حوارات فلسطينية في الخارج والداخل: موقف المعارضة، وصيغة مدريد
كلمات مفتاحية: 
الفلسطينيون
المعارضة السياسية
مؤتمر مدريد 1991
نبذة مختصرة: 

يشتمل الملف على مجموعتين من الحوارات مع خمسة من القادة في المعارضة الفلسطينية في دمشق (خالد الفاهوم، نايف حواتمة، أبو علي مصطفى، فضل شرورو، ماهر الشريف)، ومع ثلاث شخصيات من الداخل تتحمل مسؤوليات مختلفة في المفاوضات (نبيل قسيس، عزمي الشعيبي، سليم تماري).

النص الكامل: 

في هذا الملف، مجموعتان من الحوارات، نظمتهما "مجلة الدراسات الفلسطينية" في دمشق، مع خمسة من القادة في المعارضة الفلسطينية؛ وفي القدس المحتلة، مع ثلاث شخصيات من الداخل تتحمل مسؤوليات مختلفة في المفاوضات الجارية. تتمحور المجموعة الأولى حول الموقف من المفاوضات، و م. ت. ف.، والبدائل التي تطرحها المعارضة. أما المجموعة الثانية فتتركز، أساساً، حول صيغة مدريد، وضرورة تجاوز المأزق الذي أدت إليه، وإمكان مثل هذا التجاوز.

و"مجلة الدراسات الفلسطينية"، تتابع بهذا الملف ما دأبت عليه حتى الآن، من عرض وجهات النظر المختلفة في العملية التفاوضية. وهي ستواصل سعيها في هذا السبيل، لما فيه مصلحة القضية الفلسطينية والعربية.

حوارات مع قادة من المعارضة الفلسطينية1

تهدف هذه الحوارات إلى جلاء مواقف منظمات المعارضة الرئيسية من المفاوضات السلمية الحالية، والأسس التي تجري عليها، ونظرتها إلى م. ت. ف. وقيادتها الرسمية، وما ينبغي فعله لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تظل الضمانة الأساسية للمحافظة على المنظمة وتعزيز صفتها التمثيلية ودورها، وضمان مستقبلها. والأهم من ذلك كله، ربما، ضمان سلامة القرارات المصيرية المطلوب من المنظمة اتخاذها الآن باسم الشعب الفلسطيني. كما حملت المجلة إلى القادة الذين أجرت الحوارات معهم التساؤلات التي تدور في أذهان الكثيرين حول فاعلية المعارضة وجدواها في الإطار الحالي لممارستها نشاطاتها، وحول البدائل التي تطرحها من الخط الرسـمي لـِ م. ت. ف.         

خالد الفاهوم2: في الساحة الفلسطينية فصائل أكثر مما ينبغي، والتشرذم لا يخدم المعارضة ولا القضية 

س: تعارض "جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطينية"، الخط الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية من الخارج. وهذه المعارضة من الخارج تضعف م. ت. ف. وتضعف موقف الوفد الفلسطيني إلى مفاوضات السلام. هل يصب هذا في مصلحة القضية الفلسطينية؟ وما الأجدى، المعارضة من الخارج أم من الداخل؟ وأكثر من ذلك، ماذا كانت جدوى هذه المعارضة حتى الآن؟

ج: في كل حركة سياسية، عبر التاريخ، لا بد من وجود للمعارضة، أو ما يسمى تعدد الآراء. فالإنسان في العمل السياسي لا يستطيع أن يدّعي أنه مصيب على الدوام. لذلك فالمعارضة ضرورية. وفي الساحة الفلسطينية، كانت لدينا معارضة منذ أن بدأ العمل السياسي في فلسطين نفسها [في فترة الانتداب البريطاني]، حيث تصدى "حزب الدفاع" للجهة القائدة آنذاك في الساحة الفلسطينية، أي "اللجنة العربية العليا"، ومن بعدها "الهيئة العربية العليا".

وبعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964، نشأت في فترات مختلفة معارضة اتخذت أشكالاً متعددة، ونشطت في إطارات كانت أحياناً واسعة، وأحياناً ضيقة. ومؤخراً، وبعد مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في "عملية السلام"، اتسعت هذه المعارضة، بحيث أصبحت تشمل تجمعاً يضم عشرة فصائل.

إن هذه المعارضة الفلسطينية لم تكن على صواب دائماً. فلها أخطاؤها أيضاً والمعارضة عندما لا تكون بناءة، تصبح ضارة، خاصة أن بعض الفصائل اعتمد سياسة خارجة عن الساحة الفلسطينية. أما بالنسبة إلى الفصائل العشرة، فتعلمون أنها تتصدى لكشف مخاطر ما يسمى "مؤتمر السلام" وتأثيراته الضارة في الساحة الفلسطينية، وفي قضية فلسطين. لذلك فإنني أجد في المعارضة الحالية أمراً إيجابياً هو إجماعها على رفض التفريط بالثوابت الوطنية. لذا فإنها تشد أزر الوفد الفلسطيني المفاوض، كما أنها تشكل عامل تحذير لقيادة منظمة التحرير كي لا تتجاوز الخط الأحمر.

أما الثوابت المتفق عليها، حالياً، والتي أكدتها المجالس الوطنية، فهي: الانسحاب الإسرائيلي من الضفة والقطاع ومن القدس؛ وقف الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ حق تقرير المصير والعودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ومن المفروض أن تتماسك المعارضة أكثر، لا لإضعاف الصف الفلسطيني، أو لإضعاف موقف الوفد الفلسطيني المفاوض، وإنما لتقوية وحدة الشعب الفلسطيني في إطار منظمة التحرير والوقوف بحزم ضد أي تفريط، وفي وجه أي تجاوز لحقوقنا الوطنية الثابتة.

وهذا، في رأيي، يقتضي قيام حوار وطني شامل بين قيادة منظمة التحرير وبين الفصائل والشخصيات الوطنية المعارضة، كي لا يحدث انقسام كبير، أو شطط خطير. وقد بدأ هذا الحوار، منذ أسبوعين، تقريباً، بين "فتح" والفصائل المعارضة في دمشق وعمان، وآمل أن يستمر، وأن يؤدي إلى وحدة الموقف الفلسطيني التي لا بد منها في هذه الظروف الخطيرة. وبشكل عام، وعلى الرغم من أن لكل فريق رأيه، فإن كلا الفريقين، القيادة والمعارضة، متفقان حتى الآن، على التمسّك بالثوابت الوطنية: أي عروبة القدس والانسحاب من كامل الأرض المحتلة وحق تقرير المصير. ويمكن لهذا أن يشكل قاسماً مشتركاً لبدء الحوار.

س: ولكنكم تشترطون، لنجاح الحوار، إيقاف مشاركة الوفد الفلسطيني في المفاوضات. هل هذا مطلب واقعي في الظروف الراهنة؟

ج: عند بدء المفاوضات، أعلنت قيادة منظمة التحرير ـ على لسان رئيسها ومعظم قادتها ـ أنها تشترط للمشاركة في التفاوض ما يلي:

1 ـ  الانسحاب من جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة والقطاع والقدس).

2 ـ وقف الاستيطان الصهيوني في الأراضي المحتلة.

3 ـ  التمسك بحق تقرير المصير والعودة، والدولة المستقلة.

4 ـ  منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهي التي تتحدث باسمه. وأن       الشعب الفلسطيني شعب واحد، في الأرض المحتلة وفي الشتات.

لو أن قيادة المنظمة تمسكت بهذه الأمور الجوهرية، لكان وضعنا أفضل مما نعانيه هذه الأيام. وحتى لو أدى الأمر، في البداية، إلى مقاطعة المفاوضات، فإن موقف منظمة التحرير هذا كان سيجر الدول العربية الأخرى. أما الآن فإننا نجد أنفسنا، بعد عشرين شهراً على التفاوض وعشر جولات، أمام الورقة الأميركية، ورقة "الطرف المحايد النزيه!" التي تؤكد على عدم إثارة موضوع القدس في المرحلة الراهنة، وتبقي [المسؤولية] عن الأمن العام، وأمن المستوطنات في يد إسرائيل، ولا تقترح الربط بين القطاع والضفة، التي قسمت بدورها إلى أجزاء مغلقة، منفصلة بعضها عن البعض هي: منطقة المثلث (نابلس، جنين، طولكرم)، ومنطقة رام الله والبيرة، وأخيراً منطقة الخليل وبيت لحم، بحيث تكون هذه جزراً منفصلة تحت هيمنة الاحتلال الإسرائيلي.

إن قيادة منظمة التحرير رفضت هذه المقترحات، لكنها تتعرض لضغوط كبيرة حتى تقبلها. وعلى الشعب الفلسطيني ـ قيادة ومعارضة ـ رفض أي تنازل عن حقوقنا الوطنية الثابتة. ولا أعتقد أن أحداً سيتهمنا برفض السلام، أو تخريبه. فالأساس هنا هو التمسك بالثوابت، ورفض كل ما يؤثر فيها سلباً.

س: تبدو المعارضة الفلسطينية، في نظرة سريعة، كأنها غير فاعلة. ما هي المشكلة؟ وكيف تتصورون مستقبلها ودورها في حال التوصل إلى تسوية ما؟

ج: في البداية، أعتقد أن في الساحة الفلسطينية فصائل أكثر مما ينبغي؛ بحيث يبدو الانقسام كبيراً وعميقاً. وأعتقد أن لا بد من تقليص عدد الفصائل. وعندما نلاحظ أن بعض هذه الفصائل يتكتل مع بعضه الآخر، لتشكيل "جبهات" داخل منظمة التحرير، أحبذ لو شكلت هذه الجبهات منظمة واحدة، مثل تجمع "الشعبية والديمقراطية والنضال وجبهة التحرير الفلسطينية" أو "جبهة الإنقاذ" ومثل التيارات السياسية الإسلامية. عندها يصبح لدينا ثلاث أو أربع منظمات.

إن هذا التشرذم لا يخدم المعارضة، ولا القضية، وإنما يضعفهما. وقد يقول قائل إن الخلاف داخل هذه الجبهات هو خلاف عقيدي، لكنني لا أجد أي أثر لمثل هذا الخلاف.

ومن جهة أخرى، فإن على المعارضة أن تتخذ مواقف أكثر موضوعية وعقلانية تجاه القضايا الخلافية المطروحة. كما أن القيادة الفلسطينية الرسمية ينبغي ألا تتكلم كثيراً، موحية بتساهلها ومهاودتها الزائدة تجاه المقترحات التفريطية المعادية. أي أن على الطرفين أن يعمقا نقاط الاتفاق، بما يخدم القضية الفلسطينية، ووحدة الشعب الفلسطيني.

س: ولّدت عملية المفاوضات تساؤلات عن مصير م. ت. ف.، وتحاول الأطراف المعادية (الولايات المتحدة وإسرائيل) إضعاف الصفة التمثيلية للمنظمة على أمل شطبها. كما أن هناك تغيراً، ربما لا يكون متبلوراً أو ظاهراً بوضوح، بدأ يطرأ، تدريجاً، على طبيعة م. ت. ف. وهيئاتها القيادية. ما موقفكم من ذلك كله؟

ج: أولاً، أحب أن أقول إنني لم أسمع من المعارضة الفلسطينية أي كلام عن عدم تمسكها بمنظمة التحرير. فكل المعارضة متمسكة بالمنظمة، وبقراراتها الشرعية. وعلى ذلك، فإن وجود المعارضة في منظمة التحرير ـ وإن كانت خارج بعض مؤسساتها كالمجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية ـ يمكِّن المعارضة من أداء دورها. وأُحب أن أقول جملة معترضة هنا: عندما تكون القيادة جماعية، فإن من الأفضل أن يكون الجميع في إطار منظمة التحرير وفي مؤسساتها. أما أن ينفرد شخص واحد بكل الصلاحيات المعروفة ـ السياسية والمالية والإعلامية ـ فإن هذا لا يمكّن المعارضة من تأدية دورها في مؤسسات منظمة التحرير. لذلك أرجو أن يحدث التطوير في القيادة الفلسطينية، بحيث تنسجم القيادة مع روح منظمة التحرير الفلسطينية. وعلى سبيل المثال، كان المجلس الوطني بين عامي 1964 و1968، ينتخب رئيس اللجنة التنفيذية مباشرة، وهذا بدوره يعين أعضاء اللجنة التنفيذية. وقد وجد المجلس الوطني الرابع (صيف 1968) أن هذه الصيغة تشبه الصيغة الرئاسية التي تعطي صلاحيات كبيرة جداً للفرد، بحيث يصبح بإمكانه تعيين أعضاء اللجنة التنفيذية وإقالتهم. فاستبدلها المجلس بالصيغة القائمة حالياً، أي أن المجلس الوطني ينتخب أعضاء اللجنة التنفيذية، وهم بدورهم ينتخبون رئيس اللجنة. ولا تزال هذه الصيغة معمولاً بها،  حتى الآن، نظرياً. أما عملياً، فما زال رئيس اللجنة التنفيذية يمارس صلاحيات واسعة، ويتخذ قرارات خطيرة، سياسياً ومالياً وإعلامياً وإدارياً. لذلك لا بد من العودة، وبصدق، إلى صيغة القيادة الجماعية، حيث تحترم الأكثرية رأي الأقلية، وتخضع الأقلية لقرار الأكثرية.

أما فيما يتعلق بالبدائل من م.ت.ف. فقد عُرضت مثل هذه الأفكار في عام 1984، وتصدى لها بعض المعارضين أيضاً، وانتهت في حينها. الآن يعرف الجميع كم هي منظمة التحرير أساسية للحفاظ على الشخصية الفلسطينية والكيان الفلسطيني. فهي البيت الذي يستظلّ به كل فلسطيني أينما كان مكانه. فكل فلسطيني عضو طبيعي في م.ت.ف.، لذلك فإنني أعتقد أن القول بإيجاد بدائل هو أمر خاطئ وانتهى في حينه.

ثمة مساع كثيرة، في هذه المرحلة، تبذل لإلغاء دور منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني. فإسرائيل وأميركا تتحدثان فقط عن أراض محتلة، ولا تعترفان بوجود الشعب الفلسطيني في الخارج: في الأردن وسوريا ولبنان وكل أنحاء العالم. لأنه إذا انتهت م. ت.ف. انتهت وحدة الشعب الفلسطيني بين الداخل والخارج. وهذه هي الكارثة بعينها. لذلك أعتقد أن على المعارضة الفلسطينية أن تدرك مخاطر هذا الأمر، وأن تنتبه له من خلال تمسكها، أكثر فأكثر، بـِ م.ت.ف. كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وأن ترفض أية محاولات لتقسيم الشعب الفلسطيني بين "داخل" و "خارج". ومع ذلك ينبغي القول إنه يجب إعادة النظر في البناء الحالي لمنظمة التحرير كي تكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات الراهنة، وأكثر تمثيلاً للقوى الفلسطينية، وأن تضم بشكل فعلي ممثلين عن الأرض المحتلة في مختلف هيئاتها، وأن يكون في هذه الأطر قيادة جماعية لجميع المؤسسات، وأن تصحح الأوضاع في مؤسسات منظمة التحرير للتخلص من سوء الإدارة في الأمور المالية ومن البيروقراطية في الإدارة. أي ينبغي أن يكون القائمون على أعمال م.ت.ف. ومؤسساتها من طلائع الشعب الفلسطيني وكفاءاته، ومن خيرة مناضليه، لا من المتزلمين، وان تكون الكفاءة لا الولاء هي المعيار.

نايف حواتمة3: نحرص على تكتيل أوسع معارضة ممكنة مع إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع "فتح"

س: تبدو "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" داخل م.ت.ف. وخارجها في آن. تشاركون في المؤسسات القيادية للمنظمة، وفي الوقت نفسه تشاركون في المؤسسات القيادية للمعارضة الفلسطينية. وأنتم ضد المفاوضات السلمية ومعها أيضاً. ما هي حقيقة موقفكم تماماً من المنظمة، ومن المفاوضات على وجه العموم؟

ج: الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وباعتراف الجميع، فصيل رئيسي وفاعل في م.ت.ف.، وأحد أبرز مكوناتها الثابتة. ومنذ تأسيسها في 22 شباط/ فبراير 1969، أعلنت الجبهة انتماءها إلى م.ت.ف.، ومنذ ذلك الحين، لم تغادر الجبهة المنظمة، ولم تنتم إلى تشكيلات تنظيمية أو سياسية عابرة جرى تأليفها كبديل من منظمة التحرير.

وعُرفت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، منذ انطلاقتها، بأنها المدافع العنيد عن الموقع التمثيلي الشرعي والأوحد لمنظمة التحرير ضد محاولات شطبها أو عزلها أو خلق بدائل منها سواء أكانت هذه البدائل ذات وجه عربي مكشوف أم تتستر بوجه فلسطيني.

لذلك، وبعد الخروج من بيروت في العام 1982، وقفت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ضد محاولات تكريس الانقسام في الساحة الفلسطينية وتقاسم التمثيل الفلسطيني بين المحاور الإقليمية، كما وقفت ضد الانجرار وراء المشاريع التصفوية التي سعت إلى شطب منظمة التحرير، ونقل الدور التمثيلي الفلسطيني إلى جهة أخرى. وهذا ما سعى إليه مشروع ريغان (أيلول/سبتمبر 1982) ومشاريع أخرى، انهارت كلها تحت ضربات الشارع الفلسطيني والقوى الوطنية الجذرية والديمقراطية التي أكدت تمسكها باستقلال القرار والتمثيل ووحدانيته عبر منظمة التحرير الفلسطينية.

بقيت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين متمسكة بمنظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها الوطني، ورفضت الالتحاق بأية صيغة تنظيمية بديلة، أو مشروع بديل من المنظمة، لأن تعدد التمثيل سيؤدي إلى شطب التمثيل الحقيقي، وسيفتح الباب لمزيد من ادعاءات التمثيل، ويمزق المنظمة إرباً، ويحولها إلى شظايا متناثرة ملحقة بهذا المحور الإقليمي أو ذاك.

انطلاقاً من هذه الرؤية إلى مجريات الأمور في ذلك الوقت ومن إدراكنا مسؤولية القرار، وقفنا ضد الانسياق وراء المواقف المتطرفة العدمية، وضد الانحراف اليميني، وبقينا ندعو لاستعادة وحدة م.ت.ف.، وإلى إسقاط مشاريع تمزيق منظمة التحرير، وإلى العودة إلى رحاب الوحدة الوطنية الفلسطينية. وبفعل الضغط الشعبي الذي استطعنا توليده عبر سنوات الكفاح المرير، وبفعل صواب خطنا السياسي، ووضوح الرؤية في أطروحاتنا وشعاراتنا، والمبدئية التي حكمت مواقفنا استطعنا أن نتقدم خطوات جادة على طريق الوحدة الوطنية.

وإذا كنا قد اعترضنا بين العامين 1983 و1987 على محاولات تقسيم منظمة التحرير، فإننا لم نغادر المنظمة وبقينا متمسكين بها باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ولم نطعن بشرعية مجلسها الوطني المنعقد في عمان آنذاك ولا بشرعية لجنتها التنفيذية على الرغم من اعتراضنا على قراراتها، حتى لا يكون هناك فراغ في الشرعية الفلسطينية، تستغله القوى المعادية لشطب منظمة التحرير. كما حافظنا على وجودنا في المؤسسات والاتحادات الشعبية للمنظمة وخضنا عبرها النضال.

وعندما تفجرت الانتفاضة الشعبية المجيدة تحت أقدام الاحتلال وفي وجه سلطاته القمعية وقطعان مستوطنيه، بادرت منظمة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين داخل الوطن المحتل إلى الإعلان، مع الفصائل الوطنية الأخرى، عن قيام القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، وأعلنت عبرها أن القيادة الموحدة هي الذراع الضاربة لمنظمة التحرير الفلسطينية داخل الوطن المحتل، وردت بذلك على الذين روّجوا، ولأسباب متعددة، أن الانتفاضة هي تجاوز لقيادة الخارج ولمنظمة التحرير، وأسكتت الأفواه التي حاولت أن تُظهر أن هناك انشقاقاً بين الداخل والخارج، وأغلقت الطريق على الدعوات المشبوهة التي لا تصب إلا في طاحونة إجراءات القمع ضد الانتفاضة. كما جددت القيادة الموحدة للانتفاضة تمسكها بالبرنامج الوطني لمنظمة التحرير، باعتباره برنامج الانتفاضة وهدفها الذي من أجله انطلقت.

وعندما أعلن الأردن فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، بادرنا في الجبهة الديمقراطية للترحيب بهذه الخطوة، ودعونا، في المقابل، إلى مبادرة فلسطينية تضع م.ت.ف. أمام مسؤولياتها إزاء شعبها في الوطن المحتل، وتفتح الأفق أمام الانتفاضة الشعبية المجيدة.

ولعبنا دوراً متقدماً في إدارة الحوار الوطني لبلورة المبادرة الفلسطينية المطلوبة. وفضلاً عن دورنا في إدارة الحوار على مستوى القيادة الفلسطينية واللجنة التنفيذية للمنظمة ومجلسها المركزي، أدرنا حواراً شعبياً جماهيرياً، وعلى مستويات مختلفة، آخذين في الاعتبار الشرائح الاجتماعية المختلفة لشعبنا، وفي الآن ذاته، مصلحتها الموحدة في طرد الاحتلال الإسرائيلي، وإعلان دولة الاستقلال. وعلى وقع نبض الحركة الشعبية في الوطن المحتل، المتمثلة في الانتفاضة الشعبية، وفي الخارج، المتمثلة في الصمود الأسطوري لمخيمات شعبنا في لبنان ضد الهجمة الظالمة التي شنت ضدها، وفي العطاء غير المحدود للمخيمات الأخرى في الشتات، توصلنا مع القوى المختلفة في م.ت.ف. إلى صوغ مبادرة السلام الفلسطينية: السلام مقابل الدولة المستقلة. وزف مجلسنا الوطني التاسع عشر في 15/11/1988 إلى شعبنا، وإلى الأمة العربية، ولشعوب العالم المؤمنة بالحرية والسلام والتقدم، قيام دولتنا المستقلة.

وكنا ندرك أن قرارات المجلس الوطني ليست نهاية المطاف، وأنها فاتحة لمرحلة نضالية أكثر قسوة من التي سبقتها. لذلك حذرنا اليمين الفلسطيني من الإفراط في التفاؤل، ومن تفتيت قرارات المجلس الوطني التاسع عشر، لأن سياسة التنازلات المجانية لن تؤدي إلا إلى خسارة صافية على حساب الشعب الفلسطيني ومصالحه.

كما اتخذنا موقفاً واضحاً من المؤتمر الصحافي الذي عقده الأخ ياسر عرفات في 14/12/1988 في جنيف وأعلن فيه اعترافه بحق إسرائيل في الوجود وقبوله القرارين 242 و338 ونبذه الإرهاب، واعتبرنا هذا الموقف خروجاً على قرارات المجلس الوطني التاسع عشر.

