أحزاب أقصى اليمين: خلاف في شأن "الترانسفير" وانقلاب داخلي في تسومت
كلمات مفتاحية: 
الكنيست الإسرائيلي
الانتخابات الإسرائيلية
الأحزاب السياسية الإسرائيلية
تسوميت
موليدت
الأحزاب اليمينية
برامج الأحزاب
الترانسفير
الفلسطينيون في إسرائيل
الحكم الذاتي
نبذة مختصرة: 

يتناول المقال أوضاع أحزاب أقصى اليمين الإسرائيلي قبيل الانتخابات البرلمانية، ويشير إلى أن هذه الأحزاب (هتحيا وموليديت وتسوميت) وخلافاً لأحزاب أقصى اليسار فشلت في التوحد في قائمة انتخابية واحدة بسبب خلافات شخصية نابعة من اختلافات ذهنية القادة وأمزجتهم، بالإضافة إلى أسباب أخرى منها الخلاف على نسب القوى المرغوب فيها في الهيئات القيادية المشتركة، وخلافات أيديولوجية أهمها الخلاف في شأن الترانسفير. ويستعرض المقال الانتخابات الداخلية التي جرت في هذه الأحزاب استعداداً للانتخابات، والانقلاب الداخلي الذي قد يغير وجه حركة تسوميت الذي تمخض عن إزاحة الرجل الثاني في الحركة عضو الكنيست يوآش تسيدون. كما يتناول المقال البرامج السياسية لهذه الأحزاب التي لم يطرأ عليها تغير يستحق الذكر والتي تحمل قواسم مشتركة مثل المحافظة على "أرض إسرائيل" الكاملة تحت السيطرة الإسرائيلية، والدعوة لتطبيق السيادة الإسرائيلية فوراً في الأراضي المحتلة، ورفض الحكم الذاتي الفلسطيني، وقمع الانتفاضة، وطرد الفلسطينيين العرب.

النص الكامل: 

خلافاً لأحزاب أقصى اليسار، التي نجحت في توحيد صفوفها في إطار كتلة "ميرتس"، يخوض معسكر أقصى اليمين، الذي تمثله أحزاب هتحيا وموليدت وتسومت (وكاخ)، الانتخابات منقسماً على نفسه. وقد جرت عدة اتصالات ومحاولات، في الأساس بين هتحيا وموليدت، لتوحيد الصفوف، لكنها لم تسفر عن أية نتيجة. وقد فشلت محاولات التوحيد بسبب خلافات شخصية نابعة من اختلال ذهنية القادة وأمزجتهم، وبسبب خلافات سياسية تتصل بالخلاف في شأن نسب القوى المرغوب فيها في الهيئات القيادية المشتركة وقائمة المرشحين للكنيست، وبسبب خلافات أيديولوجية أهمها الخلاف في شأن مسألة "الترانسفير" (ترحيل الفلسطينيين)؛ إذ أصر حزب موليدت على أن ترفع أية قائمة مشتركة لواء "الترانسفير" وتبرزه دعائياً في الحملة الانتخابية، بينما رفض الحزبان الآخران ذلك. ومن الأرجح أن العامل الرئيسي في عدم نجاح أحزاب أقصى اليمين في توحيد صفوفها، هو الاقتناع السائد في أوساطها بأن الأفضل لها خوض الانتخابات منفردة، لكون جماهيرها الانتخابية تنتمي إلى شرائح اجتماعية متباينة، على الأقل في حالة تسومت، ومن شأن التوحيد أن يطمس أو يبهت صورة ملامح معينة تشكل عاملاً رئيسياً في الجاذبية الانتخابية لكل منها في نظر جمهوره.[1]

