يعرض التقرير شؤون التربية والتعليم وشجونهما عند الفلسطينيين في لبنان، من رياض الأطفال (3 ـ 6 سنوات) وصولاً إلى المراحل الابتدائية والتكميلية (المتوسطة) والثانوية. ويعطي مؤشرات ودلالات ميدانية، ويقدم إحصاءات وجداول أساسية موثقة، فضلاً عن مقابلات مع بعض التربويين الذين يعيشون واقع اليوم. ويخلص الكاتب إلى أن الإقبال على التعليم الابتدائي كثيف، لكنه يقل بحدة في المرحلتين المتوسطة والثانوية وما بعدهما، بسبب التدني في مستويات التعليم ونسبة التسرب العالية.
مقدمة
نعرض في هذا التقرير شؤون التربية والتعليم وشجونهما عند الفلسطينيين في لبنان، من رياض الأطفال (3 - 6 سنوات) وصولاً إلى المراحل الثلاث: الابتدائية والتكميلية (المتوسطة) والثانوية، تاركين مرحلتي التعليم المهني والتعليم الجامعي إلى فرصة أُخرى. وسنتوخى في قراءتنا واقع التربية والتعليم عند الفلسطينيين في لبنان الموضوعية والدقة قدر الإمكان، وسنعطي مؤشرات ودلالات ميدانية، ونقدم إحصاءات وجداول أساسية موثقة، فضلاً عن مقابلات مع بعض التربويين الذين يعيشون واقع اليوم.
في جميع دول العالم، يبدأ الاهتمام بالتخطيط العلمي للتنمية من خلال الاهتمام بالتخطيط للتربية والتعليم أولاً. وهذا ما لم نجده مطبقاً بحق الفلسطينيين في البلاد العربية عامة، وفي لبنان خاصة. فنحن بحاجة حقيقية إلى برنامج شامل يعنى بالتنمية، ويشتمل على خطة تربوية علمية محددة الغايات والأهداف.
في سنة 1960، بدأ التخطيط العلمي للتربية في المنطقة بفضل منظمة اليونسكو، التي عقدت مؤتمراً على مستوى وزراء التربية العرب، وأنشأت في إثره في لبنان (سنة 1961) "المركز الإقليمي لتدريب كبار موظفي التعليم العرب على التخطيط التربوي"، وهو المركز الذي أُغلق سنة 1972،[1] واستعيض عنه بالمركز الإقليمي (اليوندباس).
وحتى سنة 1967، كان متوسط الإنفاق على تعليم الفرد في الوطن العربي 1.3 دولار في مقابل 100 دولار في الدول المتقدمة.[2]
فما هي اليوم حال التربية والتعليم عند الفلسطينيين في لبنان؟
رياض الأطفال
بدأ الاهتمام برياض الأطفال عند الفلسطينيين في لبنان في أوائل السبعينات. ويوجد حالياً نحو 83[3] مركزاً للحضانة ورياض الأطفال، تشرف عليها المؤسسات والجمعيات الأهلية العاملة في المخيمات، التي تعتمد في تمويلها جزئياً على المؤسسات الدولية المانحة.
وتشير مصادر اليونيسيف إلى أن هذه الرياض تشمل ثلث عدد الأطفال الفلسطينيين المفترض في لبنان، كنسبة تقديرية لعدد سكان المخيمات.
أمّا مصادر الجمعيات التي تعنى بشؤون الطفل الفلسطيني، فتؤكد أن عدد مراكز رياض الأطفال لا يتجاوز اليوم 50 مركزاً، وذلك بعد أن تعرض عدد منها للتدمير خلال الحرب، وجرى إغلاق عدد آخر بسبب توقف منظمة التحرير الفلسطينية عن تمويله، وبسبب التخفيض الملحوظ الذي أجراه الممولون لميزانيات الجمعيات الأهلية، فضلاً عن أن الأونروا لا تقدم خدماتها التعليمية أساساً لأبناء اللاجئين الفلسطينيين قبل سن السادسة، وهو ما اضطر الجمعيات إلى التعاطي مع الأطفال الفلسطينيين الذين تتراوح أعمارهم بين 3 سنوات و6 سنوات، كما تؤكد الجمعيات ذلك.
قد تكون جمعية إنعاش المخيم الفلسطيني أول من افتتح في سنة 1969 مراكز لرياض الأطفال قرب مخيم شاتيلا. ولديها اليوم عدة مراكز تضم 255 طفلاً. ثم جاءت مؤسسات أُخرى مثل: مؤسسة غسان كنفاني (1974)، وفيها الآن 900 طفل يتوزعون على تسع رياض في مختلف المخيمات؛ النجدة الشعبية، وفيها 600 طفل تقريباً يتوزعون على تسعة مراكز؛ بيت أطفال الصمود، وفيه 573 طفلاً في مختلف المخيمات. هذا فضلاً عن رياض تابعة للجمعيات الإسلامية والفصائل الفلسطينية واتحاد غوث الأطفال (مركزه في بريطانيا)، وغيرها.