وفي السياق نفسه وعند عرض الرئيس الأميركي جورج بوش المبادرة الأميركية لتسوية قضية الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، كان للجبهة الديمقراطية موقفها القائم على استيعاب المتغيرات الدولية والتمسك بالمبادرة الفلسطينية للسلام في الشرق الأوسط، وبالبرنامج الوطني لمنظمة التحرير. فدعت الجبهة إلى تجديد الموقف الفلسطيني من قضية الشرق الأوسط، واشترطت للمشاركة في العملية التفاوضية للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج عبر منظمة التحرير، التمثيل الكامل وحضور القدس موضوعاً وتمثيلاً، ووقف الاستيطان، وإدراج قضية اللاجئين على جدول أعمال المفاوضات الثنائية، وربط مسارات الحل ومراحله، وأعلنا أن الدخول في المفاوضات من دون توافر هذه الشروط سيشكل تنازلاً خطراً وسيعرض وحدة الشعب والمنظمة للتصدع والتشقق.

نجحنا في الخروج في المجلس الوطني العشرين بقاسم وطني مشترك. وكان وفد الجبهة الديمقراطية الوفد الوحيد الذي صوت إلى جانب قرارات المجلس الوطني الفلسطيني بشكل موحد، بينما تبعثرت مواقف أعضاء وفود الفصائل الأخرى بين موافق ومعترض وممتنع.

كما جددنا التمسك في المجلس المركزي الفلسطيني في 18/10/1991 المواقف نفسها التي أعلناها في المجلس الوطني. وأعلنا من هناك معارضتنا المشاركة في مفاوضات مدريد، لأن شروط المشاركة لم تتوافر، ولأن الجناح اليميني البيروقراطي في م.ت.ف. حوّل الشروط الفلسطينية للمشاركة في المفاوضات إلى أهداف تتحقق عبر المفاوضات ومن خلالها وأثنائها.

وقد خضنا صراعاً مريراً ضد سياسة التنازلات المجانية التي سلكها اليمين الفلسطيني في م.ت.ف. في اجتماعات المجلس المركزي واللجنة التنفيذية وفي الشارع الفلسطيني وتحت راية الانتفاضة، وفي مناطق الشتات. وتوصلنا مع رفاقنا في الجبهة الشعبية إلى تأليف القيادة الموحدة للجبهتين على طريق تكتيل القوى الديمقراطية للضغط أكثر على الجناح البيروقراطي في م.ت.ف. لمنع المزيد من التنازلات. كما توصلنا إلى تأليف صيغة الفصائل العشرة للتصدي لمشروع الحكم الإداري الذاتي وتوطين اللاجئين ولمحاصرته وإسقاطه. كما نجحنا مع الفصائل العشرة في تكريس مبدأ الدفاع عن م.ت.ف. باعتبارها مكسباً تاريخياً لشعبنا الفلسطيني يجدر التمسك به والدفاع عنه، علماً أن هناك أطرافاً في الفصائل العشرة ليست أعضاء في م.ت.ف.، بل إن بعضها لم يدخل م.ت.ف. أصلاً. ودعونا، عبر هذا الإطار العريض، إلى تعليق المشاركة الفلسطينية في المفاوضات الثنائية، ومقاطعة المفاوضات المتعددة، وجلوس جميع القوى الفلسطينية ولفيف واسع من الشخصيات الوطنية الفلسطينية داخل الوطن المحتل وخارجه، وداخل م.ت.ف. وخارجها، إلى طاولة الحوار الوطني الشامل. وعرضنا، من خلال القيادة الموحدة التي تجمعنا ورفاقنا في الشعبية، مبادرة للحوار الوطني الشامل، ورسمنا لها آليتها المقترحة. وقد تبنت الفصائل الديمقراطية الأربعة الدعوة للحوار الوطني الشامل.

وفي إطار الصراع الذي خضناه ضد سياسة الجناح البيروقراطي المتنفذ في م.ت.ف. اتخذنا مجموعة من التكتيكات المتنوعة، التي ربما أفسحت في المجال للالتباس البادي واضحاً في سؤالكم الأول.

ففي خضم الصراع، قاطعنا أكثر من مرة، نحن وباقي الفصائل الديمقراطية، بعض جلسات القيادة الفلسطينية في تونس. غير أن هذا الموقف لم يتجاوز حدود المقاطعة أو التغيب عن بعض الاجتماعات التي رأينا فيها محاولة مسبقة من الجناح المتنفذ في م.ت.ف. لاستغلالها في التغطية على سياسته التفاوضية التنازلية. واستمرت، مع ذلك مشاركتنا في كافة اجتماعات اللجنة التنفيذية للمنظمة التي تم تغييبها وتغييب دورها بعد أن باتت أغلبية أعضاء اللجنة تعارض الاستمرار في المفاوضات.

أما اجتماعات القيادة الفلسطينية فإن الجناح البيروقراطي المتنفذ في م.ت.ف. حاول التعاطي معها بنظرة استعمالية انتهازية، فيعلن أنها هيئة غير مقرِّرة عندما تتخذ الأغلبية موقفاً ضد سياسته التفاوضية التنازلية، ثم يتغطى بها ويتستر خلفها إذا قررت اللجنة التنفيذية موقفاً لا يلتقي مع توجهاته، فيصبح عندها حريصاً على القيادة الفلسطينية لاتخاذ القرار المناسب بحجة أن اللجنة التنفيذية لا تستطيع وحدها اتخاذ القرارات المصيرية، علماً أن "القيادة الفلسطينية" هيئة هلامية مفتوحة لأية مشاركة ولا تشريع رسمياً لتركيبها.

لم تقاطع الجبهة الديمقراطية الأطر الشرعية لمنظمة التحرير في أي وقت من الأوقات. وبغض النظر عن رأينا في أسلوب القيادة المتنفذة في التعاطي معها، نقول إننا لسنا أمام خيارين: خيار العمل من داخل م.ت.ف. وخيار العمل من خارجها. نحن أمام خيار واحد، العمل في داخل م.ت.ف. باعتبارنا فصيلاً رئيسياً من فصائلها، والعمل بين صفوف الجماهير. وهذا عمل رئيسي يتعزز دورنا فيه باستمرار انطلاقاً من إيماننا وقناعتنا بأن القرار، في نهاية الأمر، هو قرار الشعب وشرائحه الاجتماعية المختلفة ومؤسساته الشعبية.

س: تشير في ردك على السؤال الأول إلى "سياسة تنازلات مجانية سلكها اليمين الفلسطيني في م.ت.ف.". ما هي هذه التنازلات بحسب رأيك؟

ج: أقر المجلس الوطني الفلسطيني في دورته العشرين ستة أسس لدخول م.ت.ف. في العملية التفاوضية، وكلف اللجنة التنفيذية العمل على توفير هذه الأسس، وأعطى المجلس المركزي صلاحيات البت النهائي وفق الأسس الستة المتعلقة بالتمثيل الفلسطيني ومرجعية المفاوضات وآليتها ووقف الاستيطان، وترابط مسارات الحل ومراحله.

إلا إن الجناح البيروقراطي في م.ت.ف. تجاوز هذه الأسس، وكذلك قرارات المجلس المركزي وأخفاها، واتخذ قراراً منفرداً بالاشتراك في المفاوضات الحالية وفق ورقة الدعوة الأميركية التي تجاهلت الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. وقد أعلن الأخ ياسر عرفات، أكثر من مرة، أن المشاركة في المفاوضات تمت وفق شروط مجحفة وظالمة ومذلة.

لقد اتخذنا منذ 18/10/1991، وبعد انفضاض أعمال المجلس المركزي، موقفاً ثابتاً من المشاركة في المفاوضات، وأوضحنا أن الشروط لم تتوافر حتى الآن لتنتج لنا حلاً شاملاً ومتوازناً يضمن لشعبنا الفلسطيني حقوقه المشروعة. وبقينا ندعو إلى تصويب مسار المفاوضات، والعودة إلى الأسس التي أقرها المجلسان الوطني والمركزي.

وتحت ستار المفاوضات، يمارس العدو أبشع أشكال القمع والإرهاب والتسلط ضد شعبنا في الأرض المحتلة. وتحت ستار المفاوضات، كسرت إسرائيل العزلة الدولية التي فرضتها الانتفاضة عليها. وتحت ستار المفاوضات، تقدمت عمليات تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل خطوات ملموسة إلى الأمام، بينما بقي الوضع الفلسطيني محاصراً بين التعنت الإسرائيلي والانحياز الأميركي.

والأهم من هذا كله، أن المفاوضات، وبعد عشرين شهراً وعشر جولات، وصلت، وفق الشروط الأميركية ـ الإسرائيلية، إلى الطريق المسدود.

فالقدس ما زالت مشطوبة من طاولة المفاوضات، وأميركا تصر على ترحيلها إلى المرحلة النهائية، ورابين يصر على أن القدس ستبقى موحدة عاصمة لدولة إسرائيل، ويقول أن أميركا تدعمه في هذا الموقف. ولم يتوقف الاستيطان، وما زال يستولي على المزيد من الأراضي الفلسطينية بحجج متعددة، وتحت يافطة "الأمن" بشكل خاص.

والحكم الإداري الذاتي، كما هو معروض إسرائيلياً، لا يعترف بالسيادة الفلسطينية لا على الأرض ولا على المياه، بل المطلوب منه أن يتحول إلى أداة تنفيذية بيد سلطات الاحتلال الإسرائيلي، يتولى وظائف "الإدارة المدنية"، وتبقى السلطات الأمنية والاقتصادية والتشريعية والعلاقات الخارجية للاحتلال وحده.

أما المرحلة النهائية، وفق الاقتراحات الإسرائيلية، فما زالت مفتوحة على الاحتمالات كلها. ومؤشرات تطبيق الحكم الذاتي في المرحلة الانتقالية تؤكد ـ حسب صائب عريقات ـ انسداد آفاق الدولة المستقلة وفق هذه الصيغة. ويجدر بنا أن نتذكر جميعاً صراخ الوجع والألم الذي صدر عن أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض ورئيسه عقب الجولات الأربع الأخيرة، التي شكت من الحالة العبثية التي تعيشها المفاوضات.

وإذا ما توقفنا معاً أمام الورقة الأميركية المقدمة للوفد الفلسطيني في الجولة العاشرة كأساس للحل، يتبين لنا أن "الراعي الأميركي النزيه"، الذي كان موضع رهان الجناح البيروقراطي في م.ت.ف. طابقت مواقفه مواقف سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وأن ما عُرض على الفلسطينيين ليس سوى دعوة للاعتراف بشرعية الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية. فالورقة تنكر وجود الشعب الفلسطيني وتعترف فقط بمجموعات سكانية فلسطينية لقطع الطريق على الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. كما تشطب القدس كلياً من المناطق المحتلة والمرحلة الانتقالية ومفاوضات الحكم الذاتي. وهذا الأمر يعتبر تبنياً كاملاً للشروط الإسرائيلية بشأن القدس. كما تعتبر الورقة الأرض الفلسطينية أرضاً متنازعاً عليها، وتتفادى وصفها بـِ "المحتلة". كما تعتبرها الورقة، عملياً، مناطق يحق لكل طرف تأكيد السيادة الإقليمية عليها أو نفيها.

وتسقط الورقة القرار 242 حين تقر بأن السيادة على الأرض سيتم التفاوض عليها خلال مرحلة الوضع النهائي، وهذا تبن كامل لموقف شمير ورابين.

وحسب الورقة، فإن الأمن من مسؤولية إسرائيل، ولا يبقى للحكم الإداري سوى شؤون المجاري والإدارة في حدود البلديات الراهنة.

وتقر الورقة باستبعاد مناطق جغرافية من الأرض، وفئات من البشر، من الولاية الجغرافية للحكم الذاتي، أي سلخ أجزاء من الأرض وضمها إلى إسرائيل.

والأكثر خطراً هو حديث الورقة عن أن جميع الخيارات تبقى مفتوحة، وأن الاتفاق الذي يتم التوصل إليه حول الوضع الدائم هو التنفيذ العملي للقرارين 242 و338 بجميع جوانبهما، أي إسقاط مبدأ "الأرض مقابل السلام"، وإسقاط مبدأ "عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة"، وإفراغ القرارين من مضمونهما ومن طابعهما الإلزامي.

إن الحلول المعروضة في المفاوضات تتعارض مع قرارات الشرعية الدولية التي تعترف بأن الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس العربية أراض محتلة. لذا دعونا إلى رفض المشاريع الأميركية ـ الإسرائيلية، وربطنا محاصرة هذه المشاريع وإسقاطها بتعليق المشاركة الفلسطينية في المفاوضات الثنائية ومقاطعة المفاوضات متعددة الأطراف.

س: ما تسميه أنت "تنازلات"، وتسميه قيادة م.ت.ف. "شروطاً مجحفة"، فرضها الواقع العربي والدولي، والوضع الصعب للمنظمة والشعب الفلسطيني بعد حرب الخليج. وقد اضطرت م.ت.ف. إلى قبول هذه الشروط لانعدام أي خيار آخر أمامها، وأعلنت القيادة أنها ستعمل على تغييرها من خلال المفاوضات. بعض المعارضة يدعو إلى الانسحاب من المفاوضات كلية، وبعضها الآخر يدعو لتعليقها والسعي لتغيير شروط التفاوض. لنفترض أن هذا حدث فعلاً، ما البديل الجدي منها، والحال كما تعلمه؟

ج: أثبتت تجربة المفاوضات استحالة تعديل شروط مدريد ـ واشنطن من داخل المفاوضات نفسها. بل إن التجربة أكدت العكس تماماً. فالشروط صارت أكثر إجحافاً، و"الراعي الأميركي" بصدد تعديل شروط المفاوضات وأسسها لمصلحة المزيد من الانحياز للاحتلال الإسرائيلي، والمزيد من العداء والتنكر لمصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه.

إن المفاوضات بصيغتها الحالية، وما فرضته من تنازلات مجانية على الجانب الفلسطيني المفاوض، أحدثت انقساماً في صفوف م.ت.ف. وفي صفوف الشعب الفلسطيني.

لذلك دعونا إلى تعليق المشاركة الفلسطينية فيها، وإلى الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني الشامل الذي يضم كافة القوى الفلسطينية وصفاً عريضاً من الشخصيات الوطنية الفلسطينية الفاعلة.

إن الحديث المتكرر عن البدائل، للإيحاء بأن المفاوضات الحالية هي الخيار الفلسطيني الوحيد، يهدف إلى تضييع الحقائق. فليست المفاوضات خياراً ثابتاً لدى الشعوب المكافحة من أجل حريتها. ولدى الشعب الفلسطيني خيارات عديدة، أهمها خيار الانتفاضة الفلسطينية، التي لولاها لما تضمنت مبادرة بوش دعوة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات. ولدينا خيار الوحدة الوطنية الذي أثبت جدواه في معارك عديدة خاضتها حركتنا الوطنية الفلسطينية. ولقد قدمت الجبهة الديمقراطية بديلاً واقعياً وطنياً من المفاوضات الحالية هو تكثيف النضال في الداخل والخارج، وصولاً إلى عملية سلمية في المنطقة، تستند إلى قرارات الشرعية الدولية وإشراف الأمم المتحدة وتمثيل فلسطيني شامل. ونعتقد جازمين أن العديد من القوى في العالم، أوروبية وآسيوية وعربية وإسلامية، على استعداد للتضامن مع الشعب الفلسطيني إذا تمسك بحقوقه الوطنية المشروعة. لذلك، ندعو مرة أخرى الجناح البيروقراطي المفاوض إلى الاستجابة لدعواتنا ودعوات القوى والتيارات الديمقراطية والوطنية والإسلامية في الساحة الفلسطينية، ودعوات غالبية أعضاء الوفد المفاوض وعلى رأسهم الدكتور حيدر عبد الشافي، ودعوات غالبية الشعب الفلسطيني، لتعليق المشاركة في المفاوضات الحالية، والعمل معاً لرسم الاستراتيجية الفلسطينية البديلة.

س: برغم من المعارضة، فإن المفاوضات مستمرة. ولا يوجد ما يشير إلى أن هناك استعداداً للانسحاب منها أو تعليقها. ما كانت جدوى المعارضة حتى الآن، وما تصوركم لدورها في المستقبل؟

ج صحيح أن التأييد الشعبي لمسيرة التفاوض قد انحسر، ونجومية مدريد قد سقطت، كما قال الدكتور حيدر عبد الشافي، وقد بدأت جماهيرنا منذ الجولة الرابعة تعيد النظر في المفاوضات، وترى فيها عملاً عقيماً لن يؤدي إلى النتائج التي تنسجم مع مصالحنا الوطنية والقومية، غير أن هذا الانحسار لم يأت صدفة، بل هو نتاج لعمل متواصل للقوى الديمقراطية والوطنية والإسلامية، داخل المنظمة وخارجها، وفي صفوف الشعب الفلسطيني، أديرت عبره حوارات غنية أظهرت خطر مشروع "مدريد ـ واشنطن"، وجمهرت المواقف ضده، ودعت إلى إسقاطه باعتباره مشروعاً معادياً لمصالح الشعب وحقوقه.

لكن مسيرة مدريد لم تتوقف بعد، لأن ضغوطاً إقليمية ودولية ما زالت تمارس على الجناح البيروقراطي في م.ت.ف. لدفعه إلى مواصلة التفاوض والمراهنة على الصيغة الحالية.

والجناح البيروقراطي في م.ت.ف.، ما زال بدوره يعيش مأزقاً معقداً. فهو يدرك بوضوح خطر المشروع المعروض عليه على طاولة التفاوض، وخطر نتائجه على العمل الوطني، وعلى عموم الشعب الفلسطيني. وهذا الجناح يعيش حالة من التردد. فهو، من جهة، ما زال يراهن على أوهام تتعلق بالدور المصري واحتمالات التوسط لدى الولايات المتحدة الأميركية لحفظ ماء وجه الجناح، ويعيش، في الوقت نفسه حالة  من الارتباك والبلبلة، بعد أن ربط خياره الرئيسي بالمفاوضات الحالية. والعودة عن هذا الخيار عملية غير سهلة من وجهة نظره. لأن لها ثمناً على صعيد الانعكاسات المحتملة عليه. والنجاح في تعليق المشاركة الفلسطينية في المفاوضات سيعيد ترتيب البيت الفلسطيني، والتحالفات الفلسطينية ـ الفلسطينية، والفلسطينية ـ العربية. وتعليق المفاوضات سيعني، بتعبير آخر، الدخول في مواجهة مع مشروع أميركا وإسرائيل "للنظام الإقليمي الجديد" في منطقتنا. نسوق هذا الكلام لنظهر حجم التغيير الواسع الذي ستحدثه عملية تعليق المفاوضات في المجالين السياسي والتنظيمي في م.ت.ف. من جهة أخرى، لا يمكن النظر إلى المعارضة الفلسطينية نظرة موحدة. فهناك تباينات في المنطلقات النظرية لدى أطراف المعارضة تنعكس بالضرورة تباينات في الموقف السياسي. ومع هذا، فإننا نحرص دوماً على تكتيل أوسع معارضة فلسطينية ممكنة من دون أي اعتبار للخلافات في المنطلقات النظرية أو البرامج السياسية، معتمدين اتفاق الحد الأدنى لمحاصرة مشروع الحكم الإداري الذاتي وتوطين اللاجئين.

ونحن حريصون على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع الأخوة في حركة "فتح"، لأن صفاً واسعاً من "فتح" يقف بوضوح ضد المفاوضات الحالية، داخل الوطن المحتل وخارجه، ويدعو إلى تعليقها.

لذلك نرى أن توسيع صف المعارضة، ومضاعفة وتيرة ضغطها، وممارسة الضغط الوطني على الجناح المفاوض هو الكفيل بوضع حد للمشاركة الفلسطينية في المفاوضات الحالية، مؤكدين مرة أخرى، أن ممرنا الإجباري لهذا كله هو التوحد ميدانياً على أرض الانتفاضة الباسلة، لإبراز حجم التناقض الواسع بين الشعب والاحتلال، ولإبراز مدى امتعاض الشعب واستيائه، واعتراضه على المفاوضات والاحتلال، ومدى توقه إلى الوحدة الوطنية الفاعلة التي تؤسس لمرحلة كفاحية جديدة تسد الطرقات على المشاريع التصفوية الأميركية ـ الإسرائيلية. إن من تقاليد الجبهة الديمقراطية وعاداتها ومبادئها التنظيمية أن تتوقف دورياً أمام سياستها، باتجاهاتها المختلفة وعلى المستويات المتعددة، تدقق فيها وتعمل على سد ثغراتها حيث وجدت وتطور جوانب محددة فيها، انطلاقاً من قناعتنا بأن النقد والنقد الذاتي سلاح فعال بيد الأحزاب والقوى الوطنية والديمقراطية الثورية. ونحن لم نقل، ولا للحظة، إننا سنسقط مشروع "مدريد ـ واشنطن" بالضربة القاضية. بل قلنا، وبكل وضوح وبلغة لا غموض ولا لبس فيها، أن معركتنا لإسقاط مشروع "مدريد ـ واشنطن"، هي معركة طويلة نسبياً، وإننا سنسقط هذا المشروع بالنقاط وليس بالضربة القاضية. وقلنا كذلك إن معارضة المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي ستتسع وستشمل شرائح وفئات جديدة كلما اتضحت ملامح هذا المشروع واتخذت سماتها النهائية. وعلينا أن نتذكر أن مشروع "مدريد ـ واشنطن" تميز بالغموض في بداياته، وأن نجومية "مدريد" استطاعت أن توهم فئات واسعة من أبناء شعبنا، ومن قواه الوطنية، بإمكان الوصول إلى حل مقبول عبر هذه المسيرة المنبثقة عن مفاوضات مدريد ـ واشنطن، ولنتذكر جيداً أن وتيرة المعارضة لمفاوضات مدريد ـ واشنطن كانت تعلو تدريجياً، وليس بقفزات واسعة. وهذا التدرج في اتساع مساحة المعارضة لم يخلف نفسه بنفسه، ولم توجده الصدفة، بل كانت تقف خلفه قوى ديمقراطية ووطنية متماسكة طرحت منذ دورة المجلس الوطني العشرين في أيلول/سبتمبر 1991، وفي المجلس المركزي في 18/10/1991، رؤيتها الواضحة لشروط التسوية السلمية لقضية الشرق الأوسط التي توفر لشعبنا حقوقه الوطنية المشروعة.

