يتناول المقال مظاهر العقلية العنصرية في دولة إسرائيل التي تنفي صفة الأبارتهايد عنها وتقرر في "وثيقة الاستقلال "مبدأ المساواة وترفض أي تمييز على أساس الدين أو القومية أو الجنس أو الأصل الإثني، ولكنها عملياً تتميز بكل هذه الصفات لأنها دولة لم تقم كي تكون دولة ديمقراطية لكل مواطنيها بل قامت ولا تزال على أساس أنها دولة لليهود. ويحاول المقال تتبع بعض مظاهر العنصرية التي تكشف عنها الصحف الإسرائيلية يومياً لتبيان أن الرفض الرسمي واللفظي للعنصرية لا يعفي المجتمع الإسرائيلي الذي قام على أساس دولة اليهود من أن تجد العنصرية طريقها إلى حياته بمظاهرها المختلفة بدءاً بالعرب مروراً باليهود الشرقيين وانتهاء بيهود الفالاشا الإثيوبيين.
إن النظام في إسرائيل لا يتبنى سياسة الفصل العنصري (الأبارتهايد) سيئة الصيت، التي سادت في جنوب أفريقيا حتى وقت قريب. وهو يستنكر أي وصم له بالعنصرية، ويبذل جهوداً دبلوماسية مكثفة لإلغاء المساواة التي أجرتها الأمم المتحدة بين الصهيونية والعنصرية. ويجد هذا الأمر لنفسه أساساً في وثيقة الاستقلال التي تلاها بن – غوريون يوم إعلان قيام دول إسرائيل، والتي تقر مبدأ المساواة، وترفض أي تمييز على أساس الدين، أو القومية، أو الجنس، أو الأصل الاثني للناس.
غير أن بن – غوريون نفسه، في القصة الشهيرة عنه، قد رفض حتى حمل الهوية الإسرائيلية لأنها تتضمن كتابة بالعربية إضافة إلى العبرية. وهنا بالذات تقع نقطة الفصل؛ فالكثيرون من المفكرين والساسة اليساريين يعتقدون، بكل الجدية، أن أصل الداء فيما وصلت إسرائيل إليه من حال، على صعيد التدهور في الحياة الديمقراطية وتصاعد نزعات الفاشية والعنصرية، يكمن في الاحتلال. ومع أن في هذا الطرح الكثير من الحقيقة، إلا إن هذه الحقيقة ناقصة من حيث الأساس. فإسرائيل لم تقم كي تكون دولة على أساس أنها دولة لليهود، وعلى حكومتها ومؤسساتها "الوطنية" – كما يرد في قوانينها الأساسية – أن تتعاون مع الحركة الصهيونية من أجل تطوير الدولة لما فيه خير الشعب اليهودي، الذي تقر له القوانين الحق في العودة والمواطنة والاستقرار في هذه الدولة.
وهكذا تتضح الصورة. فإسرائيل ليست دولة كل مواطنيها، بل دولة لمواطنيها اليهود فحسب. هكذا الأمر رسمياً. أما على صعيد الواقع، فالنقص في الروح الديمقراطية، والتصاعد المتنامي للذهنية العنصرية، لا يكتفيان بأن يجدا في العرب متنفساً لهما، بل يسحبان نفسيهما على كل "الملونين" غير الغربيين من اليهود، من أصل شرقي أو إثيوبي أيضاً، حتى يكاد المرء يظن أن اليهود الأشكناز هم ما يُقصد باليهود، لا غيرهم. وقديماً اشتهرت عبارة غولدا مئير التي جاء فيها أن اليهودي هو من يتكلم الييديش، أي اليهودي الغربي فقط.
وفي هذه المقالة، سأحاول أن أتتبع بعض المظاهر التي تكشف الصحف الإسرائيلية النقاب عنها كل يوم، ليتبين للمتتبع أن الرفض الرسمي واللفظي للعنصرية لا يعفي المجتمع الإسرائيلي، الذي قام على أساس "دولة اليهود" من أن تجد العنصرية سبيلها إلى حياته بمظاهرها المختلفة، بدءاً بالعرب أساساً، ومروراً بالشرقيين من اليهود، وانتهاء بالإثيوبيين.
