الفلسطينيون في لبنان: ضحايا الحرب والسلام ـ مقابلات حول مجزرة الخليل وواقع الحرمان، والخوف على المصير
كلمات مفتاحية: 
اللاجئون الفلسطينيون
مجزرة الخليل 1994
مخيمات اللاجئين في لبنان
الحقوق الاجتماعية والاقتصادية
منظمة التحرير الفلسطينية
الحقوق المدنية
الأونروا
اتفاق غزة ـ أريحا أولاً
نبذة مختصرة: 

جولة ومقابلات في بعض المخيمات الفلسطينية في لبنان، تناولت أزمة العمل الخانقة، والحرمان من الحقوق المدنية والاجتماعية، وتقليص الخدمات المدرسية والصحية والاجتماعية من قبل م.ت.ف. والأونروا، ومشكلة التهجير، والخوف على المصير بعد توقيع اتفاق غزة ـ أريحا أولاً. كما عبرت المقابلات عن مشاعر الحزن والغضب على مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل في 25/2/1994.

النص الكامل: 

صبيحة يوم المجزرة في الخليل، أطلق الناس في مخيم برج البراجنة في بيروت صيحات التهليل والتكبير الغاضبة، وهم يعلنون عبر مكبرات الصوت آخر الأنباء الواردة من الأرض المحتلة. وبعد أن ألقى خطيب الجامع خطبته الحزينة التي عرض فيها تاريخ المجازر الصهيوني بحق الشعب العربي الفلسطيني، ذهب المصلّون في مسيرة عفوية إلى مقبرة الشهداء، وارتجل بعضهم هناك كلمات الرثاء والتنديد والاستنكار، ورفض المفاوضات، ورصً الصفوف.

فهل انتهى كل شيء؟ وهل ذهب كل في حال سبيله المزروع بالمشكلات والعقبات؟ فهناك أزمة العمل الخانقة في لبنان، وانعكاساتها السلبية على الفلسطيني الذي يعيش محروماً من حقوقه المدنية والاجتماعية، وهناك انقطاع المعونات، وتقليص الخدمات المدرسية والطبية والاجتماعية من قِبَل الأونروا، وتوقف منظمة التحرير عن دفع رواتب أُسر الشهداء، وغيرها من الظواهر الخطرة والحساسة التي يضاف إليها مشكلات المهجرين الفلسطينيين الذين يُطردون من البيوت التي لجأوا إليها بعد إلغاء مخيماتهم وتدمير بيوتهم في أثناء الحرب، فضلاً عن واقع الخوف الحقيقي على المصير بعد توقيع اتفاق غزة – أريحا أولاً. وهكذا كانت لنا جولة ميدانية ومقابلات في بعض المخيمات الفلسطينية في لبنان. * 

محمد عبد المعطي حسين (28 عاماً)، مخيم برج البراجنة.

مساء الاثنين، وبعد مجزرة الأحد الأسود في كنيسة سيدة النجاة شمالي بيروت، لم يكن المخيم قد استفاق من هول مجزرة الحرم الإبراهيمي بعد. كان محمد عبد المعطي حسين يقف على قارعة الطريق وسط المخيم، وأمامه طابور من الأطفال والعجائز، جاؤوا لتسلّم حصصهم من الأرز المطبوخ باللحم، قبل موعد الإفطار. التقيناه، فقال:

"أنا أعمل خادماً للمسجد، وبعد الظهر، أبيع الحلويات الرمضانية في هذا المكان." وأضاف: "أنا جريح – وعيني معطوبة – ويوجد في جسمي أربع رصاصات من آثار الحرب. أقوم بتوزيع الأرز لوجه الله. لقد تبرعت دار الإفتاء الإسلامية لمسجد المخيم بـ 135 كيلوغراماً من الرز المطبوخ يومياً، نوزعها على أكثر من 350 عائلة محتاجة في المخيم."

وأكد أن المخيم لم يكن يتسلم أية حصة من طعام دار الإفتاء في الأعوام الماضية. ونظراً إلى أوضاع الناس المعيشية المتدهورة هذا العام، تم تسجيل أسماء المحتاجين وتوزيع الطعام عليهم، وقد تبرعت لجنة مسجد الأكراد المجاور للمخيم بإيصال الحصص يومياً.

ثم قال حسين: "إن بني إسرائيل معروفون بالغدر والخيانة منذ زمن المسيح والرسول. ومجزرة الحرم الإبراهيمي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. فقد كنا نظن أن مجزرة كنيسة سيدة النجاة التي وقعت أمس (بعد مجزرة الخليل بيومين) ستغطي على مجزرة الخليل إعلامياً. إلا إن الكنيسة والمسجد من بيوت الله، لذلك تكامل التعاطف في لبنان بين المسلمين والمسيحيين، وكان التضامن والحداد شاملين كل لبنان، حيث أُعلن الحداد الرسمي اليوم (الاثنين) تضامناً مع شهداء كنيسة سيدة النجاة، وكان قد سبقه إعلان الحداد الرسمي يوم الخميس المقبل لمناسبة مرور أسبوع على مجزرة الخليل." وأضاف: "نحن الفلسطينيون في لبنان نشعر بالارتياح تجاه تضامن الحكومة والشعب في لبنان معنا."

