الأفق السياسي لحكومة رابين
كلمات مفتاحية: 
الحكومة الإسرائيلية
يتسحاق رابين
نتائج الانتخابات
حزب العمل الإسرائيلي
عملية السلام
نبذة مختصرة: 

يحاول المقال الإجابة عن سؤال ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة يتسحاق رابين هي "حكومة سلام" حقاً. ويساعد في الإجابة عن هذا السؤال تفحص بضعة أمور تتعلق برابين وحكومته، من أجل استشراف الأفق السياسي للحكومة، والتحقق مما إذا كانت مشاعر التفاؤل التي أثارتها نتائج الانتخابات هي فعلاً في محلها.

النص الكامل: 

أثار فوز حزب العمل في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وتأليف يتسحاق رابين لحكومة يغلب عليها "الطابع الحمائمي"، تفاؤلاً حذراً في أوساط كثيرة، عربية ودولية، بأن السلام في الشرق الأوسط بات الآن ممكناً حقاً، وربما تحقق في أمد قريب. ومع أن موجة التفاؤل هذه انحسرت قليلاً مع نهاية الأسبوع الأول من استئناف المفاوضات الثنائية الفلسطينية/ العربية – الإسرائيلية في واشنطن، في آب/أغسطس الماضي، إلا أن الشعور الغالب، لحظة كتابة هذه السطور (أواخر آب/ أغسطس 1992)، ما زال أن حكومة رابين، خلافاً لسابقاتها، هي "حكومة سلام". لكن هل هذي كذلك حقاً؟ سؤال تعتمد الإجابة عنه، ضمن أمور أُخرى، على المقصود بالسلام، وعلى أي نوع من الحلول يمكن أن يقبله – أو لا يقبله – الفلسطينيون والسوريون؛ لكن يساعد في الإجابة عنه تفحّض بضعة  أمور تتعلق برابين وحكومته، من أجل استشراف الأفق السياسي للحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتحقّق مما إذا كانت مشاعر التفاؤل التي أثارتها نتائج الانتخابات الإسرائيلية هي فعلاً في محلها.

رابين

              رابين في ماضيه العسكري والسياسي، البعيد والقريب، "صقر" من صقور السياسة الإسرائيلية. وما يميزه من صقور اليمين أنه "صقر أمني" لا "صقر أيديولوجي". وهذا فارق قد لا يخلو من أهمية، ويعلّق كثيرون من المعنيين بالسلام أملهم عليه.

              في ماضيه العسكري، عندما كان رئيساً لأركان قيادة المنطقة الشمالية في إسرائيل، خلال العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، كان النشاط الرئيسي الذي مارسه (إذ اقتصر القتال وقتها على الجبهة الجنوبية) هو طرد فلسطينيين من شمال البلد؛ "حللت إحدى المشكلات في الشمال"، كتب رابين، "باغتنام فرصة القتال في مصر، وبالتنسيق مع الأمم المتحدة: رحّلنا نحو ألفي عربي – كانوا يشكلون مشكلة أمنية خطرة – عن الأماكن التي كانوا يعيشون فيها في المنطقة الوسطى المجردة من السلاح (جنوبي بحيرة الحولة) إلى ما وراء الحد الشرقي من نهر الأردن."[1]   ويعلق أفيشاي مرغليت، أستاذ الفلسفة في جامعة تل أبيب، الذي أورد ذكر هذه الحادثة في مقال قيّم له عن رابين هو بمثابة سيرة حياة قصيرة، بقوله أنه ليس واضحاً ماذا عنى رابين بـ"التنسيق" مع الأمم المتحدة. ويذكر مرغليت أيضاً أن رابين قام، عندما كان رئيساً للأركان في فترة ما قبل حرب حزيران/ يونيو 1967، بدور كبير في تصعيد التوترات التي أدت إلى نشوب تلك الحرب. ويضيف أنه حتى بن – غوريون وموشيه دايان، "صقرا" السياسة الإسرائيلية الكبيران في الخميسنات والستينات، انتقداه بعنف على ذلك؛ فقد وبّخه بن – غوريون قائلاً: طلقد أدخلت البلد في وضع خطر جداً، وأنت تتحمل مسؤولية ذلك." وخاطبه دايان مباشرة في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، خلال فترة أسابيع الانتظار القلقة التي سبقت الحرب، قائلاً: "لقد نفذت عمليات طائشة. طرت فوق دمشق، وهاجمت السموع في وضح النهار." والإشارة هنا إلى إسقاط الطائرات الحربية الإسرائيلية لست طائرات سورية في كمين جوي مدبَّر سلفاً في نيسان/ أبريل 1967، وتحليقها بعد ذلك في أجواء العاصمة السورية، وإلى العملية الانتقامية ضد قرية السموع الأردنية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1967، التي ذهب ضحيتها عدد كبير من القتلى والجرحى الأردنيين.