* * *
ذكرت صحيفة "دافار" أن 46% من العائلات العربية في إسرائيل تعيش تحت خط الفقر، بينما تعيش 8% تقريباً من العائلات اليهودية تحت هذا الخط.[1] إن هذا الفقر الذي يعانيه العرب في فلسطين ليس أصيلاً، بل نتيجة طبيعية لسياسة منهجية في تدمير الأساس المادي الاقتصادي للوجود العربي في فلسطين. وقد أشار د. عزيز حيدر، في دراسته لواقع السكان العرب في الاقتصاد الإسرائيلي، إلى أن دولة إسرائيل قد عملت على نحو متواصل ومنسجم منذ إنشائها لتجريد السكان العرب من أراضيهم، وتحطيم الأساس الطبيعي للاقتصاد العربي.[2] وإذا ما اتضح أن دولة إسرائيل تسيطر على أكثر من 92% من إجمالي أراضي البلد، وهي لا تبيعها بل تؤجرها إلى المواطنين اليهود فقط لفترة 49 عاماً، فإن هذا يفسر الأساس المادي لحالة الفقر المتواصلة والمتنامية التي يعيشها العرب في ظل الحكم الإسرائيلي.[3]
وأكثر ما يدل على منهجية السياسة الإسرائيلية في سحب الأرض من تحت أقدام العرب، هو الأرقام التالية: بينما كان العرب الذين كان عددهم في فلسطين – الخط الأخضر سنة 1945 يبلغ 75,850 نسمة، يملكون 1,441,146 دونماً أو بمعدل 19 دونماً للفرد الواحد، فقد باتوا لا يملكون غير 397,080 دونماً، أي 0,84 دونم للفرد الواحد، على الرغم من زيادتهم السكانية بمعدل ستة أضعاف حتى سنة 1981، أي 472,9 ألف نسمة.[4]
ولا تقتصر حالة الفقر على انعدام المساحة الكافية من الأرض، بل تتعدى ذلك إلى الافتقار المحزن إلى البنية الاقتصادية – الصناعية. فقد تحولت القرى والمدن العربية في إسرائيل إلى مدن وقرى للنوم، يعود إليها عمالها بعد أن يكونوا قد ساهموا في التطوير المتواصل للبنية الاقتصادية اليهودية لإسرائيل. فالواقع يشير إلى أن 8200 عامل، أو 6% فقط من طاقة العمل العربية، يعملون في المصانع العربية التي لا يتجاوز عددها 410 مصانع، أغلبيتها مصانع صغيرة، لا يعمل أكثر من عشرة عمال سوى في 163 منها.[5] وهذا لا يعني فقط أن أغلبية العمال العرب تعمل في المصانع الإسرائيلية، بل يعني أيضاً أنه لا يكاد يوجد طبقة وسطى عربية أو رأس مال عربي يذكر، إلا إذا كان يصب أصلاً في إطار رأس المال اليهودي، ولتطوير القطاع اليهودي في الاقتصاد الإسرائيلي.[6]
ويتميز اليهود من العرب في إسرائيل، من حيث إشغال الوظائف الأكاديمية وفي المؤسسات الحكومية. فبينما يشغل العرب 10% فقط من مجموع خمسة آلاف وظيفة أكاديمية، لا يحتل سوى 17 "عربياً أو درزياً" مناصب رفيعة في مؤسسات حكومية من مجموع 1310 مناصب.[7]
