بغض النظر عما قد يواجه التسوية السياسية الجارية من تقلبات وتبدلات، ليس من الصعب القول إن المرحلة الراهنة تمثل محطة تاريخية في الصراع بشأن أرض فلسطين. كما أن إمكانات التسوية تطرح تساؤلات حيوية في شأن آفاق العلاقة ما بين سكان الأراضي المحتلة وفلسطينيي الشتات.
بغض النظر عما قد يواجه عملية السلام الجارية من تقلبات وتبدلات تفاوضية وتكتية، فليس من الصعب القول إن المرحلة الراهنة تمثل محطة تاريخية في الصراع بشأن أرض فلسطين. كما أن إمكانات التسوية، مهما تكن تفصيلاتها النهائية، تطرح تساؤلات حيوية في شأن المستقبل الفلسطيني، وآفاق العلاقة ما بين سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967 من جهة، وبين فلسطينيي الشتات من جهة أُخرى.
والواقع أنه بمجرد بدء عملية السلام، ومشاركة وفد "الداخل" بوصفه الممثل الرسمي للجانب الفلسطيني في المفاوضات مع إسرائيل، تولّدت نقلة نوعية وبعيدة الأثر في التركيبة السياسية الفلسطينية التقليدية، وهي تحمل في طياتها انعكاسات جذرية على المفهوم "الكياني" الفلسطيني، ومختلف عناصر البنية السياسية الفلسطينية القائمة الأخرى.
ومن أهم وأخطر ما تحمله هذه النقلة، إمكان قيام سلطة فلسطينية ذاتية للمرة الأولى على أرض فلسطين – مقيدة إلى هذا الحد أو ذاك بحسب الاتفاق – ومعنية ببناء المؤسسات الفلسطينية وإدارتها لمصلحة السكان الواقعين ضمن ولايتها، وبحسب أولوياتها ومصالحها الخاصة. وإذا كان هذا أقل ما يمكن أن يفرزه أي اتفاق مقبول بشأن المرحلة الأولى الانتقالية من عملية السلام، فإن تطوير هذه السلطة وتوسيع مضامينها في المرحلة الثانية النهائية من هذه العملية، يبقيان إلى حد بعيد عرضة للأداء الفلسطيني خلال أعوام "الحكومة الذاتية"، وللتحولات المرتقبة في البيئة الإقليمية المباشرة والمحيط العربي – الإسرائيلي الأوسع.
بعض الإشكالات المحتملة
ضمن هذا السياق، يمكن ملاحظة بعض الإشكالات الرئيسية التالية المؤثرة في علاقات "الخارج" بـ"الداخل":
أولاً: إن تولي أهل الداخل السلطة على أرض فلسطين، كسابقة لا رديف لها في التاريخ الفلسطيني المعاصر، لا بدّ من أن يؤثر في موقع ودور منظمة التحرير الفلسطينية، وفي كيفية ونوعية القرار السياسي الفلسطيني كما عهدناه حتى الآن. فمنظمة التحرير، وإنْ تكنْ قد نجحت في اختراق العملية السياسية الجارية والالتفاف حول القيود التي فُرضت عليها بموجب "قواعد مدريد"، فقد كانت ولا تزال تمثل منطق الشتات الفلسطيني وحركته، إذ إنها نشأت وتطورت تعبيراً عن مجتمع الشتات (بعد سنة 1948) بتعقيداته كافة، وذلك في الوقت الذي أصبحت منظمة التحرير - بطبيعة الحال – المظلة الجامعة والرمز الذي يجسّد الهوية الوطنية الفلسطينية أينما وُجدت.
لكن، وعلى الرغم من التكامل المعنوي ما بين أبناء الشعب الواحد، والإيمان الواسع والراسخ بضرورة الحفاظ على آلية للتعبير عن وحدة الحال الفلسطينية، فسيكون من شأن قيام سلطة فلسطينية داخل الأراضي المحتلة، خلق واقع جديد كلياً، تتعدد فيه مراكز صنع القرار، وصولاً إلى نوع من "الاستقلالية" (ولو المحدودة) لدى أهل الداخل، المكتسبة من دينامية ممارسة السلطة المباشرة على الأرض، والنابعة من مستلزمات الالتفات بالضرورة إلى أولويات "الداخل" الطارئة والصعبة.