الوضع التربوي في رياض الأطفال
من حيث البناء، تفتقر أكثرية هذه الرياض إلى المواصفات الحديثة لرياض الأطفال، كذلك هي الحال بالنسبة إلى المساحة والتجهيزات؛ إذ من الصعوبة بمكان أن تجد لهذه الغاية مساحة كافية داخل المخيمات المكتظة بالسكان؛ فهناك بعض الرياض التي أُقيمت أساساً على أطراف المخيمات (على أراض تمتلكها المؤسسة المشرفة عليها)، ومطابقة للمواصفات الموضوعية المطلوبة. وتستخدم حافلات الركاب لنقل الأطفال من بيوتهم وإليها.
أمّا من حيث التجهيزات والبرامج الصحية، فإن أغلبية هذه الرياض تحتوي على الحد الأدنى من الأدوات المطلوبة للأطفال، لأنها نسبياً لا تتطلب تكاليف باهظة. وفيما يتعلق بالبرامج الصحية والغذائية، فإن بعض المؤسسات لا يزال يقدم الوجبات الغذائية للأطفال الذين ترعاهم، في حين تطالب مؤسسات أُخرى أهالي الأطفال بإحضار المواد الغذائية والصحية المطلوبة.
وفيما يتعلق بالكوادر التعليمية والبرامج التربوية، فهي متقاربة في معظم الرياض، وتتقدم باستمرار، إذ تخضع الحادقات لدورات تدريبية في أثناء العمل ضمن مؤسساتها أو في مؤسسات أُخرى، أبرزها مركز المعلومات والتدريب لرياض الأطفال في مخيم مار الياس في بيروت، وهو مركز متخصص بتدريب الحادقات والمشرفات، أُسس منذ ستة أعوام، وخرّج نحو 65 حادقة لبنانية وفلسطينية، أمضت كل واحدة منهن فيه سنتين دراسيتين، فضلاً عن تخريج 13 مشرفاً تربوياً متخصصاً ببرامج الأطفال وأنشطتهم. إلا إن هذا المركز لم يستطع هذه السنة تقديم خدماته بسبب سوء أوضاعه المالية (كما أفادت المشرفة عليه).
ويلاحظ وجوب تسجيل الأطفال في هذه الرياض قبل عدة أشهر من بداية العام الدراسي، وذلك بسبب تزايد الإقبال عليها وتناقص عددها. ومع أن بعضها يفرض أقساطاً على الأهالي، فإن هذه الأقساط تظل أقل كثيراً من الأقساط الباهظة التي تفرضها رياض الأطفال الخاصة في لبنان. وننوه أخيراً بوجود مركزين لتأهيل الأطفال المعاقين جسدياً والمتخلفين عقلياً، وهما تابعان لمؤسسة غسان كنفاني.
التعليم في المرحلتين الابتدائية والتكميلية (المتوسطة)
إن الفلسطيني في لبنان ليس محروماً من حقه في تحصيل العلم في المرحلتين الابتدائية والتكميلية ضمن المدارس الحكومية أو الخاصة، إلا إن التكاليف الباهظة للتعلم في المدارس الخاصة، وصعوبة التنقل من المدارس الحكومية وإليها، وخصوصاً بالنسبة إلى سكان المخيمات، جعلت التلاميذ يتوجهون في أغلبيتهم نحو التعليم المجاني في الأونروا، التي أقامت لهم في فترة ما قبل الحرب اللبنانية 87 مدرسة،[4] وكانت تزودهم بالكتب والقرطاسية وبعض الوجبات الغذائية الصحية مجاناً.