لقد تمكنا، عبر سنوات النضال المرير منذ انعقاد مؤتمر مدريد، أن نستقطب المزيد من القوى الفاعلة إلى خندق المعارضة لمسيرة مدريد ـ واشنطن الحالية. كما استطعنا أن نتقدم إلى الساحة الفلسطينية بسلسلة من المبادرات لم تأت في سياق ردة الفعل بل في سياق التطور الطبيعي لدور القوى اليسارية والديمقراطية الثورية والوطنية والإسلامية في الساحة الفلسطينية. فمن القيادة الموحدة للجبهتين الديمقراطية والشعبية، انطلقنا إلى الائتلاف الرباعي الديمقراطي للجبهتين مع جبهة النضال الشعبي وجبهة التحرير الفلسطينية، ثم إلى صيغة الفصائل العشرة. ولا نعزل استقالة الشيخ عبد الحميد السائح من رئاسة المجلس الوطني عن اتساع حركة المعارضة، ولا تعليق الرفاق في حزب الشعب الفلسطيني مشاركتهم في جولتي المفاوضات الثنائية التاسعة والعاشرة. كذلك لا نعزل مواقف الدكتور حيدر عبد الشافي رئيس الوفد الفلسطيني، الداعي إلى القيادة الجماعية بعد وصول الوضع الفلسطيني، حسب قوله، إلى نقطة حرجة، ومواقف العديد من أعضاء الوفد المفاوض الذين طالبوا بإعادة النظر بصيغة المفاوضات الحالية وتحديد المرحلة النهائية قبل الخوض في المرحلة الانتقالية (وهو ما كنا نؤكد عليه منذ ما قبل مؤتمر مدريد)، والصف الواسع من الأخوة في "فتح" واللجنة التنفيذية والمجلس الوطني؛ لا يمكن عزل هذه المواقف لا عن وضوح حقيقة مشروع "مدريد ـ واشنطن"، ولا عن تزايد النفوذ الجماهيري للمعارضة الفلسطينية لهذه العملية التفاوضية.

من جهة أخرى، نحن نملك برنامجاً وطنياً للعمل أقرته المجالس الوطنية الفلسطينية، ولدينا مبادرة السلام الفلسطينية وقرارات المجلس الوطني العشرين وشروطه الستة للمشاركة في أية تسوية سلمية في الشرق الأوسط. ومع ذلك، وانطلاقاً من قناعتنا بالعلاقات الديمقراطية والقيادة الجماعية، دعونا في المبادرة المشتركة مع الرفاق في الجبهة الشعبية يوم 19/5/1993 إلى حوار وطني شامل، يصوغ استراتيجية تفاوضية فلسطينية جديدة، على قاعدة تعليق المشاركة الفلسطينية في المفاوضات الثنائية الحالية، ومقاطعة المفاوضات المتعددة، والجلوس معاً إلى طاولة الحوار لنصوغ جميعاً الاستراتيجية السياسية الفلسطينية الجديدة التي تؤسس لوحدة وطنية راسخة للقوى والفعاليات وللداخل مع الخارج وتحت راية م.ت.ف.

س: طرحت عملية المفاوضات مصير م.ت.ف. على بساط البحث. وتحاول الأطراف المعادية (الولايات المتحدة وإسرائيل) إضعاف الصفة التمثيلية للمنظمة تمهيداً لتصفيتها. ما هو الرد المناسب، في رأيكم، على هذا التحدي؟

ج: لا بد أننا جاوبنا عن قسم كبير من هذا السؤال في ردنا على السؤال الأول. إلا إن هناك جديداً لا بد من التوقف عنده يتعلق بالتسوية وما تعكسه على وضع المؤسسات الرسمية والقيادية الفلسطينية. فالسؤال يفترض أن هناك تسوية معينة آتية على الجميع أن يحضر نفسه لها، بما في ذلك إعادة تشكيل مؤسسات م.ت.ف. لتنسجم مع هذه التسوية.

إن حصر الخيار في إطار هذا الاحتمال يحمل في طياته مخاطر عديدة أبرزها أنه يحاول أن يوحي كأن التسوية الأميركية ـ الإسرائيلية آتية، وعلى الجميع أن يجهز نفسه لها. وهذا سيطرح بالضرورة على بساط البحث والنقاش سؤالاً يقول: ما دامت التسوية آتية فما جدوى التصدي لها؟

إن مثل هذا التساؤل سيضع العديد من القوى المترددة أمام إحباط سياسي لا يخدم الجهد الضروري لاستنهاض عوامل التماسك والفعل في الوضع الفلسطيني، بما يمكّن من تجاوز الإملاءات والضغوط الأميركية.

نحن قوة فلسطينية ذات برنامج سياسي كفاحي عنوانه العودة وتقرير المصير والاستقلال. وكل إجراءاتنا التنظيمية والسياسية مبنية أساساً على هذا البرنامج وفي خدمة توجهاته.

ونحن نرى أن هناك عوامل قوة في الساحة الفلسطينية يجب الاستفادة منها حتى نتمكن من التصدي بفاعلية للمشروع الأميركي ـ الإسرائيلي، الذي عبرت عنه الورقة الأميركية في 30/6/1993 المقدمة إلى الفريق الفلسطيني المفاوض في الجولة العاشرة، والتي قدم المبعوث الأميركي دينيس روس إلى المنطقة بعد الجولة العاشرة ليروج لها، أو ليسعى لإنقاذها من الرفض الشعبي الواسع لها ولكل العملية المنبثقة عن شروط مدريد المجحفة.

في مقدمة هذه العوامل التي نملكها، تقف بلا شك الانتفاضة الشعبية المجيدة التي أكدت ثباتها ورسوخها في المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال. وعلى الرغم من كل محاولات تشويه الانتفاضة، وتصويرها أنها تراجعت ودخلت في طور الاضمحلال، فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تؤكد، في تقاريرها الشهرية وعلى لسان كبار ضباطها، أن وتيرة المقاومة في إطار الانتفاضة لم تتراجع، بل تقدمت وحافظت على وتيرتها التصادمية مع قوات الاحتلال في الضفة والقطاع وفي مدينة القدس. كما أن اتساع المعارضة الشعبية للمفاوضات الحالية، وقناعة الشارع الفلسطيني بأن مسارها بات يشكل تهديداً وإساءة لحقوقنا، على حد قول الدكتور حيدر عبد الشافي رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، هما سلاح آخر للحركة الوطنية الفلسطينية التي باتت الغالبية الساحقة من فصائلها وقواها وتياراتها وشخصياتها الوطنية، باستثناء بعض الأجنحة البيروقراطية، تعترف باستحالة الوصول إلى حل مشرف عبر هذه المفاوضات. وراحت تدعو إلى الانسحاب منها حفاظاً على ما تبقى من وحدة الصف وليس سراً أن الجسم الأكبر من الأخوة في "فتح"، بات يقف ضد صيغة المفاوضات الحالية.

لذلك، فإن المطلوب ليس التكيف مع التسوية المقبلة، بل مواصلة الضغط لتعليق المشاركة الفلسطينية في المفاوضات الحالية، والجلوس إلى طاولة حوار وطني شامل لإعادة صياغة السياسة الفلسطينية بما ينسجم مع متطلبات المرحلة المقبلة، والتصدي الفاعل للمشروع الأميركي الإسرائيلي، وتعزيز الوحدة الوطنية في إطار م.ت.ف.، وتفعيل مؤسساتها بما يمكِّنها من الاستجابة لمتطلبات المرحلة الكفاحية المقبلة. وهذا يعني، بلغة واضحة، إجراء أوسع الإصلاحات الديمقراطية في مؤسسات م.ت.ف. لترتقي إلى مصاف الانتفاضة والحركة الشعبية وتوفر لها عوامل الصمود، وتفتح لها آفاق التطور والنصر. إن هذا يتطلب إسقاط سياسة التفرد والاستئثار والفساد، واعتماد القيادة الائتلافية الجماعية الديمقراطية المستندة إلى مبدأ التمثيل النسبي والتي تعكس موازين القوى في الساحة الفلسطينية، وتعزز صلة مؤسسات م.ت.ف. وأجهزتها بالحركة الشعبية الفلسطينية في حركتها اليومية ضد الاحتلال ومن أجل الحقوق الوطنية لشعبنا بالأشكال الكفاحية المناسبة. 

أبو علي مصطفى4: توجد خيارات أخرى أمام العمل الفلسطيني، ويمكن وضع الولايات المتحدة وإسرائيل في مأزق

س: تغلب على "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، تاريخياً وحالياً،  سِمَتي "الرفض" و"المعارضة" لمقاطعتها المتكررة المشاركة في مؤسسات م.ت.ف. على الرغم من تمسكها بالمنظمة كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني. هل هذه الطريقة الصحيحة للتأثير في القرار الفلسطيني، وهل أن ذلك لا يضعف المنظمة، خاصة أنها الآن أحوج ما تكون إلى التفاف الشعب الفلسطيني حولها؟

ج: لكل قرار مبرراته السياسية وظروفه الخاصة. وفيما يتعلق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فلم تغادر أطر م.ت.ف. بالكامل، وإنما كانت تجمد عضويتها في اللجنة التنفيذية للمنظمة. وفي رأينا أن منظمة التحرير تحمل صفتي الجبهة الوطنية والدولة في آن، وهذا يعني، فيما يعنيه، لو افترضنا أننا قوة سياسية في البرلمان، أننا يمكن أن نكون في الحكومة أحياناً، وخارجها في اللحظات الخلافية، فليس العمل من خارج إطار اللجنة التنفيذية صحيحاً مئة بالمئة في كل اللحظات، ولا العمل من داخلها مئة بالمئة في كل اللحظات. ومن الطبيعي أن نتفاهم في إطار جبهة وطنية متحدة، وهذا هو العمل الأكثر جدوى، وما يجري خارجه هو الاستثناء وليس القاعدة. ولكن لهذا الاستثناء أسبابه، وهي في الأساس سياسية. هنالك محطات بارزة في تاريخ العلاقات الوطنية الفلسطينية، نجمت عن أحداث كبرى أثرت في البرنامج الوطني الفلسطيني. وقد عالجنا هذا الموضوع على أساس أنه ما دامت العلاقات الجبهوية قائمة في إطار سياسي موحِّد فإن مشاركتنا قائمة، أما عندما يتعرض هذا الإطار السياسي للخرق، فإن بقاءنا مستحيل. إن القاعدة التي نتبعها في العلاقات ضمن الجبهة الوطنية هي قاعدة الوحدة والصراع. ويمكن أن يتغلب عنصر الصراع على عنصر الوحدة أحياناً، أو عنصر الوحدة على عنصر الصراع أحياناً أخرى. ومن هنا، فإن الجبهة تمارس نظرية الصراع مع الموقف السياسي، وليس مع المؤسسة الوطنية الجامعة كل العمل الوطني الفلسطيني. وقد ظهر هذا الأمر جلياً في محطات بارزة عديدة خلال المسيرة الوطنية الفلسطينية: في العام 1974 عندما قررنا الانسحاب من اللجنة التنفيذية؛ وفي نهايات 1983، بعد الانقسام الذي حصل في منظمة التحرير، ثم بعد انخراط المنظمة في مسار "مدريد ـ واشنطن". وهذه المحطات الثلاث هي محطات سياسية كبرى بالنسبة إلى القضية الفلسطينية أثّرت المشكلات المطروحة فيها، ولا تزال تؤثر، في وحدة العمل الوطني وتماسكه وفي الأداء الموحد لتجسيد البرنامج الوطني. الوحدة ليست غاية بحدّ ذاتها، وإنما هي وسيلة لتحقيق البرنامج. وإذا كان البرنامج تعرض للاهتزاز، فهذه ليست مسؤولية الجبهة الشعبية التي دافعت، وستظل تدافع، عن القاسم المشترك بين الجميع للحفاظ على تماسك الأداة ووحدتها.

بهذا المعنى، ليس للجبهة سياسة دائمة مؤداها إما الوحدة وإما الصراع. ولا يمكننا القول إننا نصحّح من خارج الإطار، ولكن تجربتنا علمتنا أنه يمكن لهذا السلوك أن يساعد في ضبط الأمور باتجاه إعادة صوغ الموقف الموحّد. هذا ما حدث في العام 1974 في الموقف من برنامج النقاط العشر، الذي لم يكن، في رأينا، منسجماً مع حالة النهوض العربي بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، ولم يكن يتوافق مع الوضع الدولي، وكان يتضمن تنازلات ما كان ينبغي الإقدام عليها آنذاك. ولذلك قلنا أن طرحه كان خطأ. وعندما شعرنا بمخاطر هذا الطرح، شكلنا جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية. ودار سجال حول الوضع الفلسطيني، ونشأت حالة شعبية ضاغطة. ثم تم الاتفاق على وثيقة طرابلس التي أعادت الاعتبار للأسس الوطنية الموحدة فلسطينياً. وعقد المجلس الوطني في سنة 1979، الذي أعيد فيه الاعتبار إلى وحدة الأداة. وهذا ما حدث أيضاً للموقف من اتفاق عمان، حيث ساعدت حالة الضغط الشعبي على إلغاء هذا الاتفاق. أي أننا نشعر بأن سلوكنا هذا يساعد في حماية القرار الفلسطيني، والموقف الوطني الفلسطيني.

أما فيما يتعلق بالعمل من داخل الأطر، فهو صحيح في حال الاختلاف التكتيكي على السياسة اليومية، حيث يمكن الاتفاق على قاعدة معادلة الوحدة والصراع. ولكن في الحالة التي نتحدث عنها، حين يقوم فريق من داخل الجبهة الوطنية بخرق القواسم المشتركة، فإن الأمر يصبح مختلفاً. عندها تصبح القضية أكبر من العمل من داخل المؤسسة أو الأطر. ففي هذه الأطر اتفقنا على برنامج الحد الأدنى، أي برنامج الإجماع الوطني، الذي يتمثل في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس. وهذه ليست تكتيكات يومية، إنها أهداف شعبنا، وهذا برنامجنا المشترك في الجبهة الوطنية، وعندما يخرج طرف عليه يجب الاحتكام للجماهير. تلك هي القضية. فنحن أمام انعطاف كبير في حركتنا الوطنية الفلسطينية وفي إطار تجربتي الخاصة، ومن خلال عضويتي في اللجنة التنفيذية لعدة سنوات، ناضلنا معاً واختلفنا يومياً، ولكننا حافظنا على الوحدة. ولكن المسألة اليوم أكبر من كونها قضية اختلاف سياسي على قضية ما. إنها خلاف على قضية مصيرية، على مستقبل قضيتنا ومصير شعبنا ونضالنا.

وعلى الرغم من ذلك كله، نحن أصحاب إحدى مبادرات الوحدة الوطنية، وقد أطلقنا مبادرة للحوار، تبنتها القوى الديمقراطية في الساحة الفلسطينية. ونحن نحاول إيجاد آلية لتحريك هذه المبادرة وتجسيدها على الرغم من المعوقات. وكما هو معلوم، فقد كان هناك اتفاق على أن تصدر الدعوة إلى الحوار من خلال مكتب المجلس الوطني، باعتباره الهيئة التشريعية الفلسطينية المكلفة إيجاد أرضية اتفاق بين مختلف القوى. ولكن الأخ ياسر عرفات عطّل هذه المبادرة. وكانت ردة فعله هذه تشير إلى عدم جديته في مسألة الحوار الوطني الشامل. وعلى الرغم من ذلك، قررنا الاستمرار بالدعوة التي استجابت لها حركة حماس، ووافقت عليها حتى الفصائل العشرة بغض النظر عن الشروط السياسية، أي أنها وافقت من حيث المبدأ. وبتقديرنا فإن لهذه المسألة ثلاثة محدّدات: أولاً، أن يكون للحوار الوطني الشامل هدف سياسي، وهذا يعني ضرورة المراجعة السياسية خصوصاً مسار المفاوضات والشروط الفلسطينية تجاهها. ثانياً، الإطار. فنحن لا نتحفظ عن مشاركة أية منظمة، سواء كانت داخل أطرها أو خارج هذه الأطر. وفضلاً عن ذلك نحن نعرض إضافة شخصيات وفاعليات اجتماعية من الداخل والخارج، حتى لا يقتصر التمثيل على الفصائل وحدها، لأن القضية تهم الشعب كله ولا يجوز أن تحرم فاعليات وشخصيات فلسطينية المشاركة في رسم السياسة الوطنية الفلسطينية. ثالثاً، الآلية التي يمكن أن تفتح الطريق إلى محطة الحوار الوطني الشامل. وفي رأينا أنه يمكن لهذه الآلية أن تسير من خلال تكثيف النقاشات الثنائية والثلاثية والرباعية التي تمهد للحوار الوطني الشامل. ثم تأتي نقاط أقل أهمية، تتعلق بمكان اللقاء والجهة الداعية. ولكن هذه ليست محدّدات أساسية.

للأسف تبرز بعض الدعوات التي تقلّل من أهمية الحوار الوطني الشامل بحجة وجود مؤسسات مثل المجلس المركزي... الخ. ونحن نرى في هذا الكلام محاولة لعرقلة الحوار وقطع الطريق على بعض القوى غير الممثلة في هيئات م.ت.ف. كما تبرز وجهات نظر تقول إن الحوار يجب أن يجري بين المنظمات المنضوية إلى م.ت.ف. فقط، ويجب استبعاد الآخرين. وهذان الموقفان يضعفان الحوار وينتقصان من شموليته. في أية حال، نحن نلمس مؤشرات إيجابية على هذا الطريق، منها بداية تفاعل القوى والشخصيات الفلسطينية في الداخل مع هذه الدعوة، حيث عقد حتى الآن اجتماعان واسعان، الأول قبل الجولة العاشرة، والثاني في 16/7/1993 في القدس. وقد صدر عن الاجتماع الأخير، بيان وقعته 66 شخصية من بينها د. حيدر عبد الشافي.

ومن المؤشرات الإيجابية المهمة استجابة اللجنة المركزية لحركة "فتح"، وتشكيلها لجنة للحوار برئاسة الأخ هاني الحسن، حيث زارت هذه اللجنة دمشق والتقت عدداً من الفصائل من بينها الجبهة الشعبية. كما عقد لقاء ثلاثي ضم الجبهة الشعبية و"فتح" والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. وكانت لهذه اللقاءات آثار إيجابية، ومهدت لتشكيل أرضية لفهم معاني الحوار الوطني الشامل ودوافعه، على الرغم من عدم التوصّل إلى نتائج ملموسة حتى الآن، لأن المواضيع التي عرضت ستكون موضع دراسة في اللجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة "فتح"، وكما قلت هناك مؤشرات إيجابية نحن بانتظارها. ومن الطبيعي أن نستكمل هذه اللقاءات للوصول إلى المحطة المطلوبة.

ولكن لا بد لي من القول إنه إذا كان هناك من معوقات في طريق الحوار الوطني الشامل، فإنني أعتقد أن أبرزها سيكون متصلاً بالموضوع السياسي، أي بالموقف من المفاوضات، وارتباطه بالضغوط على القيادة الفلسطينية للتعامل مع الورقة الأميركية.

س: المراهنة إذن، لتحقيق الوحدة الوطنية، على الحوار بين الفصائل وطيف واسع من الشخصيات المستقلة. لكنكم، كما هو معروف، تشترطون، لنجاح الحوار، الانسحاب من المفاوضات الحالية، أو على الأقل تعليقها ريثما تتغير شروط التفاوض. هل هذا مطلب واقعي؟ وإذا تم الانسحاب من المفاوضات ولم تتغير الشروط، ما هو البديل الفعلي من المفاوضات؟

ج: أولاً، نحن نعتبر، من حيث المبدأ، أن المساومة ليست أمراً مرفوضاً. وفي رأينا هناك مساومة ومساومة. أحياناً تكون المساومة مشروعة، وأحياناً لا. بحيث نرى أنه كان ينبغي على القيادة الفلسطينية الرد على مبادرة بوش ـ غورباتشوف من خلال: أولاً التمسّك بالأمم المتحدة كإطار؛ ثانياً، وضع كل قرارات الشرعية الدولية بشأن القضية الفلسطينية كأساس قانوني وسياسي وكمرجعية لأي حل؛ ثالثاً، التمسك باعتبار م.ت.ف. ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب العربي الفلسطيني في كل المحافل السياسية العربية والدولية. وهذه الأسس الثلاثة في مواجهة استحقاق المفاوضات، وفي مواجهة المتغيرات الدولية والعربية تمثّل الحدّ الأدنى. وهي ليست بطبيعة الحال حداً أقصى، لأن الحدّ الأقصى يمثله، من وجهة نظرنا، برنامجنا وميثاقنا الوطني. ولكننا نطرح برنامج الحد الأدنى في هذه الظروف لمواجهة ما هو مطروح، وفي الأحوال كلها لا يجوز أن تخضع الأرض للتفاوض. ولكن، كما هو معروف، فإن هذه الأسس ضربت بقبول صيغة "مدريد"، والدليل على صحة موقفنا الذي اتخذناه، والذي نتمسّك به، هو ما تردده المصادر الفلسطينية التي انخرطت في مفاوضات مدريد. حتى الأخ ياسر عرفات وصف شروط "مدريد" بأنها شروط مجحفة. وهم يعتبرون مجرد موافقة أميركا وإسرائيل على الحوار مع م.ت.ف. مكسباً. وهذا يفرض تساؤلاً مشروعا: إذا كان الوفد المفاوض هو م.ت.ف. فلماذا نطالب أميركا بالحوار مع م.ت.ف. وإذا كنا نعتبره غير ذلك، فلماذا وافقت المنظمة على هذه الصيغة من الأساس؟

من ناحية أخرى، فإن سقف الحل المعروض هو الحكم الذاتي ـ الإداري، أي أنه يتعامل مع قضية شعبنا باعتبارها قضية أقلية سكانية. ويرفض أي اعتراف بحق شعبنا في أرضه، وبالسيادة عليها. حتى الولايات المتحدة الأميركية، كما قال الأخ إبراهيم بكر، تنصّلت من التزاماتها ومن ورقة التعهدّات ومن القرارين 242 و338، وصارت ضماناتها غير ذات قيمة.

من جهتنا نعتقد أنه كان يجب استخدام الشرعية الدولية كسلاح للمطالبة بحقنا، ولحماية موقفنا من المشاركة في المفاوضات، إذ لا يستطيع أحد أن يتنكّر لقرارات الشرعية الدولية. يمكن تعطيل هذه القرارات، لكن من الصعب على أي طرف التنكر لها. ولذلك فإن ما جرى وما يجري خطير، ومشروع الحكم الذاتي هو المشروع الوحيد المعروض على طاولة المفاوضات. والمشكلة هي أنه إذا قبلنا مشروع الحكم الذاتي، وقبلنا كوننا أقلية سكانية، فهذا يعني قبولنا الخضوع للدولة المركزية التي هي إسرائيل. فهل يصل اختزال قضية شعبنا ونضاله إلى هذه الدرجة الخطيرة والمدمرة.

