يتساءل الكاتب في مقدمة هذا الكتاب: "هل استطاعت إسرائيل تحقيق المنطلقات الصهيونية بعد ما يقارب نصف قرن على قيامها؟" وهو، في معرض الإجابة، يستنتج أن إسرائيل فشلت في تحويل فلسطين إلى وطن قومي يهودي؛ فلم تستقطب إلاّ نحو 30 في المئة من يهود العالم، وفشلت، أيضاً، في القضايا الأساسية التي طرحها المشروع الصهيوني على نفسه منذ قيامه، مثل: حل المسألة اليهودية، وإقامة أمة يهودية، وإلغاء شعب فلسطين، وإنشاء دولة يهودية خالصة (ص 7).
في الواقع، لا أعلم هل أن هذه "القضايا الأساسية" وردت، فعلاً، في جدول أعمال المشروع الصهيوني بهذه الصيغ الجازمة والقاطعة. إن ما هو معلوم يقتضي منا إيضاح ما يلي: إن كتاب تيودور هيرتسل المشهور جداً عنوانه: "دولة اليهود" لا "الدولة اليهودية"، والهدف كان إنشاء دولة لليهود أو وطن قومي لهم لا دولة يهودية خالصة. أمّا في شأن "إقامة أمة يهودية" فهذه نافلة؛ لأن الحركة الصهيونية اعتبرت اليهود أمة تكونت بالميراث المشترك لليهود جميعاً وانتهى تكوينها التاريخي والعقيدي منذ زمن بعيد. إن ما أرادته الحركة الصهيونية ليس "إقامة أمة يهودية"، فالأمم لا تقوم في أي حال بقرار، وإنما بمطابقة التاريخ على الواقع، أي إعطاء هذه "الأمة الناجزة" وطناً قومياً، أي دولة.
ثم إن "الفشل في القضايا الأساسية التي طرحها المشروع الصهيوني على نفسه" ـ كما يدّعي الكاتب ـ لا يقاس بتحقيق الأهداف فقط، بل أيضاً بالسيرورة التاريخية، وإلاّ تكون حساباتنا حسابات "دكنجية". فهذا الاستنتاج يعادل القول إننا لو أمرنا الجيش اللبناني، مثلاً، بتحرير يافا لكنه لم يتمكن من الوصول إليها بل حرر عكا فقط، فإنه يكون فشل في تحقيق أهدافه. والواقع أن الصهيونية نجحت نجاحاً باهراً في معظم أهدافها، وإن لم تتمكن منها جميعاً كما ترغب.
في أي حال ليست هذه هي النقطة المحورية لهذا الكتاب. إن "التسوية وقضايا الحل النهائي" هي ما يركز الكاتب عليه. وكنا نفضل ألاّ يختار الكاتب عبارة "الحل النهائي" عنواناً لكتابه، لأن لا حل نهائياً للصراع العربي ـ الصهيوني أو الفلسطيني ـ الإسرائيلي في هذه المرحلة. إن الدقة والمنهج العلمي يقترحان عبارة "قضايا المرحلة الأخيرة من المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية"، وحبذا لو أن الكاتب فعل.
يعرض المؤلف، بالتفصيل، للتصورات الإسرائيلية المتعلقة بعملية التسوية مع الجانب الفلسطيني، ويلاحظ "أن هذه التصورات ما زالت حتى الآن مجرد مشاريع غير رسمية تقدم باسم شخصيات أو مراكز أبحاث وتتضمن محاولات جادة للتملص من القضايا المطروحة والالتفاف عليها" (ص 16). وعلى الرغم من ذلك، فإن الكاتب يجول في النقاط العالقة، كالأرض والحدود والسيادة والقدس واللاجئين، محاولاً استخلاص الاتجاهات العامة للآراء والأفكار التي ما انفكت تقدم الحل تلو الحل والتصور تلو التصور. لكنه يستنتج أن ما يجري فرضه من حلول لا يؤدي إلى إيجاد تسوية عادلة ودائمة، وربما يكرس علاقات الإلحاق والهيمنة على الشعب الفلسطيني والأراضي الفلسطينية. فاتفاقات التسوية الحالية "إنما هي اتفاقات إذعان فرضتها موازين القوى الراهنة لمصلحة الإسرائيليين تماماً" (ص 60).
ثمة ملاحظة أرى أن لا بد منها في هذا المقام، وهي أن النص يحتاج إلى عناية لغوية تخفف ما فيه من وَهَنٍ، وتشذب ما اعتوره من سقطات وأخطاء لا يجوز الوقوع فيها أبداً.