تغطي الدراسة أبرز تطورات الاقتصاد الإسرائيلي خلال العقد المذكور في ضوء بيانات رسمية متوفرة. وتتناول: الموارد البشرية والعلمية؛ تطور الناتج المحلي؛ مستوى الاستثمار؛ درجة التشغيل؛ معدل الإنتاجية؛ وأثر ما تقدم في أهم القطاعات، أي الصناعة. والفرضية الأساسية التي تقوم هذه الدراسة عليها هي حدوث تحولات كمية ونوعية إجمالية، كانت حصيلة تضافر تحولات شهدتها مختلف عناصر الإنتاج. وتخلص الدراسة إلى أن إسرائيل هي الآن أمام دورة إنتاجية محكومة بشروط موضوعية أصبحت أقل قابلية من أن تتكيف بسهولة إزاء ما يعاكس النسق العام.
مدخل
يغطي هذا النص، ضمن المساحة المتاحة، أبرز تطورات الاقتصاد الإسرائيلي خلال عقد 1985 - 1994 في ضوء بيانات رسمية متوفرة. ولضرورات أن يكون النص موجزاً ووافياً وتقريرياً، لا بد من التعرض للمفاصل الرئيسية ذات الدلالة والتي يمكن القياس بناء عليها فقط. وإذ نشير إلى الطابع التقريري للنص فإنما ذلك بمعنى أن تُعطى أكبر مساحة منه للوقائع التي تعفينا، بدرجة كبيرة، من كلام كثير لأنها تتحدث عن نفسها بنفسها.
يفترض أن يكون هذا العنوان المهم، بعد هذا الزمن الذي مضى على إنشاء دولة إسرائيل، من الوضوح بحيث لا يترك مجالاً لتباين كبير في الآراء بشأنه، ولا سيما أنه من طبيعة قابلة للقياس، وبالتالي أقل إثارة للاختلاف. ولعل الجانب التقريري في هذا النص يساهم لاحقاً في توفير العناصر الضرورية للتقويم والتفسير والتوقع، وبحيث يبنى على الشيء مقتضاه.
في مطلق الأحوال، وأياً يكن منحى البحث. فإن نقطة البدء، إنْ في قراءة ما حدث أو في استشراف المستقبل، هي في التعرف بدقة إلى الحصيلة الإجمالية التي انتهى الاقتصاد الإسرائيلي إليها راهناً، ونجد فيها أثر كل شيء، من سياسة اقتصادية وموارد ومستوى أداء... إلخ.، من ناحية، ونجد فيها من ناحية أُخرى احتمالات المستقبل المنظور التي نقع على ملامحها الأساسية في الحصيلة الإجمالية/الواقع القائم راهناً.
تنبع أهمية البُعد التقريري في النص، وتتحدد مكانة هذا البُعد، من بُعد آخر هو وظيفته في التأسيس لمناقشة عنوان أكثر اتساعاً وأهمية: اقتصاد إسرائيل السياسي في هذه المرحلة السياسية الدقيقة جداً. وبهذا المعنى، فإن هذا النص، بمقدار ما هو وحدة قائمة بذاتها مهمتها قول الفكرة المطلوبة منها بالكامل، فإنه تأسيس لبحث في موضوع آخر، ربما أكثر أهمية، هو اقتصاد إسرائيل السياسي.
من نافل القول أن الإمكان الوحيد لتغطية الموضوع هو في تناول مفاصله الرئيسية، أي العناصر التي تقوم البنية عليها وتعبر عنها. وفي هذا السياق، لا بد من إيلاء أهمية للموارد البشرية والعلمية، ولتطور الناتج المحلي ومستوى الاستثمار ودرجة التشغيل ومعدل الإنتاجية... إلخ. هذا فضلاً عن أثر ما تقدم في أهم القطاعات، أي الصناعة، العمود الفقري للاقتصاد الإسرائيلي.
أمّا حدود تناول هذه العناوين، فلا بد من أن تبقى في نطاق المظهر الرئيسي والمعبّر، أو ما أطلقنا عليه الحصيلة الإجمالية، إنْ على المستوى الكلي أو على المستوى الجزئي، وبما تعنيه من تضافر نتائج فرعية متكاملة أحياناً ومتناقضة أحياناً أُخرى، بالسلب أو بالإيجاب، بحيث كانت حصيلتها على هذا الشكل أو ذاك. وننطلق فيما تقدم من المنهج الصحيح في البحث ومقتضياته، وتحديداً لناحية وحدة المنطق الداخلي لأية بنية اجتماعية، صغرت أم كبرت، إنْ في علاقتها بذاتها أو في صلتها بما عداها.
إن الفرضية الأساسية التي يقوم هذا النص عليها هي حدوث تحولات كمية ونوعية إجمالية، كانت حصيلة تضافر تحولات شهدتها مختلف عناصر الإنتاج في إسرائيل، من عمل وعلم ورؤوس أموال، وأصابت على نحو إيجابي مختلف قطاعات الإنتاج التي نمت من ضمن نسق واحد ومتسارع تبعاً لتقدم الفترات، ويمكن اعتبار هذا النسق استكمالاً للمسار الذي عرفه الاقتصاد الإسرائيلي في كامل حقبة ما قبل سنة 1985.
الموارد البشرية
في سنة 1994 بلغ عدد سكان إسرائيل 5.471.500 نسمة، أي 128.2٪ من العدد الذي كان عليه سنة 1985 (4.266.200 نسمة). أمّا عدد اليهود، فقد ارتفع من 3.517.200 نسمة سنة 1985 إلى 4.441.100 نسمة سنة 1994، أي بزيادة تبلغ 26.2٪. وحقق العرب زيادة تبلغ 37.5٪؛ إذ ارتفع عددهم من 749.000 نسمة سنة 1985 إلى 1.030.400 نسمة سنة 1994.[1] وبلغت نسبة اليهود في إسرائيل 34٪ من يهود العالم سنة 1994،[2] في مقابل 27٪ سنة 1985،[3] أي بزيادة تبلغ 25.9٪.
أ) قوة العمل: رفع نسبة التشغيل
في سنة 1994 بلغت قوة العمل 140.3٪ مما كانت عليه سنة 1985، إذ ارتفعت من 1.446.000 عامل سنة 1985 إلى 2.029.600 عامل سنة 1994.[4] على ذلك، أصبح هناك 37 معيلاً لكل مئة فرد سنة 1994 في مقابل 33.8 معيلاً لكل مئة فرد سنة 1985.[5] ويعود ذلك إلى عدة أسباب، نجد تلخيصاً لها في نمو قوة العمل بنسبة أعلى من نسبة نمو السكان خلال فترة البحث، والتي كانت 40.3٪ لقوة العمل في مقابل 28.2٪ بالنسبة إلى إجمالي السكان.
يدل توزيع قوة العمل على أن عدد الذكور فيها بلغ 1.162.000 ذكر سنة 1994، أي بزيادة 130.1٪ عما كان عددهم عليه سنة 1985 (892.500). أمّا الإناث، فارتفع عددهن من 553.500 (سنة 1985) إلى 867.700 (سنة 1994)، أي بزيادة 56.7٪.[6] ونجم عما تقدم إعادة توزيع حصص كل من الذكور والإناث في قوة العمل الإسرائيلية خلال عقد 1985 - 1994.
كان توزيع قوة العمل على أساس ذكور وإناث سنة 1985 بواقع 38.27٪ إناثاً و61.72٪ ذكوراً، وصار سنة 1994 على الشكل التالي: 42.75٪ إناثاً و57.25٪ ذكوراً. وبكلمة محددة، كان هنالك، في سنة 1985، 62 أنثى في مقابل كل 100 ذكر، وارتفع العدد سنة 1994 إلى نحو 75 أنثى، أي بزيادة 20٪.[7] وفيما يلي إيجاز لما تقدم:
(أ) نمو السكان (إجمالي): 28.2٪
(ب) نمو السكان (يهود): 26.2٪
(ج) نمو السكان (عرب): 37.5٪
(د) نمو قوة العمل (إجمالي): 40.3٪
(هـ) نمو قوة العمل (ذكور): 30.1٪
(و) نمو قوة العمل (إناث): 56.7٪
يتفرع من المعطيات المذكورة أعلاه أكثر من مجال للبحث. كما أن مساحة الدلالات واسعة ومتعددة على غير مستوى سياسي واجتماعي وسكاني وحضاري واقتصادي، نتابع من بينها، وبصورة حصرية، البُعد الاقتصادي.
