حماس: خلفية تاريخية سياسية
كلمات مفتاحية: 
حركة المقاومة الإسلامية
حماس
المقاومة الفلسطينية
الإخوان المسلمون
الإسلام السياسي
الاحتلال الإسرائيلي
الانتفاضة 1987
نبذة مختصرة: 

يخصص الكاتب مقالته لدراسة الخلفية التاريخية والسياسية لحركة حماس. ويعتبر الكاتب أن الانتفاضة الأولى في العام 1987 كانت نقطة تحوّل بالنسبة لحركة الإخوان المسلمين في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي شاركت في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي من خلال حركة حماس وهو ما شكل اختلالا في توازن القوى السياسية على الساحة الفلسطينية. ومن خلال العودة إلى تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين وعلاقتها بالحركة الأم في مصر، تلقي المقالة الضوء على الخلفية التاريخية لهذه الحركة وانخراطها في الحياة السياسية.

النص الكامل: 

مقدمة

كانت الانتفاضة الفلسطينية  سنة 1987 بمثابة تحول في تطور جماعة الإخوان المسلمين في الأرض المحتلة. إذ إن مشاركة الجماعة في الانتفاضة كانت بداية للانبعاث السياسي النشيط للإسلاميين في الضفة الغربية وقطاع غزة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي من ناحية، والقوى الوطنية العلمانية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية من ناحية أخرى. ومع تواصل الانتفاضة ومشاركة الإخوان المسلمين فيها من خلال حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي أُسست خصيصاً للقيام بهذا الدور، اختلّت موازين القوى السياسية التي كانت قائمة في المجتمع الفلسطيني على مدى عقود من الزمان. فربما أول مرة منذ نكبة سنة 1948، تشهد الساحة الفلسطينية قيام قوة سياسية ذات أيديولوجية وبرنامج سياسي مغايرين لأيديولوجية الاتجاه الوطني المسيطر وبرنامجه السياسي. وتتمتع هذه القوة اليوم بدعم جماهيري قد يوازي في قوته في عدد من المواقع في الأرض الفلسطينية المحتلة، وخصوصاً في قطاع غزة، ما تحظى به حركة فتح، كبرى فصائل منظمة التحرير من دعم. ومن آثار هذا التحول الاستراتيجي في موازين القوى في الأرض المحتلة هو أن التنافس القائم اليوم بين الاتجاه الديني الإسلامي بقيادة حركة حماس والاتجاه الوطني العلماني بقيادة منظمة التحرير قد لا يزول بزوال الاحتلال الإسرائيلي، أو بعد التوصل إلى حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لأن هذا التنافس أصبح يتمحور حول هوية المجتمع الفلسطيني ووجهته وقيادته. 

الخلفية

إن الخلفية التاريخية لحركة حماس هي الخلفية التاريخية ذاتها لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين. فميثاق حماس يذكر أن "حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين."[1]   وينسجم هذا الموقف مع نظرة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن إلى حماس؛ إذ لا ترى هذه الجماعة أن حركة حماس جديدة إلا باسمها فقط، لكنها ليست جديدة بفكرها أو بقيادتها؛ فـ"الحركة الأم التي تنتمي إليها حماس، حركة الإخوان المسلمين، تمتد جذورها في الساحة الفلسطينية منذ عقود طويلة تسبق قيام الكيان الصهيوني المغتصب."[2]  والجدير بالذكر أن الإخوان المسلمين في فلسطين أصبحوا من الناحية التنظيمية منذ منتصف السبعينات جزءاً من الإخوان المسلمين في الأردن.[3]

إن فهم الخلفية التاريخية لحركة حماس يستوجب العودة إلى الوراء قليلاً لمعرفة الخلفية التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين. فعلاقة الجماعة الأم بفلسطين تعود إلى سنة 1935،  عندما أرسل الإمام حسن البنا، المرشد العام للجماعة في مصر، شقيقه عبد الرحم البنا لزيارة فلسطين. وفي سنة 1945 جرى افتتاح أول فرع لجماعة الإخوان المسلمين في القدس. وبمساعدة من الإخوان المسلمين في مصر، جرى افتتاح عدة فروع للجماعة في مدن فلسطينية أخرى، إذ وصل عدد هذه الفروع سنة 1947 إلى 25 فرعاً. وكانت هذه الفروع، التي تراوحت العضوية فيها بين 12 ألف عضو و20 ألف عضو، تخضع لإشراف قيادة الإخوان المسلمين في القاهرة.[4]  وقد سُمي الحاج أمين الحسيني قائداً محلياً للإخوان المسلمين في فلسطين، فساعد استخدام اسم المفتي جماعة الإخوان في نشر نفوذها في البلد.[5]

وبعد ضم الضفة الغربية إلى الأردن سنة 1950، اتسمت العلاقة بين الإخوان المسلمين والحكم الهاشمي أساساً بقدر كبير من التفاهم، وذلك على الرغم من مرور هذه العلاقة ببعض مظاهر التوتر. ولم يكن نشاط الإخوان في غالبه ذا طابع سياسي، بل إنه تركز في النشاط الديني والاجتماعي. أما في قطاع غزة، الذي خضع للإدارة المصرية حتى سنة 1967، فكانت علاقة الإخوان بهذه الإدارة سلبية في معظم الأحيان؛ فقد تعرض الإخوان للاضطهاد والملاحقة. وكان الإخوان المسلمون هناك قد ساهموا في إفشال مشروع شمالي سيناء الرامي إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين سنة 1955، ومشروع تدويل القطاع سنة 1957.

