يتناول المقال وضع حزب الليكود عشية الانتخابات البرلمانية الذي بلغ أدنى حضيض له منذ تسلمه السلطة بحسب استطلاع للرأي توقع انخفاض عدد مقاعده في الكنيست. ويستعرض المقال أسباب هذا التراجع ومن بينها انتخاب يتسحاق رابين على رأس حزب العمل، وتورط بعض قادة الحزب في عدد من فضائح الفساد، واستمرار الخلافات في صفوفه، والتفتت السياسي المتنامي في إسرائيل. إلا إن المقال يلفت إلى أن الاستطلاعات بحسب التجربة مصدر لا يعول عليه في التنبؤ بمن سيفوز، إذ إن أحداً لا يعرف كيف ينظر الإسرائيليون إلى الأداء الاقتصادي للحكومة وهو الموضوع الذي وضعه الحزبان الرئيسيان (الليكود والعمل) على رأس برنامج العمل الانتخابي لكل منهما، بالإضافة إلى سياسات حزب العمل الاقتصادية المنفرة للجمهور واهتمام الناخبين بأوضاعهم المعيشية ورفاههم أكثر من عملية السلام. وتشير الكاتبة إلى الجهود التي يبذلها الليكود للفوز من خلال تركيزه على الناخبين الجدد، وعلى العمل لاستمالة أكثر من 400 ألف مهاجر روسي من الناخبين الجدد وتخصيص حملة لهذه الفئة تظهر حزب العمل كفرع للحزب الشيوعي، وإبراز القيادة الشابة لليكود في مقابل القيادة المسنة للعمل. كما تلمح إلى إمكان قيام حكومة الليكود بتوجيه ضربة إلى هدف عربي كبير لجلب التأييد للحزب كما حدث في الغارة على المفاعل النووي العراقي في 1981.
بدأ الليكود، بعد أعوام من التمتع بموقع أكثر الأحزاب الإسرائيلية إعجاباً في أوساط الجمهور – وهو موقع قلما يتمتع حزب حاكم به – يعاني انخفاضاً حاداً ومفاجئاً في شعبيته. ففي السابع من أيار/مايو، بيّن استطلاع للرأي العام أجرته مينا تسيمح التي تعتبر أبرز الخبراء بالاستطلاعات، وهي أيضاً عضو في لجنة العلاقات العامة في الليكود، أن الحزب قد بلغ أدنى حضيض له منذ استلامه السلطة؛ إذ من المتوقع له ألا يحصل، في انتخابات 23 حزيران/ يونيو المقبلة، إلا على 31 مقعداً من مقاعد الكنيست الـ 120 – أي على ما هو أقل بـ 15 مقعداً من حزب العمل.
ثمة أسباب عدة لهذا الانحدار. لكن الخبراء متفقون على أن بدايته كانت مع انتخاب يتسحاق رابين زعيماً للمعارضة؛ فمنها أن هذه الشخصية، المقيتة لدى اليسار الإسرائيلي الذي يلقب صاحبها بـ "رابين مكسِّر العظام"، تتمتع بصورة "صقورية" جذابة في نظر ناخبي الليكود المترددين. ورابين، البالغ من العمر سبعين عاماً، لا يزال يتمتع بما يكفي من قوة الشباب ليقوم بلقاءات انتخابية في أنحاء البلد كافة؛ وهذا أمر يعجز عنه شمير، البالغ من العمر سبعة وسبعين عاماً.
لذلك، لم تزل استطلاعات الرأي العام، منذ انتخابات زعامة حزب العمل في شباط/فبراير 1992، تظهر بصورة مطردة أن رابين أكثر الساسة الإسرائيليين شعبية. يضاف إلى ذلك أن من يليه في الشعبية ليس شمير، الذي يأتي في مرتبة متدنية في القائمة، بل أكثر "أمراء" الليكود بلاغة وأصغرهم سناً: بيني بيغن، وبنيامين نتنياهو.
