الواقع الإداري والمالي للمجالس القروية والقرى تحت الاحتلال الإسرائيلي
كلمات مفتاحية: 
لجان القرى
الضفة الغربية
قطاع غزة
الحكومة المحلية
إدارة الأراضي
إسرائيل
نبذة مختصرة: 

تشتمل الدراسة على العناوين الفرعية: تطور الواقع الإداري والمالي للمجالس القروية والقرى في الضفة الغربية؛ افتقار المجالس القروية والقرى إلى المرافق الأساسية؛ الهيمنة الإسرائيلية على تعمير القرى؛ ضعف ميزانيات المجالس القروية؛ تطور الواقع الإداري والمالي للمجالس القروية والقرى في قطاع غزة. وتشتمل الدراسة على جداول.

النص الكامل: 

يبلغ عدد القرى في الضفة الغربية 428 قرية، بينما لا يتعدى عدد المجالس القرية فيها 112 مجلساً. ويبلغ عدد القرى في قطاع غزة 21 قرية، منها 9 قرى فقط يتوفر مجلس قروي أو محلي في كل منها. وقد ساهم قانون إدارة القرى الأردني في قلة عدد المجالس القروية، وفي الإبقاء عليها وعلى القرى في وضعية متخلفة، وخاضعة للهيمنة الإسرائيلية قياساً بالبلديات، الأمر الذي تسبّب بإلحاق أضرار كبيرة بالسكان القرويين الذين تزيد نسبتهم على 70% من مجموع سكان الأراضي المحتلة.

وبالنظر إلى اختلاف النظام القانوني للمجالس القروية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وإلى قلة عدد القرى في القطاع وعدم تعارضها مع المخططات الاستيطانية الصهيونية، نتيجة ضيق مساحة القطاع، وكثافة سكانه، وطبيعته الجغرافية، وهو ما يجعل المجالس القروية والقرى فيه تعيش وضعاً إدارياً ومالياً يَفْضُل مثيلاتها في الضفة الغربية، فإننا سنقوم بتقسيم هذه الدراسة إلى مبحثين، نعرض في الأول تطور الواقع الإداري والمالي للمجالس القروية والقرى في الضفة الغربية، ونعرض في الثاني تطور الواقع الإداري والمالي للمجالس القروية والقرى في قطاع غزة 

المبحث الأول

تطور الواقع الإداري والمالي

للمجالس القروية والقرى في الضفة الغربية

              إذا كانت المجالس البلدية في الضفة الغربية قد استطاعت أن تحقق إنجازات كبيرة على صعيد تطور مدنها وتنميتها، وأن تضطلع بأدوار سياسية واجتماعية وتنموية، فإن المجالس القروية ظلت جامدة ومشلولة، ولم تستطع تحقيق إنجازات ذات شأن في قراها، تميزها من بقية القرى التي لا تتوفر مجالس قروية فيها؛ بل أكثر من ذلك، فقد استطاعت السلطات الإسرائيلية استغلالها لخدمة أغراضها السياسية عندما أنشأت روابط القرى سنة 1978 للحدّ من نفوذ المجالس البلدية الوطنية، ولتكون أداتها في تمرير مشروع الحكم الإداري الذاتي وفق المنظور الإسرائيلي.

وتدلنا الأبحاث الميدانية، في هذا المجال، على أن القرى التي تتوفر مجالس قروية فيها ليست أفضل حالاً من القرى التي تديرها السلطات الإسرائيلية مباشرة بمساعدة المختار المعين من قبلها؛ ولعل ذلك يجد تفسيره في الأسباب التالية:

  • شدة الوصاية المركزية المفروضة على المجالس القروية بموجب قانون إدارة القرى رقم 5 لعام 1954.
  • ضآلة الموارد المالية العائدة إلى المجالس القروية، وشدة الوصاية الإدارية المفروضة عليها من جهة، واختصاص السلطات الإسرائيلية بتقرير وتنفيذ الميزانيات التطويرية فيها من جهة أُخرى.
  • سيادة النزعة العائلية والعشائرية في المجالس القروية؛ إذ تدل نتائج الانتخابات القروية، التي أُجريت سنة 1975، على أن الاقتراع والترشيح لعضوية المجالس القروية قد تما على أُسس عائلية، بغض النظر على المؤهلات الثقافية والانتماءات السياسية؛ وهو ما أوصل عدداً كبيراً من الأشخاص المتقدمين في السن، والذين لا يجيدون القراءة والكتابة، علماً بأنه يتوفر في القرى الفلسطينية كفاءات علمية شابة، لكنها تبدو غير متحمسة لعضوية المجالس القروية لقلة مواردها المالية وضعف درجة اللامركزية فيها. ويظهر ذلك نتيجو البحث الميداني الذي أجراه الأستاذ أسامة شهوان في ثماني قرى تتوفر فيها مجالس قروية، في أنحاء متفرقة من الضفة الغربية، والتي جاءت على النحو التالي:

 

القرية

عدد السكان

حجم العضوية

المستوى الثقافي

دوافع الاقتراع

 

 

 

م

ب

ع

ث

ج

عشائرية

ثقافية

بيت إكسا

1100

6

-

6

-

-

-

100%

-

بيت فوريك

1500

12

8

4

-

-

-

100%

-

بني حارث

1500

12

5

6

1

-

-

100%

-

السموع

10,000

15

5

6

-

1

3

100%

-

بلعا

3550

9

6

1

2

-

-

80%

20%

سبسطية

2300

8

-

6

1

1

1

100%

-

الحارثية

600

12

-

5

3

2

2

80%

20%

الفندقومية

2000

12

2

7

3

-

-

100%

-

المصدر: اسامة شهوان، "الخدمات البلدية في الضفة الغربية" (القدس)، ص 18. ونشير إلى أن الرموز أعلاه تعني ما يلي:

م = أُمي؛ ب = مستوى ابتدائي؛ ع = مستوى إعدادي؛ ث = مستوى ثانوي؛ ج = مستوى جامعي.

 

  • تعمُّد سلطات الاحتلال الإسرائيلي التضييق على المجالس القروية والقرى، وعرقلة جميع الجهود المحلية والخارجية لتطويرها، كي تكون أرضاً خصبة لمشاريعها الاستيطانية. ومن جهة أُخرى، تركزت المساعدات الخارجية على دعم المجالس البلدية من دون القرى والمجالس القروية، وهو ما أدى إلى حدوث شرخ اجتماعي بين سكان المدن وسكان القرى، استغلته السلطات الإسرائيلية لإحداث روابط القرى كي تكون أداتها في تنفيذ مشروع الحكم الإداري الذاتي.[1]

وهكذا، فقد ساهمت تلك الأسباب في الإبقاء على المجالس القروية والقرى في الضفة الغربية في حالة تخلّف شامل، تجسدت بافتقار المجالس القروية والقرى إلى المرافق الأساسية، وبالهيمنة الإسرائيلية على مجالات التنظيم والتخطيط والتطور العمراني، وبضعف ميزانيات المجالس القروية، كما سيتم عرضه أدناه.

 أولاً: افتقار المجالس القروية والقرى

إلى المرافق الأساسية

              أبقت السلطات الإسرائيلية على القرى، في الضفة الغربية، في حالة تمكّنها من تنفيذ مخططاتها الرامية إلى إفراغ الأرض من سكانها العرب، وإحلال المستوطنين اليهود مكانهم. لذلك، فهي لم تبذل جهداً لتطوير القرى وتنميتها، بل اعتمدت منذ البداية خطة ترمي إلى عدم المساهمة في نفقات الأراضي المحتلة، وإلى الاستيلاء على أكبر قدر من مواردها الذاتية، وإلى تركها تتكفل بتطوير ذاتها من مصادرها الذاتية والخارجية ضمن حدود معينة.

