يسعى المقال لوصف العمليات الثلاث (العملية السلمية، البناء الوطني، التحول الديمقراطي) التي تشهدها الضفة الغربية وقطاع غزة منذ توقيع اتفاق أوسلو، ودرس التداخل بين هذه العمليات، مع التركيز على عملية التحول الديمقراطي، وتفحص تأثير العمليتين الأوليين فيها. كما يحاول المقال الإجابة عن السؤال التالي: هل ينجح الفلسطينيون في التحول إلى ديمقراطية ليبرالية؟ ويخلص الكاتب إلى أن عملية التحول تواجه تحديات شديدة، وأنه من المرجح أن تستمر عملية السلام في التأثير سلبياً في فرص الديمقراطية.
تشهد الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ توقيع اتفاق أوسلو في أيلول/سبتمبر 1993 تفاعلات واسعة بين عمليات سياسية ثلاث: العملية السلمية؛ عملية البناء الوطني الفلسطيني؛ عملية التحول الديمقراطي. تسعى هذه المقالة لوصف هذه العمليات السياسية ودرس التداخل بينها، لكن التركيز ينصب على عملية التحول الديمقراطي، مع اهتمام خاص بدرس تأثير العمليتين الأوليين في فرص الديمقراطية ومستقبلها. وتحاول المقالة الإجابة عن السؤال التالي: هل ينجح الفلسطينيون في التحول إلى ديمقراطية ليبرالية؟ بعبارة أُخرى، هل يتجه المجتمع والنظام السياسي الفلسطينيان نحو الديمقراطية، أم أن الوضع الفلسطيني حالة مغايرة للتوجه السائد نحو الديمقراطية في مناطق مختلفة من العالم؟ وهل تشكل الثقافة السياسية الفلسطينية، والرأي العام، ودرجة التطور الاجتماعي - الاقتصادي، وقوة المجتمع المدني، وطبيعة النخبة الحاكمة الناشئة ومصالحها، والعملية الانتخابية، عناصر دفع باتجاه تحول ديمقراطي، أم أن عملية التحول الديمقراطي تواجه تراجعاً تحت وطأة "متطلبات" العملية السلمية الفلسطينية - الإسرائيلية وعملية البناء الوطني الفلسطيني؟
إن السلام والبناء الوطني والديمقراطية هي القضايا المهمة الثلاث التي تشكل اليوم هموم المستقبل الفلسطيني. وللعملية السلمية الفلسطينية - الإسرائيلية وجهان: أحدهما يتعلق بإنهاء الصراع بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي بالتوصل إلى اتفاقات تنهي الاحتلال الإسرائيلي وتضع حداً للعنف المتبادل، والآخر يتعلق بطبيعة العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية، كالاعتراف المتبادل والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية، أو ما يعرف بعملية "التطبيع". كما أن لعملية البناء الوطني وجهين: الأول يتعلق ببناء الدولة، أي قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، وبناء مؤسساتها، وتعزيز سيطرتها وسيادتها على الأرض والسكان، وتحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي الفلسطيني. أمّا الوجه الآخر فيتعلق ببناء نظام سياسي شرعي يضمن وحدة المجتمع الفلسطيني وتكامله، ويلقى تعريفه للهوية الوطنية والحدود الإقليمية والأهداف والوسائل الوطنية العامة إجماعاً من الشعب. أمّا عملية التحول الديمقراطي فلها أوجه أربعة: مدى توفر المتطلبات الكلاسيكية للديمقراطية؛ طبيعة النخبة الحاكمة وتركيبتها؛ مواقف وآراء الرأي العام الفلسطيني؛ قضايا مرتبطة بالانتخابات، كطبيعة النظام الانتخابي وحجم المشاركة الحزبية والشعبية فيها، وقضايا الحملات الانتخابية.
العملية السلمية
تعتبر عملية السلام الفلسطيني - الإسرائيلي أنجح العمليات السياسية الثلاث تأثيراً في المجتمع والسياسة الفلسطينيين، وخصوصاً، وبصورة مباشرة، في عمليتي البناء الوطني والتحول الديمقراطي. فقد وضع "إعلان المبادئ" الفلسطيني - الإسرائيلي قاعدة لإنهاء عقود من الصراع والعداء بين الشعبين: الفلسطيني والإسرائيلي. وأدى "الإعلان" إلى الاعتراف المتبادل بالحقوق السياسية والمشروعة للطرفين، وسمح ببدء عملية طويلة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة. وأنهى اتفاق القاهرة بشأن غزة وأريحا الموقَّع في أيار/مايو 1994 الاحتلال الإسرائيلي لمعظم قطاع غزة وجزء صغير من الضفة الغربية.[1] أمّا اتفاق طابا الموقَّع في أيلول/سبتمبر 1995، فيلزم الطرف الإسرائيلي بإعادة الانتشار في نحو 31% من مساحة الضفة الغربية في مرحلة أولى، ثم إعادة انتشار لاحقة تتم على دفعات ثلاث، وتنتهي مع نهاية سنة 1997 بخروج الجيش الإسرائيلي من معظم الضفة الغربية.[2] وسيبدأ الطرفان مفاوضات بشأن الوضع الدائم في أيار/مايو 1996 تشمل جميع القضايا الصعبة المؤجلة، كالمستوطنات، والقدس، واللاجئين، والحدود، وغيرها. وعلى الرغم من استمرار العنف من كلا الطرفين، ولا سيما من حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ومن "الجهاد الإسلامي"، فإن حركة "فتح"، كبرى الفصائل الفلسطينية، أوقفت جميع أعمال المقاومة المسلحة ضد الإسرائيليين. وقد استطاعت السلطة الفلسطينية أن تسيطر بالتدريج على الأمن الداخلي في مناطق سيطرتها، وأن تتخذ أخيراً إجراءات فعالة لمنع حدوث هجمات ضد الإسرائيليين.
يُظهر الرأي العام الفلسطيني تأييداً لعملية السلام وللحركات والأحزاب المؤيدة لها. وقد أخذ في الفترة الأخيرة في التحول من تأييد الهجمات العسكرية ضد أهداف إسرائيلية إلى معارضتها. وتبين معطيات استطلاعات الرأي العام التي قام بإعدادها "مركز البحوث والدراسات الفلسطينية" في نابلس،[3] وجود تأييد لاستمرار المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية. ويظهر الشكل رقم 1 أن أغلبية من 51% أيدت هذه المفاوضات في كانون الثاني/يناير 1994، على الرغم من وجود خيبة أمل واسعة آنذاك بسبب فشل الإسرائيليين في احترام المواعيد المحددة في "إعلان المبادئ". وارتفعت نسبة التأييد للمفاوضات إلى أكثر من 65% في آذار/مارس وأيار/مايو 1995، عندما أدى تقدم في المفاوضات إلى إشاعة درجة من التفاؤل في الشارع الفلسطيني. وفي استطلاعات أُجريت في آب/أغسطس - أيلول/سبتمبر 1995، مع انتشار الشائعات بشأن اقتراب موعد توقيع اتفاق طابا، تصاعد التأييد لاستمرار المفاوضات بالتدريج، كما يظهر الشكل رقم 2، من 44% في كانون الثاني/يناير 1994 إلى 62% في آب/أغسطس - أيلول/سبتمبر 1995، وانخفضت المعارضة بالتدريج أيضاً من 47% إلى 24% في الفترة ذاتها.
وأظهر الفلسطينيون تأييداً أيضاً للاتفاقات الناتجة من المفاوضات، لكن التأييد لم يكن مستقراً بل تعرض للتقلبات التي عكست ردة الفعل على ما كان يرافقها أو يتبعها من أحداث وتطورات. وحصل "إعلان المبادئ" على تأييد 65% من الشارع الفلسطيني في أيلول/سبتمبر 1993، لكن سرعان ما انخفض التأييد إلى 40% في شباط/فبراير 1994 بسبب استمرار تعثر المفاوضات والفشل في بدء تنفيذ ما جاء في "إعلان المبادئ". غير أن الأمور تغيرت بسرعة عند التوصل إلى اتفاق القاهرة في أيار/مايو 1994، إذ وصل تأييد هذا الاتفاق إلى نسبة 57%. أمّا في تشرين الأول/أكتوبر 1995، فقد نال اتفاق طابا تأييد 72% من الشارع الفلسطيني، وهذه أعلى نسبة تأييد تم تسجيلها. إضافة إلى ذلك، فإن تأييد المفاوضات ينعكس في وجود نسبة عالية تؤيد تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني. ففي أيلول/سبتمبر 1993 أيد التعامل 57% في مقابل الحصول على اعتراف إسرائيلي بمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي تشرين الأول/أكتوبر 1995 بلغت النسبة 50% في إثر مطالبة اتفاق طابا بهذا التعديل.