ومن العوامل الأخرى المؤثرة في هذا الانحدار، ما تورط الليكود فيه من فضائح الفساد مؤخراً. فقد جاء في التقرير السنوي الرسمي لمراقِبة حسابات الدولة، مريام بن بوراث، أن مسؤولين كباراً في وزارة الإسكان قد تلقوا رشاوى ضخمة وارتكبوا أخطاء فادحة في الإدارة. ومع أن رئيسهم، أريئيل شارون، لم يتورط مباشرة في ذلك، فإن لديه ما يكفي من المتاعب في "قضية المنازل المقطورة"؛ فمنذ أشهر قليلة خلت، كشفت تحقيقات الصحف أن شارون اشترى من شركة أميركية ألوف المنازل المقطورة لإسكان المهاجرين، بسعر يبلغ ضعف ثمنها الإسرائيلي. والأسوأ من ذلك، أن المئات من هذه المنازل الغالية الثمن قد اختفت. والأدهى، أن شارون استطاع تجاوز حدود ميزانية الوزارة بما يقارب مليار دولار في عملية الشراء تلك.
ومما أضعف شعبية الليكود، أيضاً، ما استعر في صفوفه من خصومات؛ منها أن وزير الخارجية دافيد ليفي، الذي أسخطه تدني مستوى المناصب التي خصصتها لجنة الليكود التنفيذية لأنصاره، اختار البقاء بعيداً عن الحملة الانتخابية التي يخوضها حزبه. وهو سيمضي معظم وقته في زيارات رسمية خارج البلد. ولمّا كان أقرب الساسة إلى قلوب اليهود الشرقيين، ولا سيما في أوساط طائفة اليهود المغاربة الوفيرة العدد، فإن رفضه المشاركة في الحملة قد يقلب الموازين.
أما العامل الأخير الحاسم في انحدار الليكود، فهو التفتت السياسي المتنامي في إسرائيل. فمن ذلك أن انتخابات هذه السنة ستشهد تنافس 57 حزباً، منها 18 حزباً لها نواب في الكنيست الحالي. وعندما يكون متاحاً للناخبين الإسرائيليين أن يختاروا أوفق ما يوافق خياراتهم العقيدية، فإن الانتماءات الحزبية القديمة تفقد صفة الأمر المفروغ منه. وحتى الفئة التي جنت أعظم الفوائد من سياسات الليكود، جماعة الـ 112,000 مستوطن في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، فإنها ليست في جيب الليكود؛ إذ ينوي نصفها التصويت لليمين المتطرف، أو لأحد الأحزاب الدينية.
غير أن الاستطلاعات، مع ذلك، ليست مصدراً يعوَّل عليه في التنبؤ بمن سيفوز فعلاً في 23 حزيران/يونيو. فقد اعتُمد عليها سابقاً في التنبؤ المغلوط فيه بفوز العمل في ثلاث انتخابات من الانتخابات الأربع الأخيرة.
تعود المشكلة جزئياً إلى أن لا أحد يدري كيف ينظر معظم الإسرائيليين إلى الأداء الاقتصادي للحكومة؛ ذلك الأداء الذي وضعه الحزبان هذه المرة على رأس برنامج عمل كل منهما الانتخابي. فإدانة الليكود على ارتفاع نسبة البطالة في عهده إلى 10%، وهو ارتفاع لا سابق له في إسرائيل، قد خلف وقعاً أولياً لا شك فيه، ولكن ذلك قد لا يدوم. فقد بيّنت تقارير حديثة أن العاطلين عن العمل هم، في معظمهم، من المهاجرين الجدد، أو من العرب. ويبدو أن ليس لدى الإسرائيلي العادي ما يخشاه من سياسة الليكود المالية.
أما سياسات حزب العمل الاقتصادية، فتثير المخاوف لأسباب عدة؛ من ذلك، أن عادته في فرض الضرائب المرتفعة، وإجراءاته المعادية للمشاريع، وسخاءه على مؤسسات الهستدروت المرتبطة به، قد أبعدته عن قلوب الإسرائيليين الطموحين – وهم اليوم يشكلون السواد الأعظم من السكان.
وأما كون الجمهور الإسرائيلي يميل إلى تأييد موقف العمل – الغامض جداً – من السلام مع الفلسطينيين، فمن غير المرجح أن يشكل تعويضاً كافياً. ومع أن الاستطلاعات أظهرت أن مبدأ "الحلول الوسط الإقليمية" جذاب في نظر معظم الناخبين، فإن قلة منهم اختارت التصويت لحزب معيَّن بناء على موقفه مما تعتبره شؤوناً خارجية. وباستثناء قلة ملتزمة موجودة في طرفي الطيف السياسي، فإن الناخبين أَمْيَل إلى الاهتمام بمستقبل ودائعهم المصرفية، منهم إلى الاهتمام بمستقبل "يهودا والسامرة".
