الساحة الثقافية في الضفة الغربية ـ لقطات وأسئلة
كلمات مفتاحية: 
الفن الفلسطيني
الثقافة الفلسطينية
السينما
الأفلام
التعليم
المنهج الدراسي
نبذة مختصرة: 

تتضمن المادة ثلاث لقطات لجوانب مختلفة للثقافة في الضفة الغربية. الجانب الأول يتناول السينما، ويتضمن مقابلة مع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، أُجريت في رام الله، وتحدث فيه عن تجربيته السينمائية، بما فيها آخر أفلامه "حيفا". والجانب الثاني يدور حول جريدة "دفاتر ثقافية" الشهرية التي أصدرتها وزارة الثقافة الفلسطينية، والتي يرى الكاتب أنها تقع في منطقة وسطى بين جريدة يومية ومجلة متخصصة. أما الجانب الثالث فهو التربية والتعليم، وعالجه الكاتب تحت عنوان "خطة شاملة لإنتاج المنهاج الفلسطيني الأول للتعليم العام".

النص الكامل: 

رشيد مشهراوي
بصرية الذاكرة ... بصرية العين

"حيفا"، الفيلم الذي اختارته إدارة مهرجان كان في دورته التاسعة والأربعين (1996)، هو آخر أفلام المخرج السينمائي الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي عرفه الكثير من المهرجانات الدولية والذي قدم تجارب سينمائية لفتت النظر وأثارت الحوار ولم تُستدرج إلى شرك الشعارية أو البكائيات. وكان هذا الفيلم واحداً من فيلمين عربيين فقط أُشركا في المهرجان، وشاركت في إنتاجه ارنجوس الهولندية والتلفزة الألمانية والقناة التلفزية الخامسة الفرنسية. وقد فاز بالجائزة البرونزية خلال أيام قرطاج السينمائية (1996) في تونس، تقديراً لصدقه في معالجة واقع شعبه المعاصر.

رشيد مشهراوي، ابن الرابعة والثلاثين وابن الأفلام العشرة، هل هو مختلف حقاً؟ ما الذي يميزه؟ كيف ينظر إلى نفسه وإلى عمله؟

في الطبقة الخامسة حيث مكتبه الذي يطل على شارع رام الله الرئيسي، في وسط المدينة التي انتقل إليها حديثاً، التقينا:

