو ما يعني التصويت والترشيح)، وهذا اعتراف سياسي بأن أهل القدس جزء من الشعب العربي الفلسطيني. وبالتالي فإن الاتفاق يسجل سابقة سياسية، وهي الاحتفاظ بمكانة القدس، خلافاً للادعاءات كافة التي تقول إن الاتفاق أسقط موضوع القدس. ويبدو أن البعض لا يقرأ جيداً، وإنْ هو قرأ فإنه لا يريد أن يفهم، لأنه يريد أن يعارض الاتفاق ليس بما فيه وما ليس فيه بل كي يسجل موقفاً للتاريخ، معتقداً أن ذلك هو الموقف السليم: فالاتفاق لم يهمل أو يسقط أي موضوع يخص الشعب الفلسطيني، حاضراً ومستقبلاً، وإن لم يكن قد حدد أجوبتها نهائياً.

الوحدة الترابية:

يسجل الاتفاق بوضوح مسألة وحدة الأرض الترابية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال الحديث عن الولاية الجغرافية وعن أنها تغطي أراضي الضفة والقطاع. ويتعامل الاتفاق مع الأراضي باعتبارها وحدة إقليمية واحدة لا يجوز المساس بها، على الرغم من الاستثناء الموقت للمستوطنات والقدس إلى حين مفاوضات المرحلة النهائية. وهذا البند ألغى النظرية الإسرائيلية القائمة على تجزئة الأرض الفلسطينية.

ولعل الاتفاق عندما يشير إلى ضرورة حل الإدارة المدنية وانسحاب الحكم العسكري الإسرائيلي بعد انتخابات المجلس الموقت، إنما يفسح في المجال أمام إقامة سلطة واحدة على هذه الأرض ولا يكون هناك سلطة موازية، كما كانت إسرائيل تريد في الأعوام الماضية أو في مفاوضات واشنطن في إقامة هياكل موازية من السلطة كي يصبح المجلس الإداري كما لو أنه مجلس للسكان يدير شؤونهم، إلا إن الاتفاق ألغى هذه النظرية الآن، وأقرت إسرائيل بأن سلطة المجلس هي سلطة للشعب وعلى الأرض، تتمتع بصلاحيات تشريعية وتنفيذية ولها جهاز قضائي مستقل.

ومع ربط ذلك بما نص الاتفاق عليه من تشكيل سلطات ذات طابع سيادي لم تكن مطروحة في السابق بتاتاً، مثل إقامة سلطة أراضِ فلسطينية، وبنك للتنمية، وسلطات للمياه والكهرباء والبيئة، وترويج الصادرات، وميناء غزة البحري، فإننا نجد مؤشرات مهمة لبنية كيانية فلسطينية لا لحكم إداري. وهناك فارق كبير بين ما كان يُطرح وما تم التوصل إليه.  إلى جانب ذلك أقرت حكومة إسرائيل بإقامة وتشكيل قوة شرطة فلسطينية مكونة من عناصر من داخل الأرض الفلسطينية وخارجها، وهي المرة الأولى التي يساهم فيها أبناء شعبنا من الداخل والخارج في بناء سلطة شعبنا وحمايتها في الضفة والقطاع.

عودة القيادة:

مع عودة القيادة السياسية إلى الأرض الفلسطينية التي ستنسحب إسرائيل منها خلال فترة لا تتجاوز السبعة  أشهر  تاريخ توقيع الاتفاق رسميا، فإننا نجد أنفسنا أمام بناء كياني خاص يتمتع بالسلطة والسيطرة وببعض أشكال السيادة على الأرض والسكان وإنْ كان ينقص هذا البناء بعض أشكال السيادة باعتباره مرحلة موقتة لكنه يفوق من الناحية السياسية التسمية الخاصة به كحكم ذاتي.

النازحون:

يشير الاتفاق على ضرورة أن يبدأ البحث في أشكل السماح لعودة الإخوة النازحين منذ سنة 1967 عبر لجنة خاصة ستتولى مناقشة أشكال عودتهم لا مبدأ عودتهم الذي أقر، وستعنى المناقشة بطرائق تنفيذ مبدأ عودتهم.