وبشأن أوضاع الناس المعيشية قال: "هناك عائلات في المخيم تتألف من تسعة أفراد، وليس هناك من يقدم لها شيئاً يذكر. فالأب إما متوف وإما مريض، وفي أحسن الحالات لا يجد فرصة مناسبة للعمل بسبب التضييق على عمل الفلسطينيين في لبنان."

وقال في اتفاق غزة – أريحا: "لي أربعة أطفال، فماذا سيكون مصيري ومصيرهم بعد هذا الاتفاق الذي ضيع حتى الأمل؟" وشدد على ضرورة توفير ملايين الدولارات التي تنفق في المفاوضات لتأمين أسر الشهداء الذين لا يملكون قوت يومهم.

عبير عدنان عدس (18 عاماً)، مخيم برج البراجنة.

"استشهد والدي عام 1982، خلال الاجتياح الصهيوني للبنان. وكان أخي الأكبر محمود قد استشهد قبل ذلك بعام واحد. فانتقلنا للعيش إلى داخل المخيم، حيث عملت أمي لسنوات طويلة في فرن مجاور لبيتنا لتتمكن من تأمين حياة مقبولة لنا. وكان عمر أختي الصغرى شهرين عندما استشهد والدي. وقد استأجرنا هذا المحل لبيع العصير في المخيم (كما ترى)، بعد أن قطع قسم الشؤون الاجتماعية التابع للأونروا المساعدة عنا، بحجة أن أخي (17 عاماً) تعلم مهنة حَدّاد فرنجي في معهد دار الأيتام ببيروت، رغم أنه بلا عمل منذ انتهاء الدورة.

"كلنا الآن توقفنا عن الدراسة، بسبب عدم توفر الإمكانات المادية لتكاليف التعليم، باستثناء أختي الصغرى، التي تدرس في مدارس الأونروا في المخيم."

وبشأن مجزرة الخليل، قالت: "كنا أيام الحرب نبكي على الشهيد الذي نعرفه، وهذه هي المرة الأولى في حياتي، أبكي وأنا أسمع الأخبار. على شهداء لا أعرفهم."

وقالت: "نحن ولدنا في الحرب، وعشنا في الحرب، على أرض ليست لنا، ولم نفكر مرة في قصة المصير، لأن مصيرنا كان مجهولاً منذ ولدنا. أما الآن فلم يعد لنا أي مصير، بعد أن أصبحت فلسطين لـ'اليهود'."

واستطردت عبير تقول: "كثيرون من أبناء شعبنا حرموا من كلمة بابا، ولا أستطيع تفسير هذا الشيء. فعندما أسمع أحداً ينادي أباه، أحس بضيق شديد، لأنني لم أقلها ولا أستطيع أن أقولها..."

فايزة عدس (47 عاماً)، وهي والدة عبير.

تحدثت فايزة بعصبية واضحة فقالت: "لو كان هناك أحد يهتم بأُسر الشهداء، لذهبت البنت قبل الشاب من أجل فلسطين." وأضافت: "لا أستطيع أن أعبِّر لك عن حقيقة ما نعانيه، فنحن أذكى شعب وأكثر شعب مستعد لتقديم التضحيات، ولكنهم يحاولون تحطيمنا كل يوم. لقد ضاع تعليم الشباب سدى، فحملة الشهادات يعملون في الباطون لأن دول الخليج لا تستقبلهم، ولبنان لا يسمح لهم بالعمل، والأونروا أوقفت خدماتها، ومنظمة التحرير أوقفت حتى المخصصات البسيطة عن أُسر الشهداء. فنحن لم نستلم شيئاً منذ أحد عشر شهراً. وأنا امرأة مريضة معي الضغط والغدة والكلاوي والديسك ونشفان في الرجلين، ولا أملك حتى الدواء. فالهلال الأحمر لم يعد موجوداً، والموظفون فيه يعملون بدون معاشات." وختمت تقول: "الله يجعلنا من الصابرين، فأنا لبنانية، ودمي فلسطيني وأولادي فلسطينيون، وأعيش في المخيم لكي أترك أولادي يعيشون في بيئتهم وبين شعبهم. ولا اتفاق سوى الاتفاق الذي يعيدنا إلى الوطن."

محمود عباس (أبو مجاهد)، (45 عاماً)، من عَلْما قضاء صفد، ومن سكان مخيم مار الياس. تخرّج في الجامعة اللبنانية – كلية العلوم الاجتماعية، وهو معروف في مخيمات لبنان باهتمامه بأوضاع الفلسطينيين المعيشية والاجتماعية، وقد عمل أعواماً طويلة في اللجان الشعبية ولجنة المتابعة.

