يؤكد الكاتب أن المصالح الوطنية لروسيا تتطلب أن تؤخذ بالاعتبار عوامل عديدة تستطيع أن تضمن عودة روسيا إلى الشرق العربي. وهو يعدد العوامل الموضوعية التي تساعد في تحقيق المصالح الروسية في الشرق الأوسط، كما يعدد النقاط التي يجب أن تحدد شكل نشاط روسيا واتجاهه في المنطقة، والأسباب التي تجعل روسيا تعتقد أن التعاون التجاري والاقتصادي والتمكنولوجي مع العرب مفيد. ويخلص إلى أن هناك مصالح اقتصادية وسياسية متبادلة بين روسيا والأقطار العربية.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، دخلت روسيا مرحلة انتقالية معقدة، فاقمت الكثير من مشكلاتها السابقة وولدت مشكلات جديدة. وفي المرحلة الأُولى من انتقال روسيا إلى اقتصاد السوق، توجهت نحو الغرب بوصفه مصدراً للموارد المالية والتكنولوجية الحديثة وللخبرة في الإدارة، التي يمكن أن تساعد في انتعاش روسيا اقتصادياً. إلا إن تجربة الاعتماد على الغرب فقط بيّنت أنها ليست ناجحة تماماً، وخصوصاً أنه من المعروف أن تجربة التحولات في اقتصاد السوق جرت في مختلف بلاد العالم، ومنها الوطن العربي.
لذلك، فإن المهمة الملحة لروسيا تتطلب استفادتها من منجزات تلك الدول العربية، التي سارت قبلها أو معها على طريق التغلب على صعوبات إزالة آثار الدكتاتوريات، وما رافقها من النواقص في الهياكل الاقتصادية والأمراض العضوية لآليات إعادة الإنتاج، التي تتولد من خلال الإدارة المركزية الصلفة، والجهاز البيروقراطي، والهدر الاقتصادي غير الضروري. لقد أضحت الدول العربية مسرحاً نشيطاً لإعادة بناء القطاعات الاقتصادية، ودخلت في النضال عميقاً من أجل مكانة محترمة في نظام التقسيم العالمي للعمل، وحازت على تجربة كبيرة في اتصالاتها بالدول الرأسمالية المتطورة.
إن دول المشرق العربي تتعامل في الوقت الحاضر مع تلك الأنماط المتطورة التي برهنت عن إمكان التعايش في ظل أنظمة اجتماعية مختلفة. ويدور الحديث عن الانتقال إلى المجتمع المدني وبناء المؤسسات المنتخبة، مثل البرلمانات والإدارات المحلية، ودمقرطة الحياة الاجتماعية على أساس التعددية الحزبية.
وتملك هذه الدول حيزاً مهماً في التجربة العملية لإصلاحات الاقتصادات العربية، وفي المسائل المتعلقة بالليبرالية الاقتصادية، وخصخصة الملكية، وبناء الآليات المالية الحديثة الخاصة باقتصاد السوق، وكذلك في استخدام الأساليب الجديدة في إدارة الأعمال الاقتصادية، والبحث عن مناهج إدارية جديدة في الحياة الاقتصادية.
وينطبق جميع ما قيل أعلاه على ما يجري في روسيا، إلى حد ما.
إن تشابه العمليات هذا سببه ضرورة إعادة البناء الهيكلي للاقتصاد، والتغلب على حالة الركود، وإصلاح نظام البناء الاجتماعي. وهذا كله يدعو روسيا إلى أن تعير التجربة العربية اهتماماً أكبر، ولا سيما في تلك القطاعات التي تشهد نجاحات في الإصلاحات، على الرغم من ضآلة تمويلها نسبياً.
إن المصالح الوطنية لروسيا تتطلب أن تؤخذ في الاعتبار عوامل عديدة تستطيع أن تضمن عودة روسيا إلى الشرق العربي، وتساعد في ترسيخ وجودها في هذا الجزء من العالم على أساس طويل الأمد.
وروسيا لا تستطيع فقط أن تقترح على الشرق العربي بديلاً محدداً من الغرب، بل ينبغي لها أن تفعل ذلك. إلا إن هذا المدخل يجب ألاّ يجري في إطار المجابهة السياسية التي ميّزتها فترة الحرب الباردة، حين كانت العوامل السياسية والأيديولوجية هي التي تحدد شكل المنافسة والمجابهة بين النظامين العالميين.
