تسعى هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على فكر قسطنطين زريق في القومية والعلاقة بين الانتماء القومي والدين. وترى أن كتاباته في هذا المجال تشكل رافداً من تيار عريض في القومية العربية الكلاسيكية يضم ساطع الحصري وعبد الرحمن البزاز وجمال عبد الناصر وآخرين، وهؤلاء عرضوا أفكاراً متشابهة إلى حد كبير عن الأمة والتدبير السياسي القومي والعلاقة بين الدين والانتماء القومي. وإذ يرفض الكاتب مجادلة الأطروحة القائلة إن المواقف الاجتماعية والاجتماعية الثقافية يمكن أن تولد حساسيات معينة وتسهل ولادة أو استقبال أفكار معينة، فإنه يشدد على نقطتين: الأولى: إن الفكر والنشاط القوميين العربيين مع إنهما شملا مسيحيين إلا إنهما كانا يشكلان حركة فكر وسياسة مستقلة عن الانتماء الديني. والثانية: تتعلق بالمسار التاريخي، إذ من الخطأ الاعتقاد أن ما يسمى "الثورة العربية" كانت ثورة قومية مع أنها كانت تحتوي ألواناً قومية طاغية. ويرى الكاتب أن الحس الواقعي، تمييزاً له عن العيانية التفصيلية، يزداد بروزاً عند زريق المؤرخ في استباقه الدراسات العامة عن القومية التي ظهرت في السبعينيات والثمانينيات. وبالتالي فإن التاريخ عنده ليس مساراً حتمياً صادراً عن نظام طبيعي يحرك هويات "أولية"، وإنما هو جزء من عملية تمدن زمنية تراكمية تتخذ في عصرنا الحاضر شكل التكون القومي المدني. وتبرز الدراسة رد زريق على نظرية ميشال عفلق الأفلاطونية عن القومية بما هي شكل من أشكال التذكر. وبدلاً من فرضية :أمة عربية خالدة تتعدى التاريخ، وقومية هي وعي مباشر لذات أصلية الوجود منذ ما قبل المرحلة التفكيرية، يسعى زريق لتحقيق وعي تاريخي لولادة القومية وتكونها مستبدلاً القومية الرومنطيقية لعفلق بالقومية التاريخانية . وتشير الدراسة إلى أن القومية التاريخانية عند زريق على عكس تاريخانية عفلق تقاوم الاستعارة العضوانية عن الأمة مثلما تقاوم إغراء أخذ هذه الاستعارة على أنها متطابقة مع مدلولها، وهي تمتنع عن الخلط بين القيمة الرمزية والشعورية للماضي وبين الواقع الحاضر.
يصعب الحديث عن القومية العربية عند قسطنطين زريق اعتماداً على مفهوم "الهوية"، في استخداماتها المتداولة، على ما يعتور هذه الاستخدامات من غموض. فمنع أن "الهوية" مصطلح أضحى عميم الحضور في الخطابات المتداولة في العالم العربي، إلا إنه لا يظهر عملياً في كتابات قسطنطين زريق.
يحفّ باستخدام الهوية كمقولة تحليلية عدد من المشكلات، ليس أقلها شأناً إمّحاء التمييز بين التعريف الذاتي للفاعلين الاجتماعيين والسياسيين والأيديولوجيين، الذين تنسب إليهم الهويات، أو ينسبونها إلى أنفسهم، وبين الواقع التاريخي والاجتماعي. وتزداد أهمية هذا التمييز لأن الهوية هي، قبل أي شيء آخر، مقولة تنفيذية وعملية أكثر منها مقولة تحليلية، وهذا ما يجعلها شديدة الطواعية للتحليل الأيديولوجي. ثم أن الهوية مقولة تفترض جموداً تاريخياً وجموداً اجتماعياً لا ينسجمان مع ما يسميه ابن خلدون "سنن الاجتماع العربي وخارجه، فأمر ليس مردّه يقظة للوعي فجائية، بل نهائية، تبدّد أوهام الحداثة والتنوير في العالم العربي، بقدر ما هو أمر يشير إلى انبعاث الأفكار السياسية والاجتماعية اللاعقلانية من رومنطيقية تأصيلية (nativist) على الصعيد العالمي – كما حدث في العشرينات والثلاثينات من هذا القرن في أوروبا والعالم العربي والهند وبلاد البلقان وسواها.
من هنا لا يوجد وصف بريء في فكرة الهوية، إنها تشكّل حلقة من سلسلة من الاصطلاحات أوسع، تضم أفكاراً شقيقة لها عن القومية والسياسية مثل الأصالة والعضوانية والداروينية – الاجتماعية، وكلها ارتبط عالمياً بحركات شعبوية يمينية و"بدوانية" (primivist). نشأت تلك الاصطلاحات وترسخت خلال القرن التاسع عشر، وحققت مذ ذاك اختراقات فعلية في الفكر السياسي العربي من السيد جمال الدين الأفغاني إلى الحركات الإسلامية وبعض تيارات الفكر القومي العربي والقوميات المحلية خلال فترة ما بين الحربين، وصولاً إلى انبعاثها وانتشارها خلال العقدين الأخيرين مع انتشار الخطاب الإسلاموي وتقعُّر قسم كبيرة من الخطاب القومي العربي تحت وطأة تلك الأيديولوجيا كما تحت وطأة الأزمات الحادة التي عصفت بالسياسات القومية في العالم العربي بعد وفاة جمال عبد الناصر.[1] وكل هذا يزيد في الحاجة إلى تسليط الأضواء من جديد على فكر قسطنطين زريق في القومية والعلاقة بين الانتماء القومي والدين. وكتاباته في هذه المجالات تشكل رافداً من تيار عريض في القومية العربية الكلاسيكية يضم ساطع الحصري وعبد الرحمن البزّاز وجمال عبد الناصر وآخرين. وقد طرح هؤلاء جميعهم أفكاراً متشابهة، إلى حد كبير، عن الأمة والتدبير السياسي القومي والعلاقة بين الدين والانتماء القومي.
أن يكون زريق دمشقياً مسيحياً أمر لا يبدو لنا أن له صلة بمواقفه. وبودي أن أبدّد بإيجاز القراءة التوهّمية للتاريخ التي لا يوال سوقها رائجاً عندنا، على الرغم من مكتشفات البحوث التاريخية التي تثبت العكس. قيل مؤخراً إنه يجب تصنيف زريق على أنه مفكر مسيحي، وأنه يشاطر القوميين العرب المسيحيين الهمّ الأقلوي منبعاً للدعوة إلى الاندماج القومي في نظام علماني. والادعاء هنا أن هؤلاء المسيحيين – بمنهم فيهم، لغرابة الأمر، أنطون سعاده – تعاطوا مع الإسلام بطريقة تنم عن إعادة الانخراط في استعداد بدواني، منتشر بين العرب الواقعيين تحت تأثير الإسلام، نحو التسووية التاريخية، في صيغة مبتذلة للجدلية الهيغلية.[2] وهذا منوّع لأطروحة قديمة لا تزال سارية المفعول بفضل افرث الذي خلّفه جورج أنطونيوس. وهي الأطروحة التي تقرأ الفترة الحميدية في الولايات العربية من السلطنة العثمانية في ضوء هموم الحرب العالمية الأولى، وخصوصاً المصالح البريطانية لدى العرب، أو في ضوء الأساطير القومية العربية اللاحقة عن أصل العرب أنفسهم.[3]
وفيما أنا لا أجادل الأطروحة القائلة إن المواقف الاجتماعية والاجتماعية- الثقافية يمكن أن تولّد حساسيات معينة وتسهّل ولادة أو استقبال أفكار معينة، إلا إني أرغب في التشديد على نقطتين تتعلقان بهذه المحاججة الآنفة الذكر.
