يذهب المقال إلى أن المحصلة العامة للاستيطان هي كما لو أن السلطة لم تتغير قبل عامين من حكم الليكود إلى حكم حزب العمل، بارتفاع عدد المستوطنين بنسبة 20%، وارتفاع وتيرة مصادرة الأراضي التي بلغ معدلها 8630 دونماً في الشهر الواحد. ووُضعت سنة 1994 خطط سرية لتوسيع المستعمرات وضمها. وفي أوائل سنة 1995، كان يبدو أن هذا الاتجاه سيتواصل. ويشتمل المقال على خريطتين.
على الرغم من "مفاوضات السلام" التي بدأت في مدريد سنة 1991، بل بدفع منها، لم يتوقف الاستيطان اليهودي في الأراضي المحتلة، وإنما على العكس - تسارعت وتيرته إجمالاً. وإذا كانت إحدى الذرائع التي جرى الترويج لها، فلسطينياً وعربياً، للقبول بشروط مؤتمر مدريد هي وقف "الاستيطان الزاحف" والتصدي لخطر التهويد، فإن الليكود الحاكم آنذاك بادر - في المقابل - إلى تكثيف الاستيطان بهدف واضح معلن هو: فرض وقائع جديدة على الأرض تستبق نتائج المفاوضات على المسار الإسرائيلي - الفلسطيني وتصوغ هذه النتائج، إلى حد بعيد.
لدى صعود حزب العمل إلى سدة الحكم في صيف سنة 1992، أُشيعت موجة من التفاؤل بشأن موقفه "المعتدل" من الاستيطان والمفاوضات معاً. وجاء قراره "تجميد" الاستيطان (على الرغم مما تضمنه القرار من استثناءات مهمة، لمنطقة القدس، مثلاً) ليعزز موجة التفاؤل تلك، وليبرر لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية إيغالها في "عملية التسوية". ومنذ ذلك الحين، انطلق مساران متوازيان على جبهتي التفاوض والاستيطان، كلاهما سرّي، كما كُشف فيما بعد. وفي حين أن الثمار المرة التي آتاها المسار الأول أصبحت معروفة وملموسة، مجسدة في اتفاق أوسلو ونتائجه، فإن المحصلة التي راكمها المسار الثاني على جبهة الاستيطان، وهي لا تقل مرارة، ما زالت غير واضحة المعالم، وهي التي سنتناولها فيما يلي.
المحصلة العامة: "كما لو أن السلطة لم تتغير قبل عامين"
منذ تموز/يوليو 1992، انتقل نحو 50 ألف يهودي للاستيطان في سائر أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، منهم 22 ألفاً في منطقة القدس، وهو ما رفع عدد المستوطنين اليهود في هذه الأراضي إلى أكثر من 300 ألف مستوطن.(1) وبكلام آخر، فقد استوطن الأراضي المحتلة خلال نحو عامين ونصف العام فقط من عهد حزب العمل 20% تقريباً من مجموع مَن استوطنها في إبان 25 عاماً من الاحتلال. وقد تعهد رابين إكمال بناء 24.500 وحدة سكنية في الأراضي المحتلة، منها 13 ألف وحدة سكنية في منطقة القدس، كانت حكومة الليكود باشرت بناءها من قبل، بالإضافة إلى ما بادر حزب العمل نفسه إلى بنائه أو التخطيط لبنائه: 4 آلاف وحدة سكنية في الضفة والقطاع، و 15 ألف وحدة سكنية يُخطط لإنشائها في منطقة "القدس الكبرى" وحدها في الفترة 1993-1997.(2)
ومنذ توقيع اتفاق أوسلو، واصلت سلطات الاحتلال مصادرة الأراضي العربية، بالاستناد إلى الأوامر العسكرية والذرائع الأمنية وغير الأمنية السابقة. فبحسب بعض المصادر المستقلة، بلغت مساحة الأراضي المصادرة في الضفة وحدها، منذ التوقيع، ما لا يقل عن 16.750 أكراً (أي نحو 67 ألف دونم)، وبلغت نسبة أراضي الضفة التي أعلنتها سلطات الاحتلال "أراضي دولة" 70% تقريباً من مجموع مساحة الضفة.(3)
أمّا بحسب مصادر "السلطة الفلسطينية"، فقد بلغت مساحة الأراضي المصادرة في الفترة ما بين توقيع اتفاق أوسلو وتشرين الأول/أكتوبر 1994، نحو 70 ألف دونم، خصصت 10 آلاف دونم منها لتوسيع المستوطنات القائمة. وجرى معظم المصادرات في الفترة الفاصلة بين توقيع اتفاق أوسلو واتفاق القاهرة (أيار/مايو 1994)، حيث بلغ معدل المصادرات 8630 دونماً في الشهر الواحد.(4)
لم يُكشف النقاب، إلاّ مؤخراً، عن سر الآلية الكامن وراء هذا الزخم الاستيطاني على صعيدي المصادرة والبناء، على الرغم من "التجميد" المعلن. بل يذهب أحد المصادر إلى أن هذا السر كان خافياً حتى على الوزراء الإسرائيليين أنفسهم، باستثناء وزير البناء والإسكان.