ويعتبر هذا شرطاً ضرورياً لدخول روسيا إلى المنطقة العربية. وستصطدم رغبتها في دخول الساحة العربية بوجود الغرب فيها بصورة ملموسة، وهو وجود يتمتع بالتأثير السياسي والاقتصادي الكبير تاريخياً في المنطقة، ولم يُزحزح عملياً على امتداد فترة طويلة، وإن كان الاتحاد السوفياتي السابق قد تمكّن من إزاحة عدوه في اتجاهات محددة. ويجب على روسيا أن تبتعد عن العموميات في السياسة مع البلاد العربية، وأن تميّز بين الدول التي تُعتبر هدفاً لمصالحها الحيوية انطلاقاً من مميزاتها الواقعية، وكذلك من خلال خصائصها السياسية، استرشاداً بمصالح روسيا الوطنية التي تتطابق مع الالتزامات الدولية.
ومن البديهي أن روسيا لا تريد العمل وفق التقاليد السوفياتية، ولا توزيع مشاعرها الإيجابية أو السلبية بين "التقدميين" و"المحافظين" في الوطن العربي انطلاقاً من موقفهم من الغرب. ويجب على روسيا أن تدرك أن البلاد العربية الحليفة لها سابقاً، ستمارس في الأوضاع الحالية الجديدة سياسة أكثر اعتماداً على الذات. فهذه البلاد ستنطلق من مصالحها الخاصة، ولن تأخذ في الاعتبار وجهة نظر الجانب الروسي بالقدر نفسه الذي كان سابقاً.
وفي هذا ينحسر خطر انتقاص مصالح روسيا الوطنية، ذلك لأنه من الممكن ظهور توزع جديد للقوى والعلاقات السياسية في الشرق الأوسط.
ولم تكن هذه الأمور ممكنة في السابق، إلا إن ظهورها صار شيئاً واقعياً. ويصعّب هذا، بلا شك، وضع روسيا في الشرق الأوسط، وخصوصاً في أوضاع الحركة الجبارة للتحولات السياسية في الشرق الأوسط، والسلوك السياسي غير الواضح في بعض الأحيان للحكام العرب المحليين، وفي أوضاع الحفاظ على المنافسة الروسية - الأميركية في المنطقة وفق مختلف مصالحهما الوطنية.
ويجب على روسيا أن تأخذ في الاعتبار أن وجود الاتحاد السوفياتي السابق في المنطقة كان يعود إلى النزاعات الإقليمية هناك. وفي أوضاع تقليص النزاع في الشرق الأوسط، فإن السياسة الروسية تحتاج إلى مجالات جديدة، ولا سيما في مجال التعاون الاقتصادي. فالمبيعات العسكرية لا يمكن أن تكون كبيرة كما كانت في السابق، لأن السلاح يجب بيعه نقداً، لا تقديمه بالدين من دون تحديد شروط الدفع ومواقيته.
ومن البديهي أن التعاون في مجال بناء الصناعات الاستخراجية ومجال البنية التحتية يرجع أيضاً إلى الدرجة الثانية. فهو من جهة، يرتبط بإمكانات روسيا المحدودة مادياً، ويعود من جهة أُخرى إلى الوضع الفعلي للبلاد العربية التي تملك المنشآت الإنتاجية الكبيرة، والتي تحتاج إلى وقت طويل لاستثمارها بصورة كاملة وشاملة.
وهناك عامل مهم يتمثّل في إدخال رأس المال الأجنبي بمختلف أشكاله في القطاعات المشار إليها، وهو ما يضيّق إمكانات روسيا في المنطقة.
إلى جانب ذلك، هناك الكثير من العوامل الموضوعية الثابتة التي تساعد في تحقيق المصالح الروسية الوطنية في الشرق الأوسط، ومن أهمها:
1) الحاجة إلى وجود روسيا في المنطقة لإقامة ثقل معاكس للنفوذ الغربي، وللحفاظ على توازن القوى في المنطقة.
2) دور روسيا في الحفاظ على الأمن في الشرق الأوسط، ولا سيما في الخليج العربي، حيث يلح على ذلك حكام الدول المصدرة للنفط. وهذه المسألة تجعل روسيا تمسك بالورقة الرابحة.
3) ينبغي لروسيا في المستقبل أن تستخدم صورة الصديق والحليف المخلص للعرب التي انطبعت أيام الاتحاد السوفياتي السابق، وهي صورة يعترف العرب بها بلا جدال.