النقطة الأولى هي أن الفكر والنشاط القوميين العربيين، مع أنهما شملا مسيحيين، إلا إنهما كانا يشكلان حركة وفكر وسياسة مستقلة عن الانتماء الديني. فالتحديثيون من المشرقيين المسيحيين الذين نافحوا عن اللامركزية في القسم الأخيرة من القرن التاسع عشر لم يكونوا قوميين عرباً ولا هم كانوا دعاة انفصال عن السلطنة العثمانية. وإنما كانوا فاعلين ضمن شروط المواطنة العثمانية الناشئة في أوساط الإنتلجنسيا الجديدة التي كانت تضم، في أساس من تضم، بيروقراطية الدولة العثمانية. ولم يكن هؤلاء، يجدون أي تعارض بين العروبة والعثمانية، مثلهم مثل القوميين السُنّة في دمشق وبيروت حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، ومثل الاتحاديين التقدميين والعروبيين جميعاً، الذين انتقلوا كأنما على غفلة إلى القومية العربية تحت تأثير الحرب العالمية الأولى. أمّا الانفصاليون فكنت تجدهم في المؤسسات الإكليركية، وخصوصاً الكاثوليكية منها، وبين الإرساليين وبعض القناصل الأوروبيين الذين فكروا وتصرفوا على أسس إكليركية واضحة على نحو لا يكاد يختلف كثيراً عن العناصر اليونانية والأرمنية من رعايا السلطنة.
أمّا النقطة الثانية فهي تتعلق بالمساق التاريخي. من الخطأ الاعتقاد أن ما يسمى "الثورة العربية" كانت ثورة قومية، مع أنها كانت تحوي ألواناً قومية ظاغية، بصرف النظر عن التحالف الأيديولوجي والسياسي الذي اعتمدت عليه في فتراتها اللاحقة. كانت الثورة العربية حركة خلافة إسلامية تميّز العرب، وتميّز فيما بينهم وفقاً للمطامع الضيقة لأشراف مكة الذين يدّعون أنهم أصحاب الحق الشرعيون في الخلافة. وإذا وضعنا التأريخ اللاحق جانباً، فإن النسب الفعلي لثورة الحجاز سنة 1916 يجب البحث عنه، لا في سجلات القومية العربية، وإنما في محاولات إنشاء دولة تخلف السلطنة العثمانية. والأكثر إثارة بين تلك المحاولات فكرة نابليون الثالث عن ضرورة بناء دولة عربية بقيادة الأمير عبد القادر الجزائري؛ وهي فكرة كان نجيب عازوري لا يزال يقول بها حتى سنة 1905، أي بعد مضي عقود من الزمن على إطلاقها. وبالتالي، فإن تاريخ نشوء القومية العربية يجب تعيينه في العشرينات والثلاثينات من هذا القرن، أي بعد أعوام كثيرة من الفترة التي يصطلح، عادة، على تعيينها تاريخاً لنشوء القومية العربية. على أن نزعة الفوات (anachronism) المسيطرة على المؤرخين القوميين العرب اللاحقين جعلتهم يحاولون التغطية على فعلة أولئك الذين ساهموا في استعجال العواقب الكارثية لثورة الحجاز. ولم ينقص هؤلاء المؤرخين التعبير عن شيء من التفرُّض تجاه الاستقلال الذي انتزعه الأتراك الكماليون في مواجهة عقبات عظيمة.
إن القوميين العرب في العشرينات والثلاثينات من هذا القرن، الذين يتحدر منهم زريق مثله مثل سوريّين آخرين هما إدمون رباط وبعد الرحمن شهبندر، كانوا الورثة الشرعيين للنزعة القومية المدنية التي حملتها الإصلاحية العثمانية والتي تتوجب بحركة أتاتورك.[4] إلى هذا التيار التاريخي العريض كان ينتمي أيضاً الوحدويون التقدميون العرب الذين انتقلوا انتقالاً ميسّراً إلى القومية العربية في إبان الحرب العالمية الأولى. والآصرة الأيديولوجية الأكثر مباشرة في هذا الانتقال هي سيرة ساطع الحصري، الذي بدأ التعاون مع ضياء غوكألب في سالونيكا، مروراً عبر دمشق الفيصلية وبغداد، وصولاً إلى الأيام الأخيرة من التأمل في القاهرة وبيروت. وهي سيرة تبيّن ذلك الانتقال الميسّر بين العثمانية والعروبة، من خلال النظر إليهما بما هما مشروع قومي يفترض بناء نظام سياسي مدني معرّف قومياً. وفي هذا الإطار، يجري النظر إلى القومية بما هي شكل التنظيم السياسي الحضاري الأكثر تقدماً. وكان هذا المفهوم للقومية يتعارض كلياً مع صلتي القربى والدين أو سواهما من الصلات مادون التاريخية (Infrahistorical) وقبل القومية التي درجت تسميتها الآن التكوينات الـ"أولية" (primordial).[5]
وهكذا كان زريق يرى، ومعه زملاؤه في التيار، أن أية محاولة لبناء كيان سياسي قومي، ولإعادة بناء المجتمع العربي على أساس قومي، لا يجوز أن تكتفي بنبذ "حِجاب الجنس" و"شَبَح الدم"[6] – بحسب التعبيرين اللذين يستخدمهما في دحضه النزعة الفينيقية – وإنما يتوجب عليها أن تمارس السياسات العلمانية على نحو واعٍ. في تعبيره الزاخم عن الممارسات القانونية والسياسية للقومية العربية حتى الآونة الأخيرة، كما في تعبيره الحيوي عن الطابع المضمر للسياسات القومية العربية والتيارات الغالبة في الحياة العربية العامة منذ الإصلاحات العثمانية، رأى زريق – بثبات مدهش وبصيرة ووضوح هدف لا تشوبها شائبة طوال 60 عاماً – أن المواطنة المشتركة التي يعبّر عنها الانتماء القومي تتطلب انتقالاً من عمومية أشكال الاجتماع المشتركة ومفاهيمها إلى أشكال ومفاهيم مدنية مخصوصة. إلاّ إن القول بضرورة أن يتم هذا الانتقال في العالم العربي مما يسميه زريق "المفهوم الثيوقراطي" إلى المفهوم العلماني (زريق، 231، 398 – 399، وفي صفحات متفرقة)، أمر لا ينفرد به التكوري الكونتي (نسبة إلى أوغست كونت)، ظاهرة قبل علمية وقبل حداثية من ظاهر التاريخ البشري بمجمله. وبديهي أننا نرى التاريخ البشري هنا من منظار الغلبة الشاملة لأشكال التنظيم الاجتماعية والسياسية والثقافية والقانونية الحداثية ابتداء من القرن التاسع عشر.[7]
ولا يمكن تفسير موقف زريق هذا بالعودة إلى سيرة الرجل أو انطلاقاً من صدفة ولادته، وإنما يجب وضعه في سياق أوسع هو سياق الجماعة القومية التي في قيد التكوين. إن التفسير السيروي الضيق هو تفسير كثير الاتكاء على نظرة جامدة في التاريخ الحديث للعالم العربي مثلما هو شديد الاعتماد على فهم غاية في التبسيط لسيوسيولوجيا العرب الثقافية. لنا عند زريق، بالدرجة الأولى، منظور المؤرخ إلى تطورات التاريخ الحديث للعرب، يستوعب أفكاراً متضمنة في عملية تحديث قطاعات أساسية من المسارات القانونية والاجتماعية والتعليمية والسياسية والروابطية في الأقطار العربية المركزية، ويدفع إلى الأمام مهمة تعميم المسارات وتحققها بما في مهمات سياسية ومعرفية في آن واحد، ذلك بأن فكر زريق يقيم دوماً صلة مباشرة بين المهمة السياسية والمهمة المعرفية (زريق، ص 36 و510، وفي صفحات متفرقة). وهكذا يصير المشروع القومي، في اتصاله بالتشكيلات الدولتية والتحولات الاجتماعية – الثقافية، لا مجرد سجلّ للآمال، وإنما وصفاً لمسارات موجودة فعلاً. وتتحرر القومية ذاتها من كونها أيديولوجيا أو نظاماً متخيَّلاً لتصير شكلاً من أشكال النشاط السياسي والتنظيمي وثيق الارتباط بمفهوم حداثي للدولة المتواصلة مع مواطنيها. وعلى عكس الكثير من المفاهيم الرائجة في أيامنا هذه – عند الأكاديميين والصحافيين الغربيين وعند المثقفين العرب المحبّطين على حد سواء – فإن فكرة القومية العربية ليست حصيلة نقل أو استعارة ثقافيَّين، وإنما هي مولود محلّي مرتبط بالبنى الدولتية وبالأنساق الثقافية الجديدة بقدر ما هو متصل بالأنتلجنسيا التي كانت أبرز نتاج السياسات الثقافية لفترة "التنظيمات" وفترة ما بعد "التنظيمات" العثمانية، تلك السياسات التي تمفصل فيها المحلي والكوني في آن واحد.