وفي نطاق الاستعداد للانتخابات، انتخبت حركة هتحيا لرئاسة قائمة مرشحيها للكنيست وللمكان الأول فيها رئيس الحركة الوزير يوفال نئمان، وللمكانين الثاني والثالث غيئولا كوهين وإلياكيم هعتسني على التوالي، أي الوجوه نفسها التي مثلتها في الكنيست السابق، وانتخبت للمكان الرابع بيني كتسوفر (رئيس مجلس مستوطنات السامرة وممثل المتدينين). وللمكان الخامس يعقوب بيتلسون. وقد أثار انتخاب ممثل المتدينين للمكان الرابع، الذي ينظر إليه باعتباره غير "مضمون" انتخابياً، غضب الأوساط المتدينة في الحركة، لكن ذلك لم يترجم إلى خطوات عملية، وإنْ كان من الممكن أن يؤثر سلباً في قوة الحركة انتخابياً.[2]   وتؤكد مصادر قيادية رفيعة المستوى في هتحيا أن يوفال نئمان ينوي الاستقالة من رئاسة الحركة وعضوية الكنيست بعد الانتخابات بفترة قصيرة، سواء كانت الحركة في الحكم أو المعارضة، وذلك للتفرغ للنشاطات العملية وفسح المجال أمام ممثل المتدينين لشغل مكانه في الكنيست. وهذا يعني وصول غيئولا كوهين (الأكثر تطرفاً، حتى من نئمان) إلى رئاسة الحركة تلقائياً.[3]

وفي تسومت، حدث "انقلاب"  داخلي قد يغير وجه الحركة وصورتها الجماهيرية. ففي الانتخابات الداخلية لاختيار مرشحي الحركة للكنيست، عقدت صفقة بين ممثلي المعسكرات الرئيسية في اللجنة المركزية، نجم عنها إزاحة عضو الكنيست يؤآش تسيدون، الرقم الثاني في الحركة، عن المكان الثاني، وحلول غونين سيغف محله، الأمر الذي أدى إلى انسحابه من الحركة. وانتخب للمكان الثالث، بعد رفائيل إيتان (الأول) وغونين سيغف (الثاني)، بيني يوش.[4]

وينتمي غونين سيغف (36 عاماً)، من موشاف تل عدشيم، معقل زعيم الحركة إيتان، إلى النواة الأصلية من كيبوتس عين فاراد التي أسست حركة تسومت سنة 1983، ودعت رفائيل إيتان إلى "تزعمها بلا منافس". وقد كان إيتان هو من دعا تسيدون و"كتلة البلماحيين" من سكان المدن إلى الانضمام إلى الحركة قبل انتخابات سنة 1984. وقد قام تسيدون بدور مهم في توسيع نشاطات الحركة ودفعها إلى الاهتمام بالقضايا الاجتماعية – الاقتصادية، بالإضافة إلى القضايا السياسية (مثل أرض إسرائيل الكاملة، والاستيطان، والموقف من الفلسطينيين العرب)، وفي تغيير صورتها الجماهيرية من مجرد "هتحيا – ب" إلى حركة ذات برنامج عريض. لكن أسلوب تسيدون في الإعلام والدعاية الحزبية، وتوجهه في الأساس إلى الشرائح العليا في المجتمع الإسرائيلي من أصحاب الميول اليمينية، الموجودة في "المنطقة الرمادية" بين هتحيا والليكود وتسومت، سبّبا توترات بينه وبين إيتان وحوارييه، الذين يميلون إلى التوجه إلى شرائح أدنى ويفضلون أسلوباً مغايراً قادراً على اجتذاب الشرائح "الشعبية"، بما في ذلك هوامش جمهور كاخ. وقد انفجرت هذه التوترات مع اقتراب موعد الانتخابات، وأدت – كما ذكرنا أعلاه – إلى إزاحة تسيدون عن مكانه.[5]

وبالنسبة إلى حزب موليدت، لم تكن الانتخابات الداخلية حتى اللحظة (أوائل أيار/مايو) قد جرت.