4) إن العرب لا ينظرون إلى روسيا، تاريخياً وحضارياً، باعتبارها دولة أوروبية بحتة ذات تطلعات تتعلق بالسيطرة الموجهة بهذه الدرجة أو تلك ضد الشعوب الآسيوية، وخصوصاً ضد العرب (السيطرة الاستعمارية - الاستغلال - التبادل غير المتكافئ وغير ذلك..). وأحد أسباب ذلك هو وجود العنصر الإسلامي القوي في الاتحاد السوفياتي السابق، والحفاظ على وجود ذلك العنصر في روسيا الحالية. إن الاستخدام العقلاني لفكرة التضامن والتعاون الإسلاميين هو اتجاه مهم لبناء الأوضاع المساعدة في تنفيذ المصالح الوطنية للدولة الروسية في مجالي الاقتصاد والسياسة الخارجية.
وفضلاً عن ذلك، يجب الأخذ في الاعتبار تلك النقاط المهمة التي يجب أن تحدد شكل نشاط روسيا واتجاهه في الشرق الأوسط، وفي كل دولة فيه على حدة، وتؤثر في صوغ المصالح الروسية هناك. ومن بين هذه النقاط:
- التقارب الجغرافي بين الشرق الأوسط وروسيا، بغض النظر عن وجود الجمهورية الآسيوية المستقلة التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي السابق.
- احتلال الشرق العربي المرتبة الأُولى في المبيعات العالمية للنفط، وهو أمر يعطي المنطقة كلها أهمية كبيرة في نظام العلاقات الاقتصادية العالمية، ومن أجل استقرار عمليات إعادة الإنتاج العالمية.
من وجهة النظر هذه، من المفيد لروسيا العمل على استقرار الوضع السياسي في المنطقة. ومن نظام أمن هذا الوضع الحفاظ على اشتراكها في جميع الأحداث الجارية هناك. يجب على روسيا أن تبذل كل ما في وسعها كي تدخل نظام التعاون المتبادل مع دول الأوبك والدول العربية المصدرة للنفط، بغية ضمان مصالحها الاقتصادية والنفطية.
- إن الفائض الكبير للموارد المالية العربية (على الأقل في بعض المناطق) يمكن استخدامه في الظروف الملائمة في روسيا المحتاجة إلى جلب رؤوس أموال خارجية لإجراء الإصلاحات في اقتصادها الوطني.
- الأهمية الجيوسياسية للشرق الأوسط، حيث تتركز مصالح الدول الكبرى ومصالح عدد كبير من الدول الصغيرة، التي يعتمد ميزان الطاقة الخاص بها على توريدات النفط من هذه المنطقة.
- الشراكة بين روسيا، في إطار سياستها الجيوستراتيجية، وبين الدول التي تهتم بمجريات الأمور في الشرق الأوسط، ولا سيما في مناطق استخراج النفط.
إن الخليج العربي، بما بتميز به من وضع بيئي متأزم وهزّات عسكرية وسياسية، هو موضع اهتمام كبير من قِبل الدول الكبرى وغيرها من الدول المحتاجة إلى نفط هذه المنطقة، التي تعتبر مكاناً للصدامات والنزاعات التي يحتاج حلها إلى نشاط دقيق وخاص، وإلى يقظة أيضاً في وضع الحلول وانتهاج أساليب دقيقة في إدارة الأزمات.
وهذا كله ينشئ الأوضاع التي تتطلب وضع صيغة للعلاقات المشتركة بين روسيا والدول الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، ويؤمّن تجربة من أجل اختبار الحلول السياسية التي يمكن الاستفادة منها في حالات أُخرى.
إن التغلب على حالة الركود في العلاقات الروسية - العربية يتجاوب مع المصالح القومية الروسية والعربية معاً.
وفي الوقت ذاته، يبقى هناك الكثير من العوامل التي يمكن أن تكون معوِّقة ومقسِّمة. ففي الأعوام السابقة، جرى تعاون واسع بين روسيا والعرب من خلال مؤسسات قطاع الدولة. وقد ارتبط هذا التعاون بسيطرة الدولة سيطرة كاملة على الاقتصاد في روسيا، وبوجود قطاعات ضخمة خاضعة للدولة في النظام الاقتصادي العربي.