في جلسة الحكومة الماراثونية يوم الاثنين من هذا الأسبوع [2/1/1995]، اتضح للوزراء، على نحو مفاجئ للغاية، أن ثمة قراراً للحكومة، وثمة لجنة استثنائية (سرية) تفرغه من أي مضمون، بدعم من رئيس الحكومة. ثمة سياسة إسرائيلية رسمية، وثمة فؤاد بن إليعيزر وشمعون شيفس ونُوَّح كينرتي، ثمة قرار الحكومة رقم 360 (بوقف البناء)، وثمة اتفاقات سرية مع عضو الكنيست حنان بورات والمستوطنين...(5)
اتضح، مؤخراً، أن اللجنة الاستثنائية المذكورة هي برئاسة مستشار وزير الدفاع لشؤون الاستيطان نُوَّح كنيرتي. كما اتضح أنها تألفت قبل نحو عامين لهدف محدد هو المصادقة على بدء أعمال البناء في المستوطنات، خلافاً للأمر العسكري الذي يمنع ذلك.(6) وهذا يعني أنه تم تأليف اللجنة في الوقت نفسه تقريباً الذي بدأت فيه المفاوضات السرية في أوسلو، قبل نحو تسعة أشهر من توقيع اتفاق 13/أيلول/سبتمبر 1993.
مجمل القول: إن وتيرة الاستيطان تواصلت، على نحوٍ جَعَل أحد المراقبين الصحافيين يعلق، مثلاً، على أعمال البناء في مستوطنة معاليه أدوميم (كبرى المستوطنات؛ 20 ألف شخص) بأنها تواصلت "كما لو أن السلطة لم تتغير قبل عامين": 1500 وحدة سكنية بُنيت منذ تولي حزب العمل الحكم؛ 3200 وحدة سكنية في قيد التخطيط؛ طريق جديد يجري شقه لتقصير المسافة إلى القدس؛ محوّل كهرباء ضخم يجري بناؤه بتكلفة مقدارها 15 مليون شيكل عند مدخل المستوطنة؛ نفق مخطط يربط معاليه أدوميم بالقدس مروراً بجبل الطور؛ البلدوزرات تواصل حفر التلال؛ المقاولون يواصلون البناء؛ والحركة تضاعفت ثلاث مرات منذ "اتفاقات الحكم الذاتي". "وباختصار، حتى إذا لم تُضم معاليه أدوميم رسمياً، فإنها ستكون جزءاً من إسرائيل."(7)
سنة 1994: خطط سرية لتوسيع المستوطنات وضمها
كانت سنت 1994 أول سنة كاملة تمر بعد توقيع اتفاق أوسلو، وتشهد تطبيق بنود فيه. ويتضح من المعطيات التي كشفت حركة "السلام الآن" النقاب عنها، في مؤتمر صحافي عقدته في القدس، في 9 كانون الثاني/يناير 1995، أن سلطات الاحتلال صادرت، خلال سنة 1994 وحدها، ما مجموعه 30 ألف دونم من الأراضي العربية في الضفة: 4 آلاف دونم لتوسيع 11 مستوطنة؛ 17 ألف دونم لاستعمالها مقالع حجارة؛ نحو 9 آلاف دونم أُعلنت محميات طبيعية.(8) وقد علّقت الحركة على خطط توسيع المستوطنات، كما تجسدت في إحدى عشرة خطة هيكلية، أُودعت لدى الإدارة المدنية في العام المنصرم، بما يلي: "يبدو أن الحكومة تنفذ في الضفة الغربية سياسة تقطيع إلى مناطق يهودية وأُخرى عربية بهدف إيجاد كانتونات فلسطينية داخل المناطق التي تديرها إسرائيل."(9)
وفي تقرير مفصل(10) بشأن هذه الخطط لتوسيع المستوطنات، التي أودعت و/أو صودق عليها سنة 1994، جاء ما يلي:
- خطة توسيع عالي زهاف ب: أُودعت في 20/1/1994، وتهدف إلى البناء على مساحة 67 دونماً.