وإزاء ذلك بقيت القرى تفتقر، في معظمها، إلى الطرق المعبّدة وشبكات المياه والإنارة والمجاري، وتعاني نقصاً كبيراً في الخدمات الصحية والبريدية والثقافية والتعليمية والاجتماعية؛ إذ لم تستطع المجالس القروية الوفاء بتلك المشاريع والخدمات من مواردها الذاتية، كما لم تتمكن من الحصول على مساعدات مالية خارجية كافية لذلك. وفقط من أجل إظهار الحالة العامة في القرى الفلسطينية تحت الاحتلال، نستشهد بالبيانات التي جمعها أمين مجلس الكنائس العالمي، في شباط/ فبراير 1980، بشأن مدى ما يتوفر في قرى الغربية من شبكات مياه وكهرباء وطرق رابطة بالطريق الرئيسية، وذلك لأن تلك الأوضاع قد تبدلت فيما بعد، في إثر حصول المجالس القروية والقرى على مساعدات مالية كبيرة مكّنتها من تغيير ذلك الواقع نسبياً، إذ بقي العديد من القرى يفتقر إلى الخدمات المحلية والمركزية، كما سنعرض أدناه:

أ مدى ما يتوفر في قرى الضفة الغربية من شبكات مياه وكهرباء وطرق رابطة بالطريق الرئيسية، حتى سنة 1980: استند تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الذي أعدّه فيما يتعلق بالسيادة الدائمة على الموارد الوطنية في الأراضي العربية المحتلة، إلى بيانات جمعها أمين مجلس الكنائس العالمي في شباط/ فبراير  1980 بشأن حالة تلك المرافق في قرى الضفة الغربية،[2]  والتي جاءت على النحو المبيّن في الجدول التالي:

القضاء

مجموع القرى

قرى من دون

شبكة كهرباء

قرى من دون

شبكة مياه

قرى ضعيفة بالطريق الرئيسية

القدس الشرقية

32

15-47%

21-66%

9-28%

رام الله

70

48-61%

38-54%

6-4%

بيت لحم

32

27-84%

22-69%

21-66%

الخليل

60

39-65%

40-67%

19-32%

نابلس

124

106-85%

114-92%

37-30%

طولكرم

46

32-70%

23-50%

7-15%

جنين

64

50-78%

53-83%

16-25%

المجموع

428

312-75%

311-75%

115-27%

المصدر: أنظر "تقرير الأمين العام – الأمم المتحدة 648/36/أ – 10 نوفمبر، الجمعية العامة"، في: اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة لدعم صمود الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل، "التقرير المالي الشامل للمناطق المحتلة"، التذييل السادس، جدول توزيع الهياكل الأساسية في القرى، ص 39.

 

ب مدى ما يتوفر في القرى من المرافق السابقة بعد حصولها على مساعدات مالية من صندوق دعم الصمود: تنبهت اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة لدعم الصمود إلى المخاطر الناجمة عن دعم المدن من خلال البلديات من دون القرى، وخصوصاً بعد أن أقدمت السلطات الإسرائيلية على إحداث روابط القرى استناداً إلى ذلك، فقررت تخصيص دعم مالي للقرى والمجالس القروية من أجل مساعدتها في تنمية مناطقها وتوفير المرافق الأساسية للسكان المحليين.

وإزاء ذلك، استطاعت 153 قرية تمديد شبكات كهربائية خلال الفترة 1980 – 1986، كما استطاعت 96 قرية تمديد شبكات مياه، وتم تحسين شبكات الطرق في 62 قرية خلال الفترة نفسها. وبذلك فإنه عند بداية سنة 1987، بقي في الضفة الغربية 159

قرية لا تتوفر شبكة كهرباء فيها، و215 قرية من دون شبكة مياه، و62 قرية ضعيفة الربط بالطريق الرئيسية.[3]

ونستبعد، من جانبنا، حدوث تطور في تلك الوضعية بعد ذلك، بحكم الأوضاع الاقتصادية والأمنية التي تعيشها القرى الفلسطينية منذ بدء الانتفاضة من جهة، وبسبب توقف المساعدات العربية لصندوق دعم الصمود، وقرار الأردن فك الارتباط بالضفة الغربية في تموز/ يوليو 1988، من جهة أُخرى. ونستدل على ذلك بالنماذج التي سنوردها في الفقرة التالية.

ج واقع المرافق المركزية والمحلية في القرى التالية بعد سنة 1986:

  • قرية سعير: يزيد عدد سكانها على عشرة آلاف نسمة، وعلى الرغم من ذلك فإنها تفتقر إلى مجلس قروي، ولا تزال تضاء – ولمدة سبع ساعات فقط – بمولدات خاصة تشرف جمعية تعاونية محلية عليها، ويصل التيار الكهربائي إلى المنازل البعيدة ضعيفاً جداً، كما أن المولدات تتعطل باستمرار، وقد تبقى معطلة عدة أسابيع كل مرة.

وفيما يخص المياه، فقد تم سنة 1981 ربط القرية بشبكة مياه تديرها جمعية تعاونية، لكن ضخ المياه إلى القرية لا يتم إلاّ مرتين في الأسبوع. ومن جهة أُخرى، لا تزال مسافة كيلومتر من شارع القرية الرئيسي وساحة القرية العامة من دون تعبيد. كما لا يوجد في القرية حافلات لنقل الذاهبين إلى المدينة، إذ يتم نقلهم بالسيارات الخاصة، وبأجور مرتفعة، وبأسلوب غير مريح.[4]

  • قرية بيت لقيا: يزيد عدد سكانها على خمسة آلاف نسمة، وليس فيها مع ذلك مجلس قروي، ولا شبكة مياه. كما أن الخدمات الصحية تقتصر على مستوصف صحي تابع للأمم المتحدة، ويعمل فيه طبيب واحد خمسة أيام في الأسبوع فقط.[5]
  • قرية خاراس ونوبا: يبلغ عدد سكانهما 5500 نسمة تقريباً، وفيهما مجلس قروي واحد. ولا يوجد في قرية خاراس أية مدرسة من أي مستوى. إذ يدرس أبناؤها في قرية نوبا التي تحتوي على مدرسة ابتدائية وأُخرى إعدادية وثالثة ثانوية، لكن غرف المدارس لا تكفي لاستيعاب الطلاب جميعاً، الأمر الذي اضطرهم إلى استخدام الحوانيت غرفاً دراسية على الرغم من افتقارها إلى الشروط الصحية. ويعاني طلاب قرية خاراس صعوبة الانتقال إلى نوبا، وذلك لبعد المسافة ورداءة الطريق الواصل بين القريتين. وتفتقر القريتان إلى مراكز صحية خاصة بكل منهما، إذ إن هناك عيادة صحية واحدة مشتركة تقع بينهما، ويزورها الطبيب مرتين في الأسبوع فقط. كما أنهما تفتقران إلى شبكة مجار، وهو ما يضطر السكان إلى إلقاء المياه القذرة في الشوارع والأحياء السكنية. ولم يتمكن المجلس من القيام بأي عمل للتخفيف عن السكان، وذلك بسبب عدم تجاوب السلطات الإسرائيلية مع مطالبه، وعدم وفائها بوعودها. وقد وصف أحد أعضاء المجلس القروي، وهو عبد المجيد مسلم، مكانة المجلس بقوله: "نحن عبارة عن صورة لا أقل ولا أكثر." إذ لا تزال قرية خاراس تفتقر إلى الهاتف العام، وشبكة الكهرباء، والخدمات البريدية، والشوارع المعبّدة، كما لا يوجد فيها عربة لجمع النفايات.[6]
  • قرية صوريف: يبلغ عدد سكانها ثمانية آلاف نسمة. يوجد فيها مجلس قروي وشبكة مياه، وتتزود بالكهرباء عن طريق ثلاثة مولدات خاصة. غير أن القرية تعاني صعوبة في المواصلات الرابطة بالمدينة، ونقصاً في خدمات البريد والطرق المعبّدة، وسوء تخطيط في البناء. ومع ذلك، يبقى أهم مشكلة تعانيها القرية مشكلة مصادرة سلطات الاحتلال لنحو 13 ألف دونم من مساحة أراضي القرية البالغة 28 ألف دونم.[7]
  • قرية كفر راعي: يبلغ عدد سكانها ستة آلاف نسمة تقريباً، وليس فيها مجلس قروي. يوجد فيها عيادة صحية، وقد تزودت بالكهرباء سنة 1982 بوساطة مولدات خاصة. غير أن القرية لا تزال تفتقر إلى شبكة المياه، كما تعاني نقصاً في خدمات الهاتف وصعوبة في المواصلات مع المدينة. وليس فيها حاويات لجمع النفايات. ومع ذلك، تبقى مشكلة السكان الأساسية مشكلة مصادرة السلطات الإسرائيلية لجزء من أراضي القرية للتنقيب عن الآثار، وشق الشوارع العريضة خلالها.[8]
  • قرية العبيدية: يبلغ عدد سكانها ستة آلاف نسمة، ولا يتوفر مجلس قروي فيها. وهذا ما دعا شبان القرية إلى تأليف لجنة للإصلاح والتطوير، حظيت بموافقة السكان. وقد أخذت هذه اللجنة تعمل لتطوير القرية، الأمر الذي لم يرق للسلطات الإسرائيلية فلجأت إلى وضع العراقيل وممارسة الضغوط. وقد تمثلت هذه الضغوط في اعتقال أحد أعضاء اللجنة إدارياً لمدة ثلاثة أشهر، والضغط على بعض شيوخ القرية لحل اللجنة. وعندما فشلت هذه الضغوط، لجأت السلطات إلى مساومة القرية في شأن المياه، فقررت قطع المياه عنها ما لم يتم حل اللجنة، كما رفضت الترخيص لها في تعبيد الشوارع الفرعية التي شقّها السكان على نفقتهم الخاصة. ولا تزال القرية تفتقر إلى مركز صحي دائم، إذ يتم تقديم الخدمات الطبية للسكان بوساطة السيارة الطبية المتنقلة التي تزور القرية مرة واحدة في الأسبوع، ولمدة ساعتين، لتعالج أكثر من مئة شخص خلالها.[9]
  • قرية الملالحة: يبلغ عدد سكانها 1200 نسمة، ولا يتوفر مجلس قروي فيها، ولا تزال تضاء بقناديل الزيت، وليس فيها أيضاً عيادة طبية، إذ ينتقل المرضى إلى مدينة نابلس. كما لا يوجد فيها هاتف عام، ولا تزال طرقها الداخلية غير صالحة على الإطلاق. أمّا بالنسبة إلى المياه، فإن في القرية مشروع مياه تم إنشاؤه بدعم من الحكومة الأردنية.[10]
  • قرية طمون: يبلغ عدد سكانها عشرة آلاف نسمة، وليس فيها مجلس قروي. وهي تفتقر إلى شبكتي المياه والكهرباء، وإلى الطرق المعبّدة. كما يضطر طلاب المرحلة الثانوية فيها إلى السفر إلى طوباس لمتابعة دراستهم، فيواجهون مشكلة النقص في وسائل المواصلات. وتحتوي القرية على عيادة صحية تفتح أبوابها ثلاث مرات في الأسبوع فقط.[11]
  • السواحرة الشرقية: يبغ عدد سكانها عشرة آلاف نسمة، وليس فيها مجلس قروي. وتعاني القرية نقصاً في الخدمات التعليمية والصحية، إذ لا يوجد فيها مدرسة ثانوية، والعيادة الصحية فيها يزورها الطبيب مرة واحدة في الأسبوع. كما أنها تعاني، في مجال خدماتها الهاتفية، جرّاء تمييز السلطات الإسرائيلية بين المناطق التابعة للقدس من القرية وبين المناطق الأُخرى. غير أن معاناة السكان الأساسية تتمثل في إغلاق مساحات واسعة من الأراضي بحجج مختلفة، وفي حجب رخص البناءعن أبناء القرية، وفي هدم البيوت غير المرخص في بنائها بحجة أن منطقة القرية منطقة خضراء في مخطط التنظيم.[12]
  • قرية بني نعيم: بلغ عدد سكانها ثمانية آلاف نسمة، وفيها مجلس قروي منذ سنة 1971. لكن القرية تعاني مشكلة تصريف الفضلات والنظافة، إذ ليس فيها شبكة مجار عامة، ولا عمال تنظيفات لجمع القمامة. كما لا تتحمل شبكة الكهرباء في القرية، التي أنجزها سكان القرية على نفقتهم، الضغط العالي وتتعرض هي والمولدات للأعطال بين فترة وأُخرى، ولا تزيد فترة الإنارة فيها على ست ساعات يومياً. وعلى الرغم من توفر شبكة مياه وخزان في القرية، فإن السلطات الإسرائيلية لم تسمح بعد بضخ المياه إلى القرية. كما أن الطريق الرئيسية التي تربط القرية بالمدينة بحاجة إلى توسيع، والطرق داخل القرية غير معبّدة.[13]
  • قرية بيتا: يبلغ عدد سكانها ستة آلاف نسمة، وفيها مجلس قروي منذ سنة 1964. وقد استطاع هذا المجلس الحصول على مساعدة أردنية ما بين سنة 1975 وسنة 1982، مكّنته من تمديد شبكة كهرباء وبناء مدرسة ثانوية. ومع ذلك، لا تزال القرية تعاني عدم وجود خدمات بريدية، وهاتفية، وعدم وجود شبكة مياه، كما تعاني نقصاً في وسائل المواصلات. إلاّ إن المعاناة الأساسية تتمثل في مجال البناء، إذ تمتنع دائرة التنظيم منذ أعوام من إعطاء السكان رخص بناء، الأمر الذي يضطرهم إلى البناء من دون ترخيص، وتقوم السلطات بهدم تلك الأبنية.[14]