يمكن كذلك قياس نجاح عملية السلام بالنظر إلى مستوى التأييد والتعاطف السياسي الذي حظيت به الفصائل والحركات المؤيدة لعملية السلام. وهناك اليوم ثلاثة معسكرات سياسية رئيسية في الضفة الغربية وقطاع غزة: معسكر المؤيدين للسلام المكون من "فتح" وحركة "فداء" وحزب الشعب الفلسطيني، ومعسكر المعارضة الوطنية المكون من الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، ومعسكر المعارضة الإسلامية المكون من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وإسلاميين مستقلين. ويتمتع معسكر المؤيدين للسلام بالتأييد الأكبر في الشارع الفلسطيني. لكن حجم التأييد للمعارضة بين صفوف الشباب والمتعلمين، وخصوصاً الطلاب، يفوق حجم التأييد لها بين الجمهور عامة. ويظهر الشكل رقم 4 زيادة في تأييد الجمهور عامة لمعسكر مؤيدي السلام من 39% في كانون الثاني/يناير 1994 إلى 55% في تشرين الأول/أكتوبر 1995، وانخفاضاً في التأييد للمعارضة الوطنية من 33% في كانون الثاني/يناير 1994 إلى 22% في تشرين الأول/أكتوبر 1995. ويظهر الشكل رقم 5 توجهاً مشابهاً بين الطلاب. فحتى بداية سنة 1995، أعطى الطلاب تأييداً شبه متساو لمعسكر المؤيدين ومعسكر المعارضين لعملية السلام. لكن التأييد للمعارضة تراجع من 41% في كانون الثاني/يناير 1994 إلى 25% في تشرين الأول/أكتوبر 1995. كذلك يمكن رؤية التأييد لمعسكر السلام في مستوى التأييد الذي حصل عليه ياسر عرفات ومنافسوه. ويظهر الشكل رقم 6 ارتفاعاً في مستوى تأييد عرفات من 44% في تشرين الثاني/نوفمبر 1994، وسط فترة أداء سيئ للسلطة الفلسطينية، إلى 58% في تشرين الأول/أكتوبر 1995، بعد توقيع اتفاق طابا. وفي الفترة نفسها طرأ هبوط على مستوى تأييد الشيخ أحمد ياسين، زعيم حركة "حماس"، من 20% إلى 14%، وعلى مستوى التأييد لجورج حبش، زعيم الجبهة الشعبية، من 7% إلى 3%.
مع تقدم العملية السلمية، أخذ التأييد للعمليات العسكرية ضد أهداف إسرائيلية في التراجع. ويظهر الشكل رقم 7 أن التأييد لهذه العمليات انخفض من 57% في تشرين الثاني/نوفمبر 1994 إلى 46% في شباط/فبراير 1995 وإلى 33% بعد ذلك بشهر واحد. وقد أُجريت هذه الاستطلاعات بعد وقوع عمليات انتحارية رئيسية نفذتها "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وفي استطلاع آب/أغسطس - أيلول/سبتمبر 1995، سئل الفلسطينيون عن مدى تأييدهم لعمليات العنف ضد أهداف مدنية بالتحديد، فأيد هذه العمليات 18% فقط، لكن 70% قالوا أنهم يؤيدون هجمات ضد المستوطنين والأهداف العسكرية. ويجب عدم تفسير الارتفاع في تأييد هجمات مسلحة ضد الجنود والمستوطنين بأنه تعبير عن رفض العملية السلمية بل بأنه إصرار من الشارع الفلسطيني على أن عملية السلام يجب أن تنهي الاحتلال الإسرائيلي ووجود المستوطنين في الضفة الغربية والقطاع. وحتى بين الطلاب، كان تأييد عمليات انتحارية أو هجمات ضد المدنيين في هبوط شديد. ويظهر الشكل رقم 8 انخفاضاً في التأييد من 72% في تشرين الثاني/نوفمبر 1994 إلى 30% في آب/أغسطس - أيلول/سبتمبر 1995، وارتفاعاً درامياً في المعارضة لمثل هذه العمليات والهجمات من 23% إلى 58% في الفترة نفسها.
لكن التأييد للسلام لا يعني أن أغلبية عظمى من الفلسطينيين تتوقع أن تؤدي العملية الراهنة إلى قيام الدولة الفلسطينية أو إلى تحقيق سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ففي أيلول/سبتمبر 1993 اعتقد 45% فقط أن اتفاق أوسلو سيؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، بينما رأى 34% أن الاتفاق لن يؤدي إلى ذلك. وفي شباط/فبراير 1994 اعتقد 55% أن عملية السلام ستؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، لكن 33% كانوا لا يزالون يخالفون هذا الرأي. كذلك، كان في آب/أغسطس 1995 نحو 60% لا يتوقعون قيام سلام دائم بين الشعبين. وقد أبدت الشرائح الأكثر تعليماً شكوكاً أكبر في إمكانات قيام الدولة الفلسطينية المستقلة أو سلام دائم بين الشعبين. ففي شباط/فبراير 1994 توقع 40% فقط من حملة الشهادات الجامعية قيام الدولة، وفي آب/أغسطس 1995 اعتقد 69% تقريباً أن عملية السلام لن تؤدي إلى سلام دائم. إن فقدان الثقة بالمستقبل قد يعود جزئياً إلى تشكك معظم الفلسطينيين في نيات الإسرائيليين تجاه عملية السلام مع الفلسطينيين. وعندما سئل الفلسطينيون عما إذا كانوا يثقون بالنيات الإسرائيلية تجاه عملية السلام مع الفلسطينيين أجاب 7% منهم فقط بنعم، بينما أجاب 81% بلا. ومن جهة أُخرى، فإن بعض هؤلاء الذي لا يتوقعون سلاماً دائماً قد لا يرغب أصلاً في رؤيته، لأنه يعتقد أن هذا السلام سيكون سلاماً يفرضه القوي على الضعيف.
على الرغم من انعدام الثقة بالنيات، فإن عملية "التطبيع" كانت أكثر اتساعاً ونجاحاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين منها بين الإسرائيليين والمصريين أو الأردنيين، مع أن الفلسطينيين طالبوا العرب مراراً بوقف "الهرولة" وبربط "التطبيع" بنتائج المفاوضات بشأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. ولقد أُجبر الفلسطينيون والإسرائيليون على "العيش" معاً أكثر من 28 عاماً، وأصبح الاقتصاد الفلسطيني تابعاً تماماً لإسرائيل، وعمل عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين في سوق العمل الإسرائيلية، واعتمد المستهلك الفلسطيني على بضائع إسرائيلية لتلبية معظم حاجاته، ورأى المزارعون والصناعيون أن إسرائيل سوق تجارية مربحة. وأقام فلسطينيون وإسرائيليون أيضاً علاقات وروابط واسعة في مجالات تقنية واجتماعية مختلفة، الأمر الذي أتاح إمكان الالتقاء اليومي بين آلاف المواطنين العاديين من الطرفين.
البناء الوطني
أثرت عملية السلام مباشرة في وجهي عملية البناء الوطني: بناء الدولة وشرعية النظام السياسي الفلسطيني. وقد أعطت اتفاقات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية دفعاً قوياً لعملية بناء الدولة، إذ تم إنشاء سلطة وطنية فلسطينية، أول مرة في التاريخ الحديث، على جزء من الأرض الفلسطينية، وستشمل ولاية هذه السلطة الوطنية قريباً جميع السكان والمناطق الفلسطينية الآهلة بالسكان. وتتبلور أيضاً مؤسسات "دولة" ذات صلاحيات ومسؤوليات مشابهة لتلك التي تمتلكها أية دولة، باستثناء ما يتعلق بالسياسة الخارجية والأمن الخارجي. وتعمّق أيضاً الإحساس الفلسطيني بالهوية والاستقلال بعد أن كان المركز السياسي الفلسطيني قائماً في المنافي العربية، وخاضعاً لمتطلبات أنظمة الدول العربية.
لكن العملية السلمية تركت أيضاً جوانب سلبية على عملية البناء الوطني. فقد تم تأجيل قضايا الصراع الأساسية، مثل السيادة على الأرض الفلسطينية، ومستقبل القدس والحدود والمستوطنات، إلى مرحلة لاحقة، وهو ما أحدث تشوهات حادة في عملية بناء الدولة، وعمق الانقسام الفلسطيني الداخلي في شأن شرعية النظام السياسي الفلسطيني برمته.
ولقد تبلور النظام السياسي الفلسطيني الراهن، الذي تقف في مركزه منظمة التحرير الفلسطينية، في ظروف صعبة مع غياب وجود دولة ومع حالة الشتات أو تحت الاحتلال.[4] واكتسب النظام السياسي الفلسطيني شرعيته من الإجماع الفلسطيني على أهداف ووسائل المقاومة والتحرير، كما عبّر عنها الميثاق الوطني الفلسطيني المعدَّل سنة 1968. كما أن شرعية النظام استندت إلى قدرة مركزه على السيطرة على الموارد وسبل توزيعها، لكن شروخاً بدأت تظهر في بنية النظام السياسي الفلسطيني منذ منتصف السبعينات، عندما تم تبنّي مفهوم الدولة المستقلة أو السلطة الوطنية. وتعمقت الشروخ مع بروز الحركة الإسلامية الفلسطينية التي رأت أن الإسلام هو المصدر الوحيد للشرعية السياسية. وفي إثر تبنّي منظمة التحرير الفلسطينية قرار التقسيم والقرار رقم 242، وإعلانها قيام دولة فلسطينية على جزء من فلسطين، أضحت شرعية النظام السياسي الفلسطيني في مهب الريح. ثم جاءت حرب الخليج التي هزت تلك الشرعية على المستويين الإقليمي والدولي، وأضعفت قدرة ذلك النظام على التعامل مع التحديات الجديدة ومواجهتها بسبب فقدانه مصادر الدعم المادي والسياسي. ثم جاء اتفاقا أوسلو والقاهرة في تلك اللحظات التي كان النظام السياسي الفلسطيني القائم يشهد مرحلة احتضار وتراجع، وقامت مؤسسات السلطة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، بالضبط في تلك اللحظات التي كانت شرعية النظام كله في مهب الريح. ولعل الصدام الدموي في غزة بين قوات السلطة الفلسطينية ومؤيدي حركة "حماس" في تشرين الثاني/نوفمبر 1994 أقسى نموذج يوضح عمق الصراع بين نظام قائم متشبث بشرعية وبين قوى متحدية ترفض القبول أو الاعتراف بتلك الشرعية.