يمكن القول في نهاية هذه النقطة إن النمو في قوة العمل يعود أساساً إلى عاملين: الأول هو ما يمكن تسميته العامل الطبيعي، أي النمو في عدد السكان (صافي النمو الطبيعي + صافي الهجرة). أمّا العامل الآخر فهو اجتماعي، ويرجع إلى تطور نسبة التشغيل، وتحديداً رفع نسبة مساهمة المرأة في قوة العمل، والتي تتسارع حركتها لتقترب من نسبة مساهمة الذكور الذين ارتفعت نسبة التشغيل بين صفوفهم أيضاً.
نظراً إلى الاختلاف النوعي في دلالات كل من العاملين في رفع نسبة التشغيل، نشير إلى أن مسؤولية الزيادة المحققة في قوة العمل الإسرائيلية في فترة 1985 - 1994 تتوزع كالتالي: 70% ساهمت بها الزيادة الطبيعية في عدد السكان، وتعود النسبة الباقية، أي 30%، إلى التطور الاجتماعي وما أفضى إليه من رفع نسبة التشغيل سنة 1994، قياساً بما كانت عليه سنة 1985.
لعل ترجمة النسب هذه إلى أرقام تعطي فكرة أدق؛ وهنا نشير إلى أن الزيادة في قوة العمل خلال فترة 1985 - 1994 بلغت 583.600 شخص جديد. ولو كان مستوى التشغيل في نهاية الفترة على ما كان عليه في بدايتها، لكانت قوة العمل سنة 1994 قد بلغت 408.000 شخص فقط، أي بنقصان يبلغ 175.600 شخص، زادت بهم قوة العمل بفعل العوامل الاجتماعية. وتبلغ هذه الزيادة الناتجة من تفعيل الطاقات الكامنة 8.6٪ من إجمالي قوة العمل سنة 1994.[8]
ب) التأهيل العلمي
خلال فترة 1985 - 1994 هبطت نسبة الأمية بين إجمالي السكان الذين تبلغ أعمارهم 15 عاماً أو أكثر من 6.2٪ سنة 1985 إلى 4.5٪ سنة 1994 (27.5٪ نقصان). وارتفعت نسبة الذين حصلوا على 13 سنة دراسية أو أكثر من 22.1٪ إلى 30.6٪ (38٪ زيادة). أمّا الذين حصلوا على 16 سنة دراسية أو أكثر، فارتفعت نسبتهم من 9.1٪ إلى 13٪ (43٪ زيادة). وهبطت نسبة الذين حصلوا على أقل من خمس سنوات دراسية من 9.9٪ إلى 7.6٪ (33٪ نقصان).[9]
وخلال الفترة نفسها، ارتفع عدد أفراد الطاقم التدريسي والبحثي في الجامعات من 7871 فرداً إلى 9049 فرداً (15٪ زيادة)، وارتفع بين هؤلاء عدد حمَلة درجة أستاذ من 934 أستاذاً إلى 1364 أستاذاً (46٪ زيادة). ومن ناحية أُخرى، هبط عدد أفراد الطاقم الإداري من 6503 أشخاص إلى 5890 شخصاً (10٪ نقصان).[10] أمّا عدد طلبة الجامعات، فقد ارتفع من 61.100 إلى 96.600 (58٪ زيادة). وعلى ذلك، نكون أمام طاقم تدريسي وبحثي يساوي عددُ أفراده عُشرَ عدد الطلبة تقريباً.[11]
ارتفع عدد براءات الاختراع المنتجة في إسرائيل من 790 براءة اختراع سنة 1985 إلى 1261 براءة اختراع سنة 1994 (59.6٪ زيادة). أمّا براءات الاختراع المستوردة، فبقيت على حالها تقريباً وعند سقف 2700 براءة اختراع لكل من السنتين المذكورتين.[12] وازداد عدد المتفرغين للأبحاث والتطوير في الصناعة من 7071 شخصاً سنة 1985 إلى 10.696 شخصاً سنة 1993 - لم تتوفر معطيات سنة 1994 - (77٪ زيادة).
وكانت أعلى حصة من الباحثين دائماً من نصيب صناعة الإلكترونيات؛ إذ بلغت 6058 شخصاً (سنة 1985) و4242 شخصاً (سنة 1993؛ إذ لم تتوفر معطيات سنة 1994)، وهو ما يزيد عن نصف عدد الباحثين في المجال الصناعي، سواء في بداية الفترة أو في نهايتها.[13] وسنلاحظ لاحقاً أثر الاهتمام الذي أولي لهذه الصناعة والنتائج الناجمة عن ذلك.
الموارد المالية المتاحة واستخداماتها
ارتفع حجم الموارد المتاحة والمستخدمة، وبالأسعار الثابتة، من 121.7 مليار شيكل سنة 1985 إلى 208.5 مليارات شيكل سنة 1994 (71٪ زيادة). وأُتيحت الموارد من خلال: (1) الناتج المحلي، الذي ارتفع من 85.4 مليار شيكل إلى 131.8 مليار شيكل (54٪ زيادة)؛ (2) الواردات، وقد ارتفعت من 36.8 مليار شيكل إلى 67.7 مليار شيكل (108٪ زيادة). ويؤشر ما تقدم إلى تزايد اعتماد إسرائيل على رصيد الاستيراد لتوفير الموارد.
وقد استخدمت الموارد في المجالات التالية: (1) الاستهلاك الحكومي العام، وكانت حصته 25.6٪ سنة 1985 فهبطت إلى 16.6٪ سنة 1994؛ (2) الاستهلاك الخاص، وقد ارتفعت حصته من 37.8٪ إلى 42٪؛ (3) التكوين الرأسمالي، وقد ارتفعت حصته من 12.3٪ إلى 17.3٪؛ (4) الصادرات من السلع والخدمات، وقد هبطت حصتها من 24٪ إلى 23.9٪.
على ذلك، نكون أمام تبدل يصل إلى نحو 9 درجات مئوية بالهبوط والزيادة. وقد توزعت درجات الهبوط بواقع 9 درجات في حصة الإنفاق العام و0.1 درجة في حصة الصادرات؛ وذهبت الزيادة بواقع 4.1 درجات للاستهلاك الخاص و5 درجات للتكوين الرأسمالي. ويحتاج هذا التبدل إلى عناية خاصة عند القراءة وملاحظة النتائج، وخصوصاً على ارتفاع مستوى المعيشة والطاقة الإنتاجية في آن واحد.
أمّا الناتج الحلي الإجمالي فقد ازداد من 85.4 مليار شيكل سنة 1985 إلى 131.8 مليار شيكل سنة 1994، أي بنسبة 54٪ تقريباً، وبالتالي بمتوسط نمو يتراوح بين 5٪ و6٪ سنوياً. ووفقاً لسعر صرف الشيكل إزاء الدولار حينذاك، يكون ناتج إسرائيل المحلي سنة 1994 قد بلغ نحو 74 مليار دولار. وهذا الرقم يختلف عن الرقم الذي تحدث بيرس عنه في معرض مفاخرته خلال قمة عمّان الاقتصادية (90 مليار دولار تقريباً)، لكنه يؤكد منحاه العام الإيجابي.[14]
رفع معدل الإنتاجية
تحتاج نسبة النمو التي حققها الناتج المحلي إلى تفسير، فضلاً عن أهمية استجلاء دلالاتها. ونستعيد هنا ثلاث نسب متفاوتة تفاوتاً واضحاً، أدناها نسبة نمو الموارد البشرية، إذ زادت خلال فترة 1985 - 1994 بـ 28.2٪، وتليها قوة العمل التي زادت خلال الفترة نفسها بـ 40.3٪. وكانت النسبة الثالثة، وهي الأعلى، من نصيب الناتج المحلي الإجمالي (G.D.P.)، الذي زاد سنة 1994 بـ 54.3٪ عما كان عليه سنة 1985.
