وثائق مفاوضات السلام كلمة رئيس الوفد الفلسطيني أمام الاجتماع الثاني لـ "لجنة اللاجئين" يكرر فيها تأكيد حق العودة للاجئين الفلسطينيين، أوتاوا، 11/11/1992
النص الكامل: 

السيد الرئيس،

السيدات والسادة،

لقد جئنا للمشاركة في هذه الجلسة من الاجتماعات متعددة الأطراف في إطار عملية السلام في الشرق الأوسط، بنفس الالتزام الثابت بالبحث عن سلام حقيقي، وعادل وشامل، وهو نفس الالتزام الذي دفعنا للمشاركة في محادثات ثنائية ومتعددة سابقة، كما دفع شعبنا الفلسطيني، ومنظمة التحرير الفلسطينية ـ قيادته وممثله الشرعي والوحيد ـ إلى مواصلة* الأطراف، بالرغم من عدم إحراز أي تقدم ملموس حتى الآن، فيما يتعلق بإحقاق حقوقنا ومصالحنا الأساسية.

لذلك، في الوقت الذي نُقرّ فيه بأنه يبدو أن هناك تغييراً شكلياً في التعاطي الإسرائيلي مع عملية السلام [حصل]** ما بين الجولة الأخيرة والجولة الراهنة، فإن لدينا من الأسباب ما يكفي لنقول بأن تفاؤلنا المحدود ما زال مشوباً بالحذر. وسيبقى كذلك إلى أن نشهد مؤشرات تغيير حقيقي في جوهر الموقف الإسرائيلي، فضلاً عن التغيير الظاهري في الأسلوب والشكل.

وضمن الظروف الراهنة، لا بد أن نؤكد، من جديد، على الدعوة التي أطلقها هذا الوفد في أيار (مايو) الماضي، كما أطلقتها الوفود الفلسطينية في مجموعات العمل الأُخرى، كي يقوم راعيا عملية السلام بتحرك حيال المسائل التالية:

            1ـ المشاركة المباشرة والكاملة لمنظمة التحرير الفلسطينية في كافة جوانب عملية السلام، باعتبارها ممثل وقيادة الشعب الفلسطيني الوحيدة والشرعية.

            2ـ تصحيح التمثيل الفلسطيني من خلال المشاركة المباشرة لفلسطينيين من القدس في كافة مجموعات العمل، وكذلك في المفاوضات الثنائية.

            3ـ تشكل مجموعتي، أو لجنتي، عمل جديدتين، إحداهما للقدس، والأُخرى لحقوق الإنسان، كما اقترحنا في اجتماعات سابقة.

كذلك، فإنّا نغتنم هذه الفرصة، لنرحب بوجود منظمة الأمم المتحدة بيننا ووكالتها المتخصصة: "الأونروا". لقد طالبنا، دوماً، بضرورة حضور ومشاركة الأمم المتحدة، نظراً لأن ميثاقها وقراراتها توفّر لنا أسساً مرجعية غير قابلة للنقاش، وتضمن وضع المفاوضات في مسارها الصحيح، القائم على الشرعية الدولية، على اعتبار أنها كل لا يتجزأ. وعلاوة على ذلك، فإن على الأمم المتحدة، ووكالاتها، مسؤولية خاصة تجاه اللاجئين الفلسطينيين. ولم يكن إصرارنا الدائم على مشاركة "الأونروا" بسبب خبرتها الواسعة في مجال اللاجئين فحسب، بل لأنها تعبّر، أيضاً، عن اهتمام المجتمع الدولي بمحنة اللاجئين الفلسطينيين، وتجسّد الجهود الرامية لإيجاد الآليات المطلوبة للتعاطي مع اللاجئين الفلسطينيين، لحين إحراز حل عادل وشامل قائم على أسس الشرعية الدولية وقراراتها.

إننا ننظر بعين الرضى إلى تواجد الوفد الإسرائيلي بيننا، كما يسرنا، بالفعل، أن تكون الحكومة الإسرائيلية قد أدركت عدم جدوى مقاطعة مجموعة العمل هذه، وكذلك مجموعة العمل حول التنمية الاقتصادية، ونأمل أن يكون هذا التحوّل تعبيراً عن رغبة إسرائيلية جديدة في التقيّد بإرادة المجتمع الدولي وقراراته.

