الفلسطينيون في سورية: بيانات وشهادات
كلمات مفتاحية: 
سورية
فلسطينيو سورية
الإحصاءات
الأحوال المعيشية في مخيمات اللاجئين
وضع اللاجئين
اللاجئون الفلسطينيون
شهادات
التاريخ الشفوي
نبذة مختصرة: 

يتكون الموضوع من قسمين: الأول بيانات إحصائية تختص بتوزع السكان وتشكل على مؤشرات ديموغرافية واقتصادية وتعليمية تتعلق بهم، بالإضافة إلى وضعهم المدني والقانوني التي تحدده؛ والقسم الآخر عبارة عن تاريخ شفهي معبَّر عنه بعدد من الشهادات التي تمثل عينة عشوائية من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا. ويشتمل التقرير على أربعة جداول وخريطة.

النص الكامل: 

مقدمة: في المنهج

يتكون الموضوع الذي نعالجه من قسمين؛ الأول عبارة عن بيانات إحصائية مكثفة تختص بالسكان: توزعهم، مؤشرات ديموغرافية واجتماعية واقتصادية وتعليمية تتعلق بهم، بالإضافة إلى وضعهم المدني والقوانين التي تحدده؛ والقسم الآخر عبارة عن تاريخ شفهي معبَّر عنه بعدد من الشهادات التي تمثل عينة عشوائية من السكان لا تشمل بصورة كلية الفئات العمرية أو الاجتماعية أو التوزيع السكاني، لأن شمول العينة يتطلب عدداً أكبر من الشهادات وحيزاً أوسع من الحيز المخصص لهذا الموضوع.

وقد يبدو، من حيث الشكل، أن كل قسم مستقل تماماً عن الآخر، إلاّ إنه يمكن، من حيث الجوهر، النظر إليهما وحدةً متكاملة، بحيث يوفر القسم الأول المتعلق بالبيانات الإطار العام للواقع الذي يمارس فيه الفلسطينيون في سوريا حياتهم، وإن كان واقعاً جامداً معبَّراً عنه بالأرقام الصماء. أما القسم الآخر المتضمِّن الشهادات، فمن شأنه أن يحرك ذلك الواقع الجامد ويحوله إلى واقع حيّ نابض بالأحاسيس والمشاعر، التي يمكن تفهمها بصورة أعمق، إذا ما تم استيعاب المؤشرات والحقائق الواردة في القسم الأول واستحضارها في الذهن.

وكي نحافظ على التاريخ الشفهي مصدراً نقياً للحقيقة الاجتماعية، عمدنا في القسم الأخير، وبقدر الإمكان، إلى التدقيق في بعض الوقائع والأحداث، التي وردت على لسان الرواة، وتنقيحها وتوثيقها عبر هوامش منفصلة عن سياق الشهادات، ومن خلال الرجوع إلى مصادر التاريخ المدوّن.

ومما يعزّز الترابط بين قسمي الموضوع الاستنتاجات الواردة في الخاتمة، والتي بنيت على أساس الأرقام والحقائق والانطباعات المستخلصة من الموضوع كاملاً. 

أولاً: البيانات

1) السكان وتوزعهم

قُدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا سنة 1949 بـ 85 ألف لاجئ. ووفقاً للمجموعة الإحصائية الفلسطينية التي صدرت هذا العام عن المكتب المركزي للإحصاء والمصادر الطبيعية في دمشق، والتي تتوقف أرقامها عند سنة 1987/1988، قدّر عدد الفلسطينيين المسجّلين والمقيمين في أراضي الجمهورية العربية السورية سنة 1988 بـ 289,462 شخصاً، يقيم معظمهم (193,522 شخصاً) في محافظة دمشق، ويتوزع الباقي على المحافظات الأُخرى. أما من حيث مكان الأصل في فلسطين فإن العدد الأكبر منهم يتحدر من قضاء صفد (113,852)، ويلي ذلك، من حيث العدد، أقضية: حيفا (64,973)، وطبريا (47,002)، وعكا (22,488)، ويافا (15,522)، والناصرة (13,707). ويتحدر العدد الباقي من أقضية وسط فلسطين وجنوبها.(1)

وبالنظر إلى أن المجموعة الإحصائية الفلسطينية الأخيرة لا تشمل أرقامها الأعوام الأخيرة، فضلاً عن أن مصدر بياناتها الأساسي هو تعداد السكان لسنة 1981، فإننا سنلجأ إلى أحدث إحصاءات الأونروا للحصول على العدد الحالي للفلسطينيين في سوريا، علماً بأن هذه الإحصاءات لا تشمل أعداد الفلسطينيين غير المسجلين في سجلات الأونروا.(2)

وصل إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا حتى 30 حزيران/يونيو 1994 إلى 327,288 لاجئاً، بواقع 71,401 أُسرة، موزعين بحسب المناطق على النحو التالي:(3)

 

 

أما عدد اللاجئين المسجلين الذين يقطنون المخيمات فقط فبلغ حتى التاريخ نفسه 91,472 لاجئاً، بواقع 15,498 أُسرة، موزعين على عشرة مخيمات،(4)   وفق الجدول التالي:

 

 

نستنتج من الجدولين 1 و 2 الحقائق التالية:

1 - تبلغ نسبة اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في سوريا نحو 11% من المجموع الكلي للاجئين المسجلين في مختلف مناطق عمل الأونروا.(6)

2 - تبلغ نسبتهم نحو 2,4% من مجموع السكان في سوريا.

3 - تبلغ نسبة اللاجئين الفلسطينيين الذين يسكنون المخيمات نحو 28% من العدد الإجمالي للفلسطينيين المسجلين في سوريا.(7)

4 - يعيش نحو 77,5% من الفلسطينيين المسجلين في سوريا في منطقة دمشق، التي تشمل، بالإضافة إلى المدينة، المخيمات الخمسة الواقعة حولها ومخيم اليرموك والتجمعات الموجودة في ريف دمشق.(8)  

 

 

وتقدر مصادر الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية العدد الحالي للفلسطينيين في سوريا بـ 360,000 شخص.

ويرجّح أن هذا العدد قريب من الصحة، إذا ما أخذنا في عين الاعتبار العدد الذي سجلته الأونروا حتى حزيران/يونيو 1994، والبالغ 327,288 شخصاً، وأضفنا إليه عدد الفلسطينيين غير المسجلين الذين يحق لهم التسجيل، والذي يقدر بـ 25 ألفاً - 30 ألف فلسطيني.

لكن يبدو أن العدد 360,000 لا يشمل عدّة آلاف أُخرى من الفلسطينيين المقيمين في سوريا من أهالي غزة والضفة الغربية، ممن لجأوا إلى سوريا في فترات مختلفة وفي أوضاع متباينة، وأقاموا فيها، وكذل من نزحوا إليها من لبنان بعد سنة 1982؛ والذين هم خارج نطاق بحثنا.

2) مؤشرات ديموغرافية واجتماعية واقتصادية

1 - يبلغ المعدل السنوي لنمو السكان الفلسطينيين في سوريا 3%،(9)    في حين تقدر وفيات الأطفال الرضّع بـ 40/1000،(10)   بينما يبلغ متوسط عدد أفراد الأسرة 4,58 من الأفراد.(11)

2 - تراوحت الزيادة الطبيعية السنوية للسكان (الفارق بين الولادات والوفيات) بين 6042 فرداً سنة 1980 و 6789 فرداً سنة 1988، وظلت الزيادة تتراوح حول المعدل نفسه في الفترة 1980 - 1988. أما نسبة الجنس عند الولادة (Sex ratio at birth)، أي نسبة الذكور إلى الإناث، فبلغت 105 في سنة 1980، أي 105 من الذكور لكل 100 أنثى، وانخفضت إلى 104 في سنة 1988. وسجلت أعلى معدل لها في الفترة المذكورة (1980 - 1988) سنة 1984، حيث بلغت 111.(12)

3 - فيما يتعلق بالتركيب العمري للمجتمع الفلسطيني في سوريا، فقد بلغت نسبة الأطفال دون سن الخامسة عشرة سنة 1988 نحو 46% (118,479 من مجموع 257,240)، في حين بلغت نسبة المسنين (65 سنة فأكثر) في السنة نفسها 3% فقط (7409 من مجموع 257,240).(13)   وهذا يدلّ على أن الفلسطينيين في سوريا يشكلون مجتمعاً فتياً، شأنهم في ذلك شأن مجتمعات اللجوء الأُخرى.