ومما لا شك فيه أن عينية الكتابات والمواقف عند زريق وأهميتها الاجتماعية – الثقافية، تنعكسان في التأثير العظيم الذي مارسته هذه وتلك في ولادة أشكال من القومية العربية حداثية جذرية، بل قلْ ثورية في الخمسينات. ولا يقل تأثير زريق هذا أهمية عن نفوذه الأقل بروزاً في الأوساط الحداثية الليبرالية. ثم أن أعماله، وخصوصاً كتاباته عن فلسطين، كان لها أيضاً أصداء واسعة جداً، علماً بأن الأوساط القومية المحافظة كانت كثر إنصاتاً لما فيها من عناصر تحريضية وبلاغية أكثر منها للعناصر الأُخرى التي تتضمنها. ولا يمكن فهم كل هذه الأمور إلا إذا نظرنا إلى أعمال زريق من منظور سوسيولوجيا المعرفة وأعملنا فيها التحليل الدقيق للتمفصل بين أنساق الأفكار التي دعا إليها. وستغيب عنا أمور أساسية إذا نحن لم نتفحّص ظروف ولادة الفاعلين الاجتماعيين – السياسيين والاجتماعيين – الثقافيين في الكيانات السياسية العربية في منتصف هذا القرن في إطار الدولة الحديثة بما هي واقع عيانيّ ومشروع ثوري للبناء القومي في آن واحد. والأدعى للاستغراب أن القارىء نادراً ما يقع على إشارات مباشرة إلى مؤلفين أو إلى نقاشات معاصرة أو إلى تحليلات تاريخية للوقائع العربية الحديثة إلا في أشكالها الأكثر عمومية.
إن الحس الواقعي، تمييزاً له من العيانيّة التفصيلية، يزداد بروزاً عند زريق المؤرخ، في استباقه الدراسات العامة عن القومية التي ظهرت في السبعينات والثمانينات. فهو يخوض، بروحية المفكّر القومي الواقعي، غمارَ مسار تاريخي لا إنجاز محدّداً سلفاً له، وهو جازم في اعتقاده أن الأمم ليس سابقة على القومية وأن التكوّن القومي مسار زمني، في الإطار التاريخي الشامل، يُنتج الأمم بعامة، مثلما هو جازم في اعتقاده أن مسار البناء القومي عند العرب لا يزال جنينياً، وأن هذا المسار مسار تطوري تراكمي، في الواقع، يعتمد في تقدمه على طبيعة السياسات القومية المعتمدة. ذلك بأن المسارات التاريخية الرئيسية إنما هي مسارات تتم في التاريخ، لا خارجه، وتتكىء على النشاط البشري الفاعل في شروط تاريخية محددة. هنا تتضح عقلانية الواقع، وإن يكن في شكل أقل تسامياً مما كان يرغب فيه مفكّر مثل هيغل وأقل منه جدلية.
وهكذا فإن التاريخ ليس مساراً حتمياً صادراً عن نظام طبيعي يحرّك هويات "أولية"، وإنما هو جزء من عملية تمدّن زمنية تراكمية تتخذ في عصرنا الحاضر شكل التكوّن القومي المدني (زريق، ص 36، 228، 512، 721 وما يليها، 743 وما يليها، 841). هنا ينجدل التقدم والتحرر والحضارة بعضها ببعض (زريق، ص 26 و31، وفي صفحات متفرقة). وليس لهذا الثالوث عند زريق من ترجمة معيارية سياسية فقط، بل له أيضاً ترجمة خلقية على شكل المفهوم الكوني للفضيلة، بوجهيها الخاص والعام – بما هي ركيزة الحياة الاجتماعية والسياسية والعقلانية (زريق، ص 837، وفي صفحات متفرقة). وهذا الثالوث هو إذاً الأساس المعياري لنظرة شاملة إلى الكون والحياة تعرّف النظام الحضاري. أمّا النظرة الحداثية فإن قوامها الميزة العملية للعقلانية، العلموية منها والتاريخية، بأوسع معانيها (زريق ص 783 وما يليها). ذلك بأن الفضائل هي، في نهاية المطاف، طاقات على التجاوز الذاتي وعلى استبدال التحتيم الطبيعي بالتدبيير والتحوّل الإنسانيين، وباختصار، بالتقدم التاريخي (زريق، ص 837، وفي صفحات متفرقة). ومما لا شك فيه أن درجة التمدن التي يبلغها مجتمع معين تقاس بدرجة السيطرة التي يمارسها على الطبيعة – على الطبيعة الجسمانية، من خلال العلم والتنظيم العقلاني، كما على الطبيعة النفسانية وقوامها الغريزة والرغبة والعادة (زريق، ص 722 – 723)، وهذه الثلاث هي سوالف الأفكار الهمجية عن الهوية.
إن هذه التاريخانية البيكونية (نسبة إلى الفيلسوف البريطاني فرانسيس بيكون) هي أكثر الصيغ كلاسيكية فيما يتعلق بتعبيرها عن مناهضة الحتمية ومناهضة الغائيّة. وسنجد أن أوجه الشبه بينها وبين حداثية عبد الله العروي كثيرة، هذا إذا تغاضينا عن الاختلافات في المنظور والصيغة وعن قلة اكتراث العروي لقضايا العقيدة القومية. ذلك بأن أعماله تنطلق من فرضية وجود دولة – أمة متحققة ذات استمرارية سُلالية طويلة وراسخة. ولا غرابة في تكاثر أوجه الشبه بين المفكّرَين [زريق والعروي]. فكلاهما صادر عن الحداثية العربية التي سبق ذكرها. إلى هذا، يجدر التشديد على درجة نفور زريق من أية عقيدة تدعو إلى الحتمية التاريخية، سواء أكانت المورفولوجيا الطبيعية لشبنغلر، أم النزعة التقليدية العاطفية، أم المذهبية، في التيار العربي المحافظ. ولا يوازي هذا النفور قوة غير نفوره من الاستتباعات التأصلية والضد إنسانية لتلك العقائد الداعية إلى الهويات البدوانية (زريق، ص 807 وما يليها، وفي صفحات متفرقة). وتزداد الحاجة إلى مثل هذا التشديد نظراً إلى المناخ السائد حالياً حيث المفاهيم الرومنطيقية الحيوية للتاريخ تعود بقوة من خلال المذاهب الإسلاموية في العالم العربي ونزعة المحافظة الأبوية الاجتماعية السائدة في القسم الأكبر من أدبيات العلوم الاجتماعية المعاصرة المتعلقة بالعرب والإسلام في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، مثلما هي سائدة بالتأكيد في أوساط التشاؤميين في العالم العربي، وكلها نزعات وتيارات تزداد ميلاً إلى القبول بفكرة قَدَرية عن الخصائص المحلية لسكان بلد ما (indigenism).