وأمام مثل هذا الاحتمال، سيجد الجسم السياسي الفلسطيني الكلي أنه مضطر إلى معالجة أمور حيوية عديدة:
1) ضرورة صوت السلطة الذاتية في الأراضي المحتلة ورعايتها من أجل عدم إقفال الباب أمام الدفع بحدود الكينونة الفلسطينية إلى أبعد ما قد تحدده اتفاقية المرحلة الانتقالية. وبكلام آخر: إذا كانت المرحلة الانتقالية، وخصوصاً في نظر إسرائيل، مرحلة "اختبار نيات"، و"بناء ثقة"، فإن مجرياتها ستحسم إلى حد بعيد طبيعة الاتفاق في شأن المرحلة النهائية، بل شكل "السلام الدائم" بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. فكلما نجح الفلسطينيون في عملية الدمج بين "خلق الحقائق" التي يصعب على إسرائيل عكسها من جهة، وبين عدم استثارة ردات الفعل الإسرائيلية السلبية القاطعة على ذلك من جهة أُخرى، ازدادت فرص تحسين الشروط الفلسطينية بالنسبة إلى المرحلة النهائية، والاقتراب بالتالي من تحقيق الأهداف الوطنية المؤجلة في المرحلة الانتقالية. ومن هذه الزاوية، فإن أي توتر بين المؤسسة السياسية الفلسطينية الجنينية في الداخل، وبين المؤسسة السياسية الأم في الخارج، أو أي تناطح على السلطة ما بينهما، لن يؤدي إلى زعزعة الوحدة الفلسطينية فحسب، بل أيضاً إلى تقويض إمكان الارتقاء نحو الإنجازات المرجوة في الحل الدائم، ومدّ إسرائيل بالذرائع التي ستتحجج بها من أجل وقف هذه المسيرة وإجهاضها.
2) ويستتبع هذا ضرورة إيجاد سبل التكيّف بين المؤسستين السياسيتين "الداخلية" و"الخارجية"، وعدم الخلط ما بين دوائر عمل ومهمات كل منهما. وإذا كان، نظرياً، من غير المستحيل إيجاد سبل "نقل" سلطة منظمة التحرير الفلسطينية إلى الداخل بالوسائل السياسية والقانونية (الانتخابات، أو الربط بين المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المنتخب في الداخل مثلاً)، فإن هذا النوع من التسلل عبر القيود المضروبة إسرائيلياً (وإلى حد ما أميركياً) على المنظمة، سيحتاج إلى قدر كبير من المرونة السياسية والعقلانية الفلسطينيتين، والاستعداد لتجاوز القضايا الرمزية والثانوية نسبياً لمصلحة الأهداف الوطنية المشتركة. وفي الوقت نفسه، هنالك خطر نقل بعض معالم منظمة التحرير في الخارج – من تركيبة فصائلية وآلية عمل مفروضة عبر تجربة الشتات – والتي قد لا تكون ملائمة أو مؤاتية لواقع السلطة الناشئة في الداخل.
لكن مهما يكن الأمر، فإن الحاجة إلى نوع من التواصل والتكامل بين سلطة الداخل وسلطة الخارج تبقى ملحة، باعتبار أن الأولى لا يمكن أن تقوم وتنجح من دون دعم الثانية ورعايتها. كما أن الثانية باتت مواجهة بحقيقة أنه لم يعد في الإمكان الفصل ما بين مستقبلها ومستقبل الثانية، إذا ما كان للإثنتين معاً أن تواجها تحديات المستقبل.
