لا تزال مكتبتنا العربية تفتقر إلى الكثير من النماذج الأدبية العبرية (الصهيونية و/أو الإسرائيلية) القادرة على تقديم صورة واضحة لهذا الأدب في مراحله المتتالية، قبل قيام الكيان الصهيوني وبعده، وفي اتجاهاته المتعددة، وخطاباته المتنوعة. فعلى الرغم من أن ما تم تقديمه، منذ كتاب غسان كنفاني "في الأدب الصهيوني" حتى الآن، ليس قليلاً، فإنه يبقى، قياساً بما نحتاج إليه، أقل مما يتطلبه تشكيل صورة العدو من خلال كتابات أدبائه.
هنا، في كتاب "لمن تُرسَم الحدود؟"، إحدى عشرة قصة لعشرة من القاصِّين "الإسرائيليين"، تعكس، كما يقول المترجم، "مسيرة القصة العبرية الإسرائيلية في خلال خمسة عقود بأسلوبها ومضامينها." وعلى الرغم مما يمكن ملاحظته من "الاختلافات بين قصص مرحلة الخمسينات ومرحلة الثمانينات وما بعدها، (...) يجب الإشارة أيضاً ـ يقول المترجم ـ إلى أن هذه المجموعة لا يمكن أن تشكل الأنموذج لمجمل القصص القصيرة الإسرائيلية. فعالم القصة في الأدب الإسرائيلي واسع جداً ومتشعّب..." إلخ. لكن من شأن هذه النصوص "أن تلقي الضوء على هموم الكاتب الإسرائيلي وبالتالي الإنسان والمجتمع الإسرائيليين."
وبحسب اطلاعنا، فإن هذه هي المجموعة القصصية العبرية الأُولى التي تُترجَم إلى العربية، وتضم هذا القوس المتعدد الأسماء والألوان والاتجاهات الأدبية، جامعة الواقعية
النقدية ـ أو الاشتراكية ـ كما في قصص اليهودي (ذي الأصل العراقي) سمير مارد، المعروف بسامي ميخائيل، إلى الواقعية الزمزية في عمل عاموس عوز، إلى الواقعية التصويرية والقصة التاريخية وشبه التسجيلية، وصولاً إلى العبثية في نصوص كتّاب الجيل الجديد.
الكاتب سمير مارد، الذي تربّى في الحزب الشيوعي العراقي قبل أن ينتقل إلى الحزب الشيوعي "الإسرائيلي"، يصوّر في قصته "حريق"، التي نشرت في مجلة "الجديد" الحيفاوية سنة 1954، مأساة احتراق ثلاثة أطفال في "المعبراه" المخصصة ليهود قادمين من العراق ودول عربية، مركّزاً الضوء على "الحاخام ذي اللحية البيضاء الناصعة الذي عقد ذراعيه ونكّس رأسه"، وعلى كذب الدولة التي وعدت بأن تكون الإقامة في "المعبراه" موقتة. وهو يصوّر السكان هنا على صورتين: فمنهم اللامبالي، مثل خضوري أبي حلاوة الذي يحاول منع زوجته مسعودة من المساهمة في إطفاء الحريق. وقليل منهم مقدام يحرّض على التظاهر والاحتجاج، حيث يقف مئير بيرص، بتحريض من الجمهور، ليعلن موعد الإضراب وما ينبغي أن يُقال فيه. ويبدو أن القاص الواقعي الاشتراكي مهموم ـ أكثر من أي أمر آخر ـ بإبراز البعد الطبقي في الدولة الناشئة آنذاك؛ فهو يترك "داليا" تكتشف ـ وتكشف لنا ـ هذا البعد، وهي ترى أن "ليس هناك إسرائيل واحدة، بل هنالك إسرائيلان (...) إسرائيل قاسية جافة بائسة تشبه الصحراء القاحلة، و (...) إسرائيل ثرية سعيدة تنعم في بحبوحة." ففي ضوء النار التي أحرقت الأطفال الثلاثة، قرأت "داليا" وتعلمتْ ما كانت ستظل تجهله لو أنها بقيت داخل الكيبوتس تتعلم أن "إسرائيل تظلّلها سماء جميلة واحدة (حيث) علّموها أن تحقد على أعداء غرباء، وطلبوا منها أن تتجاهل الأعداء الأقرباء.. ’لأنهم يهود‘، لأنهم ’رفاق‘ ـ رفاق بسيارات خصوصية مريحة، وبفيلات فخمة، وبكروش ضخمة وبأكاذيب أضخم منها. "بهذا الانقلاب في الوعي، ينهي الكاتب قصته مؤشراً إلى تنامي الوعي الطبقي، من دون أية إشارة إلى الطبيعة الصهيونية لدولته ـ هو الشيوعي القادم من العراق.