              وفي ماضي رابين السياسي أنه عندما كان سفيراً لإسرائيل في واشنطن، خلال حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل في فترة 1969 – 1970، ضغط بقوة على حكومته لتصعيد الحرب عن طريق تكثيف القصف الجوي للعمق المصري. وقد ورد في برقية من رابين إلى الحكومة الإسرائيلية في تلك الفترة:

حقّقنا تحسّناً ملموساً في موقف الولايات المتحدة. واستمرار التحسّن يعتمد، أولاً وقبل كل شيء، علينا – وذلك من خلال المثابرة على قصف عمق مصر من الجو.[2]

وأدّى تصعيد الموقف وقتئذ إلى سقوط ضحايا كثيرة من المدنيين المصريين، فضلاً عن الخسائر العسكرية، وإلى زيادة التدخل السوفياتي في المنطقة على نحو لا سابقة له، وإلى رفع التوتر في المنطقة إلى مستويات خطرة. ولم ينس كثيرون بعدُ نصيحة رابين لوزير الدفاع أريئيل شارون، عندما كان مستشاره في الشؤون الأمنية خلال الحرب الإسرائيلية ضد لبنان سنة 1982، بتضييق الحصار على بيروت مع قصفها قصفاً مكثفاً في الوقت نفسه من الجو. وقال وقتها جملته الشهيرة التي أثارت استنكاراً عالمياً: "أستطيع أن أتعايش مع قصف 24 ساعة لبيروت."

وربما يكفي، من ماضيه القريب، الإشارة إلى الأمر الشائن الذي أصدره بصفته وزيراً للدفاع إلى الجيش الإسرائيلي، بعد نشوب الانتفاضة الفلسطينية في المناطق المحتلة، بتكسير "أيدي وأرجل" الفلسطينيين؛ وهو أمر لم يتردد جنود كثيرون في تنفيذه حرفياً.

إن "صقرية" رابين، إذاً، قديمة وموثّقة ومعروفة جيداً، ولم يحدث قبل الانتخابات أو بعدها، أو في أثناء الحملة الانتخابية، ما يوحي بتحولات جينية (genetic) لديه في الاتجاه الحمائمي. وهو، إلى الآن، عندما يتحدث عن المفاوضات والسلام فإنه لا يتحدث عن سلام بمعناه الشامل والناجز، وإنما عن مفاوضات على مراحل، وتدرّج، واتفاقيات جزئية أو مرحلية، الهدف منها تنفيس التوترات واختبار النيات – ولربما تقود في نهاية المطاف إلى السلام؛ وهي لغة وترتيبات تنتمي إلى لغة الحرب الباردة وترتيباتها، أكثر مما تنتمي إلى عالم يسعى لسلام راسخ.

بالنسبة إلى الفلسطينيين، يتحدث رابين فقط عن الحل المرحلي، أي الحكم الذاتي المفروض أن يستمر خمسة أعوام بعد الاتفاق عليه، ويقول إن هذا الحكم "يعطي فرصة لاختبار التوجهات في أوساط الفلسطينيين، قبل أن نتنازل عن سنتمتر واحد من مناطق أرض إسرائيل، وستبقى السيطرة خلاله في يدنا."[3]  وهو يرفض التحدث الآن عن الحل الدائم، ويدعي أنه لا يعرف كيف سيكون شكله*  وأن التفويض الممنوح له من الشعب "يقتصر فقط على ترتيبات المرحلة الانتقالية"،[4]  التي يجب ألا يكون فيها "ما يملي الحل الدائم"،[5]   متجاهلاً في هذا الشأن تأثير ومغزى استمرار الاستيطان فيما يسميه "المناطق الأمنية"، بالنسبة إلى الحل الدائم.

وبالنسبة إلى سوريا، كانت معزوفة رابين الدائمة قبل الانتخابات أن سوريا ليست مستعدة بعدُ لسلام حقيقي مع إسرائيل، وأنه "يريد التفاوض معها، لكن من الصعب رؤية الغاية من ذلك,ط ولذلك من الأفضل التركيز على إنجاز الحكم الذاتي مع الفلسطينيين أولاً، ومن ثم يأتي دور السوريين، الذين "يمكن إجراء مفاوضات معهم فقط بعد أن يتقلص مجال المناورة أمامهم."[6]  ولم يقبل رابين، في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة في آب/ أغسطس الماضي، تقويم جورج بوش ووزير خارجيته وقتئذ، جيمس بيكر، بأنه تغيير جذري في موقف سوريا من السلام مع إسرائيل، ولمّح خلال اجتماع له مع الرئيس الأميركي إلى أن لديه معلومات تخالف ذلك.[7]  وفي أية حال، تلزم "صيغة مدريد"، التي تتمسك حكومة رابين بها، إسرائيل بالتفاوض مع سوريا. وهنا تشير التطورات، بعد استئناف المفاوضات الفلسطينية/ العربية – الإسرائيلية في آب/ أغسطس الماضي، إلى أن وجهة إسرائيل المفاوضات بشأن الجولان هي، أيضاً، طرح حلول جزئية ومرحلية لا طرح حل شامل.

ومع ذلك، فإن الصحافة المحلية والعالمية احتفت برابين، عندما فاز في الانتخابات الإسرائيلية، وكأنه صانع السلام المرتقب. لماذا؟ ربما نجد شيئاً من التفسير في "البروفيل" الذي رسمته له إحدى الصحف البريطانية بمناسبة فوزه، تحت عنوان: "المحارب الإسرائيلي الذي تحول إلى صانع سلام"،[8]   وفي مقابلة كانت أجرتها معه الصحيفة نفسها، في أثناء الحملة الانتخابية، ونشرتها تحت عنوان: "حديث عن السلام من حمامة إسرائيل العسكرية."[9]