ومنذ الاحتلال الإسرائيلي سنة 1967 حتى منتصف السبعينات، اقتصر نشاط الإخوان المسلمين في الضفة والقطاع بصورة عامة على الأمور الدينية والاجتماعية، ولم يكن ذا طابع سياسي واضح أو محدَّد. إلا إن تراجع نضال الحركة الوطنية الفلسطينية، بالإضافة إلى بعض العوامل الداخلية والخارجية، وخصوصاً وقوع الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، فسح في المجال أمام الجماعة كي تقوم بنشاط سياسي ملحوظ، وخصوصاً داخل أحرام الجامعات الفلسطينية. وقد تركز هذا النشاط أساساً في مواجهة أفكار ونفوذ الفصائل الوطنية المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، والتصدي لنهج المنظمة العلماني. ولم يخصَّص سوى جزء من جهد الجماعة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي مباشرة. لكن التحول الأساسي في تطور موقف جماعة الإخوان المسلمين حدث من خلال مشاركة هذه الجماعة في الانتفاضة سنة 1987 وتأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)؛ الأمر الذي كان إيذاناً بانخراط جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين في المقاومة المنظَّمة للاحتلال الإسرائيلي، أول مرة منذ سنة 1967. 

التأسيس

جاء تأسيس حركة حماس ردّة فعل مباشرة على اندلاع الانتفاضة، وعلى خلفية البحث في كيفية التعامل معها والمشاركة فيها. وقد سبق إعلان تأليف حماس انعقاد اجتماع في منزل الشيخ أحمد ياسين في 9 كانون الأول/ديسمبر 1987. وقد حضر هذا الاجتماع، بالإضافة إلى الشيخ ياسين، ستة من أبرز قادة المجمع الإسلامي الخاضع لإشراف جماعة الإخوان المسلمين في غزة. وهؤلاء هم: الدكتور عبد العزيز الرنتيسي (40 عاماً). وهو طبيب من سكان خان يونس، والدكتور إبراهيم اليازوري (45 عاماً)، وهو صيدلي من سكان غزة، والشيخ صلاح شحادة (40 عاماً)، وهو موظف في الجامعة الإسلامية في غزة ومن سكان بيت حانون، والمهندس عيسى النشار (35 عاماً)، وهو من سكان رفح، ومحمد شمعة (50 عاماً)، وهو مدرس من سكان مخيم الشاطئ، وعبد الفتاح دخان (50 عاماً) وهو مدير مدرسة ومن سكان مخيم النصيرات.[6]

وكان الهدف من هذا الاجتماع مناقشة كيفية استغلال حادثة وقعت في 8 كانون الأول/ ديسمبر 1987، وقُتل فيها عدد من العمال الفلسطينيين من قطاع غزة في إثر تصادم بين شاحنة إسرائيلية وسيارات عربية كانت تقلّهم. ودار النقاش  في هذا الاجتماع حول ضرورة وكيفية استغلال هذه الحادثة عاملاً مساعداً لإثارة المشاعر الدينية والوطنية والقيام باحتجاجات جماهيرية.

وفي  14 كانون الأول/ ديسمبر، أصدر قادة الإخوان في القطاع بياناً دعوا فيه الشعب إلى الوقوف في وجه الاحتلال الإسرائيلي. وقد اعتبرت حركة حماس في ما بعد، وبأثر رجعي، هذا البيان بمثابة النداء الأول الصادر عن حركة المقاومة الإسلامية.

وبينما توالت الاضطرابات والتظاهرات والمواجهات مع قوات الاحتلال في قطاع غزة، وامتدت إلى الضفة الغربية، واتسع مداها في المنطقتين، واصل الشيخ ياسين وزملاؤه الاجتماعات، وقام أقطاب جماعة الإخوان بالتنسيق مع نظرائهم في الضفة الغربية. وفي كانون الثاني/ يناير 1988، كلَّف الشيخ ياسين أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الضفة الغربية، وهو جميل حمامي، أحد الخطباء الشبان في المسجد الأقصى في القدس، العمل مع زملاء له على إنشاء فرع لحركة حماس في الضفة الغربية. وشكل حمامي حلقة وصل بين الشيخ ياسين وقيادة حماس في الضفة، وكذلك بين الشيخ ياسين وقيادة الإخوان المسلمين في الأردن، حيث كانت هذه الأخيرة تقوم بتوفير الدعم المالي للانتفاضة.[7]

لقد جاء تأسيس حركة حماس بصورة متدرجة، لا نتيجة قرار سبق الانتفاضة. ويلاحَظ أن مؤسسي حركة حماس في الضفة الغربية هم من القيادات الإسلامية الشابة التي كانت تحبذ الانخراط في الانتفاضة والمشاركة في مقاومة الاحتلال من دون تردد، خلافاً للقيادات الإخوانية التقليدية التي اتسمت مواقفها في بداية الانتفاضة بالحيطة والحذر. وبعد أن أصبحت الانتفاضة حقيقة واقعة، وبعد أن تأسست مشاركة الإخوان المسلمين فيها من خلال حركة حماس، زال كل تفاوت في المواقف تجاه قرار المشاركة في الانتفاضة بين قيادات حماس الشابة وبين القيادة التقليدية لجماعة الإخوان المسلمين.

ولمّا كان تأسيس حماس قد جاء على خلفية قيام الانتفاضة ومشاركة الإخوان المسلمين فيها، فإن الجماعة كانت بحاجة إلى إيجاد صيغة لهذه المشاركة، من دون  ان تعرِّض التنظيم الأم للخطر. لم يكن في وسع جماعة الإخوان، التي كانت قد بدأت دخول منافسة جدية مع فصائل منظمة التحرير، الوقوف جانباً وعدم المشاركة في الانتفاضة. كما أنه، من ناحية أخرى، لم يكن من السهل على الجماعة تبرير مشاركتها العملية في مواجهة الاحتلال بالانخراط المفاجئ في الانتفاضة على أسس حركية في ضوء المواقف السابقة للجماعة. فحتى لحظة اندلاع الانتفاضة، كان الإخوان يتبنون موقفاً يقول إن الوقت لم يحن بعد لخوض مواجهة مع الاحتلال وإعلان الجهاد عليه، لأن الإخوان المسلمين كانوا لا يزالون في مرحلة إعداد وتربية الجيل المسلم الذي سيقود عملية بناء المجتمع الإسلامي مقدمةً لإعلان الجهاد ضد إسرائيل.