إن تاريخ العرب – وتاريخ سواهم من الشعوب – ليس إذاً محتوماً سلفاً أو محدداً كلياً بواسطة ثقل الماضي. ذلك بأن الممارسة الإنسانية في التاريخ هي دوماً وتعريفاً حبلى بالحِدْثان. وإن تاريخانية أمة من الأمم لا تتكون من مجرد الذاكرة ومن إحياء تلك الذاكرة (زريق، ص 385). لعل زريق يردّ هنا على نظرية عفلق الأفلاطونية عن القومية بما هي شكل من أشكال التذكّر.[8] على أن الماضي يبقى يفعل فعله، وأن له مضاعفات اجتماعية – سياسية وثقافية محددة. ومهمة الخاضر أن يشحذ وعياً حاداً للحظة الحاضرة من أجل تحقيق التحويل التاريخي، أي من أجل الانتقال من "التاريخ العبء" إلى "التاريخ الحافز"، وهذا تمييز حاسم في فكر زريق (زريق، ص 526 وما يليها). هي مهمة شبه إرادوية، على أن الإرادوية هنا تبقى متصلة بالممارسة المخصوصة للتاريخ الحديث مع أن زريق لا يتناولها بالتفصيل اللازم.
إنما التاريخ العبء هو قوة سِحر وفوات تمتصّ القدرة على الفعل افيجابي وتحرف الأنظار عن المهمات العملية الواجبة التنفيذ مثلما تحرف الأنظار عن المنظور التاريخ المتطلع إلى أمام. والحق يقال إنه يمكن ويجب أن يكون الماضي مصدر إستلهام – ليس فقط بالمعنى البلاغي الذي به يعبّر الفكر السياسي والاجتماعي العربي عن نفسه – بأن يوفر العناصر الإيجابية من هذا الماضي التي يمكن الاحتفاظ بها، على نحو إرادوي. والأهم أن الماضي يمكن ويجب أن يكون مصدر استلهام بما هو يوفّر المقارنة بين الماضي والحاضر، فيوفّر بذلك مصدراً لمعرفة عناصر التأخر الموجودة في الحاضر، بما فيها ما يسمى "الهويات الأوليةط – كانتماءات المذهبية – ليحرّض من ثمّ على ضرورة تجاوزها. تلك هي النتيجة العملية لمعرفتنا الماضي، والأهم من ذلك لحكمنا عليه (زريق، ص 510 وما يليها).
المقترح هنا نظرية للتاريخ تتميز من الرومنطيقية التي خلبت لبّ ذلك المنوّع من القومية العربية الذي اعتمد على مفهوم الهوية. ويجب ألاّ يغيب عن البال أن اللحظة الرومنطيقية في الفكر والحساسية القوميين ظاهرة عميمة، وأن العناصر الوضعية والرومنطيقية في الأيديولوجيات القومية وكتابات التأريخ القومية عناصر مشتركة بين التعبيرات القومية أينما كانت. أمّا تنويعاتها فتعتمد على نمط العلاقة القائمة بين الحركات القومية والدولة. ففي فرنسا، مثلاً، يجري التمييز، في الغالب، بين قومية الدولة المدنية والعلمانية وبين الشوفينية الرومنطيقية الوثيقة الاتصال بالرمزية الكاثوليكية (كما عند مورّا/ Maurrsa، ولوبين/Le Pen)،[9] علماً بأن هذا التمييز لا يستثني أحياناً أن يقوم تحالف بين التيارين. وعلى الغرار ذاته، فإن القومية الإيرلندية تحوي عنصراً كاثوليكياً وغاليانياً (gallic) أكيداً، على أنه أكثر مركزية في البنية القومية مما هو عليه في فرنسا.[10] ويتكىء التيار الرومنطيقي والعضواني السالف الذكر على نزعة حيوية، وعلى المقارنات مع كيانات بيولوجية (تمييزاً لها من الكيانات الميكانيكية)، فيرى التاريخ على أنه نسيج دارويني – اجتماعي من التماثلات والتضادات بين مصائر وحدات إفرادية سابقة الوجود هي الأمم.[11] وهذه نظرة تصل في شكلها الأصفى إلى الفاشية، كما لاحظ محلِّل لمّاح.[12] وفي الغالب، يجري الربط بين هذا الشكل من الأيديولوجيا القومية وبين النظرات الثقافوية للقومية والنزعات الغوغائية الشعبوية الناجمة عن تمفصل ضعيف بين الدولة والقومية. كان ذلك هو حال القومية الألمانية، وقد استهلكتها الحقبة النازية الشديدة المفعول التجانسي بحيث حققت، في فترة زمنية قصيرة، أشكالاً من الاندماج ومن المثاقفة القومية اقتضى تحقيقها في فرنسا وإنكلترا قروناً من الزمن. والأمر ذاته ينطبق على بعض اللحظات التاريخية من تطوّر القومية العربية.
يسعى زريق لبناء شكل غير ثقافوي وغير رومنطيقي من القومية تأسيساً على مفهوم للتاريخ تطوري وتقدمي في آن واحد، مفهوم عميق الجذور في قراءة راهنة للتاريخ بدلاً من أن يكون بثاً ارتدادياً لغدٍ متمنّى على شاشات الماضي. والحال إن فكرة المصير القومي تؤدي دوراً مهماً في هذه الحالة الثانية، في ألمانيا القومية كما في القومية العربية في منوّعها العفلقي، إذ يعرّف عفلق خلود الأمة العربية بأنه "ليس سَير الحاضر إلى المستقبل، بل نقل المستقبل إلى الحاضر."[13]
وبدلاً من هذه الفرضية عن أمة خالدة تتعدى التاريخ، وعن قومية هي "وعي مباشر لذات أصلية الوجود منذ ما قبل المرحلة التفكّرية"،[14] يسعى زريق لتحقيق وعي تاريخي لولادة القومية وتكوّنها، مستبدلاً القومية الرومنطيقية لعفلق وأضرابه بالقومية التاريخانية.[15] وفي جذر هذا كله يكمن فهم للتاريخ الحديث يتلاءم مع بعض القراءات المعاصرة لتاريخ القومية؛ وهي قراءات قارنت بين وطنية الدولة الاستيعابية وبين القومية النابذة اللادولتية الصادرة من تحت، مقارنة بالغة التشخيص والتركيب. إنها قرءات أكدت تاريخانية الظاهرة القومية والدور الحاسم الذي يقوم به التعليم والتجنيد الإجباري والاتصالات والخدمة المدنية وأشكال المشاركة السياسية في تكوين الدولة القومية.[16] وبالتأكيد، فإن زريق ينطلق من مبدأ أساسي هو وجود دولة عقلانية – خلقية، ترتكز عقلانيتها على مبادىء الإدارة العلمية للمجتمع بما هو فكرة خلقية وكيان صادر عن تيارات مهيمنة في التاريخ الحديث، وأن وجود تلك الدولة هو الشرط المسبق لبناء الكيان القومي غير المقيّد بموانع ومبالغات تمليها عقيدة قومية مبتذلة وارتدادية وعاطفية على نحو وحشي. بعبارات تاريخية، فإن هذا يقابل تطورات عميقة ولكنها هشة عرفتها الكيانات العربية منذ حقبة الإصلاحات العثمانية، تطورات حدّ من فاعليتها تمفصل لم تستطع منه فكاكاً بين الإرهاقات الداخلية والضغوط اقاسية للحرب الباردة وللنزاع العربي – الإسرائيلي. تلك هي الكيانات السياسية التي أصلحت القانون والتعليم واضطلعت بمشاريع الهندسة الاجتماعية بنسب متفاوتة من النجاح، مدخلة أشكالاً سياسية وإدارية جديدة ومحققة أشكالاً أُخرى من التغيير التاريخي المستمر. وهذه كلها إنجازات يجري إنكارها الآن باستخفاف شديد بناء على الافتراض العبثي أن التيارات المعاكسة في بعض الدول العربية الكبرى الآن إنما كانت مبرمجة برمجة جينية مسبقة تتعدى فعل التاريخ.