نخلص مما سبق إلى أن الكثير من القرى الفلسطينية لا يزال يفتقر إلى المرافق الأساسية والخدمات القروية الضرورية. كما أن العديد من هذه القرى استطاع في أوائل الثمانينات، بفضل جهوده الذاتية والدعم العربي، توفير تلك المرافق. لكن حالة القرى الفلسطينية أصبحت في مستوى واحد، منذ بدء الانتفاضة الشعبية، نظراً إلى قيام السلطات الإسرائيلية بتخريب شبكات الكهرباء والمياه في معظم القرى، وإلى عدم تزويدها بالتيار الكهربائي والمياه لأسباب تدخل في إطار العقوبات الجماعية المفروضة على السكان لإرغامهم على وقف الانتفاضة. ويضاف إلى ذلك الإجراءات التعسفية الإسرائيلية الهادفة إلى إفراغ القرى من سكانها، ومصادرة الأراضي وتشييد المستوطنات، وشق الطرق العريضة. إلا إن هناك مسألة خاصة بالقرى والمجالس القروية تتحكم السلطات الإسرائيلية فيها تحكماً مطلقاً، وهي المتعلقة بالتنظيم ورخص البناء، وسنعرضها أدناه.

ثانياً: الهيمنة الإسرائيلية

على تعمير  القرى

                 يجيز قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية لعام 1966، الساري المفعول في الضفة الغربية، تخويل المجالس القرية سلطة التنظيم ضمن نطاق كل مجلس، بعد موافقة الوزير على تنسيب مدير دائرة التنظيم المركزية بهذا الشأن. غير أن الأمر العسكري رقم 418 لعام 1971 عدّل أحكام القانون، وصادر صلاحيات المجالس القروية كلجان تنظيم محلية، وأسند ذلك الاختصاص إلى مجلس التنظيم الأعلى المؤلف من ضباط إسرائيليين يعيّنهم القائد العسكري العام.[15]

                 وفي إثر ذلك، أصبحت السلطات الإسرائيلية تهيمن على مجالات التخطيط والتنظيم والبناء في قرى الضفة الغربية كافة، وعمدت إلى توظيف تلك الصلاحية في خدمة سياسة الاستيطان الصهيوني، ومصادرة الأراضي العربية، والتضييق على السكان العرب ودفعهم إلى هجر قراهم والسكن في أماكن أُخرى.[16]  وفي هذا الإطار أقدمت السلطات على إعداد مخططات استعمال أراض إقليمية، حدّدت فيما مناطق للإسكان العربي، ومناطق للإسكان اليهودي، ومناطق خاصة بالطرق، ومناطق خاصة باستعمالات أُخرى. وعلى الرغم من عدم المصادقة القانونية على تلك المخططات، فقد اعتمدتها دائرة التنظيم المركزية مرجعاً تستند إليه في رفض إعطاء السكان العرب رخص البناء.

                 من جهة أُخرى، بادر عدد من المجالس القروية إلى إعداد مخططات هيكلية ملائمة، عرضها على دائرة التنظيم في محاولة لإيجاد حل ملائم لرخص البناء. غير أن دائرة التنظيم المركزية رفضت المصادقة عليها، إمّا لأنها تقترح توسيع منطقة البناء، وإمّا لكونها تتعارض مع المخطط الاستيطانية والمخططات الهيكلية الإسرائيلية.

                 ويمكن إجمال المراحل التي مرت بها مسألة الترخيص في البناء في القرى العربية، منذ بدء الاحتلال، على النحو التالي:

  • ما بين سنتي 1967 و1971: استمرت خلالها عملية الترخيص في البناء وفق القانون الأردني، والمخططات الصادرة زمن الانتداب البريطاني، مع اشتراط موافقة القائد العسكري للمنطقة عليها.
  • ما بين سنتي 1971 و1979: أصبحت عملية الترخيص في البناء خلالها محكومة بالقانون الأردني، والمخططات البريطانية، ومخططات استعمال الأراضي الإسرائيلية غير الرسمية، والأمر العسكري رقم 418. وكانت الإجراءات سهلة وقصيرة، وتصدر رخصة البناء بناء على رأي مدير دائرة التنظيم المركزية الذي كان يعمل بصورة غير متفرغة ويساعده في مهمته أربعة مفتشين عرب.
  • ما بين سنتي 1979 و1981: بدأ التشدّد خلالها في عملية التفتيش على الأبنية، إذ تم تعيين مفتش يهودي، وتم إحداث قسم تفتيش الأبنية في دائرة التنظيم المركزية. كما أخذت دائرة التنظيم تزيد في القيود المفروضة على منح رخص البناء.
  • خلال 1981 1982: تم تجميد عملية الترخيص في البناء عقب تعيين شلومو موسكوفتيش، الذي كان يعلن تحيزه ضد العرب، مديراً لدائرة التنظيم المركزية.
  • ما بين سنتي 1983 و1985: تم تعيين موشيه عكنين مساعداً لشلومو موسكوفتيش، ومسؤولاً عن الترخيص في البناء في الوسط العربي، في إثر تذمر السكان العرب من سياسة المدير وإجراءاته، فأصبحت الموافقة على الرخصة سهلة، غير أن إجراءاتها أصبحت معقدة، بحيث أصبح من الضروري أن يمر طلب الترخيص بعدة دوائر من جهة، وأصبحت العملية محكومة بالمخطط الهيكلي لمنطقة المركز وبالمخطط الهيكلي للطرق من جهة أُخرى.
  • خلال 1985 1986: تم إحداث لجنة للمعلومات في دائرة التنظيمات المركزية، وكانت وظيفتها البحث عن أي سبب لعدم الترخيص في البناء في القرى العربية، فأصبحت عملية الحصول على رخصة بناء صعبة ومعقدة للغاية. كما بدأت دائرة التنظيم المركزية تتشدد في التفتيش على الأبنية غير المرخص في إقامتها، وتحوّل أصحابها إلى المحاكم العسكرية التي أصدرت أحكاماً عديدة بالهدم، تم تنفيذ معظمها.
  • منذ 15/11/1986، تقرر تجميد عملية الترخيص في البناء بصورة نهائية، وذلك عقب افتعال قضية فساد ورشوة في دائرتي التنظيم والمساحة.