من ناحية البرامج السياسية لأحزاب أقصى اليمين، لم تطرأ أية تغييرات تستحق الذكر. ونعرض بسرعة، فيما يلي، القواسم المشتركة بين البرامج السياسية لأحزاب أقصى اليمين، مع الإشارة إلى بعض الفوارق المميزة:

  • المحافظة على "أرض – إسرائيل" الكاملة تحت السيطرة الإسرائيلية. ويعتبر هذا الهدف الفكرة المركزية في نظرتها الشاملة، والمحور الأساسي الذي تدور نشاطاتها حوله.
  • الدعوة إلى تطبيق السيادة الإسرائيلية في المناطق المحتلة فوراً. ويشذ عن ذلك حزب موليدت، الذي يدعو إلى تأجيل تطبيق السيادة إلى ما بعد تنفيذ "الترانسفير".
  • رفض الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكل ما يقود إليه أو يتفرع منه جملة وتفصيلاً، ورفض التفاوض في شأنه.
  • قمع الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي المحتلة بالوسائل الممكنة كافة، وإصدار أوامر إلى الجيش بإخمادها بسرعة مع منحه جميع الصلاحيات الضرورية لتحقيق هذا الهدف.
  • طرد الفلسطينيين العرب، كلهم أو قسم كبير منهم، إلى خارج الضفة والقطاع. وبينما يدعو موليدت إلى ترحيلهم كلهم بـ"الاتفاق مع الدول العربية"، تدعو هتحيا وتسومت إلى الاكتفاء بترحيل اللاجئين منهم فقط (لاجئو 48)، الذين يشكلون تقريباً نصف سكان غزة وثلث سكان الضفة الغربية، مع حجب "المواطنة" الإسرائيلية (أيضاً بعد الضم) عن المتبقين منهم.[6]

 

ويدعو حزب موليدت، بالإضافة إلى ذلك، إلى فصل عشرات الآلاف من العمال العرب في إسرائيل من وظائفهم في القطاع الاقتصادي اليهودي، وتشغيل اليهود العاطلين عن العمل والمهاجرين بدلاً منهم.

              ومن ناحية القوة الانتخابية، يشير آخر استقصاء متوفر (أيار/مايو 1992) إلى بقاء هتحيا في مستوى قوتها السابقة (3 مقاعد، أي عدد مقاعدها نفسه في الكنيست السابق)، وزيادة معينة في قوة موليدت (4 مقاعد في مقابل مقعدين)، وفي قوة تسومت (4 مقاعد في مقابل مقعدين). ويساوي عدد مقاعد معسكر أقصى اليمين، بحسب الاستقصاء، عدد مقاعد معسكر اليسار نفسه، ويمثل انحداراً في شعبية معسكر اليمين موازياً للانحدار في شعبية معسكر أقصى اليسار؛ إذ كانت أغلبية الاستقصاءات في سنتي 1990 و1991 تنبأت لكل منها بعدد من المقاعد يتراوح بين 11 و13 مقعداً.[7]

              وتستمد أحزاب معسكر أقصى اليمين قوتها الانتخابية، في الأساس، من شرائح اجتماعية أشكنازية مختلفة، في الريف والمدينة، أَمْيَل إلى أن تكون ميسورة، ولا تحظى بتأييد كبير في أوساط الشرائح الاجتماعية الفقيرة واليهود الشرقيين، التي فضلت في الانتخابات السابقة – بحسب تحليلات الخبراء – التصويت لليكود والأحزاب الدينية.[8]  ويلاحظ أن هتحيا تحظى بنسبة تأييد عالية في أوساط المستوطنين في المناطق المحتلة، لكون "غوش إيمونيم" جزءاً من القوى التي تتشكل منها، وأن تسومت تحظى بنسبة تصويت لا بأس فيها في الكيبوتسات والموشافات التابعة لحركة العمل الصهيونية، لكون المجموعة التأسيسية لتسومت متحدرة منها. وتأمل أحزاب أقصى اليمين بأن تنجح، في الانتخابات الحالية، في جذب جزء من ناخبي الأحزاب الدينية المتطرفين قومياً، الذين خاب أملهم في هذه الأحزاب نتيجة سلوكها في الأزمة الحكومية التي عقبت انفراط عقد حكومة "الوحدة الوطنية" سنة 1991، وفي الحصول على نصيب من أصوات المهاجرين السوفيات، ومن أصوات الناخبين الشبان الذين سيصوتون أول مرة في الانتخابات الحالية، والذين تشير الاستقصاءات إلى وجود تأييد كبير في أوساطهم لأحزاب أقصى اليمين.