وكانت الأونروا قد بدأت تقديم خدماتها التعليمية للمرحلتين الابتدائية والتكميلية (المتوسطة) منذ سنة 1950،[5] عندما كان الفلسطينيون يعيشون في الخيام عقب النكبة سنة 1948. وكانت المدرسة في حينه عبارة عن خيمة واحدة أو أكثر. وفي سنة 1950 - 1951، بلغ عدد التلاميذ في مدارس الأونروا وحدها 4649 تلميذاً في المرحلة الابتدائية و39 تلميذاً في المرحلة التكميلية.[6]
وفي سنة 1955، وصل إجمالي عدد التلاميذ في الأونروا والمدارس الحكومية والخاصة في لبنان، للمراحل الثلاث، الابتدائية والتكميلية والثانوية، إلى 24.196 تلميذاً، وهو ما يوضحه الجدول رقم 1.[7]
وتجمع المصادر المتنوعة على أن عدد الفلسطينيين في لبنان تزايد خلال الأعوام الـ 47 الماضية إلى ثلاثة أضعاف ونصف ضعف تقريباً.[8] ومعروف أن الإقبال على المدارس يكون كثيفاً في المرحلة الابتدائية، وخصوصاً أن عنصر الشباب يغلب على التركيبة الاجتماعية للشعب الفلسطيني في لبنان، حيث يقارب العمر الوسيط للسكان 17 سنة.[9]
وقد وصل إجمالي عدد التلاميذ الفلسطينيين للمرحلة الابتدائية في جميع مدارس لبنان، سنة 1991 - 1992 إلى 29.990 تلميذاً، بحسب الجدول السابق. وكان نصيب دارس الأونروا منها في السنة نفسها 24.180 تلميذاً.[10] وهذا يعني أن الأغلبية العظمى من التلاميذ الفلسطينيين في المرحلة الابتدائية تلتحق بمدارس الأونروا، كذلك الحال في المرحلة التكميلية، بحسب الجدول رقم 2.
في قراءة لمعطيات الجدول رقم 2، نلاحظ أن نسبة التلاميذ الذكور في المرحلة الابتدائية تساوي نسبة التلميذات الإناث تقريباً (نسبة الإناث 47.7٪)، وأن عدد التلاميذ في الصفوف الابتدائية أكثر من ضعف عددهم في الصفوف المتوسطة. فإذا أخذنا في الاعتبار قرار الأونروا بالترفيع الآلي،[11] أي إلزام المدرّس بإنجاح تلاميذ بنسبة 90٪ كحد أدنى للصفوف الابتدائية و80٪ كحد أدنى للصفوف المتوسطة، فإن نسبة التسرب تكون عالية جداً ومخيفة.
التسرب: هل هو بنسبة 50٪؟
كان عدد تلاميذ المرحلة الابتدائية قبل أربعة أعوام 23.186[12] تلميذاً، نجح 90٪ منهم فأصبحوا 20.867 تلميذاً، وهو العدد المفترض نظرياً في الوقت الحاضر لتلاميذ لمرحلة المتوسطة في الأونروا. فإذا كان العدد 10.123، فهذا يعني أن أكثر من نصف تلاميذ المرحلة الابتدائية تسرب إلى خارج المدرسة. وما يعزز هذا الترجيح من جهة هو أن الأونروا تتستر على نسبة التسرب لديها، وأن إقبال الفلسطينيين عامة على المدارس اللبنانية الخاصة، من جهة أُخرى، كان قليلاً خلال الأعوام الأربعة الماضية، بسبب الارتفاع الجنوني للأقساط.
أمّا قرار الترفيع الآلي المعمول به في مدارس الأونروا، فهو أحد أبرز أسباب تسرب معظم تلاميذ الصفوف المتوسطة والثانوية؛ إذ إن هؤلاء التلاميذ انتقلوا من مرحلة تعليمية إلى مرحلة تعليمية أعلى من دون أن يستوعبوا مناهجهم ودروسهم.
وهناك ملاحظة أُخرى هي أن التسرب عند الإناث أكثر منه عند الذكور، وهو ما يؤكده ارتفاع نسبة الذكور في الصفوف المتوسطة. وأخيراً، ما هي حقيقة نسب الأمية وشبه الأمية عندنا في ظل هذه المعطيات؟ وما هي الحقائق الإضافية التي لم ترد في الجدول رقم 2، والتي أدت إلى تدني مستوى التعليم في مدارس الأونروا في لبنان؟
تشير المعلومات الميدانية[13] إلى أن نسبة النجاح في الشهادة المتوسطة (البريفيه) الحكومية سنة 1993 - 1994 ارتفعت فتراوحت بين 20٪ و60٪ بين مختلف المدارس. ففي مدارس الأونروا في الجنوب، كانت النسبة 25٪ تقريباً، وفي مدارس بيروت وصلت إلى 35٪. أمّا في مدارس الأونروا في الشمال اللبناني فوصلت إلى 55٪.