وقد أقامت مجموعة من الشخصيات اليهودية والعربية جمعية تدعى "سيكوي" (أمل)، بهدف تقليص الفجوة بين السكان العرب واليهود في الدولة. وتحدث رئيس الجمعية ألوف هار – إيفن، المدير السابق لمعهد فان – لير، فقال: "إن كل حكومات إسرائيل، بكل تشكيلاتها الحزبية، أكدت تمسكها بالمحافظة على مساواة مدنية شاملة. لكن، وبعد 43 عاماً على قيام الدولة، لا تزال الفجوة الكبيرة قائمة بين الكلام والواقع." أما زميله العربي من مدرسة العمل الاجتماعي في الجامعة العبرية، فيصل الغرايزة، فيقول إن مخصصات الحكومة للسطات المحلية اليهودية أعلى بثلاثة أضعاف من المخصصات المقدمة للسلطات العربية. والنتيجة فجوة هائلة بين المدن والقرى من الجانبين في مجالات الإسكان والعمل وخدمات الرفاه الاجتماعي. والعديد من القرى والمدن العربية في الدولة هو مدن وقرى تعاني أزمات اجتماعية واقتصادية.[8]
ويتضح التمييز على أساس عرقي أو طائفي، على نحو خاص، عندما يصل إلى مؤسسات التربية والتعليم. فهذه المؤسسات تميز ضد الطلاب من أصل شرقي وعربي في مستوياتها كافة، بدءاً بالصف الأول الابتدائي وانتهاء بالجامعة، كما أشار العدد الأول من مجلة "ميداع عال شِفايون"، حيث يستند محررو المجلة إلى معلومات إحصائية رسمية نُشرت في إسرائيل وفي العالم، وتؤكد أن الجهاز التعليمي الإسرائيلي ليس منصفاً، ويقيم فصلاً طبقياً – طائفياً وطبقياً – قومياً، بين طلابه: فأبناء الطبقتين الوسطى والعليا الأشكنازيتين (الغربيتين) ينتسبون إلى المدارس الرفيعة، أو الأفضل في كل تيارات التعليم: الحكومية العامة، أو الحكومية الدينية أو الأصولية؛ وأبناء الطبقتين المتوسطة الدنيا والشرقية الدنيا يتعلمون في مدارس خاصة بالمحتاجين إلى رعاية، حيث يتلقون عناية تطويرية. أما ابناء الوسط العربي فإنهم يبعثون إلى مدارس منفصلة.[9]
وأنْ يذهب الطفل أو الفتى إلى المدرسة، حتى لو لم تكن جيدة، أفضل طبعاً من البقاء في الشوارع بلا مستقبل. فقد تبين أن 62% فقط من الشبيبة العربية يتعلمون في المدارس الثانوية، بينما تصل النسبة في الوسط اليهودي إلى 90%. أما في أوساط الفتيات العربيات، فيدرس منهن 58,6% فقط في مقابل 95,2% من الفتيات اليهوديات.[10]
ولا يحتاز امتحان الشهادة الثانوية العامة – البغروت (أو ما يعادل التوجيهي في الدول العربية) إلا 45% من أصل 26% من الطلاب العرب يصلون إلى هذا الامتحان، بينما ينجح 63% من أصل 50% من الطلاب اليهود يصلون إلى الامتحان. وبينما يبلغ معدل النجاح في أوساط الطلاب الأشكناز 73%، لا يتجاوز المعدل نسبة 62% في أوساط اليهود الشرقيين، و44% في أوساط العرب.[11] ولا نظن أن هذا يعود إلى فارق طبيعي في معدلات الذكاء بين أبناء القوميات والطوائف المختلفة، بل إنه يعود إلى مستويات المدارس التي يتعلمون فيها، وإلى الشروط المادية والعلمية المتوفرة لهذه المدارس.