  • يقال إن تجربة الإنسان مرتبطة بذاكرته. وبمعنى آخر، الإنسان ابن ذاكرته. تشكّل ذاكرة الطفولة أساساً في مكونات الذاكرة، كما أن ذاكرة الأمكنة الأُولى لها حضورها العميق في التجربة، وخصوصاً إذا كان الحديث يتناول السينما بما هي فعل بصري. فهل يمكننا الشروع في الحديث ابتداء من المكان كذاكرة بصرية، وبالتحديد في ذاكرة المكان الأُولى؛ المكان الذي تحركت طفولة رشيد مشهراوي فيه؟
  • ولدت في مخيم الشاطئ للاجئين. عندما كنا صغاراً لم نكن نعرف أن العالم يختلف عن المخيم. كان لكل شعب في مخيلتي مخيمه، ولكل طفل أينما كان جنود إسرائيليون. فلو التقيتُ طفلاً من أي مكان لكان سؤالي الأول له: كيف الجنود الإسرائيليون عندكم؟ لم أكن أتصور أن هناك عوالم تختلف عن عالم المخيم الذي أعيش فيه. إن للسنة التي ولدت فيها دلالاتها؛ فأنا من مواليد سنة 1962، أي لم يكن يفصلني عن سنة الهزيمة 1967 سوى خمسة أعوام فقط، وهنا بدأت الذاكرة تتثبت في هذا التاريخ، في أحداثه، وكانت الأحداث قوية إلى درجة أنها محت كل ما قبلها. وهكذا، لا أستطيع الرجوع بذاكرتي إلى ما قبل سن الخامسة.
  • الأعوام الخمسة الأُولى هي ذاكرتك المفقودة، الغائبة، التي لا تستطيع لملمتها أو استحضار بعض ملامحها.
  • حاولت العودة إلى هذه الذاكرة، لكن لم أستطع؛ فالأحداث التي رافقت الهزيمة طغت على سواها. والمشهد الأول الذي تستطيع ذاكرتي التقاطه هو أننا كنا نحن الإخوة الخمسة نائمين متلاصقين في غرفة واحدة في المخيم. طُرق الباب، ضوء ساطع في وجوهنا حال دون أن نرى ما خلفه، لكن عينيَّ لمحتا فوهة بندقية، وبساطير سود على الأرض، وسمعت صوت أمي: لا تخافوا أنا هنا. وجاء صوت الجندي: من هذا ومن هذا... وكانت أمي تجيب: هذا ابني وهذا أيضاً... حتى أتى إلى ذكر الخمسة. هذا أول مشهد في ذاكرة الطفولة. أمّا ما قبل هذه الحادثة، فإن الذاكرة لم تستطع استرجاع أي شيء منه. وفيما يخص علاقتي بذاكرة المكان بعد ذلك، فقد كان هناك دفء المخيم، لاجئون فقراء يعيشون تحت الاحتلال، لهم مصير واحد. المخيم كله بيت واحد. كنا نعرف جميع تفصيلات الحارة التي نقيم فيها، وتفصيلات المخيم، والعلاقات الإنسانية مفتوحة حتى مستوى تغيب فيه الخصوصيات؛ فابن المخيم يعرف الأشياء كلها والناس كلهم، حركتهم وأفعالهم وألبستهم. وحينما عملت في السينما، سواء في التوليف (المونتاج) أو الإخراج أو اختيار القطع الموسيقية، كانت هذه التفصيلات تحضر دائماً وتلح في الحضور، كما لو أني أعمل من مخزون الذاكرة من دون تدخّل مباشر؛ فهذا الشيء مكانه هنا لأن أمي كانت تضعه هنا، وهذا هنا لأن جدتي ارتأت أن هذا هو مكانه.
  • حين تنظر من خلال آلة التصوير إلى المشهد الذي ترغب في أن يقوم المصوِّر بتصويره، هناك أشياء، ألوان، تفصيلات، حركات، ذاكرة البحر، حركة الموج، حركة الناس على الشاطئ، المخيم، تلك الألوان، اللباس، الصيادون، المراكب،... ما صلتها بذاكرة المكان لديك؟ ما الذي تستحضره من الذاكرة ليشكل تكويناً ما في المشهد السينمائي؟
  • العلاقة قوية جداً. فلو نظرتَ إلى أفلامي العشرة لوجدتَ أن معظمها يدور حول المخيم، نصفها في المخيم. فوجود المخيم في حد ذاته منشط للذاكرة، ولذلك فإن كثيراً من تفصيلات هذا المكان يحضر، ويعاد ترتيبه وصوغه في المشهد. فمن يشاهد "أيام طويلة في غزة"، و"دار دور"، و"حتى إشعار آخر"، يجد أن البحر وزرقته وموجه وتنويعات اللون فيه تمتلك المشهد بصرياً، ويجد أيضاً المخيم والحياة فيه، سواء خارجياً، كما في فيلم "حيفا"، أو داخلياً، كما في فيلم "حتى إشعار آخر"، أو كوضع اجتماعي/سياسي في فيلم "دار دور"، أو خيبة أمل في فيلم "انتظار"، أو الانتظار نفسه في فيلم "أيام طويلة في غزة". أستطيع الاعتراف بأنني مسكون بحضور المخيم في أفلامي كافة، ولذلك فإن سيرة ذاتية هي ما أحاول نسجه في الأفلام التي أقوم بإخراجها. إن الغنى الذي يحمله المخيم في ثناياه، سواء المخيم الذي عشت تفصيلاته وتمتلئ الذاكرة منه أو المخيم الآن، يمكّنني من إنتاج عشرات الأفلام.
  • إذاً، أنت تحاول أن تعكس ذاتك عبر المشاهد، فما الذي تقوله لمن يؤطرك في النكوص عما هو عام إلى ما هو ذاتي. وللمفارقة، ثمة من يرى أنك في أفلامك تصطنع صورة للفلسطيني ترغب في تسويقها عالمياً.
