إعادة تعريف الأساسيات: السيادة والأمن بالنسبة إلى الدولة الفلسطينية
كلمات مفتاحية: 
الدولة الفلسطينية
الأمن الفلسطيني
الأردن
فلسطين
إسرائيل
التنمية الاقتصادية
السيادة
نبذة مختصرة: 

تعرض الدراسة صوغ مفاهيم المشكلة المطروحة، فتحدد ثلاث مشكلات رئيسية تهدد دولة فلسطينية ذات معنى. وتتناول غياب الأمن الفلسطيني وانعكاساته، والأمن بصفته "رزمة"، والأمن التكاملي، و "المنطقة المفتوحة" التي قد ترتبط الأردن وفلسطين وإسرائيل بهيكل خاص مصمم لتعزيز الأمن المتبادل والتنمية الاقتصادية، وكذلك السيادة ومصفوفة الأمن.

النص الكامل: 

بتوقيع "إعلان المبادئ" في واشنطن بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر 1993، أصبح احتمال قيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف ممكناً، إن لم يكن لا مناص منه في الواقع. أما الشكل الذي ستتخذه الدولة الفلسطينية، إذا قامت، فمسألة أخرى والقيود التي يضعها الجانب الإسرائيلي.. مثل نزع السلاح، والإصرار على الاحتفاظ بالقدس الكبرى ومساحات واسعة من الضفة الغربية، ومنع اللاجئين الفلسطينيين من العودة.. والإجماع [الإسرائيلي] الواسع الداعم لهذه القيود، أمور معروفة جيداً، وكذلك حقيقة أن أشد حكومات إسرائيل حمائمية فقط من شأنها أن تخفف تلك القيود على نحو يتعدى القضايا الهامشية، هذا إذا حدث ذلك أصلاً. كما أنه لم تبق أية أوهام فيما يتعلق بحدوث تغيير في الميزان الاستراتيجي مع إسرائيل، أو في دعم الهموم الفلسطينية المركزية من قبل الدول العربية أو المجتمع الدولي. ومع ذلك، ومع حقيقة أن الشروط الإسرائيلية المسبقة معروفة جيداً وانعكاساتها مدركة، فإن قلة فقط، إن وجدت أصلاً، من صانعي القرار الفلسطيني قد قوّمت بصورة منهجية وهادئة "الرزمة" الكاملة التي ترافق الدولة، ناهيك بصوغ استراتيجيا متماسكة كرد على ذلك.

ومع ذلك، ولزيادة طاقاتهم إلى الحد الأقصى واستباق (أو تحسين) النتائج، فمن الجوهري أن يحدس الفلسطينيون ما عساه يكون مضمون هذه الرزمة فعلاً، ومن ثم يبنوا مطالبهم واستراتيجياتهم وفقاً لذلك. وبكلام آخر، على الفلسطينيين أن يتفحصوا بعناية معنى السيادة، لا فقط في العالم الحديث المتشابك الذي سينخرطون فيه، شاؤوا أم أبوا، وإنما أيضاً في السياق المحدد للترتيبات التعاقدية مع إسرائيل والأردن التي سترافق حتماً قيام الدولة الفلسطينية والتي تمس بصورة ضاغطة مجالات رئيسية من الحياة الفلسطينية. 

صوغ مفاهيم المشكلة

ثلاث مشكلات رئيسية تهدد دولة فلسطينية ذات معنى. الأولى هي مساحة مقلصة جداً من الأرض، التي قد تكون أيضاً مفتتة إلى جيوب غير متواصلة. والثانية هي إمكان بقاء خليط من التجمعات السكانية والإسرائيلية (مستوطنون) والفلسطينية، الأمر الذي يثير احتمالات ولاية مختلطة أو متشابكة، بكل ما يرافق ذلك من تعقيدات إدارية وأمنية وسياسية. والثالثة تتمثل في القيود على عودة اللاجئين الفلسطينيين وتسليم القدس الشرقية للسيادة الفلسطينية، الأمر الذي من دونه ستفقد الدولة الجديدة الكثير من هويتها الوطنية وشرعيتها السياسية.

وفي كل من هذه الحالات يبقى السؤال: هل يستطيع الفلسطينيون التعايش مع الدولة كما هو مرجح لها أن تبنى، وكيف يمكن لهم فعل ذلك؟ وهل يتطلب ذلك إعادة تعريف جذرية لمعنى السيادة في السياق الفلسطيني، وهل يمكن فعل ذلك من دون أن تصبح ترجمة السيادة تغييباً لها بكل بساطة؟

إن طريقة مفيدة لمقاربة المسألة تكمن في التفكير في مصطلحات الأمن. وفي هذا السياق ينطوي الأمن على معنيين متميزين. فهو في المفهوم الضيق يعني الدفاع العسكري في مواجهة تهديدات مباشرة ومادية للسكان، والمنشآت أو الموارد الاقتصادية الحيوية، ووكالات الدولة. وفي المفهوم الآخر الأوسع، يعني القدرة على حماية "القيم الوطنية"، التي يمكن بخطوط عريضة تعريفها بأنها صون الدولة سياسياً وإقليمياً، وضمان السلامة الجسدية للسكان وبقائهم، وتطوير الرفاه الاقتصادي، والحفاظ على الوئام الاجتماعي.1

وبهذا التعريف، يتوقف الأمن على تحقيق الدولة، وبالتالي الحفاظ عليها. ويمكن قياس ذلك بمصطلحات القدرات المادية (العسكرية والاقتصادية، لكن أيضاً التنظيمية / المؤسساتية)، والشرعية السياسية، والاستقلال الذاتي (فيما يتعلق بالقوى المحلية والخارجية)، وكذلك التمييز الوظائفي والتنسيق بين وكالات الدولة.2 والمصادر المعينة لكل عنصر وكذلك التوازن الكلي بينها يختلفان من دولة إلى أخرى. وكذلك الحال بالنسبة إلى قدرة الدولة على تنظيم الحياة الداخلية، واستخراج الموارد الصحيحة، والتغلغل في المجتمع (سياسياً وإدارياً).3 وهذه هي المتغيرات التي تميز الدول "القوية" من الأخرى "الضغيفة".4

ويتضح على الفور ان الدولة الفلسطينية ستكون "ضعيفة" بأغلبية المعايير. ومع ذلك، فالدولة قد تحيا، جزئياً، لأن نجاحها في الحصول على الاعتراف الدولي (الدولة القانونية) لن يتوقف على القدرة المتكافئة للسيطرة على رقعة أرض والدفاع عنها (الدولة الفعلية).5 وفي الحقيقة، إن المسألة على العكس تماماً؛ فالمرجح أكثر أن يأتي الاستقلال لأي القوى الخارجية ذات الاعتبار الأعلى – إسرائيل ومن بعدها الولايات المتحدة والأردن – قد توصلت إلى استنتاج أن هناك فارقاً ضئيلاً في حقيقة الأمر بين الحكم الذاتي الفلسطيني والسيادة الاسمية عندما يتم وضع الشكل النهائي للتسوية السياسية في مكانه. وبالدرجة نفسها من الأهمية، فإن الدولة ستشيّد على البناء الوطني الفلسطيني الجاري منذ سنة 1948، وتثبيت نظام سياسي جديد وتحالفات اجتماعية في غزة والضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) تحت السلطة الفلسطينية.