لعل من البديهي القول، بصورة افتراضية، إن أدنى نسبة نمو اقتصادي كان يجب أن تكون 28.2٪، أي مساوية لنسبة النمو في عدد السكان، وهو ما يعني ثبات الوضع بما يفترض نظرياً أن يكون معدل الإنتاجية سنة 1994 على ما كان عليه سنة 1985 لو أن معدل النمو الاقتصادي كان مساوياً لمعدل النمو السكاني. لكن النسبة المحققة كانت 54.3٪، وهي، بداهة أيضاً، النسبة الأعلى وقد تحققت؛ فأي تفسير للتفاوت الإيجابي المشار إليه، وما هي دلالاته؟
نجد إجابة عن ذلك في استعادة نسبة النمو المحققة، والبالغة 54.3٪، والبحث في أسباب تحققها. كان السبب الأول، بداهة، النمو الطبيعي في عدد السكان الذي بلغ، بصرف النظر عن مردّ ذلك، 28.2 درجة مئوية. ويبقى لدينا 26.1 درجة مئوية تبحث عن تفسير نجده جزئياً في ارتفاع نسبة التشغيل، أي مستوى مساهمة السكان في قوة العمل التي ازدادت خلال فترة 1985 - 1994 بنسبة 40.3٪.
لو استبعدنا من نسبة نمو قوة العمل البالغة 40.3٪ تلك الحصة التي ساهم تزايد السكان بها، والبالغة 28.2٪، لأمكن القول إن ما بقي، أي 12.1%، يعود إلى رفع نسبة التشغيل. لكن نسبة النمو التي حققها الناتج المحلي بلغت 54.3٪، فأي تفسير للفجوة الباقية والبالغة 14% - بعد حذف كل من نصيب مساهمة النمو في عدد السكان (28.2٪) ونصيب رفع نسبة التشغيل (12.1٪) - من نسبة النمو المحققة، والبالغة 54.3٪؟
إن سبب الفجوة/القفزة مدار الحديث يعود إلى كل من قوة العمل الأساسية وقوة العمل المضافة على السواء. وعلى ذلك، يمكن القول إن توزيع نسبة النمو المحققة، والبالغة 54.3%، هو على الشكل التالي: (أ) 28.2٪ مساهمة النمو الطبيعي في عدد السكان، واستطراداً قوة العمل؛ (ب) 12.1٪، وتعود إلى رفع نسبة التشغيل، أي تفعيل/رفع نسبة قوة العمل من بين إجمالي السكان سنة 1994 عما كانت عليه سنة 1985؛ (ج) 14٪، وهي مقدار رفع إنتاجية العمل بفعل ما استجد بين سنتي 1985 و1994 من كثافة استخدام للعلم أو للترسمل.
خلاصة القول، لقد حققت إسرائيل على مدى فترة 1985 - 1994 نمواً يعود إلى ثلاثة أسباب: الأول طبيعي، أي النمو الطبيعي في عدد السكان، واستطراداً نمو الاقتصاد؛ الثاني اجتماعي، ويعود إلى تبدل/تطور قيم المجتمع وبنيته، وهو ما رفع نسبة العاملين بين صفوفه، وتحديداً النساء؛ الثالث علمي ترسملي، وقد أدى إلى رفع إنتاجية قوة العمل.
وإذا اعتُبر أن نسبة النمو المحققة تساوي 100٪، فإن توزيعها على الأسباب/العوامل الثلاثة، وفي ضوء البيانات الآنفة الذكر، هو كالتالي: (أ) العامل الطبيعي 51.93٪؛ (ب) العامل الاجتماعي 22.28٪؛ (ج) العامل العلمي الترسملي 25.78٪. ولعل من المفيد تذكُّر أن رقم الأساس هو الناتج المحلي سنة 1994، البالغ في الحد الأدنى نحو 74 مليار دولار، منها 26 مليار دولار هي قيمة إجمالي الزيادة المحققة خلال 1985 - 1994، والتي كانت مساهمة العوامل الثلاثة في تحقيقها كما يلي:
(أ) عامل النمو الطبيعي ممثلاً بارتفاع عدد السكان: 13.5 مليار دولار؛ (ب) العامل العلمي الترسملي، أي رفع الإنتاجية: 6.7 مليارات دولار؛ (ج) عامل رفع نسبة التشغيل: 5.8 مليارات دولار. وإذا جاز توزيع التطور/الزيادة على مستويين: كمي، أي عامل النمو الطبيعي، ونوعي، أي رفع درجة التشغيل ودرجة الإنتاجية، يمكن القول إن مساهمة كل من المستويين الكمي والنوعي تكاد تكون متساوية، وتبلغ نحو 13 مليار دولار لكل واحد منهما. وهكذا، يكون العلم والترسمل قد ضاعفا الطاقة الطبيعية للاقتصاد الإسرائيلي.[15]
التكوين الرأسمالي في الاقتصاد الإسرائيلي
عرضنا في الصفحات السابقة لمعدلات النمو العالية التي حققها الاقتصاد الإسرائيلي، وأشرنا في هذا السياق إلى مساهمة كل من العاملين الكمي والنوعي. وإذا كنا عرضنا لتطور حجم الموارد البشرية، عبر تناولنا تطور عدد السكان وتطور نسبة قوة العمل بينهم، فإننا أجبنا جزئياً عن الجانب النوعي أيضاً، معبراً عن ذلك بتطور الموارد العلمية، ورفع نسبة التشغيل وبالتالي رفع نسبة إنتاجية العمل. وتعود الأخيرة أيضاً، كما هو معروف، إلى رفع درجة التوظيف الرأسمالي الذي نجد تعبيراً عنه فيما يخصص من الموارد المتاحة للتكوين الرأسمالي.
نشير بداية إلى أن نسبة/حصة التكوين الرأسمالي من الموارد المتاحة/المستخدمة خلال سنة 1994، والبالغة 17.3٪ من الموارد المستخدمة تلك السنة، لم تكن نسبة نافرة/استثنائية أكثر مما يجب. لذا، فإننا سنقدم صورة لحصة هذا البند من الموارد المتاحة على مدار العقد المنصرم، والتي كانت كالتالي:
1985: 12.3٪؛ 1986: 12.5٪؛ 1987: 11.8٪؛ 1988: 11.9٪؛ 1989: 11.8٪؛ 1990: 13.8٪؛ 1991: 17.8٪؛ 1992: 17.5٪؛ 1993: 17٪؛ 1994: 17.3٪. ولو قسمنا فترة 1985 - 1994 إلى نصفين للاحظنا أن متوسط النسبة خلال النصف الأخير كان 17٪ تقريباً في مقابل نحو 12٪ خلال النصف الأول، أي بزيادة تبلغ 38٪ تقريباً.[16]
لعل من المفيد تذكير القارئ بأن النسب محل الحديث منسوبة إلى رقم أساس عال جداً، هو عبارة عن إجمالي الموارد المتاحة/المستخدمة التي بلغت سنة 1994، مثلاً، 117 مليار دولار تقريباً. وبناء عليه، فإن قيمة نسبة الـ 17.3٪ المشار إليها تبلغ نحو 20.5 مليار دولار.[17] وهذه الحصة المخصصة للتكوين الرأسمالي تزيد قرابة 7.8 مليارات دولار عما لو جرى تخصيص النسبة نفسها التي كانت قائمة في النصف الأول من فترة البحث. ونحن نتوقع لما تقدم نتيجة في غير مستوى إنتاجي وإسكاني، منه ما عُرض ومنه ما سنتناوله لاحقاً.
توزيع التكوين الرأسمالي
يتوزع التكوين الرأسمالي، كما هو معروف، على ثلاثة بنود هي: (أ) التبدل في المخزون السلعي؛ (ب) المباني والإنشاءات؛ (ج) الآلات والمعدات. وقد كانت حصة المخزون السلعي 1.5٪ سنة 1985، و3.98٪ سنة 1994. وكانت حصة المباني والإنشاءات 48٪ سنة 1985، و48٪ سنة 1994. أمّا الآلات والمعدات، فقد انخفضت حصتها من 50.4٪ سنة 1985 إلى 48٪ سنة 1994.[18]
نظراً إلى تداخل قطاع الإنشاءات وتوزعه على أكثر من غرض، من المفيد عرض حصة الشقق لأغراض سكنية التي كانت تمثل 31.7٪ و25.5٪ من التكوين الرأسمالي الثابت (إجمالي التكوين الرأسمالي ناقصاً التبدل في المخزون السلعي) لسنتي 1985 و1994 على التوالي. وما بقي، أي 69.7٪ و74.5٪ من التكوين الرأسمالي، ذهب إلى الآلات والإنشاءات في القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية.[19]
من بين مختلف القطاعات، كانت حصة الصناعة الحصة الأكبر، إن في سنة 1985 أو في سنة 1994. فمعطيات سنة 1994 تشير إلى أن حصة الصناعة كانت 22٪ من إجمالي التكوين الرأسمالي في تلك السنة،[20] وهي نسبة تكاد تكون مساوية لما كانت عليه سنة 1985.[21] وذهب أكثر من ثلاثة أرباع التكوين الرأسمالي في الصناعة إلى الاستثمار في المعدات والآلات. وقد تفاوتت النسبة بين سنة وأُخرى، لكن من ضمن نسق يؤكد الاتجاه العام.