  • تكمن المعادلة الصعبة التي أحاول إيجادها في العلاقة بين ما هو خاص وما هو عام - كيف أحوّل الموضوع الذاتي إلى موضوع عالمي؟ فما هو إنساني هو العامل المشترك بين الناس في جميع أنحاء العالم، وأنا أحاول تجسيد مشاعر الحب والكره والتغيرات التي تصيب الشخصية في تفاعلاتها المتنوعة، سواء أكانت هذه الشخصية إيجابية أم سلبية في مرحلة ما وفي زمن ما وفي موقف ما. فلم يكن أمراً سيئاً أن أُظهر الشخصية الفلسطينية السلبية مثلاً، كما حدث في فيلم "الملجأ". لا أعتقد أن مشروعي السينمائي هو رسم صورة الفلسطيني وتضخيمها. مشروعي هو نقل الشعور الذاتي إلى مشهد بكل ما يحمله من مشاعر واصطراعات وتناقضات وأسئلة. مشروعي قائم لسبب أساسي هو أنني أحب السينما، وحبي للوطن قائم لسببين: حب السينما وحب أصدقاء يشاركونني همومي ورغباتي فأحدّثهم عن السينما، ويقرأون قصائدهم أو يعزفون قطعهم الموسيقية أو يرسمون لوحاتهم التشكيلية، ونتحاور في شؤونها جميعاً، وإذا ما غاب هذان الأمران أصبح بلا وطن.
  • كما قلت، أنت ابن المخيم الذي كان يظن أن العالم كله مخيمات ولا شيء آخر هناك، وهذا المخيم بالتأكيد لم يكن يعرف السينما وربما التلفاز أيضاً. إذاً، كيف اشتعلت شرارة السينما الأُولى في عين رشيد مشهراوي أو في إحساسه في الذاكرة الأُولى؟ هل كانت ملامح ما للسينما موجودة في الطفولة؟
  • كان الرسم ولم تكن السينما، الرسم والنحت. كنت أرسم الفنتازيا. ادّعي أنه كان لدي خيال جامح؛ رسمت لوحات لا تتصل بحياة المخيم إطلاقاً؛ رسومات تهرب كمحاولة للسيطرة على الوضع أو لإغناء العالم الشخصي أو لإيجاد أدوات أُخرى للتوازن مع حياة قاسية.
  • أريدك أن تحدثني عن أول علاقة بفيلم، أول ذاكرة في السينما.
  • كانت مع الفيلم الهندي "ولدي" في سينما الجلاء في مدينة غزة. كنت وقتها في الثانية عشرة. كنا ثلاثة أصدقاء، قررنا الذهاب إلى السينما، ثم حفظنا حوارات مشاهد الفيلم جميعها عن ظهر قلب، وكان من يتعثر في الاستظهار يشاهد الفيلم ثانية. وكنا ننظف السينما كي يتسنى لنا الدخول مجاناً. حينما دخلنا أول مرة، كان المكان كبيراً جداً، شاشة كبيرة، ضخمة، عتمة شديدة، يهبط البطل على حبل، يسيل الدم من يديه، يحاول إنقاذ طفل صغير. أجلس مبهوراً متعاطفاً تماماً مع الشخصيات. لم أكن وقتها أتخيل أو أحلم بأن أكون مشتغلاً في هذا العالم.
  • متى بدأت تفكر في السينما كحلم شخصي؟
  • بعدما أنجزت أكثر من فيلمين، بعد "الملجأ"، الفيلم الثاني، لم أكن أعتقد أنني مخرج سينمائي، ولم أقبل بهذه الصفة. ربما كنت أحب أن يُقال: الرسام.
  • حين أخرجت فيلمك الأول كنت عاملاً في تل أبيب؟
  • كنت عاملاً في مجالات مختلفة، بما فيها جلي الصحون في المطاعم، وكنت عاملاً في الديكور أيضاً.
  • كيف ذهبت إلى منطقة السينما؟
  • من خلال الرسم.
  • الحادثة؟
  • لم يكن ممكناً للرسام أن يعتاش من الرسم، لذلك توجهت إلى أعمال أُخرى، بينها العمل في المطاعم. وانفتح المجال للعمل أيضاً في مجال السينما كتصميم الديكورات وتلوينها. وتطور الأمر إلى العمل في إنتاج الخِدع السينمائية ومساعدة المصورين. وحدث ذلك في أفلام كثيرة: إيطالية وفرنسية وإسبانية وأميركية... وبذلك، حافظت على علاقة بالسينما إلى أن أصبحت مصمماً فنياً للأفلام.
  • كيف بدأ الاعتراف بك سينمائياً قادراً على العمل في هذا المجال؟
  • حدث أن تم إنتاج الفيلم الأميركي "سهارى"، من بطولة الممثلة العالمية بروك شيلدز، في البحر الميت سنة 1993، وكانت شركة إسرائيلية مشاركة في التنفيذ. وكان لدى مصمم الفيلم توصية من مخرجين سبق أن عملت معهم توصي بالاستعانة بي، وقد قوّى هذا الأمر موقفي، ولا سيما أمام السينمائيين الإسرائيليين، لأننا، كفلسطينيين، يجب أن نكون خارقين في عملنا كي ننافس الإسرائيليين. وقد عزز حضوري أنني كنت على استعداد للعمل في أي مجال من مجالات الإنتاج السينمائي، وبذلك وجدنا أنفسنا نشارك في العمل في عشرات الأفلام. كي تجد لك مكاناً عليك أن تبذل عشرة أضعاف جهد الإسرائيلي.
  • في هذا الجو، كيف كنت تفكر؟ وكيف كنت تنظر إلى الأشياء، إلى الحياة، إلى كونك فلسطينياً؟