إن أزمة شرعية النظام السياسي الفلسطيني تنبع من فقدان الإجماع الفلسطيني على الهوية الوطنية والحدود الإقليمية، وعلى أهداف ووسائل الصراع مع العدو. ولقد استندت الشرعية القديمة إلى إجماع على "التحرير" ووسيلة "الكفاح المسلح". أمّا النظام الجديد الذي أوجدته العملية السلمية، فيستند إلى شرعية جديدة تقوم حول هدف بناء الدولة المستقلة ووسيلة المفاوضات. و"فلسطين" تعني الآن الضفة وغزة، والفلسطينيون هم بصورة أساسية أولئك الذين يعيشون في "فلسطين" أو يسعون للعيش فيها. لكن الشرعية الجديدة تفتقر إلى الإجماع أو إلى مصدر بديل للإجماع. والعملية السلمية التي جسدت فقدان الإجماع، وبالتالي الشرعية، وفرت في الوقت نفسه مصدراً جديداً للشرعية: الإرادة الشعبية، وآلية جديدة لتحديدها: الانتخابات؛ وهذا موضوع سنعود إليه لاحقاً.
التحول نحو الديمقراطية
إن نظرة متفحصة إلى التداخل والتفاعل بين العمليات الثلاث: السلام والبناء الوطني والتحول نحو الديمقراطية، تظهر أن العملية الأولى هي الأكثر نجاحاً. أمّا عملية البناء الوطني فكانت أقل نجاحاً، بينما شهدت عملية التحول نحو الديمقراطية تراجعاً في بعض المجالات. وتكشف سياسات وبرامج السلطة الفلسطينية والدول المانحة عن سلّم للأولويات يضع نجاح عملية السلام فوق الأهداف الأُخرى كافة. ويكشف تركيز الدول المانحة على بناء قدرات أجهزة السلطة الفلسطينية، بدلاً من التركيز على مساندة مؤسسات المجتمع المدني، عن اعتقاد واسع الانتشار مؤداه أن نجاح عملية السلام يتطلب استقراراً سياسياً يمكن تحقيقه فقط عن طريق إقامة سلطة مركزية قوية.[5] كما أن السلطة الفلسطينية نفسها تروج لهذا الطرح لا لالتزامها عملية السلام فحسب، وإنما لاعتقادها أيضاً أن متطلبات الديمقراطية قد تتناقض فعلاً مع متطلبات إعادة البناء.[6] ومن ناحية نظرية طبعاً، فإن الديمقراطية الليبرالية تؤكد حقوق الفرد، بينما تركز النظرية القومية على القيم المرتبطة بحقوق المجموعة الوطنية. والأكثر أهمية من ذلك هو واقع الحال الذي يشير إلى الحاجة الأساسية في بداية عملية بناء الدولة إلى وضع حد للفوضى، وإلى إثبات وجود سلطة قوية ذات احتكار لأدوات العنف، وإلى إنهاء حالة التبعية السياسية والاقتصادية، وإلى القضاء على أية منافسة أو ولاء للخارج. إن هذه الحاجات الأساسية قادرة على فرض نفسها على أية حاجة إلى إدخال الديمقراطية في النظام السياسي.
لقد أدت عملية السلام في بداية التسعينات إلى التخفيف من القيود الإسرائيلية على الأنشطة السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع تقدم المسيرة السلمية، أصبحت هذه السياسة أكثر ليبرالية من أي وقت مضى، ولا سيما في التعامل مع حرية الصحافة والتعبير والعمل السياسي الحزبي، وأخذت قبضة الاحتلال الحديدية في الارتخاء بالتدريج والابتعاد عن التدخل في الشؤون السياسية الفلسطينية الداخلية، الأمر الذي أدى إلى بروز فراغ سلطوي سمح بانتعاش حقيقي في التعددية السياسية والحزبية، وأدى أيضاً إلى "إحياء" المجتمع المدني. لكن العملية السلمية، وما ترتب عليها من قيام سلطة فلسطينية، تركا أيضاً آثاراً سلبية في عملية التحول الديمقراطي الفلسطيني، إذ أضعفا مؤسسات المجتمع المدني وأديا إلى تبنّي السلطة الفلسطينية سياسات وإجراءات غير ديمقراطية بهدف "حماية" العملية السلمية وعملية البناء الوطني.
المجتمع المدني
خلال أعوام الاحتلال الإسرائيلي الأخيرة، بلور المجتمع الفلسطيني مؤسسات مدنية اجتماعية وسياسية، شعبية ومهنية، أدت وظائف كثيرة كان من بينها وظائف تؤديها "الدولة" في الأوضاع العادية. وتلقى معظم هذه المؤسسات التأييد الكامل من منظمة التحرير، التي رأت فيها اللبنات الأولية نحو بناء الدولة. وفقدت هذه المؤسسات الكثير من أسباب وجودها بعد بدء العملية السلمية وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية. كما أن السلطة الوطنية الفلسطينية نفسها قامت بضم بعض هذه المؤسسات أو العاملين الرئيسيين فيها إلى مؤسساتها الرسمية، وذلك عند نشوء هذه الأخيرة خلال سنتي 1994 و1995، وهو ما شكل ضربة شديدة ضد مؤسسات المجتمع المدني.
ومن جهة أُخرى، فقد بعض مؤسسات المجتمع المدني جزءاً من موارده المالية الخارجية بعد قيام عدد من الممولين بتحويل تلك الموارد إلى مؤسسات السلطة الرسمية مباشرة. وعلى الرغم مما راود الكثير من العاملين في المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأجنبية المانحة من توقعات وآمال بشأن تخصيص قسم كبير من أموال المساعدات الطارئة لأعمال ومشاريع تقوم بها منظمات غير حكومية، وبالتالي تقوية مؤسسات المجتمع المدني، فإن تلك التوقعات والآمال سرعان ما انهارت في مواجهة الواقع السياسي الذي أخذ في مراحل عملية السلام الأولى ينذر بإمكان انهيار السلطة الوطنية الفلسطينية تحت وطأة الصعوبات الاقتصادية والإغلاقات الإسرائيلية المتكررة للضفة الغربية والقطاع، وحرمان عشرات الآلاف من العمل في إسرائيل. ولقد دفع هذا الواقع السياسي الدول المانحة إلى التخلي عن "أحلامها" الليبرالية، والتركيز على الحاجة الفورية إلى إيجاد فرص عمل، وتقوية قدرة أجهزة السلطة ومؤسساتها، وخصوصاً الأمنية والبيروقراطية منها، وبالتالي تحويل الأموال إليها.[7] إن هذا التحول في ترتيب الأولويات لا يضعف مؤسسات المجتمع المدني فحسب، بل يزيد في الوقت نفسه في قدرة أجهزة السلطة على خنق هذه المؤسسات وإضعاف تأثيرها. وهذا يعني أنه على الرغم من بروز مؤسسات مدنية جديدة تستفيد من حالة "الانتقالية" الراهنة، فإن قدرة هذه المؤسسات على أن تشكل واقياً للمجتمع من بطش السلطة وجبروتها تبقى ضئيلة، وموقتة في أحسن الأحوال.
سياسات السلطة القمعية
كان من آثار عمليتي السلام والبناء الوطني أيضاً توجه السلطة الفلسطينية إلى تبني سياسات وبرامج وقوانين تهدف إلى "حماية" العملية السلمية أو إلى تعزيز قدرة السلطة وسيطرتها، وفرض "الأجندة" الوطنية، وذلك على حساب المبادئ والممارسات الديمقراطية الليبرالية. فمثلاً، وجهت السلطة ضربة شديدة إلى فرص الديمقراطية وحقوق الإنسان عندما تم تشكيل محاكم أمنية عسكرية[8] تحكم بقوانين الطوارئ السيئة الصيت، وهو الأمر الذي يضعف من هيبة واستقلالية الجهاز القضائي، ويعطي الجهاز التنفيذي سلطات واسعة في مواجهة الفرد والمجتمع. وقد استُعملت هذه المحاكم لإدانة وسجن المعارضين للعملية السلمية، وخصوصاً أولئك الذين يلجأون إلى استعمال العنف ضد أهداف إسرائيلية في مواجهتهم للاحتلال، وذلك في محاولة من السلطة لردع حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" عن القيام بهجمات ضد أهداف إسرائيلية، ولتظهر للإسرائيليين جديتها في محاربة العنف. وأصدرت هذه المحاكم الكثير من الأحكام بالسجن ضد أعضاء في حركات المعارضة، بعضهم لم يكن مشاركاً مباشرة في أعمال عنف ضد الإسرائيليين. وقد أُجري الكثير من هذه المحاكمات في غياب محامي الدفاع. كما قامت سلطات الأمن الفلسطينية بعمليات اعتقال واسعة وجماعية ضد قادة وأعضاء في المعارضة بعد حدوث عمليات عسكرية ضد أهداف إسرائيلية، من دون أن توجه تهماً إلى عدد كبير من المعتقلين. وشكا بعضهم من التعرض للتعذيب، ومات عدد منهم في أثناء التحقيق.