بدأ أبو مجاهد حديثه بالتساؤل: لماذا وصل شعبنا الفلسطيني إلى هذه الحال؟ وقال: إن واقع شعبنا الآن هو الأسوأ من جميع النواحي. فقد كان مبرراً لنا أن نعيش في أوضاع سيئة سنة 1948، وخلال الأعوام التي تلت النكبة. أمّا أن نعود إلى نقطة الصفر الآن، بعد مرور 45 عاماً على النكبة، فهذا شيء فيه الكثير من الاستفسارات والاتهامات. فهذا الشعب الذي لم يبخل بأي نوع من أنواع التضحية يصل إلى مرحلة لا يعرف فيها إلى أين المصير. في السابق كنا نعرف أننا لاجئون وسنعود إلى وطننا بعد حين، أما الآن فنحن لا نعرف ما إذا كان الفلسطيني في لبنان سيبقى أم لا. لا نعرف ما إذا كان الفلسطيني المهجر للمرة العشرين من مكان إلى مكان.. سيكون له بيت أم لا! وهنا لا نريد أن نردد كلمة المؤامرة.. فأنا أفهم أن الحركة الصهيونية والإمبريالية العالمية تتآمران على شعبنا، لكن الشيء الفظيع أن ترى قيادتك تتآمر عليك. وبعيداً عن التآمر المقصود وغير المقصود، فإن الأمور تقاس بنتائجها، والحقيقة أن نهج المؤامرة قد بدأ في منظمة التحرير منذ السبعينات. فإذا كانت قيادتنا المعارضة لا تعرف ذلك فثمة مشكلة، وإذا كانت تعرف فالمشكلة أعظم. والآن، بنظر الفلسطيني المشرد، ليس هناك تمايز في الممارسة، على الرغم من أن هذا التمايز موجود في البيانات والخطابات السياسية.

وقال أبو مجاهد إن العديد من المخيمات في لبنان لا يزال مدمراً، والبطالة متفشية، وليس لنا في لبنان أية حقوق مدنية أو اجتماعية (ولا أرى في ذلك إحباطاً أو يأساً، بل أعتقد أن الأوضاع الصعبة تسرع في خلق البدائل الصعبة). وأضاف: إن الرقم الأكثر واقعية لعدد الفلسطينيين في لبنان هو 300 ألف – 350 ألف نسمة، وهناك 12 مخيماً معترفاً به رسمياً من قِبل الدولة، ومخيم ضبية نصف مدمر، والمخيمات المدمرة مثل مخيمي تل الزعتر والنبطية وجزء كبير من من مخيم المية ومية ومخيم جسر الباشا، وهناك المخيمات أو التجمعات غير المعتمدة من قِبل الأونروا، مثل مخيمات أو تجمعات أبو الأسود، والقاسمية،والشبريحا، والواسطة، والبرغلية، وجل البحر، والمعشوق، وجميجم، وعدلون، وهناك محيط مخيم عين الحلوة، ومحيط نهر البارد، ومحيط البداوي. وهناك التجمعات المبعثرة في البقاع الأوسط وداخل المدن اللبنانية. أما خدمات الأونروا فهي مرتبطة بالانتعاش السياسي، وعلى الناس دفع ثمن الانتعاش السياسي بتقليص خدمات الأونروا. والآن، على الرغم من أن وضع الفلسطينيين السياسي صعب جداً، فإن هناك تراجعاً في الخدمات يهدف إلى مزيد من الضغط على الفلسطيني من قِبل الأمم المتحدة، وأميركا بالتحديد.

أما تقديمات منظمة التحرير فهي أسوأ. فقد كنا نصدق منذ عام واحد أن الموارد الخليجية قد توقفت، أما الآن فما هو مبرر الاستمرار في قطع مخصصات أسر الشهداء ووقف الدعم المالي عن المدارس الثانوية التابعة لمنظمة التحرير، وخصوصاً إننا نرى الأموال التي تُنفق على المفاوضات والمحسوبيات؟ ما هو مبرر وقف خدمات الهلال الأحمر الفلسطيني أيضاً؟ فالمريض الفلسطيني الآن في حالة يصعب وصفها، ولا سيما مرضى القلب المفتوح والكلى والسرطان وغيرهم، هؤلاء محكوم عليهم بالموت، وخصوصاً أن الأونروا لا تقدم سوى 10% - 15% من تكاليف العلاج، التي تصل إلى 10 آلاف دولار. لماذا لا يوجد لدينا مستشفيات حقيقية؟

أما التعليم، فإننا نستطيع أن نقول إن إقفال مدارس المنظمة قد ترك فراغاً كبيراً؛ إذ إن معظم الفلسطينيين لا يستطيع أن يدفع تكلفة المدارس الثانوية في لبنان، ناهيك بأن المدارس الرسمية اللبنانية لا تكفي الطلبة اللبنانيين.

