تحاول هذه الدراسة أن تناقش موضوع الاعتقال والأسرى في التجربة اللبنانية، وتأثير هذه العملية في الأفراد والعائلات التي تعرضت لهذه المحنة.
إن التصدي لدراسة هذه المسألة هي، بلا ريب، شائكة ومهمة وحيوية في آن واحد؛ لهذا سعت المؤلفتان، استناداً إلى مفاهيم علم الاجتماع وطرائقه في الدراسات الميدانية، لاختيار عينة من ثلاثين أسيراً من الرجال والنساء، ودرستا تجربة هؤلاء في المعتقل ثم معاناتهم في المجتمع بعد إطلاقهم. وتوصلتا، في جملة ما توصلتا إليه، إلى أن معاناة المعتقل في الأسر باتت معروفة ونمطية. لكن الآثار الأكثر سلبية هي تلك التي تبدأ عندما يخرج المعتقل من أسره ويبدأ مواجهة المجتمع مجدداً. فالبطالة والأمراض وعدم الاستقرار النفسي والمكاني وقلق الحياة وعدم اهتمام الجهات الحكومية والاجتماعية، كل ذلك يجعل الأسير المحرَّر، في حالات كثيرة، عدوانياً تجاه الغير وسريع الانفعال. وذلك نتيجة التمزق والشعور بالظلم لأنه يعتقد أنه قدم الكثير من أجل الآخرين، في حين أن هؤلاء لا يكافئونه بعدل. وهذا ما يؤدي به إلى نوع من الكآبة "والغربة الاجتماعية" فينعزل عن الناس وعن محطيه. وبسبب التعذيب الذي تعرض له المعتقلون في بعض أعضائهم التناسلية يبدو الأسير بعد إطلاقه أنه راغب عن الزواج لشعوره بعقدة الخصاء. غير أن البعض، في محاولة لاشعورية لإثبات العكس، يقدم على الزواج بسرعة. وعلى العموم تفشل هذه الزيجات الأمر الذي يفاقم الأزمة النفسية والمعاناة الاجتماعية ويندفع البعض، في هذه الحال، إلى خيارات مضادة للمجتمع أو دينية صرف.
الكتاب إضاءة لهذا الواقع المؤلم، وشهادة إنسانية على الظلم الذي يقاسيه الأسير في سجنه، وعلى المعاناة التي يواجهها بعد إطلاقه.