وعلى هذا الأساس، يمكن الافتراض أن تأليف حركة حماس جاء ليوفر إطاراً يتحمل مسؤولية مثل هذا التغيير في المواقف. فإذا انتهت الانتفاضة إلى فشل، سيكون في استطاعة جماعة الإخوان المسلمين التنصل من المسؤولية وتحميلها لحركة حماس. أما إذا استمرت، فسيكون من السهل على الإخوان المسلمين تجيير إنجازات حماس لمصلحة الجماعة. وهذا ما جرى فعلاً عندما أعلن ميثاق حركة حماس أن حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين.

كان تأسيس حركة حماس من قِبل جماعة الإخوان المسلمين في الأرض المحتلة موازياً لتأسيس القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة من قِبل فصائل منظمة التحرير؛ إذ إن الجناح الذي أُوكل إليه المشاركة المباشرة في مقاومة الاحتلال كان بحاجة إلى اسم خاص يميزه من التنظيم الأم، على الأقل من حيث الدور الموكل إليه.

وبعد أن أصبحت حركة حماس تحظى بصدقية كبيرة نتيجة لمشاركتها ودورها في الانتفاضة، أصبح اسم "حماس" هو الأكثر تداولاً عند الإشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين في الأرض المحتلة، التي كانت بحاجة إلى مثل هذه الصدقية بعد حملات التشكيك التي تعرضت لها من قِبل فصائل منظمة التحرير نتيجة عدم مشاركة الإخوان في المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي بعد سنة 1967. ومع مرور الوقت، أصبحت حركة حماس وجماعة الإخوان تشيران إلى الشيء نفسه، مع أن حماس تضم في صفوفها اليوم أعضاء وأنصاراً ليسوا بالضرورة أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين أيضاً. 

الأهداف والاستراتيجية

تستلهم حماس أهدافها واستراتيجيتها من الميثاق الذي أصدرته في 18 آب/ أغسطس 1988، والذي يتضمن فلسفة الحركة ومبرر وجودها ومواقفها من شتى القضايا. ولا يختلف ما جاء في الميثاق عن المواقف المعهودة لجماعة الإخوان المسلمين تجاه مجمل هذه القضايا. ففيما يتعلق بموقف حركة حماس من فلسطين، يذكر الميثاق أن "أرض فلسطين أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط فيها أو بجزء منها أو التنازل عنها أو عن جزء منها..."[8]  ويقوم حل القضية الفلسطينية، من وجهة نظر حماس، على إزالة دولة إسرائيل وإقامة دولة إسلامية مكانها. ويتحدث ميثاق حماس عن ثلاث دوائر تتعلق بقضية تحرير فلسطين: الدائرة الفلسطينية والدائرة العربية والدائرة الإسلامية، لكل واحدة منها دورها في الصراع ضد الصهيونية.[9]

وبشأن الحلول السلمية والمبادرات والمؤتمرات الدولية، يقول ميثاق حركة حماس: "تتعارض المبادرات وما يسمى بالحلول السلمية والمؤتمرات الدولية لحل القضية الفلسطينية مع عقيدة حركة المقاومة الإسلامية، فالتفريط في أي جزء من فلسطين تفريط في جزء من الدين. ووطنية حركة المقاومة الإسلامية جزء من دينها.. ولا حل للقضية الفلسطينية إلا بالجهاد. أما المبادرات والطروحات والمؤتمرات الدولية فمضيعة للوقت، وعبث من العبث، والشعب الفلسطيني أكرم من أن يعبث بمستقبله، وحقه ومصيره."[10]  ولذلك، فإن حركة حماس عارضت المشاركة الفلسطينية في مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد في تشرين الأول/ أكتوبر1991، كما تعارض الآن المشاركة الفلسطينية في المفاوضات العربية – الإسرائيلية. وتدعو حماس الأطراف الفلسطينية المشاركة في هذه المفاوضات إلى الانسحاب الفوري منها.

وتعارض حركة حماس الطابع العلماني لمنظمة التحرير وقيادتها، كما تعارض البرنامج السياسي الذي تتبناه المنظمة والداعي إلى إقامة دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب دولة إسرائيل. وكانت حماس قد دانت اعتراف المنظمة بوجود دولة إسرائيل وقبولها قراري مجلس الأمن رقم 242 ورقم 338.

وعلى الرغم من ان حركة حماس لا تعترض بصورة علنية وصريحة على كون منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فإنها في تنافسها مع المنظمة في قيادة الشعب الفلسطيني، ورفضها البرنامج السياسي للمنظمة، ودعوتها إلى إقامة مجتمع إسلامي في فلسطين، ومطالبتها بتأسيس قيادة إسلامية للنضال الفلسطيني، إنها تعترض بصور فعلية على تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني وكونها الإطار المرجعي لهذا الشعب، المحدد لهويته ولأهدافه الوطنية. 

القيادة

تألفت قيادة حركة حماس الأولى من الأعضاء المؤسسين السبعة بزعامة الشيخ أحمد ياسين. وقامت لاحقاً بإنشاء أجنحة ولجان قيادية في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والإعلامية. ومن حين إلى آخر، كان يعاد تأليف الهيئات القيادية بسبب الاعتقالات المتكررة التي كانت تتعرض قيادات الحركة لها. وبعد اعتقال الشيخ أحمد ياسين في أيار/ مايو 1989، وإصدار الحكم عليه بالسجن 15 عاماً، تبوأ الدكتور الرنتيسي الصدارة في قيادة حماس في قطاع غزة. ومن قادة الحركة المعروفين في الضفة الغربية: حسين أو كويك، نقابي بارز، وفضل صالح، إمام مسجد، وحسن يوسف، مدرس وإمام مسجد أيضاً. وهؤلاء الثلاثة هم من قادة ونشطاء حماس الذين أبعدتهم إسرائيل في كانون الأول/ ديسمبر 1992. ولا تُعرف طبيعة علاقة الداعية الإسلامي البارز، الشيخ بسام جرار، الذي أبعدته إسرائيل أيضاً، بقيادة حماس. وهناك طبعاً قادة آخرون لحركة حماس داخل الأرض المحتلة لكنهم غير مُعْلَنين.