ونشير إلى أن رخصة البناء أصبحت تتطلب، منذ سنة 1983، القيام بالخطوات والإجراءات التالية:

  • يجب تقديم طلب الترخيص بناءعلى مخطط مساحة حديث إلى دائرة التنظيم المركزية التي تستوفي رسوماً باهظة،[17]  وتقوم بفحص وثائق الملكية والمساحة، ومدى ملاءمة الطلب مع مخطط السماحة للتخطيط الإقليمي والهيكلي المحلي.
  • يحوّل الطلب بعد ذلك إلى الحاكم العسكري في المنطقة لإبداء رأيه فيه، وبعد موافقته يحوّل الطلب إلى القيّم على أملاك الغائبين ودائرة الآثار للموافق عليه، والتي يمكنها رفض الطلب بسبب الملكية أو الآثار. ثم يحوّل الطلب إلى دوائر الصحة والأشغال العامة والمواصلات، بعد أن تقوم دائرة التنظيم المركزية بتعيين خط البناء وإعداد مخطط الرخصة، وذلك لإبداء رأيها فيه وتقرير موافقتها عليه.
  • في إثر ذلك، تقوم دائرة التنظيم بتسجيل طلب الترخيص وفتح ملف المعاملة، ثم تحوّله إلى اللجنة المحلية للتنظيم والبناء، وبعد موافقتها عليه يتقرر منح مقدم الطلب الرخصة بعد دفع رسوم جديدة، ويُعْلَم قسم التفتيش في الدائرة بذلك لمنع ارتكاب أية مخالفة خلال تشييد البناء.[18]

وقد علّق الصحافي الإسرائيلي داني روبنشتاين على تلك العراقيل، وحاول مقارنتها بالبناء الإسرائيلي في المستوطنات، بقوله: حين يتوجه العرب إلى سلطات التنظيم والبناء لتقديم رخصة بناء، تطلب تلك السلطات منهم إثبات أنهم أصحاب قطعة الأرض التي ينوون إقامة البناء عليها، في حين لا يطلب من اليهود مثل هذا الشرط. ومن الصعب تحقُّق هذا الشرط لدى القرويين العرب بسبب المشكلات والتعقيدات المتعلقة بمليكة الأراضي في الضفة الغربية، والتي هي في أغلبيتها غير مفروزة أو غير منظّمة. وفي حال التغلب على ذلك تلجأ دائرة التنظيم إلى طرح تساؤلات لا حصر لها، بينها: أين الطريق الموصل إلى الحي السكني المزمع إقامته، وشبكة المجاري، والشوارع والطرق الداخلية ومجمع القمامة... إلخ. وهي لا تطرح هذه التساؤلات على المستوطنين اليهود، إذ يقوم الحكم العسكري بمصادرة منطقة كاملة لشق الطريق المؤدي إلى المستوطنة، ويتم تنظيم المرافق الأُخرى بعناية. وترفض دائرة التنظيم الحلول الجزئية للمسائل السابقة، كالتغلب على مشكلة المجاري بالحُفر الامتصاصية، فترفض السلطات الإسرائيلية هذا الحل بدعوى تلوّث البيئة. كما ترفض إرسال النفايات إلى البلديات القريبة بدعوى أن مجمع النفايات هناك غير مرخّص في إقامته، ومخالف للقانون. ولو افترضنا، جدلاً، أنه تم التغلب على تلك العقبات، فإن الحكم العسكري يطالب مقدّمي طلبات الرخص، قبل إصدارها، بالشروع في إقامة أُسس البناء وشق الطرق وحفر المجاري، بحجة أنه غير واثق بأن العرب سينفذون ذلك. هذا، في حين أن اليهود يتوجهون إلى سلطات التنظيم والبناء مجهّزين بكل مخططات البناء وتوابعها، التي أعدتها لهم الوزارات المتخصّصة التي تستثمر أموالاً طائلة لذلك، في حين أن العرب لا يملكون أية جهة حكومية أو حتى مجرد هيئة عامة تدعمهم في جهودهم تلك. وفي ظل مثل هذا الوضع، وحتى في غياب سياسة تمميز مقصودة وهادفة، فإن عملية البناء التي يقوم العرب بها تجد نفسها في ورطة كبيرة.[19]

وإزاء تلك العراقيل والصعوبات، اضطر العرب إلى البناء من دون ترخيص، فلجأت دائرة التنظيم إلى إصدار أوامر بالهدم. وهكذا، ففي سنة 1985 تم تحديد نحو ألفين من الأبنية شُيِّدت بطريق غير قانونية، وأصدرت السلطات أوامر بهدم 180 منها، وتم هدم مبنى فعلاً. ويعود تردد سلطات الاحتلال في عملية هدم المنازل العربية غير المرخص في بنائها إلى ربط تلك العملية بالعقوبات الجماعية،[20]  واستعمالها وسيلة ضغط على السكان العرب للتعاون مع سلطات الاحتلال. وهكذا، فكلما بدت بوادر مقاومة في قرية ما لجأت الدائرة إلى تنفيذ أحكام الهدم في عدد من المنازل غير المرخص في بنائها. كما يستعمل ضباط الاستخبارات الإسرائيلية ذلك وسيلة ضغط على أصحاب المنازل للتعاون معهم وتزويدهم بالمعلومات عن أية حركة مقاومة للسلطات الإسرائيلية في القرية. ويتحقق لها ذلك من خلال إجراءات الهدم، إذ يُطلَب من الشخص تقديم مخطط للبناء المزمع تشييده، ومعاملة رخصة لدائرة التنظيم، التي ترفعها إلى لجنة الاعتراضات العسكرية على قرارات الهدم التي تنسّق مع ضباط الاستخبارات في المنطقة، الذين يختارون الوقت الملائم لإجراء الهدم أو عدمه، وذلك في ضوء مدى تعاون صاحب المنزل معهم أو عدم تعاونه.

وقد تلجأ السلطات إلى استخدام عملية الهدم لتشويه سمعة السكان، وذلك بتنفيذ أحكام الهدم بحق البعض من دون البعض الآخر، كي يعتقد سكان القرية أن صاحب المنزل غير المهدّم يتعاون مع السلطات الإسرائيلية. من جهة أُخرى، يلاحظ تركيز عمليات هدم المنازل غير المرخص في بنائها منذ بدء الانتفاضة، في القرى الأكثر مقاومة لسلطات الاحتلال من دون القرى الهادئة، وفي القرى القريبة من المستوطنات الإسرائيلية.[21]

ونخلص مما تقدم إلى أن السلطات الإسرائيلية تبذل قصارى جهدها للتضييق على السكان العرب من أجل هجر قراهم، وتوسيع المستوطنات، وتنفيذ المشاريع الاستيطانية على حساب أراضيهم؛ فهي ترفض الموافقة على أي مشروع هيكلي يوسع حدود المناطق المبنية في القرية، وتركز عملية الهدم على المنازل غير المرخص في بنائها الواقعة على أطراف القرية للحد من توسعها. وقد أدى ذلك إلى ضائقة سكنية في جميع القرى في الضفة الغربية التي أصبح سكانها يعانون مشكلات نفسانية واجتماعية واقتصادية ناجمة عن كثيرة الأبناء في الأسرة القروية، واضطرارهم إلى العيش في منزل ضيق مع زوجاتهم، لأن السلطات الإسرائيلية تمنع بناء أكثر من منزل واحد على الأرض الزراعية مهما يكن عدد أبناء تلك الأسرة. ويعتبر هذا الوضع عاماً وشاملاً في جميع قرى الضفة الغربية مهما تختلف طريقة إدارتها.[22]

وبصورة إجمالية، فإن القرى في الضفة الغربية تعاني نقصاً شديداً في الخدمات المركزية المحلية، وتتعرض لضغوط وإجراءات قاسية في مجال التنظيم والبناء، كما يعاني ثلاثة أرباعها عدم وجود مجالس محلية فيه. وتشكو القرى التي فيها مجالس محلية الشلل التام في أداء خدماتها المحلية، إذ يقتصر دور المجالس فيها على خدمة سلطات الاحتلال في النواحي الأمنية، وذلك لأن اختيارها للأعضاء كان على أساس مدى تعاونهم معها في هذا الإطار؛ ولذلك فهي لا تعير شكاوى أبناء القرى في شأن ممارسات أعضاء المجالس وتصرفاتهم وفشلهم في أداء مهماتهم القانونية، أي اهتمام.[23]

وعلى الرغم من ذلك، فإن فشل المجالس القروية في أداء مهماتها لا يعود إلى الهيمنة الإسرائيلية على اختيار أعضائها فقط، بل يعود أيضاً إلى ضعف مواردها المالية، كما سيأتي ذكره في البند ثالثاً التالي.