والأنكى من ذلك كله هو المشاركة الفلسطينية في المفاوضات المتعدِّدة التي تهدف إلى التطبيع مع المشروع الصهيوني، بينما هناك أطراف عربية قاطعت هذه المفاوضات ولم تتأثر بمسارها. أمّا فيما يتعلق بالخيارات، فنحن لا نعتقد أننا أمام ممر إجباري وحيد، لأن ذلك يعني القبول بشروط القوي. ونحن نرى، كجبهة، إن هناك خيارات كالتي تحدثنا عنها، أي اعتبار الأمم المتحدة إطاراً وقراراتها مرجعية. وهناك خيار حفز الحالة العربية في اتجاه قبول الدعوة، إذ كان يمكن للقرار الفلسطيني أن يكون رافعة في هذا المجال في حال مقاطعة المفاوضات. وهناك خيارنا النضالي في الاعتماد على قدراتنا الذاتية وتفعيل الانتفاضة الشعبية، وصياغة أوضاعنا ووحدتنا الوطنية، وتصحيح أوضاع م.ت.ف. نعم يوجد خيارات أخرى أمام العمل الوطني الفلسطيني، وفي حال الأخذ بها يمكن أن تضع الولايات المتحدة وإسرائيل في مأزق حقيقي.

لقد سألت في أحد الاجتماعات القيادية، هل للولايات المتحدة مصلحة في إجراء التسوية السياسية في الشرق الأوسط في هذه المرحلة، وكان الجواب: "نعم لها مصلحة". فسياساتها الكونية تركز على الشرق الوسط لأهميته لمصالحها الاستراتيجية. أي أنها ترغب، وبإلحاح، في استقرار المنطقة، مما يتطلّب منها إنجاز هذه المهمة. هذا ما أكده الجميع بما في ذلك الأطراف المنخرطة في مسار مدريد. ونحن نستنتج من ذلك كله أنه ما دامت للولايات المتحدة حاجة حيوية للاستقرار وللتسوية، فلماذا لا نضع عقبات أمام ذلك، حتى نتمكن من نيل أكبر مكاسب ممكنة لمصلحة حقوقنا الوطنية؟ وهذا ما يؤكد لنا أن تهافت البعض هو الذي أضعف الموقف الفلسطيني. نعم، مرة ثانية، هناك خيار آخر يستند إلى معطيات الوضع الدولي المتغيّر. نحن لدينا تجربة ربع قرن في الحركة السياسية الفلسطينية. ونعرف كيف نخاطب العالم بلغة سياسية يتفهمها؛ لغة سياسية عقلانية ومتوازنة نكسب من خلالها تعاطفه في ضوء التعقيدات التي تحيط بقضيتنا وبنضالنا. نقول نريد الأمم المتحدة وقراراتها، ونريد دوراً لـِ م.ت.ف. كممثل للشعب الفلسطيني، وهذه لغة سياسية يتفهمها العالم كله.

س: في حال تحققت تسوية ما، كيف ترون مستقبلكم ودوركم كمعارضة؟

ج: بالقدر الذي ينظر إلى المعارضة بهذا الاعتبار ينبغي النظر إليها باعتبارها إطاراً لمناهضة مشروع التسوية الأميركية ـ الإسرائيلية. بمعنى أن الهدف منها هو حشد إمكانات الشعب الفلسطيني وتحالفاته العربية لمناهضة هذا المشروع أولاً والعمل على استمرار الصراع مع العدو الصهيوني لتحقيق أهداف شعبنا ونيل حقوقه ثانياً. وسواء تمت التسوية، كما يخطط لها، أو لم تتم في هذه المرحلة، فإن صراعنا مع العدو الصهيوني سيستمر، بهذا الشكل أو ذاك، بسبب طبيعة هذا العدو العنصرية الاستيطانية، وأهدافه في الهيمنة على المنطقة، وارتباطه بالمصالح الأميركية. ومن المؤلم أن تكون بعض القيادات والقوى في الحركة الوطنية الفلسطينية قد اندفعت في خطيئة التعايش مع العدو الصهيوني، وخطيئة الاعتقاد بحيادية الموقف الأميركي ونزاهته، وارتكزت على توجه سياسي هو، في الأساس، نتيجة لأوهام ورؤى خاطئة لا تؤدي إلا إلى تضليل العقل الفلسطيني والعربي، لأن هذه الرؤى لم تحلل طبيعة الكيان الصهيوني وارتباطاته وأهدافه في هذه المنطقة.

من جهتنا، وفي إطار الرؤية، نحن مصرون على التمسك بالبرنامج الوطني الفلسطيني، برنامج الإجماع الوطني والعودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. وموقفنا في هذا الإطار هو رفض للمشروع التصفوي الأميركي ـ الإسرائيلي، ودفاع عن البرنامج الوطني ووحدة الشعب الفلسطيني.

ونحن مقتنعون أن المفاوضات لن تعطينا الحد الأدنى من أهدافنا الوطنية، أو الحد الأدنى من الحقوق. لذلك فإن هذا الوضع يتطلّب استمرار النضال واستمرار عملية المراكمة النضالية لتحقيق هذه الأهداف وهذه الحقوق. إن المعطيات الدولية والعربية والمحلية، وحالة الحصار المفروضة على ثورتنا وشعبنا تؤكد أن الحلقة المركزية التي يجب التمسّك بها في هذه المرحلة هي الصمود الوطني المقترن بعملية كفاحية مستمرة لمراكمة أو تأسيس مرحلة نضالية جديدة من أجل تحقيق إنجازات وطنية.

نحن ندرك أن الوضع صعب، وقدراتنا محدودة. ولكن لدينا قدرة الصمود، ولدينا الثقة بإمكانات شعبنا الكامنة، والتفاؤل بتغيّر هذه الظروف غير المواتية. وإذا مال البعض إلى قراءة سوداوية في ما يسمى النظام الدولي الجديد الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، وفي العلاقة الاستراتيجية التي تربط الكيان الصهيوني بها، فنحن نقول أن هذا الوضع قابل للتغيير، مثلما حصلت متغيرات دولية كثيرة في المرحلة السابقة. فالعالم غير مستقر تحت هيمنة الولايات المتحدة، وهيمنتها غير مسلّم بها. والتناقض بين الدول الكبرى سيستمر ويتفاقم، وفي غير مكان من العالم هناك تململ وتحرّك. لذلك علينا ألا نستكين لهذا المعطى الدولي، وألا نسلّم بهيمنة الولايات المتحدة على منطقتنا.

أما في ما يخص موقف "الداخل" من التسوية المحتملة فنحن نرى أنه على الرغم من الاندفاعة الأميركية، والاهتمام بتسوية تخدم مصالحها في الشرق الأوسط، فإننا ما زلنا نرى أنه يوجد عقبات أمام هذه التسوية المهينة. ففي الداخل يوجد شعب يقاوم مشروع الحكم الذاتي الإداري، وهذه قضية لا يستهان بها، وقد أثبت شعبنا جدارة في مواجهة الاحتلال، وقدرة على إبقاء جذوة الانتفاضة مستمرة. وفي الساحة العربية لا يوجد طرف عربي يوافق على التسوية من دون انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة... سوريا لا تقبل ولبنان لا يقبل. ويوجد في الشتات أيضاً أربعة ملايين فلسطيني لاجئ. ما مصيرهم؟ ألن يؤدي تجاهل حقّهم في العودة، إلى خلخلة التسوية؟ ألن يقود ذلك إلى ضرب الاستقرار في المنطقة؟ يجب أن نرى هذه العناصر كلها. المصلحة الأميركية وتحالفها مع إسرائيل، الدور الإسرائيلي في المنطقة، طبيعة الحل الذي ينتقص من الحقوق الفلسطينية والعربية (على سبيل المثال، كانت الورقة الأميركية المقترحة نسخة طبق الأصل عن المشروع الإسرائيلي لإعلان المبادىء المشترك مع الطرف الفلسطيني). وهناك مشكلة القدس والمستوطنات، وهذه قضايا حقيقية أمام الفريق المفاوض الذي يشعر بأنه يتعرض لضغط معنوي تاريخي وإنساني ووطني. أنا لا أعتقد أن د. حيدر عبد الشافي "رفضاوي"، كما يقال عن الأطراف المعارضة. ولكن ما هي قناعاته بعد تجربة المفاوضات؟ إنه يقول بوجود أخطاء عديدة، ومخاطر في استمرار مسار المفاوضات في شكلها الراهن. وهناك عشرات من الشخصيات والفاعليات الفلسطينية، لها وزنها لدى الفريق المفاوض ولدى الشعب الفلسطيني، تتساءل الآن: إلى أين نسير؟

دورنا كمعارضة، يكمن في استمرار حالة اليقظة الوطنية لمواجهة مخاطر التسوية الأميركية. وهذا ما يجب أن يبقى قائماً، وهذا دور وطني مسؤول ودور تاريخي ينبغي أن نضطلع به.

س: في ضوء المحاولات الرامية إلى إلغاء أو تهميش دور م.ت.ف. وصفتها التمثيلية، وهي محاولات لا تقتصر ـ للأسف ـ على إسرائيل والولايات المتحدة، كيف تقومون م.ت.ف. ودورها، وما هو تصوركم لمستقبلها؟

ج: هناك ثلاث نظرات إلى مكانة م.ت.ف. ودورها في الساحة الفلسطينية. النظرة الأولى ترى في م.ت.ف. كياناً معنوياً تحقق بفضل النضال الطويل والتضحيات الكبيرة للشعب الفلسطيني، وتمكن من إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية وحمايتها من مخاطر التبديد والضياع، وأصبح الإطار الجبهوي للعلاقات الوطنية. ونحن في الجبهة الشعبية من أصحاب هذه النظرة. وبناء عليه نرى أن تأدية مهام البرنامج الوطني الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ما زالت عملية كفاحية طويلة. وبهذا المعنى فنحن نرى أن هذا الكيان المعنوي والسياسي (م.ت.ف.) يجب أن يستمر، وتجب حمايته وصيانته لأنه يعني الكثير في البعد الوطني الصراعي ضد المشروع الصهيوني. ونحن في الجبهة الشعبية إذ نعي هذه الضرورة، ونركز على هذا البعد لحماية الهوية الوطنية الفلسطينية، فإننا، في الوقت نفسه، لا نرى في ذلك نقيضاً للبعد القومي في الصراع. إن التركيز على البعد الوطني جاء لمواجهة هدف المشروع الصهيوني المتمثل في تغييب الشعب الفلسطيني وإلغاء شخصيته الوطنية. ويظل البعد الوطني مكمِّلاً للبعد القومي في الصراع.

وهناك نظرة ثانية للمنظمة، تبخس مكانتها وتعتبرها مسألة هامشية، ويستوي عندها وجودها أو عدمه. وأكثر من ذلك، فإنها تتحفظ في خطابها السياسي عن الاعتراف بشرعية تمثيل م.ت.ف. للشعب الفلسطيني. ويوجد ضمن الفصائل العشرة من يتبنى هذه النظرة التي هي برأينا نظرة ضارّة تؤدي إلى إضعاف المنظمة، وإضعاف الحيوية الوطنية الفلسطينية، كما تؤدي إلى بلبلة وحدة الشعب الفلسطيني، وإضعاف التعاطف العالمي مع قضيتنا بغض النظر عن النوايا التي تقف خلف هذه النظرة.

أما النظرة الثالثة فيمثّلها الفريق المنخرط في مسار مدريد، الذي يرى أن م.ت.ف. مهمة، ولكن يمكن المساومة عليها. وبرأيي فإن هذا الفريق، برؤيته هذه، يشكل خطراً على وحدانية تمثيل م.ت.ف.، لأنه يملك إمكانية التنفيذ. وبصراحة، فقد سمعت كلاماً خطراً منقولاً عن الأخ ياسر عرفات في عمان ملخّصه أنه "إذا كانت المنظمة عقبة أمام التسوية فأنا لست متمسكاً بها".

نحن نعي أن هناك محاولات لإضعاف المنظمة والتفريط بدورها. وهنا يبرز دورنا كقوى ديمقراطية للتأكيد على التمسك بـ م.ت.ف. والدفاع عنها، حتى أن شعار مؤتمرنا الخامس أبرز هذه النقطة المهمة استشعاراً بالأخطار التي تتعرض لها المنظمة في هذه المرحلة.

كما أننا ندرك الأهداف التي تقف وراء تضخيم دور الوفد الفلسطيني كممثل للشعب الفلسطيني. وفي رأينا أن هذا حق يراد به باطل، لأن ذلك تزييف للواقع. فالوفد المفاوض ما زال حتى الآن يعتبر م.ت.ف. مرجعيته، ولا يأخذ أي موقف إلا بناء على تعليمات مسبقة بكل صغيرة وكبيرة. أما الهدف من وراء هذا التضخيم فهو تبهيت دور المنظمة، وإضعافها، وتجزئة أهداف الشعب الفلسطيني، وضرب وحدته من خلال خلق تعارض بين "الداخل" و "الخارج"، ومن خلال الإيحاء بوجود تعارض بين المشروع السياسي لـ "الداخل" والمشروع السياسي لـ "الخارج".

فضل شرورو5: الفصائل العشرة تلتقي على شعار سلبي، وينبغي عليها الارتقاء بصيغة العلاقات فيما بينها

س: تبدو "الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة" كأنها فصيل فلسطيني خارج م.ت.ف. وضدها، وضد كل المواقف السياسية الصادرة عنها، حالياً وفي الماضي. ما حقيقة موقفكم من المنظمة، وماذا حققت مواقفكم وممارستكم السياسية على امتداد سنوات تاريخكم الطويل للشعب الفلسطيني؟ وعربياً هل نجحتم في شيء؟

ج: منذ حزيران/يونيو 1967، بدأت القيادة التقليدية لمنظمة التحرير الفلسطينية تعي أن عليها تسليم مقاليد أمور المنظمة إلى فصائل المقاومة. وقتئذ كان في الساحة، عملياً، "فتح" و "القيادة العامة".6

وقد شاركنا، منذ صيف 1968، في أُطر منظمة التحرير. وكنا متحمسين لتصحيح المسار السياسي والتنظيمي للمنظمة وإعطاء دفقة ثورية لها. وساهمنا في تعديل الميثاق والنظام الأساسي. لكننا تريثنا في الاشتراك في اللجنة التنفيذية. بمعنى آخر، كانت للقيادة العامة ـ عبر تسمياتها المختلفة ـ مساهمات جدية في جعل هذا الإطار الفلسطيني (م.ت.ف.) يمثل، حقيقة، الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، بحيث أصبح كياناً معنوياً لهذا الشعب.

ثم دخلنا في اللجنة التنفيذية (1974 – 1983) عندما صار هناك إلحاح، في الساحة الفلسطينية، على ضرورة مساهمة سائر الفصائل في قيادة المنظمة. وتم ذلك بعد الاتفاق على برامج سياسية وتنظيمية، سبقت انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في سنة 1974.

وإذا دققنا في هذا الأمر، نرى أن ما حدث هو أن لجنة تنفيذية ائتلافية تشكلت، لمجابهة مرحلة سياسية حرجة. وتذكرون أن تلك المرحلة، التي أعقبت حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، كانت هي المرحلة التي شهدت بداية أفكار الرئيس السادات التسووية.

في الجانب السياسي، تأكد بشكل جلي أن ياسر عرفات ينسق مع الرئيس أنور السادات. وبدا الأخير يكشف عن خطته السياسية الرامية إلى الاعتراف بالعدو الصهيوني، والوصول إلى تسويات معه، وإنهاء القضية الفلسطينية.

بعد فترة وجيزة من اشتراكنا في اللجنة التنفيذية، اتضح لنا أن البعض لا يأخذ برأيها، وأن الكثير من قراراتها يتم تجاهله.

حال هذا السلوك داخل اللجنة التنفيذية، دون قيام علاقات صحيحة داخل الائتلاف، بعد أن انتهكت الوثائق الائتلافية. حينها كان علينا اللجوء إلى تأليف مجموعة ضغط هدفها إلزام اللجنة التنفيذية هذه الوثائق. وأُطلق على مجموعة الضغط تلك، اسم: "جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية". وقد ظهرت هذه الجبهة في وقت كان فيه السادات يتهيأ للخروج بمصر من المواجهة مع العدو الصهيوني. وكما تعلمون، فإن السادات احتاج إلى زهاء ست سنوات لتهيئة الأوضاع العربية والمصرية والفلسطينية لهذا الأمر.

وعندما وجدنا أن قرارات اللجنة التنفيذية ليست وحدها التي لا يتم احترامها، وإنما قرارات اللجنة المركزية لـِ "فتح" أيضاً، وقرارات بقية الهيئات القيادية لهذه الحركة، كان علينا أن نوسع إطار نشاط قوة الضغط المتمثّلة بجبهة الرفض، بحيث يشمل جميع الفصائل في الساحة، اليساريين والديمقراطيين في الساحتين الفلسطينية والعربية، خاصة في صفوف "فتح" ذاتها.

وفي مواجهة هذا الخط السياسي، الذي قادته في حينه جماعة عرفات، تنامى دور المعارضة، أي مجموعة الضغط، أي جبهة القوى الرافضة. بمعنى آخر، كان وجود مثل هذا الضغط في الساحة الفلسطينية ضرورياً بل ملحّاً.

ولا شك في أن هذه الجبهة لعبت آنذاك دوراً مهماً، إذ ساهمت ـ بشكل أو بآخر ـ في الحفاظ على وضع فلسطيني متماسك وفي كبح الاتجاه التسووي. وفي مناسبات عديدة ـ مثل مؤتمر فاس الأول ـ اتسعت دائرة جبهة الرفض سياسياً، بحيث شملت الجبهة الديمقراطية والصاعقة ويسار فتح. وقد اقترب يسار فتح والديمقراطية في هذا الإطار كثيراً من موقف جبهة الرفض، مما ساعد في اتساع تأثير هذه الجبهة بما يفوق حجمها بمراحل.

وما أن اتسع هذا التأثير حتى بدأت فكرة ضربها وتفكيكها تنمو وتلح على معسكر الخصم. وبدأت الماكينة الدعاوية لهذا المعسكر عملها. فتارة تُلحق هذه الجبهة بالعراق، أو توصف مواقفها بالرفض العدمي تارة أخرى، أو يجري اتهامها بالسعي لإثارة الاقتتال في الساحة الفلسطينية.

في هذا الوقت، بدأت أصوات في "القيادة العامة"، تقول إن استمرار مشاركتنا في اللجنة التنفيذية يجعل منا شاهد زور ليس أكثر.

ومَن عاش في بيروت، بُعيد توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد يعرف كيف رفض السيد ياسر عرفات إصدار بيان ضد هاتين الاتفاقيتين، على الرغم من الإلحاح عليه، إلى أن سارت مظاهرة شعبية حاشدة إلى ما كان يعرف باسم "غرفة العمليات"؛ عندها تدخل صلاح خلف (أبو إياد) وهدد بأن يصدر هو هذا البيان إذا رفض عرفات إصداره. ومع ذلك ظل عرفات على رفضه.

لقد أصبح وجودنا في القطار، بينما نحن نلعن السائق، موضع سخرية. وصار واضحاً أن استمرار عضويتنا في اللجنة التنفيذية هو مشاركة فيما يجري. ومن هنا كان قرارنا الخروج من الإطار القيادي للجنة التنفيذية.

ونحن نعتقد أن المعارضة من خارج اللجنة التنفيذية أجدى وأصدق. أجدى من حيث الفعل، وأصدق من حيث الموقف والمسؤولية التاريخية.

حاولنا أن نرسي تقاليد تنظم علاقة المعارضة خارج اللجنة التنفيذية بالقيادة، مع البقاء ضمن أُطر الكيان (م.ت.ف.)، فجوبهنا بتصرفات سلطوية ودكتاتورية، ضد أية معارضة بالمطلق.

وعلى الرغم من أن قيادة اللجنة التنفيذية تتصرف تجاه المعارضة تصرفاً سلطوياً، وعلى الرغم من أن اللجنة التنفيذية تصادر الحقوق المادية لأي تنظيم معارض - ونقصد المخصصات المالية التي أقرتها دورات المجلس الوطني ـ وعلى الرغم من دأب اللجنة التنفيذية على تخريب شبكة العلاقات العربية والدولية للمعارضة، في محاولة منها لوضع المعارضة في حالة العوز المادي والسياسي، فإننا وجدنا المعارضة من خارج أُطر اللجنة التنفيذية أجدى وأصدق.

وتسألونني: هل نجحتم؟

قبل الإجابة، أعتقد أن من الضروري أن نتفق بعضنا مع البعض، أنتم وأنا، على مفهوم النجاح في الثورات. على العموم، إن نجاح المعارضة يعني تسلمها الحكم أما في حالتنا، فإن النجاح يعني مدى تعاطف الجماهير مع موقفنا.

ووفق ذلك، أحيلكم على نتائج يومي 23/9/1992 و15/4/19937، حيث وقفت جميع وكالات الأنباء العالمية مذهولة أمام قوة المعارضة (الفصائل العشرة)، وقدرتها على التأثير في داخل فلسطين. ولأول مرة، شارك أشقاؤنا من فلسطينيي 1948 في هذين الحدثين.

أنظروا أيضاً إلى المأزق الذي يجد أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض أنفسهم فيه! إن مقياس النجاح ليس وصولنا إلى اللجنة التنفيذية. فهذه رغبة لدى الطرف الآخر أكثر مما هي رغبة لدينا، وذلك حتى نصبح شركاءه فيما يجري.

لذا، أقترح أن يعاد التفكير بأداة القياس التي اعتمدتموها هنا.

أما إذا أردتم السؤال عن مدى تأثير المعارضة في الموقف الرسمي العربي، فإن الممارسات السلطوية ـ التي سبقت الإشارة إليها ـ عملت، وما زالت، على الحد من تأثيرنا السياسي في مواقف الجهات الرسمية العربية، ولكنها لم تستطع ولن تستطيع أن تحد من تأثيرنا في الجماهير الفلسطينية.

ولأول مرة في تاريخنا السياسي المعاصر، تتألف جبهة فلسطينية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. ولو تمكنت هذه الجبهة من الارتقاء بمستوى العلائق الداخلية بين أطرافها، لأصبحت قوة لا يمكن تخيل مدى اتساع فعلها ليس من ناحية التأييد الجماهيري فقط، بل من ناحية فرض موقف وطني فلسطيني موحد أيضاً، بحيث يصبح هو المعيار في التعامل مع الجهات الرسمية العربية.

مع ذلك ـ ومن دون التقليل من ضرورة الارتقاء ـ علينا ألا ننسى المدى الزمني القصير لعمر الفصائل العشرة، إذ إن عمرها لا يتجاوز العشرة شهور. والآن، المطلوب من الفصائل العشرة، أن ترتقي بصيغة العلاقة بينها؛ فهي لا تزال في مرحلة الائتلاف الذي يلتقي على شعار سلبي. وعلمياً، لا يمكن حشد الجماهير اعتماداً على شعار سلبي، ولا بد من عمل يومي إيجابي. وقد بدأت بعض المبادرات في هذا الاتجاه في الفترة الأخيرة. وليس سراً أن نذكر أنه يوجد على جدول أعمال القيادة المركزية للفصائل العشرة بند يطلب من مختلف الفصائل المشاركة في تقديم تصورات للارتقاء بالصيغة. وليس سراً أن بعض ما نُفِّذ من عمليات عسكرية في الداخل والخارج، هو بهدف التفعيل: كما أن تحريك الساحة الفلسطينية تجاه "الحوار الوطني الشامل". هو من بعض تجليات هذا التفاعل.