أما خارج الأرض المحتلة، فمن الأسماء المعروفة في قيادة حماس: موسى أبو مرزوق، رئيس المكتب السياسي للحركة، وإبراهيم غوشة، الناطق الرسمي باسم الحركة، ومحمد نزّال، ممثلها في الأردن، وعماد العلمي، ممثلها في طهران. وهناك قادة بارزون آخرون، لكنهم غير مُعْلَنين، وهم موجودون في عدد من الأقطار خارج فلسطين. ويقود حركة حماس بصورة عامة مجلسُ شورى، أعضاؤه موجودون داخل الأرض المحتلة وخارجها.

بعد خمسة أعوام من المشاركة الفعالة في الانتفاضة، استطاعت حركة حماس تخريج دفعات متتالية من الكوادر القيادية، ممن قادوا العمل الميداني أو تمرسوا فيه، أو ممن أُودعوا السجون والمعتقلات الإسرائيلية، أو ممن أبعدتهم قوات الاحتلال عن البلد. وقد أدت عملية الإبعاد في كانون الأول/ ديسمبر إلى إفراغ الأرض المحتلة من معظم قيادات الصف الأول في حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين الأم. كما شملت عملية الإبعاد عدداً كبيراً من قادة الصفين الثاني والثالث، وعدداً آخر من النشطاء. وتبدو ساحة الأرض المحتلة اليوم خالية من القادة الإسلاميين البارزين والمعروفين.

لكن إبعاد قادة حماس قد لا يؤثر في مجرى الفعاليات اليومية الروتينية للانتفاضة. كما أنه قد لا يؤثر في الممارسة القيادية المسؤولة عن صوغ القرارات الاستراتيجية، وذلك لأن قيادة حماس في الأرض المحتلة كانت تعتمد في هذا الأمر على النصح والإرشاد الصادرين عن امتداداتها القيادية في الخارج، وعن قادة جماعات الإخوان المسلمين في كل من الأردن ومصر. كما أن الأعمال المسلحة التي تقوم كتائب الشهيد عز الدين القسام بها قد لا تتأثر، إذ إن السلطات الإسرائيلية لم تفلح في القبض على قادة أو عناصر هذه الكتائب التي تقوم عادة بأعمال فردية مسلحة.

وأغلب الظن أن الفراغ القيادي الناجم عن إبعاد قادة ونشطاء حركة حماس إلى جنوب لبنان سيفسح في المجال أمام بروز قيادات شابة متشددة لا تقيم للاعتبارات السياسية وزناً، مثلما هي الحال بالنسبة إلى عدد كبير من القادة الإسلاميين المبعدين، الذين اتسمت مواقفهم بالاعتدال النسبي نتيجة لانخراطهم في العمل السياسي وإدراكهم مقتضياته. 

العلاقات الخارجية

ارتبطت حركة حماس منذ نشأتها بعلاقات وثيقة بجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، التي قدَّمت لحماس جميع أشكال الدعم العقيدي والسياسي والمعنوي والمادي. وحظيت حماس أيضاً بدعم الحركات الإسلامية الأخرى الموجود في مصر، والمملكة العربية السعودية، ودول الخليج، والسودان، والجزائر، وتونس، ودول أخرى، كما أن الجوالي والتنظيمات الإسلامية في الولايات المتحدة والدول الأوروبية قد ساندت حركة حماس منذ تأسيسها.

وبعد اندلاع الانتفاضة ومشاركة حماس فيها، طرأ بعض التحسن على علاقة الإخوان المسلمين في فلسطين بإيران. وجاء هذا التغير الإيجابي في الموقف من الحكومة الإيرانية بعد التحسن الذي طرأ على علاقات الإخوان المسلمين في الأردن. وازدادت العلاقات بين حماس وإيران تحسناً عقب حرب الخليج، إذ إن حماس كانت حريصة على إيجاد حلفاء جدد لها بعد أن ساءت علاقاتها بالحركات الإسلامية في السعودية ودول الخليج، وعلاقاتها بحكومات تلك الدول أيضاً. وبعد التقارب بين حماس وإيران، افتتحت الحركة مكتباً لها في طهران يرئسه الآن أحد قادة حماس المعروفين، عماد العلمي. 

التمويل

تعتمد حركة حماس في تمويلها على عدة مصادر، من أهمها:

(1)  الأموال التي تجمعها الحركة من أنصارها، أو من المتعاطفين معها، أو من عامة الشعب داخل الأرض المحتلة. وتأتي هذه الأموال على هيئة زكاة تؤدّى فريضة إسلامية، أو هبات أو تبرعات لمساعدة الفقراء والمحتاجين يقدمها المحسنون إلى الهيئات أو المؤسسات التي تشرف حماس أو جماعة الإخوان المسلمين عليها في الأرض المحتلة. كما تتلقى الحركة التبرعات أو الهبات من عامة الشعب نتيجة الجهود التي تقوم بها في مجالات الإصلاح والوساطة وفض المنازعات بين الناس. ويذهب معظم الأموال المستمدة من هذا المصدر إلى مساعدة الأُسر الفقيرة أو إلى بناء المساجد أو رياض الأطفال أو إلى أعمال خيرية أُخرى. ولذلك يُقبل الكثيرون من سكان الأرض المحتلة، بدوافع خُلقية أو دينية، وأحياناً بدوافع سياسية، على التبرع بالأموال للحركة، أو للجان الزكاة التابعة لها أو المتعاطفة معها.