ثالثاً: ضعف ميزانيات

المجالس القروية

              سبق أن أوضحنا في البند أولاً كيف أهمل المشرِّع الأردني تقرير موارد مالية كافية للمجالس القروية من أجل أداء مهماتها، والسلطة المطلقة التي خوّلها للمتصرف في تقرير الموارد القروية والنفقات والميزانية. ومن الطبيعي أن تنتقل تلك السلطة إلى السلطات العسكرية الإسرائيلية التي تسعة للحيلولة دون تطوير المناطق المحتلة، وعدم المساهمة في تمويل المشاريع القروية، وحرمانها من الحصول على مساعدات خارجية إلاّ في إطار الشروط والقيود الإسرائيلية.

              إزاء ذلك كانت الميزانيات القروية هزيلة، ولا تلبي نفقات الحد الأدنى من الخدمات المقرَّرة قانوناً للمجالس القروية. ونستدل على ذلك بأرقام ميزانيات بعض المجالس القروية التي أوردها أسامة شهوان في بحثه الميداني المتعلق بميزانيات عام 1979/ 1980، التي جاءت على النحو التالي:

 

القرية

الميزانية

مصادر تمويل

كهرباء

ماء

 

 

ضرائب

إعانات

مصادر أُخرى

 

 

بيت إكسا

10,000

40%

-

60%

لا

لا

بيت فوريك

93,000

25%

50%

25%

لا

لا

بني حارث

5,000

50%

20%

30%

نعم

نعم

السموع

500,000

20%

50%

30%

نعم

نعم

سبسطية

564,826

48%

7%

45%

نعم

نعم

بلعا

300,000

15%

10%

75%

لا

لا

الحارثية

26,979

80%

15%

5%

لا

لا

الفندقومية

6,500

50%

-

50%

لا

لا

المصدر: شهوان، مصدر سبق ذكره، ص 19، نشير إلى أن أرقام الميزانية هي بالعملة الإسرائيلية، التي كانت كل 95 وحدة منها تعادل ديناراً أردنياً.

وإذا قمنا بتحليل الأرقام السابقة نتوصل إلى أرقام هزيلة ومضحكة؛ من ذلك أن مجموع ميزانيات المجالس القروية الثمانية يساوي 4,280,734 شيكلاً إسرائيلياً، أي ما يعادل 4500 دينار أردني أو 54,000 درهم مغربي. وإذ قسّمنا ذلك الرقم على عدد السكان في القرى الثماني، يصبح نصيب الفرد الواحد 150 شيكلاً إسرائيلياً، أي ما يعادل 1,5 دينار أردني أو 18 درهماً مغربياً. وبالتالي، ليس مستغرباً أن تعجز المجالس القروية السابقة عن القيام بمشاريع جديدة، أو عن أداء أبسط الخدمات القروية.

من جهة أُخرى، فإن ميزانيات المجالس القروية في كل من بيت إكسا وبيت فوريك وبني حارث والحارثية والفندقومية تقل كثيراً عن الأجر السنوي لموظف بسيط. والأغرب من ذلك نسبة مساهمة الحكم العسكري، التي تبدو مخجلة؛ إذ إنها تقل عن 500 دينار للمجلس القروي في بيت فوريك، وعن 130 ديناراً للمجلس القروي في بني حارث، وهو مبلغ يقل عن المصروف السنوي لطفل صغير.

وقد أدى ذلك إلى فارق حضاري شاسع بين القرية والمدينة، بحكم أن البلديات الفلسطينية متطورة أصلاً ومتوفرة على أهم المرافق الأساسية، ولأن إيراداتها العادية تسمح لها بإنجاز العديد من المشاريع، يضاف إلى ذلك حصولها على قروض وهبات من الحكم العسكري والحكومة الأردنية، وعلى مساعدات مالية ذات شأن من الدول العربية ما بين سنة 1978 وسنة 1980، بعد توأمتها مع العديد من البلديات في الدول العربية. وعلى العكس من ذلك، بقيت القرى في الضفة الغربية تعتمد على إبراداتها القليلة، وعلى هبات الحكم العسكري الضحلة، وهو ما فسح أمام سلطات الاحتلال مجال محاولة شق الوحدة الوطنية الفلسطينية باستغلال تلك الفجوة.

 وقد تنبهت اللجنة الأردنية الفلسطينية لدعم الصمود لهذه الثغرة، فأخذت على عاتقها محاولة تقليص ذلك الفارق، وتوجيه أموال الصمود نحو دعم القرى والمجالس القروية، وعدم الاقتصار على البلديات. وهكذا قررت اللجنة، ابتداء من العام المالي 1980/ 1981، تحديد سقف مالي لدعم المجالس القروية بقيمة 40 ألف دينار أردني لكل مجلس قروي، و 30 ألف دينار أردني لكل قرية لا يتوفر مجلس قروي فيها. كما يمكن تجاوز ذلك السقف في حالة تقدم المجالس القروية أو القرى بمشاريع حيوية تستوجب زيادة التخصيص، وخصوصاً في مجال بناء المدارس والكهرباء والمياه والطرق.[24]  واشترطت اللجنة المشتركة لتوجيه الدعم إلى المجالس القروية والقرى شرطين إثنين:

1-  عدم ارتباط المجلس القروي أو القرية بشبكة الكهرباء القطرية الإسرائيلية.

2-  عدم الارتباط بروابط القرى، وقطع العلاقة بها.[25]

وقد استفاد من هذا الدعم 111 من المجالس القروية، و302 من القرى،[26]  فاستطاعت المجالس القروية والقرى أن تنجز، عن طريقه، العديد من المشاريع الإنمائية خلال الفترة 1980 – 1986، والتي جاءت على النحو التالي:

  • في قطاع التربية والتعليم: تم توسيع وبناء 90 مدرسة في المجالس القروية بتكلفة 2,175,500 دينار أردني، و126 مدرسة في القرى بتكلفة 2,210,450 ديناراً أردنياً.
  • في قطاع مياه الشرب: تم تمديد شبكات مياه في 28 مجلساً قروياً بتكلفة 754,850 ديناراً أردنياً، وتمديد شبكات مياه في 68 قرية بتكلفة 1,091,950 ديناراً أردنياً. كما حصلت جمعيات تعاونية لمياه الشرب على دعم مالي مقداره 305,000 دينار أردني. وتم تزويد عدد من القرى في القدس ونابلس والخليل بصهاريج مياه بمبلغ 39,000 دينار أردني.
  • في قطاع الصحة: تم فتح عيادات صحية في 11 مجلساً قروياً بتكلفة 142,000 دينار أردني، ودعم تسعة مشاريع صحية في القرى بمبلغ 79,500 دينار أردني.
  • في قطاع الكهرباء: تمت إنارة 42 مجلساً قروياً بتكلفة 1,127,246 ديناراً أردنياً، وإنارة 110 قرى بتكلفة 2,124,584 ديناراً أردنياً. كما حصلت سبع جمعيات تعاونية للإنارة على مبلغ 230,000 دينار أردني.
  • في قطاع النقل والمواصلات: تم تحسين شبكات الطرق في خمس مجالس قروية بتكلفة 180,000 دينار أردني، وتحسين شبكات الطرق في 57 قرية بتكلفة 889,500 دينار أردني.

ويضاف إلى ذلك استفادة العديد من المجالس القروية والقرى من الدعم المخصّص للقطاعين الزراعي والصناعي والتنمية الاجتماعية.[27]

ونخلص في ختام هذا البند إلى أن نظام الإدارة المحلية، على مستوى القرية، يحتاج إلى إعادة نظر في صيغته القانونية، وبصورة تضمن الحرية والاستقلال اللازمين للمجالس القروية في أداء مهماتها، وتمكّنها من الموارد المالية الكافية لممارسة اختصاصاتها. وهكذا، فإن ضعف اللامركزية المقررة في قانون إدارة القرى لسنة 1954 قد مكّن سلطات الاحتلال الإسرائيلي من الهيمنة على المجالس القروية والقرى هيمنة تامة، وفي المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية جميعاً. ولا يتحقق  ذلك إلاّ من خلال حملة جماهيرية ودعاوية تشارك فيها جميع الطاقات الفلسطينية والجهات المناصرة لها، والتي من شأنها إرغام سلطات الاحتلال على تحسين الأوضاع المعيشية في القرى، ومنح المجالس القروية دوراً أكبر في تسيير شؤونها المحلية وتمكينها من الموارد المالية الكافية. ومن جهة أُخرى، ينبغي للدول العربية توجيه الدعم الكافي إلى القرى الفلسطينية وباستمرار، كي يتمكن سكانها من مقاومة السياسة الإسرائيلية الرامية إلى تهجيرهم ومصادرة أراضيهم وإقامة وتوسيع المستوطنات على حساب أراضيهم وقراهم.