وفيما يتعلق بالمهجرين الفلسطينيين، هناك على أقل تقدير ما بين 6 آلاف و8 آلاف عائلة مهجرة، لم تحل سوى مشكلات 170 – 200 عائلة مهجرة منها. ولا تزال منازل مدمرة في جميع مخيمات لبنان، من المية ومية إلى الرشيدية إلى... ومحيط الكثير من المخيمات. وليس هناك أية موازنات لإعمارها. وأكثر من ذلك، هناك تبليغ رسمي من الحكومة اللبنانية إلى الأونروا بضرورة عدم الإعمار في مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة، وعلى الفلسطينيين أن يندمجو في المجتمع اللبناني، وعلى الأونروا أن تؤمن المبالغ لهذا الاندماج، ولا داعي لبقاء الفلسطينيين في بيروت – وهذا يعني تهجيراً رسمياً جديداً – وبعد هذا التبليغ تريد الأونروا أن تعرف التوجهات الرسمية الحقيقية للدولة اللبنانية كي تحدد طبيعة عملها في المرحلة المقبلة. وقال أبو مجاهد: إن هناك تبليغات وتصريحات متناقضة وغير مفهومة من قِبل المسؤولين في الدولة اللبنانية بشأن مصير الفلسطينيين في لبنان (مخيم شاتيلا في قلب بيروت والتيار الكهربائي لم يصله منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 1986).

ورأى أبو مجاهد أن منظمة التحرير والأونروا والدولة اللبنانية هي الجهات التي تتحمل مسؤولية معاناة الفلسطيني في لبنان، وأكد أنها لا تدرك حجم المسؤولية وما ينتج منها من فقر وجوع وموت يؤثر في حال السلم في المنطقة في نهاية المطاف؛ فالدولة اللبنانية عندما حلّت الميليشيات وجدت لعناصرها البدائل بالانخراط في الجيش والمؤسسات. وهناك الكثير من العائلات الفلسطينية ليس له أي باب للدخل، والدولة اللبنانية لا تسمح للفلسطيني بالعمل في لبنان. فمن يضمن عدم الانحراف وعدم الخطأ؟ فعلى الجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم؛ إذ ليس هناك من إنسان يولد مجرماً أو شريراً.

واعتبر أبو مجاهد أن إقبال الفلسطينيين على العلم في الخمسينات والستينات كان أكثر مما هو عليه الآن، وذلك لأن مدارس الأونروا غير كافية، فضلاً عن أن الكثير من المدارس لا تتوفر فيه شروط المدرسة الصحية. وأن من واجبات الدولة اللبنانية الضغط على الأونروا في هذا المجال. فهل من المعقول أن يبدأ العام الدراسي في مدارس الأونروا في كانون الأول/ ديسمبر، في حين أنها تبدأ في أيلول/ سبتمبر في المدارس الأخرى؟ يضاف إلى ذلك عدم توفر القرطاسية والكثير من الكتب التي قد تصل في منتصف العام الدراسي وقد لا تصل، والنقصان القائم في عدد المعلمين، والتقليص في عدد الحصص للطلاب بسبب نظام الدفعتين (قبل الظهر وبعد الظهر) السائد في أغلبية المدارس (موازنة الأونروا تتناقص عاماً بعد عام، وأعداد الطلاب تتزايد والأعباء تتزايد أيضاً).

في نهاية اللقاء حمّل أبو مجاهد منظمة التحرير (التي تنازلت عن كل شيء، كما قال) مسؤولية الفلسطينيين في الشتات، حيث أن وضعهم هو الأصعب. وطالب الفصائل الفلسطينية المعارضة بالنظر إلى هذا الواقع بجدية، والعمل على معالجة المشكلات التي تزداد صعوبة يوماً بعد يوم، وذلك من خلال ما لديها من إمكانات التحرك لدى الجهات المعنية. وختم بالقول، صحيح إنني عربي ومستعد للموت من أجل اللبناني والسوري والمصري والعراقي، لكني في نهاية المطاف فلسطيني، ويجب أن أعود إلى فلسطين. وكل شعب في العالم يخرج منه أنذال ومنحرفون، لكن هذا لا يعني أن كل الشعب قد تنازل عن حقوقه. وهذه مخيماتنا مفتوحة لمن يريد أن يسأل، فليس هناك اثنان يختلفان في أن اتفاق "غزة – أريحا" هو اتفاق ذل ومهانة وخيانة، وليس فيه أية مصلحة لشعبنا، لا في الشتات ولا في فلسطين، ولا حتى في غزة وأريحا.

محمد رشيد البجيرمي (35 عاماً)، موظف أرشيف، من مخيم الرشيدية.

بدأ البجيرمي حديثه إلينا بقوله: "إن ما يميزنا عن باقي الفلسطينيين في لبنان هو إننا على مقربة من حدود فلسطين الشمالية، فنحن نرى أطراف فلسطين الشمالية كل يوم، وهذا ما يعطينا الأمل بقرب العودة مهماتَطُلْ بنا الغربة والتشرد."

وعن أوضاع الناس في المخيم، أكد لنا أن الفلسطيني في لبنان، وخصوصاً في مخيمات صور، تنتقل الأوضاع به من سيء إلى أسوأ؛ فهنا يوجد ثلاثة مخيمات تعترف الأونروا والدولة اللبنانية بها، وهي مخيم الرشيدية (17,000 نسمة)، ومخيم البرج الشمالي (15,000)، ومخيم البص (7000)، فضلاً عن الكثير من التجمعات غير الرسمية منها: القاسمية (4000)، أبو الأسود (4000)، الشبريحا (3000)، جل البحر (3000)، المعشوق (3000)، البرغلية، جميجم، وغيرها، ويقدر عدد الفلسطينيين في منطقة صور بنحو 60,000 نسمة.