ÿ كنا نعمل على تأكيد أننا بشر ولسنا إرهابيين، وبدأ عملنا كله منصبّاً على ضرورة تأكيد ذلك، ثم اكتشفت لاحقاً الخطأ الكبير الذي كنت واقعاً فيه. فمن لديه الحق في أن يضعني في هذا الموقف؟ واقتنعت أخيراً بأن عليّ أن أبدأ من نقطة النهاية التي كنت أظنها هدفاً، ولذلك أخذت أعمل استناداً إلى أن الفلسطيني إنسان لا يحتاج إلى شهادة من أحد، ويمكنني التعامل معه بخيره وشره، بطولته وضعفه... وأعتقد أنني نجحت في الوصول إلى الفلسطيني والعربي، كما وصلت إلى العالم عبر المشاركة في المهرجانات العالمية، بما فيها مهرجان كان.

  • من منطقة الرسم إلى منطقة السينما تحرك رشيد مشهراوي، وعبر مكانين (المخيم وتل أبيب) تنقل، عبر ذاكرتين، وربما عبر إنسانين. كيف رأيت، وكيف ترى، المسافة الفاصلة والنقطة الرابطة ما بين هاتين المنطقتين؟ ما هي العلاقة التي تراها بينهما؟
  • لم تظلم إنسانيتنا كشعب عبر أن نكره الآخر من دون تمييز، في حين وقع الآخر في هذا المأزق بأن كره من دون تمييز؟!
  • تقصد بالآخر الإسرائيليين؟
  • نعم، أقصد الإسرائيليين. إن الحواجز التي وضعناها بيننا وبين الآخر أقل إذا ما قوبلت بما فعل هذا الآخر. نحن نستطيع أن نعمل معه، أمّا هو فلا. وهو يدرك أن هذا الاتجاه يشكل خطراً عليه، وربما يؤدي إلى ذوبانه. ومن تجربتي الشخصية، وفي سياق الأحلام التي كانت تحركني في اتجاه سينما فلسطينية حقيقية لا شعارية أو صاخبة، التقطت ذلك مبكراً، ولذلك كنت أبحث عن سينما الـ "نحن" عبر الـ "أنا"، ومن هنا لم أكن أرى ما في المخيم أنه منا أو من ثقافتنا، ولست مستعداً لقبول الصورة التي رسمتها لنا وكالات الإغاثة الدولية. وأنا أحاول كسر هذه الصورة التي رسمها الإعلام لنا وروّجها فباتت كأنها صورتنا. إنها الخديعة التي أحاول كشفها والتخلص منها.
  • لكن صورة المخيم بمختلف تجلياته أكثر الصور حضوراً في أفلامك!
  • نعم لأن المخيم مرحلة مهمة في حياتي، لكنني أنظر إليه على نحو مختلف عن الصورة التي رسمت له. فكوني من يافا أساساً منحني شرعية الافتخار ببيتي في المخيم، أو عدم الشعور بعار الفقر، بأمية والدتي مثلاً، أو بالوقوف في طابور التموين. ولم أشعر بالخجل من هذه الحال مع أنني كنت أرفضها ولا أتقبل استمرارها. أمّا في تل أبيب، فقد حدثت الصدمة الأُولى بعد التعرف إلى أول عالم آخر غير المخيم، وهو عالم العدو من داخله. فقد بدأت العمل في تل أبيب طفلاً في الثالثة عشرة، لا يتجاوز مستوى الإدراك لديه أن تل أبيب كلها ليست سوى معسكر يفرخ الجنود، ببزاتهم العسكرية، ويتجهون إلى المخيمات التي نسكنها. كانت هذه الصورة التي تكونت لدي، ولم أكن أعرف صورة أُخرى غيرها. لكنني وجدت عالماً آخر فيه جميع الأشياء المتوقعة وغير المتوقعة التي أقبلها والتي أرفضها، وتستطيع أن تتخيل ما يمكن أن يواجهه فتى فلسطيني مثلي. وتستطيع أن تتخيل كيف كان الإسرائيليون يتعاملون مع مجموعة من العمال، يرونهم كعمال فقط، ولا يرون فيهم شؤونهم الإنسانية، ولم يستطيعوا أن يتصوروا أن لنا آباء، أو أن لأحدنا أختاً مريضة، أو أُماً مطلَّقة، أو أختاً ستتزوج... هناك، بدا لي التمييز بمفاهيمه كلها، بما في ذلك العنصرية كفلسفة تدور في إطارها جميع ممارساتهم، وظهر لي التمييز ملفاً يحملونه دائماً. ولم يستطيعوا تحميلي ملف التمييز الذي يحملونه على الرغم من محاولاتهم الدائمة. لقد كانت حياتي هناك غير منتظمة، ولا يمكن سردها كمتوالية قصصية. كانت المشاهد متداخلة، تتقدم وتتأخر.
  • أنت بدأت بالرسم والنحت ثم امتد الأمر بك إلى السينما، فلك تجارب في فنون متنوعة. ما الذي يعنيه لك الفن بتجلياته المختلفة سينمائياً، سواء أكان فناً تشكيلياً، أم نحتاً وشعراً، أم غناء وموسيقى..، هل هي عناصر مكملة للسينما تتكئ عليها كمخرج، أم أن لها حضوراً آخر؟
  • أؤمن كثيراً بالحس، ويمكن للحس أن يتأقلم مع كثير من الأشياء، وتستطيع بواسطته أن تجد مكاناً ما للتشكيل أو الغناء أو الموسيقى... في المشهد السينمائي، وقد لا تجد. ليس لدي قرار مسبق. أستطيع أن أدرك مدى تلاؤم العناصر المطروحة لمشهدي السينمائي، ولا أستطيع تفسير ذلك، ولذا ألجأ إلى الحس في التقرير. الحس يتطور بالممارسة. أنا لم أتعلم في المدرسة، وكلمة مثقف لا تعني عندي شيئاً كبيراً، مع أنني لا أقلل من أهميتها. لا أستطيع أن أضع لك شهادات على الطاولة، لكنني أستطيع أن أضع أفلاماً ومغامرات.

