ماكدوال. "الفلسطينيون: الطريق إلى تكوّن أمة"(بالإنكليزية)
الكتاب المراجع
النص الكامل: 

يُعدُّ هذا الكتاب واحداً من أوضح التحليلات التي نشرت مؤخراً بشأن المسألة الفلسطينية وأكثرها تماسكاً. ويعود وضوحه، إلى حد بعيد، إلى حقيقة أن المؤلف لا يكتب للمختصين فقط، بل لجمهور أوسع من القراء. وديفيد ماكدوال باحث مستقل كتب عن الأكراد والفلسطينيين أعمالاً كشفت عن تعاطفه الشديد مع الشعوب المضطهدة واهتمامه بقضايا حقوق الإنسان. وهذه الخلفية والحساسية هما ما يعطيان الكتاب نكهته الخاصة؛ وهو يعتمد إلى حد كبير على المصادر الثانوية، إلا إن هذا لا يقلل من جدة ما جاء فيه. وقد أصبح جلياً الآن، كما هي الحال بالنسبة إلى منشورات حديثة أُخرى تتعلق بالتاريخ الفلسطيني، أن نمط الاختيار الذي يلجأ المؤلف أو المؤلفة إليه في تعامله أو تعاملها مع المصادر المختلفة، التي غالباً ما تكون منحازة، يقرر إلى حد بعيد نوعية العمل المنجز وتوجهه. إن إحدى مزايا هذا الكتاب هي قدرة المؤلف على التعامل بكفاءة مع الأدبيات الموجهة إلى المختصين أو إلى القارئ العام بانحيازاتها المختلفة، ونجاحه في تقديم صورة تاريخية تتسم بالحياد والتوازن.

يبدأ ماكدوال بالتاريخ اليهودي في فلسطين قبل الرومان، ويضعه في المنظور الأسلم للرؤية التاريخية، بالإشارة إلى التحول الذي طرأ على طابع البلد عقب الغزو العربي في القرن السابع الميلادي، ثم يقدم بعد ذلك معالجة منهجية نقدية تاريخية رسمية شاملة، أكثر مما هي معالجة تاريخية، للحركة الصهيونية في مراحلها الأُولى. وماكدوال يقبل في الأساس نظرية نور الدين مصالحه القائلة إن حل "الترحيل" احتل مكانة بارزة في الأيديولوجيا الصهيونية منذ بداية الحركة. وهو، مثل مصالحه، يعتقد أن هذا كان الحل الوحيد الذي اقترحه الصهيونيون لِـ "المسألة الفلسطينية". إن انطباعي هو أن هذا الحل كان بالتأكيد واحداً من أبرز الحلول، لكنه لم يكن، في أية حال من الأحوال، الحل الوحيد. وقد أصبح في النهاية، ويجب تأكيد ذلك، الحل الوحيد بعد أن اكتشف الصهيونيون حدة المعارضة الفلسطينية لفكرة "استرداد صهيون". وفي الحقيقة، يثبت تحليل ماكدوال نفسه أن خلفية طرد الفلسطينيين كانت أكثر تعقيداً مما توحي به ملاحظاته الجارفة المتعلقة بالطبيعة "الترحيلية" للصهيونية المبكرة. ففي فصله الممتاز عن حرب سنة 1948 (الفصل الثالث)، يستكشف ماكدوال خلفية للطرد أكثر تعقيداً. لقد كانت عملية الطرد، التي تمت سنة 1948، نتيجة وجود الحركة الصهيونية وأيديولوجيتها كما تطورت في فلسطين أكثر مما كانت نتيجة الأفكار المائعة للصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر في أوروبا.

إن نزاهة موقف ماكدوال واضحة في تحليله لفترة الانتداب، حيث تظهر أيضاً كراهيته للحاج أمين الحسيني. وعلى الرغم من أن كثيرين قد يشاطرونه الرأي في وصفه السلبي للمفتي، لكني لو كنت مكانه لكنت أكثر كرماً تجاه المفتي فيما يختص بفترة 1920 - 1936، لأني أعتقد أنه أظهر خلالها مهارة ومسؤولية سياسية أكثر مما نسبه المؤلف إليه هنا. إن ماكدوال يقبل بسهولة كبيرة وصف التاريخ الرسمي الإسرائيلي للقيادة الصهيونية بأنها كانت ميالة إلى المصالحة ومنفتحة على المبادرات البريطانية في الأعوام العشرة الأُولى للانتداب. صحيح أن الفلسطينيين ربما يكونون فوتوا فرصة برفضهم العرض البريطاني للمشاركة في الجمعية التشريعية سنة 1923، لكن جدير بالملاحظة أنهم كانوا على استعداد لإعادة النظر في موقفهم سنة 1928؛ وهذه المرة، في أية حال، رفض الصهيونيون قبول مبدأ الجمعية المشتركة.

كما ذكرت سابقاً، إن الفصل الممتاز المتعلق بحرب سنة 1948 وما تلاها يشكل تلخيصاً بارعاً لمجمل الكتابات الأكاديمية التي كتبت عن الموضوع حديثاً. أمّا معظم الكتاب، فإنه يركز على التاريخ الفلسطيني بعد سنة 1948، بما فيه تاريخ مواطني إسرائيل العرب. إن وجود هؤلاء، كجزء عضوي من الشعب الفلسطيني، ينساه أحياناً الفلسطينيون والإسرائيليون على حد سواء، لكن الكاتب لا ينساه، إذ يكرس فصلاً كاملاً (الفصل الخامس) لتاريخهم حتى أواخر الثمانينات.