وحظيت الكهرباء، ولغير اعتبار، بتركيز استثنائي نجد تعبيراً إجمالياً عنه في إنتاج الكهرباء واستهلاكها؛ إذ ارتفع الإنتاج من 15 مليار كيلوواط سنة 1985[22] إلى 28.3 مليار كيلوواط سنة 1994[23]وعلى ذلك، يكون هذا القطاع قد حقق خلال فترة 1985 - 1994 زيادة تبلغ 88.7٪، نعم 88.7٪، و"غمرت" الزيادة أوجه الاستهلاك كافة.[24]
الناتج المحلي
على قاعدة أن الناتج المحلي سنة 1994 بلغ 154% مما كان عليه سنة 1985، وأن غير سبب كمي ونوعي ساهم في ذلك، وخصوصاً رفع درجة التشغيل ونسبة الإنتاجية، نشير إلى أن الناتج المحلي خلال فترة 1985 - 1994 شهد تحولاً يُعتبر استكمالاً للتحولات الداخلية التي شهدها خلال العقود التي سبقت تلك الفترة، لناحية تبدل أوزان مكوناته كماً ونوعاً.
نشير في هذا السياق، وعلى سبيل المثال لا الحصر، إلى هبوط الوزن النسبي للزراعة في الناتج المحلي إلى 2.4٪ سنة 1994 في مقابل 3.3٪ سنة 1990،[25] و5.1٪ سنة 1985 و6.2٪ سنة 1980.[26] بكلمة أُخرى، لم يبلغ الوزن النسبي لقطاع الزراعة سنة 1994 إلا 47٪ و38٪ على التوالي من الوزن الذي كان له سنتي 1985 و1980 على التوالي. ويصح ما تقدم، وإنْ بدرجة أقل، على التطور الذي لحق بقطاع الصناعة.
نذكّر في هذا المجال بأن الإنتاج الزراعي بالقيم الثابتة كان سنة 1994 يساوي نحو 121٪ مما كان عليه في بداية فترة 1985 - 1994، وهو ما يعني أن الإنتاج الزراعي، وعلى الرغم من تحقيقه نمواً يبلغ 21٪، لم يحتفظ إلا بـ 47٪ من الوزن النسبي الذي كان له في الناتج المحلي عند بداية الفترة، أي سنة 1985. وتنطبق القاعدة ذاتها على قطاع الصناعة، سواء لناحية ارتفاع معدل النمو أو لناحية تراجع الوزن النسبي، وإنْ بدرجة أقل. وسنعرض لهذه النقطة في حينه.
يؤكد ما تقدم، بين ما يؤكده، أن المسار الذي بدأ مع العقود السابقة، استمر مع العقد الأخير (1985 - 1994). وهو مسار يؤشر إلى أن جميع القطاعات الاقتصادية حققت نمواً، لكن وتيرة نمو بعضها كانت أكثر تسارعاً من وتيرة نمو سواه، وهذا شأن نجد تأكيداً له من خلال مراقبة مختلف المجالات وما لحق بها من تطور.
في سنة 1985، كان نصيب الصناعة 23.4٪ من الناتج المحلي،[27] وهبط إلى 19٪ سنة 1994،[28] أي نحو 81٪ فقط من الوزن النسبي الذي كان لها في بداية الفترة. وجدير بالذكر أن الإنتاج الصناعي نما فعلاً خلال فترة 1985 - 1994 بـ 45٪؛ وهذا يعني أنه على الرغم من أن الصناعة نمت بالنسبة المذكورة، فإنها لم تتمكن من الاحتفاظ إلا بـ 81٪ من الوزن النسبي الذي كان لها من الناتج المحلي سنة 1985.
أثر السياسة في توجيه الموارد
إن قليلاً من التدقيق والبحث في القطاعات التي ازداد نصيبها على حساب ما عداها يظهر لنا التركيز الذي حظيت به قطاعات البناء والكهرباء والمياه، التي لم تساهم سنة 1985 إلا بنسبة 6٪ من الناتج المحلي، وارتفعت إلى 8.2٪ سنة 1990 و10٪ سنة 1992، وهي أعلى نسبة وصلتها، ثم عادت إلى 9.5% سنة 1994.[29] ويُظهر ما تقدم، فيما يُظهر، أثر الهجرة والحاجة إلى البناء وخلافه، سواء لأغراض السكن أو لأغراض البنية التحتية، في التركيز الذي أعطي للقطاعات الثلاثة التي نتناولها هنا.
وبناء عليه، يمكن القول - وهذا ما تؤكده المعطيات الرقمية - إن الفترة محل البحث، وخصوصاً نصفها الأخير، عرفت توجيهاً واضحاً للموارد نحو هذا القطاع، وذلك ربطاً بعنوان هجرة اليهود السوفيات التي كانت تحدياً كبيراً تعيَّن على إسرائيل أن تواجهه، وقد نجحت في مواجهته بدليل النتائج المحققة، وتحديداً في ما يتعلق باستيعاب هؤلاء المهاجرين وإسكانهم.
يمكن الاستدلال على نجاح استيعاب المهاجرين اليهود السوفيات ودمجهم في العملية الإنتاجية بالنمو الذي شهده الناتج المحلي، وقد تناولنا ذلك آنفاً. كما أن إسرائيل نجحت في تحقيق هدفها الإسكاني المذكور سابقاً، إن لم نقل أكثر من ذلك؛ والدليل هو أن الوضع الإسكاني سنة 1994 كان أفضل مما كان عليه سنة 1985، على الرغم من ثقل الأعباء التي نجد تلخيصاً لها في ارتفاع عدد السكان، إنْ بفعل الهجرة أو بفعل التزايد الطبيعي، بنسبة 28.2٪ خلال فترة 1985 - 1994.
إن معيارنا في الحكم هذا هو مقدار الكثافة السكانية في الغرفة الواحدة؛ إذ إن هبوط هذه الكثافة دليل لا يخطئ على تحسّن وضع الإسكان، والعكس صحيح. وهنا سنولي أهمية خاصة للأُسر اليهودية التي تقيم بمعدل شخص واحد أو أقل في الغرفة الواحدة.
في سنة 1985، بلغ عدد الأُسر اليهودية 987.700 أُسرة، منها 37.3٪ تقيم بمعدل أقل من شخص واحد في الغرفة الواحدة، و21.2٪ تقيم بمعدل شخص واحد في الغرفة الواحدة. وفي سنة 1994 بلغ عدد الأُسر 1.266.400 أُسرة، أي بزيادة تبلغ 28.2٪ مما كان عليه سنة 1985. ومع ذلك، ارتفعت نسبة الأُسر اليهودية التي تقيم بمعدل أقل من شخص واحد في الغرفة الواحدة إلى 43.7٪ من إجمالي الأُسر اليهودية. وارتفعت أيضاً نسبة الأُسر اليهودية التي تقيم بمعدل شخص واحد في الغرفة الواحدة إلى 21.5٪ من إجمالي الأُسر اليهودية.
وتسهيلاً للمقارنة، نقول إن 58.5٪ من الأُسر اليهودية كانت سنة 1985 تقيم بمعدل شخص واحد أو أقل في الغرفة الواحدة، وارتفعت النسبة إلى 65.2٪ سنة 1994، أي بزيادة تبلغ 11.4٪.[30] وجدير بالذكر أن نسبة الأُسر العربية التي تقيم بمعدل شخص واحد أو أقل في الغرفة الواحدة لم تبلغ سنة 1994 إلا 23٪ من إجمالي الأُسر العربية، أي ثلث النسبة عند اليهود.[31]
الصناعة
احتراماً منا للمنهجية التي قامت عليها دراستنا للمراحل المختلفة، لناحية محاولة القيام بدراسة عمودية للقطاعات الأساسية بعد إنجاز قراءتنا الأفقية والإجمالية، سنعود ثانية إلى الصناعة، نظراً إلى أهمية هذا القطاع وخصوصيته، وذلك بحثاً عن التطور الذي طرأ على تركيبها الداخلي، وهي المسألة التي أوليناها عناية في الأجزاء الماضية من هذا النص، لكن من زاوية مختلفة.