4 - يظهر الجدول التالي(14) توزيع الفلسطينيين في سوريا بحسب القوة البشرية والجنس في سنة 1988:(15)

 

 

يتبين من الجدول السابق ما يلي:

ـ إن نسبة ذوي النشاط الاقتصادي، أي المنخرطين في قوة العمل، هي 36% من مجموع القوة البشرية.(16)   وهذا يعني أن أكثر قليلاً من ثلث السكان يعيلون نحو الثلثين ممن لا يعملون من فئة سن 10 سنوات فأكثر. وهذه النسبة تعتبر عالية، لكنها تنخفض إذا ما استثنينا عدد العاطلين من العمل سنة 1988 وهو 3389 شخصاً.(17)

ـ بالنسبة إلى مشاركة كل من الذكور والإناث في النشاط الاقتصادي، هناك تدنّ في أعداد النساء المشاركات، وتفاوت كبير بينهن وبين الذكور، وهو ما يعني أن النساء في معظمهن يقعن خارج قوة العمل.

5 - حتى حزيران/يونيو 1993، بلغ عدد حالات العسر الشديد (Special hardship cases)، أي الذين يتلقون من الأونروا حصصاًتموينية من المواد الغذائية الأساسية، بالإضافة إلى مساعدات عينية أُخرى، 21,736 حالة، أي ما نسبته 6,9% من مجموع اللاجئين المسجلين في الأونروا. أما نسبة البطالة المقدّرة بين اللاجئين المسجلين حتى التاريخ نفسه فبلغت 10%.(18)

3) مؤشرات خاصة بالتعليم

1 - إن الأونروا وحدها تدير في سوريا 111 مدرسة (66 مدرسة ابتدائية و 45 مدرسة إعدادية) تقدم التعليم في المرحلتين الابتدائية والإعدادية لما مجموعه 60، 216 طالباً وطالبة كانوا حتى تشرين الأول/أكتوبر 1992 موزعين على النحو التالي:(19)

ـ المرحلة الابتدائية: 41,294 طالباً وطالبة (20,073 إناثاً و 21,221 ذكوراً).

ـ المرحلة الإعدادية: 18,922 طالباً وطالبة (9016 إناثاً و 21,221 ذكوراً).

بالإضافة إلى ذلك، تدير الأونروا في سوريا مركزاً للتدريب المهني والفني، يوفر مقاعد دراسية لنحو 776 متدرباً ومتدربة (657 ذكوراً، 119 إناثاً) في مجال المهن الكهربائية والميكانيكية، والإليكترونيات، وتقنية المختبرات، وإدارة المكاتب، والرسم المعماري، والصيدلة، وتدريب المعلمين.(20)

2 - وكي نبرز حجم الخدمات التعليمية التي تقدمها الدولة للاجئين الفلسطينيين نورد الجدول التالي، الذي يبين إجمالي عدد الطلاب الفلسطينيين للعام الدراسي 1992/1993، والبالغ 84, 242 طالباً وطالبة، موزعين على المراحل التعليمية الثلاث، وبحسب الجهة التي تقدم التعليم مدارس الأونروا؛ مدارس حكومية: مدارس خاصة):(21)

 

 

يتبين من الجدول السابق الحقائق التالية:

- يوجد أكثر من 20,000 طالب وطالبة فلسطينيين في المدارس الحكومية السورية في مرحلة ما قبل التعليم الجامعي. وهذا العدد يزيد عن ثلث إجمالي عدد الطلاب في مدارس الأونروا.

- إذا استثنينا أعداد طلاب مرحلة التعليم الثانوي، الذي ترعاه الحكومة السورية كلياً، يصل عدد الطلاب الفلسطينيين في المدارس الحكومية الأونروا في المرحلتين المعنيتين.

ويبدو أن العدد الإجمالي للطلاب الفلسطينيين المسجلين في المدارس الحكومية في المرحلتين الابتدائية والإعدادية أعلى في واقع الأمر من الأرقام الواردة في الجدول رقم 4، لأن أرقام هذا الجدول مشتقة من جداول "الكتاب السنوي للأونروا 1992/1993"، التي ذُيّلت بملاحظة مفادها أن الأرقام الخاصة بأعداد الطلاب الفلسطينيين في المدارس الحكومية ناقصة وغير مكتملة، لأسباب تعود إلى عدم تلقي الطلاب في هذه المدارس أية مساعدات أو قروض من الأونروا كما هي الحال في لبنان، الأمر الذي لا يحفّزها على تقديم الإحصاءات إلى الأونروا.(22)

3 - إن عدد الطلاب الفلسطينيين في المدارس الفنية السورية للعام الدراسي 1987/1988 قد بلغ 1003 من الطلاب والطالبات، موزعين على الثانويات الصناعية (421)، والثانويات التجارية (383)، والثانويات النسوية (199). وهذا العدد أكبر من العدد الذي توفر الأونروا له التعليم المهني والتقني من خلال مركزها الموجود في مدينة دمشق.(23)

4 - ازداد عدد الطلاب الفلسطينيين في الجامعات السورية من 3472 طالباً وطالبة في العام الدراسي 1977/1978 إلى 4862 طالباً وطالبة في العام الدراسي 1987/1988، التحق 2657 منهم بكليات العلوم الإنسانية، بينما التحق 2186 بالكليات العلمية، والباقي (19) التحق بكلية الفنون الجميلة. ودرس العدد الأكبر من الطلاب الملتحقين بالكليات العلمية في كلية الهندسة (864)، ثم كلية العلوم )653(، ثم الطب البشري (312)، ثم طب الأسنان (155)، ثم الصيدلة (97)، ثم الطب البيطري (21).(24)

4) الوضع المدني

يُعدّ الوضع المدني للفلسطينيين في سوريا وضعاً مميزاً، قياساً بأوضاعهم في بلاد اللجوء الأُخرى، وخصوصاً في لبنان. فهم يتمتعون بجميع ما يتمتع المواطنون السوريون به من حقوق مدنية، لا حقوق سياسية (الانتخابات، الجنسية)، وذلك بموجب القانون رقم 260، الصادر في 10 تموز/يوليو 1956، والتالي نصه:

أقر مجلس النواب وأصدر رئيس الجمهورية القانون الآتي:(25)

مادة 1 - يعتبر الفلسطينيون المقيمون في أراضي الجمهورية السورية بتاريخ نشر هذا القانون كالسوريين أصلاً في جميع ما نصت عليه القوانين والأنظمة النافذة المتعلقة بحقوق التوظيف والعمل والتجارة وخدمة العلم، مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية.

مادة 2 - تلغى جميع الأحكام المخالفة لهذا القانون.

مادة 3 - وزراء الدولة مكلفون بتنفيذ أحكام هذا القانون.

وهناك ثمة مرجعية محددة ذات صلاحيات تشرف على شؤون اللاجئين الفلسطينيين هي "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب"، التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية. ولهذه الهيئة ميزانيتها الخاصة وبرامجها لمساعدة اللاجئين. وهي تعمل بالتعاون مع الأونروا في تنفيذ بعض المشاريع في المخيمات. 

ثانياً: الشهادات*

I

ـ قاسم محمد جَرَداتْ (أبو محمد) (70 سنة).

ـ عشيرة الزّنغرية/قضاء صفد.

ـ جوبر/سوريا.

***

عندما سألت أبا محمد في بداية حديثنا عن مساحة أراضي الزّنغرية، شرد بذهنه بعيدا للحظات، فخُيِّل إليّ أنه جال خلالها بخياله في أراضي العشيرة، ثم ما لبث أن أجاب: تقدر حدودها بمسيرة يوم كامل على ظهر فرس من الغسق حتى الشفق.(26)

استقر المقام بأبي محمد في بلدة جوبر، إحدى ضواحي مدينة دمشق الكبرى، بعد رحلة نزوح طويلة وشاقة بدأت سنة 1948 من مسقط رأسه في عشيرة الزّنغرية، وقادته إلى قرى البطيحة وجرابه والصنابر، في الجولان السورية، على بعد كيلومترات قليلة من مضارب العشيرة. وهنك عمل مع أفراد عشيرته في زراعة أراضي بعض العائلات الإقطاعية من آل فارس وآل المخارجي، وغيرهم.