س: رفضكم المفاوضات الحالية، وفي الحقيقة أية مفاوضات مع إسرائيل مهما تكن، معروف. ومثل هذا "البديل" يبدو في نظر الكثيرين غير واقعي ولا جدوى منه. ما ردكم على ذلك؟

ج: أستطيع أن أختصر الجواب بإحالتكم إلى رأي المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، المطل على المؤسسة الأميركية من الداخل، والذي اتخذ موقفاً معارضاً للمفاوضات وفق صيغتها ومسارها الحاليين.

نحن في "الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة" ـ كما سبق أن ذكرت ـ لنا موقف مستمر وثابت من التسوية، منذ أن بدأ السادات وكيسنجر بعرضها. بمعنى آخر، أن موقفنا الرافض للتسوية ليس جديداً، ولم نتخذه مع بدء المفاوضات الحالية، بل هو موقفنا الرسمي المعلن منذ السبعينات.

وبتفصيل أقول: لقد شكل التحالف القائم في اللجنة التنفيذية الحالية غطاء للجهات الرسمية العربية في ذهابها إلى المفاوضات. إن الوضع كله كان يمكن أن يكون مختلفاً لو كان الوضع في الساحة الفلسطينية صحياً، ولو أن قيادة المنظمة رفضت الانخراط في المفاوضات. ومنذ أسبوعين صرح الملك حسين أنه لا يمكن المضي في المفاوضات من دون وجود الفلسطينيين. ولن يختلف موقف البقية عن ذلك. ومن ثم فإن المتضرر الأول من التسوية التي يجري العمل عليها ـ في ضوء المعطيات وموازين القوى القائمة، والمستجدات الدولية والعربية الأخيرة ـ هو الفلسطينيون.

نحن نقول إنه بسبب كون الساحة الفلسطينية، التي لا تحكمها علاقات صحية، والوضع العربي المتباغض والوضع الدولي الناتج عن انهيار الاتحاد السوفياتي لا يمكن الوصول ـ مهما بذل أبرع المحامين جهوداً ـ إلى أية تسوية وطنية، أو قومية. إن هذا الوضع يؤدي إلى تصفية القضية الوطنية والقومية. كنا نجابه، في السابق، الكثيرين الذين يتساءلون عن البديل بجواب سريع: لا يوجد بديل من الثورة إلا إنجاز أهدافها. أما الآن، فإن الخطاب السياسي تغير، وينبغي أن نقول ـ نظراً لتغير هذا الخطاب ـ إن البعض لا يرى إلا المتغيرات السلبية في العالم، مع أن هناك تفاعلات، يمكننا أن نرصدها. ويمكن لكل من يرغب في ذلك أيضاً أن يرصدها ـ تفاعلات تدفع المسألة القومية إلى السطح، وأخرى تدفع القضية الديمقراطية إلى المصاف الأول. ثم ـ وهذا هو الأهم ـ هناك "فلتان" من مطرقة "النظام الدولي الجديد"، ثم هناك الصراع الاقتصادي المحتدم بين الإمبريالْيات والتكتلات الاقتصادية الكبرى. وهذه التفاعلات لن ينقضي وقت طويل قبل أن تبدأ إشعاعاتها وإفرازاتها بالبروز. وهذا يشكل دعماً لخياراتنا الوطنية والقومية.

وبشكل خاص، فإن استمرار الانتفاضة هذه السنوات ـ على الرغم من نتائج حرب الخليج وتأثيرها السلبي المباشر في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والروح المعنوية لشعبنا في فلسطين، لا يُعتبر معجزة نضالية فحسب، بل جواباً عن البديل. وهذا هو الخيار الحقيقي أمام شعبنا.

تخيلوا معي: لو أن منظمة التحرير كلها، بقواها الموافقة والمعارضة، والشعب الفلسطيني كله، وضعا ثقلهما المعنوي والمادي والجهادي وراء الانتفاضة، وفي دعمها، ألم يكن جنرالات العدو تسابقوا لعرض ما يعرضونه الآن، "خيار غزة أولا"، ولكن بشكل يشمل الأراضي الفلسطينية التي احتلت سنة 1967 كلها. ونذكركم بالبيانات الأولى للانتفاضة، التي تضمنت "انسحاب الاحتلال من دون قيد أو شرط". ولا ندري لماذا جرى تقزيم هذا المطلب، وتحول إلى مجرد ورقة من أوراق المفاوضات.

لقد تضمنت البيانات الأولى للانتفاضة "دحر الاحتلال". وكان بالإمكان صون هذه المواقف واستقطاب جماهير الأمة العربية لدعم الانتفاضة، وليس الاكتفاء بالوقوف إلى جانبها. ولو حدث ذلك لما استطاعت الجهات الرسمية العربية أن تدعي أنها لن تكون ملكية أكثر من المفاوض الفلسطيني.

س: ما هو، في رأيكم، مستقبل المعارضة، وكيف يمكن أن تخرج عن نطاق الممارسة السلبية وردود الفعل، لتدخل في دائرة الفعل المؤثر في الأحداث؟

ج: لعل ما ذكرته عن ضرورة تفعيل الفصائل العشرة، والارتقاء بصيغة علاقاتها، يؤكد ـ أن مسألة المراجعة النقدية واردة؛ وهي على جدول أعمالنا ـ كقيادة مركزية للفصائل العشرة ـ فضلاً عن كيفية مواجهة المرحلة المقبلة، بكل معطياتها. وهذا على رأس اهتمامات الفصائل العشرة، وعلى رأس اهتماماتنا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة.

وأستطيع القول ـ كما أسلفت ـ إن هناك بدايات يمكن رصدها في هذا الاتجاه، سواء في تفعيل دور المعارضة أو التفاعل الإيجابي مع مبادرات الحوار الوطني لتعزيز وحدة شعبنا، إمّا على أساس الثوابت الوطنية، وإما في مجال تفعيل النضال ضد العدو الصهيوني.

س: في ضوء مواقفكم ومجمل ممارستكم، هل أن مصير م.ت.ف. لا يهمكم، وهل أن موقفكم لا يصب في طاحونة المحاولات الهادفة إلى تهميشها وإلغاء دورها، وربما إنهاء وجودها؟

ج: دعونا نميّز بين منظمة التحرير وقيادتها. نحن نعتبر أنفسنا منظمة التحرير، بينما تنخرط قيادة منظمة التحرير في مفاوضات على تسوية تهدف ـ بين ما تهدف ـ إلى التخلص من هذا الإطار الذي اسمه المنظمة. لذلك فالمعارضة أكثر حرصاً على المنظمة من قيادتها الراهنة. وتصديقاً لكلامي هذا أذكر أن المعارضة هي التي تدعو إلى تصحيح المسار السياسي للمنظمة.

البعض ـ في محاولة منه لاستجداء التعاطف الجماهيري ـ يريد أن يُظهر المنظمة بأنها ستكون الضحية. أما حقيقة الأمر فهي أن القيادة الحالية لمنظمة التحرير تتآمر على هذا الكيان في إطار الرضوخ لاستحقاقات العملية التفاوضية. فالحكم الإداري الذاتي، بمشاركة بعض أعضاء القيادة الحالية للمنظمة، هو ما سيقود إلى تصفية كيان منظمة التحرير الفلسطينية.

نحن كمعارضة، وهذه وثائقنا عبر "جبهة الإنقاذ" وعبر البيان الأول للفصائل العشرة تشهد على ذلك، ننادي بالحفاظ على منظمة التحرير، واستعادة وحدتها. ونحن نرى أن الأقلية (القيادة) التي تتحكم بمسار القضية والمنظمة هي التي تعرِّض وجود المنظمة للخطر، بينما الأكثرية تدعو للحفاظ عليهما. وهذه مفارقة عجيبة. ويبدو أن القيادة الحالية لمنظمة التحرير ـ بما لها من علاقات ـ مستمرة في خداع الجماهير، و"تلبيس" المعارضة تهمة هي منها براء. وبالتالي، فإن المفاوضات والحكم الإداري الذاتي ـ وها قد ظهرت بعض حقائقها فيما يتعلق بالقدس وحقي العودة وتقرير المصير ـ هما اللذان يهددان وحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة كيانه السياسي والمعنوي (م.ت.ف.).

وهذا ما يجعلنا نلح، في هذه الآونة، على "الحوار الوطني الشامل"، الذي سبق أن اقترحناه عبر "جبهة الإنقاذ". ويأتي هذا الإلحاح في إطار موقفنا الرامي لحماية م.ت.ف.، باعتبارها من أهم المنجزات الأساسية لشعبنا. وهذا يفترض، في جميع الأطراف، وعي هذه الحقيقة والالتزام بقواسم العمل الوطني المشترك وبأهداف شعبنا الوطنية. 

ماهر الشريف8: اعتبارات "الدولة" طغت على اعتبارات "الثورة" في م.ت.ف.، وصار السكوت غير ممكن

س: بعد أن شاركتم في ثماني جولات من المفاوضات السلمية، علقتم مشاركتكم فيها. ماذا يعني ذلك في مجال علاقاتكم بالمنظمة؟ وهل إن تعليق المشاركة في المفاوضات هو الأسلوب الأجدى لتصحيح المسار الذي تشكون منه؟

ج: قبل الإجابة عن هذا السؤال، ربما من المفيد إعطاء فكرة أو تصور عما تمثله م.ت.ف. للشعب الفلسطيني. أحياناً يقال إن م.ت.ف. هي الوطن المعنوي للفلسطينيين، أو أنها الكيان السياسي الفلسطيني ـ أي "الأرض" التي يقف عليها الوطنيون الفلسطينيون في ظل الاحتلال الواقعي للأرض. وبالرجوع إلى التاريخ، ربما بإمكاننا أن نعطي مضامين ملموسة أكثر لهذه العبارات. فكما هو معروف، نشأت الحركة الوطنية الفلسطينية بعد بروز إطار جغرافي وسياسي محدد، صار يعرف، فيما بعد، باسم "فلسطين الانتدابية"، أي فلسطين التي وقعت تحت الانتداب البريطاني. وقبل ذلك، كانت الحركة الوطنية العربية في بلاد الشام حركة قومية جامعة، تفرعت إلى جداول إقليمية بعد قيام الاستعمارين الإنكليزي والفرنسي بتقاسم النفوذ في سوريا الكبرى، أو الطبيعية. وهذا التقسيم خلق الأرضية الموضوعية التي قامت عليها الحركة الوطنية الفلسطينية بعد انسلاخها عن الحركة القومية العربية في بلاد الشام. وبعد العام 1948، أي بعد النكبة، وتجزئة الأرض الفلسطينية وتشريد جزء كبير من الشعب الفلسطيني، صار الكيان الفلسطيني في حدوده السابقة (أيام الانتداب) غير قائم. وهذا باعتقادي أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى غياب الحركة الوطنية الفلسطينية خلال الفترة ما بين 1948 ونهاية الخمسينات. ولم تتهيأ الظروف المناسبة لإعادة إحياء الحركة الوطنية الفلسطينية من جديد إلا بالترافق مع إعادة بحث مسألة بعث الكيان الفلسطيني. طبعاً، لن أدخل هنا في تفاصيل هذا الموضوع، ولكن أعتقد أن هناك علاقة جدلية مباشرة بين وجود حركة وطنية فلسطينية، ووجود الكيان الفلسطيني. صحيح أن الكيان الملموس، ككيان سياسي ـ جغرافي محدد، لم يبرز في ذلك الحين، وبقيت الأرض الفلسطينية مجزأة، إلا أن منظمة التحرير الفلسطينية قامت، بعد مخاض طويل، على قاعدة البحث في إحياء الكيان الفلسطيني. وصارت العلاقة الجدلية بين هذا الكيان والحركة الوطنية الفلسطينية تكتسب دينامية جديدة بعد أن نجحت هذه المنظمة في التعبير عن وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده، على الرغم من تباين الظروف السياسية والقانونية التي يعيش في ظلها هذا الشعب. كما استطاعت هذه المنظمة من خلال برنامجها السياسي، أن تشكل أساساً لضمان انطلاق الحركة الوطنية الفلسطينية من جديد.

ويبدو لي أن بعض القوى السياسية الفلسطينية لا تأخذ في الاعتبار هذه الحقيقة، وتخلط الموقف من قيادة المنظمة، بالموقف من الوطن المعنوي الذي تمثله م.ت.ف. وتتجسد خلاله الحركة الوطنية المعاصرة للشعب الفلسطيني وتستخف، بالتالي، بالأهمية الكبرى لوجود هذا الكيان عندما تقاطعه وتعمل من خارجه.

طبعاً، لا أحد ينكر أن هذا الوطن المعنوي، وهذا الكيان السياسي للشعب الفلسطيني، ليس في وضع مثالي، خصوصاً بعد أن فرضت الظروف عليه أن يتحول إلى "نظام" سياسي تطغى عليه اعتبارات الدولة على اعتبارات الثورة. وهناك اليوم إجماع أو شبه إجماع على أن المظاهر السلبية في م.ت.ف. ومؤسساتها، وآلية اتخاذ القرار فيها، وصلت إلى مرحلة صار غير ممكن السكوت عنها، وباتت تهدد بالخطر الفعلي وجود هذا الكيان نفسه. ولكن على الرغم من وجود هذه السلبيات، وأهمية النضال لتجاوزها في أقرب فرصة ممكنة، فإنه ينبغي على جميع الوطنيين تلمس هذه العلاقة الجدلية بين وجود الحركة الوطنية الفلسطينية ووجود فصائل هذه الحركة نفسها، ووجود هذا الكيان. وأن الاستحقاقات المقبلة التي تواجهها الساحة الفلسطينية، بمجملها، تؤكد أن وجود المنظمة كوطن معنوي وكيان سياسي يوحد الفلسطينيين، في كافة أماكن وجودهم، كان، وسيبقى، ضرورة موضوعية ونضالية. وهذا ما ينبغي على جميع الوطنيين الفلسطينيين إدراكه في ممارستهم السياسية بالذات.

س: ما هو، الآن، موقفكم، تماماً، من التسوية؟ وما البديل الذي تطرحونه للمسار الحالي؟

ج: في اعتقادي أن الحال التي آلت إليها المفاوضات باتت تطرح مسألة المراجعة الشاملة لهذه المسيرة التي قاربت السنتين. فمن الواضح أن المفاوضات، خاصة على المسار الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وصلت إلى طريق مسدود، ليس بسبب التعنت الإسرائيلي ورفض إسرائيل التزام الشرعية الدولية فقط، وإنما، بالأساس، لأن الولايات المتحدة الأميركية لم تمارس أي ضغط على إسرائيل لإجبارها على التزام هذه القرارات. وباتت، هي نفسها، تتنصل من مرجعية عملية السلام التي بادرت هي إلى إطلاقها من مدريد. وما الوثيقة الأميركية التي قُدمت مؤخراً لإعلان مبادىء مشترك فلسطيني ـ إسرائيلي إلا أكبر دليل على ذلك.

في هذا السياق، فإننا كحزب، ومع تأكيدنا خيار التسوية السياسية، عرضنا فكرة الانتقال للتفاوض على المرحلة النهائية، وبذل الجهود للعمل على تغيير الأسس التي قامت عليها صيغة مدريد بعد التنكر الأميركي ـ الإسرائيلي لهذه الأسس. ومع ذلك، أعتقد أن المسألة أعقد كثيراً من مجرد اجتهاد طرف في عرض بديل من المأزق الحالي. فالمطلوب منا الآن، أمام هذا المأزق، القيام بعملية مراجعة شاملة يشارك فيها الجميع: مَن عارض صيغة "مدريد" ومَن انخرط فيها، والبحث الجريء عن استراتيجية فلسطينية متكاملة ما زالت حتى الآن غائبة. وفي هذا السياق، لا بد من الإجابة عنها، بحيث ما زلنا متخندقين في خندقين متقابلين: مَن مع صيغة مدريد وَمن ضدها؟!. والسبب في هذه الخندقة هو أن الاعتبارات الفئوية، والنزعة الفلسطينية التاريخية، نزعة تسجيل المواقف، ما زالت هي السائدة في الساحة الفلسطينية. ولكن، ما هي ملامح الاستراتيجية الفلسطينية المطلوبة والتي عليها أن تحدد توجهنا في المدى المنظور والمتوسط، بناء على مجمل المتغيرات الدولية والعربية والفلسطينية؟ وإذا قررنا الانسحاب من المفاوضات الجارية فما هي البدائل المتوافرة لنا؟ هناك من يقول أن البديل هو العودة إلى مجلس الأمن وعرض القضية على الأمم المتحدة!... إلا إن مَن يقترح هذا البديل لا يبين كيفية تحقيق ذلك في ظل الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة على هذه المنظمة الدولية!

وهناك من يقول أن البديل هو تصعيد الانتفاضة، ولكن من دون أن يبين كيف السبيل إلى ذلك في ظل تآكل زخم الانتفاضة ودينامية فعلها، وتراجع مستوى المشاركة الجماهيرية في فاعليتها. أي إننا نعرض بدائل من عملية التفاوض من دون توضيح آلية تحقيق هذه البدائل، ومن دون مراعاة العوامل الموضوعية والذاتية المحيطة بنا.

وما دمنا بصدد الحديث عن استراتيجية فلسطينية متكاملة، فلا بد من الوقوف أمام الثوابت الوطنية الفلسطينية نفسها. هل ما زالت ثوابتنا الوطنية قائمة؟ هل هناك، على سبيل المثال، آفاق لتغيرات نوعية دولياً وعربياً وفلسطينياً تسمح أو تُنشىء ظروفاً لتحقيق شعار الدولة المستقلة؟ هل ينبغي الاستمرار بالتمسك بشعار الدولة المستقلة، أم ينبغي التركيز الآن على شعار تحرير الأرض واستعادة عروبتها؟ هذه كلها أسئلة لم يعد في وسع الحركة الوطنية الفلسطينية أن تتجنب الإجابة عنها. وأنا هنا أفكر بصوت عال، وليست لدي إجابات نهائية عن هذه الأسئلة: ولكنني أعتقد أن التمسك بالثوابت صار لا يكفي وحده، وصار لا بد من أن نسعى إلى تحقيق إنجاز مادي ملموس على الأرض، يستند إليه شعبنا ليواصل نضاله في هذا الصراع المفتوح الذي فُرض عليه، والذي من الصعب أن يتوقف قبل إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية.

وفي هذا السياق أيضاً كيف يمكن أن نوفق بين المصلحة الوطنية لجماهير شعب موزعة على تجمعات عديدة؟ كيف يمكن الفلسطيني في مخيم اليرموك، مثلاً، أن يشعر بأن استعادة عروبة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، تصب في مصلحته الوطنية؟ لأن من الواضح، الآن، وهذا هو أحد أسباب الأزمة العامة في الساحة الفلسطينية، أن الشعور بالقلق من المجهول ومن المستقبل الغامض بات يسيطر على قطاعات واسعة من جماهير شعبنا، فاللاجئ في سوريا أو لبنان لا يرى الرابط بين واقعه الحالي ومصيره المستقبلي وبين هدف المفاوضات الجارية حالياً. ومن جهة أخرى، يمكن القول إننا كحركة وطنية في إطار م.ت.ف. لم نقم بأية مراجعة نقدية شاملة لأية مرحلة من مراحل تاريخ هذه الحركة! فمبدأ المراجعة النقدية، واستخلاص الدروس والعبر من التجارب، كان غائباً دوماً عن هذه الحركة، علماً أنه لا بد من القيام بهذه المراجعة النقدية الشاملة لبلورة استراتيجية فلسطينية متكاملة، تأخذ في الاعتبار الواقع الراهن، وآفاق تطوره، وفي أي اتجاه يسير هذا التطور. مثلاً، الوضع العالمي القائم الآن، والمتميز بانفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم والتحكم بالأمم المتحدة، إلى أين سيسير؟ والوضع العربي وحالة التفكك والانقسام في الجسم العربي، هل ستستمر وتتكرس أم أن هناك فرصاً لاستعادة تضامن عربي ما، وكيف السبيل إلى ذلك؟ وفي المجال الفلسطيني، ما هي آفاق الانتفاضة المستمرة، وهل هناك إمكانيات فعلية لإعطائها زخماً جديداً!؟.. وبناء على هذا التحليل العلمي والموضوعي يمكننا أن نحدد معالم أو ملامح مثل هذه الاستراتيجية الفلسطينية المطلوبة والضرورية بإلحاح في هذه المرحلة لمواجهة الاستحقاقات الراهنة.

س: كيف تتصورون دوركم كمعارضة؟

ج: في اعتقادي أنني، بإجابتي عن السؤال الأول، أكدت أن العمل في إطار م.ت.ف. هو الأجدى لما تمثله هذه المنظمة. ولكنني، في الوقت نفسه، أشرت إلى أهمية تصحيح الأوضاع الداخلية للمنظمة والقضاء على المظاهر السلبية المتفشية في هيئاتها ومؤسساتها، سواء فيما يتعلق بآلية اتخاذ القرار، أو بطريقة عمل هذه الهيئات والمؤسسات وتركيبها. وهذا التصحيح لا يمكن أن يتم إلا على أساس سيادة العلاقات الديمقراطية في مختلف أطر المنظمة. ولكن للوصول إلى ذلك، لا بد من تخلي جميع قوى الحركة الوطنية الفلسطينية عن تعصبها الفئوي، وعن نزعتها إلى تسجيل المواقف والخندقة السياسية.

طبعاً، إن المعارضة كانت، وستبقى، موجودة في الساحة الفلسطينية، ولكن القضية الأساسية هنا هي تحديد علاقة سليمة بين "المعارضة" و"السلطة"، إن صح التعبير. وفي هذا السياق، كان "حزب الشعب" تقدم منذ بداية مسيرة مدريد، باقتراح ملموس هو أن تتألف لجنة برلمانية من ممثلي "المعارضة" و"السلطة"، تشرف على العملية التفاوضية وتضع خطوطاً حمراً لا يجوز تجاوزها، أي بمعنى آخر إذا لم يكن بالإمكان الاتفاق على الموقف من المفاوضات، فبالإمكان الاتفاق على ما الذي يمكننا أن نقبل به كحلول في هذه المفاوضات. ولكن هذا الاقتراح لم يرَ النور نتيجة لانعدام الثقة المتبادلة بين أطراف الحركة الوطنية الفلسطينية، ونزعة الفئوية وتسجيل المواقف. وبات كل طرف (مؤيد أو معارض) يحاول إبراز إيجابيات موقفه أو تصيد سلبيات الطرف الآخر. ووصلت الأمور أحياناً إلى حد التخوين، وتجاهل حقيقة أن الجميع في مركب واحد، وعليه، فإن المطلوب بإلحاح اليوم هو ضمان وجود مبادئ ديمقراطية تحكم العلاقة بين "المعارضة" و"السلطة"، مبادئ احترام الرأي الآخر، والثقة المتبادلة، والإفساح في المجال أمام الجميع للبحث عن حلول للأزمة التي تعيشها الحركة الوطنية الفلسطينية. وعلى أساس هذه المبادئ سيتاح للمعارضة أن تستمر وأن تشكل عامل قوة "للسلطة" نفسها وللقضية الوطنية أساساً.