وهذا يوحي بوجود ما يكفي من الأسباب لبروز دولة فلسطينية، فإن كانت السيادة فيها محددة بقيود رسمية وتعاقدية، وكذلك بالانكشاف الكامل للنظام السياسي الفلسطيني، والمجتمع، والاقتصاد، أمام قوى خارجية. فالسيادة المثلومة الضعف البنيوي سيكونان من ملامح أية دولة فلسطينية، وبالتالي فإن السؤال: "كيف يستطيع الفلسطينيون العيش في دولة كما هو من المرجح أن تبنى" يختزل إلى: هل يستطيع الفلسطينيون، عبر خيارات مدروسة ومبادلات محسوبة، القيام بدور نشيط في تخفيف وطأة بعض جوانب الضعف وتحويل جوانب أخرى عن عمد إلى ميزات، إلى حد يصبح معه جوهر "القيم الوطنية" مصوناً بما فيه الكفاية؟ وفي الحساب الأخير، فإن دولة "قوية" لأنها تتمتع باستقلال ذاتي كبير تجاه مجتمعها بالذات ليست دائماً أمراً مستحسناً، والفلسطينيون قد يجنون الفائدة بدلاً من ذلك من دولة "ضعيفة"، عليها أن تعوض  القيود المفروضة عليها من الخارج غير لا مركزية السلطة وتحسين الأداء على جميع المستويات.

وعملياً، فالجواب الفلسطيني عن السؤال أعلاه سيتوفر بصورة حتمية تقريباً من خلال سياسات انتقائية ومسار من التجربة والخطأ تكون فيه الوطنية الشعبية، والطموحات الشخصية والفئوية، والمصالح المشتركة، والقصور الذاتي الجماعي، كلها عوامل لها تأثيرها. ويجري الآن وضع صيغة النظام السياسي الفلسطيني الجديد، وكذلك البناء الداخلي للدولة العتيدة، مع أن المكانة القانونية لهذه الأخيرة لا تزال غير محددة في المجتمع الدولي. وهذا يوحي بأن السلوك النفعي في المدى القصير (داخلياً) و "سياسة التوازنات" (خارجياً) سيميلان نحو القيام بدور أكبر من التخطيط الواعي فيما يتعلق بعمل الفلسطينيين على طريق الدولة.

ومهما يكن من أمر، فإن هناك فارقاً مهماً بين المسارات الداخلية لبناء الدولة (تشكيل السلطة الاجتماعية عبر الرواقع السياسة والاقتصادية وسواها) من جهة، والتفاوض بشأن الشروط للاستقلال عن إسرائيل (وربما لكونفدرالية مع الأردن) من جهة الأُخرى. فالمسار الأول هو أساساً تطور متدرج، نادراً ما يتوافق مع التخطيط الإداري، في حين أن الممارسة الثانية تتطلب وضوح الهدف والحساب الدقيق للإيجابيات والسلبيات في المدى البعيد. ومع ذلك فإن "شروط الاستقلال" تنبثق عن سلسلة من الحلول الوسط قد تتغير المسودات الأولى فيها إلى حد يصعب معه التعرف إليها، إلا أن النتيجة، مع ذلك، ستتخذ شكلها، متأثرة تأثراً عميقاً بدرجة التفكير والإعدادالمنظمين اللذين سبقا في كل جانب.

غياب الأمن الفلسطيني وانعكاساته

فيما عدا الأساس القانوني لدولتهم، الذي تشارك كل من الولايات المتحدة وإسرائيل فيه من خلال قبولهما قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لشهر تشرين الثاني / نوفمبر 1947، 6 يفهم الفلسطينيون أن ممارستهم السيادة على أرضهم ومواردهم وشعبهم هي المحدد الرئيسي لسلامة وجودهم وبقائهم الوطني. ومن هنا الضرورة الملحة للدولة المستقلة. وإلى أن تقوم هذه الدولة، يبقى الشعب الفلسطيني تحت درجة أو أُخرى من الاحتلال العسكري الإسرائيلي، أو بيقى في المنفى الذي أظهرت حوادث لبنان والكويت المخاطر التي ينطوي عليها بوضوح. وعليه، فهناك شعور عميق بأن الدولة هي الوسيلة الوحيدة لضمان الحاجات الأمنية الفلسطينية، فردياً وجماعياً، وهي المحصلة، فهذا الفهم بعينة هو الذي قاد الحركة الصهيونية قبل سنة 1948. 7

ولا بد من التشديد على أن حاجة الفلسطينيين إلى الحماية الجسدية ليست نزوة، وإذ لا تزال حوادث حرب سنة 1948 تثير الخلاف، فلا جدال في أنها أدت إلى اقتلاع وتشتيت الجزء الأكبر بما لا يقاس من السكان الفلسطينيين. وصدمة الانفصال عن الأرض والوطن و "تقطيع أوصال" المجتمع الفلسطيني ككل تضاعفت في الأعوام اللاحقة نتيجة تقلبات الحياة تحت السيطرة الأجنبية، سواء الإسرائيلية أو العربية. وبالنسبة إلى الأغلبية، أصبحت حال الفلسطينيين حال منفى وقابلية للعطب؛ وبعد حزيران/يونيو 1967 وقع باقي السكان الفلسطينيين تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي8 وطبيعة التهديد الوجودي للفلسطينيين تتضح من حقيقة أنه خلال العقدين اللاحقين لسنة 1967 قتل نحو 35,000 – 40,000 فلسطيني في القتال مع إسرائيل أو في الصراعات الأهلية المتعلقة به في البلاد العربية9 وفي المناطق المحتلة، يقدر عدد الفلسطينيين الذين أخضعوا للاستجواب بما بين 350,000 – 400,000، وصدرت أحكام بالسجن بحق نحو 100,000 فلسطيني بين سنة 1967 ومنتصف الثمانينات، وذلك حتى قبل أن يتسبب القمع الإسرائيلي للانتفاضة في إضافة  1200 قتيل، وأكثر من 100,000 جريح، و 80,000 – 90,000 سجين في فترة 1987 – 1993. وهذا التهديد ينبع مباشرة من افتقادهم السلطة المستقلة على أنفسهم وعلى الأرض التي عاشوا عليها.

وإذا كان مفتاح الأمن الوجودي للفلسطينيين هو الدولة، فكيف إذاً يتم تعريف الأمن المادي للدولة الفلسطينية؟ إن الدولة الفلسطينية ستواجه لدى قيامها مستويين متميزين من التهديد: هجوم واسع النطاق لقوات مسلحة نظامية تابعة لدول مجاورة، وعنف منخفض المستوى تقوم به جماعات سرية شبه عسكرية، وربما توفّر لها سبيل الوصول إلى موارد الدولة وقوات الأمن والدفاع.