أظهرت دراستنا للمراحل الماضية - ما قبل سنة 1985 - ميل الصناعة الإسرائيلية بصورة دائمة نحو التمركز والتحول النوعي.[32] فما هو مصير هذا الميل/المسار، ولا سيما مصير التمركز، بمعنى التحول نحو المنشآت الكبيرة الحجم من ناحية، وزيادة مساهمة الصناعات الكثيفة المهارة، كالإلكترونيات وما شابه، ودورها في توليد القيمة المضافة في الصناعة الإسرائيلية، من ناحية أُخرى؟
أ) تمركز الصناعة وتوسعها
تفيد معطيات سنة 1994 بأن حركة الصناعة الإسرائيلية نحو التمركز استمرت بوتائر عالية. ففي سنة 1975، بلغ عدد المنشآت الصناعية التي توظف لديها 50 عاملاً أو أكثر 833 منشأة،[33] وارتفع إلى 877 منشأة سنة 1985.[34] أمّا في سنة 1994، فقد بلغ عددها 1235 منشأة، أي 140٪ من عددها سنة 1985، و148٪ من عددها سنة 1975.[35]
شئنا العودة إلى سنة 1975 لإظهار تفاوت وتيرة التمركز وتسارعها في العقد التالي (1985 - 1994)، إذ تحققت نسبة 89٪ من الزيادة المشار إليها، في حين حدث الباقي على مدار العقد الذي سبقه، أي في فترة 1975 - 1985. لكن، أما من جديد في الفترة الأخيرة، على صعيد الصناعة الإسرائيلية، سوى المضي نحو التمركز؟
صحيح أن عدد المنشآت الصناعية التي توظف 50 عاملاً أو أكثر قد ارتفع كما ذكرنا أعلاه، لكننا نلاحظ في ثنايا الزيادة الإجمالية المحققة تبدلاً في حصة الفئات المختلفة المكونة للمنشآت التي توظف 50 عاملاً أو أكثر، والتي تتوزع على فئات ثلاث: (1) المنشآت التي توظف 50 - 99 عاملاً؛ (2) 100 - 299 عاملاً؛ (3) 300 عامل أو أكثر.
وقد أظهر التحليل أن حصة الفئة الثالثة، حيث المنشآت الأضخم، تراجعت من 149 منشأة سنة 1985 إلى 136 منشأة فقط سنة 1994. وكذلك تراجع عدد العاملين فيها من 134.700 عامل إلى 111.100 عامل. أمّا بالنسبة إلى الفئتين الأُولى والثانية، فقد حدث العكس، إن لناحية عدد المنشآت أو لناحية عدد ما توظف لديها من عمال.[36]
وترافق ما تقدم مع ظاهرة أُخرى لافتة للنظر هي التوسع الهائل الذي شهده عدد المنشآت الصناعية التي توظف عمالاً فيها، والتي كان عددها سنة 1985 لا يتعدى 10.292 منشأة فقط،[37] إذ وصل عددها سنة 1994 إلى 19.060 منشأة[38]وهي نسبة زيادة خرافية بأي معيار من المعايير. ومنعاً لسوء فهم ربما يذهب في اتجاه الاعتقاد أن هنالك حالة من التشرذم، نشير إلى ما يلي:
إن المنشآت الصناعية الإسرائيلية تتوزع على ثماني فئات: (1) المنشآت التي توظف 1 - 4 عمال؛ (2) 5 - 9 عمال؛ (3) 10 - 19 عاملاً؛ (4) 20 - 29 عاملاً؛ (5) 30 - 49 عاملاً؛ (6) 50 - 99 عاملاً؛ (7) 100 - 299 عاملاً؛ (8) 300 عامل أو أكثر.
ولقد هبط متوسط العاملين في الفئة الأُولى من 2.82 إلى 2.6 من العمال. وهبط العدد في الفئة الثانية من 6.8 عمال إلى 6.6 عمال، وارتفع في الفئة الثالثة من 13.4 عاملاً إلى 13.6 عاملاً، وارتفع في الفئة الرابعة من 24.1 عاملاً إلى 24.9 عاملاً، وهبط في الفئة الخامسة من 38.4 عاملاً إلى 37.3 عاملاً، وارتفع في الفئة السادسة من 68.3 عاملاً إلى 69.1 عاملاً، وهبط في الفئة السابعة من 163.7 عاملاً إلى 158.7 عاملاً، وهبط في الفئة الثامنة والأخيرة من 890 عاملاً إلى 817 عاملاً.[39]
لقد تكررت كلمتا "هبط" و"ارتفع" أكثر من مرة واحدة. ومع ذلك، فإن جميع حالات الهبوط أو الارتفاع كانت طفيفة جداً. وثمة حالة واحدة لافتة بهبوطها هي حالة المنشآت التي توظف 300 عامل أو أكثر، إذ هبط متوسط العاملين في المنشأة الواحدة منها بنسبة 8.3٪.
كخلاصة أولية، وفي ضوء ما تقدم، يمكن القول إننا أمام أمر جديد هو توسع هائل في عدد المنشآت الصناعية، وتزايُد كبير جداً في وزن المنشآت التي توظف ما يتراوح بين 50 عاملاً و299 عاملاً، وفي الوقت نفسه تضاؤل ملحوظ في ثقل المنشآت الصناعية الضخمة التي توظف الواحدة منها في المتوسط ما يزيد عن 300 عامل.
ب) القطاع العام والقطاع الخاص في الصناعة
إن الأمر الجديد المشار إليه يجب أن يُقرأ انطلاقاً من أمر جديد آخر شهدته فترة 1985 - 1994، وهو تزايد في وزن القطاع الخاص في مقابل ضمور بالمقدار ذاته في وزن القطاع العام، إنْ لناحية ما يشغّله من عمال أو لناحية ما يملكه من مؤسسات. وقد ارتفع نصيب القطاع الخاص من العمالة الصناعية من 66.6٪ سنة 1985[40] إلى 77.8٪ سنة 1994،[41] وهبط في المقابل نصيب القطاع العام بالنسبة نفسها؛ إذ بلغ 22.2٪ فقط سنة 1994 في مقابل 33.4٪ سنة 1985.
والحال هذه، يكون وزن كل من القطاعين العام والخاص سنة 1994 قد عاد إلى نقطة قريبة مما كان عليه سنة 1965؛ إذ كان نصيب القطاع العام من العمالة الصناعية 24.9٪،[42] وهو رقم قريب من نصيبه سنة 1994 (22.2٪). أمّا نصيب القطاع الخاص من العمالة الصناعية فكان، بناء على ذلك، 75.1٪ (سنة 1965) و77.8٪ (سنة 1994). وجدير بالذكر أن الحديث يدور فقط حول العمالة الصناعية في المنشآت التي توظف لديها عمالاً مأجورين.
تنبع أهمية النقطة السابقة من كونها تقرر حدود التبدلات التي جرت وتجري، وبالتالي تخرج المسألة التي هي في قيد النقاش من إمكان سوء فهم باتجاهين: الأول أن العودة إلى القطاع الخاص جزء من دعوة داخلية وخارجية إلى التخصيص، والآخر أن هناك ميلاً "يمينياً" مستجداً مع عودة اليسار إلى السلطة في إسرائيل، وهذا محل مفارقة لا تقل عن مفارقة نمو وزن القطاع العام في فترة حكم اليمين. وبين هذا وذاك، لا بد من تذكّر أن وزن "اليمين" سياسياً في إسرائيل سنة 1965 لم يكن هو السبب وراء الهامش المشار إليه والمتروك للقطاع العام، والذي كان أقل مما كان عليه سنة 1985، أي بعد مرور نحو ثمانية أعوام على وصول اليمين إلى السلطة.
أردنا من وراء الاستدراك السابق محاولة تخليص ما حدث ويحدث، من ممارسات رصينة جداً على الصعيد الاقتصادي، من لعبة السياسة الجارية، ووضعه في نصابه الصحيح، لناحية أنه محكوم بسياسة عليا ورؤى كانت تقدر مصالح إسرائيل في كل مرحلة من مراحل تطورها، وتقوم على احترام المعطيات الفنية والمعايير الصحيحة الملائمة للشروط الموضوعية، انطلاقاً من هدف واضح يسمو على اللعبة الحزبية والسياسة اليومية. وإذا كان من حضور للأُطروحات الاقتصادية الفكرية المختلفة، فدائماً من خلال المعايير والمنطق وخصوصية التجربة لا من خارجها جميعاً.