أمّا الحالة المأثورة للتعبير عن التفارق بين المنوَّع الوضعي – التاريخاني والمنوَّع الرومنطيقي – التاريخاني للتعبي القومي العربي فهي العلاقة المعقدة بين عرب اليوم وماضيهم، وبين القومية العربية والإسلام بنوع خاص.[17] لا شك في أن زريق يتحدث عن "شخصية" قومية عربية، إلا إنه يعرّفها بطريقة غامضة، مع أنه يرسي خصائصها المميّزة برسوخ داخل حدود التاريخ، لا خارجه، ويعنى عناية فائقة بألاّ يخلط تلك الخصائص بالخصائص اللاتاريخية التي يضفيها على تلك الشخصية مفكر مثل ميشيل عفلق. يؤكد زريق أن تراث الماضي إنما هو مكوّن شديد النقصان من مكوّنات الحاضر (زريقن ص 24 وما يليها، 392 وما يليها). والحال أن النزعة القومية العاطفية والصوفية عند عفلق قد تعرضت لنقد ساطع الحصري اللاذع.[18] وقد وُصفت تلك النزعة مؤخراً بأنها "قصيدة نثر" تقدّم إلينا خلطة غريبة من الفروض الخلقية والثورية الصبيانية.[19] إنها نظرية قومية مبنية على فكرة "القَدَر"، بل هي لون من ألوان "القومية السلبية"،[20] تتصوّر الفعل السياسي بما هو فعل غريزة مبرمجة برمجة مسبقة. وبالتأكيد، فإن القومية عند الحصري تحوي مفاهيم عاطفية وشعورية تتعايش مع مفاهيمه الوضعية.[21] على أن تلك العناصر تبقى مشدودة إلى مفهوم معيّن للغة بما هي نتاج تاريخي متحاشية التحليق في فضاءات الأثيرية والتجاوزية التي تعبّر عنها فكرتا "الخلود" و"القدر". ومع أن الحصري يؤكد أهمية اللغة في تشكيل الثقافة القومية والإرادة القومية المشتركة، إلا إنه يفعل ذلك، والحق يقال، من دون مبالغة أو شطط.[22] على أن الحصري لا يبدو أنه أدرك أن اللغة وإن تكن سابقة على نشوء القومية إلا إن اللغة القومية لا تنشأ إلا مع نشوء القومية.[23]
يدرك زريق إدراكاً واضحاً أن النظرة الرومنطيقية والعاطفية إلى الماضي ترتبط على نحو حتمي تقريباً بالقومية، ويميّز التفسير الديني للماضي، السائد في زمانه، فيورد أسماء عباس محمود العقاد، وطه حسين، ومحمد حسين هيكل (زريق، ص 392 وما يليها). ولا عجب من أن يقتصر زريق على ذكر المفكرين المصريين بالذات في هذا الصدد. ذلك بأن هذا الخلط العاجز الذي ينعدم معه أي تمييز على مستوى العاطفة بين العروبة أو القوميات المحلية، من جهة، وبين الإسلاموية، من جهة أُخرى، يوقعنا في مستنقع عائد إلى العصر الجوراسي. وهذا النقل، اللامسؤول وعديم التوسطات، لتلك العاطفة إلى كتابة التاريخ والمفاهيم المجتمعية، كان، إلى أمد غير بعيد، إنجازاً مصرياً بالدرجة الأولى (مع استثناءات مشرقية قليلة في كتابات محمد عزة دروزة مثلاً). ومردّ ذلط الظروف المخصوصة التي بها ظهرت أفكار العروبة في مصر[24] في إطار النزعة القومية المحافظة المتعصبة والمتحالفة مع الغوغائية البرلمانية ومع لون من الحداثية الاعتذارية.[25]
في المقابل، كانت القومية العربية المشرقية في فترة ما بين الحربين وفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حاسمة في تمييزها بين القومية العربية والإسلام. وكانت الفكرة القائلة إن الدين كان ركيزة عصر ما قبل الحداثة، وإن القومية هي عقيدة العصر الحديث، فكرة كلية الحضور في المشرق.[26] يستشهد الحصري بخطبة للملك فيصل في حلب في حزيران/ يونيو 1919 يعلن فيها أن العروبة سابقة على الرسول محمد (ص) ويسوع المسيح والنبي موسى وحتى النبي إبراهيم.[27] وإذا ضربنا صفحاً عن الضرورات البلاغية للحظة تلك، نجد أن هذه الفكرة عميقة الجذور في أفكار التمييز الصارم بين الدين والكيان السياسي والتمييز التاريخي بين العروبة والإسلام.[28] على أن هذا لا يعني، بأية حال، نفي العلاقة التاريخية بين تكوّن العرب بما هو شعب في التاريخ العالمي وبين الإسلام، ولا هو يعني، طبعاً، التنكّر للدين. على أن العروبة قد وُصفت دوماً بأنها حركة قومية تتضمن الإسلام بما هو روح جماعية غامضة كامنة فيها وبما هو حافز تاريخي لها، إضافة إلى كونه عاملاً ساهم في نشر اللغة العربية وحافظ على استمراريتها.[29] وعلى الأقل، يوجد مفكر قومي واحد رأى أن المنوّع الجاهلي للعروبة كان أكثر ذكورية من المنوّع الإسلامي، ويملك غرائز دينية استبقت نشوء الإسلام، مؤكداً أنه بمقدار ما يبتعد العرب عن عادات ما قبل افسلام، لذك القدر يبتعدون عن الإسلام ذاته.[30]
وهناك أيضاً وجهة نظر تقول إن الإسلام لم يكن قومية ولا كان ثقافة، وإن ثقافة الإسلام إنما كانت الثقافة العربية؛ وهي وجهة نظر مفهومة وغير مثيرة للجدال في هذا الإطار.[31] والمؤكد طوال تلك الفترة هو التجنب الدقيق لإغراء الدمج بين العروبة والإسلام بما هما مَجازان ينوب واحدهما عن الآخر. ونجم عن ذلك أن التحويل السهل لمفردة "الأمة"، ببجِناسها المؤسف، من السجل القومي إلى السجل الإسلامي كان ندارداً جداً، على عكس ما كان يجري في مصر قبل الناصرية. والحال أن الفكر الناصري، كما عبّرت عنه خطابات جمال عبد النصار، قد حافظ على التمييز الصارم بين دلالتي مفردة "الأمة" [دلالة قومية ودلالة إسلامية]. وباستثناء استخدام المفردة في الجال الدبلوماسي أو العلاقات الخارجية، لن نعثر في الفكر الناصري على اثر لاستخدام مفهوم الأمة الإسلامية في دلالتها المستخدمة في الخطاب السياسي للإخوان المسلمين، أو في الميل المستجدّ إلى عدم التمييز بين الدلالتين.[32] لعل الفكر الناصري خير بيان على هيمنة المفهوم العلماني للقومية في الفترة ما قبل العقدين الأخيرين. على أن هذا لا ينفي أن عبد الناصر، ومعه سائر القوميين العرب، لم يحجموا عن التعبير عن خطب دينية، لكن هذه كان لها أطر مؤسسية وثقافية مختلفة عن أطر البلورة القومية والبناء القومي. كان التشديد في الخطاب القومي على تمايز القومية، وما ارتبط به من مفهوم واضح لموقف الدين في التشكيلات السياسية، والبلاغة الإشراكية التي تحيل المضاعفات المعيارية والأيديولوجية من الواحد على الآخر أو تدمجهما معاً في حقل شهوري واحد، هذه كلها كانت تنتمي إلى ميدان مختلف كلياً عن ميادين البلورة الأيديولوجية.[33] ولا عجب من أن يتم ذلك في دول علمانية أو في دول تسعى لأن تكون علمانية في رسالتها المعلنة. ذلك بأن اليعقوبية العلمانية، بما فيها سياسة رسمية للدولة، لم تكن هي القاعدة في التاريخ الكوني الأطول للعلمانية وفي تحوله إلى تحقيق الغلبة المؤسسية والمعرفية، بل اقتصر اعتمادها على عدد محدود من البلاد هي فرنسا، والمكسيك، وتركيا، والدول الشيوعية.
