في صباح اليوم التالي للاحتفال
كلمات مفتاحية: 
معاهدة السلام الأردنية ـ الإسرائيلية 1994
إسرائيل
الأردن
نبذة مختصرة: 

يرى الكاتب أنه مع كل الخير في اتفاق السلام مع الأردن، إلا أن ليس فيه انهاء لحالة العداء والحرب، لأن هذه الحالة لم يكن لها وجود عملياً منذ أعوام. إن الاتفاق يضفي مصادقة على الوضع الذي كان قائماً منذ زمن، لكنه ليس بديلاً من التسويات السياسية مع شركاء آخرين في المنطقة.

النص الكامل: 

كيف حدث أن جميعنا كنا بحاجة إلى احتفالات السلام هذه في وادي عربه. وكلمة جميعنا تعني اللاعبين الثلاثة الرئيسيين، الملك حسين، ويتسحاق رابين، والرئيس كلنتون؛ لكن تعني نحن أيضاً - أولئك الذين لم توجه الدعوة إليهم، ولو إلى الأماكن الأقل أهمية على منصة الشرف، واكتفوا بمشاهدة البث المباشر للحفل. وكان ذلك أشبه بعلاج جماعي بعد صدمة العملية في شارع ديزنغوف، وبتذكير بأن السلام، لا العمليات الإرهابية المضادة للسلام فحسب، قائم في مكان ما.

كنا بحاجة ماسة إلى هذا الاحتفال. لكن، كما بعد كل احتفال، جاء صباح اليوم التالي هذه المرة أيضاً، وبدا هذا الاحتفال أيضاً أقل بريقاً، ناهيك بصعوبات الأيام العادية. ومن ناحية سياسية، سيعود ياسر عرفات وحافظ الأسد، هذان الرجلان الأقل كثيراً إثارة لمشاعر الحب تجاههما من الملك حسين، إلى احتلال مركز اهتمام هذه الأيام العادية. ومن ناحية سياسية داخلية، سينتهي الوضع المثالي للإجماع القومي.

سيكون الأمر مجرد مشاكسة إذا لم نثمّن اتفاق السلام، الذي وقِّع أمس مع المملكة الأردنية، بعيداً عن الأجواء الاحتفالية للحفل ولتأشيرات الدخول إلى عمان، ومنحدرات جبل أدوم، والعقبة. هناك دلالة كبيرة لتوقيع معاهدة سلام كامل مع دولة عربية أُخرى، الأمر الذي يحول السلام مع مصر من حدث غريب وفريد إلى حلقة أُخرى في سلسلة. ويجدر بنا الافتراض أن هذا الاتفاق سيعزز شرعيتنا في أقطار العالم الإسلامي الواقعة خارج طار دائرة العداء الأولى، وسيحسّن أيضاً، ربما، العلاقات الاقتصادية مع هذا الجزء من العالم. ومن الممكن أيضاً، وفي المستقبل غير البعيد، أن نرى ثماراً فعلية لتلك المشاريع التنموية المشتركة مع الأردن، والتي تبدو اليوم مشاريع خيالية.

ومع كل هذا الخير في اتفاق السلام مع الأردن، لا يجب أن ننسى أيضاً ما ليس فيه؛ إذ ليس فيه إنهاء لحالة العداء والحرب، لأن هذه الحالة لم يكن لها وجود عملياً [de facto] منذ أعوام. فبعد أن قرر الملك حسين الانفصال عن الضفة الغربية لم يعد هناك، عملياً، أية قضايا أرض تنتظر تسويتها. فبضع مئات الدونمات التي سرقناها من أجل مزارعي وادي عربه ما كانت لتصبح عقبة فعلية، حتى لو لم يوافق الحسين على تأجيرها. كما أن بضع عشرات الملايين المكعبة من المياه التي كانت تصل إلى الأردن بحسب الأصول، ومنذ فترة زمنية، لم تكن تشكل مشكلة.

إن اتفاق السلام الذي وقِّع أمس يضفي، عملياً، مصادقة على الوضع الذي كان قائماً منذ زمن؛ فلولا مشكلات خارجة عن إطار الصراع الإسرائيلي - الأردني، [مثل] القضية الفلسطينية وموازين القوى العربية الداخلية، لكان من الممكن توقيع هذا الاتفاق قبل أعوام - وهذا أيضاً ما يُستدل من المقابلة التي منحها الملك حسين للصحافية سميدار بيري. وعملياً، وكما يستدل من أقوال الملك، فإن القضايا المشتركة التي تجمع بين إسرائيل والأردن تفوق القضايا التي تفرّق بينهما: "عرفات هو مشكلتنا ومشكلتكم"، قال [الملك] لمراسلة "يديعوت أحرونوت". ويمكن أن نفهم من أقواله أيضاً أن [الرئيس] الأسد هو مشكلتنا ومشكلته.

وأمر آخر، ربما الأكثر أهمية، غير موجود في اتفاق السلام مع الأردن؛ وهو أن الاتفاق ليس بديلاً من التسويات السياسية مع شركاء آخرين في المنطقة. فعندما وقّع مناحم بيغن اتفاق السلام مع مصر، رأى فيه بديلاً من التسوية مع الدول الأُخرى. وما أن مرت أعوام كثيرة حتى اتضح له كم كان مخطئاً. وهناك أسباب جيدة للافتراض أن يتسحاق رابين لا يرتكب خطأً مماثلاً.

واليوم أيضاً، كان الليكود سيرحب ببديل كهذا، إلا إن الواقعية السياسية لم تكن في أي وقت الجانب الأقوى في [سياسة] الليكود. فالملك حسين كان مؤهلاً أمس لتوقيع معاهدة سلام، فقط لأنه كان هناك، في موازاة ذلك، مسار سياسي مع الفلسطينيين ومع سوريا. فمن دون هذين المسارين، ما كان هناك اتفاق مع الأردن. ومن جهة أُخرى: فحتى لو صمد الاتفاق مع الأردن، من ناحية شكلية ورسمية، فلن تكون له أية قيمة من دون أن يتقدم المسار الموازي ويصل إلى نهاية ناجحة.

وبكلمات أُخرى، في اليوم التالي للاحتفال لا مفر من العودة إلى المشكلات التي حلها ليس سهلاً، على غرار التحضيرات للاحتفال في وادي عربه. ففي الشأن الفلسطيني سيكون هناك حاجة إلى أن نُدخِل في وعي الجمهور، بالتدريج وببطء، أن السلام يُصنع من خلال الحرب، وان الإرهاب هو الحرب التي ستتواصل من خلال صنع السلام. فالاتفاقات في أوسلو والقاهرة كانت مجرد بداية صنع هذا السلام، ولن نفرغ منه إلا عندما نتوصل إلى تسوية دائمة بكثير من المعاناة وبعدد غير قليل من الضحايا على جانبي الطريق. ومع سوريا أيضاً نصنع السلام من خلال الحرب - حرب في لبنان - التي لن تتوقف هي أيضاً قبل أن ننتهي من [حل] مشكلتنا مع دمشق.

والأسوأ من ذلك كله هو أنه سنضطر، على الساحتين، إلى دفع ثمن الخطأ التاريخي الذي ارتكبناه خلال نصف يوبيل من أعوام الاحتلال: استيطان في مناطق ليست لنا. وهذا الثمن سيكون مؤلماً جداً في طبيعة الحال. وأياً يكن الأمر، فاحتفالات مثل تلك التي أقيمت أمس في وادي عربه لا تنتظرنا هناك.

 

المصدر: "هآرتس"، 27/10/1994.