باسم الشعب الفلسطيني، وباسم قيادته الوطنية الشرعية، نتوجه بتحياتنا إلى جميع المشاركين ونعبر عن عميق شكرنا للحكومة الكندية لاستضافتها هذا الاجتماع التاريخي.
أجول بنظري في هذه الغرفة ويلفت نظري تعارض بارز، فنحن الشعب الوحيد الممثل هنا والذي لا يملك دولة خاصة به من الواضح أن هذا الوضع الشاذ لا يمكن أن يستمر فترة أطول (..). إن جذر عدم التوازن في وضعنا يكمن في بقائنا طويلا محرومين من دولة (..) إن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين هي الجوهر السياسي للمسألة الفلسطينية (..) كما نريد أن نشدد على أن منظمة الأمم المتحدة، الغائبة عمليا عن أعمالنا في هذه المرحلة، تبقى الإطار القانوني الوحيد المقبول دولياً والذي يمكنه أن يضمن أي تسوية سياسية عاملة وقابلة للديمومة.
(..) وليس بالأمر المفاجئ أن تكون مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هي المهد الذي أُعيد منه انبعاث المطالبة السياسية الفلسطينية بتقرير المصير بعد نكبة 1948. لقد شكلت مخيمات اللاجئين، في الأرض الفلسطينية المحتلة وفي المنفى، على الدوام التجسيد لوحدة الشعب الفلسطيني، ولمقدرته على البقاء متجاوزاً الشرذمة المفروضة عليه (..).
(..) لقد عبرنا في مدريد، وكذلك في المفاوضات الثنائية في واشنطن، في كلمتنا وكذلك في وثائق مكتوبة، عن موقفنا تجاه الأهداف القصيرة والبعيدة المدى لمشاركتنا. لقد دخلنا هذه العملية على أساس مرجعيات محددة، تضمنتها رسائل الدعوة لمؤتمر السلام التي أرسلتها الدولتان الراعيتان إلى الأطراف بتاريخ 18 تشرين أول [أكتوبر] 1991.
إن قرار مجلس الأمن 242، الذي أُقر بعد عدة أسابيع من حرب حزيران [يونيو] 1967، والذي ينص على عدم جواز الاستيلاء على الأرض بواسطة الحرب، والذي يثبت مبدأ "الأرض مقابل السلام"، هو الإطار المرجعي الأساسي لمجمل عملية السلام. وينص القرار 242 كذلك وبوضوح، على توفير حل عادل لمشكلة اللاجئين. وأساس هذا "الحل العادل" هو في تطبيق قرارات الأمم المتحدة الأساسية حول اللاجئين الفلسطينيين وبالخصوص قرار 194.
(..) إن اللاجئين الفلسطينيين هم جميع أولئك الفلسطينيين (والمنحدرين منهم) الذين طردوا أو أُجبروا على ترك بيوتهم بين تشرين الثاني [نوفمبر] 1947 (مشروع التقسيم) وكانون ثاني [يناير] 1949 (اتفاقية الهدنة في رودس)، في الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل في التاريخ الأخير. وبالمناسبة هذا يتوافق مع التعريف الإسرائيلي "للغائبين" وهم فئة من الفلسطينيين تم تصنيفهم على هذا الشكل بغاية حرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية والمدنية.
وبطبيعة الحال، هذا التعريف لا ينطبق فقط على سكان المخيمات، وبالتأكيد لا ينطبق فقط على أولئك اللاجئين المعترف بهم والذين يتمتعون بالتسجيل الرسمي لدى UNRWA بما أن الأخيرة لم يمتد نطاق صلاحياتها قط على أكثر من مجرد جزء من إجمالي جموع اللاجئين.
هذا التعريف لا يشتمل على المهاجرين الذين غادروا فلسطين قبل عام 1947، ولكنه يشتمل على جميع من شردوا، حتى ضمن الأرض التي أصبحت لاحقاً دولة إسرائيل في 1948 – 1949، كما أنه يشمل جميع الأشخاص المشردين في 1967 والذين طالبنا بعودتهم الفورية غير المشروطة إلى الأرض الفلسطينية المحتلة ضمن إطار إقامة "سلطة الحكومة الذاتية الفلسطينية الانتقالية".