ولجأت السلطة الفلسطينية أيضاً إلى منع توزيع الصحف أو إلى إقفالها، ولا سيما الصحف المعارضة للعملية السلمية ولقيادة عرفات. إلا إن المنع شمل كذلك صحفاً معروفة باعتدالها وبتأييدها للعملية السلمية، كصحيفتي "القدس" و"النهار"؛ الأولى لسماحها للمعارضة بالكتابة فيها، والأُخرى لميلها نحو تأييد الأردن. ويبدو أن رؤساء تحرير الصحف فهموا مضمون الرسالة الموجهة إليهم، فأخذوا يمارسون رقابة داخلية على صحفهم. وامتنعت صحيفة "القدس" من نشر أخبار عن تعذيب السجناء، أو نشر تقارير مؤسسات حقوق الإنسان، بل امتنعت من نشر استطلاع للرأي يشير إلى معارضة شعبية واسعة لقيود السلطة على حرية الصحافة. وقد وصل الأمر أحياناً إلى قيام أجهزة أمنية تابعة للسلطة بتهديد أطراف فلسطينية معارضة بهدف إسكاتها، بل اتُهمت السلطة بأنها وراء محاولات اغتيال بعض هؤلاء.[9]
وفي حين أن أجهزة أمن السلطة كانت حتى وقت قريب تلجأ إلى التهديد والإرغام من أجل كسب "الأصدقاء" وفرض وجهة النظر الرسمية، فإنها أصبحت الآن مسلحة بقوانين ومشاريع قوانين تعكس العقلية غير الديمقراطية لدى النخبة السياسية الحاكمة. ونظرة متفحصة إلى هذه القوانين والمشاريع، كقوانين الأحزاب والمنظمات غير الحكومية والصحافة والنشر، تدل على وجود نزعة نحو تعزيز دور الدولة وسلطتها التنفيذية على حساب دور الأحزاب والصحافة ومراكز الأبحاث ومؤسسات المجتمع المجني. إذ تنظر هذه القوانين إلى المؤسسات المدنية والأحزاب السياسية بأنها "العدو" الذي يجب مراقبته واحتواؤه وإخضاعه. وتفرض القوانين ومشاريع القوانين على مراكز الأبحاث، والرأي العام، ودور النشر والمطابع، ومراكز استطلاعات الرأي، أن تحصل على تراخيص من وزارة الإعلام من أجل ممارسة عملها وإيداع الوزارة نسخاً من مطبوعاتها. كما أنها تفرض على المنظمات غير الحكومية الحصول على إذن مسبق للسماح لها بقبول تمويل أجنبي. أمّا بالنسبة إلى الأحزاب السياسية، فهي مطالبة بكشف ملفاتها ومراسلاتها وتمويلها، وتقديمها إلى المراقبة الحكومية كأمر روتيني.[10]
من نافل القول إن التوجهات غير الديمقراطية لدى السلطة الفلسطينية ومؤسساتها ليست ناتجة فقط من قيود ومتطلبات عملية السلام والبناء الوطني. فمما لا شك فيه هو أن عملية التحول نحو الديمقراطية ستتأثر في نهاية الأمر بعوامل أكثر عمقاً، مثل طبيعة الثقافة السياسية، ومستوى النمو الاجتماعي - الاقتصادي. كما أن مواقف وآراء الشارع الفلسطيني وطبيعة النخبة الحاكمة وطبيعة مصالحها وتحالفاتها وحساباتها، بالإضافة إلى طبيعة النظام السياسي، بما فيه النظام الانتخابي، قد يكون لها تأثير بالغ الأهمية في المسار الديمقراطي.
متطلبات مسبقة للتحول نحو الديمقراطية
هل يسير المجتمع الفلسطيني نحو التحول الديمقراطي أم أن الحالة الفلسطينية تشكل، لكونها عربية إسلامية، استثناء للتوجه العالمي نحو الديمقراطية؟ يرى منظرو التحديث الغربيون أن النمو الاجتماعي-الاقتصادي والقيم السياسية من أهم المؤشرات على إمكان تقبّل المجتمع للمبادئ الديمقراطية.[11] فقد قيل مثلاً إن مستوى معيناً من التطور الاجتماعي-الاقتصادي (مثل بروز طبقة وسطى قوية، وإعادة توزيع الثروة، والانتقال إلى المدن، ومعدلات الأمية المنخفضة) شرط مسبق للتحول الديمقراطي، لأن هذه المظاهر الاقتصادية-الاجتماعية تساهم في إضعاف بنية السلطة القديمة، وتسمح ببروز قوى سياسية وجماعات مصالح جديدة، ويرى كثيرون أن اقتصاد السوق، أو الليبرالية الاقتصادية، قد يساهم أيضاً في إضعاف سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج، ويسمح ببروز مراكز قوى اقتصادية جديدة وبتقوية مؤسسات المجتمع المدني. ومن الجدير بالذكر أن نماذج سابقة من التحول نحو الديمقراطية أظهرت أن من الممكن حدوث مثل هذا التحول من دون أن تتوفر بالضرورة هذه المتطلبات المسبقة، بما في ذلك وجود مستوى عال من التطور الاجتماعي - الاقتصادي أو نوع معين من توزيع الثروة. وفي أية حال، فإن المستوى الاجتماعي - الاقتصادي للضفة الغربية وقطاع غزة يضع المجتمع الفلسطيني في موقع ليس بعيداً عن مجتمعات دول في جنوب أوروبا وفي أميركا اللاتينية، سبق أن تعرضت لمثل هذا التحول حديثاً. وفي الحقيقة، فإن مستويات التحضر والدخل القومي والأمية، وخصوصاً في الضفة الغربية، تضع المجتمع الفلسطيني في وضع متقدم على بعض هذه الدول.[12] كذلك، فإنه في هذه المرحلة المبكرة من عملية بناء الدولة، هناك درجة عالية من الملكية الخاصة للصناعة والخدمات في الاقتصاد الفلسطيني. لكن الموارد الاقتصادية في الضفة الغربية أقل تركيزاً منها في قطاع غزة، وهو ما يضع الأُولى في مكانة أفضل من حيث القدرة على قبول التحول الديمقراطي. وليس من المتوقع أن تحدث خلال الأعوام القليلة المقبلة تغيرات جوهرية في التوجه العام الحالي من حيث محدودية دور الدولة في الاقتصاد أو من حيث توزيع الثروة، على الرغم من أن بعض الاقتصاديين يتوقع حدوث نمو في الطبقة الوسطى.
وقد أُشير كثيراً في أدبيات التحول الديمقراطي إلى دور الثقافة السياسية في توفير فرص نجاح العملية الديمقراطية واستمرارها. ويرى البعض في القيم والثقافة السياسية والاجتماعية الإسلامية والعربية عقبة أمام التحول الديمقراطي، وذلك لأن الإسلام، في نظر هؤلاء، يركز على السيادة الإلهية لا السيادة الشعبية، وعلى المصادر المقدسة في مقابل المصادر العلمانية للسلطة، وعلى أولوية حفظ النظام حتى في مواجهة الطغاة، وعلى وجود تمييز ضد الأقليات الدينية والمرأة، وعلى رفض الإسلام لقاعدة حرية التعبير والاعتقاد إلا في حدود ما تسمح العقيدة به. ويرى هؤلاء في هذه القيم مؤشرات على معاداة الثقافة الإسلامية للديمقراطية، ويرى آخرون أن الثقافة العربية تشجع الولاءات الصغيرة للعائلة والقبيلة والطائفة. ويدّعي آخرون أن التقاليد الإسلامية تشير إلى وجود القليل من التسامح في التعامل مع المعارضة والمرتدين والمنشقين. إن النقاش العلمي بشأن قضية الإسلام والديمقراطية نقاش غني ومفيد،[13] لكن ليس هنا مكانه. ويكفي القول هنا إنه بينما يوافق بعض الإسلاميين والعلماء الفلسطينيين على هذه الادعاءات وعلى رفض الإسلام للديمقراطية، فإن معظمهم يرفض ذلك. والأهم من ذلك أنه بناء على تجارب أوروبا الجنوبية وأميركا اللاتينية، فإن ما يبدو اليوم في المجتمعات الإسلامية أنه ثقافة سياسية ذات جذور عميقة ليس، في الحقيقة، سوى نتاج القهر والإرغام السياسي والاجتماعي اللذين تمارسهما أنظمة الحكم. وعندما تتغير الأنظمة تتغير معها المواقف والسلوك، وتصبح الثقافة قابلة للتأقلم مع الديمقراطية.
الرأي العام
من جانب آخر، إذا كانت الآراء والمواقف قادرة على الكشف، حتى لو بصورة بسيطة، عن منظومة القيم والثقافة العميقة للمجتمع، فإن الثقافة السياسية الفلسطينية تبدو من خلال الأبحاث المسحية قريبة من القيم والممارسات الديمقراطية. ويؤيد الفلسطينيون تأييداً واسعاً قيام نظام سياسي ديمقراطي، وإجراء انتخابات، ويظهرون استعداداً للمشاركة في العملية السياسية. كما أنهم يؤيدون حرية الصحافة، وحقوق المعارضة، وحقوق المرأة في المشاركة السياسية. ويظهر الجدول رقم 1[14] وجود أغلبية من 74% تؤيد نظاماً سياسياً ديمقراطياً أو نظاماً شبيهاً بالنظام الإسرائيلي. ويزداد التأييد لنظام ديمقراطي/برلماني بصورة خاصة بين مؤيدي القوى الوطنية والعلمانية، مثل مؤيدي "فتح" والجبهة الشعبية.
فنجد مثلاً أن 5% فقط من مؤيدي "فتح" يحبذون نظاماً إسلامياً ذا حزب واحد، بينما يؤيد 88% منهم نظاماً ديمقراطياً برلمانياً. لكن 23% فقط من مؤيدي "حماس" يؤيدون البديل الديمقراطي، بينما يؤيد 71% منهم الخيار الإسلامي. وفي آب/أغسطس 1995 أيدت، أو أيدت بدرجة كبيرة، أغلبية 82% دولة ديمقراطية ذات انتخابات دورية. ويظهر الجدول رقم 2 أيضاً[15] وجود أغلبية من 72% تؤيد نظاماً منفتحاً يسمح فيه للمعارضة بالعمل بحرية. لكن الجدول يظهر أن سكان قطاع غزة أقل ليبرالية في هذا المجال من سكان الضفة الغربية.