ثانياً: أما في المرحلة اللاحقة، فالواقع أنه مهما يكن دور الداخل وسلطة "الحكومة الذاتية" في المرحلة الانتقالية، فإن القضية الفلسطينية، كقضية، لم تبدأ أو تنتهي بمسألة الأراضي المحتلة منذ سنة 1967. ومن هذا المنطلق، فإن اتفاقية المرحلة الانتقالية لن تعالج صميم القضية الفلسطينية، بل إنها لن تشكل "حلاً" لهذه القضية في الأساس. ومجمل ما يمكن توقعه بالنسبة إلى المرحلة الانتقالية – من وجهة النظر الفلسطينية – هو تثبيت الركائز السياسية – القانونية السليمة، الكفيلة باحتواء عملية تهويد ما تبقى من أرض فلسطينية، والبدء بتفكيك الاحتلال من جهة، وتوفير فرصة مؤاتية لتحسين الأوضاع المعيشية ورفع نير القمع الإسرائيلي عن كاهل سكان الداخل من جهة أخرى. وهذا لا يعني أن المرحلة الانتقالية مرحلة مقفلة وجامدة من حيث المبدأ، وإنما يعني أن النظر إليها على أنها نهاية المطاف بالنسبة إلى القضية الفلسطينية هو نظر مغلوط فيه بصورة أساسية.
فمهما تبلغ سلطة الحكومة الذاتية الفلسطينية، فإنه لن يكون في إمكانها معالجة أوضاع ومصير الأغلبية الفلسطينية في الشتات (البالغة نحو ثلثي مجموع الشعب الفلسطيني)، ولن تكون معنية أو قادرة على اتخاذ القرارات السياسية الصعبة فيما يتعلق بأمور حيوية، مثل حق العودة والتعويض ومشكلات التأهيل وإعادة الإسكان، إلخ. وفي مثل هذا السياق، من الواضح أن منظمة التحرير هي الطرف الفلسطيني الوحيد المؤهل لتناول هذه القضايا الشديدة الحساسية، والتي تحتاج إلى سلطة معنوية وسياسية لا يمكن لأهل الداخل اكتسابها، حتى لو أريد لهم ذلك.
واللافت أن إسرائيل تدرك جيداً أن القضية الفلسطينية، كقضية، هي غير مسألة الأراضي المحتلة منذ سنة 1967. من هنا، فإن أحد الشروط الإسرائيلية للحل الدائم – والذي تُجمع عليه التيارات الإسرائيلية المركزية كافة – هو ضرورة المعالجة النهائية لمسألة اللاجئين الفلسطينيين الذين يشكلون لب القضية منذ سنة 1948، وإنْ كان ذلك عبر الرفض القاطع للبحث في مبدأ العودة، والإصرار في المقابل على مشاريع التوطين و"الاستيعاب" في العالم العربي. لكن بغض النظر عن هذا الموقف الإسرائيلي، وما قد تؤول إليه المفاوضات الثنائية والمتعددة الأطراف بهذا الصدد (وتجدر هنا ملاحظة الإصرار الإسرائيلي على إدراج قضية اللاجئين في المجال "المتعدد" في الأساس)، فإنه يتضح أن هناك رؤية إسرائيلية – فلسطينية ودولية مشتركة حيال مستلزمات الحل الدائم، مع وجود فوارق جوهرية بالنسبة إلى كيفية الترجمة العملية لذلك في الميدان.
وبناءعلى ذلك، فإن دور "الخارج" في المرحلة النهائية سيكون دوراً حاسماً بالنسبة إلى القضية الفلسطينية ككل. وهذا، في حد ذاته، يشكل ضمانة لقيام منظمة التحرير بالدور الأساسي في معالجة أي حل دائم ممكن للقضية الفلسطينية، وهو الواقع الذي تدركه إسرائيل والولايات المتحدة، وإنْ تكونا تحاولان التملص من الاعتراف به في المرحلة الراهنة.