ومن شأن هذا التسلسل النسبي أن يعكس الأوضاع الأمنية والمعيشية التي اختلفت بين هذه المناطق في حدتها من فترة إلى أُخرى. لكنه يعكس في الوقت ذاته تفاوت مستويات الاهتمام الإداري والتعليمي بين مدرسة وأُخرى، وهو الاهتمام الذي أغفلته الأونروا منذ عشرين عاماً فتركته وقفاً على العامل الذاتي والضمير المهني عند المدير والمدرّس على حد سواء. فوظيفة المفتش، التي تُعتبر الضابط المركزي للعملية التربوية، مشلولة منذ عشرين عاماً؛ ففي حين أن المفتش كن فيما مضى يقوم بجولات يومية على المدارس والصفوف، ويطّلع على التحضيرات الإدارية والبرامج، ويزور الصفوف، ويجري امتحانات فجائية للتلاميذ يقرر على أساسها إعطاء هذا المدرّس درجة وحرمان ذاك المدرس منها... إلخ، بات اليوم لا يزور الصفوف سوى مرة واحدة في العام، ويقوم بإجراءات شكلية، وغالباً ما يكون تقويمه للوضع نابعاً من مصالحه الشخصية. ويكتفي في معظم الأحيان باحتساء فنجان من القهوة في الإدارة ثم يغادر من دون تأدية واجبه.
إن العملية التربوية داخل الصف لم تعد طبيعية، ولا تشتمل في الغالب على المراحل التربوية العلمية المعروفة: 1) التعليم القَبْلي (التمهيد)، 2) العرض والممارسة، 3) التطبيق أو التقويم. وقد يكتفي المدرّس بتقديم المرحلة الثانية فقط في غياب الحسيب والرقيب. هذا فضلاً عن أن وسائل الإيضاح غير موجودة في معظم المدارس، وإنْ وجدت فليس ما يلزم المدرّس استخدامها سوى ضميره وإخلاصه اللذين قد لا يتوفران لدى جميع المدرّسين، في غياب الحوافز الموضوعية.
وفيما يتعلق بالتلميذ، فإن قرار الترفيع الآلي يمنحه فرصة النجاح حتى لو لم يفتح كتاباً واحداً طوال العام الدراسي. وهكذا، تكون الأونروا حققت توفيراً في ميزانيتها وضربت جوهر العملية التربوية.
ومن الأسباب الأُخرى لتدني المستوى التعليمي، تعيين بعض المدرّسين غير المتمتعين بالكفاية الملائمة، واعتماد شروط غير منطقية في اختيار المدرّسين، وغياب بعض المدرّسين والمديرين المتسلحين بتغطية من رؤسائهم عن مراكز عملهم في أي وقت، فضلاً عن منح إجازات الأمومة (3 أشهر) للمدرسات المتزوجات من دون تأمين البديل الفوري، الذي غالباً ما يكون غير مؤهل إنْ وجِد. وهكذا، يقع التلميذ ضحية، فيدفع مستقبله ثمناً لهذا التقصير الفاضح.
معهد تدريب المعلمين في سبلين: لماذا توقف؟
افتتحت الأونروا معهد تدريب المعلمين في سبلين سنة 1963، وكانت مدة الدراسة فيه سنتين. وكان مشهوداً له بالكفاءة بوصفه معهداً حيوياً للفلسطينيين في لبنان؛ إذ كان يرفد مدارس الأونروا بأفواج جديدة ونشيطة من المدرّسين المتخصصين، ويقدم للمعلم الفلسطيني شهادة محترمة تؤهله للعمل في بعض المدارس اللبنانية أو في مدارس في دول الخليج وغيرها. وقد أغلقت الأونروا هذا المعهد سنة 1984، ولم يُشر إلى نية إعادة فتحه، علماً بأن هناك معهدين مماثلين له في كل من الأردن والضفة الغربية.
وفي سورية، قد يجد الفلسطيني معهداً أو جامعة ينتسب في أحدهما إلى قسم التربية، أمّا في لبنان، فليس هناك من بديل؛ فجامعة بيروت العربية أغلقت قسم التربية منذ 15 عاماً، وكلية التربية في الجامعة اللبنانية لا تستقبل غير اللبنانيين، ومعهدا التربية في كل من جامعة بيروت الأميركية والجامعة اللبنانية الأميركية يتطلبان أقساطاً تصل إلى 7000 دولار للعام الدراسي الواحد. ثم إن صندوق الطلاب الفلسطينيين يرفض منح قروض لطلاب هذه المعاهد بحجة أنها لا تمنح شهادات جامعية، ومدة الدراسة فيها لا تتجاوز السنتين.
وهكذا، فمن الأهمية بمكان إعادة فتح معهد تدريب المعلمين في سبلين، ليكون خطوة على طريق الإصلاح التربوي المنشود.
وبالعودة إلى الوضع الميداني في مدارس الأونروا في لبنان، نشير إلى أن تقرير المفوض العام للأونروا يؤكد أيضاً أن عدد التلاميذ الفلسطينيين في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، الملتحقين بالمدارس اللبنانية الرسمية والخاصة سنة 1993 - 1994، بلغ 17.045 تلميذاً، وهو ما يعني أن الدولة اللبنانية تتحمل قسماً كبيراً من الأعباء التي ينبغي للأونروا أن تتحملها لجهة تعليم الفلسطينيين في لبنان!