كما أن المؤيدين للحركات الإسلامية يظهرون ميولاً ليبرالية أقل من الجمهور العام. فمثلاً، بينما يؤيد 79% من المتعاطفين مع حركة "فتح" حقوق المعارضة في التعبير بحرية عن رأيها، فإن 65% من المتعاطفين مع "حماس" يظهرون ميولاً مماثلة. كما أن سكان قطاع غزة يظهرون ميلاً إلى تأييد اللجوء إلى العنف كتعبير عن المعارضة، مثلما يظهر الجدول رقم 3.[16] ويقل التأييد للقيم الديمقراطية بين لاجئي القطاع بصورة خاصة؛ فمثلاً أيد 54% من لاجئي القطاع إعطاء ضمانات تكفل حقوق المعارضة، وفي المقابل اعتبر 40% منهم أن للمعارضة الحق في اللجوء إلى العنف عند الضرورة من أجل تحقيق أهدافها.
وتجد الانتخابات تأييداً واسعاً بين الفلسطينيين. وقد وجدت استطلاعات الرأي العام منذ أيلول/سبتمبر 1993 حتى تشرين الأول/أكتوبر 1995 أن هناك معدلاً يبلغ 77% تقريباً يؤيدون إجراء انتخابات لاختيار أعضاء المجلس الفلسطيني لسلطة الحكم الذاتي. لكن التأييد لقيام قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بتعيين أعضاء المجلس لم يتجاوز 12%، بينما أيد 6% نظاماً للكوتا. وحتى بين المتعاطفين مع حركة "حماس"، فإن تأييد الانتخابات وصل معدله إلى 75%. ويزداد هذا التأييد بين الأكثر تعليماً، ويقل عند الأقل تعليماً. ومن جهة أُخرى، أظهر الفلسطينيون رغبة قوية في المشاركة في الانتخابات. فمنذ أيلول/سبتمبر 1993 حتى تشرين الأول/أكتوبر 1995، بلغ معدل الرغبين في المشاركة في الانتخابات 71%. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1995، أعرب 68% من السكان عن رغبتهم في المشاركة في الانتخابات حتى لو وجهت المعارضة نداء لمقاطعتها.
ويؤيد معظم الفلسطينيين حرية الصحافة، ويعارض فرض قيود من السلطة الوطنية على هذه الحرية. ففي آب/أغسطس 1994 عارض نحو 66% قرار السلطة الفلسطينية بمنع توزيع صحيفتين فلسطينيتين تعكسان توجهات مؤيدة للأردن، هما "النهار" و"أخبار البلد"، ولم تتجاوز نسبة المؤيدين للمنع 16%. كما أن نسبة أولئك الذين أعربوا عن التأييد للصحافة الفلسطينية المؤيدة لخط السلطة فقط لم تتجاوز 13%. أمّا الأغلبية العظمى فقد أيدت حرية الصحافة بلا قيود.
ويظهر معظم الفلسطينيين تأييداً للقيم الديمقراطية، إذ ترى أغلبيتهم العظمى أنها ذات أهمية، أو أنها ذات أهمية كبيرة في حياتهم، بينما ترى أقلية ضئيلة أنها غير مهمة. ويظهر الجدول رقم 4[17] درجة التأييد للقيم التالية: حرية الصحافة؛ نظام تعدد الأحزاب؛ الحق في انتقاد الحكومة بلا خوف؛ إجراء انتخابات عادلة ودورية؛ مساواة الجميع أمام القانون؛ السيطرة المدنية على الشرطة وقوى الأمن؛ ضمان حقوق الأقليات؛ وجود برلمان منتخب.
ويبدي الفلسطينيون كذلك تأييداً لقضايا سياسية - اجتماعية ليبرالية، مثل حقوق المرأة. فمثلاً، وافقت أغلبية من 80% في نيسان/أبريل 1994 على أن للمرأة الحق في التصويت، وأظهر 63% استعداداً للتصويت لمرشحة كفية. ولم يزد حجم المعارضة لحق المرأة في ترشيح نفسها على 11%. وفي أيار/مايو 1995 قال 71% أنهم سيصوتون لامرأة. وفي آب/أغسطس - أيلول/سبتمبر 1995 وافق، أو وافق بدرجة كبيرة، 70% على القول إن للمرأة القدرة على القيادة، وأعرب 74% عن موافقتهم على أنه يجب أن يتم تمثيل النساء في البرلمان، ووافق، أو وافق بشدة، 81% على المساواة بين المرأة والرجل في الفرص والأجور. وفي هذا المجال، أظهر سكان الضفة الغربية ميولاً أكثر ليبرالية من سكان قطاع غزة. كما أن الشباب والمتعلمين كانوا أكثر تأييداً لحقوق المرأة. لكن الإسلاميين يبدون أقل تأييداً للقيم الليبرالية، إذ نجد، على سبيل المثال، أن نحو ثلثهم فقط، في مقابل نحو ثلاثة أرباع مؤيدي حركة "فتح"، على استعداد للتصويت لامرأة. وفي أيار/مايو 1995، قال 48% من مؤيدي "حماس"، في مقابل 78% من مؤيدي حركة "فتح"، أنهم على استعداد للتصويت لامرأة.
يشير النقاش أعلاه إلى إمكان وجود مشكلتين رئيسيتين أمكن ملاحظتهما من خلال البحث المسحي في الضفة الغربية والقطاع، وهما توجُّه سكان قطاع غزة وتوجُّه المتعاطفين مع الحركات الإسلامية نحو اتخاذ مواقف أقل ليبرالية، قياساً بجمهور السكان. وقد يساهم مستوى التطور الاجتماعي - الاقتصادي في قطاع غزة في تفسير مواقف سكان القطاع، بينما قد يساهم البعد الثقافي - الأيديولوجي في تفسير مواقف الإسلاميين. وبالإضافة إلى هاتين المسألتين، فإن معطيات الأبحاث المسحية تظهر أيضاً أنه على الرغم من التأييد الواسع للقيم الديمقراطية، فإن الرأي العام الفلسطيني في هذا المجال يبقى هشاً وقابلاً للتأثر بمواقف السلطة السياسية القادرة على التلاعب به. ويظهر الجدول رقم 5[18] أن أغلبية سكان الضفة والقطاع توافق، أو توافق بقوة، على أنه يجب إطاعة القادة لأنهم أكثر اطلاعاً وإدراكاً للمصلحة العامة، وأن تحسن الأوضاع الاقتصادية أكثر أهمية من الديمقراطية، وأنه يجب إعطاء رئيس الدولة الفلسطينية صلاحيات واسعة. إن هذه المواقف تظهر درجة هشاشة تأييد الرأي العام الفلسطيني للقيم الديمقراطية.
النخبة الحاكمة الناشئة
برزت خلال العقود القليلة الماضية ثلاث نخب سياسية مختلفة احتلت مواقع قيادية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي: الطبقة التجارية التقليدية؛ البرجوازية الوطنية؛ القيادة الشعبية لحركات وفصائل المقاومة.[19] وسيطرت الطبقة التجارية وملاّك الأراضي على السياسة الفلسطينية بعد هزيمة حرب 1948، ولا سيما في الضفة الغربية تحت الحكم الأردني. وأصبحت هذه الطبقة موالية ومؤيدة للنظام الهاشمي، ولا يزال لديها ميول إلى الهاشمية.
وكان هناك دوماً، ولا يزال، شكوك لدى منظمة التحرير الفلسطينية ومؤيديها بشأن ولاء هذه الطبقة للأهداف الوطنية الفلسطينية. فنابلس كانت، ولا تزال، المركز الرئيسي للطبقة التجارية الفلسطينية. وقد أدى الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية سنة 1967 إلى إضعاف هذه الطبقة بلا قصد، وأدت عملية تحول الفلاحين الفلسطينيين إلى عمال في المصانع والمزارع الإسرائيلية، وانتقال الكثير منهم إلى السكن في المدن نتيجة مصادرة سلطات الاحتلال لأرضهم والاستيلاء على مصادر المياه وفتح أبواب العمل داخل إسرائيل، إلى إضعاف قبضة الطبقة التجارية التقليدية على الريف الفلسطيني. كما أدى ظهور الحركة الوطنية الفلسطينية وانتشار أفكارها في خضم المواجهات مع قوات الاحتلال إلى إضعاف سيطرة الطبقة التقليدية على المدن الفلسطينية. وكان لبروز البرجوازية الوطنية الفلسطينية، كنخبة بديلة ممكنة، أثر مهم في زيادة فرص الحركة الوطنية في تسلّم القيادة السياسية في الداخل.
لقد برزت البرجوازية الوطنية الفلسطينية في نهاية الستينات وبداية السبعينات، تحت الاحتلال الإسرائيلي. وجعلت "الأجندة" الوطنية للبرجوازية من هذه الطبقة عدوة للاحتلال، وأعطتها بالتدريج، في الوقت نفسه، شرعية شعبية. وجاء معظم أعضائها من عائلات تنتمي اقتصادياً إلى الطبقة التجارية ومن مثقفي ومهنيي الطبقة المتوسطة في المدن الرئيسية. وكان لهذه النخبة الفضل الأول في صوغ هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وبحلول منتصف السبعينات، تمكنت البرجوازية الوطنية من إقناع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بتبنّي موقفها تجاه الدولة المستقلة. ولم تتمكن هذه النخبة من البقاء في القيادة طويلاً، ولا من بلورة ولاء شعبي لها في الداخل لأن سلطات الاحتلال، بقيادة وزير الدفاع آنذاك أريئيل شارون، سارعت إلى إجهاض جهودها والقضاء عليها. وفضل شارون في ذلك الوقت العمل على إحياء قيادة تقليدية قروية من ملاك الأراضي ورجال العائلات الكبيرة. ومع بداية الثمانينات، كانت المناطق الفلسطينية المحتلة بلا نخبة قيادية رئيسية.