ومن الجانب الإسرائيلي، يأتي التهديد من مصادر متنوعة، أحدها من صنع مستوطنين إسرائيليين سابقين أو مدنيين آخرين ممن قد يشكلون شبكات إرهابية سرية كتلك التي ظهرت بين الحين والآخر منذ سنة 1980، عندما حاولت إحدى المجموعات اغتيال ثلاثة رؤساء بلديات فلسطينيين منتخبين. وتهديد آخر هو إمكانية عمل يقوم به ضباط أو موظفون حكوميون آخرون، يتصرفون على عاتقهم أو بالتواصل مع مجموعات مدنية سرية، أو يسعون لاستغلال مواقعهم الخاصة لافتعال حوادث بين دولتي إسرائيل وفلسطين.10  

وحتى في غياب أفراد ذوي جداول أعمال خاصة، فإن الحكومة الإسرائيلية قد تخطئ في قراءة تطورات سياسية وعسكرية في فلسطين أو في دول عربية مجاورة أخرى، وقد تبالغ في الرد على عمل يقوم به عملاء محرّضون. وعندها، قد تقوم بعمليات عسكرية ضد الدولة الفلسطينية، تمشياً مع التشديد في العقيدة العسكرية الإسرائيليةعلى ضربات الوقائية والاستباقية، من دون أن يكون هناك في الواقع ضرورة لذلك. والأشد خطورة هو ما إذا أحست إسرائيل بتهديد عسكري بري من قبل سوريا، أو العراق، أو أية دولة أخرى، يمكن أن يدفعها إلى احتلال فلسطين مرة أخرى كإجراء استباقي. وفي أية حال، فإنه بالتحديد لمواجهة سيناريو هجوم واسع النطاق لقوات عربية تقليدية تتحرك عبر الضفة الغربية، ستصر إسرائيل من دون شك على ترتيبات أمنية صارمة في أي اتفاق سلام يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية.11

ومن التهديدات الأخرى القائمة ضد الأمن الفلسطيني إمكان اللجوء إلى عمليات سرية من قبل أفراد أو مجموعات، من فلسطينيين معارضين للسلام مع إسرائيل. كما أن التوتر بين الكتل الاجتماعية في الأردن قد يقود إلى أشكال مختلفة من العنف المنخفض المستوى، وإلى الاحتكاك السياسي أيضاً. لكن يستبعد جداً أن يعرّض الأردن فلسطين للتهديد العسكري، ذلك لأن إسرائيل لن تحتمل تحرك قوات كبيرة ومنظومات أسلحة عبر نهر الأردن لأي سبب كان. كما أن استقرار المملكة الاقتصادي والاجتماعي سيتزعزع إذا تدهورت العلاقات الفلسطينية – الأردنية. ومع ذلك، يستطيع الأردن أن يسبب أضراراً جسيمة للأمن القومي والاقتصاد الفلسطينيين، إذا اختار ذلك لسبب ماء من خلال وقف حركة المرور من الضفة الغربية عبر نهر الأردن.12

وفيما يتعلق بقدرة الدولة الفلسطينية على مواجهة هذه التهديدات، حتى لو لم يفرض اتفاق السلام مع إسرائيل قيوداً ورئيسية على الترتيبات العسكرية الفلطسينية (وهو احتمال بعيد جداً)، فإنها [الدولة] لن تمتلك الوسائل المادية والبشرية لبناء قدرة دفاعية كافية لأن تشكل رادعاً جدّياً لهجوم تقليدي حازم، ناهيك بصدّه، وتجربة تشكيل قوة الشرطة الفلطسينية، كما حددها اتفاق القاهرة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في أيار / مايو 1994، تقدم دليلاً واقعياً، والبنك الدولي يتوقع أن تصل تكلفتها السنوية إلى 180 مليون دولار، وذلك لقوة تعدادها 9000 – 15,000 رجل.13  وقوة دفاع ستتطلب المزيد من التدريب العسكري الاختصاصي وتوظيفاً أكبر في عتاد القتال والإسناد، والمرافق الثابتة، وأنظمة المراقبة / الإنذار. وتكلفة الجندي المقاتل أعلى كثيراً منها للشرطي أو الحرس الوطني المسلح بصورة معتدلة. وحتى تشكيل قوة دفاع برية رمزية (من دون قدرات جوية أو بحرية) سيحمّل الدولة الفلسطينية عبثاً مالياً ثقيلاً. وتحويل المداخيل قد يقتصّ ضرينة باهظة من المجتمع والاقتصاد الفلسطينيين، وهو ما يؤدي إلى عدم الاستقرار الداخلي ويجعل الأمن القوي في الواقع أكثر سوءاً.

وفوق ذلك، فإن سعي الفلسطينيين وراء اتفاق سلام يتيح لهم الاحتفاظ بقوات مسلحة كبيرة سيكون بمثابة هزيمة للذات، لأن الدفاعات الناجمة عنها ستكون في جميع الأحوال غير كافية للتغلب على هجوم شامل. وفي الواقع، فإن الاحتفاظ بقوة دفاع ذات قدرة أعلى من الحد الأدنى من شأنه فقط أن يزيد في قلق الجيران، بما يقود إلى إجراءات مضادة قد تترك الفلسطينيين أقل أمناً في نهاية المطاف مما كانوا في بدايته – "معضلة أمنية" كلاسيكية.

أما وقد قيل ذلك، فالدولة الفلسطينية يجب أن تمتلك من الوسائل العسكرية ما يكفي ضمان أمنها الأساسي بصدقية ضد هجوم صغير الحجم أو ضد تسلل عبر الحدود14 وبهذه الطريقة، يمكنها أن تقدم مساهمة مهمة، سواء لأمنها الخاص أو لاستقرار العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية. وفي نهاية المطاف، فأية محاولة إسرائيلية للتذرع بأسباب أمنية من أجل التدخل في منطقة الولاية الفلسطينية من شأنها فقط أن تثير نزعات استرجاعية وتثبت سلبية نتائجها. وحقيقة أن الاحتفاظ بقوتي شرطة ودفاع معاً قد يثبت أنه مكلف جداً توحي بأن على الفلسطينيين أن يدرسوا الخيارات لتشكيل واحد، مثل حرس وطني، يتحمل المسؤولية المزدوجة عن أمن الحدود وعن حفظ النظام و "القانون" العام.

الأمن بصفته "رزمة"

إن مقاربقة الأمن الفلسطيني كما جرى تطويرها هنا تقوم على مقدمة مؤداها أن البعد العسكري هو عنصر واحد فقط من الأمن، وليس الأكثر أهمية دائماً. فالأمن، في الواقع، هو مفهوم تكامل يضم – إضافة إلى البعد العسكري – أبعاداً سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وحتى بيئية15 وهذا الفهم هو في صلب الإصرار الفلسطيني على ممارسة حق تقرير المصير على شكل دولة ذات سيادة. وهو يقدم أيضاً الوسائل لإنجاز المبادلات، ذلك لأن الفلسطينيين يعرّفون متطلبات وجودهم وأولوياتهم بطريقة تسمح لهم بتقليص التركيز على الأمن التقليدي والدفاع العسكري.