وفي الفصلين السادس والسابع ينتقل المؤلف إلى معالجة موضوعي اللاجئين وسكان المناطق المحتلة. إن اهتمام ماكدوال بحقوق الإنسان يقوده إلى إطلاق أحكام انتقادية على منظمة التحرير الفلسطينية. فهو يقوّم المنظمة من زاوية قدرتها على مساعدة اللاجئين، ويأتي حكمه عليها شديد القسوة والصرامة. إن افتقار المنظمة إلى المهارة الدبلوماسية واعتمادها الزائد على الإرهاب شلاّ، في رأيه، قدرتها على مساعدة اللاجئين. لكن يجب ألا يفهم من ذلك أن المؤلف ينتقد الحل الأساسي لمشكلة اللاجئين الذي تسعى الحركة الوطنية الفلسطينية له، والذي يتعاطف ماكدوال معه. إن ما يخضعه المؤلف للتدقيق هو الوسائل المختارة لإحراز هذا الحل، والبنية المعدة لتحقيق المشاريع الوطنية.

ولقد كُرس الفصل الثامن للانتفاضة، التي سبق أن وضع المؤلف كتاباً كاملاً عنها. وفي هذا الفصل تبدو كفة ميزان القيادة الوطنية أكثر إيجابية. فمن وجهة نظر ماكدوال، كانت هذه انتفاضة مثيرة للإعجاب، قامت في ظروف معاكسة بالغة الصعوبة، إذا أخذنا في الاعتبار القوى الهائلة التي كانت تواجه حركة المقاومة. إلا إن ماكدوال يعود فيلقي بجزء من اللوم على منظمة التحرير فيما يختص بتداعيها في النهاية، لأنها لم تكن على علاقة مباشرة بسكان المناطق المحتلة قبل الانتفاضة، ولأنها لم تكن مهتمة اهتماماً كافياً بأوضاعهم البائسة تحت الاحتلال الإسرائيلي القاسي. وبحسب هذا الكتاب، فإن قلة الاهتمام وضعف العلاقة هما سبب نجاح حركة "حماس" في استغلال الانتفاضة لتدعيم شعبيتها ومكانتها.

ينتهي العرض التاريخي في الكتاب بانتقاد اتفاق أوسلو. وقد كان ماكدوال حكيماً في تقويمه الاتفاق من خلال تطبيقه بدلاً من تحليله انطلاقاً من الوعود الغامضة التي قُدّمت إلى الفلسطينيين في وثيقة "إعلان المبادئ" في أوسلو. لقد ولّد الاتفاق، كما يلاحظ لمؤلف، شعوراً كبيراً بالارتياح في أوساط اليسار الإسرائيلي، لكن ما شهدناه لم يكن انسحاباً حقيقياً للقوات الإسرائيلية، بل إعادة انتشار يمكن العودة عنها بسهولة.

أمّا الفصول الثلاثة الأخيرة في هذا الكتاب الممتاز، فتتناول المستقبل القريب في ثلاثة مجالات مختلفة: الأول يتعلق بالنسيج الاجتماعي الفلسطيني، حيث يلفت ماكدوال نظر قرائه إلى فئتين أهملهما المؤرخون والسياسيون على حد سواء، الأطفال والنساء. إن مصير هؤلاء ورفاههم سيعتمدان على طبيعة وتوجه القوى السياسية العاملة الآن في الساحة الفلسطينية. ويبدو أن ماكدوال يأسف لغياب حركة حقيقية عن هذه الساحة تتمتع بحساسية تجاه الشؤون الاجتماعية والاقتصادية. ويتصل المجال الثاني بالمشكلات التي أهملها اتفاق أوسلو حتى الآن، وهي: القدس واللاجئون والمستوطنات. ولا يبدو أن ماكدوال يعتقد أن العملية السلمية الحالية ستساعد في حل هذه القضايا. أمّا المجال الثالث، فهو المجال القانوني. وهنا، يناشد ماكدوال، كخبير بحقوق الإنسان على صعيد الأقليات، الرأي العام العالمي الاعتراف بحقوق الفلسطينيين فيما يتعلق بالقدس والأرض واللاجئين. وبكلمات أُخرى، ليست هذه الموضوعات مجرد مسائل للأخذ والرد في المفاوضات الدبلوماسية، بل هي قضايا من شأنها، من منظور القانون الدولي على الأقل، أن تؤدي إلى تصحيح ظلم تاريخي. ويضع ماكدوال المياه والفلسطينيين الإسرائيليين ضمن الموضوعات التي تقف العدالة الدولية فيها إلى جانب الفلسطينيين. وبينما يشارك كاتب هذه المراجعة في المناشدة هذه من حيث المبدأ، فإنه يشك فيما إذا كانت أية محكمة دولية أو فيما إذا كان "الرأي العام العالمي" سيكونان هما من يقرر مصير الفلسطينيين وفلسطين في المستقبل القريب، أو في المستقبل البعيد.

 

 

المصدر: Journal of Palestine Studies, Vol. XXV, No. 4 (Summer 1996), pp. 104-106.

السيرة الشخصية: 

إيلان بابِه: أستاذ دراسات الشرق الأوسط جامعة حيفا.