ديفاين. "السياسة والمجتمع في فلسطين العثمانية: النضال العربي من أجل البقاء والسلطة" (بالإنكليزية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

السياسة والمجتمع في فلسطين العثمانية: النضال العربي من أجل البقاء والسلطة

Politics and Society in Ottoman Palestine: The Arab Struggle for Survival and Power 

Donna Robinson Divine Boulder and London: Lynne Rienner Publishers, 1994.  226 pages, 38 $.

 

إن هذا العرض الذي يركز بصورة واسعة وفضفاضة على السياسة والمجتمع الفلسطينين من سنة 1800 حتى العقد الأول من عهد الانتداب، معبّد بالنيات الطبية. ففي المقدمة تناقش المؤلفة أهمية إدراك تعقيدات المجتمع الفلسطيني والمسارات المتنوعة للتغيير القائمة على الاختلافات الطبقية والجغرافية والاختلافات بين الجنسين. كما أنها تؤكد الحاجة إلى الأخذ في الاعتبار الدور الذي لعبه الرجال والنساء "العاديون" في إحداث التحول الذي أدى إلى تكوّن "العربي المعاصر" (ص 1). وتضيف المؤلفة أنه من أجل التوصل إلى فهم أفضل للتغير السياسي، فإنه يجب النظر إليه باعتباره عملية "صراع خلاق من أجل البقاء" من جانب "الفلسطينيين العرب" في مواجهة المؤسة "الإمبريالية" العثمانية التي أخذت تتدخل بصورة متزايدة في مختلف مناحي حياتهم، وفي مواجهة الاقتصاد العالمي الآخذ في التغيير (ص 4). ولسوء الحظ، فإن الهوة بين النيات والمحصلة النهائية تبدو ساطعة.

ويكمن وراء المشكلة، جزئياً، اعتماد المؤلفة كلياً تقريباً على مصادر إنكليزية وعبرية ليست أولية. وبسبب التجاهل الكبير في المؤلفات المنشورة للتاريخ الاجتماعي للسكان، فإن فقدان البحث الأولي يولد قصوراً بنيوياً حاداً في اتساع وعمق تحليلها للمجتمع الفلسطيني  *. وإذا أخذنا في الاعتبار استفادة المؤلفة من عدد كبير من المؤلفات (بما في ذلك أطروحات وعدد من المقالات غير الشائعة) التي تتناول التطور السياسي، فإنه من المدهش عدم رجوعها إلى كثير من المؤلفات المكتوبة باللغة الإنكليزية، والتي كان من الممكن أن تكون مركزية في ضوء اهتمامها المعلن بالمجتمع الفلسطيني.

ونذكر، على سبيل المثال، كتاب آنيليز مورز عن النساء والزواج والملكية، وكتاب سعاد العامري عن الحيِّز وعلاقة القرابة ووضع الرجل والمرأة كما تظهر في فن العمارة عند الفلاحين، وكتابي أنا شخصياً عن التجار والفلاحين والشبكات التجارية .. إلخ.ولم تقم المؤلفة بمراجعة تشكيلة واسعة من الكتب والمقالات المتوفرة باللغة العربية، مع استثناء حفنة من المؤلفات المعروفة. وبالتالي، وعلى الرغم من الاستطرادات الفرضية (التي غالباً ما تأخذ شكل تعميمات تفتقر إلى المرجعية) بشأن أنماط الزواج، والحياة العائلية، وأوضاع الفلاحين، والثقافة الحضرية، والاتجاهات الاقتصادية، والتعليم، فإن هذا الكتاب يبقى من حيث الجوهر مقالة سياسية عن تجارب ومحن نخبة من ذوي المناصب في المدن.