س: هناك محاولات لتهميش المنظمة وإضعاف صفتها التمثيلية. وهناك تخوفات من أن يؤدي مسار المفاوضات، ونتيجتها المحتملة، إلى إلغائها كلية. ما هو موقفكم من هذه المحاولات، وما تعليقكم على مثل هذه التخوفات؟

ج: عندما يكون التفاعل حياً ومتبادلاً بين الداخل والخارج، وعندما يتفق الجميع على استراتيجية متكاملة للعمل الوطني، وعندما يتم البحث عن قواسم مشتركة في إطار المصلحة الوطنية العامة لكل تجمعات الشعب الفلسطيني، عند ذلك لا شيء يمنع تبادل الوظائف والأدوار في نطاق الحركة الواحدة التي تمثل الشعب الفلسطيني كله وهي م.ت.ف. فكما هو معروف، نشأت م.ت.ف. في الخارج أساساً، وفي مرحلة من المراحل كان مركز الثقل في النضال الوطني الفلسطيني قائماً في الخارج. وبعد خروج المقاومة من بيروت، صار مركز الثقل في النضال الوطني الفلسطيني ينتقل، شيئاً فشيئاً، من الخارج إلى الداخل، إلى أن أصبح في الداخل بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية. وبات من الضروري أن تأخذ القيادات الوطنية في الداخل، المرتبطة بـ م.ت.ف.، دوراً أكبر في صنع القرار الفلسطيني، وأن تطرأ تحولات على وظائف مختلف مركبات الحركة الوطنية الفلسطينية. وعلى الرغم من بعض الخطوات التي تحققت، وخاصة في السنتين الأخيرتين، لزيادة دور الداخل في صنع القرار الفلسطيني، إلا إن الحاجة لا تزال ملحة لتفعيل هذا الدور وتطويره، والتغلب على المقاومة التي تبديها بعض "بيروقراطيات" المنظمة في الخارج للحؤول دون تحقيق ذلك.

أما بالنسبة إلى مستقبل المنظمة، فإن دور م.ت.ف. سيبقى مطلوباً، وستبقى مهمة النضال ضد محاولات تهميش هذا الدور من المهمات الرئيسية على جدول أعمال جميع الوطنيين الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن المرحلة الراهنة تطرح أسئلة ينبغي الإجابة عنها بمسؤولية، وهي من نوع: كيف يمكن أن نضمن التفاعل بين الساحات والقيادات في إطار العمل الوطني الفلسطيني الواحد؟ وكيف نولِّد القدرة على تكييف وضع المنظمة ومؤسساتها مع المستجدات والتطورات الجارية؟ ثم إذا افترضنا أن المفاوضات الجارية أثمرت حكومة ذاتية فلسطينية، تأخذ شكل سلطة وطنية في الداخل (وهو أمر مستبعد في ظل حالة المفاوضات الراهنة)، فما هي العلاقة التي ستنشأ بين هذه السلطة الوطنية، التي ربما تحصل على اعتراف عربي ودولي، وبين م.ت.ف.، وماذا سيكون تأثير هذه العلاقة في مستقبل المنظمة؟ بمعنى آخر، هل تستمر المنظمة بشكلها ودورها الحاليين؟ أو أن تغييراً سيطرأ على دورها وعلى طبيعة علاقتها بالداخل؟ إن هذه الأسئلة كلها جدية ومطروحة للنقاش، وينبغي الإجابة عنها بمسؤولية. وبشكل أولي، أعتقد أنه حتى في حال تحقق مثل هذا الاحتمال فإن وجود المنظمة، كوطن معنوي للفلسطينيين كافة، سيبقى ضرورياً ومطلوباً إلى أن تتوافر الشروط التي تسمح بإيجاد حل دائم للقضية الفلسطينية بجميع جوانبها.

غير أن التأكيد على استمرار وجود المنظمة لا يعني أن شكل هذا الوجود سيبقى على حاله. وفي هذا السياق، أعتقد أن شكل التنظيم العسكري الذي قامت عليه المنظمة، منذ صيف سنة 1968، لم يعد هو الشكل المناسب، وصار لا بد من البحث عن شكل جديد، ربما يتجسد في أحزاب سياسية تعبر عن تيارات فكرية رئيسية مختلفة، كانت حاضرة دوماً في إطار الحركة الوطنية الفلسطينية منذ ظهورها في مطلع العشرينات. غير أن هذا جانب من جوانب المسألة، أما جانبها الآخر فيتعلق بطبيعة المنظمة كجزء من حركة تحرر عالمي نشأت وتطورت في نظام عالمي صار غير قائم. وهنا، أكتفي بالإشارة إلى هذا الجانب، لأن معالجته خارج سياق هذا الحوار.

وفي الأحوال كلها، فإن شكل وجود المنظمة يجب أن يكون حاضراً عند البحث عن ملامح الاستراتيجية الفلسطينية المتكاملة المطلوبة، خصوصاً أن هناك علاقة مباشرة بين الاستراتيجية السياسية وبين الإطار المدعو إلى تحقيقها. ومن هنا، تبرز أهمية قيام حوار جاد ومسؤول بين جميع القوى الوطنية الحريصة على المستقبل الفلسطيني. وأنا هنا لا أريد أن أبدو متشائماً، ولكنني أتخوف من أن يبقى مبدأ المراجعة النقدية غائباً عن ساحتنا الفلسطينية، وهو العامل الذي ساهم، مع عوامل أخرى عديدة، في أن يكون شعبنا هو شعب "الفرص التاريخية الضائعة"، على الرغم من كل ما قدمه من تضحيات على طريق نضاله الطويل. 

شخصيات من الداخل: نحو تجاوز صيغة مدريد9 

في مقابلات منفردة مع ثلاثة فلسطينيين من الأراضي المحتلة يتولون مسؤوليات مختلفة في المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، بشقيه الثنائي والمتعدد، أبرز كل منهم مفهومه الخاص لـِ "صيغة مدريد" وما طرأ عليها من تغييرات منذ تشرين الأول/أكتوبر 1991، حتى فترة ما بين الجولتين العاشرة والحادية عشرة. وقد سألت المجلة كلاً من عزمي الشعيبي وسليم تماري ونبيل قسيس أسئلة تتعلق بإمكانية استمرار التفاوض بناء على صيغة مدريد هذه، وكيف تطور دور منظمة التحرير الفلسطينية حتى آل إلى ما آل إليه اليوم، وأسئلة عن الأزمة التي تفجرت بين أعضاء بارزين في الوفد الفلسطيني إلى مفاوضات السلام وقيادتهم في آب/أغسطس 1993، فضلاً عن الدور الأميركي ما بين راع للمؤتمر وشريك كامل في المفاوضات. وجاء الحوار على النحو التالي:

س: ما هي العناصر التي تتكون منها "صيغة مدريد"؟

نبيل قسيس10: أفهم "صيغة مدريد" من خلال رسالة الدعوة إلى مؤتمر مدريد التي قبلناها، ومحادثات السلام التي تبعتها. أراها تتكون من خمسة عناصر: العنصر الأول هو هدف المفاوضات، أي الوصول إلى سلام شامل وعادل ودائم وحقيقي. والعنصر الثاني هو أسس المفاوضات، وهي قرارا مجلس الأمن 242 و338. وكما هو ملحوظ لم يُذكر أي شيء آخر إلى جانب هذين القرارين، أي لا القانون الدولي، ولا الأرض في مقابل السلام. العنصر الثالث هو بنية المفاوضات. فحسب صيغة مدريد هناك المفاوضات الثنائية والمتعددة وهناك مسار عربي وفلسطيني. والمسار الفلسطيني بدوره ينقسم إلى مرحلتين: مرحلة الترتيبات الانتقالية ومرحلة الحل النهائي. وهناك عنصر رابع يتعلق بالجدول الزمني حيث نصت صيغة مدريد على أن تبدأ المفاوضات الثنائية بعد أربعة أيام من بدء مؤتمر مدريد، يليها بدء المفاوضات المتعددة الأطراف بعد أسبوعين من عقد المؤتمر ويفترض أن تنتهي المفاوضات على المرحلة الانتقالية خلال عام. وتستمر هذه المرحلة خمس سنوات، على أن تبدأ المفاوضات على المرحلة النهائية في العام الثالث. ويتعلق العنصر الخامس برعاية المؤتمر، أي بالولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في حينه. وقد تم إلغاء دور الأمم المتحدة، ولن يعقد المؤتمر مرة ثانية إلا بموافقة الأطراف جميعها. وهناك عنصر سادس إضافي ينطبق على الفلسطينيين فقط وهو وجودهم في وفد مشترك مع الأردن.

ويمكن أن يضاف إلى هذه العناصر جميعها أمور أخرى من بينها أن أي طرف يحق له أن يرفض الجلوس مع طرف آخر لا يرغب في الجلوس معه، الأمر الذي يضع بعض الحدود على من يمكن أن يشارك في المفاوضات الثنائية أو لا يشارك. فإذا لم يكن الطرفان موجودين فالمفاوضات لا تعقد، وبالتالي فإن هذا القيد جاء كنوع من الشرط الضمني، لكنه في الوقت ذاته قابل للحركة لأنه ليس منصوصاً في رسالة الدعوة إلى مؤتمر مدريد.

عزمي الشعيبي11: هناك مَن وقف وراء هذه الصيغة وتسبب في تعقيدها هو رئيس وزراء إسرائيل السابق يتسحاق شمير الذي كان في السلطة في حينه، والذي كان جوهر موقفه أنه ضد المفاوضات. لذا حاول وضع مجموعة من الشروط خلال محادثاته مع وزير الخارجية الأميركية السابق جيمس بيكر قبل المفاوضات ليضمن من خلالها أن المفاوضات في المسار الفلسطيني لن تؤدي إلى نتائج محددة. إن أبرز تعقيدات صيغة مدريد كانت علاقة منظمة التحرير الفلسطينية بالمفاوضات وبالوفد المفاوض. أي أن تشكيلة الوفد الفلسطيني والدور الذي نيط به جعلاه يُقتصر على ممثلين من الداخل وإخفاء دور منظمة التحرير في عملية المفاوضات.

الأمر الثاني في هذه الصيغة المعقدة كان التصور الأولي لمضمون المفاوضات بتجزئتها إلى مرحلتين: الأولى تهدف إلى إقامة سلطة فلسطينية في المناطق المحتلة ونقل مجموعة من السلطات الأساسية إليها؛ والثانية تؤجل إليها القضايا الأساسية التي لم يكن شمير يريد أن يسهم في مفاوضات تفصيلية بشأنها، لأنه كان يراهن على أن المفاوضات ستدور حول المرحلة الانتقالية من دون الوصول إلى المرحلة النهائية. أما الأمر الثالث فيتعلق بدور راعيي المؤتمر. وهنا أيضاً كان شمير الطرف الأساسي الذي لم يرغب في دور فاعل لراعيي المؤتمر، وحوّل دورهم من دور مباشر إلى دور محيَّد بصورة أو بأخرى. ومن الواضح أن صيغة مدريد تتجنب دور الشرعية الدولية والأمم المتحدة، بدليل أنْ ليس هناك أداة أو هيئة يتم من خلالها الحكم على مواقف الأطراف ومدى انسجامها مع مواقف الشرعية الدولية. فغياب الأمم المتحدة ومجلس الأمن جعل المفاوضات بلا إشراف حقيقي من طرف ثالث، الأمر الذي تسبب في عرقلة المفاوضات حتى الآن.

فضلاً عن ذلك، هناك مسائل تفصيلية تتعلق بالكثير من القضايا التي صيغت بطريقة مبهمة تعطي الأطراف تفسيرات متناقضة. وهذا ما تم فرزه في رسائل التطمينات التي جرى توجيهها إلى جميع الأطراف. أي أنه لا توجد رسالة واحدة تحدد الموقف الأميركي المسبق أمام كل الأطراف؛ إنما هناك مواقف ثنائية مع كل طرف، مما سبب تعقيدات. أي أن صيغة مدريد لم تكن فيها أسس كافية وواضحة لتحدد إلى أين ستتجه الأمور.

سليم تماري12: من المعلوم، منذ البداية، أن صيغة مدريد وُضعت في ظل هيمنة حكومة الليكود، وجاءت مجحفة بحق الجانب الفلسطيني. واشتراكنا في المفاوضات بهذه الصيغة سببه أن عدم اشتراكنا يمكن أن يؤدي إما إلى ضياع فرصة تاريخية علينا، لأن كل الدول العربية ستشارك في هذه العملية، وإما إلى اكتشاف قصر نظر لدينا، لأنه كان من المتوقع أن تتغير السلطة في إسرائيل وتجيء حكومة أكثر مرونة في تعاملها مع المفاوضات على الأرض. وكان تصورنا أن مجيء حزب العمل سيؤدي تلقائياً، أو على الأقل بشكل متسارع، إلى إعادة النظر في صيغة مدريد، ليس في ما يتعلق بتمثيل أوسع للجانب الفلسطيني فقط، بل بتمثيل منظمة التحرير والشتات في القدس أيضاً، وهذا لم يحصل، وأصبح من المتعذر الاستمرار في المفاوضات بطريقة فاعلة في ضوء المحاولات المستمرة لحكومة حزب العمل لاستثناء ممثلين عن القدس ومدينة القدس نفسها، والامتناع عن تحديد واضح للولاية الجغرافية لسلطات الحكم الذاتي. هاتان القضيتان بالذات: الولاية الجغرافية والقدس شكلتا النقطة الحاسمة التي أوصلتنا إلى المأزق الذي نحن فيه اليوم بعد الجولة العاشرة، والذي يتطلب إعادة النظر جذرياً في صيغة مدريد.

رأيي أن مواطن الخلل في صيغة مدريد هي أن رسالة الدعوة التي وجهها راعيا المؤتمر كانت غامضة بطريقة مدروسة بحيث تسمح بمشاركة الجميع من دون أن تضع النقاط على الحروف. ووفر غموضها ظرفاً مواتياً لمشاركة جميع الأطراف بحيث تتيح إمكان أن يعرض كل طرف تصوره. وهناك اعتقاد خاطئ مثلاً أن القدس كانت مستثناة من رسالة الدعوة، وهذا ليس صحيحاً. والصحيح أن القضايا الخلافية مثل الولاية الجغرافية والقدس صيغت بطريقة غامضة في رسالة الدعوة لكي تسمح لكل طرف أن يأتي ليعرض الجدول الذي يراه ملائماً. ولم يستثنَ شيء من صيغة مدريد سوى الشكل التمثيلي للوفد الفلسطيني الذي وُضعت له شروط مجحفة. ومن هنا تشديدي على قضية التمثيل.

س: مع توالي الجولات بدأ المفاوضون الفلسطينيون يطالبون بتغيير صيغة مدريد، الأمر الذي اعتبره الإسرائيليون خروجاً على قوانين اللعبة التي وافقوا عليها من خلال حضور مؤتمر مدريد. ويستند البعض في مطالبته بتغيير صيغة مدريد إلى أن هذه الصيغة صارت غير قائمة على أرض الواقع. فما هي التغييرات التي طرأت؟

قسيس: إن صيغة مدريد، في الحقيقة، تم خرقها في معظم بنودها، إنْ لم يكن في البنود جميعها. فالهدف من المفاوضات ما زال إقامة سلام عادل وشامل وحقيقي، ومن المبكر تقويم هذا الهدف في هذه المرحلة. أما بالنسبة إلى أسس المفاوضات فنحن نرى أن إسرائيل ترفض اعتبار القرار 242 أساساً للمفاوضات، في حين إننا نصرّ على اعتبار هذا القرار أساساً لها. والمفاوضات هي وحدة واحدة، فإذا قسمناها إلى مرحلتين يبقى القرار 242 أساساً لكل مرحلة فيها. ولكن إسرائيل ترفض اعتبار المفاوضات على المرحلة الانتقالية مبنية على القرار 242، وترفض الخوض في التفاصيل عندما نعرض من جانبنا أن تكون نتيجة المفاوضات النهائية هي تنفيذ القرار 242 بجميع بنوده. وبالتالي فهي ترفض ما جاء في القرار 338 الذي نص في بنده الثاني أن على الأطراف المتحاربة في حينه أن توقف إطلاق النار، وتبدأ فوراً بتطبيق 242 بكل بنوده. وذكر القرار 338 أن الحل يجب أن يكون مبنياً على أسس ومبادئ حددها القرار وهي الانسحاب وعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. وهذان الأمران ترفضهما إسرائيل، في حين أننا نرى أن هذه محاولة منها لهدم أساس المفاوضات.

وحول الجدول الزمني فقد جرى خرق جميع بنوده ما عدا نقطة البداية. إذ بدأ المؤتمر في 30 تشرين الأول/أكتوبر 1991، ولكن لم يتبعه أي من الأمور الأخرى في موعدها.

أما من ناحية رعاية المؤتمر فما كان يتعلق بالاتحاد السوفياتي صار غير قائم لأن الهدف كان الحفاظ على فكرة التوازن، ولأن الولايات المتحدة كانت، تاريخياً، تدعم إسرائيل والاتحاد السوفياتي يدعم الطرف العربي، وهذا التوازن في الرعاية صار غير قائم.

تبقى بنية المفاوضات، ومن الواضح اليوم أن الاتفاق على المرحلة الانتقالية صار بعيد المدى بل مستحيلاً. وفيما يتعلق بالوفد المشترك فما زال الوفد قائماً، لكن الوفد الفلسطيني أثبت وجوده، ويتم التعامل معه كوفد منفصل، وتم تخطي قضية عدم جواز مشاركة فلسطينيين من الخارج. ومن الواضح أن المفاوضات أصبحت تجري مع المنظمة من خلال وفدها الذي انضم إليه أشخاص من الشتات يجلسون في قاعة المفاوضات.

الشعيبي: بعد مجيء حكومة حزب العمل إلى السلطة يمكن القول أنه كان يفترض أن يعاد النظر في صيغة مدريد ما دام الطرف الإسرائيلي ممثلاً بالليكود وشمير، وهو السبب الرئيسي في تعقيد صيغة مدريد، صار غير موجود. وأستطيع القول إن رابين، في تلك الفترة، لم يكن لديه تصور واضح لنتائج المفاوضات التي تنسجم مع رؤيته الاستراتيجية للحل ومع وجهة نظر حزب العمل في صيغة مدريد. وكان متردداً في اتخاذ أي موقف لا يضمن نتائجه. لذلك كان يتمسك بصيغة مدريد إلى أن يجد منفذاً يلائم رؤيته. هذه الفترة استهلكت الجولات السابعة والثامنة والتاسعة من المفاوضات. وأستطيع القول إن الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية والأميركية بدأت، عملياً، تتعامل مع صيغة مدريد من دون التقيد الحرفي بها. وعلى الرغم من أن رابين يصر، إلى الآن، على أنه غير معني بتغيير صيغة مدريد، غير أنه، من الناحية العملية، قبل تجاوز صيغة مدريد. ويبدو أن الأطراف الثلاثة أصبحت في حالة من الاتفاق الضمني على العمل من دون التقيد بصيغة مدريد. وهذا ما يمكن أن نراه في العناصر الثلاثة السابقة التي ذكرتها. وفي مجال تشكيلة الوفد الفلسطيني حدثت تغييرات في دور المنظمة في المفاوضات، وإن كان هذا غير واضح تماماً. إلا أن الحكومة الإسرائيلية بدأت تتعامل، بشكل أكثر واقعية، مع دور المنظمة في المفاوضات. وأرى أن الاتجاه العام يتجه، بشكل متسارع، نحو تجاوز صيغة مدريد في هذا الموضوع، بحيث تصبح للمنظمة صلة مباشرة بالمفاوضات.

هناك عامل ثان حصل فيه تغيير في صيغة مدريد وهو الحل على مرحلتين، من دون التطرق إلى الحل النهائي في المرحلة الأولى. فمن الناحية العملية بدأ الطرف الإسرائيلي يتعاطى مع الطرف الفلسطيني في محاولة لاستكشاف مظاهر الحل النهائي. وهذا نتيجة لإدراك عملي أنه لتسهيل عملية التوصل إلى اتفاق بشأن المرحلة الانتقالية يجب أن تكون هذه المرحلة واضحة، مثلما يجب أن يكون واضحاً إلى أين ستؤدي. وموضوع غزة ـ أريحا يأتي ضمن هذا السياق. وموضوع البحث في مستويات أخرى تفاوضية كالكونفدرالية والأمن والمستوطنات والقدس هو موضع تفاوض إسرائيلي ـ فلسطيني بغض النظر عما يقال إسرائيلياً. وهذه المسائل ليست مؤجلة، بل يجري البحث فيها عند مستويات مختلفة وفي إطار القنوات التفاوضية، أي مباشرة وعلى الطاولة وبواسطة وسطاء.

العنصر الثالث الذي يجري عليه تغيير برضى الطرفين هو الدور الأميركي. فالدور الأميركي كان محيّداً، وفي صيغة مدريد ليس شريكاً في المفاوضات. والآن برضى الأطراف يتحول إلى وسيط. وحالياً يُطرح تشكيل هيئات ثلاثية إسرائيلية ـ فلسطينية ـ أميركية يكون الأميركيون فيها طرفاً من ضمن الأطراف. وحتى الآن يتعاطى الطرف الإسرائيلي مع هذه الصيغة من دون أن يعلن رسمياً ذلك، وتغير الدور الأميركي في نقل الوسائل المتبادلة عما كان في مدريد. ولذلك فإن الأميركيين الآن يتجهون عملياً نحو الدخول مباشرة في المفاوضات.

وهنا أقول إن علينا التمييز بين اتفاق ضمني بين الأطراف على تجاوز صيغة مدريد عملياً وبين ترسيم ذلك في هذه المرحلة، ولكن ذلك لا يعني أن هذا التغير لن يُرسم، بل سيُرسم نحو تغير صيغة مدريد. ولكن لا أتوقع من أي طرف إعلاناً رسمياً يتجاوز صيغة مدريد بشكل دراماتيكي.

تماري: إسرائيل قامت ببعض الخطوات التي تدل على أنها على استعداد لإعادة النظر في صيغة مدريد. مثلاً في المحادثات المتعددة الأطراف وافقت على مشاركة فلسطينيي الشتات، وفي بعض الأحيان شارك أشخاص مثل محمد الحلاج ومن قبله الياس صنبر وزين مياسي ويوسف صايغ، وكلهم أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني وبعضهم أعضاء في المجلس المركزي، في المفاوضات. وهذا يدل على تغير في المعادلة التي وافقت عليها إسرائيل. ثم وافق الإسرائيليون أيضاً على مشاركة فيصل الحسيني، مما يعني أن تمثيل القدس بدأ يتغير. ووافقت أيضاً على انضمام فلسطين كطرف إلى اللجنة الخامسة للمفاوضات المتعددة الأطراف، وهي لجنة مراقبة التسلح. فضلاً عن مشاركة مستشارين من الشتات في اللجان المنبثقة عن المفاوضات الثنائية. كل هذه التغييرات تدل على أن إسرائيل، على الرغم من معارضتها اللفظية، فإنها، في الواقع، على استعداد لإعادة النظر في صيغة مدريد. لكن يبدو أنهم ما زالوا غير مستعدين لاستيعاب الوتيرة التي نطالب بها لتغيير صيغة مدريد.