ومع التزايد السكاني الطبيعي بدأت تتكاثر أعباء تأمين السكن، ولو في حده الأدنى، والمدارس والطبابة، وغيرها، فضلاً عن الأزمة الخانقة المتمثلة في غياب فرص العمل. وقال البجيرمي إن سكان المنطقة من الفلسطينيين بأكثريتهم يعتمدون على العمل في الزراعة والبساتين، بأجور تقل عن مستوى الحد الأدنى المعتمد في لبنان. ومع تزايد الأعباء وتناقص الخدمات المقدم من قِبل الأونروا وانقطاع الخدمات المقدمة من منظمة التحرير، في مجالات الطبابة والتعليم، وخصوصاً انقطاع المخصصات عن أسر الشهداء، يعيش الناس الآن في أوضاع حرجة وخطيرة.

واعتبر أن ما يزيد هذه الأوضاع صعوبة هو انقطاع المخصصات، حتى عن المتفرغين في صفوف الثورة الفلسطينية، وتحديداً "فتح"، حيث يصلهم المخصص مرة كل ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر. وهؤلاء في معظمهم لا يتقنون أية مهنة، ولم يتعودوا النزول إلى ميدان العمل، فتراهم يبحثون عن أعمال متواضعة هنا وهناك، مثل أعمال البناء، وفي أفضل الأحوال، قيادة سيارة أجرة.

وقال إننا في لبنان نعيش أوضاعاً استثنائية، حيث إننا لا نتمتع بأية حقوق مدنية، والأونروا التي كانت تقدم "الإعاشة" لكل الناس، قلصت ذلك كثيراً بحيث لم يعد يستفيد من هذه المعونة سوى 5% من شعبنا. أما على مستوى الطبابة والتعليم، فهناك معاناة حقيقية؛ فقد أصبح المريض يدفع 25% من تكاليف العلاج، ومعظم المرضى يلجأ إلى جمع التبرعات والصدقات لتأمين العلاج، وخصوصاً حالات القلب المفتوح وغسيل الكى وغيرها. والمدارس غير متوفرة في جميع المناطق السكانية الفلسطينية. وفي المخيمات الرئيسية الثلاثة مدارس، وعليها ضغط كبير، ولا تتوفر فيها شروط المدرسة الحقيقية. زد على ذلك، وقف تقديم القرطاسية، وعدم توفر العدد الكافي من الكتب المدرسية. وعلى مستوى الخدمات الأُخرى، فقد "وزعت الأونروا على حالات الشؤون الاجتماعية الشهر  الماضي طحيناً فاسداً." والآن فإن الناس ممتنعون من تسلّم الإعانات، بسبب فسادها، وليس هناك من يحرك ساكناً.

وبشأن الحقوق المدنية والاجتماعية رأى البجيرمي أنه لا يوجد فلسطيني واحد يطمع في أرض لبنان. بل على العكس، نحن مستعدون لتقديم التضحيات من أجل لبنان وشعبه، ونحن نعتبر أن إقامتنا في لبنان إقامة موقتة. لكن على الحكومة اللبنانية أن تساعدنا في تأمين الحياة اللائقة والإنسانية؛ إذ لا يجوز أن تعاملنا هكذا، ونحن بناة الاقتصاد اللبناني، والجنوب والمناطق كافة تشهد على ذلك. فالأيادي الفلسطينية البيضاء ساهمت، إلى جانب الأخوة اللبنانيين، في بناء قطاع الزراعة في الجنوب، ولا يجوز فعلاً أن نعامل على أننا أجانب كالفلبيني أو السيريلانكي.

وقال، في نهاية اللقاء، إن الصعوبة الأكبر التي نعيشها هي مسألة الخوف على المصير التي برزت بعد توقيع اتفاق غزة – أريحا "أولاً وأخيراً". وأضاف أن الفلسطيني في لبنان سيكون من أكبر الخاسرين نتيجة هذا الاتفاق الذي أضاع أحلامه وأمانيه. وأشار إلى خطورة التهجير، وخصوصاً بعد زيارة نائب وزير الخارجية الكندي مؤخراً إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان ولا سيما في الجنوب.

عثمان سالم (44 عاماً)، مخيم البص، خريج كلية الحقوق، مدرّس.

اعتبر عثمان أن الهم الأساسي، للأسف، للفلسطينيين في لبنان هو الهم المعيشي والاجتماعي، وقال إننا نعاني كثيراً بسبب نتائج هذا الوضع، هو على مستوى خريج الجامعات. فأبواب العمل أمامهم مغلقة، وهم يعملون الآن في أعمال جد متواضعة، لدرجة أنه قد أصبح هناك موقف [سلبي] من التعليم. فالفلسطيني خريج الجامعة لا يجد فرصة للعمل ضمن تخصصه وكفاءاته. وأكثر من ذلك، فإنك تجد الكثير من الأولاد في الصفوف الابتدائية والتكميلية يتركون مدارسهم (وبرضى الأهل) كي ينصرفوا إلى العمل مبكراً. والأهل ينظرون إلى العلم على أنه تجارة خاسرة ولا مستقبل له. فحتى من يستطيع تجاوز المرحلة التكميلية قد لا يجد إمكاناً لاستكمال تعليمه في المدارس الثانوية، لأن مدرسة منظمة التحرير الثانوية في المنطقة أصبحت تكلف الكثير، والآباء في أغلبية العائلات في المخيم لا يستطيعون تحمل أعباء تعليم أبنائهم.