أمّا قصة "مياه شريرة"، للكاتب نفسه، فهي ترصد في وصف تصويري دقيق، نفسية يهودي غربي (إيلي) وسلوكه تجاه يهودي شرقي (ألبير) قادم من "حضارة لم تتعلم بعد السجود للتكنولوجيا." فالأول لا يتورع عن التفكير بقتل الثاني، دهساً، لا لشيء سوى أنه شرقي، ولرغبة عبثية في نفسه ـ نفس إيلي ـ ولأنه يستطيع أن يدّعي "أن ألبير قد تعثر وسقط تحت العجلات. من المعروف أن فرامل السيارة تفقد نجاعتها في الماء." ومع أن مهمة ألبير هي كشف الطريق الموحلة ومدى عمق المياه أمام سيارة إيلي، الذي يبدو غير راغب في إكمال مشواره ـ مهمته، فلا يجد وسيلة سوى التفكير في قتل ألبير. إلى هذا الحد من الشر يمكن للإسرائيلي أن يصل. لكن القصة هذه أيضاً تبقى في إطار الصراعات داخل المجتمع الصهيوني، ولا تتعداه لتطرح العلاقة بالعربي أو بأرضه المغتصبة.
وفي إطار رسم ملامح الشخصية اليهودية، تدور قصة عاموس عوز "عادة للريح"، التي نلتقي فيها شخصيتين من جيلين: الأب شمشون شانيبوم (إحالة إلى قصة شمشون ودليلة في الخرافة التوراتية) والابن غدعون. شمشون (75 عاماً) مفكر مركزي في حركة العمل العبري، يوافق ـ بعد تردد ـ على انتخابه للمؤتمر العام للعمال، يوزع وقته بين العمل الفكري والجسدي: ثلاثة أيام في حديقة الزينة (يزرع ويقلّم ويروي.. إلخ). وثلاثة أيام في الكتابة. إنه شخصية غاية في القوة ـ أسطورة، أنموذج لما ينبغي أن يكون عليه اليهودي! أمّا الابن، فهو ـ على النقيض ـ ضعيف وجبان، ويتجسد ضعفه في موقفه الجبان حين كان عليه أن يشارك، ضمن فوج مظليين، في الاحتفال بـ "عيد استقلال الدولة". فيعجز، أولاً، عن فتح المظلة، وحين تسقط به فوق أسلاك الكهرباء، يجبن عن القفز على الرغم من جميع الإجراءات المتخذة لإنقاذه. ففي الوقت الذي كان الأب يريد "وريثاً يحمل طابعه واسمه إلى الجيل القادم"، جاء الولد مخيّباً أمل أبيه ليقول: "بطفل مثل غدعون لا يؤسسون سلالة." لقد جاء جيل غدعون نتاج نشوئه في ظل مشروع الرواد الأوائل لتأسيس الكيان، فجاء مأزوماً وهزيلاً، وكان شمشون يتنبأ بأن الجيل الثالث "هو الذي سيشكل دمجاً عجيباً ويعطي محصولاً مباركاً." في هذه القصة، يبدو الأب ـ على الرغم من عطائه الكبير ـ على قدر من الغرور، أمّا الابن، فهو فاقد الثقة تماماً. ويغلف الكاتب نماذجه برسم حميم للطبيعة، وبإغراق في وصف النفس البشرية عبر مواقف وسلوكات دقيقة وممثِّلة، ولا يكتفي بالوصف الخارجي، ويبتعد عن الصراخ الذي يميز قصصاً مثل قصة سمير مارد، "حريق".