(2)  الأموال التي تتلقاها الحركة من مصادر غير رسمية خارج فلسطين. ويقوم أنصار الحركة وأصدقاؤها في الخارج بجباية هذه الأموال من المسلمين في بعض الدول العربية والإسلامية وفي الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ومثلما دعم المسلمون في أماكن مختلفة من العالم "المجاهدين في أفغانستان"، يقومون اليوم بتقديم الدعم المالي إلى "المجاهدين في فلسطين". كما تقوم مؤسسات وهيئات وصناديق إسلامية في دول عدة بتقديم أشكال من الدعم المادي للمسلمين في فلسطين عبر حركة حماس.

(3)  الدعم الصادر عن الحركة الإسلامية العالمية، التي تضم الحركات الإسلامية في مختلف الأقطار ولا سيما في الأردن ومصر والسعودية ودول الخليج والسودان وإيران، وغيرها من الدول. وتقدم هذه الحركات الدعم المالي لحماس بدافع الأخوة الإسلامية لمناصرتها في مقاومتها للاحتلال الإسرائيلي. وهي تهدف أيضاً من تقديم الدعم المادي لحماس وجماعة الإخوان المسلمين الأم إلى تعزيز مكانة الاتجاه الإسلامي في مواجهة القوى العلمانية في الأرض المحتلة.

(4)  الدعم المقدَّم من بعض الدول المتعاطفة مع حماس. على الرغم من تأكيدات قيادة حماس بعدم تلقّيها أية مساعدات مالية من مصادر حكومية،[11]  فإنه يشار في هذا السياق إلى دعم مالي تتلقاه الحركة من حكومات السعودية وبعض دول الخليج، ولا سيما قبل أزمة الخليج. ويتردد أن هذه الحكومات استمرت في تقديم الدعم لحماس بعد حرب الخليج، رغبة منها في معاقبة منظمة التحرير بسبب موقف المنظمة الداعم للعراق. كما أن تقديم هذا الدعم لحماس قد يساعد حكومات هذه الدول في إرضاء الحركات الإسلامية فيها. ويشار أيضاً في هذا السياق إلى دعم مالي يُقدّر بعشرات الملايين من الدولارات تقدِّمه إيران لحركة حماس. كما يشار إلى أن إيران تقدم للحركة أشكال دعم أُخرى كالتدريب العسكري لكوادر الحركة في إيران نفسها، أو في قواعد في لبنان يشرف حزب الله الموالي لإيران عليها. والجدير بالذكر أن حركة حماس شاركت في المؤتمر الذي عقد في طهران سنة 1991 للاحتجاج على انعقاد مؤتمر السلام في مدريد وعلى المشاركة الفلسطينية في المفاوضات العربية – الإسرائيلية.

(5) الدعم الذي تقدمه منظمة التحرير. وقد قامت قيادة المنظمة في الماضي بتقديم الدعم المالي لحركة حماس مرة واحدة على الأقل، وكان ذلك بأمر من رئيس المنظمة ياسر عرفات؛ إذ جرى مدُّ الحركة بمبلغ من المال لمساعدتها في مرحلة من المراحل.[12]

(6)  المشاريع الاستثمارية للحركة. على الرغم من أن قيادة حماس تنفي امتلاكها أية مشاريع استثمارية تعود على الحركة بالدخل المادي، فمن الممكن الافتراض أن الحركة تسعى لإقامة مثل هذه المشاريع الاستثمارية، إنْ لم تكن تملكها فعلاً، وذلك بسبب ازدياد المسؤوليات المالية على عاتق الحركة بازدياد حجمها وحاجاتها يوماً بعد يوم. وثمة مصادر عدة تشير إلى وجود استثمارات خاصة بحركة حماس.

وهكذا، فإنه من اللافت للانتباه أن حماس تتلقى الدعم المالي من مصادر متباينة. والجدير بالذكر أن الحركة لا تمتلك حتى الآن جهازاً بيروقراطياً كبيراً أو معقّداً، كالجهاز الذي تمتلكه منظمة التحرير، وبالتالي فإن أوجه إنفاق أموال الحركة في هذا المجال لا تزال محدودة. كما أن من المعروف أن حركة حماس، قيادة وأعضاء، تتسم بالتواضع في أساليب إنفاقها، وهي أبعد ما تكون عن مظاهر البذخ أو الإسراف أو الفساد المالي. وعلى الرغم من أهمية توفر مصادر التمويل، فإنه من الخطأ الافتراض أن حماس تستمد شعبيتها من قدراتها المالية، إذ إن هذه القدرات لا يمكن أن تقارَن حتى الآن بالقدرات المالية المتوفرة لمنظمة التحرير. لكن لا بد من الإشارة أيضاً إلى أن مسؤوليات حماس ليست متشعبة كمسؤوليات المنظمة المالية، التي تتحمل أعباء مالية في الأرض المحتلة والشتات، بينما يتركز إنفاق حماس في الأرض المحتلة. 

النشاط الاجتماعي والسياسي

إن النشاط الاجتماعي والسياسي لحركة حماس استكمال لنشاط جماعة الإخوان المسلمين في الأرض المحتلة في هذين المجالين. وقد استفادت حماس كثيراً من البنية التحتية التي أقامتها جماعة الإخوان في هذين المجالين في توسيع قاعدتها الجماهيرية؛ فعلى الصعيد الاجتماعي، أقام الإخوان المسلمون الجمعيات الخيرية الإسلامية ورياض الأطفال التي أُلحقت غالباً بالمساجد التي أشرفوا عليها. كما أقاموا المكتبات والأندية الرياضية في الأحياء. وانتشر مثل هذه الجمعيات في أنحاء متعددة من الضفة والقطاع. وأُسست في هاتين المنطقتين أيضاً لجان الزكاة بمبادرات من الإخوان المسلمين أو من إسلاميين متعاطفين معهم. وفي قطاع غزة أصبح "المجمَّع الإسلامي"، الذي أسسه الشيخ أحمد ياسين في أوائل السبعينات، من أهم المراكز ذات النشاط الاجتماعي الواسع. وقد أشرف هذا المجمَّع، ولا يزال، على الكثير من النشاطات والهيئات الأُخرى؛ ومنها الجامعة الإسلامية في غزة، التي يسيطر الإخوان المسلمون (وحماس في ما  بعد) عليها.