إنه لمن الصعب أن نتحدث عن المرحلة الابتدائية على نحو منفصل عن المرحلة المتوسطة في مدارس الأونروا، لأن جميع هذه المدارس تضم هاتين المرحلتين. إلا إننا سنحاول الفصل نظرياً في بعض الجوانب تسهيلاً للعرض.
خلال فترة الحرب اللبنانية، تناقص عدد مدارس الأونروا الابتدائية والمتوسطة في لبنان من 87 مدرسة إلى 76 مدرسة، على الرغم من التزايد الطردي لعدد التلاميذ الملتحقين بها عاماً بعد عام، الأمر الذي أدى إلى تزايد عدد التلاميذ في الصف الواحد، إذ بلغ معدل عدد التلاميذ لكل مدرّس في الصفوف الابتدائية 40.4 تلميذاً.[14] وخلال العام الدراسي 1993 - 1994، كان 58٪ من الصفوف الابتدائية و34٪ من الصفوف المتوسطة تعمل بنظام الدوامين[15] (دوام قبل الظهر ودوام بعد الظهر في المبنى نفسه)، وهذا يحرم التلاميذ ممارسة أنشطتهم اللامنهجية، ويحرم كلتا الدفعتين 110 دقائق يومياً، أي ما يعادل حصتين دراسيتين، فضلاً عن الإشكالات التربوية والإدارية الأُخرى.
وثمة مبان مدرسية تابعة للأونروا مستأجرة وغير ملائمة، وتضم 50٪ من الصفوف، وتفتقر إلى المرافق التربوية الملائمة، كالغرف الواسعة والمجهزة والملاعب.[16] وكون المباني مستأجرة يحول دون تمكن الأونروا من إدخال تعديلات عليها من دون إذن مالكيها، الذين يرفضون دوماً منح هذا الإذن، ويطلبون إخلاء مبانيهم طمعاً في أبدال إيجار أعلى.
وبشأن هذه الحقائق التي وردت في تقارير المفوض العام للأونروا، أجرينا عدة مقابلات مع مديرين ومعلمين في مدارس الأونروا. ودارت المقابلات حول الواقع الموضوعي لمدارسهم اليوم، فقدموا لنا شهادات، نقتطف منها النقاط التالية:
- كان النجاح في الشهادة المتوسطة (البريفيه) سنة 1990 - 1991 بنسبة 16.3٪، أي أعلى قليلاً من نسبة النجاح في السنة السابقة، لكنها مع ذلك خجولة، بحيث أن الأونروا لم تعلنها.
- اكتظاظ التلاميذ في الصفوف؛ فقد يجلس على المقعد الواحد 3 أو 4 تلاميذ، ويصل عددهم في الصف الواحد إلى 50 تلميذاً، ويزدحم 1200 تلميذ في ملعب مساحته 165م2، وذلك كله تحت شعار رفعته الأونروا يقول: "يجب ألا يبقى الطفل الفلسطيني في الشارع".
- الصفوف في أكثريتها محرومة من نور الشمس والإضاءة، وغالباً ماي كون التيار الكهربائي مقطوعاً.
- عندما يتعدى عدد تلاميذ الصف الواحد الخمسين تلميذاً، لا يُفتح للعدد الفائض صف جديد، بل يُنقل إلى مدرسة أُخرى أو يُلحق بدوام آخر "لأن ميزانية الأونروا لا تحتمل، كما يقول المسؤولون."
- يُطبق نظام الترفيع الآلي، أو "نظام الترقيع الآلي" كما يسمونه، على الصفوف الابتدائية الدنيا بنسبة 100٪، وعلى الصفوف الابتدائية العليا بنسبة 90٪، وعلى الصفوف المتوسطة بنسبة 60٪.
- يتأخر وصول المدرّس الجديد شهراً واحداً أو شهرين، ويُحرم التلاميذ التعليم طوال هذه المدة.
- نادراً ما يحصل التلاميذ على كتبهم في الموعد الملائم، بل إنهم لا يحصلون عليها أحياناً إلا في نهاية العام الدراسي.
- أُوقف توزيع الدفاتر والقرطاسية التي كانت الأونروا تقدمها مجاناً فيما مضى، ويستثنى من ذلك تلاميذ بعض الحالات الاجتماعية العسيرة، إذ يقدم للواحد منهم 3 دفاتر وقلم رصاص واحد.
- هذا العام، تنصّلت إدارة التعليم من ترميم المدارس وتجهيزها.
- إن نصيب المدرّس الواحد من حصص التعليم 30 حصة في الأسبوع، بدلاً من 22 حصة المتعارف عليها. وقد يرتفع عدد حصص مدرّس الصفوف الابتدائية إلى 36 حصة.