المستوطنات:

إن النص الخاص بالولاية الجغرافية يُلزم الطرف الإسرائيلي بوقف التمدد الاستيطاني ومصادرة الأرض الفلسطينية. وبالتالي تم رسم حدود المستوطنات موقتاً، إلى حين بحثها في مفاوضات الحل النهائي. وموقفنا الفلسطيني هنا واضح، وهو أن المستوطنات يجب تفكيكها والوجود الاستيطاني يجب إنهاؤه وإعادة المستوطنين إلى إسرائيل.

الانسحاب من غزة وأريحا:

نص الاتفاق بوضوح شديد على الانسحاب الإسرائيلي من غزة وأريحا، مع الإبقاء على موضوع المستوطنات في هذه المرحلة الموقتة. والأمن الداخلي والنظام العام هما من صلاحيات السلطة الفلسطينية، إلا إن إسرائيل تبقى مسؤولة عن الأمن الخارجي باعتبار أن الاتفاق موقت، ومسؤولة عن الإسرائيليين الموجودين في المستوطنات، ولا صلاحية أو سلطة لها على الأمن الداخلي الفلسطيني. ولعل موافقة إسرائيل في الاتفاق على وجود قوات دولية موقتة في غزة وأريحا دليل آخر على صحة ما ذكر.

ونص الاتفاق أيضا على ضرورة تأمين ممرات آمنة للمرور والتنقل بين غزة وأريحا، وإجراء تنسيق على نقاط العبور، بين غزة ومصر وأريحا والأردن. وسيتم تحديد أشكال ذلك التنسيق باتفاقية خاصة بغزة وأريحا.

دور منظمة التحرير الفلسطينية:

ستبقى م.ت.ف.، بحكم مسؤولياتها الوطنية العامة والشاملة، تقوم بدورها الذي تقوم به حالياً، ويضاف إلى مهماتها ممارسة مسؤولية العلاقات الخارجية في المرحلة الموقتة نيابة عن الحكومة الموقتة. وستكون المنظمة المرجعية السياسية لتلك الحكومة في أعمالها وأنشطتها كافة، وبالتالي فإن حديث البعض عن حل المنظمة واستبدالها بحكومة موقتة إنما يعبّر عن جهل سياسي لمضمون الاتفاق أولاً ولدور المنظمة ثانياًَ؛ إذ ليس في  الاتفاق ما يشترط حل المنظمة ولا استبدالها بجهاز آخر، بل على العكس، فقد أقرت إسرائيل عند توقيعها هذا الاتفاق مع المنظمة بشرعية وجود المنظمة وبدورها السياسي. إن التكامل بين المنظمة والحكومة الموقتة إنما يشكل استكمالاً لبعض حقوق السيادة التي لم يُنص عليها في الاتفاق.

اللاجئون:

لقد سجل الاتفاق أن هذا الموضوع سيُبحث في مفاوضات الوضع النهائي نظراً إلى تعقيداته، وتأجيله لا يعني تجاوزه؛ فهو موضوع حيوي لا تنازل عنه، ونحن نستند في بحث هذا الموضوع إلى ما ورد في الاتفاق. كما أن القرار رقم 242 نص بصراحة على ضرورة حل عادل لمشكلة اللاجئين، والحل العادل يجب أن يستند إلى ما طرحته الشرعية الدولية بقرار واحد هو القرار 194 الذي وافقت عليه المجموعة الدولية بما فيها أميركا، في حين امتنعت إسرائيل من التصويت كل مرة طرح فيها هذا القرار للتصويت في الأمم المتحدة، وهذه نقطة قوة تفاوضية مهمة بالنسبة إلى الطرف الفلسطيني عند البحث في هذا الموضوع. 