بكلمة أُخرى، قامت السياسة الاقتصادية على تكامل دور كل من القطاعين العام والخاص طوال فترة 1948 - 1994، وذلك ضمن استراتيجية واحدة. وإذا كان قد جرى تعديل في نسبة المساهمة، لفترة من الفترات، فانطلاقاً من دخول إسرائيل تحديات - طموحات كبيرة فرضت الاستجابةُ لها اللجوءَ إلى إمكانات القطاع العام، الذي أُلقي عليه، ولعقدين متتاليين (صدف أن اليمين لم يغب خلالهما عن السلطة)، عبء تحويل الاقتصاد الإسرائيلي كماً ونوعاً، وهو ما كان.
لكن ما أن انتهت المرحلة بنجاح، وشق القطاع العام الطريق وعبّدها، حتى عادت الأمور إلى سابق عهدها، وخصوصاً لناحية إعادة التناسب بين وزن كل من القطاعين العام والخاص في الصناعة الإسرائيلية، الذي عاد سنة 1994 إلى ما كان عليه تقريباً سنة 1965، كما أوضحنا آنفاً. ويعني ما تقدم، ضمن ما يعنيه، أن للقطاع العام حتى الآن مكانته المحفوظة التي نجد تعبيراً عنها في استمرار سيطرته، سنة 1994، على ما يتراوح بين خُمس اليد العاملة الصناعية ورُبعها، وعلى نحو 2.7٪ من المنشآت الصناعية في إسرائيل.
يتضح لنا من مقارنة حصة القطاع العام من اليد العاملة في الصناعة وحصته من المنشآت الصناعية (22.2٪، 2.7٪) أن الصناعات الأضخم - الأكثر تمركزاً والأعلى إنتاجية قياساً بنسبة قوة العمل الموظفة لديها - ما زالت في يد القطاع العام. فقد بلغ متوسط عدد العاملين في منشآت القطاع العام 157 عاملاً في المنشأة الواحدة. وتتوزع هذه المنشآت إلى المنشآت التابعة للهستدروت بمتوسط يبلغ 101 من العمال، والمنشآت التابعة للدولة وقد بلغ متوسط عدد العاملين في المنشأة الواحدة منها 1230 عاملاً.[43]
والحال هذه، نكون أمام رأسمالية دولة أكثر مما نكون أمام قطاع عام بالمفهوم الشائع للكلمة، وخصوصاً في الأوساط الفكرية العالم - ثالثية. ولعل من المفيد التذكير بأن الصناعات التابعة للقطاع العام عموماً، وللدولة على وجه الخصوص، هي الأكثر اهتماماً بالسوق الخارجية، ولم يكن عبثاً إطلاق صفة الصناعات التصديرية عليها. ويعني ما تقدم بداهة أن الحديث عن درجة عالية من التمركز مقصود به، بنسبة كبيرة، المؤسسات التابعة للدولة، وللهستدروت بدرجة أقل.
ج) التحولات النوعية وتطور مستوى الإنتاجية
أظهر فحص الحراك في الوزن النسبي لمختلف الصناعات ميلاً مستمراً نحو تزايد ثقل الصناعات المتطورة في توليد القيمة المضافة في الصناعة الإسرائيلية. ونشير هنا إلى ارتفاع ثقل الوزن النسبي للكيمياويات والإلكترونيات والكهربائيات في الإنتاج الصناعي من 12٪ إلى 19.7٪ فإلى 28.9٪ للسنوات 1965 و1975[44] و1985[45] على التوالي. وارتفعت النسبة سنة 1992 إلى 32.5٪ (لم تتوفر أرقام سنتي 1993 و1994 بشأن هذه النقطة).[46] وما تقدم يؤكد استمرار المنحى الآنف الذكر الذي بدأ مبكراً، كما أسلفنا.[47]
نشير في سياق ما سبق إلى أن الإنتاج الصناعي سنة 1994، مقوَّماً بالمقادير الثابتة، كان أكبر مما كان عليه سنة 1985 بنحو 45٪، علماً بأن قوة العمل في الصناعة سنة 1994 لم تكن أكبر مما كانت عليه سنة 1985 إلا بـ 24٪ تقريباً، وهذا أمر يشير إلى ارتفاع إنتاجية العمل في الصناعة، التي كانت بدورها جزءاً من ارتفاع إنتاجية العمل بصورة عامة.[48]
من المفيد في هذا المجال الإشارة إلى حقيقة مهمة فحواها أن نمو إنتاجية العمل في قطاع الصناعة كان أعلى كثيراً من نمو إنتاجية العمل في الاقتصاد ككل. ونستدل على ما تقدم من توزيع أسباب النمو على إنتاجية العمل من ناحية وعلى ما عدا ذلك من عوامل من ناحية أُخرى. واستناداً إلى ما ورد أعلاه من بيانات، فإن نسبة 46.6٪ من النمو في الإنتاج الصناعي تعود إلى ارتفاع إنتاجية العمل في الصناعة،[49] في حين أن هذا العامل لم يساهم إلا بـ 25.78٪من نمو إجمالي الإنتاج.[50]
وعلى ذلك، فإن وتيرة رفع الإنتاجية في القطاع الصناعي خلال فترة 1985 - 1994 كلها تبلغ نحو 1.8 ضعف وتيرة رفع الإنتاجية في الاقتصاد ككل. ولعل التفاوت المشار إليه تفاوت طبيعي، وذلك على قاعدة أن قطاع الصناعة كان، بحكم قابليته/طبيعته، القطاع الأكثر استيعاباً لمنجزات العلم وكثافة الترسمل. ولا يوفر ما تقدم تفسيراً للتفاوت القائم فحسب، بل يوفر أيضاً تأكيد أن تحول إسرائيل نحو الصناعات الكثيفة المهارة، كما هو معلن منذ نحو عقدين،[51] كان في الاتجاه الصحيح. وقد عنى من جانب آخر أنه كان تحولاً نحو الصناعات الأعلى إنتاجية أيضاً.
لقد أوضح تناولُنا تطورات فترة 1985 - 1994 أكثر من مؤشر من المؤشرات المهمة جداً، من ذلك ارتفاع درجة التشغيل ومعدل إنتاجية العمل في الاقتصاد ككل، مع أرجحية خاصة لقطاع الصناعة الذي حقق معدل إنتاجية أفضل مما عداه. وكما هو واضح، فقد أخذنا دالة الإنتاجية انطلاقاً من مقدار التناسب أو التفاوت بين قوة العمل ونمو الإنتاج، وأخذناها أيضاً انطلاقاً من أن التفاوت بينهما، إيجاباً، لا بد من أن يعزى إلى عوامل أُخرى تتراوح بين رفع درجة الترسمل وكثافة توظيف العمل.
وفي حين أن نسبة نمو إجمالي قوة العمل كانت تساوي 74.2٪ من نسبة نمو إجمالي الإنتاج، والباقي، أي 25.8٪، يعود إلى عامل الترسمل والعلم،[52] فإن التوزيع في قطاع الصناعة كان بواقع 53.3٪ لعامل العمل، وما بقي، أي 46.7%، يعود إلى ما عدا ذلك من عوامل تطوير.[53] وما يستحق الإضافة هو أن التحول المشار إليه كان في تسارع، والدليل على ذلك النتائج المحققة في النصف الثاني من العقد المذكور، مقارنة بالنتائج الإجمالية للعقد كله.
استناداً إلى الإحصاءات الإسرائيلية الرسمية، التي اتخذت سنة 1989 سنة أساس، أي 100 درجة، فإن الإنتاج الصناعي سنة 1994 مقوَّماً بالمقادير الثابتة بلغ 140.9 درجة، في حين لم تبلغ قوة العمل المأجور في الصناعة للفترة نفسها إلا 116 درجة. وبناء عليه، فإن مساهمة العمل بلغت 39٪ فقط خلال سنوات 1989 - 1994، أي النصف الثاني من الفترة، في مقابل 53.3٪ في الفترة ككل (1985 - 1994). أمّا مساهمة العوامل الأُخرى، من علم وترسمل، فكانت خلال النصف الثاني من الفترة 61٪ في مقابل 46.7٪ خلال الفترة ككل.[54]
خلاصة القول، إن دالة الإنتاج في الاقتصاد الإسرائيلي ككل أصبحت، على نحو متزايد، أكثر ارتباطاً بعامل التوظيف الرأسمالي والعلمي من ارتباطها بحجم الموارد البشرية، وقوة العمل بينها على وجه التحديد، وأنها في قطاع الصناعة أكثر بروزاً مما هي في المجالات الأُخرى. كما أنها في تسارع، إذ يلاحظ بوضوح أن النتائج المحققة على هذا الصعيد كانت في النصف الثاني من فترة 1985 - 1994 أعلى بنحو الثلث مما كانت عليه في النصف الأول من الفترة نفسها.