تقول الصحيفة إن رابين استراتيجي جيد، وهو قادر على تمييز الفرصة الملائمة عندما تسنح ومستعد لاقتناصها، ويعتقد أن الفرصة ملائمة جداً الآن لحل مشكلات إسرائيل مع العرب. فقد أصبح هؤلاء بعد انتهاء النفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط "أضعف كثيراً"، وعززت حرب الخليج وتدير ترسانة صدام حسين النووية "أمن إسرائيل تعزيزاً هائلاً." وفي تقديره أن هذه الفرصة لن تستمر أكثر من عقد من الزمن، قبل أن تمتلك إيران ودول راديكالية أُخرى في المنطقة أسلحة نووية وتسترد نفوذها، وأمام إسرائيل بضعة أعوام لاستغلال الفرصة السانحة. وتقوم الصحيفة إن رابين براغماني أيضاً، ويعرف أن الإسرائيليين تغيروا وأصبحوا ميالين أكثر إلى نمط الحياة "الاستهلاكي"، وأن المهاجرين أتوا إلى إسرائيل ليزدهروا اقتصادياً، ولم يأتوا بدوافع أيديولوجية. وتتابع الصحيفة أن هناك، بالإضافة إلى ما ذُكر، عاملاً شخصياً يبعث على الأمل، وهو أن رابين عاد إلى رئاسة الحكومة بشعور أن لديه "عملاً لم يُنجز بعد"؛ فهو يعرف أن فترة رئاسته السابقة للحكومة (1974 – 1977) كانت فشلاً، وليست هذه هي الصورة التي يجب أن يتذكره الناس بها. أما أهم سبب للأمل، في نظر الصحيفة المذكورة، فهو أن رابين لا يمتلك "متاعاً" أيديولوجياً، وأنه الشخص الذي قال أنه لا يمانع في الذهاب إلى غوش عتسيون بتأشيرة دحول. وإذا أضفنا إلى كلام الصحيفة ما قاله رئيس الاستخبارات العسكرية في فترة رئاسة رابين للأركان، أهارون ياريف، في وصف رابين، والعامل الأساسي الذي يحركه بقوة نحو إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية، نكون قد استكملنا الصورة تقريباً. ففي رأي ياريف أن أصدق ما يوصف رابين به أنه رجل واقعي، يعتقد أنك تستطيع أن تحارب أشياء كثيرة، لكنك لا تستطيع أن تحارب الحقائق، ومنها حقيقة أن إسرائيل لا تستطيع أن تبتلع فلسطينيين بهذا العدد، من دون أن تصبح دولة ثنائية القومية، وهذا ما يرفضه رابين بشدة.[10]

تصورات الحل

              هذه الصورة المرسومة لرابين، والمتطابقة تقريباً مع ما ورد في الصحافة الإسرائيلية عن الموضوع، صحيحة إجمالاً، لكنها ليست دقيقة، وتتجاهل خصالاً معينة فيه لا تقل أهمية، من زاوية موضوعنا، عن الخصال المذكورة. كما أنها لا تأخذ في الاعتبار تصريحات رابين المتكررة والمثابر عليها بشأن أُسس الحل الذي يعرضه على الفلسطينيين والسوريين.

              صحيح أن رابين متحرر من أيديولوجية "أرض إسرائيل"، أو "إسرائيل الكبرى" (ومن كل الأيديولوجيات ذات المضمون الاجتماعي). إلاّ إنه لا يمكن القول أنه لا يمتلك أفكاراً ثابتة (fixed ideas)، لا ترقى إلى مرتبة الأيديولوجية، بيد أنها قد لا تكون أخف ثقلاً بنسبة كبيرة. ومن هذه الأفكار "خريطة آلون الجيو – استراتيجية الاستيطانية"، كمفهوم وكواقع ملموس، التي تشكل "توراة" حزب العمل السياسية، وتكاد تحتل لدى التيار المركزي فيه، الذي يمثله رابين، مكانة قريبة من مكانة "خريطة أرض إسرائيل" في أوساط اليمين القومي.

إن هذه الخريطة موجودة في أساس التمييز الذي يقيمه رابين بين ما سمّاه "المستوطنات الأمنية" وما سمّاه "المستوطنات السياسية"، وفي أساس القرار المتخذ بإيقاف البناء في الثاني واستمراره في الأولى. وهو القرار الذي أتاح لإسرائيل الحصول على ضمانات القروض المصرفية الأميركية. ونظراً إلى الانطباع الذي أوجده هذا القرار بأن رابين "أصلح شأناً" من شمير، فإنه يجدر إيضاح حقيقة أمره.

يقضي القرار المذكور، الذي اتخذه وزيرا المال والإسكان في 23 تموز/ يوليو 1992، بإيقاف البناء في 5845 وحدة سكنية في المناطق المحتلة، وبإيقاف شق عشرة طرق، وبالاستمرار في بناء 10,467 وحدة سكنية (منها 1686 في القدس الكبرى)، وبالاستمرار في شق ثلاثة طرق. وتقع الوحدات السكنية والطرق التي تقرر إيقاف العمل فيها في مناطق "الاستيطان السياسي"، بينما تقع الوحدات السكنية والطرق الأُخرى في مناطق "الاستيطان الأمني."[11]  ونستعين بمعلومات واردة في مقال كتبه أحد أهم دارسي سياسة إسرائيل في المناطق المحتلة ومشاريعها الاستيطانية فيها، ميرون بنفنستي، لشرح المغزى العملي لهذا القرار، مع الاعتذار من طول الاقتباس منه، الذي تبرره أهميته. يقول بنفنستي في مقال له عن "المستوطنات الأمنية" و"المستوطنات السياسية":

تجد نظرة رابين تعبيرها الإقليمي في "مشروع آلون"، الذي شكل (في صيغته الأخيرة، 1970) أساساً لسياسة حكومة رابين الأولى (1974 – 1977)، ولمشروع "الحل الوسط الإقليمي" الذي يطرحه المعراخ إلى الآن. وقد حدث في فترة ولاية رابين الأولى تغيّران مهمّان في مشروع آلون: خطة "تكثيف القدس" التي وسّعت الحدود شمالي العاصمة وجنوبيها، وبدىء [بموجبها] العمل بإنشاء غفعات زئيف، وبيت إيل، ومعاليه أدوميم، وإفرات؛ والمصادفة من جانب حكومة رابين على إنشاء ألكانا وأريئيل في جنوب غرب السامرة، بضغط من "غوش إيمونيم" [....]