وقال: عندي ابن أنهى المرحلة الثانوية – فرع الرياضيات بنجاح، وليس لدي إمكانية أن أرسله إلى بيروت يتعلم حتى في الجامعة العربية، فأنا لا أستطيع تحمل أعباء التعليم اليوم، وخصوصاً في ظل توقف المنح الدراسية عن الفلسطيني في لبنان، هذه المنح التي وإن توفرت فقد أصبحت أعباؤها كبيرة أيضاً، من تكاليف السفر، بالطائرة وتكاليف الإقامة.. ومن يملك هذه التكاليف لا يحتاج ابنه إلى السفر، بل يمكنه أن يعلمه في جامعة بيروت العربية.

وتحدث عثمان سالم عن أزمة العمل فقال إن تزايد عدد العمال في المجالات كلها (وهو ما يؤدي إلى تزايد العرض وتناقص الطلب) أدى إلى خفض قيمة الأجر، الذي يصل إلى 7 – 10 آلاف ليرة يومياً (4 – 6 دولارات) وقال: في ظل توقف عمل مؤسسات المنظمة وشح الإمكانات بالنسبة إلى الفصائل الأُخرى (فأنا أعرف أن الكثير من المسؤولين يعملون الآن على سيارات نقل) وبعضهم ممن أخذ تعويضات من تنظيمات قد دخل مشاريع صغيرة مثل دكان في المخيم أو غير ذلك، ثم فشلوا في عملهم، بسبب عدم توفر الخبرة الكافية لهم في هذه المجالات.

وباعتبار أن السيد عثمان سالم عاش في منطقة البقاع أيضاً. قال: إن الفرق بين الحياة هنا في الجنوب وبين الحياة للفلسطينيين في البقاع عموماً، هو أن ظروف الناس في البقاع إلى حد ما متشابهة، أما في مخيمات الجنوب فيوجد تفاوت كبير من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. وبالنسبة إلى التعليم فهناك ثلاثة مدارس تمولها منظمة التحرير، عن طريق دائرة التربية في دمشق، وأوضاعها جيدة، أما هنا فالطالب يدفع نصف مليون ليرة هذا العام بينما كان يدفع 10% من المبلغ في العام الماضي. وهنا يعمل المدرسون في ثانوية المنظمة على الرغم من توقيف رواتبهم منذ عدة أشهر، بحيث لا يأتيهم سوى النزر اليسير من هذه الرواتب من هنا وهناك.. فعلى الرغم من أن هذه المؤسسات التعليمية لها المصدر نفسه والمموِّل نفسه، فإن حالها في البقاع يختلف جذرياً عن حالها في الجنوب بسبب سوء استخدام الإمكانات وربما بسبب السرقات.

ويرى عثمان سالم أن المقاومة الفلسطينية ارتكبت خطأ بخصوص الخدمات إذ إنها على مدى عشرين عاماً كانت تحاول أن تشكل البديل عن مؤسسات الأونروا... لأننا نعرف أن الأونروا جاءت بقرار من الأمم المتحدة لتأمين المسكن والغذاء والدواء للفلسطيني إلى حين عودته إلى دياره. وذلك لأن دولة إسرائيل أقيمت بقرار من الأمم المتحدة بحسب الشرعية الدولية وهو القرار رقم (181)، وما يسمى قرار التقسيم. ويضيف أن الفصائل الفلسطينية التي أقامت مؤسسات الهلال الأحمر الفلسطيني، مثلاً، توقفت الآن في أصعب الظروف، وهذا التوقف سيزيد في إقبال الفلسطينيين على الأونروا طلباً للعلاج، في حين أن الأونروا تقلص من ميزانيتها للطبابة عشرات آلاف الدولارات عاماً بعد عام.

واتهم المقاومة بتغذية البطالة المقنّعة في السابق، وقال إنه يوجد الآن جيوش من البطالة المكشوفة بين صفوف شعبنا الفلسطيني، بسبب وجود عدد كبير من الشباب غير المؤهلين مهنياً للعمل، وبسبب التضييق على الفلسطينيين بالنسبة إلى فرص العمل المتاحة في لبنان.

حسين محمود حسن (أبو حسن)، (67 عاماً)، مخيم شاتيلا، صاحب بقالة.