وإذا كانت المجالس القروية والقرى في الضفة الغربية محكومة بالقبضة الحديدية الإسرائيلية، وشكلت منطلقاً للسياسات الاستيطانية، فإن واقع المجالس القروية والقرى في قطاع غزة يختلف عن ذلك، كما سيأتي ذكره في المبحث التالي.

المبحث الثاني

تطور الواقع الإداري والمالي

للمجالس القروية والقرى في قطاع غزة

يبلغ عدد القرى في قطاع غزة 21 قرية فقط، وتدار جميعها من خلال دمجها في المجالس البلدية والقروية في القطاع. ويبلغ عدد المجالس القروية 9 مجالس[28]  تدار، كما هو الشأن بالنسبة إلى البلديات، بوساطة أعضاء معينين من  قبل سلطات الاحتلال؛ إذ لم تجر أية انتخابات بلدية أو قروية في قطاع غزة منذ الانتداب البريطاني.

ونظراً إلى قلة عدد القرى في القطاع وتقاربها، وبحكم طبيعة القطاع الجغرافية السهلة، ولابتعاد المراكز الحضرية والقروية عن مراكز الاستيطان الإسرائيلي هناك، واختلاف قانون المجالس القروية الفلسطيني الساري المفعول في قطاع غزة عن القانون الساري المفعول في الضفة الغربية، فإن أوضاع المجالس القروية في قطاع غزة أفضل من أوضاع تلك الموجودة في الضفة الغربية، وتتعامل السلطات الإسرائيلية معها بالطريقة نفسها التي تتعامل بها مع بلديات القطاع، وخصوصاً في مجال التطوير.

ونتيجة ما تقدم، فإن معاناة القرى في قطاع غزة أقل كثيراً من معاناة القرى في الضفة الغربية، وخصوصاً من حيث توفرها على المرافق الأساسية، واستفادتها من ميزانية التطوير ومن إيرادات عادية تفوق كثيراً إيرادات المجالس القروية في الضفة الغربية. يضاف إلى ذلك أن السلطات الإسرائيلية أولت المجالس المحلية والقروية في قطاع غزة اهتماماً خاصاً نظراً إلى عدم وجود جهة خارجية تتكفل بتطويرها، ولضمان استتباب الأمن في القطاع بنهج سياسة تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية للسكان فيه. ويضاف إلى ذلك، أيضاً، توفّر درجة كبيرة من الانسجام بين المجالس المعيَّنة وسلطات الاحتلال، وهو ما ساعد السلطات الإسرائيلية في ربط القطاع بشركة الكهرباء القطرية الإسرائيلية منذ أوائل السبعينات. ونستدل على ذلك بالأرقام التي جمعها أمين مجلس الكنائس العالمي في شباط/ فبراير 1980 عن توزيع الهياكل الأساسية في القرى في الأراضي المحتلة، والتي تفيد بوجوج 5 قرى فقط في القطاع من دون شبكة كهرباء، و4 قرى من دون شبكة مياه، و4 قرى ضعيفة الربط بالطريق الرئيسية.[29]

وقد تبدلت تلك الأوضاع خلال الثمانينات، بعد حصول المجالس القروية على دعم مالي ذي شأن من اللجنة المشتركة، وعلى مساعدات مالية من الإدارة المدنية الإسرائيلية، نعرضها من خلال تطور ميزانيات هذه المجالس.

تتوفر المجالس القروية في قطاع غزة، على عكس مثيلاتها في الضفة الغربية، على ميزانيتين: عادية، وتطويرية. وتتألف الإيرادات العادية من الضرائب، والرسوم، وأثمان الكهرباء والمياه، ورسوم المجاري، ورسوم رخص البناء. وقد قفزت قيمة هذه الإيرادات قفزة نوعية في الفترة 1970 – 1979 بالنظر إلى زيادة عدد السكان وزيادة التعمير والبناء، وبعد ربط القطاع بشبكتي الكهرباء والمياه الإسرائيليتين؛ إذ عاد ذلك على المجالس القروية بإيرادات عادية فاقت حاجتها إلى أداء الخدمات المحلية، وتم استخدام الفائض منها في مشاريع تطويرية. وقد بلغت نسبة ذلك الفائض 18,1%، في نهاية العام المالي 1979/1980. وتتجلى تلك الزيادة في الإيرادات من خلال الجدول التالي، والتي بمقارنتها مع إيرادات المجالس القروية في الضفة الغربية يتجلى الفارق الشاسع بينهما، وقد جاءت كما يلي:

 

المجلس القروي

عدد السكان

الإيرادات العادية

الإيرادات العادية

الميزانية التطويرية

الميزانية التطويرية

 

1980

1969/1970

1979/1980

1970/1971

1979/1980

جباليا النزلة

49,600

54,536

18,227,000

24,661

29,942,000

بيت لاهيا

15,600

7,630

3,505,600

48,726

6,767,500

بيت حانون

6,200

45,950

3,768,500

27,490

4,612,396

بني سهيلة

9,800

لم يؤسّس بعد

3,750,289

لم يؤسّس بعد

2,134,414

عبسان الكبيرة

4,800

4,210

2,307,000

12,000

2,177,000

عبسان الصغيرة

1,900

غير متوفرة

510,000

-

550,000

خزاعة

1,900

غير متوفرة

1,422,938

-

1,173,000

القرارة

لم يؤسَس بعد

 

 

-

 

الزوايد

لم يؤسّس بعد

 

 

-

 

المصدر: نشير إلى أن الأرقام هي بالشيكل الإسرائيلي، وأن معادلتها بالدينار الأردني تساوي 12 شيكلاً للدينار عام 1969/1970، و95 شيكلاً للدينار عام 1979/1980. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار النسبة المئوية لجدول غلاء المعيشة، الذي يدل على تضاعف الأسعار سنة 1980 سبع مرات تقريباً عما كانت عليه سنة 1969 – أنظر: صلاح مسعود، "الخدمات البلدية في قطاع غزة"، ص 6 – 14.

أما عن مصادر تمويل الميزانيات التطويرية، فهناك خمسة مصادر رئيسية هي:

  • الهبات الحكومية: بلغت نسبة مساهمتها في الميزانيات التطويرية 23,6% للعام المالي 1979/1980. ونشير إلى أن السلطات الإسرائيلية، ممثلة في الإدارة المدنية، استمرت في تقديم الدعم لهذه المجالس في الثمانينات. وهكذا، ففي العام المالي 1984/1985، سلم رئيس الإدارة المدنية رؤساء المجالس القروية المبالغ التالية لدعم ميزانيات التطوير فيها، وجاءت على النحو التالي:

 

المجلس القروي

مجموع مساهمة

الإدارة المدنية

الهبات

القروض

1) جباليا النزلة

113,820,400

90,770,400

23,050,000

2) بيت لاهيا

153,909,717

116,749,717

37,250,000

3) بيت حانون

42,389,700

32,989,700

9,400,000

4) بني سهيلة

39,692,000

معظمها هبات

-

5) عبسان الكبيرة

29,628,624

معظمها هبات

-

6) عبسان الصغيرة

20,175,500

معظمها هبات

-

7) خزاعة

22,256,181

معظمها هبات

-

8) الزوايدة

29,191,000

16,391,000

12,800,000

9) القرارة

غير معروفة

 

 

 

              ونشير إلى أن مجموع الميزانيات التطويرية المصادق عليها للمجالس البلدية والمحلية بلغ، في العام المالي 1984/1985، ما مقداره 1,6 مليار شيكل، منه 1,2 مليار شيكل هبات حكومية. وقد تقلصت قيمة هذه المساهمة، في الميزانية التطويرية للعام المالي 1985/1986، إلى 853 مليون شيكل،[30]  منه 262 مليون شيكل للمجالس القروية.[31]  غير أنه تجدر الإشارة إلى أن تلك الهبات تتضمن المساعدات المقدمة من اللجنة المشتركة، والتي أخذت السلطات الإسرائيلية تضمها إلى هبات وقروض الإدارة المدنية منذ إنشائها لصندوق التطوير.