ما أعرفه هو أنني أريد أن أنجز عملاً مختلفاً كنوع من التجريب، والتجريب في السينما مخاطرة. فإذا نجح الفيلم أقطف النجاح. أعرف ما الذي لا أريد عمله أكثر مما أعرف ما الذي أريد القيام به.

وهنا يجب على المخرج أن يُظهر، أو يدعي، أنه المسيطر على العمل. فهو يتعامل مع بشر؛ المادة الأكثر تعقيداً في الدنيا. إنهم فنانون، حساسون، غيورون، حاسدون، وعليه ألاّ يبحث عما يريد في أثناء العمل، بل أن يكون عارفاً ما يريد، وفي الوقت نفسه يبحث في دخيلته عن الصيغ التي تكوّن العمل من خلال العمل، ويتحاور ويناقش ويتشارك مع الآخرين في الصيغ.

  • لكنك أنت الذي تقرر في النهاية.
  • طبعاً، أنا الذي أقرر، لكن مخاوفي كانت في اتجاه آخر. كنت أخشى أن أنجز فيلماً تم إنجازه في الثلاثينات مثلاً، أو في الأربعينات، في مصر، في أميركا، في الهند، في تشيلي. ولذلك، فأنا أهتم بالبحث مع الآخرين، وعملية البحث هذه يجب أن تقود إلى عمل مختلف، إلى مبادرة. كنت أحاول استغلال الواقع المختلف تماماً عن أي مكان آخر في العالم للوصول إلى نتيجة مفادها أن عملي لا شبيه له في العالم. ولذلك أخذت في البحث عن الطريقة التي يمكن من خلالها أن أقول ما أريد. ففي فيلم "حيفا" مثلاً، كنت أريد أن أقول إنني لا أفهم ما يجري في بلدي وأريدك أن تفهم ذلك، فأخذت أبحث عن توجهات سينمائية تخدم القصة غير الموجودة (اللاقصة)، وبدأت أعالج ذلك في المونتاج، في التصوير، في حركة الممثلين.
  • إن من يشاهد أفلامك يجد أنها تجنح إلى تداخل الزمن، تداخل الأمكنة، تكسير الحبكة، الكولاج السينمائي، لماذا تقرر الآن الاتجاه إلى التسلسل في الزمن وتعاقب الأمكنة في إطار الأحداث، وتنسج حبكة درامية كلاسية من خلال فيلم "المعصرة"، الذي تعمل عليه الآن، وتتخلى عما تعتقد أنه سبب تميزك. كثيرون من الروائيين اليوم يتجهون إلى تكسير الزمن، والخروج على التتالي المنطقي، والسرد المتصاعد، كما فعلتَ في "حيفا" بصورة واضحة جداً. لماذا هذا التخلي عن اتجاه يبدو عالمياً اليوم، لا في الرواية أو في السينما فحسب بل أيضاً في الفنون جميعها؟ لماذا لا ترغب في الاستمرار في التجريب؟
  • مع كل مشروع جديد تدب المخاوف في داخلي. وأريد أن أنوه أن "حيفا" لم يكن آخر الأعمال التجريبية، بل هناك "رباب" كآخر فيلم تجريبي قصير قمت بإخراجه، وفيه تجد أول الفيلم في آخره، وآخره في بدايته، والإشارة بدلاً من الكلام، والمشهد الملون في ذاكرة الناس يصير أبيض وأسود على الشاشة، والملون يتحول إلى أبيض وأسود. لدي خوف شديد من هذه التجربة. لقد كنت أضغط من أجل الحصول على ميزانية ضخمة لتصوير فيلم "المعصرة"، وسترى أن كل ما يحدث في الفيلم يحدث زمنياً سنة 1997، ونحن نصور الآن، نصور في زمن سابق، ونفترض مستقبلاً كلعبة، يشدك ويغريك، ولأجله أتت الحبكة في "المعصرة". أدخل إلى قصة متسلسلة ومتوالية لدوافع كثيرة، بعضها يتعلق بي كشخص وبعضها يتعلق بما يجري لنا الآن كشعب، وهي حكاية منفي فلسطيني يعود مثلاً بالحنين إلى قريته، باحثاً عن حبيبته، وفي النهاية لا يجد حبه ولا قريته. لقد كان يبحث في القرية عن القرية ولم يجدها. لأجل هذا أغرتني هذه الفكرة التي تجري أحداثها في هذا الإطار، وبطلها من بداية الفيلم إلى آخره شاهد على حضارة تتبلور وتتكسر، وتراث يحيا ويموت، شاهد على غني وفقير، حاكم ومحكوم، ظالم ومظلوم، وليس مصادفة أنه لم يجد قريته ولا حبه. أنا لم أتحول، أغرتني الفكرة، ورأيت تنفيذها على نحو متسلسل.
  • ستنفذ الفيلم بممثلين محترفين؟
  • هذه المرة فقط مع محترفين، فكل أفلامي مزيج من محترفين و"عاديين".
  • كما تقول، فإنك أشركت في أفلامك كلها ممثلين محترفين وأناساً لا صلة لهم بالتمثيل كحرفة أو هواية؛ زججت بهم في المشهد السينمائي، كيف تنظر إلى هذه التجربة، كم هي قادرة على خلق تناغم وانسجام بين هذين النوعين أمام آلة التصوير، بما يحمله ذلك من قلق وتوتر في صوغ صورة غير مشروحة؟ كيف استطعت تنحية الفارق بين "العادي" و"المحترف"؟
  • لا يوجد في بلدنا ممثلو سينما. بعضهم يعتبر نفسه كذلك وله تجاربه، أمّا أنا فلا أعتقد ذلك. والفارق بين المحترفين وغيرهم هو أن المحترفين لهم تجربة في التمثيل على خشبة المسرح، ولديهم تجربة ما في الوقوف أمام آلة التصوير. وفي اعتقادي أن جميع الناس يستطيعون الوقوف أمام آلة التصوير والتمثيل، وربما نبذل مجهوداً أكبر لكن النتيجة دائماً ممتازة. إضافة إلى ذلك، فإن غير المحترفين يمنحون المشهد صدقاً وتلقائية، وفي كثير من الأحيان أمنحهم الدور الأساسي.
  • في الأفلام التي أنتجتها نفَس وثائقي؛ فيها تدوين لتجربة الشعب بالصورة، وفيها في المقابل خيط رفيع من حياتك الشخصية، هل تحاول من خلال أفلامك تمرير ملامح من سيرتك الذاتية؟
  • لو نظرت إلى زمن إنتاج الأفلام التي أخرجتُها سترى تلك الصلة بين الفيلم وسنة إنتاجه، والمكان الذي كنت أعيش فيه في ذلك الزمن، والأوضاع التي كانت تمر بي. ستجد ذلك كله مجسَّداً في الأفلام. في "الملجأ" كنت عاملاً، وفي "حتى إشعار آخر" كتبت السيناريو تحت وطأة منع التجول لمدة أربعين يوماً، وفي "المعصرة" هناك العودة والبحث عما لا يعثر عليه، وفي "جواز سفر" لم تكن في حيازتي وثيقة شخصية. لقد كانت ضائعة.