وكما ذكر أعلاه، فالدولة الفلسطينية ستمتلك خيارات عسكرية محدودة للتعامل مع التهديدات الممكنة لأمنها، وإن تمتعت بحرية مطلقة لبناء قواتها المسلحة16 الواضح كذلك أن أشد التهديدات خطورة عليها، من دون هجوم خارجي تقليدي، سيكون أمنها السياسي لا أمنها المادي. وعدا الصراعات بين الدول، ستواجه فلسطين تحديات من جانب إسرائيليين، أو من جانب أولئك من مواطنيها الذين يرفضون التخلي عن مطالبهم والاعتراف بالطرف الآخر ومع ذلك، فهذا النمط من التهديد، ومع كونه قابلاً للاحتواء، لا يمكن حلة عسكرياً.

وهذا يساعد في تكرار الحاجة إلى التركيز على العناصر غير العسكرية في التفكير الأمني الفلسطيني. فالدولة هي المحدد الرئيسي لأمن الوجود الفلسطيني، لكن القوة العسكرية لا يمكنها أن تكون الضامن الأول لأمن الدولة لأنه تنقصها الموارد المالية والديموغرافية، كما أنها ستكون مقيدة بمحددات دستورية.وعوضاً من ذلك، يجب على الفلسطينيين أن يسعوا بوعي لمبادلة في أي اتفاق سلام مع إسرائيل. وعليهم استبدال مطلب امتلاك القدرة العسكرية، الذي لا يمكنه حتى أن يخدم هدف وجاهته، بمكاسب سياسية وجغرافية حقيقية. وهناك الآن حال من عدم التوازن الصارخ بين إسرائيل والفلسطينيين فيما يتعلق بالقدرة العسكرية، وفي الحقيقة في جميع المجالات الأخرى تقريباً؛ والتساوي الوحيد هو بالحاجة المتساوية لدى الشعبين إلى السلام الدائم، والأمن، والوصول إلى الموارد الطبيعية والعالم الخارجي. وبدلاً من السعي لإلغاء عدم التوازن العسكري، الذي لن يكون هناك مفر من طي أغلبية جوانبه عندما يتم التوصل إلى السلام الكامل والتعايش بين الدولتين، فإن على الفلسطينيين اعتبار ذلك ميزة، كونه يسمح لهم بتركيز مطالبهم وأنشطتهم على تلك المجالات التي تعذيهم في الدرجة القصوى.

وبمصطلحات عملية، يمكن ضمان الأمن الفلسطيني بالشكل الأفضل عبر الترتيبات السياسية التي تخاطب، قدر الإمكان، المطالب والروابط التاريخية للشعب الفلسطيني. وإذا كان أمن إسرائيل سيتم ضمانة بالوسائل العسكرية أولاً، فإنه كما كانت تلك الضمانات أوسع وأبعد مدى، كان الإسرائيليون أكثر تساهلاً في قضايا غير عسكرية. وأولاً وقبل كل شيء، حرية وصول الفلسطينيين (والإسرائيليين) إلى كل ما يعتبره كل طرف وطنه التاريخي. وهذا يخاطب لب الصراع بشأن فلسطين الذي أصبح عمره يناهز القرن، ويزيل بذلك السبب الجذري للصراع في المستقبل.

إذاً، إن ما يوحي هذا المقال به هو اتفاق سلام فلسطيني – إسرائيلي يقدم للجانبين "رزمة" شاملة.17 فترتيبات أمنية واسعة النطاق ستضمن حاجات الدفاع العسكري لإسرائيل، وبالتالي تجعل تنازلات سياسية وجغرافية للفلسطينيين ممكنة وآمنة على حد سواء. وإقامة دولة فلسطينية ستعزز الأمن المتبادل وتثبت العلاقات بين الشعبين ، لأنها توفر سلطة شرعية مسؤولة عن مواطنيها. وكان هذا، في نهاية المطاف، المنطق وراء اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية والنقل المتدرج للسيطرة إلى السلطة الفلسطينية. ومن شأن الدولة أن توفر حتى آلية أكثر فاعلية لتنظيم العلاقات الثنائية، ولممارسة إدارة الأزمة عند الضرورة.

وفوق ذلك، فإن اقتسام الوطن المشترك بين سيادتين متميزتين سيمكن كل شعب من ممارسة تقرير المصير (بما فيه "حق العودة / عليا" * )، ويؤمن له بقاءه الخاص في الجزء التابع له من دون تعريض الآخر للخطر. وتستطيع كل دولة، بعد حصولها على الضمانات الأساسية للأمن والسيادة، أن تقدم لمواطني الدولة الأخرى حرية حركة وعمل وإقامة أوسع. وستحكم بروتوكولات ثنائية خاصة هذه الحركة، التي يبقى الأفراد في إطارها مواطنين في دولتهم الأصلية لكنهم يتمتعون بالحقوق المتفق عليها كأجانب مقيمين في الدولة الأخرى. إلا أن مشاركتهم السياسية (الانتخابية) تكون محصورة في دولتهم هم. وهذا يحول دون حصول تبدل في التوازن الديموغرافي العربي – اليهودي قد يتيح لأي من المجتمعين اللجوء إلى وسائل قانونية، أو برلمانية، لإجراء تغيير معاكس في البناء القائم على دولتين ضد إرادة الآخر.

وبعبارات أخرى، يجدر بالفلسطينيين السعي لتسوية تعاقدية تنطوي على التمييز بين أنماط الحدود، وإن اقترب ذلك من تمييز رابين بين حدود "سياسية" وأخرى "أمنية". إن حداً "صلباً" مع إسرائيل قد يجر وراءه فقدان مساحات واسعة، أخذاً في الاعتبار ميزان القوى والوقائع على الأرض، في حين أنه لن يعزز واقع الأمن الفلسطيني، سواء العسكري منه أو السياسي. وفي المقابل، فإن من شأن حدود "مرنه" أن تسمح للفلسطينيين بممارسة الولايات القانونية والإدارية على جميع الأراضي التابعة لهم، بينما تسمح لإسرائيل بحماية أمنها الخارجي من نقاط داخل فلسطين. وعبر تأمين الحد الخارجي لفلسطين – إسرائيل، فإن الحواجز "الداخلية" أمام حركة المواطنين وأماكن إقامتهم (سواء من الناحية المادية أو القانونية / الإدارية) يمكن تقليصها إلى حد كبير. وهكذا، قد يجد الفلسطينيون أن السبيل الوحيد لتوسيع أراضي دولتهم هو القبول بالتداخل بين المدى الأوسع لسيادتهم السياسية وبين المدى الأوسع لترتيبات الأمن الإسرائيلية.

والتداخل الأفقي مع التمايز العمودي قد يطرح مشكلات أمنية تكتيةـ نظراً إلى اختلاط السكان، إلا أنه يحصن الكيان الفلسطيني إزاء الأنماط التقليدية من التهديد العسكري أو الضغط غير العسكري (الاقتصادي أساساً) اللذين مارستهما إسرائيل في السابق. وقد تختف التفصيلات، لكن في الجوهر قد تمكن رزمة كهذه كل شعب من التمتع بحرية الوصول إلى كل فلسطين / أرض إسرائيل، كحق متفق عليه، فتضيف بذلك بعداً إنسانياً حاسماً لتعزيز الأمن المتبادل.