وعليه، فإنه ليس من المستغرب أن يتبع هذا الكتاب التقسيم إلى فترات وعناوين وفصول. فالفصل الأول، "المجتمع العربي والاقتصاد 1800 – 1831"، يقدم نظرة عامة مشتتة إلى حد ما، القصد منها رسم المنحى الأساسي الذي سيعرض على خلفيته المتغيرات السياسية المتوقعة لاحقاً. ويركز الفصلان الثاني والثالث، "الحكم المصري 1831-1840" و "(عودة) الحكم العثماني والإصلاحات المبكرة 1840-1875"، على التوالي، حصراً على التحديات التي طرحتها هذه القوى بالنسبة إلى سلطة الوجهاء المحليين. وفي الفصل الرابع، الذي يحمل عنوان "أثر الإصلاحات العثمانية والتوسع الاقتصادي الغربي 1875-1908"، نعثر على أول نقاش جدي للقضايا الاقتصادية والاجتماعية، وإن كان متقطعاً وانتقائياً. أما الفصول الثلاثة الأخيرة، التي تغطي "ثورة تركيا الفتاة" و "الحرب العالمية الأولى" و (العقد الأول) من "الحكم البريطاني"، فإنها تعيد القارئ إلى السرد السياسي الذي انقطع لفترة وجيزة.

إن تفسير المؤلفة للأدبيات الثانوية المتعلقة بالموضوع بالكاد يتصف بالأهمية التصحيحية الذي تنسبه المؤلفة إليه. إن مقولتها الرئيسية – أنه من الأصح، بدلاً من أن ينظر إلى الحكم العثماني، كمواجهة خالصة بين المركز والمحيط، أن ينظر إليه بصفته نظاماً لإطلاق أو لمنع خيارات، حددت بدورها مجرى صراع الزعماء الفلسطينيين المستمر على السلطة والمنصب – تتحدى الرؤية القومية العربية الشائعة حول الماضي العثماني. لكن معظم الدراسين قدم تفسيرات شبيهة، على الأقل منذ نشر مقالة ألبرت حوراني الكلاسيكية سنة 1968 بشأن الإصلاحات العثمانية وسياسات الوجهاء. إن ما يجدر معالجته في هذا السياق هو البيئة المحلية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لهذه السياسات، إضافة إلى المشكلة الصعبة التي تتمثل في الملامسة الحية للفوارق الدقيقة التي لا تكاد تدرك في التركيب الاجتماعي غير المتبلور للوجهاء. وفي كلا الناحيتين، سيجد المختص هذا العمل ناقصاً.

وفي أية حال، فإن النية التصحيحية تبدو حتى أكثر ضعفاً في التقسيم المتبع للفترات (سنة 1800 كحد فاصل)، وفي ميدان الصراع السياسي (الصراع بين النخب) وفي الحديث عن قوى التغيير الفعّالة (الخارجية، ومن القمة إلى القاعدة).

وهكذا، فإنه ليس من المستغرب أن تخلص المؤلفة إلى النتيجة المألوفة، والتي لا تساعد كثيراً في فهم الأمور، بأن فشل الوجهاء الفلسطينيين في توفير قيادة فعّالة خلال فترة الانتداب يرجع إلى انعماسهم في الثقافة السياسية العثمانية، وبالتالي عدم قدرتهم على استخلاص دروس غير تلك الدروس التي ثبت في النهاية أن لها علاقة بالسياق الجديد أو أنها جلبت نتائج عكسية (ص 211).

ولعل ما هو أخطر من المقاربة التقليدية والرؤية الضيفة للمؤلفة هو أن الجمهور المراد لهذا العمل، أي القارئ العادي، سيصاب بالتشوش بلا شك، من جراء فقدان السرد المتماسك والموجز للتطورات السياسية، كما أنه سيصاب بالإحباط من جراء غياب الوصف التفصيلي والحميم للحياة الفلسطينية.

وفقرة بعد فقرة، يُطلب من القارئ أن يستوعب عشرات من التعميمات بشأن توجهات وتيارات من دون الاستناد، إلا فيما ندر، إلى تاريخ محدد، أو فترة زمنية أو مكان أو حادث أو شخص من شأنه أن ينفخ في هذه التعميمات روح الحياة. إن ندرة الأمثلة التفصيلية والدراسات العينية، أو حتى الحكايات، تفوٍّض من المحاولات الجديرة بالثناء للمؤلفة لإظهار فهم وحساسية تجاه التنوع الإقليمي والطبقي والبيئوي للحياة الفلسطينية.