ثالثاً: لكن هذا الواقع يفرض بدوره مهمات جديدة وملحة على منظمة التحرير، إذا ما كان لها أن تحتفظ بدورها المركزي على هذا الصعيد. ومن أهم هذه المهمات ضرورة الالتفات منذ الآن إلى عملية إعادة بناء وترميم البنية السياسية – المؤسساتية الفلسطينية في الشتات، ومدّ جسورها إلى أهل "الخارج" أنفسهم بغية لجم التفسّخات التي برزت في الجسم الفلسطيني خلال العقد الأخير. وكان من نتائج التجربة الفلسطينية، وخصوصاً منذ حرب 1982، تصدُّع وتفتُّت الكثير من بُنى المنظمة في الشتات، وتعرُّض هذه البُنى لهزات قوية في بعض الساحات المركزية، مثل لبنان. ومن أخطار عملية السلام الجارية، إمكان انغماس منظمة التحرير في محاولة تعويم السلطة الفلسطينية في الداخل، على حساب دورها في رعاية وتطوير العلاقات بأهل الخارج، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تقويض قدرة المنظمة على معالجة التحديات الكبرى التي ستواجهها في المرحلة النهائية. وإذا كان من الواضح أن إيجاد التوازن الصحيح ما بين التعامل مع مستجدات الداخل ومتطلبات الخارج يعتمد، إلى ما، على الوضع الذاتي لمنظمة التحرير، وقدرتها أو استعدادها لتخصيص الجهد الكافي لهذا الغرض، فإن الشق الآخر من هذه المعادلة يعتمد على التوازن في العلاقات الفلسطينية – العربية، وعلى حرية العمل المتاحة للمنظمة في ساحات الشتات العربية الرئيسية.
هكذا، فإذا اعتبرنا أن برنامج منظمة التحرير الفلسطينية للسنوات المقبلة لا بد من أن يشتمل على ضمان الحد الأقصى من حرية الوصول إلى التجمعات الفلسطينية السكانية في الشتات، فإن ذلك يبقى عرضة في الواقع لعوامل واعتبارات خارجة، في بعض الأحيان، عن إرادة المنظمة نفسها. فلا يمكن مثلاً "إجبار" أي من الدول المضيفة لفلسطينيي الشتات على فتح أبوابها أمام العمل الحر لمنظمة التحرير، وخصوصاً في ضوء التاريخ المضطرب للعلاقات الفلسطينية – العربية. يضاف إلى ذلك مسألة التفاعل بين المسار الفلسطيني – الإسرائيلي في المفاوضات، والمسارات العربية – الإسرائيلية الأخرى. وإذا افترضنا جدلاً إمكان بروز شرخ بين الفلسطينيين وأي من الأطراف العربية المفاوضة الأخرى، فإن ذلك سينعكس بالضرورة على عملية ترميم البنية الفلسطينية في الشتات المرجوة.
غير أنه يبقى أن الدول العربية معنية، في نهاية المطاف، بإيجاد محاور فلسطيني ذي صدقية، وقادر على اتخاذ القرار فيما يتعلق بالمصير الفلسطيني. وهذا يضمن قاسماً مشتركاً أصغر ما بين منظمة التحرير والجانب العربي فيما يخص أهل "الخارج"، كما أنه لا يتعارض بالضرورة مع المصلحة الإسرائيلية (أو الأميركية) المرئية نفسها. ولعله يمكن القول إن نقاط التقاطع ما بين هذه المصالح هي التي ستشكل النافذة التي يمكن من خلالها لمنظمة التحرير العمل في ساحات الشتات في المرحلة المقبلة، الأمر الذي يعيد الكرة عملياً إلى الاعتبارات الذاتية المتحكمة في المنظمة، ومدى قدرة أو استعداد المنظمة لاستغلال مثل هذه النافذة إلى أبعد الحدود الممكنة. فمن دون التفكير والبرمجة الجديين لعمليةالترميم "الخارجية" من جهة، والحفاظ على ميزان سليم من العلاقات بالعرب من جهة أخرى، سيكون الشتات الفلسطيني مواجهاً بصعوبات جمة من مختلف الاتجاهات، في وقت قد تكون عملية البناء الوطني – وللمفارقة – سارية في الداخل بدينامية وزخم ذاتيين.