أخيراً، وليس آخراً، قد يوفر تبني حدود داخلية "مرنة" الأساس لحل وضع القدس. وربما يتم هذا عبر تبني تقسيم وظائفي للسلطة البلدية – يبقي المدينة موحدة مادياً ومفتوحة للجميع، ومع ذلك يسمح بمهمات أمنية وشرطية محلية – في حين يتفق على سيادة سياسية مشتركة أو مقسمة اسمياً.

الأمن التكاملي

إن المقاربة التي جرى تقديمها هنا تتمتع بميزة كونها تتسق مع الاتجاهات الدولية الراهنة نحو المزيد من التكامل والاعتماد المتبادل الواسعي النطاق. ومع الإقرار بأن النزاعات القومية والإثنية تتصاعد أيضاً، ومن شأنها أن تعطل الآثار التكاملية للنزعة العالمية، فإن الالتزامات التعاقدية التي قد يتوجب على الفلسطينيين القبول بها في مقابل الدولة ستربطهم بنيوياً بجيرانهم وبالاقتصاد العالمي. وليس سوى انفجار شديد من العنف يستطيع أن يقلب هذا البناء، وفي تلك الحال، فإن بقاء الدولة الفلسطينية بالذات يتعرض للخطر.

والمقصود هنا هو أن على الدولة الفلسطينية أن تحدد أمنها بمصطلحات المفاهيم التي تأخذ في الاعتبار الواقع الدولي المتغير. ومهما تكن الشروط الدقيقة لاتفاق السلام مع إسرائيل أو للبروتوكولات الخاصة مع دول عربية أو مع دول أخرى، فالدولة الفلسطينية ستعكس أنماط الاعتماد العالمي المتبادل في علاقاتها الخاصة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. وبدلاً من النظر إلى ذلك بأنه انتهاك لاستقلالها، فإنه ينبغي لها أن تعتبر هذا التداخل ضمانة لبقائها العادي ومصدراً لأمنها أكثر فاعلية من الدفاع العسكري الذي تستطيع توفيره ذاتياً.

إن الدولة الفلسطينية لن تملك إلا القليل من الخيارات خارج الاعتماد الكثيف على تعهدات المجتمع الدولي بالحفاظ على سيادتها وسلامة أراضيها في مواجهة التهديد الخارجي. وكإيماءه رمزية إلى جديتها، فإن قوات دولية أو متعددة الجنسيات قد توضع في نقاط متفق عليها على الحدود الفلسطينية – الإسرائيلية أو الفلسطينية – الأردنية لأغراض المراقبة وحفط الأمن. وهذا وضع غير مريح، لكن الفلسطينيين لا يملكون إلا خياراً عسكرياً محدوداً جداً في أية حال. وعليه، فإن التطوير الواعي للبعد الدولي من أمنهم هو رد منطقي، وهذا يعني المشاركة الكاملة في الأنشطة والمداولات لمختلف الوكالات الدولية، بدءًا بالأمم المتحدة، والالتزام بالمعاهدات (مثل حقوق الإنسان، وعدم انتشار الأسلحة، والبيئة) وغيرها من المعايير التي تنظم العلاقات بين الدول.

وعلى نحو مماثل، تستطيع المنظمات الإقليمية والوكالات الأمنية الجماعية أن تقوم بدور في تعزيز الأمن الفلسطيني؛ فهي تستطيع أن تشكل الإطار الأولي لتوفير المساعدة الخارجية لفلسطين، ومراقبة تنفيذ اتفاق السلام الفلسطيني – الإسرائيلي والاتفاقات الأمنية للمستقبل المنظور. والأهم هو أن العضوية في المنظمات الإقليمية واحترام الترتيبات التعاقدية الملزمة قد يوفران كابحاً فعالاً لإسرائيل ويمنحان فلسطين قوة ردع مستندة إلى قاعدة سياسية لا تستطيع قدرتها العسكرية الضئيلة أن توفرها. وبهذا المعنى، فإنها قد تستفيد حتى أكثر من المنظمات الإقليمية التي تؤكد الأمن التعاوني، لا الأمن الجماعي فحسب18 وثلاثة هياكل تطرح نفسها ملائمة لهذا الهدف: "منطقة مفتوحة" مثلثة الجوانب أردنية – فلسطينية – إسرائيلية؛ "مجموعة أمنية" عربية – إسرائيلية؛ منظمة مظلة على نسق مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا (CSCE).

"المنطقة المفتوحة" المثلثة الجوانب

وإذ تذكر بنموذج بنيلوكس أو منطقة الشمال، فإن "المنطقة المفتوحة" قد تربط الأردن وفلسطين وإسرائيل بهيكل خاص مصمم لتعزيز الأمن المتبادل والتنمية الاقتصادية. والحريات الأساسية والقيود التي جرى توصيفها في "الرزمة" الإسرائيلية – الفلسطينية المفصلة أعلاه قد تنطبق هي ذاتها علىالهيكل المثلث الجوانب: الحد الأعلى من حرية الحركة المتبادلة والعمل والإقامة، بين الدول الثلاث، لكن مع قيود على ممارسة الامتيازات السياسية للمواطنة (مثل حق الانتخاب) والسيادة لكل منها.

والميزة الرئيسية لتوسيع العلاقة الفلسطينية – الإسرائيلية على هذا النحو هي في توسيع المدى الجغرافي للترتيبات الأمنية ليشمل المنطقة بكاملها، وتقليص التدخل الذي خبرته كل دولة عضو.19 وهذا بدوره يسمح بمرونة أعلى فيما يتعلق بالجوانب البشرية والإقليمية في "المنطقة المفتوحة" كلها؛ فعندما تكون سيادة كل دولة معترفاً بها، وأمنها العادي مضموناً، فإنها تستطيع تحمل حدود "فضفاضة".20

كما أن "المنطقة المفتوحة" قد تمنح كل دولة مزيداً من الفوائد الأمنية فوق ما جرى تحديده في اتفاقات السلام الثنائية. فإسرائيل تكسب مزيداً من العمق الاستراتيجي، والأردن يتمتع بالتزام أقوى بهويته السياسية وسلامة أراضيه لأن مسألة الولاء الفلسطيني تكون قد حلت.21 وبالنسبة إلى فلسطين، فالميزة الأمنية الرئيسية في الهيكل المقترح هي في تقليص قدرة جيرانها الأقوى على تهديدها أو التدخل في شؤونها، بينما تلزمهم بالحفاظ على أمنها.