هذا هو مخيم الألف شهيد، كما قال الحاج أبو حسن. وأضاف: كل بيت في هذا المخيم قدم شهيداً واحداً على الأقل، لكن أين ستذهب دماء الشهداء؟

مسجد المخيم عبارة عن مقبرة جماعية في الطابق الأرضي. وقد بنت اللجنة الشعبية طابقاً ثانياً فوق المقبرة/ الجامع للصلاة. وكل يوم جمعة، نجمع من المصلين ما تيسر لنرسله إلى أسرة شهيد جاءت تشكو العوز أو المرض. ماذا نقول لشهدائنا ونحن فوق قبورهم نجمع الصدقات لأبنائهم وعائلاتهم؟

المخيم، يا إبني، وسط العاصمة بيروت، وما زالت الكهرباء مقطوعة منذ  سنة 1986. وقد جمعت الأونروا مبلغ 50 ألف ليرة لبنانية (30 دولاراً) من كل بيت ليكون له ساعة كهرباء خاصة به، وكان ذلك منذ أكثر من أربعة أشهر ولا يزال الوضع على حاله.

البيوت في المخيم لا تزال بغالبيتها مهدّمة، أو نصف مهدّمة. ولا ندري ما هي المقاييس التي تعتمدها الأونروا في لوائح الإعمار. فهناك بيوت تم إعمارها، وأصحابها ليسوا في المخيم، بدليل أنهم قاموا بتأجيرها لأنهم يملكون بيوتاً أُخرى (لا أدري ما الذي يلعب دوراً في ذلك: أهو الواسطة أم غيرها). وهناك البيوت التي تم إعمارها، أو ترميمها، من دون أن تكون صالحة للسكن. فمن كان لديه بعض المال ليدفع من أجل استكماله بيته "نفذ"، ومن لم يكن لديه فبيته بالتأكيد يلزمه الكثير ليصبح صالحاً للسكن.

الطرق في المخيم لا تزال كما هي منذ الاجتياح سنة 1982، وكأنها طرق في جبل غير مأهول بالسكان.

كان في المخيم قبل الحرب ثلاثة مدارس. أما الآن فلا توجد سوى واحدة. وكان عدد طلاب الصف الواحد يصل في السابق إلى 20 – 25 طالباً، أما اليوم ففي الصف ما يزيد عن 50 طالباً، أي "مظاهرة".

"ماذا أقول لك أكثر من ذلك؟" أين هي حقوق الشعب الفلسطيني؟ أين منظمة التحرير، وأين الفصائل الأُخرى، وأين الأمم المتحدة، وأين الدولة اللبنانية؟ فنحن لا نملك حتى حق العمل في لبنان، وليست لدينا أية مؤسسات فلسطينية خاصة للعمل فيها. والطبابة للناس في أسوأ حالاتها. فـ"الهلال الأحمر" لا يقدم شيئاً، والأونروا قلصت خدماتها إلى أبعد الحدود، والمساعدات على قلتها تقدم لحالات معينة وصعبة جداً، على الرغم من أن معظم شعبنا أصبح في حالة صعبة.

واللجنة الشعبية في المخيم تقوم بأعمال بسيطة، وتقدم حلولاً لمشكلات بسيطة وثانوية، فهي لا تتلقى أية إمكانات لتقوم بدور أكبر.

ومخيم الداعوق، بالقرب من شاتيلا، هو مخيم غير موجود، حيث "لا إعمار ولا ما يحزنون". وسكانه مبعثرون هنا وهناك في جميع أنحاء لبنان.

وبخصوص اتفاق "غزة – أريحا"، قال أبو حسن: كل أبناء الـ 48 غير راضين عن الاتفاق، فهو لا يعنيهم ولا يخصهم، ولا أعتقد أنه يعني أي فلسطيني أينما كان.. لقد أعطوا بيتي وأرضي وملكي للإسرائيليين، وعن طريقة شرعية ومجاناً. فأنا من منطقة الجليل، وهذا الاتفاق لا يعيدنا لا إلى أريحا ولا إلى غزة. وعلى العموم أنا لا أريد أن أحكي في السياسة، لأنها "وجع راس". وعندما سألناه: لماذا لا تريد السياسة؟ قال: لأنها لا تعنيني بشيء. وأضاف أنا أتابع السياسة يومياً، ولكني لم أعد أحب أن أتكلم في السياسة، لأنه لا فائدة من ذلك. وأكد أخيراً أنه لم يتحدث إلى الصحافيين منذ عامين، وأن حظي كبير، لأنني استطعت أن "أجُرّه" إلى الكلام.

أحمد محمد العلي (أبو كامل)، (57 عاماً)، مخيم برج البراجنة، عضو اللجنة الشعبية في المخيم.

هذا مخيم برج البراجنة المشهور في العالم. وبدأ الحاج أبو كامل حديثه عن الطبابة وقال: "إن العديد من الحالات قد توفيت منذ عدة أشهر بسبب عدم استقبال المستشفيات لها. وهناك حالات توفيت لأن الأونروا اختارت مستشفيات رخيصة لا تتوفر فيها الشروط والتقنيات والكادر الطبي المقبول والمعقول."