ونظمت حماس، ومن قبلها جماعة الإخوان المسلمين، الرحلات، ولا سيما في أوساط طلاب الجامعات، والزيارات إلى المسجد الأقصى. كما أحيت ذكرى المناسبات الإسلامية، ودعمت جهود التكافل الاجتماعي بأشكاله المختلفة، وقامت بعمليات الإصلاح الاجتماعي، بالإضافة إلى جهود نشر الدعوة الإسلامية وإشاعة المناخ الديني الإسلامي في الأرض المحتلة. وكان المسجد، خصوصاً، من أهم آليات النشاط الاجتماعي والسياسي؛ إذ وفر نقطة التقاء وآلية دائمة ومنتظمة لمختلف أشكال النشاط، بالإضافة إلى كونه مكاناً للعبادة.[13]  وقد استفادت حماس من الجمعيات والمؤسسات وأساليب العمل الأخرى التي تشرف عليها في نشر أفكارها، وتجنيد الأنصار والمتعاطفين، وبالتالي توسيع نفوذها الاجتماعي والسياسي في الأرض المحتلة.

وفي نشاطها السياسي، استمرت حماس في استخدام أساليب العمل التي استخدمتها جماعة الإخوان المسلمين من قَبل، كعقد الندوات والمهرجانات السياسية، وإقامة المعارض الإسلامية، وخصوصاً في أحرام الجامعات الفلسطينية، وإصدار البيانات والمنشورات والكتيبات، وإحياء ذكرى الشهداء والوقائع الإسلامية، والقيام بالتظاهرات والإضرابات وأشكال الاحتجاج الأخرى. وبعد اندلاع الانتفاضة أضافت حماس إلى نشاطها السياسي أشكالاً أخرى تمثلت في النشاطات المختلفة التي قامت بها في أثناء الانتفاضة.

دور حماس في الانتفاضة

على الرغم مما يشيعه منافسو حماس من أن الحركة أُرغمت على المشاركة في الانتفاضة، وأن هذه المشاركة جاءت متأخرة، وعلى الرغم مما تزعمه الحركة من أنها كانت المفجِّرة للانتفاضة ورائدتها، فإن حقيقة الأمر هي أن حماس شاركت في الانتفاضة وفعالياتها على قدم المساواة مع فصائل منظمة التحرير. ونظراً إلى كون حماس أكبر من سائر الفصائل (ما عدا حركة فتح) حجماً، فقد اتسمت مشاركتها بالانتظام والاتساع وتعدد أشكال فعالياتها؛ فحماس، شأنها في ذلك شأن حركة فتح، تتمتع بوجود فعلي في جميع أنحاء الأرض المحتلة، وفي وسعها الاعتماد على هذا الوجود للاستمرار في القيام بفعاليات الانتفاضة. وبسبب هذا الوجود، لم تؤدِ حملات الاعتقال المتكررة لأنصار حماس إلى تعطيل مشاركتها في الانتفاضة.

وليس هناك من شك في أن دور حماس في الانتفاضة كان من أهم عوامل استمرارها، وذلك بسبب اتساع قاعدة الحركة الجماهيرية وقدرتها على الحركة والقيام بفعاليات متنوعة، بما في ذلك استخدام الأسلحة النارية ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، الأمر الذي كان يشكل تصعيداً من نوع آخر للمواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي. وفاقت قدرة حماس على استيعاب الضربات الإسرائيلية قدرة غيرها من القوى المشاركة في الانتفاضة. وقد ساعد عدم مشاركة حماس في العملية السياسية ومؤتمر السلام في مدريد والمفاوضات اللاحقة في تفرغ الحركة لفعاليات الانتفاضة. ولم يتأثر دور حماس في الانتفاضة بما أحدثته المشاركة الفلسطينية من اختلاف في الرأي وإعادة للحسابات والاستراتيجيات داخل صفوف الفصائل المشاركة في المفاوضات. وقد استفادت حماس من عدم انشغالها بالمشاركة ومن تركيزها على الوضع في الأرض المحتلة، في إبراز دورها في الانتفاضة.

وبالإضافة إلى الفعاليات المعتادة للانتفاضة، كانت حماس الجهة الأكثر انخراطاً في أعمال مسلحة ضد أهداف إسرائيلية. وقد أكسبها ذلك المزيد من الإعجاب والتأييد في الأوساط الشعبية التي بدأت تتبدد آمالها بإمكان التوصل إلى حل سلمي للصراع من خلال المفاوضات الجارية.

ولم يكن هدف حماس من الاستمرار في فعاليات الانتفاضة ومحاولة تصعيدها ضرب الاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل إحراج الأطراف المشاركة في المفاوضات أيضاً، ولفت الأنظار إلى وجود قوة فلسطينية رئيسية لا يمكن تجاهلها ولا يمكن القيام من وراء ظهرها أو على الرغم منها بالتوصل إلى اتفاقات مع إسرائيل.

وفي الأحوال كافة، فإن حماس، بمشاركتها في الانتفاضة وبالتضحيات التي تقدمها، تؤسس لنفسها وللحركة الإسلامية بصورة عامة رصيداً أو تراثاً جهادياً تاريخياً سيكون مصدر إلهام لأجيال المسلمين في فلسطين وفي غيرها من الأقطار. وقد يكون هذا الإنجاز في حد ذاته كافياً من وجهة نظر حماس إنْ لم يتسن لها في الأوضاع الراهنة، وفي ظل الموازين القائمة، تحقيق ما هو أكثر من ذلك. 