وفي قصة قد تكون من أُولى القصص "الإسرائيلية" التي تعالج جوانب من الصراع
العربي ـ الصهيوني، تفاجئنا الكاتبة سافيون ليبرخت (مواليد ألمانيا سنة 1948) بصورة ورؤية جديدتين للعلاقة بين العرب الفلسطينيين وبين اليهود من جهة، وعلاقة الأميركي بكلا الطرفين من جهة أُخرى. فقصة "في الطريق إلى سايدر سيتي" ترسم خطوط رحلة تقوم بها عائلتان "إسرائيليتان" (عربية ويهودية) في أميركا، بقيادة سائق الحافلة الأميركي الذي لا يعرف أن إحدى العائلتين عربية؛ فالعائلتان تحملان الجنسية "الإسرائيلية".
في البداية، تبدو القصة أنها تعالج مشكلة الخلاف بين المرأة اليهودية في جانب وبين زوجها (وهو ضابط "إسرائيلي") وابنها في الجانب الآخر. إلا إن هذه المشكلة تتراجع حين يظهر للضابط الإسرائيلي أن العائلة الأُخرى عربية، من خلال احتجاج الرجل العربي على هجوم السائق الأميركي على العرب ووصفهم بالجبناء، ظناً من هذا الأميركي أنه يُرضي "الإسرائيليين" ـ السياح. فينشب الخلاف والصراخ، وتتدخل اليهودية إلى جانب العربي، وتبقى الزوجة العربية صامتة (!)، ونفاجأ بالمرأة اليهودية وهي تشتري للطفل العربي (الذي أخذ يبكي) هدية كانت "رزمة بحجم الكاتيوشا". وحين يقرر الضابط وابنه ترك الحافلة إلى أُخرى، تقرر هي أن تواصل مع العائلة العربية، مخاطبةً زوجها وابنها ـ الخائفَين عليها من العرب: "إذا سافرت معكما وحدي، فبإمكاني أن أسافر معهما وحدي."
وتبدو قصة ليبرخت على درجة معقولة من القدرة على الإقناع من جيث قدرة الكاتبة على إدارة الحوارات، سواء بين "حسيدة" وزوجها وابنهما، أو بين هؤلاء جميعاً وبين الرجل العربي، أو فيما نضعه على لسان سائق الحافلة من مديح لـ "الإسرائيليين"، ومن هجوم على العرب، وهو ما يجعله يبدو مضحكاً للطرفين، على الرغم من إرضائه غرور الضابط وابنه، واستفزازه مشاعر العرب. فهل أرادت الكاتبة أن تضع اللوم على الأميركي؟ وهل تريد القول إن في إمكان بعض اليهود ـ وتحديداً المرأة اليهودية! ـ التعايش مع العرب؟ وما معنى أن تهدي اليهودية الطفل العربي رشاشاً؟ هل يمكن لمشكلتها مع زوجها وابنها، وافتقاد حبهما لها، وسخريتهما الدائمة منها .. أن تدفعها إلى حب الرجل العربي مثلاً؟ إنها أسئلة برسم الإجابة المتعددة الاحتمالات.