  • القروض الحكومية: بلغت نسبة مساهمتها في الميزانية التطويرية 10,5%، للعام المالي 1979/1980. وقد ارتفعت تلك النسبة في العام المالي 1984/1985 إلى نحو 30%.
  • التمويل الذاتي: ويأتي نتيجة توظيف فائض الإيرادات العادية في مشاريع التطوير. وقد بلغت نسبة مساهمة هذا المصدر 18,1% في ميزانية العام المالي 1979/1980.[32]
  • التمويل الخارجي: حصلت المجالس القروية على دعم كبير من اللجنة المشتركة، إذ بلغ مجموع ما حصلت عليه 1,735,000 دينار أردني، خلال الفترة 1979 – يضاف إلى ذلك مساهمة اللجنة المشتركة في بناء أربع مدارس 508,000 دينار أدرني، والدعم غير المباشر عن طريق دعم الزراعة والصناعة والشؤون الاجتماعية.[33]
  • مصادر تمويل ثانوية: وتتكون من المساعدات التي تقدمها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، وهيئة كير التي بلغت نسبة مساهمتها في إجمالي الميزانيات التطويرية للمجالس المحلية في القطاع، خلال الفترة 1969 – 1980، نحو 1,18%.[34]

يضاف إلى المصادر السابقة فائض الميزانية التطويرية الذي يتحقق باستمرار نتيجة عدم ثبات مصادر التمويل، وعرقلة السلطات الإسرائيلية لإنجاز بعض المشاريع، وتخبط المجالس المحلية فيت حديد الخدمات الواجب القيام بها والمشاريع التي يجب أن تشرع فيها قبل غيرها. ونستدل على ذلك بتنفيذ المجالس القروية المدرجة أدناه لميزانياتها التطويرية للعام المالية 1980/1981، وذلك على النحو التالي:

  • بلغ حجم الميزانية التطويرية للمجلس القروي في جباليا النزلة 4,650,907 شيكلات إسرائيلية، أُنفق منه 2,898,428 شيكلاً فقط على مشاريع تتعلق بالمياه والكهرباء والطرق ورياض أطفال ومركز اجتماعي وناد رياضي، وتوسيع المستوصف الصحي.
  • بلغ حجم الميزانية التطويرية للمجلس القروي في بيت لاهيا 1,093,900 شيكل إسرائيلي، أُنفق منه 962,132 شيكلاً فقط على مشاريع تتعلق بالمياه وحاويات النفايات والمجاري، وتكملة الملعب الرياضي.
  • بلغ حجم الميزانية التطويرية للمجلس القروي في بيت حانون 951,789 شيكلاً إسرائيلياً، أُنفق منه 566,000 شيكل فقط على مشاريع تتعلق بالمياه، وتعبيد طرق زراعية.[35]

نستنتج من الأمثلة السابقة أن نسبة تزيد على 30% من الميزانيات التطويرية لم يتم استغلالها في بعض المجالس، الأمر الذي يستتبع خسارة كبيرة للمجلس نتيجة التضخم وارتفاع الأسعار. ويلاحظ كذلك تخبط المجالس في تحديد الأولويات، وفي توظيف تلك المبالغ في مشاريع إنمائية، وخصوصاً أنها تفتقر إلى المرافق الصحية وشبكات المجاري العامة ومستلزمات النظافة.

ويستفاد من البحث الميداني الذي أجراه صلاح مسعود أن المجالس المحلية في قطاع غزة تفتقر إلى الخدمات المتعلقة بتوفير مياه الشرب ومستلزمات النظافة والصحة العامة والخدمات الاجتماعية، إذ إنها لا تشغل العدد الكافي من الموظفين والعمال لأداء خدماتها، وتتركز مشاريعها على المباني العامة في الوقت الذي يكون السكان بحاجة ماسة إلى الخدمات الصحية.[36]

يلاحظ كذلك أن المجالس القروية في قطاع غزة لا تشكو مشكلة التنظيم ورخص البناء، مثل المجالس القروية في الضفة الغربية.[37]   ويدلنا على ذلك أن عدد الطلبات الخاصة بالبناء التي قدمتها المجالس البلدية والقروية، خلال العام المالي 1980/1981، بلغ 1450 طلباً، وأن السلطات الإسرائيلية وافقت على 1150 طلباً منها، ورفضت 300 طلب فقط. ففيما يخص المجلس القروي في جباليا النزلة، بلغ عدد الطلبات 314 طلباً، تمت الموافقة على 286 منها. كما بلغ عدد الطلبات التي قدمها المجلس القروي في بيت لاهيا طلباً، لم يُرفض منها سوى 25 طلباً. أمّا المجلس القروي في بيت حانون، فقد قدم 112 طلباً، لم يرفض منها أي طلب.[38]  وعلى الرغم من ذلك، فهناك بعض القرى الحدودية – مثل قرية تله التي اعتُبرت أراضيها تابعة لمنطقة بئر السبع وتشرف عليها وزارة الداخلية الإسرائيلية – لا يستطيع الحصول على رخص بناء.[39]

ونخلص، في ختام هذا المبحث، إلى أن معاناة المجالس القروية في قطاع غزة أخفّ وطأة من معاناة المجالس القروية في الضفة الغربية؛ فهي تتوفر على المرافق الأساسية، ولا تعاني المشكلات المتعلقة بمصادرة الأراضي والاستيطان وشؤون التنظيم والبناء. كما نخلص إلى أن مساهمة السلطات الإسرائيلية في ميزانياتها تفوق كثيراً مثيلاتها في الضفة الغربية. ومع ذلك، يلاحَظ أن الخدمات القروية فيها دون المستوى، وذلك بسبب تركيز الإنفاق على المباني العامة، وسوء تخطيط الميزانية، وتردد وتقصير المجالس المحلية في ممارسة اختصاصاتها، وسوء العلاقة القائمة بين المجالس والسكان. من جهة أُخرى، تفتقر المجالس القروية إلى الكوادر الفنية المختصة، وذلك في الأساس نتيجة سيادة العوامل الشخصية والنزعة العشائرية في اختيرا أعضاء المجالس والعاملين فيها،[40]   الذين ينظر السكان إليهم نظرة ازدراء، ويشككون في وطنيتهم وإخلاصهم لمدنهم وقراهم، انطلاقاً من الانسجام شبه التام الذي يطبع علاقاتهم بالسلطات العسكرية الإسرائيلية.

*   *   *

وهكذا، فإنه على الرغم من النواقص والثغرات المقررة في قانون البلديات، فقد استطاعت المجالس البلدية تطوير مدنها وميزانياتها، والتصدي لكل العراقيل التي فرضتها سلطات الاحتلال للحيلولة دون ذلك. وما كان ذلك ليتحقق إلاّ بفضل الالتحام المتبادل بين القيادات البلدية والسكان المحليين، والذي تحقق نتيجة إجراء الانتخابات البلدية سنة 1976 في جو ديمقراطي سليم. وعلى العكس من ذلك، لم تتمكن المجالس القروية من تطوير قراها وميزانياتها، نظراً إلى شدة الوصاية المركزية المفروضة على أعضائها وأعمالها وأموالها، والتي وظّفتها سلطات الاحتلال الإسرائيلية لخدمة سياسة الاستيطان والتوسع، وللحيلولة دون تطور المناطق المحتلة.

وإذا كان من الطبيعي أن تفقد المجالس البلدية التفاف السكان المحليين من حولها، بعد تغييب المبدأ الديمقراطي في تشكيلها منذ أوائل الثمانينات، فإنه يجب ألاّ يكون ذلك مبرراً لعدم دعمها وتثبيتها، لأنها تبقى قبل كل شيء مؤسسة عربية مكلَّفة أداء خدمات محلية للسكان تحت الاحتلال، وخصوصاً أن سلطات الاحتلال ترفض بذل أي جهد لتطوير المناطق المحتلة وخدمة السكان العرب، بل تسعى – على العكس من ذلك – لنهب خيراتها وتشريد سكانها. ولا يخفى حجم الضرر الذي لحق بالسكان ف المناطق المحتلة بعد توقّف البلديات عن أداء مهماتها القانونية منذ بدء الانتفاضة حتى وقتنا الحاضر.

ويتضح من خلال الواقع السياسي والإداري والمالي، الذي عايشته المجالس البلدية والقروية منذ بدء الاحتلال، أن سلكات الاحتلال تنفذ خطة مرسومة ومحددة الأهداف مسبقاً، تقضي باستمرار الهيمنة الإسرائيلية على كامل التراب الفلسطيني. كما أن السلطات، في ضوء تلك الخطة وبحسب كل مرحلة منها، تسمح للسكان العرب والمؤسسات العربية في المناطق المحتلة بمزاولة ما تسمح به تلك الخطة من اختصاصات وحريات. وعندما تتعارض تلك الحريات والمهمات مع المخططات والأهداف الإسرائيلية، فإن تلك السلطات لا تتوانى في مصادرة الحقوق والحريات العامة والخاصة، ولجم أي صوت عربي من شأنه أن يعرقل، أو يحول دون تنفيذ الخطط والسياسات الإسرائيلية. ولعل المآل الذي آلت إليه البلديات والمجالس القروية إليه، وحتى روابط القرى العميلة بعد رفضها لمشروع الحكم الإداري الذاتي وفق المنظور الإسرائيلي، يُعتبر خير برهان على ذلك. 

 

*   أستاذ القانون العام في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس – الرباط.

[1]   أنظر: "مؤتمر التنمية من أجل الصمود – وثائق المؤتمر" (القدس)، ص 105.