- إن نسب التسرب عالية جداً، على الرغم من تأليف لجان الأهل للحد منها، والسبب يعود إلى الأوضاع غير الإنسانية التي تعانيها مدارس الأونروا اليوم.
وقد أفاد أحد مدرّسي الصفوف الابتدائية بقوله إن أكثر من نصف عدد تلاميذ صفة الخمسين لا يتسنى له "تسميع" درسه أكثر من مرة واحدة في الأسبوع.
المؤتمر التربوي والمحاولات القاصرة
خلال الفترة التي تلت الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، تدهورت أوضاع الفلسطينيين في لبنان إلى أقصى الحدود. وكان لا بد من أن يعكس هذا التدهور نفسه على أوضاع التربية والتعليم. والأونروا لم تقم بدور المنقذ باعتبارها الجهة التي تتحمل أكبر قسط من المسؤولية. وعلى الرغم من المحاولات العديدة التي بذلتها الفعاليات التربوية والنقابية في المخيمات للجم هذا التدهور، وعلى الرغم من محاولات المؤسسات والجمعيات الأهلية الفلسطينية للمساهمة في التصدي من خلال المؤتمرات التربوية وتأليف لجان الأهل... إلخ.، فإن الوضع التربوي كان يحتاج إلى معالجات جذرية من قِبل الأونروا، ويتمثل أبرز هذه المعالجات، بحسب المؤتمر الفلسطيني التربوي الأول الذي عقد في بيروت في نهاية سنة 1991، بـ:
- تأمين بدائل من المدارس التي هُدمت خلال المعارك التي شهدتها المخيمات.
- تأمين مدارس إضافية تستوعب التزايد السنوي الطبيعي للتلاميذ.
- إعادة النظر في البرامج والمقررات الدراسية، ومتابعة المستجدات التربوية.
- إلغاء نظام الترفيع الآلي، ومعالجة الضعف المتراكم بخطط مدروسة.
- إلغاء نظام الدوامين.
- تأمين المستلزمات المدرسية الضرورية قبل بداية العام الدراسي.
- اعتماد مبدأ الثواب والعقاب بتوازن وإنصاف وشمولية لجميع التربويين والإداريين.
- اعتماد التأهيل السليم لجميع العاملين في الحقل التربوي، وإعادة فتح معهد المعلمين في سبلين، وتطوير الدورات التأهيلية الصيفية للكادر التعليمي بأسره.
- إقامة مجالس أولياء الطلبة وإشراك الأهل في العملية التربوية.
- تعزيز الثقافة الوطنية والقومية عبر إدخال تاريخ فلسطين وجغرافيتها في صلب البرامج.
- مواجهة ظاهرة التسرب، ومكافحة الأمية.
- إيجاد برامج خاصة في مدارس الإناث، تعتمد على التأهيل في مجال التدبير المنزلي.
ملاحظات واستنتاجات
يعترف مسؤولو الأونروا بتردي الواقع التعليمي إلى حد مشاركتهم في المؤتمر التربوي المشار إليه، وتأييدهم توصياته، لكنهم يعتبرون الميزانية المخصصة للتعليم في لبنان غير كافية. وهنا لا بد من قراءة واقع هذه الميزانية لسنتي 1993 - 1994 و1994 - 1995:
إن عدد اللاجئين الفلسطينيين في سورية أقل من عددهم في لبنان، ولدى الأونروا في سورية 109 مدارس، وفي لبنان 76 مدرسة متوسطة وابتدائية. وعدد التلاميذ في سورية ضعف عددهم في لبنان. وعلى الرغم من أن ما نسبته 97٪ من الصفوف الابتدائية و91٪ من الصفوف المتوسطة يعمل بنظام الدوامين في سورية، فإننا نجد أن هذه المدارس حققت نسبة نجاح عالية جداً (91.3٪) في الامتحانات الحكومية، في مقابل المتوسط الوطني البالغ 56.1٪.[17]
إذن، إن نظام الدوامين ليس هو المشكلة الحقيقية والوحيدة في مدارس لبنان... لكن، يقول المفوض العام للأونروا في تقريره،[18] "إن الكلفة السنوية للتلميذ الواحد في مدارس الأونروا متدنية، بالقياس إلى المستويات الإقليمية والدولية التي يبلغ معدلها نحو 289 دولاراً لتلميذ المرحلة الابتدائية و410 دولارات لتلميذ المرحلة الإعدادية [المتوسطة]..."