وفي الحقيقة، فإن هذا المثلث المركزي سينوجد بمحض قوة الجغرافيا ومصالح الدولة، وإن لم يكن ذلك بتصميم واع. فإسرائيل والأردن سيجنحان في غالب الأحيان نحو الحفاظ على علاقات استراتيجية خاصة، على الرغم من كونها خفية،مع أن كلاً منهما سيسعى لعلاقات عمل مستقرة مع فلسطين. وهذا النمط قد يتغير جذرياً فقط عندما يتحد طرفان (مثلاً، كونفدرالية أردنية – فلسطينية). وفيما خلا ذلك، فإن الدولة الفلسطينية ستبقى الأضعف بين الثلاث. وفي هذه الحال، قد تثبت إقامة هيكل ثلاثي رسمي أنها الوسيلة الأكثر فاعلية لتقليص الهيمنة من قبل الشريكين الآخرين.

"المجموعة الأمنية" العربية - الإسرائيلية

إن الهيكل الثلاثي قد يجري تعزيزه (أو استبداله) بــ "مجموعة أمنية" عربية – إسرائيلية،22 قد تضم أيضاً سوريا ولبنان ومصر. وتشكيل مثل هذه المجموعة الأمنية، قائم كذلك على اتفاقات سلام ثنائية ومتعددة الأطراف تم إنجازها، سيكون خاضعاً لتنفيذ الترتيبات الأمنية المتفق عليها، وإجراءات الرقابة على التسلح، وقد يضمنه الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

والهدف الرئيسي من إقامة المجموعة الأمنية المقترحة هو الحؤول دون النزاعات المسلحة بين الدول الأعضاء. وعلى هؤلاء نبذ اللجوء إلى الحرب سعياً وراء أهدافهم، واحترام سيادة وسلامة أراضي بعضهم بعضاًٍ، وتجنب التحالفات العسكرية الخارجية.وقد تكون المجموعة أيضاً منبراً للتفاوض بشأن إجراءات أمنية إضافية وتنفيذها، بما في ذلك نزع السلاح، وخطط الانتشار المحدود. وقد تتفاوض بشأن تخفيض القوات التقليدية وإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية، وتتفق على الصيغ والوكالات اللازمة لمراقبة التنفيذ.

بالنسبة إلى الدولة الفلسطينية، فالمجموعة الأمنية العربية – الإسرائيلية قد توفر طبقة إضافية من الالتزام بسيادتها وسلامة أراضيها في مواجهة أي تهديد. وفي المقابل، ولأن الأمن الإسرائيلي سيتعزز في الوقت نفسه على المستوى الإقليمي – سواء عبر الاتفاقات التعاقدية أو الإجراءات العسكرية المحددة والرقابة على التسلح – فقد يزداد حتى إمكان حصول الفلسطينيين على ضمان الحد الأدنى من حاجاتهم السياسية والإقليمية واكتساب مدخل أوسع إلى كل فلسطين/إسرائيل. ووجود مجموعة أمنية عربية – إسرائيلية أوسع قد يقلص الضعف الفلسطيني إزاء الشريكين في المثلث المركزي الأردني – الفلسطيني – الإسرائيلي. وأخيراً، إن المجموعة ستدعم العناصر السياسية (والإقليمية) والاقتصادية في اتفاقات السلام العربية – الإسرائيلية، عبر تعزيز الاستقرار العام والإفساح في المجال أمام بلورة سياسات جماعية.

إن في الدول العربية معارضة قوية لهياكل إقليمية رسمية تضم إسرائيل، وذلك جزئياً على أرضية أنها تكرس الهيمنة الإسرائيلية في مجالات مختلفة. ونظرة أكثر دقة تكشف العكس؛ فإسرائيل تتفاوض مع جيرانها العرب بشأن صفقات سلام منفردة، ترفع قدرتها على المساومة إلى الحد الأقصى في جميع المسارات الثنائية، جاعلة نفسها البؤرة المركزية في الترتيبات الإقليمية كافة، سياسية كانت أو أمنية أو اقتصادية. والامتيازات الإسرائيلية اكتسبت صيغتها الرسمية على المستوى الثنائي، وفقط وجود مؤسسات جماعية يمكن أن يحد من امتيازاتها النسبية على الصعيد الإقليمي.

الأمن الإقليمي والتعاون

والهيكل الثالث المقترح، والقائم على نموذج مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، يمكن أن يكون مؤتمر الأمن والتعاون في الشرق الأوسط، وأن يضم الدول العربية وإسرائيل وإيران، وتركيا، وأعضاء آخرين محتملين23 وهو قد يوفر منبر "مظلة" للمناقشة وللاتفاق على الخطوط العريضة لقضايا ذات اهتمام مشترك: الأمن (بما فيه قضايا الانتشار)، والتنمية الاقتصادية، والمياه والموارد الطبيعية، والبيئة، والحرية السياسية، وحقوق الإنسان.

وعبر المصادقة على عدد من المبادئ الأساسية (عدم الاحتكام إلى القوة لفض الخلافات؛ احترام الحدود المعترف بها دولياً؛ عدم امتلاك الأرض بالقوة؛ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى؛ الاعتراف بالحقوق المتساوية وتقرير المصير للشعوب الأخرى)، فإن من شأن مؤتمر الأمن والتعاون في الشرق الأوسط أن يبسط حماية إقليمية على فلسطين تحت مراقبة الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن24 وهو قد يقدم آلية حاسمة للتعامل مع قضايا الأمن التي تؤثر في المنطقة بصورة عامة، انتشار أسلحة الدمار الشامل، أو التدخل العسكري الخارجي، أو تقنيات عسكرية جديدة وبرامج فضائية.

ومن شأن مؤتمر الأمن والتعاون في الشرق الأوسط أن يعزز السلام والأمن بين العرب وإسرائيل من خلال مخاطبة تلك القضايا الأكثر اتساعاً على المستوى الإقليمي. وقد يوفر منبراً ضرورياً جداً لإدارة الأزمات، لأنه يوفر سنداً إضافياً لأعضائه إلى حد ما إزاء آثار عدم الاستقرار المترتبة على حوادث في أمكنةبعيدة، مثل التنافس في النفوذ في آسيا الوسطى أو تصاعد الخلاف النووي الهندي – الباكستاني. وفي الوقت نفسه، فإن في وسع الوكالات المختصة التابعة لمؤتمر الأمن والتعاون في الشرق الأوسط أن تبحث في طرق تعديل الترتيبات الأمنية من أجل امتصاص آثار التطورات الاستراتيجية في المنطقة المجاورة، وتستبق، أو تتكيف مع التجديدات التكنولوجية التي من شأنها أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في التوازن وتحرك العودة إلى النزاع أو العسكرة.

وبطمأنة إسرائيل، فإن من شأن الإطار المتعدد الأطراف أن يقدم مرة أخرى درجة أعلى من المرونة و"الحيز" تستطيع الدولة الفلسطينية من خلالها أن تكسب استقلالاً وتتمتع بحاجاتها الأساسية. وبالتركيز على القضايا التي تهم فلسطين، فإن مؤتمر الأمن والتعاون في الشرق الأوسط سيوفر بيئة إقليمية تعاونية أوسع لسياساته الاجتماعية والاقتصادية.