ومن ناحية أُخرى، نأسف لتغيب إخواننا السوريين واللبنانيين، نتيجة للمأزق الذي وصلت إليه المفاوضات الثنائية. فلا بد من إحراز تقدم، بسرعة، في المحادثات الثنائية، لتمكين كافة الأطراف من المشاركة في تشكيل مستقبل منطقتنا برمتها.

لقد قمنا، في اجتماع لجنة العمل هذه لشهر أيار (مايو) [1992]، بذكر التعريفات المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين، حيث قلنا: إنهم جميع الفلسطينيين وأنسالهم الذين طردوا، أو أُجبروا على مغادرة منازلهم، خلال الفترة الواقعة بين شهر تشرين الثاني (نوفمبر) لعام 1947 (خطة التقسيم)، وبين التوقيع على اتفاقية هدنة رودس عام 1949 من الأراضي التي كانت تحت السيطرة الإسرائيلية في التاريخ الأخير. ولا ينطبق هذا التعريف على سكان المخيمات، ولا على أولئك اللاجئين الذين تعترف بهم "الأونروا" ويحملون بطاقة التسجيل الرسمية الصادرة عنها فقط، بل ينطبق، أيضاً، على كافة بقية اللاجئين الفلسطينيين.

إننا نؤكد، مجدداً، على أن قرار الأمم المتحدة الرقم 194 يشكّل الإطار القانوني الرئيسي للحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث يؤكد هذا القرار على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، ويستمد هذا القرار قوته من الإجماع الدولي الذي حظي به. زد على ذلك أن الولايات المتحدة صوتت لصالحه، وحتى إسرائيل (التي كانت متلهفة [للحصول على اعتراف الأمم المتحدة بعضويتها]*** فإن قرار التقسيم رقم 181، الذي يؤكد على مبدأ تقرير المصير، وقرار حق العودة رقم** في الأمم المتحدة القرار [تحت]**** رقم 273، كان مشروطاً بتطبيقهما، ولهذا السبب، فإن على إسرائيل التزاماً، أكيداً وخاصاً، تجاه هذين القرارين، طبقاً لروح ونصوص القانون الدولي.

إن الفقرة الرئيسية في القرار 194 تنص على ما يلي:

"تقرر الجمعية العامة: وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى بيوتهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى بيوتهم، وعن فقدان، أو تضرر الممتلكات، والتي وفقاً لمبادىء القانون الدولي، أو الإنصاف، ينبغي التعويض عنها من قبل الحكومات، أو السلطات المسؤولة".

ومن الملاحظ أن التعويض قد ورد في هذا القرار كجزء من اعتراف، أكيد عملي، بحق العودة، وليس كبديل لذلك الاعتراف.

ثم تسببّت حرب عام 1967 بموجة جديدة من المهاجرين، حيث أُجبر 300 ألف مهاجر آخر على الرحيل عن الأراضي التي احتلت حديثاً، ومُنع عشرات الألوف من الغائبين، موقتاً، من العودة لها. وشكلوا عبئاً اقتصادياً إضافياً أثقل اقتصادات الدول المضيفة، ونعني بذلك: الأردن، ولبنان وسوريا، أضف إلى ذلك، أن السياسات والممارسات التي قامت بها سلطة الاحتلال الإسرائيلية، على مدار 25 سنة تلت حرب عام 1967، قد تسببت بتشتيت عشرات الألوف من الفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن ثم نزوحهم عنها إلى الدول المجاورة. وإن الشعب الفلسطيني ممتنّ لإخواننا العرب، الذين، بالرغم من المصاعب والمتاعب التي كانت تعاني منها اقتصادياتهم، فقد أكرموا وفادة اللاجئين الفلسطينيين وأمدوهم بجميع أشكال الدعم والتأييد، إلا إنه يجب أن نوضح هنا: إن شعبنا قد رفض، باستمرار، كل مشاريع إعادة التوطن والتجنس في الدول المضيفة، كما أنه عبّر، بكل الوسائل المتاحة، عن رغبته في أن تحل قضاياه في إطار حل وطني للقضية الفلسطينية ككل، وفق أسس الشرعية الدولية.