وفي إثر توقيع اتفاقات الهدنة بين سوريا وإسرائيل سنة 1949، تم ترحيل عرب الزّنغرية من الجولان إلى مخيم خان الشيخ، وبقوا هناك حتى سنة 1954.

ونتيجة للتغيرات السياسية العاصفة التي شهدتها سوريا في تلك الفترة، تم إرجاع  بعض أهالي عشيرة الزّنغرية، ومنهم أبو محمد، إلى الجولان، بهدف العمل في أراضي الإقطاعيين.(27)   وبقي هؤلاء حتى سنة 1956، حيث أُعيد ترحيلهم من الجولان مرة ثانية إلى بلدتي العتيبة والكفرين، الواقعتين حالياً قرب مطار دمشق. لكن عرب الزّنغرية، ما انفكّوا، في مواقعهم الجديدة، يحاولون العودة مرة أُخرى إلى قراهم الجديدة في الجولان، قريباً من مواقع عشيرتهم وما بقي من أهلها في فلسطين. وقد تحقق لهم ذلك بعد قيام الوحدة السورية/المصرية، إذ قام وفد منهم سنة 1959 بمقابلة بعض المسؤولين في حكومة الوحدة وطلب السماح بالعودة إلى الجولان. وبقي عرب الزّنغرية في الجولان حتى حرب حزيران/يونيو 1967، حين طردتهم القوات الإسرائيلية عنوة ضمن ما يزيد عن 100,000 مواطن سوري، نزحوا إلى دمشق. ومن يومها استقر المقام بأبي محمد في بلدة جوبر.

وروى أبو محمد بعض الذكريات الأليمة عن عملية الطرد، مع ما رافقها من مجازر جماعية ارتكبتها القوات الإسرائيلية لإجبار القرويين على ترك قراهم، فتحدث عن المصير الذي لاقته مجموعة النازحين تتكون من 50 شخصياً - 60 شخصاً، حين أوقفت المجموعة من قِبل القوات الإسرائيلية ورُصّ أفرادها إلى جدار، ثم تمّ قتل واحد من بين كل اثنين منهم، فنجا من نجا مصادقة، أو لنقل وُهب الحياة من خلال "اليانصيب الإسرائيلي"، بعد أن شاهد أخاه أو أباه أو جاره، تحت قدميه، مضرجاً بالدم. كما تحدث أبو محمد عن أربعة إخوة أُمروا بأن يبتعدوا عن مكان التوقيف مسافة غير محددة، وهم يرفعون أيديهم. وبعد مسافة ما، أنزل أحد الإخوة يديه، لسبب أو لآخر، فأطلق الجنود الإسرائيليون النار عليهم، مستذكرين تعاليم يوشع بن نون، فأردوهم بعد أن ظن الإخوة الأربعة أنهم نجوا من المجزرة. والذنب لم يكن سوى أن أحد الإخوة أخطأ في تقدير مسافة "الأمان الإسرائيلي"، أو مسافة النجاة المطلوبة.

***

وبعد أن روى أبو محمد رحلة عذابه، التي هي أقرب ما تكون إلى "كوميديا دانتية" غير "إلهية"، سألته عن رأيه في اتفاق "غزة - أريحا أولاً" وعن الحل المنتظر أن ينبثق عنه، فقال: "هذي ما هي منطقية، ولا إنْها حل شامل للفلسطينية، إلاّ حل لجماعة مخصصين"، وهذا الحل "ما يمشي عند الـ 48 [لاجئي سنة 1948] ولكن عند غزة وأريحا مّشيينه بالزور." وحين سألت أبا محمد لماذا هو ضد حل لجزء من الشعب الفلسطيني، قال: "إحنا ضده لأنه ما استفدنا شي... بدنا حل شامل لكل الفلسطينية"، والحل في رأيه هو: "نرجع لأوطانّا.. العودة لأوطانّا."

وسألته: إذا كان الحل هو التعويض أو التوطين فهل يقبل به، أجاب: "لا.. إذا بِطْلَعْ بيدي إلاّ على فلسطين"، وأضاف قائلاً: إحْنا في سوريا بعاملونا مثل السوريين في الوظيفة والأشغال، بَسْ مو هَنِيّة إلا فلسطين."

وسألته بإلحاح عما إذا كان يفكر في مستقبل أولاده واستقرارهم في سوريا ما دام الحل المتمثل في العودة غير مطروح حالياً أو في المستقبل القريب، أجاب بلا تردد: "لا.. ما بَفَكْر الطفل اللّي بِسمَعْ بفلسطين إنه يتوطن في سوريا."

وواصلت إلحاحي في الاتجاه نفسه وسألته: إذا ما أصبح التوطين أمراً واقعاً فهل يقبل به؟ فقال: "والله هذاك الواقع شغل رب العالمين"، وأضاف: "بدها تصير إجباري.. بس ما أظن إنه شعب فلسطين يسكت عليها... وحتى لو أحبر عليها لن ينسى أرضه ومِلْكه ووطنه." وأعاد التأكيد: "إحنا عايشين مبسوطين في سوريان لكن الواحد وطنه فوق كل شيء."

وحاولت أن أعرف من هو المسؤول، بحسب رأيه، عما وصلت القضية الفلسطينية إليه، وكانت أجابته: "اللي عاملين حالهم قيادة هُمَّ اللي يتحملو المسؤولية."

وسألته: هل أنت نادم على عدم البقاء في أراضي الزّنغرية، بقطع النظر عن النتائج التي كانت ستترتب على ذلك؟ فقال: "أندم ولا أندم"، وقال، موضحاً، إنه لا يندم لأن من الأفضل للمرء أن يعيش تحت "حكم" دولة عربية لا حكم دولة أجنبية. وفي الوقت ذاته هو غير نادم لأنه لا يمكن له أن يتنبأ بما ستكون حاله عليه تحت الحكم الإسرائيلي.(28)

***

عند هذا الحد لمحت في عينيّ أبي محمد الحنين والشوق إلى مضارب العشيرة ومراعيها وإلى ملاعب طفولته فيها، فتركته يتحدث عن ذلك كله من دون أن أقاطعه أو أن أثقل عليه بمزيد من الأسئلة، التي قد تبدو له بديهية أو حتى ساذجة. وكما يقال: "النخلة ليست بحاجة إلى من يذكّرها بأنها تنتمي إلى عائلة النخيل، أو إلى من يعلمها كيف تطرح البلح."

II

ـ محمد قاسم (أبو حافظ) (81 سنة).

ـ يافة الناصرة/قضاء الناصرة.

جوبر/سوريا.

***

في منزلهم المتواضع في بلدة جوبر، استقبلنا أبناء الشيخ أبي حافظ بالترحاب، وبشيء من الفضول مردّه محاولة التأكد مما إذا كان هناك أسباب وجيهة تستدعي إيقاظ العجوز من تأملاته، ونبش هذه الكومة من الذكريات الموغلة في سني عمره الثمانين.

وكان يزيّن جدران الغرفة التي جلسنا فيها ملصقات للثورة وصور لأبنائه الشهداء، الذين توزعوا على أكثر من فصيل.

بدأ العجوز حذراً وغير راغب في الكلام، وخصوصاً أنه رفض قبل يوم واحد فقط، كما علمتن التحدث إلى باحثة من إحدى الجامعات الإسبانية مهتمة بالتاريخ الفلسطيني الشفهي.

وبعد استفسار العجوز عن هويتنا وغرضنا من الزيارة، وعقب تبادل المجاملات التي يفرضها الموقف، اعتقدت أن أبا حافظ قد اطمأن إلينا، فبادرته بالسؤال عن رأيه في "اتفاق غزة - أريحا أولاً والحل المرتبط به، وما إذا كان هذا الحل يُحصّل شيئاً من حقوق اللاجئين، ولا سيما حقهم في العودة؟ فأجاب بصورة مقتضبة جداً: "بعد ما شفنا شي من الحل، من أوله لآخره... وشو بطلع للاجئين؟ ما هو معروف، الله أعلم، وكله بيد الله"، ثم استدرك قائلاً:"حشي بحشي" [كلام في كلام]. وسألته: لو سُمح لك بالعودة إلى غزة وأريحا أو الضفة الغربية، فهل تعود؟ أجاب: "على يافة الناصرة إيه، على بلدي معلش."

***

وعلى الرغم من أنني أقفلت آلة التسجيل، التي ظل ينظر غليها بارتياب طوال الوقت، فإني لم أستطع أن أنتزع من أبي حافظ أية إجابات، أكثر مما قال.