وظهرت في ذلك الوقت قيادة شعبية من نشيطي تنظيمات الحركة الوطنية وفصائل المقاومة عملت على ملء الفراغ. وكان بعض هذه التنظيمات إسلامياً أيضاً، لكن الأغلبية كانت تابعة للحركة الوطنية. وكانت السلطات الإسرائيلية قد لعبت دوراً ما في تسييس الإسلاميين الفلسطينيين التقليديين، في محاولة منها لإضعاف الحركة الوطنية. كما شهدت الثمانينات موجة تسييس الفقراء ومتوسطي الدخل، وبداية تعبئتهم في خدمة الفصائل والتنظيمات السياسية وشبه العسكرية. ولقد كانت هذه النخبة النابعة من طبقة الفقراء ومتوسطي الدخل هي التي قادت الانتفاضة وحافظت على زخمها خلال فترة استمرت بضعة أعوام منذ سنة 1987.
أدت عملية السلام في بداية التسعينات إلى قيام ائتلاف بين القيادة الشعبية ذات السيطرة الفعلية على الشارع وبين البرجوازية الوطنية التي حظيت بانتباه وسائل الإعلام. وبينما استقت الأولى شرعيتها من تأييد الشارع لها، كان على الأُخرى التطلع إلى منظمة التحرير في الخارج بحثاً عن الشرعية. ثم أدى اتفاق أوسلو إلى قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، الأمر الذي سمح بعودة عرفات ونحو خمسة آلاف من جنود جيش التحرير الفلسطيني، وبضع مئات من قيادة وبيروقراطية المنظمة في تونس. وحاول عرفات في الأشهر الأولى من وصوله أن يقيم سلطة حكمه الفردي على ائتلاف سياسي - اقتصادي - عسكري من كبار رجالات وقيادات المنظمة، ومن مهنيي وبيروقراطيي الطبقة الوسطى والبرجوازية الوطنية، ومن نخبة من رجال المال من الطبقة التجارية والعائلات الكبيرة، ومن كبار ضباط الأمن في جيش التحرير.
وجاء كبار الساسة والمهنيين والبيروقراطيين الممثلين للبرجوازية الوطنية من كوادر العائدين ومن قيادات "فتح" من الطبقتين المتوسطة والغنية. ودان هؤلاء لعرفات بالفضل لما أعطاهم من نفوذ ومراكز قوة، ولم يكن النفوذ والمركز يعكسان حجم قوتهم وأهميتهم في المجتمع. وكانت بيئة التنشئة السياسية الأساسية لهذه النخبة بلاداً عربية، كسورية والعراق ومصر. وتربى هؤلاء على تعاليم القومية العربية والوطنية الفلسطينية، وتعلموا كيف يضعون الأهداف و"الأجندة" الوطنية الفلسطينية فوق أية غايات أو قيم ديمقراطية. وكان نظام الكوتا، الذي شاع استعماله في المجلس الوطني الفلسطيني، هو أقرب شيء عرفوه من الممارسة الديمقراطية في حياتهم. أمّا الطبقة التجارية، التي كانت السلطة في أمس الحاجة إليها في عملية إعادة البناء والإعمار والتنمية، فلم تشكل أيضاً تهديداً يذكر لسيطرة عرفات على السلطة. فهذه الطبقة لا تلقى احتراماً في الشارع، وكان قد تم إقصاؤها تماماً عن مراكز القوة والنفوذ خلال الانتفاضة والأعوام القليلة التي سبقتها. وكان رجالات هذه النخبة الاقتصادية يعيشون في أغلبيتهم خارج الضفة والقطاع، وعاد الكثير منهم مع عودة قيادة المنظمة وكوادرها. وليس من الضروري أن تلتقي المصالح الاقتصادية للطبقة التجارية والعائلات الكبيرة مع الحاجة إلى المشاركة الطبيعية في العملية السياسية.
أمّا الشريك الثالث في الائتلاف مع عرفات، فهو العسكرية الفلسطينية. عندما وصل عرفات إلى القطاع، أراد أن ينحّي "فتح" جانباً، في محاولة منه لتقديم نفسه زعيماً للفلسطينيين كافة لا لفصيل واحد فقط، ولأن المشاركة الفعلية لـ "فتح" في النخبة الحاكمة كانت ستسبب إضعاف سيطرته الكاملة على السلطة. وفي المقابل، لا تشكل قوات جيش التحرير تهديداً لهذه السيطرة لأنها غير مسيَّسة، وكانت موزعة على عدة بلاد عربية وتفتقر، بالتالي، إلى قيادة موحدة ذات سيطرة وتحكّم في مختلف أجهزتها. وحيث أن هذه القوات آتية من الخارج، فإنها لا تتمتع بتأييد شعبي أو بولاء محلي ينافس الولاء لعرفات. وقد عين عرفات في منصب قائد هذه القوات رجلاً ليس له طموح سياسي واسع أو شعبية كبيرة في صفوف قوات جيش التحرير. كذلك، من الممكن أن يكون عرفات قد اعتقد أن قوات غير منحازة سياسياً إلى طرف ما ستكون أكثر قدرة على حفظ الأمن، العنصر الأكثر أهمية في عملية السلام الفلسطيني - الإسرائيلي. لكن المواجهة الدموية في تشرين الثاني/نوفمبر 1994 بين الإسلاميين وقوات الأمن الفلسطينية في مدينة غزة دفعت عرفات إلى إدخال تعديلات على ائتلافه الحاكم. وطلب عرفات من "فتح" أن تصبح شريكاً حقيقياً معه، في محاولة منه لمواجهة حركة "حماس" وتحييدها، وذلك لأن استراتيجيته القائمة على الاعتماد على جيش التحرير درعاً يحميه ويحمي عملية السلام من المعارضة الإسلامية أثبتت فشلها. بعبارة أُخرى، طلب عرفات وقتئذ مساندة فعلية من "فتح"، وسمح لرجالها بالانضمام إلى قوات الأمن بالآلاف. وارتفع نتيجة لذلك عدد رجال الأمن المسلحين من نحو ثمانية آلاف رجل إلى نحو 18 ألفاً. وكان رجال "فتح" في معظمهم قد أمضوا أعواماً طويلة في سجون الاحتلال وتعرضوا مراراً لوسائل التحقيق الإسرائيلية، وهذه خبرة قد يحتاجون إليها.
الانتخابات الفلسطينية
من المتوقع أن تشكل الانتخابات للمجلس الفلسطيني أو للمجلس التشريعي، كما يرغب الكثيرون في تسميته، تطوراً بالغ الأهمية في السياسة الفلسطينية الحديثة. وقد اتفق الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي في طابا على إجراء هذه الانتخابات بعد الانتهاء من إعادة الانتشار في المناطق الآهلة بالسكان في الضفة الغربية. وتم تعديل هذه المادة في اتفاق طابا بحيث يتم إجراء هذه الانتخابات في 20 كانون الثاني/يناير 1996، بعد الانتهاء من إعادة الانتشار في المناطقة كافة ما عدا مدينة الخليل. ويدعو الاتفاق إلى انتخاب مجلس مكون من 82 عضواً، وتم الاتفاق لاحقاً على جعل العدد 83 عضواً (بإضافة ممثل عن الطائفة السامرية في نابلس). ويتمتع المجلس بصلاحيات تشريعية تشتمل على تشريعات أساسية وثانوية، بما في ذلك قوانين أساسية وتنظيمات وغيرها. وستشمل ولاية المجلس جميع المناطق الفلسطينية التي تخضع للسيطرة الفلسطينية اليوم، وستمتد بالتدريج لتشمل جميع أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة، ما عدا تلك المناطق التي تم تأجيل التفاوض بشأنها حتى أيار/مايو 1996، وهي القدس والمستوطنات والمواقع العسكرية المحددة. وستُجرى انتخابات منفصلة لمنصب رئيس السلطة التنفيذية، وسيشكل الرئيس المنتخب مجلساً للوزراء من بين أعضاء المجلس. ويمكن للرئيس إضافة ما لا يزيد على 20% من أعضاء مجلس الوزراء من خارج المجلس التشريعي المنتخب.[20]
سيكون للانتخابات تأثير بالغ الأهمية في جميع التفاعلات والعمليات السياسية الراهنة في المناطق الفلسطينية، وهي عملية السلام وعملية البناء الوطني والعملية الديمقراطية. وبالنسبة إلى العملية السلمية، هناك تطورات ثلاثة تنتظر إجراء الانتخابات: أولها النقل الرسمي للصلاحيات والمسؤوليات من الحكومة العسكرية الإسرائيلية والإدارة المدنية إلى المجلس الفلسطيني المنتخب. وفي هذه الأثناء، وفي انتظار تنصيب المجلس المنتخب، فإن الصلاحيات والمسؤوليات تمارَس من قِبل السلطة الوطنية الفلسطينية التي تم الاتفاق على قيامها في اتفاق القاهرة أو اتفاق غزة - أريحا. أمّا التطور الثاني المنتظر فهو حدوث عمليات إعادة انتشار لاحقة، وامتداد صلاحيات المجلس إلى مناطق فلسطينية جديدة. وتبدأ هذه العمليات بعد مرور ستة أشهر على الانتخابات الفلسطينية. أمّا التطور الثالث المنتظر فهو انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بعد شهرين من إجراء الانتخابات، وذلك لتعديل الميثاق الوطني بحيث يتم إزالة أية إشارة تنكر حق إسرائيل في الوجود أو تتناقض مع الالتزام الفلسطيني بالتخلي عن العنف. إضافة إلى هذا كله، فبإعطاء الشرعية للنظام السياسي الفلسطيني الجديد الذي أوجدته الاتفاقات الفلسطينية - الإسرائيلية، فإن الانتخابات تعطي الشرعية أيضاً لهذه الاتفاقات نفسها. ومن جهة أُخرى، فإن قواعد النظام الجديد تنكر شرعية اللجوء إلى العنف والوسائل غير الديمقراطية، وهي وسائل اعتبرت مشروعة في الميثاق الوطني. بعبارة أُخرى، تعمل الانتخابات على احتواء الفصائل الفلسطينية المعارضة، وتلزمها بقواعد اللعبة السياسية الجديدة. وأخيراً، قد تجعل الانتخابات العملية السياسية الفلسطينية أكثر تجاوباً مع تطلعات ورغبات الرأي العام في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد أظهر هذا الرأي العام في الفترة الأخيرة ميلاً واضحاً نحو تأييد العملية السلمية، وذلك كما تظهر جميع استطلاعات الرأي العام التي أجراها مركز البحوث والدراسات الفلسطينية في نابلس ومركز القدس للصحافة والإعلام في القدس الشرقية.