وعندما سقطت حكومة رابين سنة 1977، كان هناك في نطاق خريطة آلون – رابين 34 مستوطنة، إثنتان منها فقط خارجها. ووجهت هذه الخريطة رابين في النقاشات التي جرت بشأن إقامة مستوطنات جديدة في حكومتي الوحدة الوطنية، اللتين كان فيهما وزيرا للدفاع. وفعلاً، توجد الأغلبية الحاسمة من المستوطنات التي أُنشئت خلال الفترة 1984 – 1990 في نطاق المناطق المعتبرة، بحسب نظرة آلون، "مناطق أمنية".

ويتابع بنفنستي:

تتيح خطوط خريطة آلون – رابين إيجاد أساس من المعطيات يضفي مغزى عملياً على النقاش السياسي الدائر حالياً. إن المساحة الكاملة لمنطقة "الاستيطان الأمني"، بحسب رابين، هي 2800 كلم2، أو 51% من مساحة الضفة الغربية.

وفي بداية سنة 1992، كان في هذه المنطقة 76 مستوطنة يهودية يقطنها 71 ألف نسمة، في مقابل 15 مستوطنة يقطنها 24 ألف نسمة، في المناطق المصنفة "سياسية". وتوجد في نطاق خريطة رابين 8 من مجموع 11 مستوطنة مدينية يهودية، و13 من مجموع 17 مستوطنة يتجاوز عدد سكانها الألف نسمة. وتتيح الخطة الهيكلية للمستوطنات الكبيرة إضافة 100 ألف وحدة سكنيةن كما أن أكثر من 70% من المنازل الجاري بناؤها [....] موجود فيها. ويقطن حالياً في نطاق خريطة رابين 400 ألف فلسطيني (أي نحو 40% من سكان الضفة) في 149 تجمعاً سكنياً. وقد كانت نسبة الزيادة الطبيعية للسكان في هذه المنطقة (1967 – 1990) 92% - 95%، في مقابل 77% في منطقة نابلس، المعرَّفة بأنها "مزدحمة بالسكان العرب". كما أن نسبة الكثافة السكانية في منطقة القدس "الأمنية" مماثلة لنسبة الكثافة في منطقة نابلس "السياسية" (90 نسمة للكلم2).

ويختم بنفنستي عرضه لهذه المعطيات بسؤال موجّه إلى حزب ميرتس، الشريك الائتلافي الأساسي في الحكومة الجديدة:

على أساس هذه المعطيات (التي يمكن التفصيل فيها والبرهنة عليها) يستطيع ميرتس أن يقوِّم ما إذا كان "تجميد المستوطنات" و"تجفيفها" – اللذان سيسريان فقط على نصف الضفة، على ربع المستوطنين، على خُمس المستوطنات الكبيرة، وعلى أربعين في المئة من مجموع المستوطنات – يناقض برنامجه السياسي.[12]

وهذا سؤال يجدر بالقيادة الفلسطينية، أيضاً، أن تبقيه في الذهن في جولة المفاوضات الحالية.

              أمّا الحكم الذاتي للفلسطينيين، فيبدو أن تصوُّر رابين له لا يختلف كثيراً في أساسياته، عن تصور الليكود له. هناك في الحكم الذاتي أربع قضايا رئيسية تحدٍِّد ما ‘ذا كان الحكم الذاتي معبراً إلى الاستقلال الفلسطيني (أو إلى كونفدرالية أردنية – فلسطينية)، أم أنه استمرار للوضع الراهن مع انفراج التوترات، وإتاحة المجال للفلسطينيين كي يتولوا إدارة شؤونهم الحياتية.[13]   وهذه القضايا هي: طابع الحكم الذاتي وشموليته؛ المستوطنات؛ الأرض والمياه؛ الأمن. وفيما يلي ملخص لموقف رابين من القضايا المذكورة، مستمدّ من تصريحاته خلال الأشهر القليلة الماضية:

  • طابع الحكم الذاتي: إداري تنفيذ والسلطة المنتخبة (أو المتَّفق عليها) هي سلطة إدارية، تنفيذية، لا يحق لها سنّ القوانين أو إلغاؤها أو تعديلها. ومصدر السلطة هو إسرائيل*. ولا تشمل صلاحياتها شؤون الخارجية والأمن، والمستوطنات، والأرض والمياه.
  • المستوطنات: ستظل القوانين الإسرائيلية سارية المفعول فيها، وستجري مواصلة وتعزيز الاستيطان في "المناطق الأمنية" (القدس الكبرى، وغور الأردن، والجولان).
  • الأرض والمياه: يذكر المحرر السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، شمعون شيفر، أن ما سيعرضه رابين هو "شراكة" في توزيع الأراضي ومصادر المياه، من دون أن يوضح المقصود بذلك.[14]
  • الأمن: سيبقى الجيش الإسرائيلي مسؤولاً عن الأمن.