*  *  *

صحافة

"دفاتر ثقافية"
جريدة في منطقة وسطى

منذ أن أُعلن قبل عامين إقامة وزارة للثقافة في إطار السلطة الفلسطينية، تتكاثر الأسئلة التي يجري طرحها، ولا سيما بشأن دور الوزارة وإمكاناتها وقدرتها على المساهمة في خلق حالة ثقافية متكاملة ومتميزة، وبشأن القوانين التي ستحكم عملها، وما هي سمات العلاقة التي ستربطها بالمراكز الثقافية المجتمعية واتحادات الفنانين والمسرحيين.. إلخ. وتبقى الأسئلة مطروحة وتتعدد الإجابات، وتتعدد التخريجات، ويستقيم الحوار حيناً ويلتوي أحياناً.

في السياق وزارة عمرها عامان، بَنَتْ علاقات ورسمت خطوطاً وخططت لمشاريع وأعدت تشريعات؛ صمتت عن أمور وجهرت بأُخرى؛ خططت لأنشطة ثقافية: معارض ومهرجانات، وتابعت تنفيذها، وعقدت اتفاقات؛ أنشأت مراكز ثقافية تابعة لها. عمل كثير ومتنوع يفتح باب أسئلة الحوار على مصراعيه، وخصوصاً في غياب استراتيجيا ثقافية معلنة للوزارة.

وسط هذه التساؤلات والإشكاليات أصدرت الوزارة جريدة "دفاتر ثقافية" الشهرية، التي صدر منها حتى نهاية تشين الأول/أكتوبر من هذا العام ستة أعداد؛ وهي تطمح إلى أن تصير أسبوعية. يشرف على تحريرها وإدارتها محمود شقير وزكريا محمد وليانة بدر ومنذر عامر وحسني رضوان. ولها أُسرة تحرير تتألف من: حسن خضر وأحمد رفيق عوض وخضر محجز وفايز السرساوي.

يثير إصدار الجريدة سؤالاً أساسياً: هل من مهمات وزارة الثقافة إصدار جريدة ثقافية؟ وتتنوع الإجابات وتتعدد وجهات النظر، ويتسع الحوار ويتسع معه السؤال ويجرّ أسئلة أُخرى: أية وزارة ثقافة نريد؟ وأية وزارة ثقافة في العالم نتمثل؟ هل تقتضي خصوصية تجربتنا وزارة من طراز خاص؟ هل نحن بحاجة حقاً إلى وزارة ثقافة؟ وترتبط الأسئلة بأسئلة الفلسفة والمنطلقات الفكرية والمعرفية لأصحابها. أي مستوى من الحرية ممكن ومتاح لجريدة ثقافية في إطار مؤسسة دولة؟ أي نوع من الحرية قد يتخلق لجريدة ترى دورها في: "تفعيل حركتنا الثقافية في الداخل، وتصعيد حالة الحوار في داخلها بدلاً من حالة الركود الراهنة، وتشجيع المبادرات الإبداعية الجديدة بدلاً من الاستمرار في اجترار ما هو مألوف والتعيش عليه، واقتحام المجهول عبر الجرأة في طرح الأسئلة وإثارة القضايا وصولاً إلى أداء ثقافي أكثر تعبيراً عن هموم المرحلة... والاستمرار في تطوير الجوانب التنويرية في ثقافتنا، واحترام التعددية وحرية الرأي."