شعبية حماس

في ظل غياب انتخابات ديمقراطية حرة ومباشرة، لا يمكن بصورة قاطعة بت أمر حجم حماس ومدى نفوذها أو مدى انتشارها أو شعبيتها في الشارع الفلسطيني، قياساً بفصائل منظمة التحرير. لكن يمكن الإشارة إلى بعض المعايير التي يمكن من خلالها التعرف بصورة نسبية على انتشار حماس وشعبيتها. من هذه المعايير ما يلي:

(1) المشاركة في فعاليات الانتفاضة؛ فهذه المشاركة تعكس وجود الحركة في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعكس محصلة فعالياتها بوصفها أكبر القوى السياسية في الأرض المحتلة، بعد فتح.

(2)  عدد السجناء والمعتقلين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية بتهمة الانتماء إلى حركة حماس. وتشير التقديرات المختلفة إلى أن عدد هؤلاء يأتي في المرتبة الثانية بعد عدد السجناء والمعتقلين الذين هم من أنصار حركة فتح.

(3) الأثر السياسي والحضور المعنوي اللذان تحظى حماس بهما؛ فقد أصبح في وسع هذه الحركة، كما أصبح في وسع حركة الجهاد الإسلامي الأصغر حجماً والأقل عدة، أن تدعُوَا إلى إضراب شامل وأن تلقيا من الجماهير تجاوباً. ومن المشكوك فيه أن يحظى أيٌّ من فصائل منظمة التحرير بمفرده (ما عدا حركة فتح) بتجاوب مماثل للالتزام بإضراب شامل في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة.

(4) التغير الذي طرأ على الخطاب السياسي الوطني الفلسطيني؛ إذ إن هذا التغير يعكس إدراك الاتجاه الوطني تزايد النفوذ الإسلامي ودور الإسلام بوصفه عاملاً فعالاً في استقطاب الجماهير. يُلاحظ مثلاً الاستخدام المتزايد من قِبل أنصار منظمة التحرير للتعابير والإشارات الدينية وذِكْر الآيات القرآنية في المنشورات والبيانات الصادرة عن القيادة الوطنية الموحدة أو عن الفصائل المنتمية إليها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاتجاه الوطني الموالي للمنظمة خاض انتخابات الغرفة التجارية في نابلس في أيار/ مايو 1992 تحت اسم "الاتجاه الوطني المسلم".[14]

(5) النزوع نحو المحافظة. فالمتتبع لحركة المجتمع الفلسطيني منذ ما قبل الانتفاضة حتى الوقت الحاضر يلاحظ ميلاً نحو المزيد من المحافظة في مجال السلوك والعلاقات الاجتماعية. وقد ساعد مثل هذا الوضع في إشاعة المناخ الديني الإسلامي، الذي تعزز أيضاً بفعل حالات القهر والتهديد والمحنة التي تعانيها قطاعات واسعة من جماهير الأرض المحتلة. وعادة، يتم في مثل هذه الأوضاع اللجوء إلى الدين بوصفه ملاذاً أخيراً. وبعد ابتعاد فصائل المنظمة عن تداول الطروحات الأيديولوجية والثورية، واتجاهها نحو الواقعية والبراغماتية السياسية، أصبح المجال مفتوحاً أمام الطرح الإسلامي لملء الفراغ الأيديولوجي والعقيدي الناجم عن مثل هذا التحول.

(6) الانتخابات القطاعية؛ فنتائج انتخابات المؤسسات والجمعيات المهنية ومجالس الطلبة والغرف التجارية تشير إلى تزايد شعبية حماس. وإذا ما نُظر إلى نتائج تلك الانتخابات التي لم تحقق حركة حماس فيها فوزاً، يلاحَظ أن الحركة نالت نسبة من مجموع أصوات الناخبين تتراوح بين 35% و45%. وفي هذه الانتخابات، تفوز الحركة بعدد من الأصوات يفوق عدد الأصوات التي ينالها أي فصيل من فصائل منظمة التحرير ما عدا فتح. وقد تغلبت حماس في بعض الانتخابات على فتح حتى حين كانت فتح متحالفة مع فصائل أخرى كما جرى في انتخابات الغرفة التجارية في رام الله سنة 1992، أو في انتخابات مجلس الطلبة في جامعتي غزة والخليل. بيد أن عدد المؤسسات الوطنية والجمعيات المهنية والغرف التجارية ومجالس الطلبة التي يسيطر أنصار منظمة التحرير عليها يفوق عدد الهيئات المماثلة التي تسيطر حماس عليها.

وعند الحديث عن الانتخابات القطاعية، لا بد من أخذ النظام الانتخابي بعين الاعتبار. فطبقاً للنظام الانتخابي المتَّبع في معظم مؤسسات الأرض المحتلة، لا تُترجم النسبة المئوية للأصوات التي ينالها اتجاه معين إلى نسبة مساوية من المقاعد في المجالس المنتخبة. ففي انتخابات الغرفة التجارية في نابلس سنة 1992 مثلاً، فازت الكتلة الإسلامية بثلاثة مقاعد من مجموع اثني عشر مقعداً، في حين أنها حازت على 45% من أصوات الناخبين. وحدث الشيء نفسه عندما فازت الكتلة الإسلامية بأكثر من 40% من الأصوات في انتخابات مجلس الطلبة في جامعة النجاح سنة 1992، لكنها لم تفز بأي من مقاعد المجلس. 