ومع أن مثل هذا الشكل من التعاون بدأ يتقلّص نتيجة نشوء اقتصاد السوق، فإنه لا يجوز التنكّر للإمكانات التي ينطوي عليها مثل ذلك التعاون. ومن الضروري إنشاء شكل جديد لآلية النشاط المتبادل بين قطاعات الدولة الاقتصادية في روسيا والبلاد العربية، وذلك من خلال البحث عن حلول غير مقولَبة. ويمكن أن يكون أحد الحلول التعاون بين المشاريع الصناعية من أجل تأمين المنتوجات اللازمة للجانبين، وذلك على أساس الاعتماد على المواد الخام والقوى العاملة الروسية من جهة، وعلى الأموال العربية من جهة أُخرى.
ومن البديهي أن إنشاء القاعدة الحقيقية والتحتية، وسوى ذلك، أمر ضروري ومفيد من أجل تشجيع التعاون بين رؤوس الأموال الخاصة، وإدخال رجال الأعمال ورؤوس أموالهم لتنشيط حركة الاتصالات الاقتصادية العربية والروسية.
إن هذا المزج بين رأس المال الخاص ورأس المال العام يمكن أن يكون وسيلة فعالة لإنعاش العلاقات العربية - الروسية وتنميتها. ومن المهم جداً أنه بفضل انتقال روسيا إلى اقتصاد السوق، تنفتح أمامها إمكانات واسعة لإقامة علاقات تجارية واقتصادية متبادلة النفع مع عدد أكبر من الدول العربية، مقارنة بفترة النظام السوفياتي السابق. وفي هذا المجال، تحمل الدول العربية المصدرة للنفط، والمتمتعة بالقدرات المالية الجبارة، أهمية فائقة.
إن تقديم الاقتراحات العقلانية المثيرة للاهتمام، بشأن التعاون مع تلك الدول، يمكن أن يكون قاعدة راسخة لتطوير العلاقات المتبادلة النفع بين كل من روسيا والدول العربية. ومن الضروري توجيه اهتمام كبير إلى مؤسسات التسليف والمؤسسات المالية لدى الدول العربية المصدرة للنفط، التي تمول المشاريع التنموية بصورة مكثفة في مختلف أنحاء العالم.
ومفيد للغاية إقامة التعاون مع البنوك الإسلامية، مع الأخذ في الاعتبار وجود التجمعات الإسلامية في روسيا. وفضلاً عن ذلك، فإن البنوك الإسلامية لا تمنع، كما هو معروف، إقامة العلاقات التجارية مع غير المسلمين. ويجب استخدام هذا الوضع على نحو فعال، وخصوصاً أن البنوك الإسلامية نفسها تسعى لتوسيع مجالات أنشطتها التجارية المالية. وكل ما قيل يُعتبر، بهذا الشكل أو ذاك، اتجاهاً استراتيجياً في إقامة التعاون بين روسيا والعرب.
وهذا كله يحتاج إلى دعم من قِبل السلطات الروسية، ابتداء بالدولة نفسها وانتهاء بمؤسساتها المعنية، بما في ذلك البرلمان والحكومة والدبلوماسيون.
تجري في روسيا عملية إنضاج رأس المال الخاص، الذي يملك الوسائل النقدية الجبارة، ويتمتع بالإمكانات المادية الجدية. إلا إن التنظيم غير العقلاني للاقتصاد الروسي يحد من إمكانات أصحاب رؤوس الأموال ورغبتهم في آلية إعادة الإنتاج الروسي. وفيما يخص صلاتهم بالسوق الخارجية، فهم لا يملكون الخبرة الكافية ولا الإلمام بالحالة الاقتصادية في الأسواق العالمية، وهناك أيضاً ضعف الثقة بقواهم الخاصة.
ومن العوامل الموضوعية المعرقلة لصلات رأس المال الروسي الخاص بالسوق الخارجية، يلاحظ غياب معرفة المجالات غير المحتكرة في الأسواق، وكذلك المستوى العالي للمنافسة في تلك الأسواق، وعدم شهرة الشركات الروسية، وفي بعض الأحيان الصورة غير المريحة لرجال الأعمال الروس.