وفي المقابل، ملأت الجريدة فراغاً ظاهراً، وتحركت بأفق ثقافي إنساني تقدمي، ولها رغبة الاندفاع إلى تجربة متصلة ومتواصلة بما يجري في الساحة الثقافية، وتفرد صفحاتها لفنون وثقافات متنوعة.

إن عرض أعدادها الستة الأُولى يؤشر إلى ذلك كله في التوجه والتنوع، آخذين في الاعتبار ضعف بعض اختياراتها. فلو نظرنا إلى الحوارات الحية والدافئة والعميقة، في معظمها، التي أُجريت مع كل من وزير الثقافة السيد ياسر عبد ربه وإميل حبيبي ويحيى يخلف ومحمود درويش وزهير النوباني وسعدي يوسف وحنان الشيخ وحاتم الصكر وعبد الحليم كركلا وإسماعيل شمّوط وإبراهيم أبو لُغد ولطيفة الزيات وبشار زرفان، لبدت لنا المساهمة الرائعة التي حققتها الجريدة على مستوى الرؤيا والتنوع.

وقد اشتملت الأعداد، إلى جانب الحوارات، على محاور عديدة، من أخبار ثقافية، ومعالجات نقدية في الرواية والشعر والقصة القصيرة والسينما، والفن التشكيلي الذي شكّل محوراً مهماً من محاورها، إضافة إلى التراث المعماري والصناعات التقليدية والعادات.

ومن ميزات الجريدة أنها تراسلت مع كتّاب العالم العربي، ومنهم: سعدي يوسف وأحمد ضيف الله العواضي وفخري صالح ومحمد بنيس وعبد العزيز بومسهولي وعدلي رزق الله وفاروق وادي وحنان الشيخ وعبد الحليم كركلا وإسماعيل شمّوط ولطيفة الزيات وحاتم الصكر، ومع كتّاب فلسطينيين يعيشون في الجليل والمثلث وحيفا.

ومن ميزاتها أيضاً أنها اهتمت كثيراً بالتصوير وبوجود اللوحات الملونة المبثوثة في ثناياها. وقد حاولتْ أن تعتمد تقليداً في صفحتها الأخيرة يتميز بالتركيز على التصوير واللوحات التشكيلية، غير أنها لم تستطع التزام ذلك في جميع أعدادها.

إن "دفاتر ثقافية" تعمل في هذا السياق الذي حاولتُ إيجازه، وأعتقد أنها لا تزعم لنفسها أنها مجلة أدبية فكرية متخصصة نخبوية، ومع ذلك فإنها تحاول أن تجمع بين ميزات توجهات الجريدة اليومية وميزات توجهات المجلة المتخصصة، وتقع في منطقة وسطى، ضرورية، بينهما. وهي تحاول أن تبني جسراً بين أجيال، وبين أدوات، وبين رؤى، وبين جغرافيات، وتحتاج إلى الكثير. وربما أهم ما تحتاج إليه بطاقمها نفسه هو أن تكون مستقلة تماماً، وربما مدعومة من وزارة الثقافة، على ألاّ تتكئ على هذا الدعم، بل تسعى لتنويع الدعم على نحو يكفل لها الاستمرار من دون أن تكون رهينة في لحظة ما لسياسات المال أو الفكر أو السياسة.

*  *  *

التربية والتعليم

خطة شاملة لإنتاج
المنهاج الفلسطيني الأول للتعليم العام

إنها المرة الأُولى التي يتسنى للشعب الفلسطيني فيها أن يعمل على إنتاج مناهج فلسطينية مستندة إلى رؤية ثقافية وفكرية ومعرفية وتاريخية مستمدة من توجهات الشعب الفلسطيني وتطلعاته الوطنية والقومية والإنسانية. وقد انتهى مركز تطوير المناهج الفلسطينية، الذي يديره البروفسور إبراهيم أبو لُغد، من وضع خطة شاملة لذلك، شارك فيها الكثير من الخبراء التربويين الفلسطينيين. ومن المفترض أن تُعلَن الخطة وتُنشَر بهدف إقامة حوار مجتمعي بشأنها خلال فترة قصيرة.

وكان مركز تطوير المناهج الفلسطينية استُحدث بناء على توصية من ندوة التعليم الأساسي الفلسطيني، التي عقدت في منظمة اليونسكو سنة 1990. وتتعاون اليونسكو حالياً مع السلطة الوطنية الفلسطينية في توجيه المركز. وقد قامت وزارة التعاون الدولي الإيطالية بتقديم منحة مالية تغطي نفقات المركز في سنته الأُولى. وبدأ المركز أعماله في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1995.