وسيكون للانتخابات تأثير في عملية البناء الوطني الفلسطيني؛ إذ إنها ستعطي الشعب الفلسطيني، أول مرة في تاريخه، فرصة لاختيار ممثليه السياسيين. وبذلك، فإن الانتخابات تعطي شرعية للنظام السياسي الفلسطيني الناشئ. إنها تعطي شهادة ميلاد لمؤسسات سياسية قوية وتساهم في مأسسة إجماع فلسطيني جديد يقوم على أساس ممارسات سياسية حديثة، يستبدل ذلك الإجماع القديم المتأكل. كما أن للانتخابات دوراً في تعزيز عملية توحيد منطقتي الضفة الغربية وقطاع غزة المنفصلتين جغرافياً، وفي المساهمة في ترابط وتكامل سكان القدس الشرقية مع باقي فلسطينيين الضفة والقطاع. ومن الجدير ذكره أن اتفاق طابا يصف الانتخابات بأنها خطوة أولية مرحلية مهمة نحو تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ويرى كثير من الفلسطينيين وغير الفلسطينيين في الانتخابات تعبيراً عن السيادة الشعبية ومدخلاً لتحقيق تقرير المصير وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
في الجانب السلبي، قد تؤدي الانتخابات في "الداخل"، أي في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى تهميش مصالح وهموم ومؤسسات الشتات الفلسطيني. ومن الجدير ذكره هنا أن الإصرار الإسرائيلي الأصلي على إجراء انتخابات فلسطينية، كما يمكن رؤيته من خلال اقتراحات الحكم الذاتي الإسرائيلية منذ فترة حكم مناحم بيغن سنة 1977، قد هدف إلى إيجاد قيادة فلسطينية محلية قادرة على الحلول محل منظمة التحرير الفلسطينية، ومنافستها. لكن عملية أوسلو السلمية جعلت من ذلك أمراً غير ضروري، وبالتالي لم يعد هناك حاجة إلى الانتخابات. ومع ذلك، يمكن القول إن للانتخابات فائدة، من وجهة نظر إسرائيلية، في تحقيق هدف إسرائيلي قريب من الهدف الأول، وهو: تركيز الاهتمام والطاقات الفلسطينية على "الداخل الفلسطيني" ومشاغله ومصالحه، أي على الاستقلال؛ وبالتالي تهميش الشتات ومشاغله، وتهميش حق العودة. وفي الواقع، فإن الانتخابات قد تساهم فعلاً في تسريع عملية تهميش "الخارج"، وهي عملية أطلقها اتفاق أوسلو. وسيُنظر إلى المجلس المنتخب في "الداخل" على أنه أكثر شرعية من المجلس الوطني المعين في "الخارج". وقد يتساءل البعض عن حدود صلاحيات ووظيفة مجلس غير منتخب، في الوقت الذي أصبح ممكناً إجراء الانتخابات في أكبر تجمع فلسطيني في "الداخل" أو في "الخارج". وقد تضعف مؤسسات منظمة التحرير الأُخرى، إذ سرعان ما سيبدي المجلس المنتخب ومؤسسات السلطة الرغبة في القيام بالكثير من وظائف تلك المؤسسات في "الخارج"، ولا سيما بعد أن تفقد مؤسسات "الخارج" مصادر دعمها وتمويلها.
والأهم من ذلك كله هو أن الانتخابات قد تشكل تجربة تحرر الفلسطينيين من التبعية لقادة غير منتخبين، وتساهم في إنشاء ثقافة سياسية مشاركة. وفي هذه الثقافة المشاركة، قد يُمنح الأفراد والفصائل والأحزاب السياسية الفرصة لممارسة النفوذ وتعبئة القوى وتجميع المصالح، وبالتالي تعزيز فرص احترام الحقوق السياسية والمدنية للأفراد والأحزاب، والإقلال من قمع السلطة. ولقد التزم الطرف الفلسطيني في اتفاق طابا قيام "حكم منفتح"، وقبول المساءلة وفصل السلطات، كقواعد ديمقراطية لقيام المؤسسات السياسية الفلسطينية. لكن الانتخابات قد تصبح أيضاً وسيلة لتحجيم وتدجين قوى المعارضة بتنظيمها ومأسستها في أطر وقنوات محددة. بل إنها قد تصبح آلية لإعطاء الشرعية لقمع السلطة. وقد ترى فيها النخبة الفلسطينية الحاكمة وسيلة لضمان السيطرة وتعزيزها. إن دراسة للنظام الانتخابي الفلسطيني الذي تم إقراره في 7 كانون الأول/ديسمبر 1995 تلقي ضوءاً على الدور الذي يمكن للانتخابات أن تؤديه في السياسة الفلسطينية. وسيكون لطبيعة النظام الانتخابي أثر مهم في أمرين: درجة وطبيعة المنافسة الانتخابية، ونوعية القضايا والمصالح التي ستظهر في أثناء الحملات الانتخابية.
ينص قانون الانتخابات، الذي صاغته لجنة انتخابات رسمية عينها رئيس السلطة الفلسطينية ورأَسها د. صائب عريقات، وزير الحكم المحلي، على تبنّي نظام الأغلبية البسيطة والقوائم المفتوحة.[21] ويقسم القانون الضفة الغربية إلى 16 دائرة انتخابية غير متساوية، ولكل دائرة عدد من المقاعد يتلاءم مع عدد أصحاب حق الاقتراع المسجلين في سجل الناخبين في الدائرة. ويحق للأحزاب السياسية والفصائل ومجموعات من الأفراد المستقلين تقديم مرشحين محليين، وذلك على شكل قائمة حزبية في كل الدوائر الست عشرة. وفي كل دائرة لا يجوز لعدد المرشحين في كل قائمة تجاوز عدد المقاعد المخصصة لتلك الدائرة. ويسمح القانون للناخبين بالتصويت لأفراد في القوائم الحزبية. ويحق للناخب التصويت لعدد من المرشحين لا يتجاوز عدد المقاعد في دائرته. بعبارة أُخرى، يحق للناخب التصويت لجميع أعضاء إحدى القوائم الحزبية أو التصويت لمرشحين من قوائم مختلفة. وحيث أن الدوائر غير متساوية في الحجم السكاني، فإن الناخب في الدائرة الكبرى، أي في مدينة غزة، يمكنه التصويت لنحو 13 مرشحاً، بينما لا يستطيع الناخب في دائرة صغيرة، مثل طوباس القريبة من نابلس، التصويت إلا لاثنين فقط. ويفوز في هذه الانتخابات أولئك المرشحون الذين حصلوا على أكثرية الأصوات في دوائرهم.
ولقد وجِّهت انتقادات شديدة إلى نظام الأكثرية هذا من قِبل المعارضة والمجموعة الفلسطينية المستقلة وأكاديميين ومثقفين كثيرين.[22] إذ رأت المعارضة أنه في ظل الخريطة السياسية الحالية وطريقة تقسيم الدوائر الانتخابية، فإن نظام الأكثرية يعطي حركة "فتح" أو "الحزب الحاكم" ميزة كبرى. إن "فتح" قادرة فعلاً على الفوز بالمقاعد كافة، حيث أن لديها أكثرية في جميع الدوائر. وبالتالي، فإن نظام الأكثرية قادر على المساهمة في تعزيز هيمنة النخبة السياسية الحاكمة الناشئة والفصيل السياسي الأكبر. وقد يؤدي مثل هذا النظام إلى استبعاد جميع فصائل المعارضة من المشاركة في صنع النظام السياسي الفلسطيني من داخله، وقد يثير ذلك أسئلة بشأن شرعية ذلك النظام. ومثل هذا النظام لن يشجع بروز ثقافة سياسية معارضة للعنف كوسيلة للتغيير. كما أنه لن يشجع حدوث تحولات باتجاه الاعتدال والوسطية، وهي تحولات تدفع باتجاهها العمليات السياسية الناتجة من قيام الائتلافات الحزبية والفصائلية في غياب هيمنة حزب واحد. وقد يكون نظام الأكثرية ملائماً للديمقراطيات المستقرة والعريقة، لكنه قد لا يكون كذلك لمجتمعات تعاني انقسامات سياسية عميقة، وتبرز فيها تساؤلات أساسية بشأن مفهوم الهوية الوطنية والحدود الإقليمية.
طُرح نظام التمثيل النسبي بديلاً من نظام الأكثرية؛ وذلك من قِبل المعارضة السياسية وبعض المثقفين، ومن قِبل "المجموعة الفلسطينية المستقلة للانتخابات"، وأيدته شخصيات سياسية بارزة، مثل فيصل الحسيني. ويسمح نظام التمثيل النسبي بتمثيل جميع الاتجاهات السياسية في المجلس الفلسطيني المنتخب، ويشجع بالتالي مساهمتها في الانتخابات. كما أن هذا النظام الانتخابي قد يساهم أيضاً في إدخال درجة من الاعتدال على نهج ولغة الحوار السياسي الفلسطيني. وقد يشجع، من خلال سياسة تشكيل الائتلافات، على إقامة ثقافة سياسية مشاركة.