كيف تكون التكلفة متدنية وهي، بحسب المفوض العام أيضاً، 376 دولاراً للتلميذ الابتدائي و544 دولاراً للتلميذ المتوسط؟[19] إن تكلفة التلميذ في الأونروا عالية ومن دون جدوى بسبب ميزانية قسم التعليم في المكتب الرئيسي في فيينا التي بلغت أكثر من "7 ملايين دولار، مقابل ميزانية التعليم لـ 76 مدرسة في لبنان، 17 مليون دولار."[20]
وللمزيد في معالجة هذا الموضوع، نقدم الجدول التالي:[21]
نضيف إلى هذا الجدول أن عدد الموظفين الدوليين 186 موظفاً في جميع مناطق عمل الأونروا، 75 منهم في فيينا، ويشكلون جميعاً 2٪ من العدد الكلي للموظفين في الأونروا. وإذا كان مجموع تكاليف موظفي الأونروا "78٪ من الميزانية النقدية للعام 1994 - 1995، والبالغة 522.601.000 دولار أميركي، فإن حصة الموظفين الدوليين منها 5٪، أي 26.041.000 دولار"[22] وهي تكاليف عالية جداً، حيث يصل معدل الراتب الشهري للموظف الدولي الواحد إلى نحو 13.000 دولار شهرياً، أي أكثر من رواتب طاقم تعليمي كامل في إحدى مدارس الأونروا في لبنان.[23] ولهذا تبرز تساؤلات المتتبعين لأنشطة الأونروا الذين يدعون إلى نقل مقر الأونروا من فيينا إلى إحدى دول المنطقة، وتخفيض رواتب الموظفين الدوليين، وفي المقابل تحسين الأوضاع التعليمية للتلاميذ الفلسطينيين.
ويذكر أخيراً أن تقديرات الأونروا لنسبة الأميين الفلسطينيين في لبنان بين من هم في سن 15 سنة وما فوق هي: 19.5٪، منهم 12% من الذكور و27٪ من الإناث.[24]
ولم يوضح المفوض العام كيفية تقدير هذه النسبة، التي نشكك فيها بالنظر إلى التسرب المخيف في مرحلة الصفوف الابتدائية.
المرحلة الثانوية
"لم يسبق للأونروا أن وفرت أي تعليم ثانوي للفلسطينيين في لبنان منذ عام 1961، حتى العام الدراسي الماضي 1993 - 1994، حينما استقبلت ثانوية الجليل التابعة للأونروا في بيروت، أول دفعة من طلاب السنة الثانوية الأُولى."[25] واستوعبت هذه المدرسة 85 تلميذاً.[26]
وكان عدد التلاميذ الفلسطينيين الثانويين في لبنان سنة 1991 - 1992 قد بلغ 5491 تلميذاً في المدارس الخاصة، و311 تلميذاً في المدارس الحكومية.[27] وكان كل تلميذ فلسطيني ثانوي يحصل من الأونروا على منحة سنوية زهيدة، لا تتعدى العشرين دولاراً، إلا إن الأونروا توقفت عن دفع المنحة لتستفيد من المبلغ الكلي لمصلحة ثانوية الجليل.
وفي سنة 1979 - 1980، افتتحت في طرابلس والبقاع وصيدا وصور أربع مدارس ثانوية، بإشراف دائرة التربية والتعليم في منظمة التحرير الفلسطينية. وكان إقبال التلاميذ الفلسطينيين على هذه المدارس جيداً، إذ ضمت 1500 تلميذ كمعدل لسنوات عملها السابقة، ووصل هذا العدد سنة 1991 - 1992 إلى 1341 تلميذاً توزعوا على النحو التالي:[28] طرابلس 550؛ صيدا (عين الحلوة) 301؛ البقاع 160؛ صور 330.
ومن المعروف أن الثانويتين في صيدا وصور توقفتا عن التعليم خلال فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، وأعيد فتحهما في السنة الدراسية 1985 - 1986، ثم توقفت ثانوية صيدا من جديد سنة 1991، بينما استمرت الثانويات في طرابلس والبقاع وصور في العمل، فما هو السبب؟[29]
من المفترض أن تكون هذه المدارس الأربع بإشراف دائرة التربية والتعليم في م.ت.ف.، وهي الدائرة التي تتخذ من دمشق مقراً لها، إلا إن الأوضاع السياسية والتنظيمية السيئة التي شهدتها الساحة الفلسطينية بعد الاجتياح الإسرائيلي قسمت واقع هذه المدارس الأربع إلى فئتين، فظلت ثانوية طرابلس وثانوية البقاع بإشراف دائرة التربية والتعليم المذكورة، وعملت ثانوية صيدا وثانوية صور بإشراف مباشر من حركة "فتح" (اللجنة المركزية). وبعد أن أوقفت م.ت.ف. الأغلبية العظمى من تقديماتها للفلسطينيين في لبنان، أُغلقت ثانوية صيدا، تاركة مئات التلاميذ الثانويين الفلسطينيين في الجنوب بين مطرقة التقليصات وسندان البطالة. وفيما يلي، نقدم جدولاً شاملاً بشأن مختلف مراحل الدراسة للتلاميذ والطلاب الفلسطينيين في لبنان، لاستخدامه في وضع الخلاصة النهائية.