واشتمل تقرير الخطة الشاملة على جزأين:

الجزء الأول: التقرير العام، وقد تضمن نظرة شاملة إلى الخلفيات والمبررات التي أفضت إلى وضع خطة لإنتاج منهاج فلسطيني، كما أنه اشتمل على تلخيص نقدي للدراسات والأبحاث التقويمية للمنهاجين المتبعين في فلسطين الآن، وهما المنهاج الأردني في الضفة الغربية والمنهاج المصري في قطاع غزة، وكلاهما يطبَّق منذ الخمسينات. كما اشتمل التقرير العام على هيكلية المنهاج الجديد المقترح، وخطة زمنية لإنتاجه مدتها خمسة أعوام، وتصور مالي لتكلفة الإنتاج. ومن المتوقع الشروع في التطبيق مع بداية العام الدراسي 1999/2000 للصفوف الأربعة الأُولى، وفي العام الدراسي 2001/2002 لسائر صفوف التعليم العام الثمانية.

الجزء الثاني: تقويم المناهج الحالية - الدراسات الفنية، وقد اشتمل على نتائج تقويم المناهج المطبّقة حالياً، إضافة إلى تصور تفصيلي زمني للمناهج وإنتاجها.

وتقوم الخطة على تصورات فكرية وفلسفية وتربوية تسترشد بفلسفة فلسطينية، وتسعى لتمكين الذات الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني من تطوير مداركهما وإمكاناتهما الذهنية والعملية. ويعتبر الفريق الذي أعد الخطة أن المنهاج يشكل وسيلة وآلية لتغطية حاجات المجتمع الفلسطيني علمياً واقتصادياً واجتماعياً، ولتهيئة من ينهي اثني عشر عاماً دراسياً بنجاح لمتابعة دراساته الجامعية والتكنولوجية.

وقد أكدت الخطة ملامح كثيرة، أبرزها ما يلي:

أولاً: يقوم المنهاج الجديد على إدراك الشعب الفلسطيني هويته وتاريخه وتراثه وانتماءه الوطني والقومي، وعلى طموحه إلى دخول القرن الحادي والعشرين كشعب منتج في مختلف المجالات، وعلى وعيه أن هذا الإدراك هو ما سيمكّنه من الإفادة من التجارب العالمية المتقدمة في سياق متكافئ. ويمكن للمنهاج الجديد الإفادة من مناهج "الانتداب" السابقة والمنهاجين الأردني والمصري، لكنه سيختلف عنها في الفلسفة والأسس والأهداف، وما ينجم عن ذلك من اختلاف في الهيكلية والتصميم.

ثانياً: تقوم الرؤية الجديدة على تقسيم التعليم المدرسي العام إلى ثلاث مراحل تعليمية:

1) مرحلة التهيئة (من سن الخامسة إلى سن التاسعة)؛

2) مرحلة التمكين (من سن العاشرة إلى سن الرابعة عشرة)؛

3) مرحلة الانطلاق (من سن الخامسة عشرة إلى سن السابعة عشرة).

ثالثاً: ارتأت الخطة أن تكون مدة التعليم الإلزامي عشر سنوات، أي أنها أبقت الوضع السابق على حاله.

رابعاً: تفترض الخطة تركيزاً خاصاً على التمكن اللغوي، بحيث يُبدأ بتدريس لغتين منذ السنة الدراسية الأُولى. ويُلزِم التصور الجديد للمنهاج المدارس بتدريس لغة ثالثة بدءاً من السنة الدراسية الخامسة، ويمكن للطالب اختيارها. وتطرح الخطة في هذا المجال خيارين: اللغة الفرنسية أو اللغة العبرية، أو أية لغة حية أُخرى، إذا توفر معلموها.

خامساً: ينقسم التعليم الرسمي إلى اتجاهين: الأول أكاديمي/نظري، والآخر تكنولوجي/تطبيقي. ويقترح المنهاج تداخلهما في المرحلة الأُولى وانفصالهما في المرحلة الثانية، مع إمكان توفر الحق للطالب في متابعة تحصيله في الاتجاهين معاً.

سادساً: لا يفترض المنهاج الجديد تقدُّم الطالب بعد استكماله المراحل الثلاث إلى امتحان شهادة التوجيهية، ويستعاض عن التوجيهية بشهادة مدرسية موقعة من وزارة التربية والتعليم، ويترك لهذه الجهات الحق في تحديد الدخول إلى الجامعات أو سوق العمل.

سابعاً: يطرح المنهاج التداخل بين الموضوعات اعتماداً على شمولية المنهاج وتداخل فروع المعرفة وترابطها.

ومن المفيد الإشارة إلى أن قطاعات كثيرة رسمية وأهلية تولي موضوع المناهج الجديدة اهتماماً خاصاً، ومن المتوقع أن يشهد المجتمع حواراً شاملاً، ولا سيما بعد نشر التقرير، الذي يزيد على ألف صفحة، وتعميمه.