وقد تم التأكيد على حق العودة للفلسطينيين، الذين نزحوا على أثر حرب حزيران [يونيو] وما تلاها من نتائج، من خلال قرار مجلس الأمن الدولي رقم 237 الذي تنص إحدى فقراته الرئيسية على ما يلي:

"إن مجلس الأمن يدعو حكومة إسرائيل إلى تأمين سلامة وخير وأمن سكان المناطق، التي جرت فيها عمليات عسكرية، وتسهيل عودة أولئك الذين فرّوا من هذه المناطق منذ نشوب القتال".

ولا بد من التأكيد على أن حق العودة لنازحي عام 1967، يشكل مسألة أشمل وأهم من "لمّ شمل العائلات" الذي يعتبر أحد جوانبها فقط.

إننا لن نجادل في مركزية قرار مجلس الأمن 242، ورديفه القرار رقم 338، بالنسبة للمفاوضات الجارية بيننا، فعندما يدعو القرار 242 إلى "حل عادل لقضية اللاجئين" فإنه يعني، بوضوح، حلاً مبنياً على نص وروح القرار رقم 194، ومتمشياً معهما. وإن التمشي مع هذا القرار هو الذي شكل الآلية التي تعمل "الأونروا" بموجبها. ومن البديهي أنه، عندما قام مجلس الأمن بتبني القرار 242، أخذ في اعتباره القرار 237 الذي كان قد أقره قبل ذلك ببضعة أسابيع، وهو القرار الذي تعامل مع "النازحين" على أثر عدوان عام 1967.

إن "اللاجئين الفلسطينيين، في الأرض الفلسطينية المحتلة وغيرهم من الفلسطينيين الموجودين هناك، يتعرضون، يومياً، لشتى أنواع الأذى والمعاناة على أيدي نظام احتلالي قمعي، يقوم، باستمرار، بانتهاك القانون الدولي نصاً وروحاً، وخصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة التي تُعنى بحماية السكان المدنيين في زمن الحرب.

وإن الخروقات الخطيرة لحقوق الإنسان ما زالت تُرتكب يومياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما زالت الاضطهاد والقمع والاعتقالات الجماعية، والعقاب الجماعي، ومنع التجول لفترات طويلة، وإغلاق المؤسسات، مستمرة. وبالرغم من خفض وتيرة الاستيطان جزئياً في بعض المناطق، إلا إن الاستعمار الإسرائيلي استمر دون أي تأخير، في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، بكل ما يعنيه ذلك الاستيطان من مصادرة للأراضي الفلسطينية، وعنف يُمارسه المستوطنون الإسرائيليون.

ومن ناحية أُخرى، فإن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والمتواجدين، ليس فقط في جنوبه غير المستقر، بل حتى في مناطقه الشرقية والشمالية، لا يزالون يشكلون هدفاً لاعتداءات عسكرية إسرائيلية عشوائية، تتمثل في غارات جوية وبحرية متكررة، وقصف مدفعي وعمليات برية.

كذلك، فإننا نؤكد على المعاناة التي لحقت بالفلسطينيين، الذين كانوا مقيمين في الكويت، قبل أن يُصبحوا لاجئين للمرة الثانية، أو الثالثة، في حياتهم، على أثر أزمة وحرب الخليج. وفي الوقت الحاضر، فإن الجانب الأعظم من وطأة هذه الهجرة الجديدة يُثقل كاهل إخواننا الأردنيين، وما من عائلة فلسطينية واحدة لم تتأثر بهذه المأساة المتكررة بصورة أو بأُخرى.

إن هذه الانتهاكات المتواصلة للقانون الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة، والاعتداءات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تؤكد على الحاجة الملحة لقيام المجتمع الدولي بتوفير الحماية لشعبنا، ولسكان مخيمات اللاجئين في المقام الأول، وتشكل حماية السكان المدنيين العُزَّل، وتوفير الأمن لهم أهم الوسائل الجوهرية والعملية للارتقاء بمستواهم المعيشي، وللتخفيف من صعوبات حياة اللاجئين الفلسطينيين، وذلك بتبني إجراءات جماعية للإنهاء الفوري لكل الممارسات المهددة لحياتهم، وانتهاكات حقوقهم الإنسانية.