إلى ذلك، فإن التنافر المنهجي المزعج يزيد في اهتزاز صدقية تعميمات المؤلفة، ويجيز للقارئ أن يتساءل: إلى من تشير شبه الجملة "العرب الفلسطينيون" التي يتكرر استعمالها؟ ففي النصف الأول من الكتاب كان بيدو أنها تعني بذلك السكان الأصليين ككل. لكن في النصف الثاني ضاق معناها حتى اقتصرت على المسلمين. فعلى سبيل المثال، حين تناقش المؤلفة المقاومة المحلية للإصلاحات العثمانية تعلن أن "العرب الفلسطينيين خشوا من أن يضر التكافؤ الديني بالوضع الاقتصادي للمسلمين، بينما يحسّن وضع المسيحيين"! وأن العرب الفلسطينيين "نظروا إلى الصهيونية بالقدر نفسه من الخشية" (ص 158). وبالإضافة إلى ذلك، فإن كلمة "وجهاء" تستخدم أحياناً كمرادف لكلمات مثل "غني" و"النخبة" و"الطبقة السياسية".

وأخيراً، فإن المشكلات التقنية العويصة تقلل من صدقية ما قامت المؤلفة به من استخدام وعرض لمادة المراجع الثانوية التي يعتمد هذا الكتاب عليها. يمكن للمرء أن يتفهم الإقلال من استخدام المراجع، لكن لماذا تُترك الاقتباسات بلا إشارة إلى المرجع (في ص 121 على سبيل المثال)؟ ولا يقل خطورة عن ذلك إهمال المؤلفة إيراد أرقام الصفحات في عشرات من المراجع التي اقتبست منها استشهادات أو أجزاء من معلومات محددة. ومثال ساطع لذلك هو. كتاب إحسان النمر عن نابلس، المؤلف من عدة مجلدات، والذي تم اقتباس أو عرض مقاطع معينة منه من دون الإشارة حتى إلى رقم المجلد.

وفي تطرف في الاتجاه المعاكس تلجأ المؤلفة أحياناً إلى ذكر كثير من المصادر لإثبات استنتاجات واضحة لا تحتاج إلى إثبات. فعلى سبيل المثال، ذكرت المؤلفة سلسلة كاملة من السجلات من محفوظات الدولة الإسرائيلية (من غير تحديد أرقام الصفحات أو الملفات) لدعم استنتاجها البسيط وقليل الفائدة بأن "الأرباح [أرباح تجار يافا في العقود الأخيرة من الحكم العثماني] تأثرت بسياسات الحكومة إضافة إلى ظروف السوق" (ص 121).

إن موضوع التاريخ الفلسطيني خلال الحقبة العثمانية هو محط اهتمام متزايد منذ عقدين. وحيث أن النقاشات القومية التي أثارها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بدأت تفسح في الطريق أمام القضايا الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الأقل درامية، لكن المساوية للأولى في الأهمية، فإن الاهتمام في موضوع التاريخ الفلسطيني متجه نحو التعاظم. ولو أن نيات المؤلفة، وما حمله عنوان هذا الكتاب من وعد، تحقق، لكان هذا أفضل وقت لظهوره. لكن الناتج يفرض على القارئ أن يبحث في مكان آخر عن مراجعة مثيرة للاهتمام وجديدة في رؤيتها للتغيرات في السياسة والمجتمع الفلسطينيين خلال القرن الأخير من الحكم العثماني.

 

* Beshara Doumani, “Rediscovering Ottoman Palestine: Writing Palestinians into History,” Journal of Palestine Studies, 21, No. 2 (Winter 1992), pp. 5-28.

السيرة الشخصية: 

بشارة دوماني: أستاذ التاريخ في جامعة بنسيلفانيا.