ومما يشكل عائقاً أيضاً، التجربة غير الناجحة في محاولات التسرب إلى الأسواق الغربية المشبعة، أو الأسواق الواقعة تحت هيمنة رأس مال الدول الصناعية المتورطة. إلا إنه إلى جانب ذلك، هناك آفاق واعدة لرجال الأعمال الروس الذين يمكن أن يحالفهم الحظ في التمركز في أسواق البلاد النامية، وخصوصاً في الأسواق العربية.
ويتمتع الاقتصادان العربي والروسي إلى حد ما بمستوى تكنولوجي متشابه. فالقسم الأعظم من الإنتاج، سواء في روسيا أو في الوطن العربي، يعتمد على التكنولوجيا الكثيفة العمالة المتميزة بالإنتاجية المتدنية، وضعف المستوى العلمي فيها.
وفي بعض الأحيان، يعتمد الاقتصاد العربي على الاقتصاد الروسي من حيث استخدام المعدات والتكنولوجيا وقطع الغيار السوفياتية الصنع في مجال الصناعات الثقيلة والاستخراجية، وفي مشاريع البنية التحتية.
ويحتاج الاقتصاد العربي، ضمن خصائص القوى العاملة المحلية، إلى تلك البضائع الاستثمارية التي تتميز بالمتانة والديمومة والبساطة نسبياً، وكذلك بفعاليتها في عملية الإنتاج، أي أنها تتميز بمقاييس كان المنتجون السوفيات قد وفّروها على الدوام.
والمستهلكون العرب لا يعطون المعدات والتكنولوجيا أهمية من حيث مواصفاتها البيئية، وهذا ما يتطابق مع التجربة القائمة في روسيا. كما أن الزبائن العرب يهتمون بالأسعار المتدنية نسبياً للمعدات الروسية، ويعتبر هذا عاملاً حاسماً لتوقيع العقود وتأمين إمكان المنافسة إزاء الغرب.
إن العرب مهتمون فعلاً بظهور المؤسسات الروسية التجارية النشيطة في أسواقهم، وذلك بهدف إقامة حالة من التوازن حيال الوجود الاقتصادي الغربي في المنطقة. وهذا يعطي العرب هامشياً أوسع للمناورة، ويساعد في الوقت نفسه في تنفيذ المصالح الروسية التجارية في المنطقة.
من الممكن ألاّ يركز رجال الأعمال العرب في البداية إلا على الاتصال برجال الأعمال الروس الكبار، وذلك بسبب فقدان الثقة بالتعاون مع المؤسسات الحكومية السوفياتية السابقة، ذلك التعاون الذي قام، كما أشرنا، على قطاعات الدول العربية، وانحصر ضمن إطار العلاقات الثنائية بين الدول.
ومن جهة أُخرى، فإن رجال الأعمال العرب الجديين لا يريدون إقامة علاقات بـ "تجار الشنطة" الروس، ويرون أن الأهمية التجارية والاقتصادية تتمركز في مد الجسور مع رأس المال الروسي الكبير المبتعد عن أجهزة الدولة البيروقراطية. وتعتقد روسيا أن التعاون التجاري والاقتصادي والتكنولوجي مع العرب مفيد، وذلك عدة أسباب:
1) إنه يوفّر إمكان التخلص من حالة العزلة التي عاشتها روسيا في المنطقة العربية نتيجة التوجه نحو الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق؛
2) إنه يمكّن روسيا من العودة إلى السوق العربية الواسعة، والمعروفة لديها جيداً منذ عهد الحكم السوفياتي السابق؛
3) إن روسيا تستطيع أن تدعم منافعها من خلال التعاون مع قوى عربية ذات نفوذ معيّن، ومرتبطة بروسيا اقتصادياً، واستطاعت إنشاء رؤوس أموالها الكبرى من خلال التعاون مع الاتحاد السوفياتي السابق، والمستعدة للتعاون مع روسيا في المستقبل.
4) إن السوق العربية تملك الموارد المالية الكافية من أجل التعاون المكثّف مع المصدرين الروس في مجال الاستيراد الواسع، وهذا ما يدعم المنشآت الإنتاجية الروسية التي تنتج ما يلزم العرب من سلع.
وفي الخلاصة، يمكن القول إن هناك مصالح اقتصادية وسياسية متبادلة بين روسيا والأقطار العربية. ومن المؤكد أن ثمة مقومات موضوعية متوفرة من أجل تحقيق ذلك على نطاق واسع، تتمثّل في الجاهزية للقيام بالاتصالات، وفي الثقة بالمنفعة المتبادلة للقرارات المنفذة.<