وحتى تأييد بعض الناخبين الحماسي لمحادثات السلام ليس بدليل على خياراته الانتخابية؛ فالكثيرون من الإسرائيليين يشاطرون شمير رأيه في أن المفاوضات، وإنْ تكن أمراً حسناً، "فإن السلام يستلزم وقتاً"، ويقتضي كثيراً من الحيطة، ولا يمكن تعجيله.
لذلك، يفلح ساسة الليكود في أن يبدوا مقنعين عندما يصرون على أن فوز حزبهم في الانتخابات ليس ممكناً فحسب، بل مرجَّح أيضاً. وهم لا يتركون النتيجة للمصادفة؛ فقد جمعوا 14 مليون دولار للحملة الانتخابية، التي تهدف إلى استمالة كل قطاع وفئة من قطاعات وفئات الناخبين الإسرائيليين البالغ عددهم 3,4 ملايين ناخب، من المزارعين إلى الأكاديميين. ويولى اهتمام عظيم لـ 300,000 ناخب جديد يقترعون أول مرة، وكثيرون منهم لا يزالون في الجيش.
حتى أن هناك دائرة حواسيب آلية، مهمتها إجراء مسح للناخبين العرب؛ ذلك بأن مسؤولي الحزب يشيرون إلى أن مزارعي الجليل الدروز قد أعطوا الليكود مقعداً في الكنيست في انتخابات سنة 1988. وبما أن الليكود أدرج اسم مرشح درزي في قائمة مرشحيه المضمون فوزهم، فإنه يتوقع الحصول على مقعدين في هذه الدورة.
لكن أعظم الجهود تبذل لاستمال جماعة أخرى، هي جماعة الناخبين بين 405,000 مهاجر جديد من الاتحاد السوفياتي سابقاً، الذي يستطيعون – نظرياً - أن ينتخبوا 9 نواب من مجموع نواب الكنيست الـ 120؛ وهم ناخبون عسيرون على التنبؤ: فقلة من اليهود الروس تقبل التحدث مع مستطلعي آرائها السياسية؛ والكثيرون ما زالوا يجهلون ما يكفي من العبرية لقراءة أسماء الأحزاب على بطاقاتهم الانتخابية.
وتركّز حملة الليكود بالروسية على إظهار حزب العمل بمظهر فرع من الحزب الشيوعي. فمن ذلك، أن إعلانات الليكود في صحافة إسرائيل الناطقة بالروسية، تظهر رابين إلى جانب ماركس ولينين وستالين، وتشير إلى حزب العمل دائماً بعبارة "الحمر". ولا يكاد يؤتى إلى ذكر شؤون الشرق الأوسط السياسية في دعاية الليكود، "لأن المهاجرين"، وفق ما قال بعض مديري حملة الليكود لصحيفة "هآرتس"، "يهتمون بمشكلات الاستيعاب أكثر من اهتمامهم بمستقبل نابلس."
أما هل ستنجح هذه الاستراتيجية أم لا، فأمر متروك للأيام. وفي الوقت الحاضر، تتراوح نسبة مؤيدي الليكود من المهاجرين الروس بين 14% و33% (بحسب ما تبين في الاستطلاع).
ولا يبدي مديرو حملة الليكود كبير اهتمام بشؤون الشرق الأوسط، حتى في مخاطبتهم القطاع الأكبر من الجمهور الإسرائيلي. والعرب الوحيدون الذين يؤتى إلى ذكرهم في حملة الليكود هم العرب المحليون. ويتهم إعلان من أوسع إعلانات الليكود الانتخابية انتشاراً، حزب العمل بالسعي لإقامة حكومة يدعمها نواب من عرب إسرائيل. أما عند الإشارة إلى الصراع العربي – الإسرائيلي، فإن الليكود يقتصر – كحزب العمل – على كلمة سر واحدة: "الأمن".