وهنا تدخل أحد أبنائه وطلب إليه أن يحدثنا عن مشاركته في الثورة العربية الكبرى في فلسطين (1936 - 1939). حينئذ تغيّر العجوز فجأة، فاعتدل في جلسته، ودبت في عروقه حيوية الشباب، وأخذ يحدثني بحماسة عن علاقته النضالية بـ "أبو إبراهيم الصغير"، الذي يمتّ إليه بصلة القرابة من ناحية الأم، وعن العمليات التي كلفه بها في حيفا، وعن تردده إلى جامع الاستقلال لسماع دروس الشيخ عز الدين القسّام الجهادية. وتحدث أيضاً عن رفاق نضاله: رضوان رعطوطة (الطيرة)، وأبو محمد الغُزّ (صفورية)، ومرعي نصار (الذي ما زال يعيش في مخيم إربد - الأردن). كما تحدث عن إصابته في أثناء إحدى العمليات برصاص جنود الاحتلال البريطاني أمام سينما أرمون 0حيفا)، وكيف تم نقله سرّاً إلى مستشفى مدينة صور لتلقي العلاج.

ومن خلال هياج الذكريات في صدر العجوز تمكنت من رسم خطوط سريعة لسيرة نضالية طويلة تختزنها سنوات عمره الثمانون: ترك الفتى محمد قريته، يافة الناصرة، وكان لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره. وتوجه إلى القدس، طلباً للعمل. وبعد تنقله من عمل إلى آخر استقر المقام به في فندق الملك داود في القدس. ومن خلال عمله في الفندق تعلم التكلم بالعبرية. ومن القدس انتقل إلى العمل في حيفا، مدينة الفقراء. وعندما اندلعت الثورة العربية الكبرى كان الفتى قد أصبح شاباً تجاوز العشرين من عمره، فالتحق سرّاً بصفوف الثوار من خلال قريبه "أبو إبراهيم الصغير".

كُلّف الشاب في حيفا بمهمات كثيرة، منها: نقل السلاح ورصد العملاء. واستفاد من معرفته للعبرية وحصوله على بطاقة هوية تفيد بعمله في فندق الملك داود، وكان أهل قريته يعتقدون أنه يعمل مع اليهود، ولا علاقة له بالثورة، الأمر الذي سهل له تنفيذ المهمات التي كلف بها.

بعد سنة 1948 وقيام دولة إسرائيل نصح أهله له بالمغادرة، خشية الانتقام، بعد أن أصبح نشاطه السري في حيفا معروفا. فرحل من دون والديه وإخوته إلى دمشق، عبر بيروت. وسكن فترة في حي الميدان في دمشق وهو من أعرق أحياء دمشق القديمة. وفي هذا الحي كان يسكن أبو إبراهيم الصغير ورفيق نضاله الشيخ الأشمر، الذي أشرف من دمشق على عمليات التسليح والتمويل خلال الثورة الكبرى.

ثم انتقل للعيش في بلدة جوبر. وهو يعيش في منزله هذا منذ 45 عاماً.

وفي فترة الإرهاصات الأولى للثورة الفلسطينية، كان بيته مفتوحاً للمناضلين. وبعد انطلاقة الثورة المعاصرة شارك فيها. وعمل في بداية السبعينات مع قائد قوات اليرموك، الشهيد العقيد سعد صايل. وظل أبو حافظ على عهده بالثورة إلى أن أقعدته السنون في بيته.

***

ومن خلال حديث الذكريات علمت بأنه عاد سنة 1974 إلى يافة الناصرة بموجب تصريح زيارة، عبر الأردن، لرؤية أهله وذويه، بعد 25 عاماً من الفراق. فحاولت أن أتعرف إلى مشاعر العجوز لدى رؤيته مسقط رأسه وأهله وذويه، بعد هذا الغياب القسري والطويل. وفوجئت خلال الحديث بأن أبا حافظ لم يكن سعيداً بطريقة العودة هذه، وبأنه لم يمكث في قريته المدة المحددة في التصريح.

وفي غضون حديثه عن الزيارة/العودة، تعكّر مزاج العجوز لكأن روح الشباب التي حدثني بها عن ثورة 1936 فارقته. ولم أستطع استيضاح عدم رضاه عن تلك الزيارة. لكني تشجعت وسألته مرة أُخرى عن "اتفاق غزة - أريحا أولاً، وعن حلم العودة إلى يافة الناصرة، عندها زفر الشيخ زفرة طويلة وقال بحزم، لكن بهدوء ووقار شديدين: "اللي اتّاخذ بالقوة بيرجع بالقوة."

وشجعتني إجابته هذه، فسألته: هل ستطول حالة اللجوء والغربة يا أبا حافظ؟ وما هو مستقبل أولادنا وأحفادنا في هذا الشتات، الذي يبدو بلا نهاية؟ أجاب الشيخ بفتور: "كل شي بيد الله، غير هي كلأ... إن شاء الله يكون خير ... الحياة كلها هيك من أول ما خلقنا، طراد بطراد [تعب وشقاء].

ثم ما لبث العجوز أن استعاد بعضاً من حماسته الأولى، قائلاً: "الوضع ما بدوم... وما بنِنْسى فلسطين... اللّي عنده دم وحرارة ما بِنْسى... والصغير قبل الكبير بدّو العودة لفلسطين."

III

ـ حسين محمد (40 سنة).

ـ كراد الغنّامة/قضاء صفد.

ـ مخيم سبينه/سوريا.

***

يقع مخيم سبينه في جنوب مدينة دمشق، وتتداخل بيوته مع أبنية سبينه البلدة، ويتحدّر معظم سكانه من مناطق صفد وطبريا والحولة.(29)

وفي بيت من طبقة واحدة، شيّد حديثاً، ويقع على مسافة قريبة من حدود بيوت المخيم، التقيت المهندس حسين محمد. وهو خريج كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق، ويعمل في إحدى شركات القطاع العام، وينتسب إلى نقابة المهندسين السورية، ويتمتع بالحقوق كافة التي تمنحها النقابة للمهندس السوري، دونما أي تمييز، بما في ذلك حق افتتاح مكتب هندسي لممارسة العمل الخاص، طبعاً بعد استيفاء مدة الخدمة الإجبارية المقررة في إدارات الدولة.

***

سألته عن كراد الغنّامة، مستحضراً في الذهن قصة نزوح بدو الغنامة من فلسطين إلى سوريا وعذابات ومعاناة من بقي منهم في الجليل الفلسطيني، فقال إنه لا يعرف الكثير من التفصيلات. وروى شذرات من قصة العذاب والنزوح تلك، مستذكراً بعض ما رواه الأهل له.(30)

وسألت المهندس حسين عن رأيه في اتفاق "غزة - أريحا" وتطورات الوضع الفلسطيني، فأجاب: على الرغم من أن الاتفاق لا يشكّل حلاً مقبولاً للقضية الفلسطينية، ولا يتضمّن عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، فإن الوضع قد يتطور بعد 5 سنوات أو 10 سنوات إلى "نواة" دولة فلسطينية. وتطور الوضع مرتبط، بحسب رأيه، بمدى جدارة القيادة الفلسطينية وإدارتها للصراع.

وحينها سألته كيف يمكن لهذه القيادة أن تثبت جدارتها؟ وكيف سيتأتى لها إيجاد مقومات الدولة؟ قال: صحيح أن للدولة مقومات تفتقدها سلطة الحكم الذاتي حالياً، مثل البنية التحتية للاقتصاد، والطاقة العلمية، ورؤوس الأموال... إلخ، فإنه إذا ما تحقق الاستقرار في المنطقة، عموماً، يمكن حينها عودة رؤوس الأموال والطاقات العلمية من الخارج، لتساهم في بناء مقومات الدولة.

وهنا سألته عما ستكون عليه حينئذ علاقة الفلسطينيين في الشتات بالكيان المنتظر، "الدولة"؟ فأجاب: ربما يتحول الفلسطينيون في الشتات إلى جوالٍ فلسطينية تعيش في المنفى وتنتسب إلى الدولة. وربما يتوطن بعضهم، وربما يهاجر البعض الآخر إلى بلاد جديدة. والأمر غير واضح حتى الآن.

