يرى الكاتب، في هذا الكتاب، أن الأثر الأبقى لاتفاق كامب ديفيد هو أنه دشن مرحلة جديدة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، وخلّف وراءه المرحلة السابقة كلها. ثم جاء تنفيذ الاتفاق بحذافيره ليعلن نهاية مرحلة المواجهة الرسمية بين العرب وإسرائيل وبداية مرحلة التسوية السلمية. ويتحفظ الكاتب عن مفهوم "التسوية" نفسه؛ فالتسوية تعني العدل والتوازن في المصالح، وتنطوي على الحل الوسط وتحقيق الأهداف للأطراف المعنية كلها، بينما "التسوية" التي يكثر الحديث عنها في العالم العربي تفتقر إلى هذه الشروط كلها، فلا هي قائمة على مفاهيم العدالة، ولا على قواعد القانون الدولي، ولا على مبادىء التفاوض المعروفة. إن مجرد قيام إسرائيل هو، في حد ذاته، افتئات على قواعد القانون الدولي، بينما التسوية الجارية الآن في المنطقة العربية تفتقر إلى شرط أساسي من شروط التسويات وهو الثبات. فما تحقق حتى الآن في مصر وفلسطين والأردن ليس "تسوية راسخة" أو "ثابتة" وإنما "تسوية مفروضة" بالقوة الإسرائيلية والأميركية.
ينتقد الكاتب مصطلح "الصراع العربي – الإسرائيلي" ويعتقد أنه مغالطة تشير إلى عمومية مفترضة وغير متحققة في الواقع الفعلي، "فلا كل العرب اصطرعوا مع إسرئايل ولا الذين دخلوا في صراع معها أكملوا الشوط" (ص 15). على أنه في تتبعه محطات التسوية منذ اتفاق كامب ديفيد في سنة 1979 واجتياح إسرائيل لبنان في سنة 1982 حتى مؤتمر مدريد في سنة 1991، تمكن من رصد الاتجاهات العامة لهذه العملية المستمرة، فرأى أن ثمة خمسة معالم للتسوية راحت تتبلور منذ اتفاق كامب ديفيد ولعلها اكتملت بعد مؤتمر مدريد هي: الضغط الدولي لضمان استمرار السير في التسوية (وهو أداة السلطة الفلسطينية)؛ استمرار التحالف الاستراتيجي الوثيق بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل (وهو أداة إسرائيل للتقليل من قدرة الضغط الدولي)؛ تراجع فاعلية القرارات الدولية (ولا سيما بعد انفراد الولايات المتحدة وبريطانيا بالعراق وإلغاء دور مجلس الأمن)؛ تراجع النظام العربي (بل انهياره بعد اجتياح الكويت في سنة 1990)؛ القدرة الإسرائيلية على التصعيد المستمر في مواجهة الفلسطينيين في الداخل، واللبنانيين والسوريين في الخارج.