وقال: كانت مدارسنا من أفضل مدارس لبنان، وكان الطالب الفلسطيني مشهود له بالتفوق. أما الآن فعلى العكس، حيث لا توجد الجدارة اللازمة لدى المعلمين. وقد تزايد عدد الطلاب كثيراً خلال هذه السنوات، ولم يتناسب تزايد عدد المدارس معه. طلابنا يتعلمون في ظروف مدرسية وحياتية صعبة، فضلاً عن فقدان الأمل في العمل بعد التخرج، وفقدان الأمل حتى في الوطن، في ظل الإرباك الذي يعيشه أبناء شعبنا اليوم، وسيطرة هاجس الهجرة على عقولهم، كمخرج وحيد.

وأضاف: أنت تعلم أننا لا نملك أي نوع من أنواع الحقوق المدنية والاجتماعية. فحتى قرار العفو الذي صدر من قِبل الدولة اللبنانية لا يشمل الفلسطينيين في لبنان. وأي فلسطيني ذهب مهاجراً تحت ضغط الظروف الأمنية والسياسية التي كانت سائدة في لبنان، جرى شطبه من سجلات الفلسطينيين في لبنان في دوائر الأمن العام اللبناني (ويقدر عدد المشطوبين حتى الآن بنحو 40 ألف شخص).

"مشاكلنا كثيرة لا تُعد ولا تحصى". وأخبرنا أبو كامل أن المخيم يضم نحو 13 ألف نسمة. وللأونروا عيادة واحدة، يداوم فيها طبيب واحد يومياً، ويصل أحياناً عدد المرضى الواقفين في الدور للمعاينة مئة مريض تقريباً. وهناك يوم لديه خاص بالسكري ويوم خاص بالحوامل و"ممنوع أن يمرض أحد في هذين اليومين." وإذا ذهبنا إلى الصيدلية، فغالباً لا يكون هناك دواء، ويقولون لنا إن الدواء يأتي أول الشهر، وقد نفدت الكمية. ولا تحويلات إلى أطباء أخصائيين كما كان في السابق. وحتى "الهلال الأحمر"، فرغم أن مستشفى حيفا في المخيم أصبح مستشفى شكلياً، فإنه أصبح يكلف معاينات ودواء وغيرها، فلم يعد مستشفى مجانياً كما كان.

وعن الأوضاع المعيشية قال أبو كامل: حالتنا يرثى لها، فالحالات القليلة في المخيم التي تعتبر ميسورة هي: إما لها من يمولها من الخارج (مسافرون) وإما موظفو الأونروا. وما دون ذلك فالحالات صعبة، لأنه لا يوجد عمل، ولا يوجد حق في العمل، ولا توجد مؤسسات. فقد كان في المخيم قبل الحرب عدة معامل، منها معمل الحلاوة، ومعمل النجارة، ومعمل النسيج.. وكانت هذه المعامل تستوعب 1500 عامل. أما اليوم، فلا يوجد أية معامل.

وأخبرنا الحاج أبو كامل أن زوجة أحد الشهداء جاءت إلى بيته يوماً، وشكت له من ضيق الحال. فوعدها، أن تنتظر أسبوعين لأن 'اللمة' في الجامع محجوزة لأربع عائلات في حالة عسر أشد، و'اللمة' عبارة عن 100 ألف – 150 ألف ليرة لبنانية تقسم كل يوم جمعة على عائلتين. وأكد أبو كامل أن هذه الأزمة ليس سببها قطع مخصصات الشؤون وحده، بل انقطاع العديد من المصادر التي كانت تقدَّم إلى عائلات الشهداء، وتشكل بمجموعها مبلغاً يسد رمق الأطفال ويلبي حاجاتهم.

هل تصدق أن مخيم برج البراجنة ليس فيه مياه للشرب منذ سنة 1979؟ ومؤخراً، وقبل أعوام قليلة، وضع "حزب الله" خزانات حديدية في أحياء المخيم، ويقوم يومياً بتزويدها بمياه الشرب للناس. وحتى أكون منصفاً، قال أبو كمال، تقوم سيارات الأونروا مرة أو مرتين فقط بتزويد هذه الخزانات بالمياه. "أليس هذا مخجلاً؟" واغرورقت عينا الحاج أبو كامل بالدموع. وقال: الحمد لله على كل شيء.

وأخيراً قال لنا إنه ضد مبدأ المفاوضات منذ كانت في مدريد، وهو لا يرى أي مبرر  للتحدث مع مغتصبي الأرض. وأكد أنه لا يزال يحتفظ بأوراق "الطابو" التي تثبت ملكيته لبيته وأراضيه في فلسطين. وقال: لا أستطيع أن أتصور كيف قبلت القيادة الفلسطينية التنازل عن حقنا في فلسطين. وأعتبر ذلك خيانة عظمى، ولا تستحق التحدث عنها. وفضّل الحاج أبو كامل أن يتحدث عن والده الذي باع "ذهبات" أمه ليشتري بندقية خلال ثورة 1936.

 

*   أُجريت المقابلتان الأولى والثانية بعد وقوع مجزرة الخليل، في حين أن المقابلات الباقية تمت قبل المجزرة.

السيرة الشخصية: 

عبد السلام عقل: صحافي فلسطيني مقيم في لبنان.