عندما اتضح في نهاية سنة 1994 أن صوغ نظام أكثرية كان في قيد الإعداد، تبلور توجهان مختلفان: الأول مثلته تلك الأطراف في المعارضة الفلسطينية التي كانت تنادي بمقاطعة الانتخابات لأسباب تتعدى الموقف من النظام الانتخابي، وهذه دعت إلى المقاطعة بصورة مطلقة. والتوجه الثاني مثلته قوى سياسية يسارية علمانية وديمقراطية مفتتة وشديدة الانتقاد لياسر عرفات ولطرق إدارته للمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، وهذه دعت إلى تأليف "كتلة ثالثة" وسطية بين "الحزب الحاكم" و"المعارضة الإسلامية" وخوض الانتخابات.[23] أمّا الآن، وقد تم تبنّي نظام الأكثرية، وإذا قررت المعارضة، على الرغم من التوقعات بعكس ذلك، المشاركة في الانتخابات، فمن الممكن تصور بروز ثلاث كتل تتنافس من أجل الحصول على أصوات الناخبين: كتلة حركة "فتح" وحلفائها في أوساط الطبقة التجارية والعائلات وفي معسكر السلام، والإسلاميون، و"الكتلة الثالثة". وقد تشارك أيضاً عدة قوى هامشية أُخرى كالمستقلين، بالإضافة إلى بعض المجموعات التي أعلنت نفسها خلال الأشهر الستة الماضية،[24] على الرغم من إدراكها جميعاً أن فرصها في النجاح تكاد تكون معدومة. وفي مثل هذا السيناريو، ستركز حملة الانتخابات على الأيديولوجيات والقضايا السياسية الأساسية كعملية السلام، وعملية الديمقراطية، والقيم العلمانية في مقابل الدينية، والهوية السياسية الفلسطينية. أمّا إذا قررت المعارضة بأسرها مقاطعة الانتخابات، فمن الممكن أن تتشكل القوى الانتخابية المتنافسة من عائلات وعشائر وجماعات مصالح. وفي غياب تهديد من المعارضة، قد لا تحتاج النخبة الحاكمة الناشئة إلى مساعدة من حركة "فتح" من أجل حمايتها من تهديدات ممكنة ضد سيطرتها. وبالتالي، فإن قضايا الحملة الانتخابية ستتغير وتتوجه إلى التركيز على المصالح الاجتماعية - الاقتصادية والأمور المحلية. وقد تعود المنافسات العائلية إلى خنق فرص تحرر المجتمع الفلسطيني من قيود التخلف الاجتماعي والسياسي.
خلاصة
إن عملية التحول الديمقراطي في الضفة الغربية وقطاع غزة تواجه تحديات شديدة، ومن المرجح أن تستمر عملية السلام في التأثير سلبياً في فرص الديمقراطية، ولا سيما عندما يتزايد الإحباط الشعبي عند الفشل في التوصل إلى اتفاق بشأن قضايا الوضع الدائم الصعبة. كما أن إيجاد حل للتناقض بين "الأجندة" الوطنية وبين الديمقراطية سيعتمد على رؤية صانع القرار للأولويات الفلسطينية الراهنة: هل تحظى "أجندة" الأمن والاستقلال السياسي والانتعاش الاقتصادي بالأولوية على قيم المشاركة السياسية والمحاسبة والمساءلة وحرية التعبير؟ وهل يلعب المجلس المنتخب دوراً بارزاً في السياسة الفلسطينية، أم يصبح تابعاً للسلطة التنفيذية؟ لقد أعطت الصفحات السابقة بعد الإجابات عن هذه الأسئلة، لكن الأشهر القليلة المقبلة سترسم ملامح مستقبل النظام السياسي الفلسطيني بصورة أوضح.
* هذه ملاحظات واستنتاجات أولية تشكل قاعدة لدراسة أكبر يقوم المؤلف بإعدادها في مركز البحوث والدراسات الفلسطينية في نابلس.
المصادر:
[1] يمكن الحصول على نص الاتفاق الفلسطيني-الإسرائيلي بشأن قطاع غزة ومنطقة أريحا من مركز القدس للإعلام والاتصال، "اتفاق حول قطاع غزة ومنطقة أريحا" (القاهرة، 5 أيار/مايو 1994).
[2] أنظر النص الكامل في: مركز القدس للإعلام والاتصال "الاتفاقية الإسرائيلية-الفلسطينية المرحلية حول الضفة الغربية وقطاع غزة" (واشنطن، 28 أيلول/سبتمبر 1995).
[3] إن الأبحاث المسحية المتعلقة بالرأي العام الفلسطيني ظاهرة حديثة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد جرت في السابق محاولات لإجراء أبحاث مسحية من هذا النوع، لكنها عانت قيوداً اجتماعية وسياسية، كما أن المسؤولين عنها لم يتمتعوا دوماً بصدقية سياسية أو علمية. بيد أن البحث المسحي آخذ في الانتعاش منذ بداية العملية السلمية سنة 1991. واليوم هناك على الأقل ثلاث مؤسسات بحثية وصحافية فلسطينية تقوم بإجراء استطلاعات للرأي. ويجري مركز البحوث والدراسات الفلسطينية استطلاعات منتظمة للرأي العام الفلسطيني منذ أيلول/سبتمبر 1993. وجميع المعلومات الإحصائية في هذه المقالة تم الحصول عليها من استطلاعات هذا المركز.
[4] للمزيد من المعلومات عن منظمة التحرير الفلسطينية وعن النظام السياسي الفلسطيني، أنظر:
Cheryl Rubenberg, The Palestine Liberation Organization: Its Institutional Structure (Belmont, Mass.: Institute of Arab Studies, 1983); Helena Cobban, The Palestine Liberation Organization: People, Power and Politics (London: Cambridge University Press, 1984).
[5] مقابلات أُجريت في مركز البحوث والدراسات الفلسطينية مع ممثلين لدول مانحة.
[6] مقابلات أُجريت في مركز البحوث والدراسات الفلسطينية مع رسميين فلسطينيين.
[7] مقابلات أُجريت في مركز البحوث والدراسات الفلسطينية مع ممثلين لدول مانحة.
[8] للحصول على النص الكامل لقرار إنشاء المحاكم الأمنية، أنظر: "وثائق"، "السياسة الفلسطينية"، العدد 5 (شتاء 1995)، ص 183 - 186.
[9] أنظر تقارير منظمات حقوق الإنسان، مثل: منظمة مراقبة حقوق الإنسان؛ بِتسيلِم؛ الحق؛ مركز غزة للحقوق والقانون. ويمكن الاطلاع على ملخصات لهذه التقارير باللغة العربية في: "تقارير منظمات حقوق الإنسان"، "السياسة الفلسطينية"، عدد 5 (شتاء 1995)، ص 118 - 132.
[10] تم نشر الكثير من مشاريع القوانين في الصحف المحلية، وقد أعيد نشر عدد كبير منها في مجلة "السياسة الفلسطينية" الصادرة عن مركز البحوث والدراسات الفلسطينية.
[11] أنظر مثلاً:
Dankwart Rustow, “Transition to Democracy: Toward a Dynamic Model,” Comparative Politics, Vol. 2, No. 3 (April 1970), pp. 337-363.
[12] للحصول على معلومات بشأن الاقتصاد الفلسطيني، أنظر:
State of Israel, Central Bureau of Statistics, Statistical Abstract of Israel.
وللحصول على معلومات بشأن دول أميركا اللاتينية وجنوب أوروبا، أنظر:
Tatu Vanhanen, The Process of Democratization (New York: Crane Russak, 1990).
[13] أنظر على نحو خاص:
Ghassan Salame (ed.), Democracy Without Democrats? The Renewal of Politics in the Muslim World (London, 1994); Yahya Sadowski, “The New Orientalism and the Democracy Debate,” Middle East Report, 183 (July-August 1994).
[14] مركز البحوث والدراسات الفلسطينية، "استطلاع رقم (3)"، تشرين الثاني/نوفمبر 1993.
[15] المصدر نفسه.
[16] مركز البحوث والدراسات الفلسطينية، "استطلاع رقم (1)"، أيلول/سبتمبر 1993.
[17] مركز البحوث والدراسات الفلسطينية، "استطلاع رقم (19)"، آب/أغسطس - أيلول/سبتمبر 1995.
[18] المصدر نفسه.
[19] بشأن القيادات الفلسطينية في الضفة الغربية من بداية الانتفاضة، أنظر:
Emile Sahliyyeh, In Search of Leadership: West Bank Politics Since 1967 (Washington, DC.: The Brookings Institution, 1987).
[20] أنظر نص اتفاق طابا وملحق الانتخابات، وذلك في: "الاتفاقية الإسرائيلية - الفلسطينية المرحلية حول الضفة الغربية وقطاع غزة" (واشنطن، 28 أيلول/سبتمبر 1990).
[21] تم نشر مشروع قانون الانتخابات على شكل حلقات في جريدة "القدس" خلال الأسبوع الأول من شباط/فبراير 1995.
[22] أنظر مثلاً: المجموعة الفلسطينية المستقلة للانتخابات، "الانتخابات الفلسطينية" (القدس، تشرين الأول/أكتوبر 1994).
[23] يقود حزب الشعب محاولات تأليف "الكتلة الثالثة". وقد تم خلال الأشهر الماضية عقد عدة لقاءات ومؤتمرات أكاديمية وسياسية في مدينة رام الله بهدف إثارة اهتمام بالفكرة.
[24] يجمع مركز البحوث والدراسات الفلسطينية معلومات عن سبع عشرة مجموعة حزبية، وذلك ضمن مشروع "المعارضة الفلسطينية" الذي يقوم المركز بتنفيذه.