السيادة ومصفوفة الأمن

إن مقارنة الأمن الفلسطيني، كما جرى تعريفه في هذا المقال، بمتطلبات الأمن الإسرائيلي المعلنة تظهر أن كليهما يعمل داخل "معادلة وجودية" تضم عناصر سياسية وإقليمية وعسكرية. وبالنسبة إلى كل من الشعبين، فإن حرية التعبير عن الهوية الوطنية وممارسة السيادة الجماعية – تقرير المصير – هي قضية إلزامية. وهي تقوم على امتلاك الأرض والموارد الأخرى (التي تشكل جزءاً من الهوية مثلما هي الوسائل الضرورية للبقاء) وكذلك الوسائل المضمونة لحماية الذات.

والنّسب التي تحدد هذه العناصر الثلاثة بها لتشكل المصفوفة (matrix) الوجودية تختلف في فلسطين عنها في إسرائيل. ولأن الأولويات والظروف ليست متطابقة، فسيبقى هناك دوماً عدم توازن، مع أن الفوارق القائمة على الإنكار والإكراه يجب أن تزال. وقد يكون عدم التوازن إيجابياً؛ فهو يقدم وسيلة للتوفيق بين الادعاءات المتضاربة، عبر إتاحة إجراء مبادلات مربحة للطرفين. فكلما زاد تقديم التنازلات في مجال معين، زادت المكاسب في مجال آخر. لكن تحويل عدم التوازن إلى رصيد بدلاً من كونه قضية خلافية يتطلب التبادلية والمقابلة بالمثل في جميع أجزاء اتفاق السلام الإسرائيلي – الفلسطيني النهائي.

وحتى في حالة كهذه، قد يثبت أنه من الصعب إنجاز المبادلات أو الحفاظ عليها. ومن أجل الإفساح في المجال لمرونة أعلى، يمكن التعامل مع مصفوفات الأمن الإسرائيلية والفلسطينية كمصفوفة مشتركة في إطار إقليمي أوسع. والرقابة الإقليمية على الأسلحة ونزعها سيغيران حدود المصفوفة ويسمحان بمبادلات إضافية داخلها، كما هي الحال عند إقامة علاقة مثلثة الجوانب مع الأردن، أو "مجموعة أمنية" عربية – إسرائيلية، أو مؤتمر الأمن والتعاون في الشرق الأوسط. وفي نهاية المطاف، قد تتحول العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية من الاعتماد الراهن على الردع إلى وضع الدفاع الأساسي، في حين أن دعامة الأمن الفلسطيني الأساسية ستكون الإطار السياسي الجماعي، لا الدفاع العسكري25 وهذا قد يخفف الهيمنة البنيوية التي ستستمر إسرائيل في التمتع بها، ويردع خطوات من جانب واحد تلحق الضرر بالفلسطينيين، مثل إغلاق الحدود. وخلاف ذلك، فالأمل ضئيل في تحويل كلمات طنانة، مثل "مبادلات" و "تعامل بالمثل"، من فرضية إلى حقيقة متواضعة.

وإلى درجة كبيرة، ينطبق المنطق ذاته على السيادة كما على الأمن فكلاهما لا يمكن تعريفه بمصطلحات تقليدية في السياق الفلسطيني من دون تجريد الدولة الفلسطينية فوراً من أي مضمون حقيقي. وكذلك، ومع أن الفلسطينيين كامل الحق في الإصرار على تطابق دقيق بين الحدود الأمنية والحدود السياسية وعلى ترسيم واضح لحدود الأرض والسيادة، فإنهم قد يحصلون نتيجة ذلك حتى على مساحة أقل من الأرض. وحتى في تلك الحال، سيبقون عرضة لـ "شروط استقلال" إقحامية في مجالات السياسة، والاقتصاد، والأمن.

وببساطة، إن السيادة الفلسطينية لن تكون كلاً غير قابل للقسمة. فالفلسطينيون يملكون القليل من القدرة على إجبار إسرائيل على التنازل أكثر؛ وعليه، فوسيلتهم الرئيسية للحصول على شروط أفضل ستكون بالنظر إلى السيادة بأنها صفة متعددة الأوجه والطبقات، وتكون درجة السيطرة الفلسطينية فيها مختلفة من منطقة إلى أخرى ومن مستوى إلى آخر. وتحديد السيادة أكثر، عبر إخضاعها قصداً إلى أقصى درجة ممكنة للهيئات الإقليمية الأوسع، هو وسيلة أخرى لمزيد من حماية الدولة في مواجهة الهيمنة الإسرائيلية.

* * *

لقد أصبح واضحاً منذ ربيع سنة 1995 أن الحدود الفلسطينية – الإسرائيلية كانت في قيد الترسيم. فخطة "الفصل" التي عرضت على الحكومة الإسرائيلية – والتي تنطوي على الهدفين التوأمين، وهما التحكم في دخول الفلسطينيين إلى إسرائيل عبر "الخط الأخضر" منذ ما قبل سنة 1967، وفصل المستوطنات الإسرائيلية والمراكز السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية – أشارت إلى الحدود التي ستسعى إٍسرائيل إليها. والإعاقات الخطرة في التفاوض بشأن توسيع سيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، بعد النقل السهل نسبياً في غزة، قد نشأت تماماً بسبب أن المطروح فعلاً في المناقشات المعقدة والمعذبة بشأن الولاية الوظائفية إنما هو الترسيم النهائي للسيادة، بأراضيها وسكانها ومسؤولياتها الأمنية.

وما إذا كانت الدولة في هذه الظروف تستوفي الحد الأدنى من معايير العدل التاريخي والحقوق السياسية، أم لا، فهذا أمر ستجري مناقشته بسخونة من قبل الفلسطينيين. لكن من الآن فصاعداً، يجب أن يعطى النقاش مضموناً حقيقياً وخلاف ذلك يعني القبول بالنتيجة النهائية مسبقاً.

 

* ستنشر هذه الدراسة أيضاً في:

Journal of Palestine Studies, Vol. XXIV, No. 96, Summer 1995.

 

المصادر: 

1 استعارة من:

Edward Azar and Chung-In Moon, “Towards an Alternative Conceptualization,” in Edwrd Azar and (eds.), National Security in the Third World: The Management of Internal and External Threats(London: Edward Elgar, 1988), pp. 283-284.

2 استعارة من:

Joel Migdal, Strong Societies, Weak States: States-Society Relations and State Capabilities in the Third World (Cambridge: Cambridge University Press,  1988) p. 18.

3 lbid., p. 4, n. 3.

4 هناك أدبيات واسعة بشأن نموذج الدولة القوية – الضغيفة.وبالإضافة إلى:

Midgal Strong Societies, ، فقد تم تطوير الفكرة في:

Barry Buznan, People, States and Fear: An Agenda for International Security studies in the Post-Cold War Era 2d. ed. (Boulder: Lynne Rienner, 1991)

وتم تطويرها أيضاً في:

Barry Buzan, “People, States and Fear: The National Security Problem in the Third World,” in Azar and Moon, op.cit.