س: إذا كانت صيغة مدريد صارت غير قائمة بالفعل على أرض الواقع، فلماذا يصر الفلسطينيون علناً على المطالبة بتغييرها، وهل يمكن بالفعل تغيير ما بقي منها؟

قسيس: دائماً، كان هناك عدم وضوح في ما نطالب بتغييره. من وجهة نظري الشخصية أرى أنه يجب تغيير صيغة مدريد لأن الرعاية غير متكافئة، ولأن الجدول الزمني أصبح غير ملزم وتم خرقه في كل بنوده. وأطلب تغيير صيغة المرحلتين لأن من الواضح، وهذا رأيي الشخصي، إن المرحلة الأولى لا يمكن الاتفاق عليها من دون مخاسر فلسطينية. أما هدف المفاوضات فليس هناك داع لتغييره. ومن ناحية الأساس أنا أرى أن القرارين 242 و338 وحدهما غير كافيين، ويجب أن يُضاف إليهما مبدأ الأرض في مقابل السلام. وأيضاً هناك الشرعية الدولية وبالتحديد اتفاقية جنيف الرابعة، أي أن تُعامل الضفة الغربية وقطاع غزة كأراضٍ محتلة. هكذا أرى التغيير المطلوب في صيغة مدريد. أما المطالبات الأخرى التي افتقدت إلى الوضوح فكانت تعني، أساساً، تغيير صيغة مدريد لإشراك المنظمة. وأنا لا أرى أن هذا يغير صيغة مدريد، لأن مدريد لا تستثني المنظمة، والمنظمة تشارك الآن، ونحن لم نكن جسماً آخر منفصلاً عن المنظمة.

نعم، هذه الأمور قابلة للتغيير على أرض الواقع. ربما هناك صعوبة من ناحية الرعاية، لأن أميركا أصبحت قطباً وحيداً في العالم. لكن هل يجب إشراك أميركا في مفاوضتنا مع إسرائيل؟ نحن نعلم أنه يمكن أن يكون موقف الحكومة الإسرائيلية في وضع معين وتجاه مسائل معينة أكثر مرونة من موقف أميركي يتحكم فيه أشخاص لهم علاقة قوية مع دوائر ليكودية على سبيل المثال.

وحول الجدول الزمني يجب أن نحصل على جدول ثابت، لأنه لا يمكن الاستمرار في المفاوضات من أجل المفاوضات. إذا لم يتم التوصل إلى نتائج معينة في موعد معين عندها يجب البحث عن منبر آخر مثل الأمم المتحدة، وإن كان البعض يشكك فيه، وآخرون يرون أنه الأنسب.

أما من ناحية المرحلتين فمن الواضح أن المرحلة الأولى لن تنجح. إذ كيف يمكن الوصول إلى اتفاق مع إسرائيل على مرحلة أولى تستثني المسائل الصعبة والجوهرية كالقدس والاستيطان وعودة النازحين والحدود وما إلى ذلك؟ من الواضح أن إسرائيل غير مستعدة حتى الآن لتوقيع اتفاق يشمل القدس أو تفكيك المستوطنات أو يتجاوب مع مطالبنا الشرعية. ولا يجوز لنا كفلسطينيين تحت الاحتلال أن نوقع اتفاقاً لا يتجاوب مع مطالبنا الشرعية هذه. فالأراضي المحتلة لا يمكن التعامل معها على أنها أراض متنازع عليها. ولأنها أراضٍ محتلة فهذا يعني تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة عليها. وهذا يمنعنا كأشخاص تحت الاحتلال من الدخول في اتفاقات مع المحتل تنتقص مما تمنحنا إياه اتفاقية جنيف الرابعة. وإذا وقعنا مثل هذا الاتفاق فذلك يعني أننا إما قمنا بعمل غير قانوني، وإما أننا نعترف بأن اتفاقية جنيف الرابعة لا تنطبق علينا. وهذا الأمر يعني أن أراضينا غير محتلة. وهذا في النهاية طرح صهيوني، لا طرح فلسطيني. وبالتالي أرى أن الاتفاق على مرحلة انتقالية بات مستحيلاً ويجب تغيير هذه البنية.

مطالبتنا لا تقتصر على المطالبة فقط. فنحن فاوضنا بنية حسنة، وحاولنا أن نجعلها تنجح. حاولنا بعدة طرق العمل على جدول أعمال واتفاقية إطار وغيرهما. وكلها محاولات من جانبنا. أما إسرائيل فلم تتزحزح قيد أنملة. ولا يمكننا، كفلسطينيين، أن نتنازل عن أمور يمنعنا القانون من أن نتنازل عنها. فإذا كان هنالك أصلاً اهتمام بإنجاح المفاوضات من الأطراف المعنية بالمفاوضات، فلا بد من إدخال التغييرات اللازمة. وإسرائيل، وهي أحد الأطراف المعنية، تعيش في محيط عربي، وهناك الآن مزاج عربي يتجه نحو السلام، وعلى إسرائيل أن تستغل ذلك قبل أن يتغير هذا المزاج. وهو يمكن أن يتغير في ضوء ظهور مؤشرات كثيرة على بؤر عدم استقرار تنشأ في أماكن كثيرة في العالم العربي. وبالتالي على إسرائيل أن تستغل هذا الوضع وتبحث عن طريقة تؤدي إلى اتفاق. وهذا لا يمكن عمله على حساب حقوقنا أو ما تبقى منها، لأن تنازلات إضافية فلسطينية لا يمكن أن تجلب معها سلاماً دائماً.

تماري: في رأيي أن بالإمكان الاستمرار في المفاوضات حسب صيغة مدريد. ولكن السؤال الأهم هو: هل من الأفضل لنا أن نطرح تشكيكاً أو بديلاً من صيغة مدريد الآن؟ في الواقع أن هذا الوقت هو أفضل وقت لعمل ذلك. أولاً، لأننا وصلنا إلى لحظة حسم عدة أمور أهمها علاقة الفترة الانتقالية بالمرحلة النهائية لوضع الأراضي المحتلة. وثانياً، لأن إسرائيل نفسها اتخذت خطوات مجحفة بحق الوضع النهائي للأرض ولمناطق محددة مثل القدس. أي أن وتيرة تكثيف الاستيطان اليهودي في مدينة القدس ووتيرة إعادة تنظيم شبكة الطرق التي تربط القدس ببقية المناطق المحتلة، ومنع الناس من دخول مدينة القدس وإعادة فصل الحدود بطريقة جديدة. بحيث فُصلت حدود "دولة إسرائيل" أو حدود 1967 عن المناطق المحتلة. هذه التغييرات كلها، كأمر واقع، خلقت وضعاً جديداً سيؤدي بنا إلى مواجهة وضع ديمغرافي واقتصادي وبنيوي جديد بعد ثلاث أو أربع سنوات. لذلك نحن مصرون على إبداء نوع من المرونة بشأن المرحلة الانتقالية إذا لم تأت إسرائيل بخطوات مجحفة بحق الحل النهائي. وعندما تبدأ إسرائيل اتخاذ خطوات كهذه، عندها لا بد لنا من المطالبة بتغيير صيغة مدريد. مبادرتنا للمطالبة بتغيير صيغة مدريد جاءت من التغيير في أرض الواقع الذي قامت به إسرائيل. فنحن قبلنا صيغة مدريد على الرغم من أنها كانت مجحفة، وكنا على استعداد للاستمرار فيها لأننا اعتقدنا أن الظروف ستغيرها. لكن إسرائيل أدخلت تغييرات في أرض الواقع أخلّت باتفاقية مدريد إن جاز التعبير. وحدث تغيير أساسي آخر يدعو إلى تغيير شروط الاتفاق، وهو أن علاقات القوى في إسرائيل نفسها التي فرضت علينا الشروط المجحفة تغيرت. فجاءت حكومة تدّعي أنها حكومة سلام، وتتقدّم بخطاب جديد. لكن هذه الحكومة نفسها التي جاءت بالخطاب الجديد قامت بممارسات هي، إلى حد ما، أسوأ من الممارسات التي قامت بها حكومة الليكود، كإغلاق الحدود وإعادة رسم العلاقة بين القدس والمناطق المحتلة أي تجزئة الضفة الغربية إلى مناطق غير متصلة. إذن هناك إخلال إسرائيلي بشروط اللعبة. وهذا الإخلال الذي بادرت إليه إسرائيل تطلب منا ردة فعل تطالب بإعادة النظر في صيغة مدريد. أي إنها ردة فعل من جانبنا لكنها تأخذ في الاعتبار التغيير الذي أصاب المناخ السياسي في معسكر الخصم.

هناك نوعان من الأخطار تتهددنا إذا استمرينا في المفاوضات على النمط نفسه الذي ساد الجولات العشر. أحدهما يتعلّق بتسريع وتيرة الفصل بين القدس والمناطق المحتلة. وهذا شبيه بتغيير البناء التحتي في المناطق المحتلة الذي يتعلق بالمستوطنات. نحن نجحنا في العام الماضي أن نحيد، أو أن نخفف، من وتيرة الاستيطان، وهذا بفضل مشاركتنا في المفاوضات. ولو لم نكن مشاركين لوجدت إسرائيل نفسها بلا أي رادع عن الاستمرار في الاستيطان. ولكننا لم نتوصل، حتى الآن، إلى تكرار هذا النجاح في قضية القدس. ولذا من الضروري أن نقوم بحل قضية القدس بسرعة، لأن عامل الوقت هنا مهم جداً. النوع الثاني من الأخطار الذي يواجهنا هو صدقية الوفد وفقدانه القاعدة الشعبية في المناطق المحتلة وفي الخارج. إذ من الصعب جداً على الوفد المفاوض أن يستمر في المفاوضات كطرف يمثل منظمة التحرير الفلسطينية إذا فقد قاعدته الشعبية والسياسية. والشعب منقسم على نفسه، وتوجد تيارات مؤيدة وتيارات معارضة للوفد. ولكني أركز على التيارات المؤيدة، لأنه إذا انحسرت مساندة هذه التيارات للوفد وأصبح يمثل بيروقراطية متنفذة في تونس فقط (كي نضع النقاط على الحروف) فلن يستطيع الوفد في النهاية أن يصل إلى اتفاق مع إسرائيل، حتى لو نجح في ذلك شكلياً. لأن أي اتفاق، في النهاية، يحتاج إلى موافقة الشعب الفلسطيني. وبرأيي أن أي اتفاق إذا لم يحصل على هذه الموافقة فلن يكون دائماً وثابتاً وسيفتقد، ليس صدقيته فقط، وإنما القدرة على الاستمرار. لذا يجب أن نناضل على جبهتين في آن. مع الشعب الفلسطيني كي تكون الخطوط العريضة للاتفاقات التي سنصل إليها مع إسرائيل مقنعة ومقبولة، في ظل التوازن السياسي الراهن لمصلحة وصل المرحلة الانتقالية بالمرحلة النهائية. ثم كبح المحاولات الإسرائيلية لتجزئة المناطق المحتلة وفرض أمر واقع عبر الاستيطان وعزل القدس عن المناطق المحتلة، وهي الأهم في الوقت الراهن.

الشعيبي: نحن نصر على المطالبة علناً بتغيير صيغة مدريد، لأنها من الناحية السياسية كانت مجحفة بحقنا. ولأن الطرف الإسرائيلي يعتبرها خط دفاع له، وهو يريد الإبقاء على خط الدفاع هذا. أما نحن فليس لنا مصلحة بالدفاع عن هذه الصيغة. وعلى الرغم من قبولنا الدخول العملي في هذه الصيغة، إلا إن من حقنا أن نصر، باستمرار، على الخلاص منها. وما زالت إسرائيل تستخدم صيغة مدريد، عملياً، أداة ضغط علينا. فعندما نبحث في موضوع القدس، مثلاً، نجدهم يلوحون دائماً عند أي استعصاء بأن صيغة مدريد لا تشمل البحث في موضوع القدس في المرحلة الحالية. في حين تقول صيغة مدريد أن المرحلة الانتقالية تشمل البحث في موضوع القدس. هذه معركة، وإلى حين الوصول إلى اتفاق عملي جديد وواضح فإن الطرف الإسرائيلي ورابين، لأسبابه الداخلية، سيصران على أن هذا الاتفاق لا يتناقض مع صيغة مدريد. وهذه قضية رابين الداخلية وليس من شأننا أن نبرر له ذلك. ما يهمنا هو تجاوزها، عملياً، ورفع الإجحاف. إن الطرف الفلسطيني يطالب بتغيير الصيغة، لكن ذلك لن يحدث بشكل دراماتيكي لأسباب داخلية في إسرائيل، ولأن صيغة مدريد تشمل أطرافاً عربية أخرى قد لا ترغب في تغييرها. ولكن إذا ما تم ردم الهوة بين المواقف الفلسطينية والإسرائيلية وتم التوصل إلى صيغة اتفاق مبادئ تفصيلي يوضح معالم الحل النهائي ويوضح دور الأطراف، في هذه الحال يمكن اعتبار هذا الاتفاق الجديد بديلاً من صيغة مدريد. وإذا لم يتم ذلك ستصل المفاوضات إلى طريق مسدود، يدفع باتجاه البحث عن صيغة جديدة غير صيغة مدريد، أي عملية سياسية جديدة.

س: هل يمكن النظر إلى الأزمة التي تفجرت في آب/أغسطس 1993 بشأن تقديم صيغة فلسطينية لإعلان مبادئ إلى وزير الخارجية الأميركي وارن كريتسوفر خلال زيارته المنطقة، والتي تبعها تهديد فيصل الحسيني وحنان عشراوي وصائب عريقات بتقديم استقالاتهم إلى منظمة التحرير، بأنها مرتبطة بالقيود التي وضعتها صيغة مدريد على التمثيل الفلسطيني في المفاوضات؟ ما هي أسباب الأزمة ومبرراتها والقضايا الخلافية التي عرضت خلال النقاش مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في تونس والقرارات التي اتُخذت في ضوئها؟ هل تطور دور منظمة التحرير ما بين تشرين الأول/أكتوبر 1991 وآب/أغسطس 1993 بانتقالها من خلف الكواليس في مدريد إلى العلن اليوم، وفتحها قنوات مباشرة مع إسرائيليين أعضاء في حكومة حزب العمل، وشبه مباشرة مع الولايات المتحدة عبر مصر، وهل كان ذلك أحد أسباب أزمة الوفد مع قيادته؟

تماري: في بداية المفاوضات كان التصور، الذي يعكس الواقع القائم حينذاك، هو أن الوفد عبارة عن شخصيات عينتها منظمة التحرير لتمثيل الشعب الفلسطيني في الشتات والداخل على الرغم من استثناء الشتات من عضوية الوفد. وكان هذا عبارة عن تمثيل ضمني، وكان هناك تفاهم ضمني على أن هذا التعيين جاء من تونس. ولكن هذه الصورة غير مكتملة، إذ إن لها جانباً آخر هو أن أعضاء الوفد يمثلون تيارات سياسية لها وجود فعلي في الأراضي المحتلة، وهم امتداد لتيارات سياسية لها قياداتها في الخارج. فهم ليسوا مجرد موظفين في منظمة التحرير، بل شخصيات لها وزنها حتى لو كان بعضها مستقلاً. إن غير المستقلين يمثلون شخصيات سياسية، والمستقلون هم شخصيات سياسية لها وزنها في الساحة الفلسطينية. فالعلاقة ذات شقين: علاقة لها صلة بمجموعة مفاوضة اكتسبت شرعيتها عندما عينتها م.ت.ف. وعلاقة لها امتداد سياسي في الداخل من خلال الأحزاب السياسية الممثلة في هذا الوفد. ما حصل هو أنه مع ازدياد الأزمات المتكررة في الجولات العشر الأولى كانت تونس أحياناً تملك وجهات نظر متباينة مع بعض وجهات النظر في الداخل، مثل اعتذار حزب الشعب عدة مرات عن عدم المشاركة في بعض الجولات، أو كانت تتخذ شكل تصريحات متناقضة كالتي كان يصرح بها الدكتور حيدر عبد الشافي والمتحدث الرسمي باسم المنظمة في تونس. وهذه التباينات تحدث في الواقع مع كل الوفود. وعشية الجولة التاسعة حدث تباين بشأن المشاركة أو عدم المشاركة. وعشية كل جولة، قبل التاسعة، كان يحدث توتر بشأن المشاركة أو عدمها أيضاً، ودائماً كانت هناك وجهات نظر مختلفة. ما حدث في الأزمة الأخيرة حول تقديم مسودة المشروع ـ المذكرة إلى وزير الخارجية الأميركي كريستوفر أتى عن طريق اجتهادات مختلفة حول أنجح طريقة لصوغ هذه المذكرة. وحصل تباين بين تونس والوفد بكافة أعضائه الذي اعترض على الصيغة المقدمة من تونس. ولكن على الرغم من ذلك، وافقت القيادة في تونس على الاعتراضات التي قدّمها الوفد. ولكن كان هذا ناقوس الخطر، إذ شعرت تونس بضرورة دراسة طبيعة هذه العلاقة في ضوء المتغيرات الجديدة. والتباين ليس بين تونس والداخل فقط، وإنما بين الداخل وتونس، وبين شخصيات في الداخل أيضاً. وفي بعض الأحيان تكون تونس أقرب إلى جس نبض المناخ السياسي العربي بطريقة قد تتطلب تشاوراً أكثر كثافة مع الداخل. والداخل أكثر إحساساً بنبض الشارع الفلسطيني مما يتطلب تنسيقاً جديداً لن يحل إلا عن طريق قيام وفد مشترك من منظمة التحرير في تونس والداخل. وهذه المعادلة لا تقبلها إسرائيل حالياً، ولكن من مصلحة إسرائيل أن تقتنع بأنها لن تبيعنا اتفاقية ذات صدقية إلا إذا شاركت تونس فيها بشكل فاعل. وقد تكون هذه اللحظة أكثر المناسبات ملاءمة لإعادة النظر في شكل التمثيل.

لا أعتقد أن التطورات التي طرأت على دور منظمة التحرير هي التي أوصلتنا إلى الأزمة، بل ربما ساعدت هذه التطورات في حلها. فالأزمة سابقة على هذه التطورات ورافقتها في الوقت ذاته. الأزمة كانت كامنة، ولم تكن ظاهرة، والسبب أن إسرائيل، في الفترة السابقة، لم تتخذ خطوات لتجميد الاستيطان خارج منطقة القدس التي يمكن أن تخل بإمكان ربط المرحلة الانتقالية بالمرحلة النهائية. ما حصل الآن أن إسرائيل سارعت إلى الإخلال بهذه العلاقة ذات الحساسية البالغة من جهة، واقتربنا من الوصول إلى اتفاقات على صلاحيات الحكم الذاتي من جهة ثانية فعندما نقترب من توقيع اتفاقية تظهر الحاجة إلى الوضوح. فالغموض كان مقبولاً طالما لم نكن على أعتاب توقيع معاهدة. وعندما بدأت النيات الإسرائيلية مع انتقال الحديث من الكلام الدبلوماسي إلى عرض البضاعة على الطاولة، اتضح أن البضاعة التي كانت إسرائيل على استعداد لوضعها على الطاولة أقل بكثير من تصورنا للحد الأدنى لما سيقبله الجانب الفلسطيني في شأن صلاحيات الحكم الفلسطيني الذاتي في المرحلة الانتقالية، وخصوصاً قضية الولاية الجغرافية. وتبين أن إسرائيل على استعداد لمنحنا صلاحيات وظيفية من دون وضوح منطقة الولاية الجغرافية. وهذا لا يجوز في أي معاهدة. فالحكم الذاتي عندما يُقام يجب أن تُحدد منطقة سلطته وعلاقة هذه السلطة بالمستوطنات... الخ. وعندما اقتربنا من الوصول إلى اتفاقية بشأن هذا الموضوع اتضح أن إسرائيل مستمرة في الغموض الذي بدأت فيه حول الولاية الجغرافية. وإذا أردنا تلخيص الخلاف مع إسرائيل، يمكن القول، بكلمة واحدة، إنه الولاية الجغرافية، أي الأرض التي سيتم منحها صلاحيات الحكم الذاتي. وهذا يتطلب إعادة النظر في الافتراضات التي تحكم طبيعة المرحلة الانتقالية بما في ذلك التمثيل. فالتمثيل كان مطلباً جرى الوصول إليه نتيجة لقرب إمكان حدوث اتفاقية. وهنا يجب أن يعي المعارضون أنه لم يكن هناك شلل مستمر في المفاوضات، وإنما تقدم بطيء لم نلاحظه إلا في النهاية. أي عندما اقتربنا من توقيع اتفاق برزت الخلافات الجديدة بيننا.

الشعيبي: الأزمة نشأت من وجود عدة مستويات للتفاوض. وذلك لأن الطرف الإسرائيلي، حتى الآن، غير جاهز كما يدّعي، لأسباب داخلية، للتعامل المباشر مع م.ت.ف. لكن المفاوضات تجري عملياً الآن بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية بمستويات وقنوات مختلفة. وقد تغير وضع الوفد أيضاً. فمن الواضح جداً أن أعضاء رئيسيين فيه، حسب القرار الأخير للمنظمة، هم أعضاء رسميون فيها. وهذا واضح عندما اتخذت اللجنة التنفيذية قرارها بتأليف لجنة عليا للمفاوضات تابعة للجنة التنفيذية، أعضاؤها من القيادة الفلسطينية في الخارج، أي ثلاثة أعضاء من اللجنة التنفيذية، وسبعة أعضاء من الداخل. لذلك يمكن القول إنه حدثت نقلة من الوفد نحو المنظمة وأخرى من المنظمة نحو الإشراف المباشر والرسمي على المفاوضات. هذا فضلاً عن مستويات أخرى من التفاوض قد تكون المنظمة أقرب فيها بكثير من صيغة مدريد، لكن هذا غير واضح حتى الآن.