وسألته عما إذا كان هذا كله يشكل حلاً دائماً للقضية الفلسطينية، فأجاب:. قطعاً لا، مؤكداً أن الكيان الفلسطيني المنتظر، وبصرف النظر عن درجة تطوره في المستقبل إلى دولة، لن يكون سوى إطار يواصل الشعب الفلسطيني من خلاله نضاله، لكن ضمن شروط وأوضاع جديدة مختلفة كلياً، عما سبق.

IV

ـ فاطمة محمد شحادة (أم مصطفى) (55 سنة).

ـ عرب الشمالنة**

ـ مخيم قبر الست/سوريا.

***

يقع مخيم قبر الست في جوار مقام "الست زينب"، الذي يؤمه المسلمون الشيعة من لبنان والعراق وإيران، ومن بلاد أُخرى. وتحاذي بيوت المخيم الأبنية السكنية المحيطة بالمقام، حيث يعيش خليط من السكان، بينهم عدد لا بأس فيه من الفلسطينيين، ممن يعيشون خارج المخيم، ضمن التجمعات السكانية السورية.

وينتمي سكان مخيم قبر الست، من حيث المنشأ، إلى ثلاث مجموعات هي: عرب الشمالنة، وعرب الغوارنة، وعرب الزنغرية.(31)

وفي أحد بيوت المخيم التقيت أم مصطفى. وهي أرملة، فقدت زوجها خلال حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، وأم لأربعة شهداء أكبرهم الشهيد مصطفى، استشهد اثنان منهم في لبنان. وتعيش حالياً مع ابنة واحدة وثلاثة أولاد: حسين ورياض وحسان؛ الأول عامل بناء، شبه عاطل من العمل؛ والثاني مريض لا يقوى على العمل؛ والثالث جندي في جيش التحرير الفلسطيني. الأولاد والبنت ربتهم أم مصطفى، من دون رعاية والدهم.

لا تتلقى أم مصطفى "إعاشة" من الأونروا، لأن بعض أولادها تجاوز سن الثانية عشرة، فهي لذلك لا تصنف ضمن حالات العسر الشديد، لكنها تتقاضى راتباً متواضعاً من مؤسسة أُسر الشهداء، لا يكاد يسد رمق عائلتها، وهو ما اضطرها إلى تحويل إحدى غرف بيتها إلى دكان صغير تبيع فيه بعض السلع الخاصة بالأطفال في المخيم، ولا يزيد ثمن ما يحتويه الدكان عن بضعة آلاف من الليرات السورية. ولذلك فإنها تضطر إلى العمل في بعض المواسم الزراعية في جمع بعض الأعشاب البرية، مثل الخبيزة والهندباء وغير ذلك.

***

الغرفة التي أجلستنا فيها أم مصطفى عادية تماماً إلاّ من صور تزين أحد الجدران لأبنائها الشهداء الأربعة، تتوسطها صورة الأخ الأكبر مصطفى. وعندما فاجأنا أم مصطفى بالزيارة، سارعت إلى مدّ حصيرة من البلاستيك على أرض الغرفة العارية، ووضعت عليها فرشتين وعدداً من المساند المصنوعة من الإسفنج.

لم تشأ أم مصطفى التحدث. وعندما شجعها ابنها حسين على الكلام، جاء حديثها متلعثماً، أشبه بتأتآت عميقة خرجت من صدر مثقل بالأحزان. سألتها عن أحوال العيش فقالت: "لا حول ولا... عايشين دفش". وسألتها عن حل "غزة - أريحا" فأجابت: "مش مبسوطة من الحل... أبو خراطيم [وتعني ياسر عرفات] حرم ناس وأعطى ناس." وسألتها عن المستقبل فقالت: "زفت مغلي". وسألتها عن التوطين، فأجابت: "يا ريت نرجع...".

غادرت بيت أم مصطفى، وكانت العتمة قد بدأت تسود الأزقة والبيوت المكدسة على جوانبها كيفما اتفق. وظلت رنة صوتها الحزين، عندما تفوهت بهذه الكلمات "يا ريت نرجع"، تحاصر مسمعي في طريق العودة إلى دمشق، وتطغى على ما سواها من أصوات. وقلت في نفس: ليس لك يا أم مصطفى، سوى الله وصوت فيروز، عندما يصدح بأغنية: "سنرجع يوماً إلى حيّنا...".

V

أسعد عيسى (أبو جهاد) (67 سنة).

ـ لوبيا/قضاء طبريا.

ـ مخيم اليرموك/سوريا.

ـ فايز العموري (أبو مجاهد) (68 سنة).

ـ لوبيا/قضاء طبريا.

ـ مخيم اليرموك/سوريا.

***

التقيتهما معاً في منزل أبي جهاد في مخيم اليرموك: أبو جهاد عمل في وكالة غوث اللاجئين - الأونروا منذ بداية الخمسينات، وعاش تجربة إنشاء مشروع الإسكان الذي رعته الأونروا في منطقة الرمدان، التي تبعد نحو 60 كلم عن دمشق، في الطريق المؤدي إلى البادية السورية، باتجاه تدمر،(32)   ثم انتقل بعد فشل المشروع للعمل في الهيئة العامة للاجئين العرب، التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية، إلى أن تقاعد. أما أبو ماجد، فيعمل سائقاً في أمانة العاصمة. وقد تناوب الاثنان الحديث والإجابة عن الأسئلة.

***

طلبت إلى أبي جهاد أن يروي لي قصة مشروع الرمدان من خلال معايشته لأحداث تلك الفترة، فقال: بدأ المشروع سنة 1953 بحفر آبار ارتوازية، من أجل الحصول على المياه. ثم شرعت اللجنة المشرفة على المشروع في زراعة الأرض على سبيل التجربة، فحفرت الأقنية وغرست أشجار الحور لتكون مصدّات لرياح الصحراء ورمالها. وفي إثر نجاح التجربة الزراعية، شيّدت البيوت، وذهبت اللجنة إلى المخيمات لإقناع الناس بالسكن في المشروع، على أساس أن تمنح العائلة الواحدة منزلاً وما معدله 10 دونمات، بالإضافة إلى رأس مال أساسي قيمته 450 ليرة سورية، في مقابل قطع "الإعاشة" التي تحصل العائلة عليها من الأونروا، شريطة أن ينفق جزء من المبلغ المذكور في شراء وتربية عدد من الأبقار والأغنام. وتعهد المشروع توفير بئر ماء لكل عائلتين أو أكثر، على أن تصرف للعائلات المشاركة الأعلاف والمحروقات اللازمة.(33)

وأضاف أبو جهاد: في أواخر سنة 1954 بدأت نحو 20 عائلة - 25 عائلة الاستقرار في المشروع. وعن مصير المشروع، فيما بعد، أفاد: إن بعض العائلات التي استقرت في الرمدان لم يكن يملك الخبرة الكافية في الزراعة، فأنفق النقود بعد أشهر، بدعوى أن الأرض لا تصلح للزراعة، ولجأ إلى الدولة، طلباً للمساعدة في الانسحاب من المشروع. ثم بدأت الأونروا التخلي عن المشروع، فتقلّص عدد عمالها فيه إلى ما بين 3 عمال - 5 عمال، وكنت من بينهم. وفي إثر ذلك تولت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا إدارة المشروع، فشرعتْ في تصفيته، وعرضت علينا العمل لديها، وكان ذلك بين سنتي 1955 و 1956، فقبلنا العمل. وبقيت أعمل في الهيئة إلى أن تقاعدت.(34)

***

ومن ذكريات محاولات التوطين في الخمسينات انتقل بنا الحديث إلى الوقت الراهن، وما يُعرض فيه من حلول للقضية الفلسطينية، ولقضية اللاجئين بصورة خاصة، فسألت أبا جهاد عن رأيه فيما يجري، غير أن أبا ماجد، الذي يجب النقاش في السياسة ويدمن نشرات الأخبار، استبق الحديث وأجاب بالقول: الحل الراهن مرفوض، "مش لصالحنا". الحل يكمن في "إعادة اللاجئين جميعهم إلى أرضهم". وتساءل أبو ماجد: لماذا يكون من حق اليهودي القادم من روسيا مثلاً أن يستوطن فلسطين، في حين لا نملك نحن مثل هذا الحق؟!

وهنا تدخّل أبو جهاد قائلاً: "الحل لصالح إسرائيل." ثم تابع أبو ماجد حديثه: "لا توطين ولا تعويض حتى ييجي يوم يعود فيه أولادنا"، مؤكداً ضرورة الاحتفاظ بحقنا في المستقبل.