سبق أن ذكرت اعتقادي أن الفكر القومي عند زريق هو وليد دراسته للتاريخ بعامة، من جهة، ودراسته للواقع السائر إلى التقدمية والحداثية في التاريخ المعاصر مترجماً في إنجازات الدول العربية الحديثة، من جهة أُخرى. ويرى زريق، في قراءته لدور الدين في التاريخ والسياسة، أن محورية دور الدين تنتمي إلى عهد ثيوقراطي سابق، فتجده لا يولي الدين دوراً مؤسساتياً في تكوين الكيانات السياسية الحديثة التي يرى أنها كانت ترتكز على أسس علمانية ويجب أن تبقى كذلك. ومواقفه في هذا الصدد تأتي في سياق الخطابات القومية المهيمنة في زمنه، وإن تكن تملك قاعدة مفهومية أرسخ تجذراً في تأملاته الأكثر شمولاً في أنماط التطور التاريخي. من هنا يمكن النظر إلى مواقف زريق على أنها مكملة، في أوجه كثيرة منها، لدراسات ساطع الحصري عن القومية الأقل تبلوراً منها، وإن تكن أكثر شمولاً من الناحية التجريبية لإحاطتها بالظاهرة القومية على النطاق العالمي.
والحال أن زريق منسجم مع سائر المفكرين الوضعيين والتاريخانيين بين القوميين العرب في تأكيده التمييز بين العروبة والإسلام وتشديده، المفهوم جداً، عل أن التمايرز لا يؤدي، بالضرورة، إلى التنابذ شرط أن يتم الاعتراف المتبادل بين الدين والقومية في ميدان التاريخ لا في مناخ تجاوزي أو متعالٍ عن التاريخ، هو مناخ أجدر بأن نعزوه إلى عالم التهويمات. وفي هذا المجال، فإن الدين، كائناً ما كان، منظور إليه هنا على أنه قوة خلقية إيجابية، يتناقض مع الوضاعات الأولية التي تحرف الروح العامة عن أهدافها. من هنا يجب الحد من الدين المسيّس الذي تمارسه المؤسسات والقوى الدينية لأنه متعارض مع البناء والاندماج القوميين على أرض راسخة من السلم المدني والمواطنية (زريق، ص 35، وفي صفحات متفرقة).
هذا التقويم الإيجابي للطاقات الخلقية الكامنة في الشعور الديني، وما يرتبط بها من ضرورة إبعاده عن السياسة واقتصاره على النطاق الفردي، أمران لا ينفرد بهما زريق، لكن يشاركه فيهما معظم دعاة القومية العربية في منوّعها الذي كان سائداً إلى أمد قصير. على أن من الضروري أن نلقي الضوء على تطور جديد يجري عكسه على الخلف والافتراض أنه أصلي ومبتكر، وهو التطور الذي يفرض الموزاييك اللاتاريخي، والمنحاز سياسياً، نموذجاً للمجتمعات العربية، معتبراً أن كل قطعة من ذلك الموزاييك إنما هي وحدة سياسية، بل وحدة شبه قومية، قائمة بذاتها ومتميزة من الوحدات الاجتماعية والتاريخية. وتجنح هذه النمذجة إلى النظر إلى الإسلاموية على أنها مضمرة في القومية العربية. وهو موقف متحدر من أفكار كانت هامشية في السابق، اللهم إلا في مصر قبل الناصرية، يعود أصلها إلى حركة الإصلاح الإسلامية في نسختها النشاطية. في إطار تلك العروبة المهيمنة، ذات المضمر العلماني، شكلت الخصوصيات الدينية أو المذهبية، على أنواعها، لا أكثر من مجرد "تلوين" من التلاوين، بحسب تعبير مراقب ثاقب النظر.[34] على أن تلك الخصوصيات ما لبثت أن تسربت إلى الأيديولوجيا القومية العربية من خلال نسختها الرومنطيقية الجامحة.[35] أبرز طريقة لقياس تلك المسألة هي في أن أختم حديثي بمقارنة بين الأفكار عن النبي محمد (ص) كما وردت في نصين، نص لزريق سنة 1939 (زريق، ص 117 وما يليها)، وآخر لميشيل عفلق سنة 1943،[36] وكلاهما محاضرة بمناسبة ذكرى المولد النبوي.
في نص سابق عن الروائي الفرنسي مارسيل بروست، قابل ميشيل عفلق النبي (ص) بالكاتب قائلاً إن الأول يجدّد لكنه يحكم على تجديده باليباس وتالياً بالموت لأنه يقرر أن جديده لن يتغير، بينما الثاني ينافح عن الحرية بلا حدود.[37] إن هذا التقديس للكاتب بما هو "خالق"، في ممارسته الحرية اللامحدودة، سيتحول، في مديح عفلق لرسول الإسلام، ليشمل الأمة كلها، فيصير ما أسبغه على الكاتب صفة يتصف بها كل عربي يعيش عروبته كاملة. في ذلك، تجد العربي، المتحرر من الزمان والمكان، يشارك في حياة الرسول ويعيش سيرة الرسول مكررة، ذلك بأن الرسول هو نتاج حياة العرب المطلقة ومُنجب الأمة في آن واحد. كلاهما يشارك في "حياة العرب المطلقة". وهكذا يصير الرسول هو العربي النموذجي، وتصير القومية العربية هي التجلّي لنبوءته. فلا الرسول ولا العروبة خاضعان لفعل الزمان أو المكان، وكلاهما لا يمكن تصوّره محدوداً بحدود، وكلاهما لا يُعرف إلا بالتجربة الحيوية التي يجري تمثلها فردياً بما هي قوة القدر العصية على الإدراك بواسطة التدبير الفكري أو العقلاني.[38] وكلاهما وجه لـ"الحياة" بما هي "إرادة"، أي بما هي لازمة بيولوجية من لوازم مدرسة الحيوية اللاعقلانية التي بلورها الألمان في القرنين التاسع عشر والعشرين تحت اسم Lebensphilosophie. وكانت تلك النزعة ذات أهمية كبيرة لدى الحركات القومية اليمينية في أوروبا وسواها. هنا يجري النظر إلى الوعي القومي بما هو شكل مخصوص من أشكال الغريزة البيولوجية، مثلها مثل الولاء القَبَلي.