أما على صعيد التعليم الجامعي ومؤسسات التعليم العالي، فيبلغ معدل أبناء الأشكناز الذين يصلون إلى الجامعات 25% في مقابل 6% من أبناء المجموعة الشرقية، بينما معدل الشباب المسلم الذي يصل إلى الجامعات أقل من ذلك ويقف عند 6% في السنة.[12]
ونلاحظ هنا أن معدلي العرب والشرقيين الذين يصلون إلى مستويات التعليم العالي متقاربان، بينما المعدل في أوساط الأشكناز الغربيين يفوقهما بأربعة أضعاف. وهو ما يفسر، إلى حد ما، التفاوت الهائل في معدلات إشغال المناصب الرفيعة في الدولة بين الطوائف، حتى بين اليهود أنفسهم. وعلى ذكر المناصب العليا، فإن أحد أبرز الشرقيين الذين وصلوا إلى مراكز رفيعة في الدولة هو وزير الخارجية الحالي دافيد ليفي. بيد أن هذا الوزير، المتميز بمواقفه، لا يلقى من زملائه الغربيين في أحيان كثيرة غير الهزء والنظرة الدونية. وقد أثار قرار رئيس الحكومة يتسحاق شمير، برئاسة الوفد الإسرائيلي إلى مؤتمر مدريد، بدل وزير الخارجية ليفي، مشاعر النقمة لدى الكثيرين من الشرقيين إلى درجة حدت رئيس مجلس معالوت، شلومو بوخبوط، على اتهام رئيس الحكومة بـ"العنصرية"، داعياً أبناء الطائفة الشرقية إلى الخروج إلى الشوارع احتجاجاً على قراره منع الوزير ليفي من السفر إلى مدريد.[13]
إن التمييز ضد العرب في إسرائيل، على الصعيد القضائي، ظاهرة بارزة منذ قيام الدولة. فالقضاء الإسرائيلي لم يكن، في أي يوم من الأيام، جهازاً لتحقيق العدالة المجردة، بقدر ما كان جهازاً يسير ضمن دائرة القوانين التي وضعتها وتضعها الدولة الصهيونية في خدمة مصلحة الشعب اليهودي وحده. وهكذا كان الأمر عندما حكمت المحكمة العسكرية على قائد مذبحة كفر قاسم بدفع غرامة قدرها قرش واحد، وهكذا هو الأمر حتى يومنا الحاضر. فقد تبين – مثلما بتيين في أغلب الجرائم التي يرتكبها أفراد يهود ضد العرب – أن بنحاس اسياح (30 عاماً) من مستعمرة ألون موريه، والذي اتهم بقتل راعيين عربيين بالقرب من المستعمرة، غير متزن عقلياً، وقرر القضاة في المحكمة المركزية في تل أبيب إلغاء الإجراءات القضائية بحقه وإغلاق الملف الجنائي ضده.[14] أما الملازم حاييم شاؤول من المظليين، فقد حكمت المحكمة العسكرية في قيادة المنطقة الوسطى عليه بالسجن مع وقف التنفيذ لمدة شهرين، وذلك بتهمة الاستخدام غير القانوني للسلاح، إذ أطلق النار في اتجاه سيارة إسعاف تابعة للصليب الأحمر. ويُذكر أن لائحة الاتهام التي وجهت ضد هذا الضابط لم تتضمن حقيقة أن هذا الاستخدام غير القانوني للسلاح قد أسفر عن مقتل سائق سيارة الإسعاف من جراء إصابته بعيار ناري.[15] وليست هذه سوى أمثلة لقائمة طويلة من ممارسات يمكن توثيق سجلات كاملة عنها وإثبات الإغراض المزمن للمحاكم الإسرائيلية التي تتخذ أقصى العقوبات بحق العرب ممن يقعون وراء قضبانها، في حين تتهاون مع اليهود ممن يتطرفون في لحظة ما ويخرجون عن الخطة العامة المرسومة للنظام السائد، فتضطر المؤسسة إلى إلحاق بعض اللوم أو العقاب المخفف بهم.
أما الشرطة، التي يفترض فيها أن تحافظ على الأمن العام قبل أن تصل الأمور إلى القضاء، فإنها تتهاون هي الأخرى على نحو ظاهر مع كل أنواع التنكيل ضد العرب. وأول مثال لهذا التعاون الفاضح سلوك الشرطة الناعم إزاء نشاطات أنصار حركة "كاخ" التي تعلن على رؤوس الأشهاد عنصريتها واستهدافها العرب، ولا تكف عن أعمال الإهانة والتنكيل والتخريب والشغب والتهديد وغيرها من مظاهر العنف ضد العرب ورموزهم، من دون أن نسمع بأن الشرطة قدمت أياً منهم إلى المحاكمة، أو أبقت على اعتقاله فترة تحقيق دنيا، كالتي تفرضها على أي عربي يتورط أو يُشتبه في أنه تورط في عمل معاد. وقد تحدثت الصحف مؤخراً عن مخطط لتنظيم سري يدعى "سيف جدعون"، يهدف إلى قتل العرب، وأن عدد أفراد هذا التنظيم يصل إلى نحو 25 عضواً، وأنهم مسلحون برشاشات وبنادق أوتوماتيكية زودهم الجيش الإسرائيلي بها لغرض الدفاع عن النفس، وكذلك مسدسات برخص شخصية. وتحدث أحد أفراد التنظيم لمراسل صحيفة "حداشوت"، فقال إن لديه "إحساساً بأنه سيكون هناك رد جدي على عملية الباص [في مفترق مستعمرة تبواح]، إذ سيُقتل عرب."[16] ومع ذلك، فلم نسمع بأن أجرت الشرطة أو المخابرات اعتقالات احترازية، أو سحبت سلاح أعضاء التنظيم، أو قدمتهم إلى المحاكمة.