وسألت أبا جهاد: ماذا عن الاستقرار في سوريا، ما دام أن حق العودة الآن غير قابل للتنفيذ؟ فقال: "وضعنا هنا مُرْضي... شاركونا في الأعمال والتجارة. ولو خُيّرنا بين الاستقرار في سوريا وبين الاستقرار في غيرها، فإننا نختار سوريا." وأضاف: "سوريا بعد فلسطين"، وأوضح قائلاً" "أولاد أخي دكاترة في الجامعة السورية"، وقد درسوا على حساب الدولة.

وعاد أبو ماجد إلى الحديث، فقال: استمعت إلى أحد البرامج في إذاعة إسرائيل يسألون فيه الإسرائيليين: ما رأيكم في العرب؟ أحدهم أجاب - قال أبو ماجد - نبقيهم لكنس الشوارع. وهنا تساءل أبو ماجد: لماذا أعود إلى الضفة الغربية وغزة؟ وماذا أعمل هناك؟ هل أعود لكنس الشوارع؟! ثم أضاف: "لا عمل لي ولأولادي.. ولا أرض تكفي هناك."

وحاولت إغراءه بإمكان تطور سلطة الحكم الذاتي إلى دولة فلسطينية في المستقبل، فقال أبو ماجد: لا دولة فلسطينية.. الملك حسين سيكون هو الحاكم الفعلي. وهنا أكّد أبو جهاد: "كل شيء بيد إسرائيل وحماية لإسرائيل."

وسألتهما، محاولاً إنهاء المقابلة، وقد دخل غرفة الجلوس في تلك اللحظة أحد أبناء أبي جهاد السبعة، وهو طبيب متخرج حديثاً؛ دخل حاملاً طبقاً من البطيخ المثلج، جاء في موعده تماماً، في تلك الأمسية من أمسيات شهر آب/أغسطس "اللهّاب"، سألتهما: ما رأيكما في حل التعويض بدلاً من العودة؟ وهنا أجاب أبو جهاد: "نترك الأمور للزمن.. تعليق القضية أفضل من حل التعويض.. والتعويض مش حل."

تناولنا البطيخ سوية، بينما استمر الحديث متقطعاً... وأيقنت بعد ذلك كله أن الفلسطينيين هنا في معظمهم لا يضعون في بطونهم "بطيخة صيفي"، كما يقول المثل، في انتظار تحقق الوعود والآمال التي بشّر "إعلام الصدمة" بها، الإعلام الذي أطلقته عملية السلام، في بداياتها الأولى، على وجه الخصوص. 

خلاصة

تبلغ مساحة سوريا 185,180 كلم2, ويصل عدد سكانها إلى نحو 13 مليون نسمة. أما الفلسطينيون في سوريا، فيشكلون ما نسبته 2,4% من مجموع السكان، ويعيش معظمهم (77,5%) في محافظة دمشق، ربما بسبب تمركز موجة الهجرة الأولى بعد سنة 1948 في العاصمة وحولها، كونها مركز النشاط الاقتصادي.

ومما يلفت النظر أن نحو 28% فقط من الفلسطينيين يسكنون المخيمات، في حين يتوزع الباقون، ويتداخلون في التجمعات المدينية السورية. ويعدّ هذا النمط من التوزع مؤشراً من مؤشرات الاندماج الاجتماعي والاقتصادي في مجتمع اللجوء.

وتبرز هذه الحقيقة بصورة أكثر جلاء إذا ما عمدنا إلى مقارنة هذا الوضع بما هو عليه وضع الفلسطينيين في لبنان. فبحسب إحصاءات الأونروا حتى حزيران/يونيو 1992، يعيش في المخيمات نحو 52,1% من مجموع الفلسطينيين المسجلين، الأمر الذي يعكس مدى التمركز والانغلاق داخل المخيمات، لأسباب كثيرة ليس هنا مجال تفصيلها.(35)

ومما تجدر ملاحظته بالنسبة إلى الفلسطينيين في سوريا هو أن المخيم الفلسطيني ذاته، كتجمع سكاني، منفتح على ما حوله من تجمعات سكانية سورية، ومندمج فيها اقتصادياً. وتبدو هذه الصورة جلية في المخيمات المحيطة بمدينة دمشق، مثل: مخيمات اليرموك وجرمانا وقبر الست وسبينه وغيرها. ولا تختلف الحال في المخيمات الواقعة حول المدن الأُخرى.

لم يتعرض الفلسطينيون في سوريا طوال فترة إقامتهم لأي شكل من أشكال التهميش الاجتماعي والاقتصادي، التي تعرضوا لها في بعض مجتمعات اللجوء الأُخرى، الأمر الذي يسّر لهم إمكانات الاندماج في مختلف أوجه حياة المجتمع السوري، من دون أن يفقدوا خصوصيتهم الوطنية. وتعود أسباب ذلك بصورة أساسية إلى الروابط والصلات الجغرافية، وإلى العلاقات التاريخية التي تربط سوريا بفلسطين. فسوريا عبر عهودها السياسية المتعاقبة ترتبط بالقضية الفلسطينية ارتباطاً وثيقاً، وينعكس هذا الارتباط في الأيديولوجيا الحزبية وبرامج التعليم والنتاج الثقافي ووسائل الإعلام الجماهيرية، كما ينعكس في القوانين التي تحدد وضعهم المدني.

ويشكل القانون رقم 260 لسنة 1956 الإطار العام، الذي يمارس الفلسطينيون في سوريا من خلاله حياتهم الاعتيادية في المجتمع السوري، كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

لقد وصل الكثيرون من الفلسطينيين إلى مواقع ووظائف إدارية مميزة في مختلف إدارات الدولة، من الجيش إلى الجامعات إلى مختلف الوزارات. كما استفادوا من الامتيازات كافة، وحصلوا على جميع الخدمات الممنوحة للمواطنين السوريين في حقول التعليم والصحة والثقافة والعمل والضمان الاجتماعي، وفي مجال الانتساب إلى النقابات المهنية وغيرها من الحقول والمجالات.

وعلاوة على ذلك، يتميز الفلسطينيون في سوريا بوجود مرجعية في الدولة، ذات صلاحيات، تبرز خصوصيتهم وتعنى بشؤونهم. هذه المرجعية هي "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" التي تنسق مع وزارات الدولة الأُخرى في هذا الصدد.

إن القانون 260/1956 واضح لجهة إلزامه سائر وزارات الدولة بتطبيق القوانين المتعلقة بمساواة الفلسطينيين بالمواطنين السوريين في الحقوق المنصوص عليها.

ولعلّ ما يكتسب أهمية خاصة على صعيد "المرجعية" هو أن "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" جُعلت عند إنشائها تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لا لأية وزارة أُخرى، كوزارة الداخلية (مثلما هي الحال في لبنان)، الأمر الذي يعني أن التعامل مع الفلسطينيين انطلق أصلاً من كونهم مواطنين عرب في حالة لجوء قسري، يحتاجون إلى العمل والرفاه الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي، حتى تتم إعادتهم إلى وطنهم، مهما يطل أمد اللجوء، لا من كونهم "غرباء" أو "أجانب" مطلوب ضبطهم على الصعيد الأمني وتهميشهم على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

وبهذا المعنى، فإن سوريا، بوصفها عضواً في جامعة الدول العربية تلتزم التزاماً كاملاً تطبيق بروتوكول الدار البيضاء لسنة 1965، الذي ينص على أن "يعامل الفلسطينيون في الدول العربية التي يقيمون فيها معاملة رعايا الدول العربية في سفرهم وإقامتهم، وتيسر فرص العمل لهم، مع احتفاظهم بجنسيتهم الفلسطينية."

وفضلاً عن ذلك، فإن سوريا تطبق، موضوعياً، بحق اللاجئين الفلسطينيين المقيمين على أراضيها منذ سنة 1948، نصوص معاهدة جنيف لسنة 1951، التي تنص على ضرورة منح اللاجئين حقوقاً اقتصادية واجتماعية تضعهم على قدم المساواة مع الرعايا الوطنيين، وتسهل اندماجهم في مجتمعات اللجوء.

وهذا التطبيق للمعاهدة يعود إلى دواعٍ ومسوغات سياسية وعقائدية، لا إلى أسباب قانونية مجردة.