ويشمل كذلك سكان "قرى الحدود" في الضفة الغربية، الذين خسروا أراضيهم الزراعية في حرب 1948، وبالتالي مصدر رزقهم ولكنهم بقوا في قراهم. ويشمل سكان مخيمات اللاجئين في قطاع غزة والذين إما تم إعادة نقلهم إلى جهة رفح من الحدود المصرية أو وجدوا أنفسهم منفصلين عن عائلاتهم وأقربائهم نتيجة لترسيم الحدود إثر اتفاقيات كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر. وأخيراً، يشمل البدو الفلسطينيين الذين أُبعدوا عنوة عن مراعيهم داخل دولة إسرائيل وكذلك أولئك الذين دُفعوا إلى ترك الضفة الغربية والرحيل إلى الأردن.
(..) إن الإطار القانوني الأساسي لحل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين هو قرار مجلس الأمن رقم 194. إن قوة هذا القرار مستمدة من طابعه الإِجماعي، كون الولايات المتحدة في 1949، وكذلك إسرائيل (المتحمسة في حينه لأن تُقبَل عضويتها في الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية) قد صوتتا لصالح ذلك القرار وفي الواقع فقد شكل كل من مشروع التقسيم (181)، والذي يؤكد مبدأ تقرير المصير وعودة اللاجئين (194)، أحد الأسس لقيام دولة إسرائيل ذاتها، إذ كان تنفيذهما شرطا لقبول إسرائيل ضمن مجموعة الأمم قرار (273). ومن هنا يقع التزام قوي وخاص على إسرائيل تجاه هذين القرارين في روح ونص القانون الدولي.
إن الأهمية الخاصة لهذه النقطة تدفعني لأن أتلو عليكم نص القرار 273 وتاريخه 11 أيار [مايو] 1949. اسمحوا لي بتذكيركم ونص ذلك القرار (..) أن التعويض مطروح هنا [في القرار] كجزء من الاعتراف الرسمي والعملي بحق العودة، وليس أبداً كبديل لذلك الاعتراف.
بدون الاعتراف الرسمي بحق العودة للاجئين، لا يمكن لحياة الشعب الفلسطيني ولا لأمور المنطقة أن تتطبع.
وستبقى مشكلة اللاجئين بدون حل (..) إن تحسين ظروف حياة اللاجئين مسؤولية أخلاقية على عاتق المجتمع الدولي، وهي كذلك في صلب البعد السياسي للنزاع والحاجة الملحة لتسوية سياسية عادلة وقابلة للديمومة. إنه حق أصيل من حقوق الإِنسان، وليس مسألة مطروحة للمقايضة وليس موضوعاً للتفاوض، ولا يمكن مبادلة حقوق اللاجئين بأية مكاسب سياسية (..).
(..) إن جولتنا هذه ستنتهي بتاريخ 15 أيار [مايو]، وهو ذكرى كئيبة لدى شعبنا. إنه تاريخ يسجل 44 عاماً من النفي، والإِنكار، والإِبعاد والمجازر المتكررة (دير ياسين، كفر قاسم، صبرا وشاتيلا.. تلك فقط الأكثر شهرة بين الفظائع) وإنكار مجرد وجودنا كشعب، هذا، بالنسبة لشعبنا هو يوم النكبة، يوم الكارثة، اليوم الذي يلخص مأساة الطرد وخسارة الوطن.
إن صوتنا هنا اليوم هو صوت الغائبين الذين خرجوا من ليلهم ليظهروا أمامكم ليقولوا ما تعرفونه في أعماق قلوبكم، إننا لم نختف وعلى العكس من ذلك فإننا من خلال معاناتنا ومحنتنا ونضالنا بحثنا عن الضوء وعشنا تجربة ولادة وطنية متجددة. اليوم هو يوم "عودة الغائب".
المصدر: "فلسطين الثورة" (نيقوسيا)، العدد 892، 24/5/1992، ص 12 (ذكرت المجلة أنها أخذت فقرات من الكلمة). وقد اجتمعت لجنة اللاجئين في أوتاوا/كندا خلال الفترة 12 – 15/5/1992.
* رئيس الوفد الفلسطيني إلى اجتماع لجنة اللاجئين المنبثقة عن المفاوضات المتعددة الأطراف: الدكتور إلياس صنبر.