خلاصة
يستخلص من هذا الجدول أن الإقبال على التعليم الابتدائي كثيف، ويقل بالتدريج وبصورة حادة في المرحلتين المتوسطة والثانوية وما بعدهما، وأن نسبة الطلاب الذين يدرسون في الجامعة، من المجموع العام لعدد التلاميذ والطلاب الفلسطينيين في لبنان، لا تتجاوز 4.4٪، وأن التدني في مستويات التعليم في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، ونسبة التسرب العالية منهما، وخصوصاً في مدارس الأونروا التي تضم نحو ثلثي هؤلاء التلاميذ، هما السبب الأبرز في هذا التناقص الحاد، الذي تتحمل دائرة التعليم في الأونروا مسؤوليته بصورة أساسية، من دون أن نغفل مسؤوليات الأطراف الفلسطينية الأُخرى، ولا سيما م.ت.ف.، وسائر القوى السياسية، التي لا بد من أن تؤدي دوراً، أقله الضغط على الأونروا، التي هي بمثابة مؤسسة التعليم الرسمية للفلسطينيين عامة، وفي لبنان خاصة، أملاً بأن تتمكن الجهود المخلصة والمنظمة من إنقاذ الأجيال الفلسطينية المقبلة من كوارث محدقة.
[1] عبد اللطيف البرغوثي، "دور التربية في دفع عجلة التنمية"، مجلة "شؤون فلسطينية"، كانون الأول/ديسمبر 1980، ص 117.
[2] "تقرير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم"، القاهرة، 1977.
[3] "وثائق اليونيسيف، قسم شؤون الفلسطينيين في لبنان، إحصاء عام 1991".
[4]سجلات الأونروا، وتقارير المفوض العام.
[5] المصدر نفسه.
[6] المصدر نفسه.
[7] استُخلص الرقم من جداول المدارس الخاصة، وجداول وزارة التربية الوطنية والشباب والرياضة، لبنان، 1993.
[8] سهيل الناطور، "أوضاع الشعب الفلسطيني في لبنان" (بيروت، 1993)، ص 9.
[9] أنظر دراسات المكتب المركزي الفلسطيني للإحصاء والمصادر الطبيعية، الأوضاع التربوية والاجتماعية للعرب الفلسطينيين في مخيمات وتجمعات لبنان، كانون الثاني/يناير 1993.
[10] "تقرير المفوض العام للأونروا، 1991 - 1992"، جدول الأونروا بالأرقام.
[11] "تقرير المفوض العام، 1989 - 1990"، جدول الأونروا بالأرقام.
[12] أكد جميع مديري الأونروا الذين قابلناهم وجود قرار الترفيع الآلي منذ أعوام عديدة، لكنهم رفضوا ذكر أسمائهم لأن قوانين الأونروا تمنعهم من الإدلاء بتصريحات صحافية.
[13] جداول نسب النجاح في مختلف مدارس الأونروا في لبنان للعام الدراسي 1993 - 1994.
[14] "تقرير المفوض العام، الحالة المالية، 1992 - 1995"، ص 24 (هذه النسبة تتعلق بجميع مدارس الأونروا في مناطق عملها).
[15] المصدر نفسه، ص 34.
[16] المصدر نفسه (هذه الحال تنطبق على الصفوف المتوسطة كذلك).
[17] أُخذت الأرقام جميعها من "تقرير المفوض العام، 1993 - 1994"، ص 37.
[18] المصدر نفسه، ص 24 (تقرير الحالة المالية).
[19] المصدر نفسه، أُخذت من الأونروا بالأرقام، الجدول رقم 4، 1993 - 1994.
[20] المصدر نفسه، ص 69 (الميزانية العادية لسنة 1994).
[21] المصدر نفسه، الجدول 7 - برنامج التعليم، ص 18 (تقرير الحالة المالية).
[22] المصدر نفسه، المرفق السادس، ص 85، الرسم البياني الخاص بنسبة تكاليف الموظفين للميزانية النقدية.
[23] المصدر نفسه.
[24] المصدر نفسه، الأونروا بالأرقام.
[25] المصدر نفسه، "تقرير المفوض العام"، ص 33، لبنان، التعليم.
[26] راجع الجدول رقم 2.
[27] المصدر نفسه، وزارة التربية اللبنانية.
[28] أنظر جداول دائرة التربية والتعليم، م.ت.ف.، 1991 - 1992.
[29]رواية أجمعت عليها عدة مصادر تربوية فلسطينية متابعة، في غياب الوثائق الرسمية.