- خطة توسيع ناحلئيل: أُودعت في 9/8/1994، وتهدف إلى البناء على مساحة 2100 دونم.
- خطة توسيع دوليف: أُودعت في 28/7/1994، وتهدف إلى البناء على مساحة 1087 دونماً، وتشمل 400 وحدة سكنية ومناطق عامة ومؤسسات ومباني تجارية وخدماتية على مساحة 85 دونماً تقريباً.
- خطة توسيع بيت حورون: أُودعت في 18/11/1994، ولم يصادق عليها بعدُ.
- خطة توسيع تيلم: تهدف إلى البناء على 234 دونماً، وتتضمن مساكن وصناعة وأراضي عامة.
- خطة توسيع أدوراه: تهدف إلى البناء على 206 دونمات، وتتضمن مساكن ومباني عامة ومنطقة صناعية.
- خطة توسيع بني حيفر: أُودعت في 9/11/1994.
- خطة توسيع عِتانيئيل: 280 دونماً لمساكن ومبان عامة وصناعة.
- خطة توسيع شِمْعَه: 400 دونم لمساكن ومبان عامة.
- خطة توسيع كدوميم.
- خطة توسيع إلكاناه ب.
- أمّا فيما عنى مصادرة الأراضي لغير غرض توسيع المستوطنات، فقد تضمن التقرير نفسه بشأن معطيات "السلام الآن" ما يلي:
- تنفّذ الحكومة الإسرائيلية خطة شاملة لمصادرة أراضٍ بهدف شق الطرق التالية:
- طريق بين مستوطنتي كريات أربع وبني حيفر: تمت مصادرة 240 دونماً لغرض إنشائه.
- طريق سوسيا - شمعه: تمت مصادرة 67 دونماً.
- طريق عتانيئيل في اتجاه "الخط الأخضر": تمت مصادرة 720 دونماً.
- طريق شمعه - تيني - إشكولوت: تمت مصادرة 940 دونماً.
- ثمة خطط لشق طرق بين المستوطنات و "الخط الأخضر". ومن الطرق المخططة: طريق رقم 60، الذي يدور حول رام الله من جهة الشرق، ويربط مستوطنتي عوفرا وآدام، مروراً بمستوطنة بسغوت. وقد صودر من أجله 2640 دونماً؛ طريق يصل حلميش مع عوفرا، مروراً بعطروت؛ طريق يدور حول رام الله من جهة الغرب، ويربط بين حلميش وناحلئيل ودوليف، وصولاً إلى قلندية وغفعات زئيف.
- بالإضافة إلى ذلك، صودرت أراض سنة 1994 بهدف إيجاد مقالع لحجارة البناء: في منطقة طولكرم (11/8/1994) 9685 دونماً؛ في كفر مالك (25/4/1994) 2500 دونم؛ في معاليه أفرايم (31/3/1994) 127 دونماً؛ في ترقومية (22/1/1994) 2677 دونماً؛ وفي تيلم (26/8/1994) 1744 دونماً.
- صودرت آلاف أُخرى من الدونمات وأُعلنت محميات طبيعية: في يانون 26 دونماً؛ في النبي صموئيل 3500 دونم؛ في بيت ناحل [كاحل؟] 3500 دونم؛ في دير رازح 1020 دونماً؛ وفي حريتون [؟] نحو 1000 دونم.