ومع ذلك، يعتقد بعض المحللين السياسيين في إسرائيل أن رابين يبقي الأوراق في متناول يده عمداً، وأن في جعبته ما يحتفظ به من أجل "المقايضة". "ستكون هناك مناطق تعيَّن للحكم الذاتي" – قال رابين في خطاب له في إحدى المناسبات – "وليس المقصود بذلك إبرام حكم فيما يخص المستقبل، الحل الدائم. المقصود هو مجالات لإدارة الشؤون الجارية، وليس مسؤولية شاملة عن المنطقة."[15]  وقد رأى هؤلاء المحللون في استخدام رابين لمصطلح "مناطق" تقدماً كبيراً قياساً بموقف الليكود، الذي كان يصرّ على أن الحكم الذاتي يسري على السكان فقط على الأرض، وأعربوا عن اعتقادهم أن استخدام رابين لهذا المصطلح ينطوي على "مغزى" ذي شأن كبير، من دون أن يكون في إمكانهم توضيح هذا المغزى. وعزوا الأهمية نفسها إلى رفض رابين، في مقابلة أجرتها إحدى الصحف البريطانية معه، استبعاد قيام دولة فلسطينية في المستقبل.[16]  كما أشار المراقبون إلى أن لدى رابين استعداداً لإشراك سكان القدس العربية في التصويت في انتخابات الحكم الذاتي، لكنْ خارج مكان إقامتهم: "أُفضّل أن يصوت العرب لرئاسة إدارة [الحكم الذاتي] على أن يصوتوا للكنيست."[17]  وعلى صعيد المفاوضات، يشير المراقبون إلى أن رابين وافق، في السابق، على مشاركة ممثلين عن سكان القدس العرب، لهم عنوان مزدوج في القدس والضفة، ومبعدين توافق إسرائيل على عودتها، في الوفد الفلسطيني إلى المفاوضات، وذلك عندما كان وزيراً للدفاع في حكومة الوحدة الوطنية الأخيرة، التي انفرط عقدها نتيجة الخلافات بين الليكود والعمل بشأن أمور تتعلق بالمبادرة الأميركية السابقة لتحقيق السلام، والتي آلت إلى الفشل. وقد ذكرت مراجع سياسية في القدس، مؤخراً، أن رابين مستعد للموافقة على مشاركة ممثلين عن الشتات الفلسطيني في لجنة التطوير الاقتصادي – وربما أيضاً في لجنة اللاجئين – في المحادثات المتعددة الأطراف، شرط أن توضح الولايات المتحدة أن منظمة التحرير الفلسطينية ليست شريكاً في المفاوضات، وأن مشاركة ممثلي الشتات لا تشكل سابقة بالنسبة إلى موضوع حق العودة، وأن ممثلي الشتات لن يشركوا في المفاوضات الثنائية مع الفلسطينيين.[18]

وفي الحقيقة يمكن القول، بعد تمحيص منهك للصحافة الإسرائيلية، إن هذا تقريباً كل ما هو معلوم عما يقال أنه في جعبة رابين من أجل "المقايضة" بشأن الحكم الذاتي.

أما في شأن الجولان، فإن ما يفكر رابين فيه، كما يبدو، هو "حل وسط إقليمي محدود [....] في مقابل السلام."[19]  وفي كل مرة كان يتحدث فيها عن استعداد لـ"التنازل عن مناطق في هضبة الجولان"، كان يرفق تصريحاته بأقوال من نمط أنه "محظور على إسرائيل النزول من هضبة الجولان"، أو أنه "حتى في مقابل سلام شامل لن ننزل من الهضبة"*  . ويُدخِل رابين الجولان ضمن "المناطق الأمنية" التي يجب الاحتفاظ بها: "القدس روح الشعب اليهودي، والغور [غور الأردن] والجولان هما خطّا مواجهة. وهناك يجب الدفاع عن الدولة." وفي هذه المناطق سيستمر الاستيطان، "ويجب تعزيزها وتعويضها من الإهمال الذي عانته لسنوات خلال فترة الليكود."[20]   ويبدو أن إسرائيل، في ضوء صعوبة تحقيق تقدم في المفاوضات مع سوريا بناء على هذه المنطلقات تتحه إلى عرض حلول جزئية ومرحلية تبقي مسألة السيادة مفتوحة للتفاوض بشأنها في المستقبل. وما يلفت النظر تكرار رابين مؤخراً، في تصريحات علنية وفي اجتماعات إلى مسؤولين أميركيين، لرغبته في الاجتماع إلى الرئيس السوري حافظ الأسد. وكنا أشرنا أعلاه أن رابين يدعي أنه ليس مقتنعاً بعدُ بأن وجهة الأسد هي السلام. وقد أعرب في محادثاته مع بوش، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن (آب/أغسطس الماضي)، عن أنه لن يقتنع بذلك حتى يسمع منه، "علناً أو مباشرة"، استعداداً لسلام كامل، يتضمن حدوداً مفتوحة، وتبادل سفراء، وعلاقات ثقافية.. إلخ.[21]   والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل إذا سمع رابين "علناً أو مباشرة" من الأسد مثلَ هذا الاستعداد، سيكون مستعداً لتغيير موقفه؟!