إن هذه النزعة النبوية الإبداعية والعرفانية للعربي، العربي الأصيل، هي، تعريفاً وتحت شعار الأبدية، طاقة للتجدد والتكرار الأبديين، وليست عرضة للآثار المعوقة للدين التي سبق أن أشار عفلق إليها في نصه عن بروست. ذلك بأن الرسول العربي ورسالته الدينية باتا يتشاركان جوهرياً مع العروبة بما هي طاقة حياتية. وهذه نظرة إلى الجماعات القومية دارجة في القومية الرومنطيقية التي تصف حياة الأمم بما هي ديمومة، تشوبها أحياناً كبوات موقتة، وهي ليست غريبة عن منوعات العروبة الرومنطيقية التي تظهر بشفافية في كتابات جبران خليل جبران مثلاً.[39]
أمّا الحصيلة العملية لهذا الهذر البلاغي فهي أنه يمكّن عفلق من أن يدّعي، في الخطاب الإصلاحي والتبريري العادي، أن الإسلام خالد، إلا إنه كيان يتطور في آن واحد، لكنه يتطور من دون تميّز تاريخي، وهو ما يجعل موقعه عرضة لكل التقلبات التي يراها ضرورية بحسب اللحظة السياسية أو المناسبة البلاغية. وهكذا تجد عفلق، في وصيته الأخيرة، يشهر إسلامه، إسلاماً تمليه الرسالة والجهد. فينسف بذلك سائر أقواله، في الوصية ذاتها، من أنه فَقَدَ كل إيمان عقيدي وهو في الخامسة عشرة من عمره، وأنه ربوبي (Deist) غير محدد، وأن إسلامه إن هو إلا اتصال صوفي مع ثوري كبير آخر.[40]
أمّا زريق، فيالمقابل، فهو شديد الوعي أن للكلمات لزمات عملية يفرضها الظرف التاريخي الذي يتجاوز لحظة التفوّه بهاز فلن تجد في كتاباته أية شبهة لعقيدة متعالية عن التاريخ أو لعقيدة جوهرية أو لنظرية ترى القومية على أنها بمثابة الـ"حياة" لجسم عضوي بيولوجي هو الأمة، حياة تفرض "قَدَرَها" فرضاً. والرسول محمد (ص) هو عند زريق أرقى شخصية بطولية عربية ومصدر استلهام، لكنه ليس "جوهراً" قومياً يتجلى في التكرار. لا يقابل زريق الرسول محمد (ص) بغاريبالدي، إلا إنه يعدد صفاته بما هو شخصية قومية ملهمة. فالرسول شخصية تاريخية تستوجب التبجيل بما هو موحّد للعرب في مرحلة سابقة من تاريخهم، شخصية يجب التمثل بها بما هو رجل ذو مبدأ خلقي رفيع – وهي صفة يشترك فيها مع سائر الرسل والأنبياء.
هكذا، فإن الرسول عند زريق شخصية تاريخية ملهمة وليس حضوراً أبدياً. ورسالته موحية، رمزياً وتاريخياً في آن واحد، بأنه ترك لنا ديناً ومارس نفوذاً حاسماً على الثقافة العربية في فترتها التكوينية. ومثلها مثل أية ديانة، فإن ديانة النبي محمد (ص) كان لها أثر بالغ في عرب الأمس، ولا يجوز الخلط بينها وبين القومية بما هي ظاهرة حديثة كلياً. ينتمي الدين في العالم الحديث غلى النطاق الفردي الخاص، وقد جعلت منه قوة التطورات التاريخية ذاتها مصدراً للطاقة المعنوية والسلوك الخلقي. خارج هذا النطاق الفردي الخاص، فإن الديانة في العالم العربي الحديث مهددة بأن تقع فريسة الخلط بين الروح الدينية الخلقية الأساسية وبين العصبية الجماعية. والحال أن الحداثة وأفكار التنظيم الديني متنافية فيما يتعلق بالمبدأ، وأن الأدلة التاريخية على النزاع والتداخل بينهما لا تعدّ ولا تحصى.
وهكذا، فإن القومية التاريخانية عند زريق، على عكس تاريخانية عفلقن تقاوم الاستعارة العضوانية عن الأمة، مثلما تقاوم إغراء أخذ هذه الاستعارة على أنها متطابقة مع مدلولها، وهي تمتنع من الخلط بين القيمة الرمزية والشعورية للماضي وبين واقع الحاضر. ثم إن هذه القومية التاريخانية عنده، على عكس التاريخانية الرومنطيقية عند سواه، تتحاشى الوقوع في فخ التوهمات الذي تنصبه التاريخانية بعامة. ذلك بأن هذه العقيدة الأخيرة عقيدة كبوات واستمرارية. إنها عقيدة جوهرية شرهة تستطيع أن تلتهم القومية والدين، بلا تمييز بينهما، طاردة هذا وتلك من حومة التاريخ، كما أنها قابلة لأن تلتهم المشاعر والذاكرات الفعلية جميعها، غير معوقة بفعل الزمن. إنها، بعبارات أُخرى، عقيدة فراغ تملأها "أمّة، هنا و"أمة" هناك، بحيث يصير الانتقال من القومية إلى الإسلامية لا يكاد يحلظ، مثله مثل الانتقال من الوضعية العثمانية إلى الوضعية العروبية. إلا إن انتقالات أُخرى تفعل فعلها الآن. ذلك بأن الرومنطيقية لن تلبث أن تتقيأ تلك "الأمة" على شكل كيانات أصغر، كل واحدة منها تحمل الصفات العضوانية إياها، صفات الكبوة والاستمرارية والجوهرية؛ أقصد: المذاهب والديانات والإثنيات والجماعات، تلك التي يسمّونها "هويات".
[1] Aziz Al-Azmeh, Islams and Modernities, 2nd. ed. (London, 1996), chap. 1, 2 and 4;
وانظر أيضاً: عزيز العظمة، "الأصالة أو سياسة الهروب من الواقع" (بيروت، 1992).
[2] محمد جابر الأنصاري، "الفكر العربي وصراع الأضداد" (بيروت، 1996)، ص 83، 322- 323.
[3] أنظر:
Albert Hourani, “The Arab Awakening: Forty Years After,” in Studies in Arab History: The Antonius Lectures, 1978-87 (London, 1990), p. 21ff.
وكان حوراني التزم التأريخ التقليدي للظواهر شبه القومية في المشرق في كتابه
Arabic Thought in The Liberal Age (London, 1962), p. 263 ff;
وانظر أيضاً:
Aziz Al-Azmeh “Nationalism and the Arabs,” in Arab Studies Quarterly, 17 (1995), p. 5ff;
عزيز العظمة، العلمانية من منظور مختلف" (بيروت، 1992)، ص 128 وما يليها
[4] Edmond Rabbath, Unité syrienne et devenir arabe (Paris, 1937);
عبد الرحمن شهبندر، "نصوص في الدولة والخلافة في الخطاب العربي"، تحرير وجيه كوثراني (بيروت، 1996)، ص 188 وما يليها.
[5] أنظر على سيبيل المثال: ساطع الحصري، "الأعمال القومية"، في 3 مجلدات (بيروت، 1985)، ص 2902؛ عبد الرحمن شهبندر، "القضايا الاجتماعية الكبرى في الإعلام العربي" (القاهرة، 1936)، ص 108؛ تاتيانا تيخونوفا، "ساطع الحصري، رائد المنحى العلماني في الفكر القومي العربي" (موسكو، 1987)، ص 51-56؛
Hourani, Arabic Thought…, op.cit., p. 309 ff.
أمّا بالنسبة إلى بلورة دقيقة لهذا الموقف من القومية المدنية، فراجع:
Marcel Mauss, “The Problem of Nationality,” in Aristotelian Society Proceedings, N.S. (1919-1920), pp. 242-252.
[6] قسطنطين زريق، "الأعمال الفكرية العامة"، 4 مجلدات (بيروت، 1994)، ص 109.