في المؤتمر الصحافي نفسه الذي أعلنت حركة "السلام الآن" خلاله هذه المعطيات، علّق قادة الحركة على السياسة الحكومية الاستيطانية قائلين، بين أمور أُخرى:
- إن تخطيط آلاف الوحدات السكنية يشير، على ما يبدو، إلى اتجاه لإسكان المستوطنات بعشرات آلاف الأشخاص الجدد، ولإيجاد وقائع على الأرض تحوّل اتفاق أوسلو إلى أداة فارغة.
- سيتم توسيع مستوطنات كدوميم، وإلكاناه ب، وناحلئيل، ودوليف، وبيت حورون بصورة ملموسة. ويبدو أن الاتجاه هو إيجاد كتلة ديموغرافية يهودية على طول الخط الممتد من مفرق كفر قاسم إلى مستوطنة غفعات زئيف إلى الشمال من القدس، وهو ما يؤدي إلى إيجاد جيب من عشرات القرى الفلسطينية إلى الغرب من هذا الخط، مفصول عن سائر الضفة.
- إن البناء قرب إفرات، الواقعة إلى الجنوب من القدس، وشق طريق القدس - غوش عتسيون، المتضمن أَنفاقاً وجسوراً، يدلان على وجود خطة لإيجاد جيب آخر، جنوبي القدس.
- لا ادعاءات للحركة ضد المستوطنين، بل ضد الحكومة "التي لا تعرف يدها اليسرى ما تفعله اليد اليمنى."(11)
بالإضافة إلى هذه الخطة لتوسيع المستوطنات، كُشف النقاب مؤخراً عن خطة سرية أُخرى تتبلور في وزارات الحكومة لضم عدد من المستوطنات القريبة من خط الهدنة السابق. وسيجري في مرحلة أولى من الخطة تجديد زخم البناء في بعض هذه المستوطنات، مثل: ألفي منشيه، هار آدار، أورَنيت، وغيرها. وتقوم الخطة على إيجاد خمس كتل استيطانية، تقع كل منها على جانبي الخط الأخضر"، كما يلي (انظر الخريطة):
1- منطقة وادي عاره: يُضم إليها مستوطنات ريحان وحينانيت وشيكد.
2- منطقة المثلث: يضم إليها مستوطنتا سلعيت وتسوفيت.
3- منطقة كفر قاسم: يضم إليها مستوطنتا أورنيت وشَعاري ـ- تكفا. ويتم تكثيف الاستيطان في مستوطنة ألفي منشيه.
4- منطقة موديعين: يُضم إليها كريات سيفر، وربما متتياهو أيضاً.
5- منطقة القدس: تُضم إليها مستوطنة هار آدار (بالإضافة إلى مستوطنات غفعون هيحدشاه وغفعات زئيف ومعاليه أدوميم وبيتار عيليت وتسور هداسا).(12)
نُذُر سنة 1995
ورثت السنة الجديدة عن السنة المنصرمة مجمل الاتجاهات الاستيطانية التي تناولناها أعلاه، وفي مقالات سابقة.(13) فاستمر توسيع المستوطنات، وتعزيز الكتل الاستيطانية - وكان توسيع مستوطنة إفرات على حساب أراضي قرية الخضر مثالاً بارزاً لذلك، وإن لم يكن وحيداً. وظل الاستيطان أداة رئيسية في رسم حدود "الحكم الذاتي" الفلسطيني وحدود "إعادة الانتشار" والحدود المقبلة، في تجنبه التجمعات السكنية الفلسطينية الكثيفة، واندفاعه نحو المناطق المرشحة للضم.
وفعلاً قدّم عضو الكنيست إلياهو بن - أليسار (من الليكود) إلى الكنيست في 4 كانون الثاني/يناير مشروع قانون بفرض السيادة الإسرائيلية على غوش عتسيون. وجاء في اقتراح بن - أليسار أن هذه المنطقة تقع في "قلب الإجماع" الصهيوني، وأنه يجب تجسيد ذلك في هيئة قانون، في ضوء الحوادث الأخيرة في إفرات. وقد رفض الكنيست هذا المشروع، لكن بأكثرية غير كبيرة (41 صوتاً في مقابل 29 صوتاً)، كما أنه حظي بتأييد حركة شاس،(14) التي كانت حتى أمدٍ غير بعيد جزءاً من الائتلاف الحاكم. وهذا ما يشير إلى خطورة تكرار مثل هذه المحاولات من أجل ضم منطقة أو أُخرى، وربما إلى إمكان تصاعد هذه المحاولات في المستقبل.