كيمياء مضادة

واضح مما ذكر أعلاه ان منطلقات الحل، كما يعنيها رابين، والأخطر من ذلك استمرار عملية الاستيطان في "المناطق الأمنية"، بما يترتب عنه من نتائج بالنسبة إلى "خريطة" الحل الدائم؛ هذان الأمران كلاهما لا يؤكدان الصورة المرسومة لرابين – صورة "الصقر" الذي تحول، أو هو في طريقه إلى التحول، إلى "حمامة" سلام. وإنْ كان للمعجزة أن تحدث فلا بد من "كيمياء" الولايات المتحدة، بمساعدة العناصر الحمائمية في حكومته. وهنا يمكن إبداء ملاحظتين أساسيتين، تتعلق أولاهما بالولايات المتحدة، بينما تتعلق الثانية بالحكومة الإسرائيلية:

إن أداة الضغط الرئيسية في يد الولايات المتحدة، لتليين مواقف إسرائيل في عملية السلام تجري برعايتها، كانت ضمانات القروض المصرفية؛ أي العشرة مليارات من الدولارات التي تحتاج إسرائيل إليها، حاجة ماسة، لإنعاش اقتصادها واستيعاب المهاجرين السوفيات. وقد ربطت الولايات المتحدة، في عهد جكومة شمير، منح الضمانات بتجميد الاستيطان اليهودي في المناطق المحتلة تجميداً كلياً. وعندما رفض شمير تجميد الاستيطان، رفضت الولايات المتحدة منحه الضمانات. هذه الأداة خسرتها واشنطن بموافقتها على منح حكومة رابين الضمانات، على الرغم من عدم قبولها التمييز الذي أقامه رئيس الحكومة الإسرائيلية بين "المستوطنات الأمنية" و"المستوطنات السياسية"؛ ومن الصعب تخيّل بديل فعال منها بهذا المقدار للضغط على إسرائيل في ظل منظومة العلاقات الأميركية – الإسرائيلية الحالية. وفي الحقيقة، إذا كان رابين "استراتيجياً جيداً قادراً على تمييز الفرصة الملائمة عندما تسنح ومستعداً لاقتناصها"، فإن استخدامه لهذه الموهبة اقتصار حتى الآن على اقتناص الرئيس الأميركي جورج بوش، مستغلاً أوضاع الانتخابية السيئة.

لقد أعرب مارتن ايندك، مدير معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأوسط، قبيل زيارة رابين الأخيرة للولايات المتحدة، عن اعتقاده أن "هناك الآن أمام رابين فرصة درامية، قد لا تتكرر في المستقبل المنظور، لأن يطلب ويحصل [من واشنطن] على إنجازات سياسية واقتصادية وعسكرية [....] وأسهل موضوع للحل هو الضمانات. فالإدارة الأميركية – وهذا الأمر غير مبالغ فيه – تتحرق شوقاً لمنح إسرائيل الضمانات في أقرب وقت ممكن. إذ إن بوش يريد أن يبرهن لليهود أن مشكلة الضمانات نبعت فقط من شخصية شمير."[22]  وفعلاً، لا يبدو أن رابين، في محادثاته مع الرئيس الأميركي، وجد صعوبة خاصة في الحصول على الضمانات. وقد صرح مسؤول كبير في حاشية رئيس الحكومة الإسرائيلية، بعد إعلان بوش منح الضمانات لإسرائيل، أن رابين توصل إلى إنجاز بارز بحصوله على الضمانات، من دون أن تضطر إسرائيل إلى التنازل عن مواقعها، "على الرغم من أنه كان واضحاً أن الرئيس بوش واصل التمسك، في الأساس فيما يخص المستوطنات، بمواقفه ومواقف أسلافه التقليدية."[23]  واضاف المسؤول أنه إلى جانب استكمال بناء العشرة آلاف منزل، وألف منزل آخر في هضبة الجولان، والبناء الجاري في المستوطنات لسد حاجات النمو الطبيعي للسكان، اتفق على أنه لن تكون هناك قيود على تكثيف المستوطنات في "خطوط المواجهة".[24]  ومن أجل عدم النزول دون الحد الأدنى المسموح به لنسبة الفائدة على المجازفة المحددة في الميزانية الأميركية للضمانات الممنوحة لدول أجنبية، تقرر تقاسم النفقات بين الميزانية الأميركية والميزانية الإسرائيلية، بحيث تتمل كل دولة فائدة مجازفة بقيمة 3,5% من مجموع الضمانات. وفيما يتعلق بحسم مبلغ الاستثمارات في استكمال البناء في المناطق، اتُّفق على ألا يبدأ الحسم على الاستثمارات إلا بعد تشرين الأول/ أكتوبر 1992؛ وهو الموعد المتوقع لقيام الكونغرس بالبحث في الموضوع؛ الأمر الذي يجعل الحسم حسماً رمزياً. وبالإضافة إلى الضمانات بهذه الشروط السهلة والمريحة، أعلن الرئيس بوش، في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع رئيس الحكومة الإسرائيلية في ختام المحادثات بينهما، مجدداً، التزامه "الصلب بأمن إسرائيل، بما في ذلك تفوقها العسكري النوعي"، تعريف إسرائيل كـ"شريك استراتيجي" للولايات المتحدة.[25]  ومهما يُقَل في نيات الولايات المتحدة، ومواقفها، واستعدادها للضغط على إسرائيل "في المستقبل"، فإنه مما لا شك فيه أن رابين، بحصوله على الضمانات المصرفية قبل استئناف المفاوضات، حصّن نفسه ضد الضغط تحصيناً جيداً.