وبما أن معظم الفلسطينيين في سوريا متحدر أصلاً من منطقة الجليل الفلسطيني، فإن لهذه الحقيقة مغزى خاصاً في الوقت الراهن، حيث يصنف هؤلاء، اليوم، ضمن اللاجئين الذين لم يلحظ اتفاق "إعلان المبادىء" وضعهم، ولم يتطرق إلى حقوقهم، ولا سيما حقهم في العودة، ولا حتى بعد انقضاء المرحلة الانتقالية المقررة بحسب الاتفاق.

وهذا ما يفسر مواقف قطاعات واسعة منهم بشأن اتفاق "غزة - أريحا أولاً"، وعملية السلام برمتها. هذه العملية التي تتجاهل حقهم في العودة إلى قراهم ومدنهم، وتضعهم أمام خيارات مجهولة ومبهمة.

الفلسطينيون في سوريا، وبقطع النظر عن تمتعهم بحقوق اقتصادية واجتماعية، هم لاجئون بالمعنى القانوني، يتحمل المجتمع الدولي، ممثلاً بالأونروا، مسؤولية رعايتهم.

ولذا، فقد عارضت سوريا في الآونة الأخيرة قرار الأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي بتاريخ 29 حزيران/يونيو 1993 القاضي بنقل مقر الأونروا إلى غزة، وطالبت بإجراء اقتراع في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن هذا القرار، مخافة أن تؤثر هذه الخطوة في الوضع الدولي الشرعي للاجئين الفلسطينيين عموماً، ومن بينهم اللاجئون في سوريا***.

وقد أثارت خطوة نقل مقر الأونروا إلى غزة مخاوف النخبة المثقفة الفلسطينية في سوريا وفي غيرها من بلاد الشتات، خشية أن تكون جزءاً من استراتيجيا أعم هدفها تهميش مشكلة اللاجئين عموماً. هذا على الرغم من تأكيد المفوض العام للأونروا، ألتر تركمان أن الخطوة مجرد تأكيد لارتباط الأمم المتحدة بعملية السلام.

يشعر الفلسطينيون في سوريا، كغيرهم من الفلسطينيين في أرجاء الشتات، بأنهم ينتمون إلى شعب واحد تجري اليوم تجزئته، وبالتالي تجزئة أرضه وقضيته. ويحسون بالغبن والغدر والخديعة وبخيبة الأمل حيال ما آلت أوضاعهم إليه حالياً، بعد جميع صنوف المعاناة التي تعرضوا لها، والتضحيات التي قدموها طوال نصف قرن من اللجوء من أجل تحقيق طموحاتهم الوطنية في العودة إلى أرض وطنهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم.

وتنظر أغلبيتهم إلى مستقبل أجيالها بكثير من التشاؤم والخوف والقلق وعدم اليقين. أما النخبة منهم، فترى أنه ما دامت الهزيمة وقعت، فلا بد من اعتبارها جزءاً من النضال الاجتماعي، ولا مناص من الرهان على المستقبل.

 

المصادر:

(1) راجع في هذا الصدد: "المجموعة الإحصائية الفلسطينية"، العدد الثامن (1987 ـ 1988)، المكتب المركزي للإحصاء والمصادر الطبيعية الفلسطيني/م.ت.ف.، دمشق، شباط/فبراير 1994، الجدول 3/6/ب، ص 153.

(2) قدرت مصادر في مكتب الأونروا في دمشق عدد الفلسطينيين غير المسجلين في سوريا، والذين يحق لهم التسجيل، ما بين 25 ألفاً و 30 ألف فلسطيني. وأفادت أن قسم التسجيل قام سنة 1993 بتسجيل 472 شخصاً لم يكونوا مسجلين من قبل.

(3) أنظر:

“UNRWA Registration Statistical Bulletin For the Second Quarter 1994” (2/94), Department of Relief & Social Services, July 1994, p. 3.                                                                                                                                           

(4) أنظر خريطة توزع المخيمات في مختلف مناطق سوريا.

(6) بلغ العدد الكلي للاجئين المسجلين في مختلف مناطق عمل الأونروا حتى التاريخ نفسه 306,787 لاجئاً.

(7) إن عدد الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا في سوريا حتى حزيران/يونيو 1993 هو 314,039 شخصاً، يشكلون 2,4% من مجموع سكان سوريا و 11,2% من مجموع اللاجئين المسجلين في مختلف مناطق عمل الأونروا. ومن إجمالي العدد المذكور يعيش 89,636 شخصاً، أي ما نسبته 28,5%، في المخيمات. أنظر: "تقرير المفوض العام للأونروا، 1 تموز/يوليو1992 ـ 30 حزيران/يونيو 1993"، المقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والأربعين، الملحق رقم 13 (A/48/13). نيويورك، 1994، الجدول رقم 15، ص 71.

(8) بخصوص توزع الفلسطينيين المسجلين في منطقة دمشق يُظهر جدول إحصائي غير منشور، من إعداد قسم التسجيل/الأونروا (سوريا)، أن عددهم الإجمالي بلغ حتى كانون الأول/ديسمبر 1993 (249,433) شخصاً، يعيش 84,916 منهم في مدينة دمشق نفسها، و 75,149 في مخيم اليرموك و 21،960 في منطقة جوبر (وتعني منطقة الغوطة بكاملها). والباقي يتوزع إلى المخيمات الخمسة الواقعة حول دمشق:

Statistics of Registered Refugees by Centre-SYRIA, December 1993. UNRWA Eligibility Registration Deivision/SA.

(9) اشتقت هذه النسبة من سجلات الأونروا المتعلقة بالولادات والوفيات في فترة 1982 ـ 1992. وهي ليست نتيجة إحصاء ديموغرافي. أنظر:

“Fact Sheet Revision,” May 1993, Issued by the Public Information Office, UNRWA.

(10) Ibid.

(11) أنظر:

“UNRWA Registration Statistical Bulletin…,” op.cit., p. 17.

(12) المجموعة الإحصائية، مصدر سبق ذكره، الجدول رقم 6/5، ص 155.

(13) المصدر نفسه، الجدول رقم 6/4، ص 154: الأرقام والنسب محتسبة من الجدول المذكور.

(14) المصدر نفسه، الجدول رقم 6/9، ص 159: الأرقام والنسب محتسبة من الجدول المذكور

(15) تشمل القوة البشرية، عادة، السكان من سن 10 سنوات فأكثر. وتتضمن السكان ذوي النشاط الاقتصادي (المشتغلون خارج المنزل وداخلية والمتعطلون الذين سبق لهم العمل ومن لم يسبق لهم العمل)، بالإضافة إلى السكان غير ذوي النشاط الاقتصادي. أما قوة العمل فتعني السكان ذوي النشاط الاقتصادي، المشتغلون منهم والمتعطلون.

(16) بلغت هذه النسبة 32,2% سنة 1970. أنظر: "الموسوعة الفلسطينية"، القسم الثاني، الدراسات الخاصة، المجلد الأول 0بيروت، 1990)، ص 159.

(17) راجع: المجموعة الإحصائية، مصدر سبق ذكره، الجدول 6/9، ص 157.

(18) راجع: "تقرير المفوض العام لأونروا"، مصدر سبق ذكره، الجدول رقم 15، ص 72.

(19) المصدر نفسه، الجدول رقم 5، ص 59. أنظر أيضاً:

“Fact Sheet Revision,” May 1993, op.cit.     

(20) "تقرير المفوض العام للأونروا، مصدر سبق ذكره، الجدول رقم 6، ص 60.

(21) كان إجمالي عدد الطلاب الفلسطينيين في سوريا في العام الدراسي 1951/1952 في المراحل التعليمية الثلاث 1346 طالباً وطالبة فقط (1010 من الذكور، 336 إناثاً). أنظر:

Statistical Yearbook 1992-1993, No. 29, UNRWA Department of Education, Amman, April 1994, Table 7, p. 20.

وقد تم احتساب أرقام الجدول رقم 4 استناداً إلى مصدرين؛ بشأن أعداد الطلاب في مدارس الأونروا، أنظر: "تقرير المفوض العام للأونروا"، مصدر سبق ذكره، الجدول رقم 15، ص 72. وبشأن أعداد الطلاب في المدارس الحكومية والخاصة، أنظر:

Statistical Yearbook 1992-1993, op.cit., Tables: 81, 83, 85, 87, 89, 91, pp. 117, 119, 122, 124, 127, 129.