من جهة أُخرى، ظلت قضية الخضر/إفرات، التي تفجرت في أواخر السنة الماضية، تتفاعل في مطلع سنة 1995. لقد نجحت مقاومة أهل قرية الخضر، والتضامن الشعبي العام معها، في وقف توسيع إفرات على تلة مجاورة للمستوطنة، وتقع ضمن أراضي القرية. لكن اللجنة الوزارية الخاصة، التي تألفت برئاسة يتسحاق رابين، عادت فوافقت، في 4 كانون الثاني/يناير، على بناء 268 وحدة سكنية على تلة أُخرى.(15) وتكمن خطورة توسيع إفرات، التي اعتبرها رابين، يوماً، بين ما سمّاه "المستوطنات السياسية"، في أن هذا التوسيع هو "تحقيق جزئي لخطة ترمي إلى إيجاد مستوطنات يهودية متواصلة بين القدس والخليل، من أجل سدّ الطريق أمام أي خيار بشأن تسويةٍ سياسيةٍ في هذه المنطقة أيضاً."(16) ومما يؤكد ذلك هو أن ما جرى في الخضر/إفرات لم يكن "عملاً معزولاً" نفّذه مستوطنون، عطشون - على هذا النحو - إلى المساكن، بقدر ما كان من تدبير "هيئة عالية المستوى"، اجتمعت ومعها الخرائط، وخططت للعملية بصمتٍ حتى أدقّ تفصيلاتها، ثم خرجت إلى المنطقة مع هدير محركات الجرافات، ومع حشد المستوطنين في عروض للقوة أمام القرويين الفلسطينيين - بحسب تحليل أحد المراقبين الإسرائيليين، الذي أضاف أنه بمثل هذا العمل بالذات يمكن للمستوطنين عرقلة تطبيق اتفاق أوسلو.(17)
قلنا، أعلاه، إن استهداف أراضي الخضر بالاستيطان كان المثال البارز، لا الوحيد، فقد جلب العام الجديد معه نُذُر مصادرة أراضٍ عربية وتكثيف الاستيطان اليهودي في غير موقع، منها: النبي صموئيل؛ "القدس الكبرى"؛ الزاوية؛ كفر الديك.
في تلة النبي صموئيل، شمالي القدس، تجري أعمال تمهيدية لبناء مستوطنة على السفوح الغربية للتلة. وكانت هذه المنطقة أُعلنت "منطقة خضراء"، وتم ضمها إلى الحدود البلدية لمستوطنة غفعات زئيف المجاورة. ومن الجدير بالذكر أن بناء المستوطنة الجديدة يندرج في إطار خطة "القدس الكبرى".(18)
وتم كشف النقاب عن خطة وضعتها الحكومة الإسرائيلية لبناء نحو 30 ألف وحدة سكنية جديدة في الضفة الفلسطينية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. وتتوزع الوحدات السكنية المخطط لبنائها كما يلي: نحو 15 ألف وحدة في "القدس الكبرى" (بسغات زئيف، نفيه يعقوف، غيلو، هار حوما)؛ نحو 13 ألف وحدة في المستوطنات المدينية المحيطة بمنطقة القدس: معاليه أدوميم (6 آلاف)، غفعات زئيف (ألف)، بيتار (5 آلاف)، غفعون هيحدشاه، هار آدار، إفرات؛ نحو 3 آلاف وحدة في مستوطنات أُخرى في الضفة.(19)
وإلى الغرب من قرية الزاوية، في منطقة نابلس، بدأ مستوطنو إلكاناه، في 10 كانون الثاني/يناير أعمال تمهيد الأرض على تلة، تقع بالقرب من مستوطنتهم. وتعتبر هذه التلة "أراضي دولة"، بموجب خرائط رسمية تعود إلى سنة 1981، وممهورة بتوقيع قائد الجيش الإسرائيلي في الضفة آنذاك، اللواء إيهود بَرَاك. ويرمي المستوطنون من وراء بناء وحدات سكنية جديدة على ما يسمونه "تلة هتسوفيه" إلى هدف واضح: "وصل إلكاناه بالخط الأخضر وبرأس العين." وقد قال نيسان سلومينسكي، أحد قادة المستوطنين، في هذه المناسبة: "إننا نبدأ مبادرات يهودية في جميع مستوطنات يهودا والسامرة وغزة، من أجل إنقاذ أراضي الدولة وعدم تمكين العرب من سلب هذه الأراضي!"(20)