أما الملاحظة الثانية، والمتعلقة بالحكومة الإسرائيلية، فتنصبّ على الاستراتيجية التي اتبعها رابين في مساعيه لتأليف الحكومة، وتكوينها الشخصي، وأسلوبه في إدارتها. لقد بدأ رابين أولاً بالخطوط الأساسية للحكومة، وصاغها على نحو جاءت معه عامة جداً ومائعة جداً، أشبه بصفحة بيضاء من ناحية قضايا السلام والاستيطان المختلف في شأنها، تتيح ملأها في أي اتجاه*. ثم بدأ بعد ذلك التفاوض مع ميرتس من ناحية، ومع تسومت من ناحية ثانية، ومع الأحزاب الدينية من ناحية ثالثة. وقد حاول حزبا ميرتس وتسومت، في المفاوضات الائتلافية، تعديل الخطوط الأساسية، كل في اتجاه مواقفه، بينما شُغلت الأحزاب الدينية – باستثناء المفدال – بقضاياها المعروفة. لكن رابين رفض بشدة إدخال أية تعديلات، واقترح الاكتفاء بالإيضاحات الشفية التي قدمها. ومن دون خوض موضوع تأليف الحكومة، وسبب اشتراك ميرتس وعدم اشتراك تسومت، نذكر أن رابين ليس راضياً عن بقاء تسومت خارج الحكومة، وأنه يواصل السعي لضمه إليها. وقد شرح الوزير بنيامين بن أليعيزر، في نهاية الأسبوع الأول من آب/ أغسطس الماضي، موجبات ضمّ تسومت إلى الحكومة، من زاوية التيار المركزي في حزب العمل، بقوله: "نحن معنيون جداً بأن تدخل حركة تسومت الحكومة، وقريباً. لنا مصلحة كبيرة في ذلك. هذه الحكومة لا تريد أن تكون حكومة يسارية، وإنما تريد أن يُنظر إليها باعتبارها تمثل خطاً وسطاً. وسيكون من الجيد، في وضع نضطر فيه إلى اتخاذ قرارات صعبة في السنة المقبلة، وخصوصاً في المجال السياسي، أن يكون هناك عنصر موازن في الحكومة في صورة تسومت."[26]  والإشارة هنا هي إلى غلبة العناصر الحمائمية في الحكومة من الناحية العددية على العناصر التي تمثل التيار المركزي (رابين)، إذ تشكل العناصر المنسوبة إلى "الخط اليساري" ما نسبته 80% من أعضاء الحكومة. وهي نسبة عمد رابين إلى تقليصها، إلى حد كبير، في اللجنة الوزارية للأمن القومي (الكابينت) التي تتخذ عادة القرارات المهمة.

إن المراهنة على عدد "الحمائم" في الحكومة الإسرائيلية يجب أن تغفل وزن رئيس الحكومة عادة في اتخاذ القرارات، والصلاحيات المستمدة من كون رابين رئيساً للحكومة ووزيراً للدفاع في آن واحد، والثقة المتولدة لديه من معرفة أن تزعمّه لرئاسة حزب العمل كان العامل الأساسي في فوز الحزب في الانتخابات، وأيضاً شخصيات الوزراء. كتب يوئيل ماركوس، المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس"، في وصف الحكومة الإسرائيلية:

إن تركيبة الحكومة، باختصار، مفصلة على نحو يمنح رابين صلاحيات، لا كقائد أعلى للجيش فحسب، ولا كمسؤول عن عملية السلام فحسب، بل كرئيس تنفيذي للدولة أيضاً. رئيس أميركي، لا ملك.

إن الخط الأبرز في تركيبة الحكومة هو أنها مبنية لخدمة غرض رابين في حصر كل المهمات، التي يعتبرها أهدافاً ذات أولوية قصوى، في يده. إنه سيدير العلاقات الثنائية  بالولايات المتحدة؛ سيقود [مفاوضات] الحكم الذاتي؛ سيصوغ الأمن والسياسة في المناطق؛ سيُشْغَل بميدان القتال المستقبلي؛ سيُنسِّق الاتصالات بالقيادة الفلسطينية. والعبارة المفتاح في اتفاقه مع شمعون بيرس هي أن "وزارة الخارجية ستعمل وفقاً للصيغة الحالية"؛ وهي صيغة تنطوي على فخ، إذ إنها هي الصيغة التي عمل دافيد ليفي في إطارها؛ وهي صيغة صادر رئيس الحكومة ومستشاروه بموجبها كل الأمور المهمة منه، باستثناء ماء الوجه.[27]

وكتب عوزي بنزيمان، وهو أيضاً من صحيفة "هآرتس"، في الموضوع نفسه:

قبل أن يتلاشى مذاق الشاي الذي شربه أعضاء الحكومة في جلستهم الأولى، اتضح لهم الدور الذي يعدّه رابين لهم: أن يكونوا أساساً وزراء مسؤولين عن وزارات وعملهم فيها، وأقل من ذلك أن يكونوا فريقاً يسيّر جماعياً أمور الدولة المهمة [....]

وفي الحقيقة، تغري نظرة إلى تركيبة الحكومة بالقول أنه لا يوجد تقريباً من يمكن أخذ مشورته. إن هذه هي حكومة عشرة من أصل سبعة عشر وزيراً من وزرائها مستجدّين. وإذا استثنينا إثنين من المتمرسين، رابين وبيرس، فإنه لا يوجد بين الباقين واحد مختص بالشؤون السياسية، أو واحد عُرف عنه أنه موهوب بعقل سياسي.[28]

أخيراً، إن صنع السلام يتطلب خيالاً واسعاً، وجرأة في التفكير واتخاذ القرار، واستعداداً للمجازفة، ونصيباً من سعة الأفق والمشاعر الإنسانية يتيح استيعاب حقوق الآخرين ومشاعرهم. وهذه كلها صفات مفقودة في رابين. إنه شخص متشكك، حذر جداً، مهووس بالأمن "المطلق"، ويفتش عن قدر كبير من "الإجماع" لن يجده في أوساط السلام. ولعله يتغير... 