وبدلاً من ذلك، يبرز الليكود الحيوية التي لا يزال وزراؤه يتمتعون بها للقيام بمهماتهم. ففي إعلان نشر في الصحف الإسرائيلية كافة، يظهر شمير محاطاً بباقة من ساسة الليكود النضري الوجوه، بدءاً ببيني بيغن ابن مناحم بيغن وانتهاء بوزير العدل دان مريدور، تحت عبارة: "الليكود: قادة شباب ومجرَّبون". واللافت غياب أبرز زعماء الحزب وأقواهم (لكن أعمارهم في الخمسين وما فوق): دافيد ليفي، وموشيه آرنس، وأريئيل شارون.
والصورة مصمَّمة لتبرز التناقض مع قيادة العمل المسنّة والمتهافتة. وقد ركزت انتقادات الليكود لحزب العمل على كون مرشح العمل لرئاسة الحكومة أضعف من أن يقوم بالمهمة: لقد وصفه أحد خطباء الليكود، في أيار/ مايو الحالي، بأنه مدمن كحول أُصيب بانيهار عصبي في إبان حرب 1967. وقد ذُكِّر الناخبون أيضاً بأن رابين أُقصي عن رئاسة الحكومة سنة 1977، بسبب انتهاك القانون الإسرائيلي في شؤون مالية.
من الجائز أن تؤتى هذه الانتقادات ثمارها، لجهة تقليص المسافة بين الحزبين على الأقل – وهذا عملياًً كل ما يحتاج الليكود إليه من أجل الفوز. وليس على الليكود، كما أشار قائد حملته الانتخابية موشيه نسيم، أن يكسب العدد الأكبر من الأصوات ليظل في السلطة؛ ففي وسعه أن يكوِّن ائتلافاً مع حلفائه الطبيعيين في أقصى اليمين، وفي الأحزاب الدينية. أما العمل، فلن يستطيع أن يفعل الشيء نفسه إذا ما فاز بأغلبية ضئيلة.
ويذهب ساسة الليكود إلى أنهم قد يضطرون، في أسوأ الأحوال، إلى تأليف حكومة مشتركة من الليكود والعمل، مثل تلك التي أُلّفت سنة 1984، والتي تناوب الحزبان رئاستها.
ويلزم المعلقون الإسرائيليون جانب الاحتراس فيما يتعلق بأي من هذين السيناريوهين أوفر حظاً. والحملة الحقيقية لا تبدأ فعلاً، فيما يخص الكثيرين، إلا في 23 أيار/مايو – أي يوم يسمح لبرامج الأحزاب بأن تُبَثّ على شاشة التلفزة الإسرائيلية. وفي رأي إيلان شيحوري، خبير صحيفة "هآرتس" بشؤون الانتخابات، فإن "استخدام التلفزة سيصب حتماً في مصلحة الليكود، لأنها تنقل النقاش إلى صعيد عاطفي." يضاف إلى ذلك، أن الليكود أوكل مهمة البرامج الانتخابية إلى بنيامين نتنياهو، ـأفضل خبراء الدعاية السياسية لديه.
ولئن أخفقت مساعيه للجم انزلاق التأييد بعيداً عن الليكود، فثمة دائماً خيار مجرب معروف: غارة عسكرية مفاجئة على هدف عربي كبير. فقد ذكّر خبراء إسرائيليون عدة، مؤخراً، بالدور الذي قام به قصف الليكود للمفاعل النووي العراقي سنة 1981 قبيل الانتخابات، في تعزيز أرصدة الليكود من الحمية الوطنية. وثمة تصريحات منبئة بشيء من ذلك، تصدر عن القطاعات المؤيدة للحكومة في العسكر. ففي مقابلة أجرتها صحيفة "معاريف" اليومية اليمينية، في 17 نيسان/أبريل، مع نائب رئيس الأركان أمنون شاحك، من دون مناسبة ما، قال شاحك: "أعتقد أن على دولة إسرائيل أن تسخِّر طاقاتها ووسائلها كلها من أجل الحؤول دون تطوير أية قدرات نووية لدى أي بلد عربي. وفي رأيي أن معظم الوسائل لتنفيذ هذه المهمة، إنْ لم يكن كلها، حلال."
أما هل يعني هذا القول إن الليكود مستعد لاستعادة السلطة بقوة القنابل في حزيران/ يونيو 1992، فمما يعسر التيقن منه.
أيار/مايو 1992