خاتمة

لقد استفادت حركة حماس كثيراً، على صعيد التعاطف الشعبي، من كونها في موقع المعارضة، ومن عدم مسؤوليتها عن أية إخفاقات يواجهها من هو في موقع "السلطة"، أي منظمة التحرير التي يُنظر إليها بوصفها حكومة للشعب الفلسطيني. وإذا بقيت حماس في وضعها الراهن، أو إذا تبوأت مكان الصدارة، فإنه سيتوجب عليها إثبات جدارتها وقدرتها على تلبية حاجات الشعب الفلسطيني الوطنية، القصيرة الأمد منها والبعيدة الأمد. كما سيكون مطلوباً منها إثبات قدرتها على تحقيق ما تتبنّاه علناً من أهداف مرحلية (إنهاء الاحتلال) أو استراتيجية (إقامة الدولة الإسلامية في فلسطين) كي تحظى بالدعم والشرعية وتكون بديلاً مقْنعاً من منظمة التحرير الفلسطينية. وليس واضحاً أو مؤكداً حتى الآن أنها ستكون أوفر من منظمة التحرير حظاً في تحقيق أهدافها، في المدى المنظور على الأقل.

إن حاضر الحركة ومستقبلها سيتأثران بما يطرأ من تطورات محلية وإقليمية ودولية قد تعزز مكانة الحركة أو قد تضعفها. ويتعين على الحركة في البداية أن تحافظ على وحدتها داخل الأرض المحتلة وخارجها، وأن تسعى لإقامة أوثق العلاقات بالجماعات الإسلامية الفلسطينية الأخرى. ويترتب على حماس أيضاً ضمان دعم عالي المستوى من الحركات الإسلامية الأخرى الموجود خارج فلسطين. وهي بحاجة أيضاً إلى مواصلة فعالياتها ضد الاحتلال إنْ هي أرادت زيادة نفوذها والاحتفاظ بمكانتها المميزة في الأرض المحتلة. كما أن حاضرها ومستقبلها سيتأثران بقدرة منظمة التحرير على المحافظة على الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، والسير قدماً نحو إنجاز هذه الحقوق المتمثلة في حق تقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة، وممارسة حق العودة. إن أي إخفاق يلحق بالمنظمة سيُترجم بصورة تلقائية ربما إلى كسب شعبي لمصلحة حركة حماس.

من ناحية أُخرى، سيتعين على حماس التصدي لما قد تتخذه إسرائيل ضدها من إجراءات قاسية، واستيعاب مثل هذه الإجراءات. وليس هناك من شك في أن حملة الإبعاد التي تعرض لها عدد كبير من قادة ونشطاء الحركة في كانون الأول/ ديسمبر سيؤثر سلباً في قوتها التنظيمية في المستقبل المنظور، وذلك على الرغم من تعزيز هذا الإجراء لمكانة الحركة المعنوية والسياسية في الأرض المحتلة.

وأخيراً، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه الحركة يكمن في قدرتها أو في عدم قدرتها على تعبئة عمقها الإسلامي خارج فلسطين، المتمثل في الحركات والقوى الإسلامية الأخرى، وإقناعه بالمشاركة في مواجهة إسرائيل، وذلك لأن حل القضية الفلسطينية حلاً إسلامياً يتطلب، كما جاء على لسان أحد القادة البارزين لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، "تجييش الأمة الإسلامية".[15]

 

المصادر:

[1]  "ميثاق حركة المقاومة الإسلامية – حماس"، 18 آب/أغسطس 1988، ص 5.

[2]  زياد أبو غنيمة، "فلسطين الإسلامية – هي فلسطين المحررة"، "لواء الإسلام"، 19/1/1989، العدد 10، ص 25.

[3]  مقابلة شخصية مع يوسف العظم، من قادة الإخوان المسلمين في الأردن، والنائب في البرلمان الأردني، 30 أيار/مايو 1989.

[4]  زياد أبو عمرو، "الحركة الإسلامية في الضفة الغربية وقطاع غزة: جماعة الإخوان المسلمين وحركة الجهاد الإسلامي" (عكا: دار الأسوار، 1989)، ص 21.

[5]  عارف العارف، "النكبة: نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود 1947 – 1955"، ج 2 (صيدا – بيروت: منشورات المكتبة العصرية، لا. تا)، ص 103.

[6]  مقابلة شخصية مع الدكتور إبراهيم اليازوري، المدير التنفيذي للمجمع الإسلامي في غزة، وأحد مؤسسي حركة حماس، غزة، 9 تموز/ يوليو 1991. والجدير بالذكر أن هؤلاء المؤسسين، عدا الشيخ ياسين والدكتور اليازوري، كانوا ضمن قادة ونشطاء حركتي حماس والجهاد الإسلامي الذين قامت إسرائيل بإبعادهم إلى جنوب لبنان في كانون الأول/ ديسمبر 1992.

[7]  وردت هذه المعلومات في الاعترافات التي أدلى الشيخ أحمد ياسين بها أمام المحققين الإسرائيليين بعد اعتقاله في أيار/ مايو 1989، "البيارق"، 25/12/1992، ص 12.

[8]  "ميثاق حركة المقاومة الإسلامية"، مصدر سبق ذكره، ص 11.

[9]  المصدر نفسه، ص 15.

[10]  المصدر نفسه، ص 14 – 15.

[11]  "البيارق"، مصدر سبق ذكره، ص 13.

[12]  وردت هذه المعلومة في محضر اجتماع المجلس المركزي للمنظمة في بغداد سنة 1990، وقد تسنّى للكاتب الاطلاع على هذا المحضر.

[13]  بلغ عدد المساجد الموجودة في الضفة الغربية وقطاع غزة حتى سنة 1987 نحو 1350 مسجداً، منها 750 مسجداً في الضفة الغربية و600 مسجد في قطاع غزة. وقد ازداد عدد هذه المساجد منذ اندلاع الانتفاضة. أنظر: أبو عمرو، مصدر سبق ذكره، ص 36.

[14]  "القدس"، 18/5/1992.

[15]  مقابلة شخصية مع السيد مأمون الهضيبي، من قادة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، القاهرة، 3 أيار/ مايو 1992.

السيرة الشخصية: 

زياد أبو عمرو : أستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة بير زيت في الضفة الغربية. وهو الآن باحث زائر في جامعة جورجتاون في واشنطن.