يمكن، في ضوء ما تقدم، القول إن حجم الإنتاج في إسرائيل بدأ يجد حريته من قيد الكم البشري، وعلى نحو متزايد، في تكثيف استخدام العلم ورؤوس الأموال. ولعل هذا يفسر لنا كيف أن دولة في حجم إسرائيل تنتج ما يساوي أو ما يزيد، كماً ونوعاً، عن إنتاج دولة أُخرى ربما يبلغ عدد سكانها عشرة أضعاف عدد سكان إسرائيل. ومن دون خروج عن الشأن المحدد للبحث، لا بد من التنويه بأنه إذا جاز لنا تقويم حجم الإنتاج الكبير انطلاقاً من الحجم السكاني القليل، فإن تقدير الأخير والنظرة إليه يجب أن ينطلقا من حجم الإنتاج الكبير الذي يستند إليه.
ضريبة التطور: أزمة فيض الإنتاج
نعم، لقد وجد الإنتاج الإسرائيلي في تكثيف العلم ورؤوس الأموال حريته من قيد الكم البشري وعلى نحو متزايد، لكن هذه الحرية تجعله بالدرجة نفسها أسير قيد آخر، بل أزمة أُخرى طالما عانتها وتعانيها الاقتصادات المشابهة؛ عنينا بذلك أزمة فيض الإنتاج، التي تنجم عادة عن التفاوت بين وتيرة نمو الطاقة الإنتاجية ووتيرة نمو الطاقة الاستهلاكية. والحال هذه، فإن اكتمال العملية الاقتصادية مرهون بحل قيد السوق الذي أدى، ويؤدي دائماً، إن من ناحية المبدأ أو بالنسبة إلى إسرائيل على نحو أشد، دور المحدد القسري الذي تحاول تجاوزه من خلال السياسة. وهنا تتوقف مهمة هذا النص الاقتصادي لتبدأ مهمة بحث من نوع آخر.
يمكن الافتراض أن برنامج التنمية، واستطراداً رفع الإنتاجية، هما عملية مستمرة، الأمر الذي يعني استمرار أزمة فيض الإنتاج والحاجة إلى توسيع السوق، وهذا تحد دائم أمام إسرائيل كان عليها أن تستجيب له. وإذ نقول إنه تحد دائم ففي الذهن أن التفاوت الظاهر والدائم بين توسيع السوق وارتفاع/تزايد الإنتاج سيبقى مستمراً. وما تقدم ليس افتراضاً نظرياً مجرداً، بل هو واقع محقق وإمكان قائم في ضوء توفر شروطه الموضوعية، ويعني أن الأزمة المشار إليها أزمة دورية ودائمة، وأنها لن تجد حلاً لها خارج تحقيق التناسب المطلوب بين عملية الإنتاج وعملية الاستهلاك.
تجذر نزعة التوسع والاندماج مع الخارج
لقد سجلنا أعلاه حقيقة أن وتيرة النمو خلال العقد الأخير كانت في تسارع، إذ كانت في نصفه الثاني أعلى مما كانت عليه في نصفه الأول. لكن في العقد الأخير، كما في العقود التي سبقت، استمرت الظواهر نفسها، وإنْ أخذت حجماً أكبر، ودرجة أعلى من النضج، ووتيرة أكثر تسارعاً. وإذا كان هذا يؤكد شيئاً فإنما يؤكد أن الاقتصاد الإسرائيلي سار ويسير ضمن نسق جرى تأسيس مكوناته وترسيخها قبل العقد الأخير بفترة طويلة. ومن أبرز الظواهر القديمة/الجديدة، محل الحديث، ظاهرة فيض الإنتاج التي ولّدت، وتولّد عادة، ظاهرة مرافِقة موضوعياً هي نزعة التوسع والاندماج مع الخارج.
إن هذه الظاهرة ليست قائمة فحسب، بل هي في تنام متسارع. ونجد تأكيداً لما تقدم في تطور نسبة تجارة إسرائيل الخارجية إلى الناتج المحلي، إذ ارتفعت من 43٪ سنة 1953 إلى 55٪ سنة 1963 و76٪ سنة 1973 و76٪ أيضاً سنة 1983 و93٪ سنة 1993 و96٪ سنة 1994. على ذلك، تكون النسبة قد ارتفعت بين سنتي 1953 و1994 من 43٪ إلى 96٪.[55] إننا والحال هذه أمام تجارة خارجية، بالمعنى الشامل للكلمة، تكاد تكون مساوية للناتج المحلي. ونحن نعرف بصورة قاطعة أنه لا يجوز الجمع بين السالب والموجب، وأن ما يترسب في الاقتصاد، بالمعنى التقني، هو رصيد الاستيراد، لكن:
ألا يؤشر هذا إلى أمر أكثر أهمية ويقع في نطاق الاقتصاد السياسي، وهو الزيادة المتسارعة في اعتماد إسرائيل على الخارج، لا بمعنى المساعدات - وهي الأبسط في أية حال، وذات أهمية نسبية متراجعة - بل بمعنى اندماج إسرائيل، كنظام حياة، في الخارج؟ بكلمة أُخرى، ألا يؤشر هذا إلى تحول إسرائيل الداخل إلى آلة إنتاجية هائلة، في حين يقوم الخارج بدور مصدر المدخلات ووجهة المخرجات بنسبة عالية في آن واحد؟ إن هذا الاعتبار، وإنْ كان بحاجة إلى فحص اقتصادي وسياسي دقيق جداً، يشكل حتماً حجر الرحى في أي تناول للمحددات القسرية في اقتصاد إسرائيل السياسي، وخصوصاً لناحية حدود ومحدودية مناورتها تجاه الخارج، التي أصبحت، وعلى نحو متزايد، تأخذ اسم التطبيع. مرة أُخرى، تتوقف هنا مهمة هذا النص الاقتصادي لتبدأ مهمة بحث من نوع آخر.
خلاصات ختامية
لقد قال النص الفكرة الرئيسية وأظهر النسق العام الذي حكم ويحكم التجربة محل البحث، حيث كان الحصيلة الإجمالية لما جرى عرضه. ولئن تم الاكتفاء، لأكثر من سبب، بالرئيسي والإجمالي، فإن ما يجب تأكيده هو أن القراءة التفصيلية لمختلف أبعاد الموضوع وجوانبه قد تمت؛ هذه القراءة، التي لم تظهر مباشرة في هذا النص وإنْ شكلت خلفيته، أكدت الحصيلة الإجمالية المشار إليها، إنْ لناحية المنجزات التي حققها الاقتصاد الإسرائيلي، أو لناحية المعضلات الجدية التي بدأ يواجهها موضوعياً.
وخلاصةً، يمكن القول إن إسرائيل هي الآن، أكثر من أي وقت مضى، أمام دورة إنتاجية كاملة محكومة بشروط ومحددات موضوعية أصبحت أكبر حجماً وأكثر تطوراً ورسوخاً، وبالتالي أقل قابلية ومرونة من أن تستجيب أو أن تتكيف بسهولة إزاء ما يعاكس النسق العام الذي صار على تجذر كاف. وكأية تجربة اجتماعية، فإنها حصيلةٌ لها منجزاتها الواضحة جداً، لكن لها أيضاً معضلاتها النوعية/البنيوية التي يخطئ كثيراً من يقلل من أهميتها إذ يقرؤها خارج مستوى التطور العام الذي وصل الاقتصاد الإسرائيلي إليه.
وعلى قاعدة أن للبحث صلة، يرجو الكاتب أن يكون وفى بوعده، إن لناحية أن يكون النص وحدة قائمة بذاتها، مهمتها قول الفكرة الاقتصادية المطلوبة منها، أو لناحية أن يشكل النص أساساً للبحث في موضوع آخر، أكثر أهمية واتساعاً، وهو اقتصاد إسرائيل السياسي. وإذا كنا قد أجبنا عن حقيقة الدورة الإنتاجية، فإن السؤال يبقى مفتوحاً بشأن كيفية إكمال حلقة الدورة الاقتصادية ككل، بمعنى تحقيق التوازن بين الطاقة الإنتاجية المتنامية والطاقة الاستهلاكية الأقل نمواً.