وقريباً من قصة ليبرخت، من حيث موضوع المعالجة، أي الصراع العربي ـ الصهيوني، تأتي القصة التاريخية "السيد ماني" للكاتب أ. ب. يهوشواع (مواليد القدس سنة 1936). هذه القصة هي فصل من رواية، ويبدو (من خلال هذا الفصل ـ القصة) أنها الأشد مقاربة لجانب أساسي من الصراع في مرحلة مبكرة من مراحل ظهوره، هو الجانب المتعلق بـ "الحل" الذي يراه بعض اليهود لهذا الصراع، متمثلاً في تقسيم فلسطين بين "الشعبين". فالسيد ماني يهودي يقدّمه الإنكليز إلى المحاكمة عقب انتصارهم في الحرب العالمية الأُولى، واحتلال فلسطين، بتهمة الخيانة والتعاون مع الأتراك والعرب. أمّا تفصيلات حياته وتاريخ سلالته فتأتي في تقرير يجمعه ويقدمه ضابط يهودي للقاضي الإنكليزي الذي سيقوم بالمحاكمة.. لنكتشف، من
الوثائق ـ التقرير، أن "السيد ماني" كان يقوم بتحريض العرب: "استيقظوا .. خذوا هويتكم .. هذه الأرض لنا ولكم .." ضد الإنكليز، ويعتبر اليهود مخلّصين: "ها نحن قد جئنا"، إذ يخرج من جيبه خريطة لفلسطين ومقصاً ويقول: "لكم النصف الأول ولنا النصف الثاني. ويقص الخريطة طولياً، حيث يُبقي لهم النصف المكوّن من الجبال والأردن، ويترك لنفسه الساحل والبحر." ويذهب الراوي في السخرية إلى أبعد كثيراً حين يصوّر البحر موضوعاً للخلاف، قائلاً: "مهما غضب عليهم وشتمهم واستفزهم فإنهم سيشفقون عليه وسيقولون كالأولاد الصغار: نحن أيضاً نريد البحر، وكان يُفاجأ في البداية، ويغضب ثم يُخرج خارطة أُخرى يقطعها عرضياً." وإلى هذا، فالسيد ماني ـ بحسب التقرير ـ يهودي عنيد" يرفض تعيين محام، وهو على استعداد لأن يُشنق فقط لكي يلقي خطاباً سياسياً عنيفاً يؤدي إلى خلاف بين الشعوب."
ثم يمرّر المؤلف عبارات تجسد فكره الصهيوني ونظرته العنصرية، مثل "اليهودي يعرف كيف يحمل القدس في قلبه ويتنقل بها في العالم"، و "في جبال السامرة لا يوجد قرى فلاحين مسلمين متعصبين وفلاّحات مقنّعات وحافيات"، وعن وجود اليهود في القدس: "فوجئنا عندما عرفنا أنهم يشكلون الأكثرية .. بالرغم من أنهم أُبعدوا وشُرِّدوا منها في أيام الحرب"... إلخ.
إنها قصة تاريخية، لكنها تحتشد بالأيديولوجيا الصهيونية بما تنطوي عليه من عنصرية وشوفينية، إنْ على صعيد رسم صورة اليهودي، في جزأيها، أو على مستوى النظر إلى العربي والصراع معه!
أمّا الصحافي والروائي دافيد غروسمان، فهو يعالج في قصته "طبيعة جبلية سويسرية" (وهي فصل من كتاب "الزمن الأصفر")، مشكلة حاكم عسكري في قرية عربية، حيث العلاقة بسكان القرية تبدو ودية في الظاهر؛ إذ على الرغم من مرور أعوام على الاحتلال، ووجود قلاقل واضطرابات في قرى أُخرى، تظل هذه القرية هادئة. فهو يعرف كيف يعامل سكانها، إلى درجة أن ثمة عرباً يقدمون له التقارير عن كل ما يطلب منهم، ويتسابقون لخدمته وللوشاية بمواطنيهم العرب. والعرب في نظره إمّا تافهون، كالمختار وغيره، يهرب منهم ويحتقرهم "لما هُم فيه من بؤس واستسلام"، وإمّا صامتون مكابرون، مثل (أبو خاتم)، يتمنى التواصل معهم ويرفضون، ولا سيما حين يعود إلى القرية مبتهجاً بولادة طفل له فيبحث عن شخص يشاركه بهجته، فلا يجد، فيقرر ألاّ يعود "إلى البيت، أو بالأحرى إلى إسرائيل بأكملها، فهو أيضاً جدير ببعض الراحة." ولهذا يذهب إلى الطبيعة وينغمس فيها.