رابعاً: أما في الأمد البعيد، فإن العلاقة بين الداخل والخارج ستواجه تحولاً جوهرياً. ولا بد من قدر من الواقعية في التعامل مع مستقبل الشتات الفلسطيني في المرحلة اللاحقة لاتفاقية السلام النهائية مع إسرائيل. إذ ما تم التوصل إليها. وإذا كانت العودة حقاً فلسطينياً مطلقاً لا خلاف في شأن شرعيته أو قدسيته، فإن من الصعب في المقابل توقُّع "تفريغ" كلي لمجتمعات الشتات في اتجاه واحد نحو سلطة الداخل. وهذا يعني أنه ستكون هناك ضرورة حيوية لمؤسسة/ مظلة فلسطينية جامعة، لرعاية وحماية وتمثيل هذه المجتمعات، حفاظاً على الهوية الفلسطينية من جهة، وكجسر للربط ما بينها وبين "الداخل" الفلسطيني من جهة أخرى. ولا يمكن، ولا يجوز اعتبار كل من لا "يعود" (بغض النظر عن مسبّبات ذلك) أنه أُسقطت عن نفسه هويته وانتماؤه الفلسطينيان. لكن مركز الثقل السياسي سينتقل، في مثل هذا الحال، إلى الداخل حيث من الطبيعي أن تكون السلطة الفلسطينية العليا هي تلك التي تمارَس على أرض فلسطين نفسها. (وهذه هي تجربة جميع الحركات المماثلة التي جمعت ما بين "داخل" و"خارج"، وعلى رأسها الحركة الصهيونية ذاتها).
وليس في هذا من انتقاص لمكانة منظمة التحرير الفلسطينية، أو تشكيك فيها. فالمقصود هنا أن عملية السلام، إذا ما أثمرت – فعلاً – حلاً عادلاً وشاملاً للقضية الفلسطينية، تستلزم – وبالضرورة – تغييراً موازياً في طبيعة البنية السياسية الفلسطينية، قياساً بمستلزمات المرحلة الانتقالية وفترة التفاوض في شأن الحل النهائي. فإذا كانت اتفاقية السلام النهائية أقرب ما أمكن من "التحرير" الفلسطيني، فإن منظمة "التحرير" ستصبح تلقائياً شيئاً آخر غير ما هي عليه اليوم.
من الواضح أن هذا التحليل يقوم على فرضية أحدية الجانب، هي أن عملية السلام الجارية ستستمر وتنجح وتثمر بما فيه الحق الفلسطيني، أو على الأقل الحد الأدنى المقبول من هذا الحق. وطبعاً لا ضمانة لذلك، ولا سبيل لاستشراف كل الصعوبات التي ستعتري هذا الطريق قبل الوصول إلى نهايته. ويمكن تعريف الأحداث الكبرى بأنها "كبرى" أساساً من حيث عدم القدرة على التيقن منها أو توقعها مسبقاً. وفي وضع من الصراع التاريخي المتجذّر، كما في حال الصراع بشأن أرض فلسطين، يبدو أن الشيء الوحيد المضمون هو أن الأشياء لن تسير من دون مفاجآت وصدمات ضخمة غير مرئية.
لكن، في الأحوال كافة، فإن الخط الراهن لعملية السلام يشير إلى مستقبلات ممكنة، ولو لم تكن مؤكدة. وضمن هذا السياق، يبدو أن العلاقة ما بين الداخل والخارج ستمر بنقلات متنوعة، أولها مع بداية ممارسة السلطة على الأرض الفلسطينية في المرحلة الانتقالية، وآخرها بإعادة تركيب أساسية للبنية السياسية الفلسطينية ما بعد التسوية النهائية. وما بين هاتين المحطتين، فإن مركز الثقل في هذه البنية سينتقل عبر منظمة التحرير وبواسطتها إلى الداخل، وبحيث يصبح التمييز بين منظمة التحرير "كخارج" والسلطة الفلسطينية في "الداخل" تمييزاً لا معنى له. وفي غياب ذوبان كامل للشتات، سواء في البلاد المضيفة أو في الداخل نفسه، فإن الهوية الفلسطينية ستفرز أُطراً جديدة للربط ما بين الشقين وبين أبناء الشعب الواحد كافة. وإذا كان هذا أمراً غير حتمي، ولا يمثل بالضرورة صورة كاملة لتفرعات القضية الفلسطينية وتعقيداتها، فإنه يتوافق على الأقل مع المعطيات والوجهات المؤثرة حالياً في الوضع الفلسطيني.