5 المفاهيم مستعارة من:

Christopher Clapham, Third World Politics: An Introduction (London: Routledge 1985), p. 114; Robert Jackson, Quasi-States: Sovereignty, International Relations and the Third World (Cambridge: Cambridge University Press, 1990), p. 5.

6 القرار رقم 181 كان الأساس لإعلان إسرائيل "الاستقلال" من جانب واحد سنة 1948، وقبوله كان شرطاً مسبقاً للنجاح في تقديم الطلب لعضوية الأمم المتحدة.

7 مع أن المنافحين الإسرائيليين وأنصارهم الغربيين يدّعون أن الرفض الفلسطيني حتى سنة 1948 يجعل إسرائيل في جل من واجب تنفيذ القرارات الدولية التي أصبحت طرفاً فيها عندما انصاعت الأمم المتحدة، فإن أحد الأهداف المركزية للثورة الفلسطينية في حينه كان إجبار    الأطراف الأخرى في الصراع (ولا سيما بريطانيا) على الاعتراف بالقيادة الوطنية الفلسطينية والتفاوض معها. وفي الواقع، تلك القيادة نفسها حاولت في سنة 1948 إقامة دولة فلسطينية في المناطق الواقعة تحت سيطرة عربية، كا أقامت برلماناً ومؤسسات حكومية أُخرى لذلك    الغرض. وهذا ليس للإيحاء بأنها أقرت الحل على أساس دولتين، وإنما للتوكيد ببساطة أن الكثير من عذابات الفلسطينيين اللاحقة نبعت من رفض الأطراف الأُخرى – بريطانيا، وإسرائيل، ودول "المواجهة" العربية الرئيسية – السماح لهم بالتعبير عن أنفسهم، أو بحكم أنفسهم.

8 جرى البحث في الانعكاسات السياسية والبنيوية في:

Yazid Sayigh. “The Politics of Palestinian Exile,” Third World Quarterly, Vol. 9, No. 1 (January 1987), pp. 28-66.

9 الإحصاءات قائمة على بحث أجري لكتاب للمؤلف سيصدر قريباً:

Yezid Sayigh, The Palestinian Armed Struggle Since 1949.

10 قد لا يكون هذا إمكاناً بعيداً إلى حد كبير؛ فزئيف شيف وإيهود يعري يوحيان في كتابهما،

Israel’s Lebanon War (New York: Simon and Schuster, 1984)،

بأن وزير ؟ الدفاع آنذاك، أريئيل شارون، ورئيس أركانه، رفائيل إيتان، جرّا الحكومة [الإسرائيلية] بخديعة مقصودة إلى مواجهة مع سوريا في حزيران / يونيو 1982، ثم إلى حصار بيروت لاحقاً.

11 لنقاش إضافي للتهديدات الإسرائيلية الممكنة، أنظر:

Ahmad Khalidi, “Middle East Security: Arab Threat Perceptions, Peace and Stability,” in Ahmad Khalidi and Yair Evron, Middle East Security: Two Views (Cambridge, MA., American Academy of Arts and Sciences, Occasional Paper Series, 1990), pp. 6-8.

12 لقد أظهر الفلسطينيون قلقاً واضحاً من كونهم "مطوقين" ومعزولين بفعل بناء الطرق والجسور، التي تسمح لحركة المرور بين إسرائيل والأردن أن تجري بحرية، من دون الدخول إلى مناطق واقعة تحت السيطرة الفلسطينية.

13 World Bank, Developing the Occupied Territories: An Investment in Peace (Washington: World Bank, September 1993).

14 اقتراح مبكر لنمط القوات الفلسطينية المطلوبة في:

Walid Khalidi “Thinking the Unthinkable,” Foreign Affairs, Vol. 56, No. 4 (July 1987).

والاقتراحات الأحدث في:

Jeffrey Boutwell, Everett Mendelsohn, et al, Israeli-Palestinian Security: Issues in the Permanent Status Negotiations, report of the American Academy of Arts and Sciences, forthcoming, 1995.

15 من أجل تطوير أكثر لهذا المفهوم، أنظر:

Yezid Sayigh, Confronting the 1990s: Security in the Developing Countries, Adelphi Paper No. 251 (London: Brassey’s for the International Institute for Strategic Studies, Summer 1990).

16 منظور مختلف قليلاً بشأن المتطلبات العسكرية الفلسطينية في:

Ahmad Khalidi, A Palestinian Settlement: Towards a Palestinian Doctrine of National Security, Israeli-Palestinian Peace Research Project Working Paper Series (Jerusalem and Rome: Arab Studies Society, Harry S. Truman Research  Institute for the Advancement of Peace, and the Institute for International Affairs, 1992), 6-8.

17 بحث جيد في مثل هذه الرزمة في

Mohamed Rabie, A Vision for the Transformation of the Middle East (Washington: Center for Educational Development, 1990).

* عَلِيَا (عبرية): الهجرة اليهودية إلى فلسطين.

18 جرى تطوير هذا المفهوم باختصار في:

William Perry and John Steinbruner, A New Concept of Cooperative Security (Washington: The Brookings Institution, 1992).

19 نقاش في الجوانب الأمنية لمثل هذا الهيكل في:

Yair Evron, “Israeli-Palestinian-Jordan Security Relations: The Idea of a (Security Zone),” in Khalidi and Evron, op.cit., pp. 23-49.

20 من الطبيعي أن البروتوكولات التي تحكم مثل هذا التبادل والرقابة على التنفيذ والأمن الداخلي ستكون ضرورية لتدعيم الهيكل والسماح برد مقبول للأطراف على التحديات الداخلية.

21 أهمية الأردن بالنسبة إلى العمق الاستراتيجي الإسرائيلي ملحوظة في:

Joseph Alpher, “Security Arrangements for a Palestinian Settlement,” Survival, Vol. 34, No. 4 (Winter 1992-93), pp. 56-58.

22 لمناقشة أوفى، أنظر:

Ephraim Karsh and Yazid Sayigh, “A Cooperative Approach to Arab-Israeli Security,” Survival, Vol. 36, No. 1 (Spring 1994), pp. 114-125.

23 مناقشة لصلة مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا بالشرق الأوسط في:

Gerd Nonneman (ed.), The Middle East and Europe: An Integrated Communities Approach (London: Federal Trust, 1992), pp. 45-49.

24 لمناقشة أوفى بشأن تأثير مؤتمر الأمن والثقة في أوروبا في الأمن العربي – الإسرائيلي، أنظر:

Yezid Sayigh, “The Multilateral Middle East Peace Talks: Reorganizing for Regional Security,” in Steven Spiegel (ed.), Practical Peacemaking in the Middle East (New York: Garland Press, forthcoming 1995).

25 مناقشة إسرائيلية قوية من أجل الانتقال من توكيد الهجوم إلى الدفاع، في:

Ariel Levite, Offense and Defense in Israel Military Doctrine (Boulder and Jerusalem: Westview Press and Jerusalem Post for the Jaffee Center for Strategic Studies,1989).

السيرة الشخصية: 

يزيد صايغ: المدير المساعد لمركز الدراسات في جامعة كامبريدج (بريطانيا).