وفي قرية كفر الديك، إلى الشمال الغربي من رام الله، تظاهر أهل القرية، في 11 كانون الثاني/يناير، احتجاجاً على مصادرة مئات الدونمات من أراضيهم، التي أُعلنت "أراضي دولة" هي الأُخرى، بهدف إقامة منطقة صناعية تابعة لمستوطنة عالي زهاف المجاورة. وذكرت المصادر الإسرائيلية، في هذه المناسبة، أن كفر الديك هي عاشر مكان يقيم الفلسطينيون فيه، مؤخراً، مسيرات أو مهرجانات في مواجهة النشاط الاستيطاني. كما ذكرت أن 45 عائلة من قبيلة الجهالين تواجه الطرد من مضاربها القريبة من مستوطنة معاليه أدوميم، تمهيداً لتوسيع المستوطنة.(21)
بدلاً من الخلاصة
... زَرْع المستوطنات اليهودية في أرض فلسطين العربية وطرد سكانها الأصليين من جهة، ومقاومة جسد هذه الأرض وأهلها للجسم الغريب، من جهة أُخرى: هذه، باختصار، حكاية الغزو الصهيوني المتواصل والمجابهة الفلسطينية العربية المستمرة. إنها حكاية بدأت قبل نحو مئة عام، ولا تزال المقاومة ترويها، وستروي للأجيال المقبلة: يُحكى أنه كان ثمة استيطان، وكان ثمة اتفاق عُقد في أوسلو، ووُقّع في واشنطن، في 13 أيلول/سبتمبر 1993.
كانون الثاني/يناير 1995
المصادر:
(1) Report on Israeli Settlement in the Occupied Territories, vol. 4, no. 6, November 1994, p. 8.
(2) Ibid.
(3) Sara Helm, The Independent, December 29, 1994 and January 5, 1995.
(4) "هآرتس"، 10/1/1995.
(5) موطي بسوك، "لجنة سرية للغاية"، "دافار"، 6/1/1995.
(6) انظر: ميخال سيلغ، "الخضر: فرصة لتغيير الاتجاه"، "دافار"، 2/1/1995.
(7) عوفر بطرسبورغ، "لا تقف عند الخط الأخضر"، "يديعوت أحرونوت"، ملحق "مامون"، 10/1/1995، ص 8 ـ 9.
(8) انظر: "يديعوت أحرونوت"، 10/1/1995.
(9) "دافار"، 10/1/1995.
(10) بشأن التقرير، انظر: "هآرتس"، 10/1/1995.
(11) المصدر نفسه.
(12) بشأن هذه الخطة، انظر: عوفر بطرسبورغ، "يديعوت أحرونوت"، 29/12/1994.
(13) انظر، مثلاً، مقالنا "أمر الاستيطان اليومي: منطقة القدس وخط الهدنة السابق"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 20 (خريف 1994)، ص 128 ـ 135.
(14) "دافار"، 5/1/1995.
(15) بشأن قرارات اللجنة، انظر: المصدر نفسه، 4/1/1995.
(16) انظر: ران كسليف، "خدعة غوش عتسيون"، "هآرتس"، 10/1/1995.
(17) ران كسليف، "تلال الاستفزاز"، "هآرتس"، 12/1/1995.
(18) ميخال سيلع، "دافار"، 1/1/1995.
(19) "يديعوت أحرونوت"، 9/1/1995.
(20) لمزيد من التفصيلات، انظر: "يديعوت أحرونوت"، 11/1/1995.
(21) انظر: "هآرتس"، 12/1/1995. انظر أيضاً: "تكثيف 1995"، "يديعوت أحرونوت"، ملحق 24 ساعة، 18/1/1995، ص 1؛ "المعركة بشأن القدس الكبرى"، "يديعوت أحرونوت"، 20/1/1995؛ وانظر الخريطتين المنشورتين مع هذين المقالين.