 

[1]   Avishai Margalit, “The General’s Main Chance,” The New York Review of Books, June 11, 1992.                                                                                                                   

[2]   Ibid.

[3]   "دافار"، 17/4/1992.

*    صرح رابين في هذا الشأن: "لا أعرف اليوم ماذا سيكون الحل الدائم، باستثناء المبادىء الأساسية الثلاثة: عدم ضم 1,75 مليون فلسطيني؛ الاحتفاظ بالقدس الكبرى وغور الأردن وهضبة الجولان؛ معارضة قيام دولة فلسطينية مستقلة بيننا وبين الأردن" ("معاريف"، 29/5/1992). ويبدو أن فكرة إنشاء اتحاد إسرائيلي – فلسطيني، مؤلف من كانتونات على غرار الاتحاد السويسري، تحتل حيّزاً في تفكيره. فقد صرح في مقابلة أُجريت معه أنه "يجب تحقيق الحكم الذاتي أولاً، وأعتقد أنه إذا تحقق الحكم الذاتي فمن المحتمل أن تطرح أفكار جديدة لحل دائم، وليس فقط إمّا ضم وإمّا تنازل." ("معاريف"، 8/5/1992). وكشف، في خطاب ألقاه أمام المجلس الإسرائيلي للعلاقات الخارجية، أنه عندما كان وزيراً للدفاع تحدث عدة مرات إلى زعماء فلسطينيين عن "كنتنة" مشكلة المناطق، وأضاف إن حيد عبد الشافي، رئيس الوفد الفلسطيني لمحادثات السلام، "تحدث عن حل فدرالي إسرائيلي – فلسطيني، وليس بالذات عن حل أردني – فلسطيني، كإمكان لحل دائم" ("معاريف"، 29/5/1992).

[4]   روني شيكد وأفيفا شابي، "هكذا سيبدو الحكم الذاتي"، "يديعوت أحرونوت"، ملحق السبت، 24/7/1992.

[5]   "يديعوت أحرونوت"، 29/5/1992.

[6]   "دافار"، 17/4/1992.

[7]   "هآرتس"، 12/8/1992.

[8]   “Profile: Israel’s Warrior Turned Peacemaker,” The Independent, June 27, 1992.

[9]   “Talk of Peace from Israel’s Military Dove,” The Independent, April 17, 1992.

[10]   أنظر: David Makovsky, “Rabin: Promising Peace and Security,” The Jerusalem Post, International edition, June 20, 1992.                                                                           

[11]   من أجل نص القرار، ومعلومات إضافية عن البناء في المناطق المحتلة وما تقرر إيقافه أو الاستمرار فيه، راجع: "دافار"، 24/7/1992؛ "هآرتس"، 24/7/1992.

[12]   ميرون بنفنستي، "بين المستوطنات الأمنية والسياسية"، "هآرتس"، 2/7/1992.

[13]   راجع: أحمد خليفة، "الجديد والقديم في التصور الإسرائيلي للحكم الذاتي"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 9، شتاء 1992، ص 250 – 263.

*   صرح وزير الإسكان بنيامين بن أليعيزر، في هذا الشأن، أن "مصدر سلطة الحكم الذاتي هو مفتاح العملية بأسرها. فهو الذي يضمن قيام سياسة الأمن الإسرائيلية ومكانة السكان اليهود في المنطقة" (روني شيكد وأفيفا شابي، مصدر سبق ذكره.)

[14]   شمعون شيفر، "بيكر قادم للعمل"، "يديعوت أحرونوت"، 17/7/1992.

[15]   "هآرتس"، 16/7/1992.

[16]   “Talk of Peace from Israel’s Military Dove,” The Independent, April 17, 1992.

[17]   شيفر، مصدر سبق ذكره.

[18]   "هآرتس"، 20/7/1992.

[19]   شيفر، مصدر سبق ذكره.

*    نموذج من التصريحات في هذا الشأن: "أنا مستعد للتنازل عن مناطق في هضبة الجولان في مقابل سلام مع سوريا [....] النزول من هضبة الجولان محظور، لكن ذلك لا يعني التمسك بكل سنتمتر من الهضبة" ("يديعوت أحرونوت"، 29/5/1992)؛ "حتى في مقابل اتفاق سلام شامل لن ننزل من هضبة الجولان" ("هآرتس"، 2/6/1992).

[20]   "هآرتس"، 2/6/1992.

[21]   المصدر نفسه، 12/8/1992.

[22]   "يديعوت أحرونوت"، 17/7/1992.

[23]   "هآرتس"، 12/8/1992.

[24]   المصدر نفسه.

[25]   المصدر نفسه.

*   راجع نص الوثيقة المشتملة على الخطوط الأساسية للحكومة في ملفّ هذا العدد.

[26]   "هآرتس"، 9/8/1992.

[27]   يوئيل ماركوس، "رئيس بلا ملك"، "هآرتس"، الطبعة الأسبوعية، 17/7/1992.

[28]   عوزي بنزيمان، "وحيداً في القمة"، "هآرتس"، الطبعة الأسبوعية، 24/7/1992.