يطرح ما تقدم جدلية العلاقة بين الداخل والخارج، مع ما لكل واحد منهما من تعقيدات وتداخلات تجعل من حركة مختلف الدورات، على مختلف المستويات - من اجتماعية وسياسية - أقل انتظاماً وتناغماً من المطلوب مع الدورة الإنتاجية. ففي موازاة حرية إسرائيل داخلياً، هناك أكثر من قيد يحكم اندماجها أكثر مع الخارج. وإذا كانت الدورة العلمية، والمعيشية منها تحديداً، تسير بوتيرة عالية جداً، فإن ديناميات باقي عناصر الدورة الاجتماعية مختلفة نسبياً، واستطراداً، فإن حركتها ليست على الدرجة نفسها من التناغم. وهنا تصبح مكانة السياسة، وقبلها الأيديولوجيا، أكثر حضوراً، وهذا شأن - على مكانته العالية، ولربما بسبب ذلك - خارج مهمات هذا النص والبحث الحالي الذي له صلة.n
[1] المكتب المركزي للإحصاء، "الكتاب السنوي للإحصاءات الإسرائيلية" (القدس، 1995)، ص 43. سيشار إلى هذا المصدر لاحقاً بـ "إحصاءات...". النسب مستخرجة.
[2] المصدر نفسه، ص 46.
[3] "إحصاءات... 1986"، ص 29. نسبة الزيادة مستخرجة.
[4] "إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 354.
[5] المتوسط مستخرج في ضوء الحاشية رقم 1 بالنسبة إلى السكان، والحاشية رقم 4 بالنسبة إلى قوة العمل.
[6] "إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 356. النسب مستخرجة.
[7]النسب والمتوسطات كافة مستخرجة في ضوء بيانات الحاشية رقم 6.
[8] "إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 628. نسب الهبوط والزيادة مستخرجة.
[9] "إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 628. نسب الهبوط والزيادة مستخرجة.
[10] المصدر نفسه، ص 684.
[11] المصدر نفسه، ص 670. النسب والمتوسطات مستخرجة.
[12] المصدر نفسه، ص 704.
[13] المصدر نفسه، ص 701.
[14] جميع البيانات الرقمية الواردة ابتداء من الحاشية رقم 13 فصاعداً هي من: المصدر نفسه، ص 202 - 205، أسعار سنة 1990. نسب توزيع الموارد المتاحة/المستخدمة مستخرجة.
[15] نستخدم لفظة "الطبيعي" الواردة في الفقرة المشار إليها بمعنيين مختلفين، بحسب موقعها في الجملة والسياق الذي وردت فيه. إننا، في حال الحديث عن السكان، نقصد النمو العددي حصراً. أمّا القول بالطاقة الطبيعية للاقتصاد الإسرائيلي واختلافها سنة 1994 عنها سنة 1985، فإننا نقصد به الوضع الطبيعي الذي كان سائداً سنة 1985، بما في ذلك مستوى الرسملة واستخدام العلم ودرجة التشغيل.
[16] النسب مستخرجة في ضوء المعطيات الرقمية، أي إجمالي الموارد المستخدمة وتفصيلاتها، أي أوجه الاستخدام، كما وردت في "إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 202.
[17] يرجى ألاّ يقع القارئ في التباس بين قيمة "إجمالي الموارد المتاحة/المستخدمة" وقيمة "الناتج المحلي".
- جرى استخراج قيمة الناتج المحلي بالدولار وفقاً للبيانات/الأسس الواردة في الحاشية رقم 14.
[18] النسب مستخرجة في ضوء البيانات الإجمالية والتفصيلية كما وردت في:
"إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 212 بالنسبة إلى سنة 1985، وص 213 بالنسبة إلى سنة 1994.
[19] المصدر نفسه.
[20] المصدر نفسه.
[21] المصدر نفسه.
[22] "إحصاءات... 1986"، مصدر سبق ذكره، ص 403.
[23] "إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 479.
[24] لفت النظر إلى أن الـ 10٪ هذه كانت تساوي سنة 1994، مثلاً، نحو مليارين ونصف مليار كيلوواط.
[25] "إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 216. الوزن النسبي مستخرج.
[26] "إحصاءات... 1986"، مصدر سبق ذكره، ص 180. الوزن النسبي مستخرج.
[27] المصدر نفسه.
[28] "إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 216.
[29] "إحصاءات... 1986"، مصدر سبق ذكره، ص 180 بالنسبة إلى سنة 1985.
[30] "إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 340. النسب مستخرجة.
[31] المصدر نفسه، ص 341. النسب مستخرجة.
[32] لمزيد من التفصيلات بشأن العنوان، راجع: حسين أبو النمل، "الاقتصاد الإسرائيلي" (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1988)، الفصل التاسع، وخصوصاً ص 251 - 260.
[33] "إحصاءات... 1976"، ص 393.
[34] "إحصاءات... 1986"، مصدر سبق ذكره، ص 371.
[35] "إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 453. النسب مستخرجة.
[36] راجع المصدر في الحاشية رقم 34، والمصدر في الحاشية رقم 35.
[37] راجع المصدر في الحاشية رقم 34.
[38] راجع المصدر في الحاشية رقم 35.
[39] جميع المتوسطات مستخرجة من البيانات الواردة في المصادر المدرجة في الحواشي 33 - 35.
[40] "إحصاءات... 1986"، مصدر سبق ذكره، ص 371.
[41] "إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 453.
إننا نستخدم تعبير القطاع العام تجاوزاً للدلالة فقط على ملكية الدولة والهستدروت معاً.
[42] "إحصاءات... 1967"، مصدر سبق ذكره، ص 375. النسب مستخرجة.
[43] المتوسطات مستخرجة في ضوء المعطيات الواردة في: "إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 453.
[44] مستخرج في ضوء "إحصاءات... 1978"، ص 458.
[45] مستخرج في ضوء "إحصاءات... 1986"، مصدر سبق ذكره، ص 383.
[46] مستخرج في ضوء "إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 465.
[47] يجب التعامل بقدر من الحذر مع الأوزان النسبية، نظراً إلى التبدلات التي طرأت وتطرأ على مضمون المسميات، مثل الإنتاج الصناعي الذي حذف منه الألماس وأُضيف إلى التجارة في السنوات الأخيرة. ويجب الحذر أيضاً حيال ما إذا كان الحديث يدور حول الإنتاج الصناعي كله أم حول إنتاج المؤسسات التي تشغّل عمالاً لديها، وأحياناً المؤسسات التي توظف خمسة عمال أو يزيد. والدعوة إلى الحذر لا تلغي الاتجاه العام الذي يصب الحديث فيه.
[48] إنتاجية العمل مستخرجة في ضوء البيانات الواردة في: "إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 457. لكن يرجى ملاحظة أن المصدر المذكور أعطى سنتي أساس هما 1983 و1989. وقد استخرج المؤلف سنة الأساس 1985 بناء عليهما.
[49] جرى احتساب إنتاجية العمل في الصناعة بوصفها الفارق بين نمو الإنتاج الصناعي ونمو قوة العمل المأجور في الصناعة.
[50] راجع أعلاه الحاشيتين 4 و5، والمعلومات الواردة في النص بناء عليهما.
[51] لمزيد من التفصيلات، أنظر: أبو النمل، مصدر سبق ذكره، الفصل الخاص بـ "السياسة العلمية والبحث العلمي"، ص 173، وخصوصاً القسم الثاني الذي يحمل عنوان "السياسة والتجربة العلمية بعد 1948: الخيار النوعي الأشمل أو التفوق في ماهية التفكير والتخطيط"، ص 176 - 186.
[52] بناء على الحاشية رقم 14، بلغ نمو الناتج المحلي 54.3٪، وبناء على الحاشية رقم 4، نمت قوة العمل خلال الفترة نفسها بـ 40.3٪ فقط، أي ما يساوي 74.2٪ من النسبة التي نما بها الناتج المحلي.
[53] بناء على الحاشية رقم 48، نما الإنتاج الصناعي خلال فترة 1985 - 1994 بـ 45٪. أمّا قوة العمل المأجور في ا لصناعة، فنمت بـ 24٪ فقط، أي ما يساوي 53.3٪ من نسبة نمو الإنتاج الصناعي.
[54] "إحصاءات... 1995"، مصدر سبق ذكره، ص 457. نسب المساهمة مستخرجة.
[55] المصدر نفسه، ص 202، بالنسبة إلى الصادرات والواردات والناتج المحلي. النسب وإجمالي التجارة الخارجية مستخرجة.