كما نستغل هذه الفرصة للقول بأننا، ومع تقديرنا لما يقوم به المجتمع الدولي إزاء اللاجئين الفلسطينيين متمثلاً في إنشاء "الأونروا" وعملها الإنساني النبيل والمتواصل، نعتقد بأن التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني يتطلب، أولاً، وقبل كل شيء، تمكينه من مساعدة نفسه بنفسه.

وفي هذا الصدد، فإننا نؤكد على ضرورة استمرار عمليات "الأونروا"، وفقاً لتفويضها. ومن ناحية أُخرى، فما تزال هناك ضرورة لبرنامج عمل تنفذه وكالات الأمم المتحدة لصالح الشعب الفلسطيني، لتصحيح ومعالجة التشوهات الاقتصادية والاجتماعية وللدنو باقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة من عتبة النمو.

لقد أثبت الشعب الفلسطيني، كلما أُتيحت له الفرصة، قدرته على التغلب على آلامه، وعلى عمل الكثير لنفسه. فقد ضحى من أجل تعليم أجياله الصاعدة، ومعالجة المرضى، ورعاية المحتاجين، ومن أجل المساهمة في تطور ورخاء المنطقة التي ينتمي لها، إن باستطاعتكم القيام بالكثير لتخفيف معاناة اللاجئين الفلسطينيين، وذلك بتحرير الشعب الفلسطيني من القيود المفروضة على طاقته الخلاقة، وعلى حريته للعمل من أجل رفاه أبنائه.

إن إلغاء القوانين العسكرية، التمييزية والخانقة، التي أدّت إلى تدني مستوى معيشته، وكبلت قدرته يجب أن يحظى بالأولوية في أي جهد يهدف لتحسين أوضاعه. وفي الوقت الذي يرحب فيه الشعب الفلسطيني بالمساعدات الدولية الإنسانية، فإنه يؤكد على أنه توّاق، ليس لمساعدة نفسه فقط، ولكن ليصبح أيضاً شريكاً منتجاً وفعالاً في المنطقة التي ينتمي إليها، وفي المجتمع الدولي، الذي يقف، اليوم، على عتبة حقبة جديدة.

السيد الرئيس،

السيدات والسادة،

لقد مضى أكثر من عام على إطلاق عملية السلام في مدريد، وما زلنا نواصل مشاركتنا الإيجابية والنشطة في مجموعة العمل هذه، وفي غيرها من مجموعات العمل المعنية بالتعاون الإقليمي الطويل الأجل، إن خصوصية مسألة اللاجئين الفلسطينيين تتطلب تحركات فورية من قبل مجموعة العمل هذه، المعنية بمصير وحياة أبناء شعبنا الذي يشكل الجوهر السياسي للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني والإسرائيلي ـ العربي.

إن مشاركتنا في هذه العملية تنبع من قناعتنا الحقيقية بأن السلام ليس مجرد هدف مرغوب به، بل إنه قابل للتحقيق أيضاً، وإن العدل هو أحد المكونات الضرورية لنجاح مسعانا، كما أن البعد الإنساني يظلّ يشكل التزامنا الأساسي. إن قضية اللاجئين ليست مجرد مأساة إنسانية، تشكل تحدياً لضمائرنا ومعاييرنا الأخلاقية، بل إنها، أيضاً، مفتاح لمستقبل منطقتنا، ولذا يجب ألا تُختلق التبريرات والأعذار في التعامل مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وأن يُنظر إليه على أنه يشكل فرصة لإحقاق الحق بعد طول انتظار، ومفتاحاً لبوابة السلام.

وشكراً لكم.

 

المصدر: "فلسطين الثورة" (نيقوسيا)، العدد 916، 29/11/1992، ص 14 ـ 15. وقد اجتمعت "لجنة اللاجئين"، المنبثقة من المفاوضات المتعددة الأطراف، في أوتاوا يومي 11 و 12/11/1992.

* رئيس الوفد الفلسطيني: محمد الحلاج.

 

المصادر:

*  سطر غير ظاهر في المصدر.

**  في المصدر.

*** في المصدر.

****  سطر غير ظاهر في المصدر.