حل منفرد:

أشار البعض إلى أن هذا الاتفاق يشكل حلاً منفرداً، إلا إن الحقيقة غير ذلك لأن ما تم التوصل إليه هو اتفاق ثنائي ينسجم مع طبيعة العملية التفاوضية الجارية في واشنطن، إذ إن هناك مسارات عدة، وهي ليست موحدة، ولكل طرف مسار يتفاوض بشأن موضوعه. والطرف الفلسطيني وصل إلى هذا الاتفاق في مسار ثنائي وإنْ كان بصورة سرية وفي قناة خلفية، فضلاً عن أنه ليس حلاً بل هو اتفاق يتبعه حل، علما بأن الحل عندنا يختلف عن الحلول في المسارات الأخرى، فالأطراف الأخرى تفاوض بشأن حلول ذات صبغة نهائية، في حين أن طبيعة حلنا قائمة على أساس مرحلتين، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يقال إن هناك حلاً منفرداً عندما يتعلق الأمر بالبحث في مرحلة موقتة، بل إننا نخشى العكس؛ أي عندما تتوصل الأطراف العربية إلى حلول نهائية يكون اتفاقنا موقتاً، وعندما نصل إلى البحث في الحل النهائي نكون منفردين، هنا التخوف الحقيقي!

وإذا أردنا أن نتمسك بالتعابير فإنه سيكون من حقنا أن نطلب من الإخوة العرب ألاّ يوقّعوا حلولاً نهائية قبل الوصول إلى اتفاق نهائي فلسطيني - إسرائيلي. ومع ذلك فإننا نتعامل مع هذا الموضوع بواقعية ومسؤولية، ونأمل بألاّ نُترك وحدنا في المراحل اللاحقة، فنحن أولى بألاّ يكون هناك حلول منفردة من الآن لأن هناك أعواماً خمسة للوصول إلى ما سيصل إليه الإخوة العرب الآخرون. 

الجدول الزمني:      

أشار الاتفاق إلى تحديد زمني لعدد من القضايا، الأمر الذي يعطيه دينامية خاصة للتنفيذ ولا يتركه للصدف.

وسنلاحظ أن الاتفاق قد حدد بداية: إن هناك انسحاباً إسرائيلياً يتم خلال سبعة أشهر بعد توقيع الاتفاق رسمياً، مع تسلّم عدد السلطات في هذه الفترة في الضفة الغربية والقطاع، إلى جانب تسلّم السلطات في غزة وأريحا.

وبعد عشرة أشهر من تاريخ التوقيع سيكون هناك إعادة انتشار للقوات الإسرائيلية في المناطق التي لم تنسحب إسرائيل منها إلى مواقع محددة.

ومع بداية العام الثالث كحد أقصى، ستبدأ مفاوضات المرحلة النهائية التي ستستمر فترة لا تتجاوز الثلاثة أعوام، والتي ستقود إلى تنفيذ القرارين 242 و338، وبالتالي فإننا نلمس أن الاتفاق قد حدد زمنياً مسألة التنفيذ، وتطبيق الإجراءات، وتسلك السلطات، والتفاوض النهائي، وهذا هو الربط الزمني المحدد للاتفاق.

إن التعامل مع الاتفاق، سواء بالإيجاب أو بالسلب، هو عملية سياسية ضرورية من أجل إعطاء المفاوضات اللاحقة قوة دفع جديدة. لكن ممارسة  النقد بشقيه (الإيجابي والسلبي) يجب أن تحتكم عند التفاوض بشأن التفصيلات إلى قاعدة التطوير والاحتراز واليقظة لا إلى قاعدة الإسقاط - التخوين أو إطلاق النعوت الوصفية التي لا تقود إلاّ إلى اللاّشيء... فالأوصاف لا تخدم حركة التغيير  - التطوير التي نراها ضرورية للمستقبل؛  فالاتفاق ليس "الحل التاريخي" الذي ينشده البعض لكنه ليس "التخلي التاريخي" عما ينشده البعض الآخر. إنه خطوة جريئة وجدية نحو مستقبل نتطلع إلى أن يكون لنا فيه وضع تاريخي، وهذا ما نحتاج إلى النضال من أجله.

السيرة الشخصية: 

حسن عصفور: أحد المشاركين في مفاوضات أوسلو السرية، وعضو الوفد الفلسطيني في مفاوضات طابا المتعلقة بتطبيق الاتفاق الفلسطيني-الإسرائيلي.