[7] العظمة، "العلمانية..."، مصدر سبق ذكره، الفصل الثاني وص 191 وما يليها. إني مدرك تماماً أن هذا التفسير الحداثي للحداثة قد تعرّض للهجوم في الأعوام الأخيرة. إلا إن أعمال النقد الجادة من منظار السوسيولوجيا التاريخية - تمييزاً لها من بهلوانيات "ما بعد الحداثة" – لم تجادل في القيمة الوصفية والتفسيرية لأطروحة العلمنة، وإنما تعرضت بالهجوم فقط لمنوعاتها اللاتاريخية والظفراوية. والحال أن تلك الأعمال النقدية أحجمت عن وضع أطروحة العلمنة موضع تساؤل وحاولت أن تدرس بعناية استمرار الدين في الحياة العامة كما في ميادينه الهامشية، وخصوصاً في الماضي القريب، أنظر:
José Casanova, Public Religions in the Modern World (Chicago and London, (1994), chap. 1 and 2;
وبالنسبة إلى العالم العربي، أنظر: عزيز العظمة، "دنيا الدين في حاضر العرب" (بيروت، 1996)، الفصلين 1 و6.
[8] ميشيل عفلق، "في سبيل البعث" (بيروت، 1959)، ص 41.
[9] بشأن هذا الموضوع الأخير، أنظر:
Pierre Birnbaum, “La France aux Français,” in Histoire des haines nationalist (Paris, 1993).
[10] أنظر:
Richard Kearney, Transitions: Narratives in Modern Irish Culture (Dublin, 1988), 242 ff.
[11] Judith Schlanger, Les metaphors de l’organisme (Paris, 1971), p. 152 ff.
[12] Tom Naim, The Break-Up of Britain (London, 1977), pp. 347, 399 ff.
[13] عفلق، مصدر سبق ذكره، ص 73.
[14] Sudipta Kaviraj, “The Reversal of orientalism: Bhudev Mukhophadhyay and the Project of Indigenist Social Theory,” in Representing Hinduism, ed. S. Dalmia
[15] بشأن هذا التمميز البالغ الأهمية، يحال القارىء على
Fredrich Meinecke, Historism (London);
عبد الله العروي، "مفهوم التاريخ" (بيروت والدار البيضاء، 1992). على أن وقع الرومنطيقية التاريخانية على بعض تعبيرات القومية العربية لم يُولَ من دراسة. أنظر مثلاً:
Al-Azmeh, “Nationalism…,” op.cit., p. 12 ff.
الأنصاري، مصدر سبق ذكره، ص 414 وما يليها.
[16] Ernest Gellner, Nationalism (London), 1983), pp. 32, 37, 48, 55; Eric Hobsbawm, Nations and Nationalism (London, 1990), pp. 9-11, 80 ff., 92-93, 120 ff.;
Anthony Smith, “National Identity and the Idea of European Unity,” in International Affairs, 68 (1992), pp. 61-62.
لقراءة دراسة لامعة عن التكوّن القومي، أنظر:
Eugen Weber, Peasants into Frenchmen, The Modernization of Rural France 1870- 1914 (Stanford, 1976).
[17] العظمة، "العلمانية..."، مصدر سبق ذكره، ص 311 وما يليها.
[18] الحصري، "الأعمال..."، مصدر سبق ذكره، ص 2403 وما يليها.
[19] مؤنس الرزاز، "نحو إعادة الاعتبار للفكر القومي"، في: "أفكار" (عمان)، العدد 117، حزيران/ يونيو – تموز/ يوليو 1994، ص 129 وما يليها.
[20] جورج طرابيشي، "الدولة القطرية والنظرية القومية" (بيروت، 1982)، ص 62 – 63.
[21] المصدر نفسه، ص 78، 105، 132.
[22] الحصري، "الأعمال..."، مصدر سبق ذكره، ص 647 وما يليها، 1793 وما يليها.
[23] طرابيشي، مصدر سبق ذكره، ص 119؛ وانظر أيضاً:
Hobsbawm, op.cit., pp. 38, 60.
[24] أنيس صايغ، "تطور الفكرة العربية في مصر" (بيروت، 1959)، ص 118، 210، 230 وما يليها؛ عبد الرحمن البزاز، "هذه قوميتنا" (القاهرة، 1964)، ص 400 وما يليها؛ محمد محمد حسين، "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" (بيروت، 1970)، الجزء الثاني، ص 113.
[25] عن الحداثة الاعتذارية، أنظر: العظمة، "العلمانية..."، مصدر سبق ذكره، ص 160 وما يليها، 221 وما يليها. عن المشج بين العروبة والإسلام، أنظر: عصمت سيف الدولة، "عن العروبة والإسلام" (بيروت، 1986)، وانظر أيضاً:
Alain Roussillon, Réforme sociale et identité: pensée, ideologies, société en Egypte،
أطروحة لنيل شهادة دكتوراه دولة، جامعة السوربون الجديدة، باريس الثالثة، 1994.
[26] بين المراجع الكثيرة عن الحصري، يمكن مراجعة: البزاز، مصدر سبق ذكره، ص 176 وما يليها، 189 وما يليها؛ سامي شوكت، "هذه هي أهدافنا" (بغداد، 1939)، ص 59؛ زكي الأرسوزي، "مشاكلنا القومية وموقف الأحزاب منها" (دمشق، 1959)، ص 17.
[27] ساطع الحصري، "يوم ميسلون" (بيروت، 1947)، ص 215.
[28] أنظر مثلاً: الحصري، "الأعمال..."، مصدر سبق ذكره، ص 2902 وما يليها؛ العظمة، "العلمانية..."، مصدر سبق ذكره، ص 255 وما يليها.
[29] Rabbath, op.cit., p. 46 ff;
البزاز، مصدر سبق ذكره، ص 178 وما يليها.
[30] زكي الأرسوزي، "المؤلفات الكاملة"، (دمشق، 1975)، المجلد الخامس، ص 56، 73، 445 وما يليها.
[31] عبد اللطيف شرارة، "الجانب الثقافي من القومية العربية" (بيروت، 1961)، ص 28 وما يليها.، 77 وما يليها.
[32] مادلين نصر، "التصوّر القومي في فكر جمال عبد الناصر، 1952 – 1970، دراسة في علم المفردات والدلالة" )بيروت، 1981)، ص 344 وما يليها، 360 وما يليها.
[33] Aziz Al-Azmeh, Islams and Modernities, 1st. ed. (London, 1993), p. 68 ff.
[34] Jacques Berque, Arab Rebirth: Pain and Ecstasy, trans. By Quitin Hoare (London, 1983), p. 47.
[35] لتحليل مفصّل عن هذه الظاهرة، أنظر: العظمة، "العلمانية..."، مصدر سبق ذكره، ص 311 وما يليها.
[36] نشر هذا النص غير مرة، بما في ذلك في مجموعة "في سبيل البعث"، ص 122 وما يليها. أستشهد به من "قراءات في الفكر القومي" (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1994)، الجزء الثالث، ص 63 وما يليها.
[37] ميشيل عفلق، "الكتابات الأولى"، تحرير ذوقان قرقوط (بيروت، 1993)، ص 76.
[38] عفلق، "قراءات في..."، مصدر سبق ذكره، الجزء الأول، ص 74، 76؛ وانظر أيضاً: شبلي العيسمي، في: المصدر نفسه، ص 636.
[39] جبران خليل جبران، "العواصف"، في: "المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران خليل جبران" (بيروت، 1964)، ص 431 وما يليها.
[40] عفلق، "وصية عفلق"، في: "الكتابات..."، مصدر سبق ذكره، ص 250 – 251.