(22) من باب المقارنة، نعطي بعض الأرقام الواردة في العدد الثامن من المجموعة الإحصائية الفلسطينية للعام 1987/1988 بشأن أعداد الطلاب الفلسطينيين في المدارس الحكومية السورية مقارنة بأرقام الأونروا: في العام الدراسي 1987/1988، بلغ عدد الطلاب في المرحلة الابتدائية 13,723 طالباً في المدارس الحكومية في مقابل 30,785 طالباً في مدارس الأونروا، وفي المرحلة الإعدادية وصل العدد إلى 4022 طالباً في المدارس الحكومية في مقابل 13,166 في مدارس الأونروا. أنظر: "المجموعة الإحصائية الفلسطينية"، مصدر سبق ذكره، الجدولان 6/15 و 6/19، ص 165 و 169.

(23) راجع: المجموعة الإحصائية الفلسطينية، مصدر سبق ذكره، الجدول رقم 6/22، ص 172.

(24) لا يشمل الإحصاء جامعة تشرين، والعدد المعطى يتضمن جميع الطلاب الفلسطينيين الذين يحملون وثائق سفر فلسطينية ويدرسون في الجامعات السورية. أنظر: "المجموعة الإحصائية الفلسطينية"، مصدر سبق ذكره، الجدول رقم 6/23، ص 173.

(25) نشر القانون رقم 260 في "الجريدة الرسمية"، العدد 33، سنة 1956، ص 4762.

* حصلنا على هذه الشهادات من خلال مقابلات موجهة أُجريت في الفترة الواقعة بين 13 ـ 23  آب/أغسطس 1994.

(26) تقع مساكن الزّنغرية جنوبي قرية طوبى اللهيب بنحو 500 متر. وبعد حرب سنة 1948 لم يبق من بدو الزّنغرية الذين قدر عددهم سنة 1950 بـ 840 شخصاً سوى عشر أُسر (60 شخصاً ـ 70 شخصاً). وكان عرب الزّنغرية، وفقاً لإحصاءات سنة 1945، أكبر مالكي الأرض من البدو في  الجليل خلال عهد الانتداب؛ ففي تلك السنة كانوا يملكون 27,856 دونماً. وقبل سنة 1948 رفضوا بيع أراضيهم من الوكالة اليهودية، على الرغم من أن الأراضي التي يملكها اليهود كانت تحيط بأرضهم من الشمال والغرب والجنوب. أنظر: غازي فلاح، "الجليل ومخططات التهويد" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1993)، ص 60 ـ 61.

(27) أُعيد عرب الزّنغرية إلى الجولان في حقبة العودة إلى الحكم النيابي في سوريا (شباط/فبراير 1954 ـ شباط/فبراير 1958)، وذلك بعد انقضاء حقبة الانقلابات العسكرية (1949 ـ 1954).

(28) لعل ابا محمد لا يعلم بأن مشكلات عرب الزّنغرية قد بدأت مع السلطات الإسرائيلية سنة 1953، حين قررت هذه السلطات إقامة مزرعة للمواشي على أراضي العشيرة. وفي السنة نفسها رفع عرب الزّنغرية شكوى إلى المحكمة العليا الإسرائيلية طالبوا فيها باستعادة 20,000 دونم من أراضيهم المصادرة. وظلت قضيتهم تتأرجح في المحكمة حتى كانون الأول/ديسمبر 1980، حين عقدوا اتفاقاً في الناصرة مع مكتب إدارة الأراضي في الحكومة الإسرائيلية، وافقوا بموجبه على قبول حيازة 13%  فقط من أراضيهم الأصلية. إلا إن أي صك ملكية، بموجب هذا الاتفاق لم يصدر. وفي سنة 1981 تحولت الزّنغرية إلى حارة صغيرة في قرية طوبى المجاورة، ثم دمجتا معاً في قرية واحدة تحمل رسمياً اسم طوبى ـ زنغريةن ولها مجلس محلي واحد. لمزيد من التفصيلات، راجع:

قلاح، مصدر سبق ذكره، ص 61 ـ 62.

(29) بخصوص تعداد سكان المخيم، أنظر: القسم الأول من الدراسة، الجدول رقم 2.

(30) تقع خيام قبيلتي الغنّامة والبقّارة الكرديتين على بعد 2 كلم ـ 3 كلم من الحدود السورية ـ الفلسطينية، على مسافة مماثلة من جسر بنات يعقوب. وخلال القتال في إبان حرب سنة 1948، تحول بدو الغنّامة إلى نازحين مدة عام ونصف العام، خلف الحدود في الجانب السوري. ثم أعيدوا إلى قريتهم في 20 تموز/يوليو 1949، بعد توقيع اتفاقات الهدنة بين إسرائيل وسوريان وعاشوا في المنطقة التي أُعلنت منطقة مجردة من السلاح، تحت إشراف قوات الأمم المتحدة. وظلوا هناك، حتى نيسان/أبريل 1951، عندما نقلتهم القوات الإسرائيلية في شاحنات عسكرية وأجبرتهم على العيش في قرى في الداخل، بعيداً عن الحدود. وفي أثناء العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، استغلت إسرائيل الفرصة، في إثر توتر الوضع على الحدود الإسرائيلية/السورية، وقامت بطردهم إلى سوريا في 30 تشرين الأول/أكتوبر 1956. أنظر: فلاح، مصدر سبق ذكره، ص 54 ـ 56.

** أيضاً بني عمرو، وهم من عرب السلوط في اللجاه جنوب سوريا. تقع بيوتهم شرق مدينة صفد على الحدود الفلسطينية ـ السورية. بلغ تعدادهم 650 نسمة سنة 1954. وكانت أراضيهم في المنطقة المنزوعة السلاح وفقاً لاتفاقات الهدنة لسنة 1949، لكنهم طُردوا منها سنة 1951.

(31) بشأن تعداد سكان المخيم، أنظر: القسم الأول من الدراسة، الجدول رقم 2..

(32) تبنت الأونروا منذ إنشائها في كانون الأول/ديسمبر 1949 تطبيق برنامج "البعثة الاقتصادية للدرس" المعروفة باسم "بعثة كْلاب" (Clapp)، الهادف إلى دمج اللاجئين الفلسطينيين في الهياكل السياسية والاقتصادية لدول المنطقة، تحت شعار "استخدام أكثر وغوث أقل"، فشرعت في تنفيذ ما سمي حينها مشروع "بلاندفورد"، المفترض به إنهاء مسؤولية الأمم المتحدة تجاه اللاجئين الفلسطينيين. والجدير ذكره أن برنامج البعثة وما انبثق عنه من مشاريع لقيا قبولاً مبدئياً لدى الحكومات السورية العسكرية آنذاك (1949 ـ 1954)، من حكومة حسني الزعيم إلى حكومة أديب الشيشكلي.

(33) كان شعار مشروع "بلاندفورد" الذي تبنّته الأونروا: "عمل ومنزل لكل أسرة" على أساس الانتقال من الغوث إلى التنمية. أنظر: أولييهن مصدر سبق ذكره، ص 147.

(34) يبدو أن المشروع قد أفشل في بداية حقبة العودة إلى الحكم النيابي (1954 ـ 1958)، في إثر سقوط حكومة الشيشكلي وعودة حزب البعث إلى البرلمان في انتخابات سنة 1954. وكان أكرم الحوراني قد اتهم الشيشكلي بأنه سلم البلد للغرب، بالاشتراك في مشروع الدفاع عن الشرق الأوسط، وبعقده اتفاقاً مع الأونروا يتعلق بتوطين اللاجئين الفلسطينيين. أنظر: جوردون ه. توري، "السياسة السورية والعسكريون (1945 ـ 1958)"، ترجمة محمود فلاحة (دار الجماهير 1969)، ص 230 ـ 231.

وبحسب مصادر قسم التسجيل في الأونروا في دمشق، هناك تجمع فلسطيني في الرمدان حالياً يتمثل في 136 عائلة يبلغ أفرادها 734 شخصاً، هم من مخلفات ذلك المشروع. ويتلقى هؤلاء السكان من الأونروا بعض الخدمات، كالتعليم والطبابة.

(35) أنظر: "تقرير المفوض العام"، مرجع سبق ذكرهن ص 71.

*** راجع في صحيفة "تشرين" السورية، 15/8/1994، مقالاً مترجماً عن Le Monde.

السيرة الشخصية: 

جابر سليمان: باحث فلسطيني.