              وعلى صعيد آخر، أعلنت ثلاث حركات تنتمي إلى معسكر أقصى اليمين، ولم يكن لها ممثلون في الكنيست السابق، نيتها خوض الانتخابات. وهذه الحركات هي: "كاخ"، و"كهانا حيّ"، و"أمناء جبل الهيكل". وكاخ هي استمرار لحركة كاخ إياها، التي اغتيل زعيمها الحاخام مئير كهانا في نيويورك، ويتزعمها الآن باروخ مرزل ونوعام فدرمان وتيران بولاك، الذين دخل كل واحد منهم السجن عشرات المرات في الأعوام الأخيرة بتهم مختلفة (اعتداء على عرب؛ الإضرار بممتلكات عربية؛ شبهة الانتماء إلى تنظيم السيكريكيم السري الإرهابي، إلخ...). أما "كهانا حي"، فقد أسستها مجموعة انشقت عن حركة كاخ بعد اغتيال زعيمها الحاخام كهانا، ويتزعمها يكوتيئيل يعقوب وبنيامين مئير كهانا. وتدّعي كل من الحركتين، اللتين تدعوان إلى ضم المناطق المحتلة وطرد الفلسطينيين العرب بقضهم وقضيضهم من فلسطين، لا فارق بين عرب المناطق المحتلة وعرب 1948، أنها الوارث الأصيل لكاخ، وأنها ستحصل على عدة مقاعد في الكنيست إذا لم يحظر عليها المشاركة في الانتخابات. ومن الجدير بالذكر أن الاستقصاءات في فترة معينة، قبل اغتيال كهانا، كانت تنبأت لكاخ بالحصول على سبعة مقاعد في الكنيست لو سمح لها بخوض الانتخابات في تلك الفترة. ويرجح المراقبون أن تحظر لجنة الانتخابات مشاركة الحركتين المذكورتين في الانتخابات، باعتبار أن ما سرى على كاخ يسري عليهما.

              أما حركة "أمناء الهيكل"، التي يتزعمها غرشون سلومون، فتضم في صفوفها بضعة آلاف من الأشخاص، وهدفها الرئيسي بناء "الهيكل الثالث" في مكان المسجد الأقصى بعد هدمه. لكن لا أحد يتوقع، في حال خوضها الانتخابات، أن تقدر على اجتياز "نسبة الحسم".[9]

أواسط أيار/ مايو 1992

[1]   نداف شرغاي، "كهانا حيّ، وهو يخوض الانتخابات"، "هآرتس"، 12/3/1992.

[2]   "هآرتس"، 24/2/1992.

[3]   المصدر نفسه، 21/4/1992.

[4]   المصدر نفسه، 15/4/1992.

[5]   عيدا أوشفيز، "نموذج زعيم يميني جديد"، "هآرتس"، 23/4/1992.

[6]   من أجل تفصيلات أكثر عن أحزاب أقصى اليمين وبرامجها، راجع: أحمد خليفة، "أحزاب أقصى اليمين في إسرائيل: سمات أيديولوجية وسياسية"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 5، شتاء 1991، ص 338 – 348.

[7]   The Jewish Chronicle, May 15, 1992 (بخصوص آخر استقصاء متوفر لدينا)، و"يديعوت أحرونوت"، 16/11/1990 (كنموذج للاستقصاءات السابقة).

[8]   من أجل تحليلات الخبراء الإسرائيليين لنتائج انتخابات سنة 1988، أنظر: "نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، السنة الخامسة عشرة، العدد 11، تشرين الثاني (نوفمبر) 1988.

[9]   شرغاي، مصدر سبق ذكره.