وعلى صعيد آخر من أصعدة العلاقة الصراعية، يرصد دافيد ميلاميد جانباً من أبرز جوانب العلاقة هو المتعلق بالعمل المسلح الفلسطيني الموجه إلى الكيان الصهيوني، أفراداً ومؤسسات. ففي "ترتيل بطولي" يرسم لنا المؤلف مشهداً يضم كلاً من مخلوف كوهين وزوجته ألغرا وجارهما ليفويو، في لحظة سماعهم إطلاق نار يتبين منه أن أربعة فدائيين يحتجزون رهينتين ويعلنون مطالبهم: الإفراج عن 550 "مخرباً" وإخلاء مستوطنتين. في البداية يردد الزوجان موقفاً فحواه عدم قبول الابتزاز وضرورة "اقتحام البيت (...) حتى لو كان هناك خطر على الرهائن"، بينما يعلن الجار أن تخليص الرهائن يستحق قبول وتنفيذ طلبات "المخربين". ويحدث تحوّل دراماتيكي حين يكتشف الزوجان أن ابنهما "مودي" هو أحد الرهينتين. يتحول الأب أولاً أمام الضابط "هل يمكن أن أطلب أن لا يقتحموا البيت" ثم تصرخ الأم" .. أعطوهم كل المخربين الذين يريدونهم .. لنتخلص منهم." ويفتح الكاتب قصته على لحظة درامية عميقة حين يتم اقتحام البيت وقتل "المخربين"، وأحد الرهينتين. وتنتقل "كاميرا" المؤلف إلى أهل الرهينة الذي نجا لتبرز فرحهم بنجاته وبالاقتحام، ثم تعود إلى المشهد الأخير ـ مأساة عائلة مودي القتيل، بأبعادها "الإنسانية". في هذه القصة، يظهر عدم استعداد "الإسرائيلي" للتضحية في سبيل "قضية" جماعية، وضعفه أمام المواجهة، كأنه بلا قضية. لكنها تظهر ـ في المقابل ـ أن هذا الضعف مسألة إنسانية، حيث الإنساني يتقدم "الوطني" ويعلو عليه.
تبقى في المجموعة أربع قصص ليست لها قوة القصص التي تناولناها. لكن لها أهمية في إثراء المشهد القصصي، وفي إضاءة زوايا أُخرى من شخصية الفرد و "المجتمع" في الكيان الصهيوني.
ففي قصة يعقوب شبتاي "لذكرى ما جرى"، تصوير لمشاعر شخص تنتابه حال من الحزب لا نعرف إن كان سببها تذكّر مقتل شاب في الحي، أم لأنه لم يُضف على حساب زبونة ثمن عشرين غراماً من الجبنة!
وتسخر الكاتبة أورلي كاستل بلوم (ولدت في تل أبيب سنة 1960) من بطل قصتها "كاتب السيناريو الواقع"، الذي يرى حريقاً في البناية التي يسكنها فيعتقد أن شقته احترقت بسبب سيجارته التي نسيها مشتعلة حين ذهب إلى البحر، ويحزن، فقط، لاحتراق السيناريو الذي يكتبه عن الاستيطان اليهودي منذ بداية القرن، ثم يكتشف أن ما احترق ليس شقته بل شقة أُخرى.
وللكاتب إتغار كيرت (من مواليد تل أبيب سنة 1967) أسلوب كاريكاتوري في السخرية من "ابن رئيس الموساد"، الذي يبدو مثل دمية بين أصحابه، فما أن يخرج من ورطة حتى يسقط في غيرها. أمّا الكاتبة تسارويا شاليف (من مواليد كيبوتس كنيرت سنة 1959)، فهي الأكثر عبثية في تصويرها الغرائبي لبطلة "دبدوب على الطريق"؛ إذ تجعلها تنام على سرير واحد مع رجل لا يربط بينها وبينه سوى عثورهما معاً على "دبدوب" .. إلخ.
بعد هذا العرض، الذي نعترف بأنه ينطوي على إخلال بالمادة المعروضة، نود تأكيد أن كل ما تحتوي عليه هذه النماذج القصصية من رؤى نقدية لجوانب من تجربة وحياة الكيان الصهيوني وأفراده، يظل في حدود الرؤية الصهيونية، ولا يمكن أن يرقى إلى مستوى رفضها، بل إنه ـ في معظم الأحوال، إن لم يكن فيها كلها ـ يشكل أداة من أدوات تجسيد هذه الرؤية، وعنصراً بنائياً في بنيانها المتطاول والمتصاعد منذ إعلانها فكرة، حتى تجسيدها في دولة. فما من أدب بالعبرية/إسرائيلي يخلو من هذه السمة، لكن النسبية يمكن أن تكون في درجة حدّة حضور هذا العنصر أو ذاك من عناصر الأيديولوجيا الصهيونية. وهذا أمر يتطلب دراسات نقدية وميدانية هي ضرورة لفهم الكيان وعناصر قوته وضعفه.