[2]   نشير إلى أن مؤسسات خيرية أجنبية، وخصوصاً الأميركية منها، قد ساهمت في توفير الإنارة والمياه والطرق للعديد من القرى. ففي الفترة 1977 – 1982، أنجزت تلك المؤسسات 65 مشروعاً في قطاع مياه الشرب، و10 مشاريع في قطاع الكهرباء، و32 مشروعاً في قطاع الطرق. أمّا القرى الأخرى، فقد كانت تلك المرافق متوفرة في عدد منها قبل الاحتلال، أو قامت جمعيات خيرية من أبناء القرية بتنفيذ ذلك. أنظر: اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة لدعم صمود الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل، "التقرير المالي الشامل للمناطق المحتلة"، ص 161.

[3]   لمزيد من التفصيل، أنظر: اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة لدعم صمود الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل، الأمانة العامة، "منجزات اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة 1979-1986" (عمان، يوليو 1987)، الملاحق المالية، ص 119 – 134.

[4]   أنظر: ماجدة المقدسي، "سعير بلد الهموم وهموم البلد"، "الفجر"، 20/6/1987.

[5]   أنظر: هاني تايه مصلح، "القرن العشرون شارف على الانتهاء وبيت لقيا ما تزال تفتقر إلى شبكة مياه"، "الفجر"، 16/11/1986.

[6]   أنظر: كوثر سلام، "نوبا وخاراس تحت المجهر: مشاكل متعددة وأوضاع متردية"، "الفجر"، 16/11/1986.

[7]   أنظر: كمال شحادة، "أضواء على قرية صوريف في محافظة الخليل"، "الفجر"، 6/10/1986.

[8]   أنظر: صالح جوارة وزهير محمود، "جولة في قرية كفر راعي"، "الشعب"، 6/2/1988.

[9]   أنظر: سعيد عياد، "العبيدية" تراكم هائل من المضايقات ومحاولات مستمرة لاغتصاب الأرض"، "الفجر"، 27/10/1987.

[10]   أنظر: "الملالحة قرية منسيّة"، "النهار"، 6/9/1987.

[11]   أنظر: سهام اندون، "أهالي قرية طمون في المنفى"، "النهار"، 21/4/1987.

[12]   أنظر سهام اندون، "السواحرة الشرقية"، "النهار"، 21/4/1987.

[13]   أنظر: تيسير مسودي وسليمان المناصرة (إعداد)، "قرية بني نعيم – دراسة ميدانية" (الخليل: رابطة الجامعيين – مركز الأبحاث، يوليو 1987)، ص 70 – 77.

[14]   أنظر: داعس أبو كشك، "قرانا الفلسطينية عاجزة عن مواكبة التطور الحضاري – زيارة لقرية بيتا"، "النهار"، 20/7/1989.

[15]   أنظر: الأمر العسكري رقم 418/1971، "مجموعة المناشير والأوامر"، رقم 27، ص 1000.

[16]   نشير إلى أن السلطات الإسرائيلية وظّفت هذه الصلاحية في خدمة سياستها العامة في الضفة الغربية، وذلك عندما مكّنت الروابط القريوة من صلاحيات واسعة في هذا المجال، لتضمن من خلال ذلك تعبئة السكان وتأييدهم لمشروع الحكم الذاتي كما ورد أعلاه.

[17]   نشير إلى أن رسوم رخصة البناء وصلت، أحياناً، إلى قيمة تكاليف البناء نفسه. أنظر: عمر العناني، "أضواء على قرية بير نبالا"، "الفجر"، 3/7/1987.

[18]   أنظر: د. رامي عبد الهادي، "التخطيط والتنظيم والبناء في الضفة الغربية 1967 – 1987"، اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة لدعم صمود الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل، وثائق ندوة الإسكان والتنظيم الهيكلي في الوطن المحتل، 28 و29/12/1988، عمان، ص 2 – 10.

[19]   أنظر لمزيد من التفصيل سلسلة مقالات في "دافار"، بقلم داني روبنشتاين، ترجمة محمد الهلسة – جريدة "النهار"، 27 و29 و30/6/1987، 1 و2/7/1987.

[20]   ومثال ذلك أن سلطات الاحتلال هدمت في العام الأول للانتفاضة 260 بيتاً من البيوت غير المرخص في بنائها. أنظر: اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة...، "قطاع الإسكان والتنظيم الهيكلي في زمن الانتفاضة" – ندوة الإسكان والتنظيم الهيكلي، مصدر سبق ذكره، ص 2.

[21]   أنظر: "هدم البيوت المرخصة" – بحث ميداني من إعداد خالد القواسمي وآخرين، مركز الأبحاث في رابطة الجامعيين في الخليل. نشير إلى أنه لغاية أيلول/ سبتمبر 1989، لم يكن البحث قد نشر.

[22]   أنظر ما سبق عرضه في البند أولاً السابق. أنظر أيضاً: "العيسوية وموجة الممنوعات"، "النهار"، 11/9/1987؛ "قرية بيت إيبا صراع من أجل البقاء"، "النهار"، 16/8/1987.

[23]   أنظر، على سبيل المثال: "بيان للرأي العام من أهالي قرية دير سامت"، "الشعب"، 26/3/1986. ونشير إلى أن بعض المجالس اضطر إلى تقديم استقالته احتجاجاً على عدم استجابة السلطات لتنفيذ العديد من المشاريع التي تهم قراهم. أنظر: "الشعب"، 3/8/1987.

[24]   أنظر: اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة...، "منجزات اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة 1979 – 1986"، عمان، يوليو 1987، ص 30.

[25]   أنظر: المصدر نفسه، ص 31.

[26]   أنظر: اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة...، "تنمية القوى العاملة في الوطن المحتل"، ص 125.

[27]   أنظر لمزيد من التفصيل: اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة...، "منجزات اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة 1979 – 1986"، الملاحق المالية، مصدر سبق ذكره، ص 119 – 134.

[28]   أُقيم ستة من هذه المجالس في عهد الإدارة المصرية، وأحدثت سلطات الاحتلال مجلساً قروياً في بني سهيلة سنة 1975، ومجلساً قروياً في القرارة في حزيران/ يونيو 1983 – أنظر: "صوت الشعب" (عمان)، 3/11/1986. كما أحدثت سلطات الاحتلال مجلساً قروياً في الزوايدة في حزيران/ يونيو 1983 – أنظر: "الأنباء"، 10/6/1984.

[29]   أنظر: "تقرير الأمين العام للأمم المتحدة 648/36/ أ – 10 نوفمبر، الجمعية العامة"، في: اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة...، "التقرير المالي الشامل للمناطق المحتلة"، التذييل السادس، جدول توزيع الهياكل الأساسية في القرى، ص 39.

[30]   أنظر: "الأنباء"، 10/6/1984.

[31]   لمزيد من التفصيل، أنظر: "القدس"، 26/12/1985.

[32]   أنظر: مسعود، مصدر سبق ذكره، ص 15.

[33]   أنظر: اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة...، "منجزات اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة 1979 – 1986"، مصدر سبق ذكره، ص 20.

[34]   أنظر: مسعود، مصدر سبق ذكره، ص 20.

[35]   أنظر: أحمد أبو سردانه، "المبالغ التي صُرفت على المشاريع التطويرية في قطاع غزة"، "الأنباء"، 1/4/1981.

[36]   لاحظ صلاح مسعود أن تلك المجالس لا تشغل أي عامل في هذا المجال، وأن عدد الموظفين أربعة منها لا يزيد على 23 موظفاً – أنظر: مسعود، مصدر سبق ذكره، ص 2 – 6.

[37]   يرجع السبب في ذلك إلى عدم وجود مخططات هيكلية عامة ومفصَّلة لمدن وقرى قطاع غزة لغاية سنة 1984؛ إذ قررت مديرية الداخلية في القطاع، التي تشرف على المجلس البلدية والقروية، الشروع في وضع مخططات هيكلية للمدن والقرى كافة، وذلك لتنظيمها وتطويرها بحسب برنامج يأخذ في الاعتبار تكاثر السكان، ومصادر المياه، والطرق، وكثافة البناء وارتفاعه، ومرافق العمل، وتخصيص مناطق للسياحة، والخدمات المشتركة لجميع المجالس البلدية والقروية فيما يتعلق بمشاريع المياه والمجاري ومجمعات النفايات وخدمات المطافىء. ومن أجل ذلك، قرر رئيس الإدارة المدنية تأليف لجنة عليا برئاسته لوضع الخطوط العريضة والأساسية لتنفيذ تلك المخططات وتنظيمها، كما طالب المجالس البلدية والقروية بإعداد مفتشين ومراقبين مؤهلين لمنع حدوث أية مخالفات – أنظر: "الأنباء"، 23/5/1984.

[38]   أنظر: "الأنباء"، 1/4/1981.

[39]   أنظر: "معاناة سكان تله في قطاع غزة"، "صوت الشعب" (عمان)، 28/11/1986.

[40]   أنظر: مسعود، مصدر سبق ذكره، ص 18.