قسيس: لا أرى علاقة مباشرة بين الأزمة الداخلية وصيغة مدريد. ربما كان لها علاقة أكثر بكيفية إدارة المفاوضات. لكن القول إن سببها صيغة مدريد فأعتقد أن معظم الذين هددوا باستقالاتهم هم ممن شاركوا في صنع مدريد. أنا أعتبر المنظمة مشاركة فعلاً في المفاوضات. في العادة تحدد الدولة مجموعة من الأشخاص لتمثيلها في المفاوضات. وليس مهماً أن يكونوا وزراء ويمكن أن يُرفع المستوى. وقد يجري ذلك في القنوات المرئية أو غير المرئية مثل لقاءات نبيل شعث ويوسي ساريد. بالطبع هناك مغزى إضافي لوجود المنظمة إلى طاولة المفاوضات، إنه يعني مشاركة الجهة التي تمثّل الشعب الفلسطيني. هذا مهم جداً. صحيح أن إسرائيل استبعدت هذا الوجود من القنوات المرئية، ولكن من الواضح أنها لم تستبعده من القنوات غير المرئية. وربما كان هذا الاستبعاد سبباً غير مباشر ساهم في الأزمة. فلو كانت هناك مفاوضات مباشرة مع المنظمة لكانت بعض الصعوبات التي تنشأ مع المفاوضين غير موجودة. ويعود جزء كبير من الإشكال الذي حصل أخيراً، إلى مشكلة اتصالات. وقد تكون العلاقة الوحيدة في الورقة التي تم تبادلها، والورقة أرسلت إلينا بالفاكس وهي ليست طريقة مثالية للاتصال عندما نبحث في أوراق تفاوضية تحت أعين العدو وآذانه. في هذه الحالة قد يكون هناك نوع من العلاقة غير المباشرة مع صيغة مدريد.

أما آثار الأزمة فلا أعتقد أن لها أثراً إيجابياً. برأيي هناك خسارة فلسطينية بسبب ما حصل. أنا أفضل أن يتم هذا النوع من النقاش في دوائر مغلقة. وإذا كنا أعلنا لأنفسنا دولة فلنتصرف في إطار دولة. والاستقالات تُقدم بطريقة مكتومة إلى الجهة المعنية ويبت فيها. لا أقلل من أهمية المشاكل ولا من شرعية المطالب التي تقدم بها المستقيلون، وهي مطالب موجودة عند كافة المفاوضين. لكن نشرها بالطريقة هذه كانت له آثار سلبية، والاستقالات بكل الأحوال تضر بالمنظمة. آمل أن يتم استقاء عِبَر من هذه التجربة، وان يتم تصحيح الأمور التي أدت إلى هذا النوع من التصرف سواء فيما يتعلق بقنوات الاتصال أو بإدارة المفاوضات.

ولا أرى أن الأمور الشكلية التي تبعت هذه الأزمة كإعادة تشكيل اللجنة العليا للمفاوضات يمكن أن تأتي بنتائج، وإنما الأمور الجوهرية هي التي تهم. وكل شيء يعتمد على ما ستفعله هذه اللجنة. في السابق كانت هناك لجنة متابعة المفاوضات وكانت تضم أعضاء من الخارج ونمدها نحن بما لدينا. التغيير الوحيد هو أننا ربما نصبح الآن مشاركين في اتخاذ القرارات. لكن القضية، في النهاية، هي تحمل مسؤوليات ومساءلة، ومن يتحمل هذه المسؤولية هو أعلى سلطة أي اللجنة التنفيذية للمنظمة ورئيسها.

س: هناك شق في الصيغة التي حُددت في مدريد يتعلق بالدور الأميركي. فالولايات المتحدة بدأت كراعٍ للمؤتمر ولعملية السلام ككل. ومع تبدل الإدارة بعد مرور عام على المفاوضات الثنائية دخل تعبير جديد مع الإدارة الأميركية الجديدة (إدارة كلنتون ـ كريستوفر) وهو تعبير الشريك الكامل. فكيف تطورت العلاقة الفلسطينية ـ الأميركية في ضوء تطور هذا الدور؟

تماري: العلاقة الأميركية ـ الفلسطينية ليست على ما يرام. ففي الأشهر الأخيرة لإدارة الرئيس جورج بوش بدأت الخارجية الأميركية تنسحب من أي دور فاعل في المفاوضات بسبب انشغال جيمس بيكر في إدارة حملة بوش الانتخابية. كلنتون جاء متعكراً منذ البداية. الفريق الذي تبناه بيكر استمر في فترة كلنتون مع إضافة مارتن إنديك الذي عزز التركيب المنحاز للجانب الإسرائيلي. ومارتن إنديك هذا هو الرئيس السابق لـِ "إيباك" ومستشار كلنتون لشؤون الأمن القومي حول الشرق الأوسط حالياً. هذا الفريق يعكس العلاقة غير المتكافئة بين إسرائيل وأميركا من ناحية، والجانب العربي، والفلسطيني تحديداً، والإدارة الأميركية. ولكن على الرغم من ذلك توقعنا خيراً من إمكان أن تلعب أميركاً دوراً أكثر حياداً إزاء إسرائيل مما في فترة بوش وبيكر، لأن أميركا لديها مصالح في العالم العربي وهي مهتمة بحل النزاع العربي ـ الإسرائيلي بالطرق السلمية، مما يتطلب إضفاء شرعية على المطالب الفلسطينية والعربية. إن تركيب الفريق بحد ذاته ليس مشكلة. وإنما المشكلة هي إصرار أميركا على عدم التدخل في فرض صيغة معينة على الجانب الإسرائيلي في الوقت ذاته الذي تدعم فيه إسرائيل إلى النهاية اقتصادياً وعسكرياً وفيما بعد بضمانات القروض. وإسرائيل الجاثمة، في الواقع، على الجانب الفلسطيني والتي تتابع تنفيذ مخططات الاستيطان والسيطرة على المناطق المحتلة، هي التي يأتيها الدعم الأميركي ومن دون شروط تقريباً في المرحلة الحالية.

ما هي العلاقة التي نراها نحن مع الجانب الأميركي والتي يمكن أن تحسن هذه الظروف؟ إن إسرائيل لن تقوم بتنازلات من جانبها إذا شعرت أن ليس لديها ما تخسره من الاستمرار في الاستيطان. ومن مصلحة إسرائيل أن تدخل في علاقات اقتصادية طبيعية مع العالم العربي، وأن تعيد صوغ دورها في الشرق الأوسط. هذه هي الجائزة الكبيرة التي ستحصل عليها إذا قدمت تنازلات تتعلق بالأرض. الجانب الأميركي كان يرعى هذه الصورة في ولاية بوش ـ بيكر، ثم تراجع عنها بسبب انشغال كلنتون بالأزمة الاقتصادية الأميركية وبروز مناطق أكثر التهاباً مثل الصومال ويوغسلافيا ودول أوروبا الشرقية. حالياً أعتقد أن الإدارة الأميركية اقتنعت أنها لن تصل بنا إلى أي اتفاقية إذا استمرت في هذا الطريق. ومن غير الواضح هل ستترجم هذه القناعة في المستقبل المنظور ضغطاً على إسرائيل لتقوم بالحد الأدنى اللازم كي نستعيد وتيرة التفاوض بحيث تؤدي إلى اتفاق. وإذا لم يحصل ذلك فأنا أرى أن المستقبل المنظور لن يؤدي إلى اتفاق.

نحن كنا ندعي أن كلمة "راع" لا تعني الإشراف الشكلي على المفاوضات فقط، بل تتضمن أن أميركا هي طرف في المفاوضات في ضوء الدعم العسكري والاقتصادي لإسرائيل خلال أربعين عاماً مضت. وكونها شريكاً أو راعياً يعني، عملياً، أنها كي تقوم بدور الراعي، بشكل فاعل، عليها إعادة النظر في هذه العلاقة غير المتكافئة عن طريق التدخل الواضح والفاعل في الحد من الهيمنة الإسرائيلية على المناطق المحتلة. المطلوب من أميركا كشريك أو كراعٍ ليس أن تقوم بدور المراقب النزيه فقط، وإنما الحد من العلاقة غير المتكافئة التي قامت بها خلال أربعين عاماً. وهذا يعني، عملياً تدخلاً أميركياً في دفع الجانب الإسرائيلي، والجانب العربي أيضاً، والذي كانت تقوم به باستمرار من خلال مصر، وبشكل غير مباشر على سوريا والفلسطينيين وأحياناً بشكل مباشر، وأن تمارس الضغط نفسه على الجانب الإسرائيلي، وهو ما لم تقم به حتى الآن إلا بشكل محدود في فترة التصويت على ضمانات القروض في إدارة بوش.

إن تعبير "شريك كامل" جاء نتيجة للشعور بأن الاستمرار في الدور السابق كراع كما حُدد في مدريد غير كاف لتعديل العلاقة غير المتكافئة مع الجانب الإسرائيلي. أي أن شللاً حصل في المفاوضات يتطلب زحزحته. وليس باستطاعة أي طرف من الأطراف أن يقوم بهذه الزحزحة إلا الطرف الأميركي. الطرف الآخر المحتمل ليقوم بنوع من الزحزحة هو الطرف الأوروبي. ولكن السوق الأوروبية المشتركة اختارت ألاّ تتدخل في الصراع العربي ـ الإسرائيلي بأي شكل فاعل، وهو مصدر أسف لنا جميعاً. والسبب واضح هو أن الشرق الأوسط ليس على قمة أولويات أوروبا، بل مشاكل أوروبا الشرقية والأزمة الاقتصادية والعلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة تستحوذ على اهتمام أوروبا الرئيسي.

قسيس: الدور الأميركي منذ صوغ رسالة الدعوة كان موقفاً منحازاً وشريكاً لإسرائيل، وأنا لا أرى أن صيغة مدريد هي إعادة صوغ لمشروع شمير عندما أصر على مفاوضات ثنائية مع الدول العربية كي لا يتفاوض مع الفلسطينيين وحدهم وكي لا يتحدث مع فلسطينيين من الخارج. إن أميركا منحازة لإسرائيل منذ ذلك الوقت، وهي شريك لإسرائيل. وكانت رسالة الضمانات أو التطمينات رسالة تؤكد المواقف الأميركية المعروفة سابقاً. أميركا حددت موقفها عندما صاغت القرار 242 في العام 1967 بكل تفاصيله مثل القدس ورسم الحدود والاستيطان ومن حيث حل المشكلة الفلسطينية في سياق أردني. ما حدث من خلال المفاوضات هو أنه صار من الضروري أن تضع أميركا مواقفها الشفهية والمكتوبة في قيد التنفيذ. وعندما جاء دور التنفيذ تبين أن الموقف الأميركي تجاهنا هو عبارة عن شيك من غير رصيد، وبالنسبة إلى إسرائيل تبين أنها حصلت على شيك ذي رصيد. وهكذا بدأت المواقف الأميركية القديمة تتكشف، وهذا لا يعني أن الدور قد تغير، إنما جاء الوقت الذي يوضع فيه هذا الدور في قيد التنفيذ. لا أرى تغييراً جذرياً، ولا أرى أن دور الشريك الكامل لم يكن موجوداً في السابق، وإنما مداه وكيف يعبر عنه أصبحا في هذا الوقت بالذات مطلوبين أكثر بسبب تطور المفاوضات ووصلنا إلى نقاط تحتاج إلى تدخل، وبسبب المآزق المتتابعة.

لقد تطور الموقف الأميركي بمعنى أنه كان يأخذ مجراه وفي الوقت ذاته يتكشف شيئاً فشيئاً. في وقت معين لم يكن هناك مجال لمن لديه أي شكوك ليفهم ذلك. الآن كما ظهر مؤخراً خلال الجولة العاشرة، أُتيحت الفرصة لفحص النوايا الأميركية. فقد كان أمامنا المجال لنتأكد ما معنى هذه الضمانات وما هي قيمتها. تبين أن هذه الرسالة ليس فيها أية آلية للتنفيذ. إنها، بمعنى آخر، مجرد كلام. وهذا الأمر نعلمه. إذ إن الأميركيين يقولون دائماً أنهم يعارضون الاستيطان ويعارضون ضم القدس ويعتبرون الأراضي محتلة. ومع ذلك لننظر ماذا يحدث في الاستيطان وإلى أين وصلت القدس، حتى أن اتفاقية جنيف الرابعة لم تطبق. أي أن الإعلان عن الشيء أمر وتنفيذه أمر آخر. وعندما جاء موعد التنفيذ رأينا أن الدور الأميركي لا يمكن ترجمته بتغييرات على الأرض. المواقف الأميركية مواقف ثابتة فيما يتعلق بدعم إسرائيل، وهي ثابتة في غموضها فيما يتعلق بشؤون الفلسطينيين، ومواقف مائعة عندما يتعلق الأمر بتنفيذ أمور تتعلق بالشرعية الدولية. ولكن إسرائيل فعلت عكسها مثل الاستيطان والقدس. الولايات المتحدة تكتفي بالإدانة وتخرج إسرائيل دائماً بربح صاف. وخلال المفاوضات أبعدت إسرائيل أكثر من 400 فلسطيني ولم ترغمها أميركا على تطبيق قرار مجلس الأمن 799. وجرى فصل القدس عن باقي الأراضي المحتلة أيضاً خلال المفاوضات ولم تفعل أميركا شيئاً. استمر الاستيطان، والكثير من النشاط الاستيطاني حصل بعد قضية ضمانات القروض. فماذا فعلت أميركا؟

الشعيبي: اعتقد أن الإدارة الأميركية نجحت عملياً، وبموافقة ضمنية من الأطراف المختلفة، في أن تنتقل إلى دور الشريك الكامل. ولكن علينا أن نميز بين الدور الذي تبنته وبين تقويمنا لهذا الدور. فتقويم الدور الأميركي في المفاوضات شيء والدور شيء آخر. فهم أصبحوا يتدخلون في المفاوضات وليس في تسهيل المفاوضات بين الأطراف فقط، والرسائل التي قدموها للأطراف كمسودات لمشاريع اتفاق إسرائيلي ـ فلسطيني تعني تدخلاً في المفاوضات. ولكن هذا لا يعني أننا راضون عن مضمون هذا الدور، ومن هنا انتقادنا أنه ليس حيادياً وليس دور الوسيط النزيه. نحن نطالب بأن يكون للراعي دور الشريك الكامل، ولكن من دون أن يعني ذلك موافقتنا المسبقة على مواقفه التي نحاكمه عليها في ضوء التزاماته المعطاة لنا من خلال رسائل التطمينات. فتقويم ما يقدمه شيء، ودوره شيء آخر.

س: إذا كانت صيغة مدريد سلبية في فحواها ومجحفة بحق الفلسطينيين، فهل كانت الموافقة عليها منذ البداية خطيئة؟ وهل كان بالإمكان تحسينها قبل الموافقة عليها؟

الشعيبي: لا. لا أعتقد أنها كانت خطيئة. فمجموع العوامل التي أخذت في الاعتبار حين الموافقة عليها كانت بالإجمال في تقدير الجانب الفلسطيني وفي إطار القيادة الفلسطينية. إن المعطيات الموجودة في ذلك الحين، في ظل موقف شمير، قد تكون أوصلتنا إلى صيغة ما كان بالإمكان تحسينها في تلك الفترة. وربما كان هذا التقويم غير دقيق. رأيي الشخصي أننا لو حسّنا أداءنا بطريقة أفضل في فترة المفاوضات التي سبقت مدريد لكنا حصلنا على صيغة أفضل. ولكن بسبب ظهور وجهتي نظر في داخل القيادة تقول إحداهما أن هذا هو الشيء الذي لا يمكن تحسينه، في حين تقول الثانية أن بإمكاننا أن نصر على الحصول على أمور أخرى محددة قبل الموافقة على الصيغة لتحسينها. اتُخذ قرار ملحق بقرار الموافقة، مضمونه أن أحد الأهداف الرئيسية من دخول الطرف الفلسطيني العملية السلمية بهذه الصيغة هو العمل على تغييرها من الداخل.

من بين الأمور التي كان يمكن الإصرار عليها هي مشاركة فيصل الحسيني في الوفد المفاوض. وهذا الأمر كان بالإمكان تحقيقه لو أصررنا أكثر. وهناك أمر آخر يتعلق بالصياغات، إذ كان يمكن الدفع باتجاه استبدال رسائل التطمينات المختلفة برسالة أميركية إلى كل الأطراف تحدد أسس موقف الراعي من العملية الجارية باعتبارها ملزمة للأطراف التي دخلت العملية، وليست ملزمة لكل طرف وحده فقط، بحيث يصبح أي طرف في حل من الالتزامات الأميركية تجاه الطرف الآخر.

كان يمكن تحسين تمثيل الوفد بإضافة بعض المبعدين. لأن شمير سبق أن وافق خلال حكومة الوحدة الوطنية على وجود عضوين من المبعدين في الوفد الفلسطيني، ولكن في ما بعد ادعى أن هذا كان بضغط من رابين.

أما أسباب التسرع في قبول صيغة مدريد فهي تتعلق بسوء الأداء الفلسطيني في تلك الفترة. اعتقد أن السبب الرئيسي هو المستويات التي كان يجري التفاوض فيها مع بيكر وهي مستويات يغلب عليها الطابع الشخصي. وكانت الطريقة التي تدار فيها المفاوضات مع بيكر تعتمد على النوايا والتطمينات الشفهية وعدم التركيز على صيغ أميركية رسمية تُقدم للطرف الفلسطيني. وكان هناك بعض الأوهام حول التطمينات الأميركية، وهذا كان خطأً كبيراً. وكانت هناك أيضاً تقديرات خاطئة في إطار القيادة الفلسطينية حول مدى رغبة الإدارة الأميركية في سرعة التوصل إلى اتفاق. وفي طريقة الأداء اقتصرت المعلومات على إطار ضيق وبطريقة فردية بدل التشاور. وساهم هذا الأمر، مساهمة كبيرة، في مجيء الصيغة بهذا الشكل. وهناك أيضاً سوء العلاقات العربية ـ الفلسطينية والحساسية التي كانت موجودة بين المنظمة وسوريا والمنظمة والأردن وكذلك مع مصر، وعدم التشاور بين الأطراف العربية والمنظمة خلال جولات بيكر حول صيغة مدريد، كل هذا أضعف الموقف الفلسطيني الذي لم يكن مطلعاً على صورة ما يجري بشكل كامل.

قسيس: أنا لم أكن طرفاً في صوغها. ولكن لو كنت لأثرت نقاطاً لا أعلم هل أثيرت أم لا. ولكن عدم وجودها يعطيني انطباعاً بأنها لم تُثَر، أو أن سهواً قد حصل. وأعتقد أنها لم تُثَر لأسباب منها أن البعض ربما اقتنع بمزايا الغموض البناء، وهذا برأيي كان خطيئة. لأن الغموض البناء في مسائل بيننا وبين طرف أقوى تكون دائماً في مصلحة الطرف الأقوى. ربما كان الوضع في ذلك الوقت مزرياً إلى درجة اضطرت القيادة إلى القبول بالصيغة كما هي، لكن أعتقد أننا الآن ندفع الثمن، إذ من الصعب التعامل عندما يسود الغموض مسائل تتعلق بأمور مثل القدس أو الاستيطان أو المرحلة الانتقالية.

وهناك أمور تتعلق بالصياغات قد تسمح لإسرائيل أن تقول إن المرحلة الأولى ليست مبنية على القرار 242. لو كنت موجوداً للمساعدة في الصياغة لكنت أرغب في رؤية وضوح أكثر بشأن انطباق القرار 242 أيضاً على المرحلة الانتقالية، ولكنت تبينت أن الغموض هذا يسمح بتجاوز القرار 242 ومبادئه وأسسه في المرحلة الانتقالية، وبالتالي أحاول تجنبه. وهذا بالفعل ما يحدث حالياً. إذ إن إسرائيل تحاول أن تتجنب مبادئ القرار 242 وأسسه. وهذا يعني أن نرى هل أن ما نقوم به في المرحلة الانتقالية يتطابق مع أسس القرار 242 ومبادئه أم لا. وفي هذه الحالة من الواضح أن الاستيطان لا يتطابق مع أسس القرار 242، وبالتالي يجب وقفه، ولا يجوز القول أنه يمكن تركه إلى مرحلة الوضع النهائي. وهناك أصوات فلسطينية جانبها الفهم الصحيح واعتبرت أن هذه الأمور قد يتم بحثها لاحقاً. وأنا لا أرى هذا الأمر في مصلحتنا الوطنية، فما دام المد الاستيطاني مستمراً، وإسرائيل تضع حقائق على الأرض، فإن من شأن ذلك أن يؤدي إلى إجحاف في الحل النهائي. وما دامت هناك مفاوضات على مرحلتين، فلا يجوز أن يتم خلق وقائع على الأرض في المرحلة الأولى تغير ما نحن في صدد التفاوض عليه. لذا كان يجب تجنب هذه الأمور. وأنا أرى أن صيغة مدريد ورسالة الدعوة لم تكونا بهذا الوضوح.

ولكن مع ذلك يجب أن أشير إلى أن رسالة الدعوة ورسالة التطمينات أرفقتا بردّ فلسطيني يقول إننا نقبل الدعوة لكننا نفهمها كالتالي... وهذا ما كان من قبيل تسجيل موقف غير ملزم. وهذا يعني وجود وعي، ولو لم يكن هناك وعي فلسطيني لما أرسلت هذه الرسالة. وبالتالي يبدو كأننا كنا مغلوبين على أمرنا في حينه.

خطيئة؟ من أنا لأحكم على الغير؟ ولست في موقع القيادة الفلسطينية لأرى الصورة كاملة وأحكم. إذا أردت أن أحكم من منطلق ما أراه، فأرى أنه كان بالإمكان العمل على صياغات أفضل. ولست أدري هل تمت استشارة خبراء أو مستشارين قانونيين؟ ولماذا نيطت هذه المهمة بعدد محدود من الأشخاص الذين لهم كفاياتهم، لكنها ليست أفضل مما نملك من حيث طريقة الصوغ والاستشارة القانونية، وحتى الاستشارة السياسية.

 

المصادر:

1  أجرى الحوارات في دمشق، أواخر تموز/يوليو 1993، كل من: سميح شبيب وعبد القادر ياسين وماجد كيالي.

2  رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سابقاً، ورئيس جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطينية سابقاً.

3  الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

4 نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

5 أمين سر المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة.

6 كان اسمها آنذاك، "جبهة التحرير الفلسطينية".

7 إشارة إلى الدعوة التي وجهتها الفصائل العشرة إلى سكان الأراضي المحتلة للإضراب.

8 رئيس تحرير مجلة "صوت الوطن" وعضو في حزب الشعب الفلسطيني.

9 أجرت الحوارات في القدس، في أوائل آب/أغسطس 1993، ربى الحصري.

10 أحد نائبي رئيس الوفد الفلسطيني إلى المفاوضات الثنائية مع إسرائيل.

11  عضو اللجنة الاستشارية للوفد الفلسطيني إلى المفاوضات الثنائية مع إسرائيل. أُبعد من الأراضي المحتلة سنة 1986 وعاد في الدفعة الأولى من المبعدين الذين سمحت لهم إسرائيل بالعودة في نيسان/أبريل 1993. وهو حالياً الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الفلسطيني ("فدا").

12 أستاذ علم الاجتماع في جامعة بير زيت، وعضو الوفد الفلسطيني إلى لجنة شؤون اللاجئين في المحادثات المتعددة الأطراف.