لكن رجال الشرطة والمخابرات كانوا نشطاء جداً في متابعة قضية "خطرة" أخرى، في الفترة نفسها تقريباً؛ فقد اعتقلوا في مستشفى هداسا – جبل المشارف سبعة من العمال العرب بتهمة محاولة تسميم النائبة غيئولا كوهين، وأمضى هؤلاء في الاعتقال فترات متفاوتة، أقصرها يومان وأطولها سبعة أيام، على الرغم من أنه كان في الإمكان، منذ اللحظات الأولى، تبيُّن زيف الادعاء وبطلانه من حيث الأساس؛ فقد ظهر بالفحص المخبري أن المادة التي دُسَّت في طعام السيدة النائبة لم تكن سوى صابون غسيل للعيان. وقد كان لهذه القضية تبعات في اتجاهات متباينة. فبينما تحدثت الصحف في البداية عن مادة سامة وعن الاشتباه في أن تكون المادة من نوع استرخنين،[17] عادت في اليوم الثاني فأكدت أنها صابون، ومع ذلك بقي المشتبه فيهم في قيد الاعتقال.[18] وليس هذا فحسب، بل إن إدارة المستشفى رفضت، في نهاية الشهر، دفع أجر العمال المشتبه فيهم لقاء الأيام التي كانوا خلالها في قيد الاعتقال. والسبب، كما قيل للعمال، "كونكم لم تحضروا إلى العمل، فلن تحصلوا على الأجر." وقد بعثت لجنة العاملين في هداسا برسالة إلى الإدارة تقول أنه "لا يجوز أن يعاقبوا مرتين"، وطبعاً على عمل لم يقوموا بارتكابه أصلاً، كما تبين للشرطة التي قامت بإخلاء سبيلهم.[19] وقد تواصلت هذه القضية؛ إذ توجهت شبهة الشرطة نحو الحارس الشخصي للنائبة، فاستدعته على مهل للتحقيق، وعينت له موعداً لاستجوابه بآلة كشف الكذب، لكنه لم يتقيد بالموعد بحجة المرض.[20] ولا ندري، كقراء للصحف، ما إذا توبعت هذه القضية أم انتهت عند هذا الحد، من دون معرفة صلة الحارس الشخصي، وحتى النائبة نفسها، بالحدث. ذلك بأن تبرئة العمال العرب تعيد الشبهة بالتأكيد، كما افترضت الشرطة، إلى حارس النائبة الذي قد يكون دافعه إثبات جدارته أو أهمية وجوده حارساً، وغيره من الدوافع المشابهة وربما المغايرة. وانسجاماً مع هذا الخط، فإن ثمة افتراضاً معقولاً لتوفر دافع لدى النائبة نفسها، التي تحمل آراء شديدة التطرف في حق العرب، هو أن تكون قد استنكرت وجود الكثيرين من العمال العرب في هذا المستشفى الواقع في شرقي القدس، وقريباً من القرى والأحياء العربية، فرغبت في التخفيف من حضورهم على مقربة منها، بينما تتلقى العلاج لساقها التي كُسرت في أثناء عملية استيطان لبعض المنازل العربية في سلوان.
وفي حالة أخرى مفعمة بالدلالات، أثارت المحامية فليئه الباك، وهي موظفة بارزة في وزارة العدل وتشغل منصب مديرة الدائرة المدنية في النيابة العامة للدولة، فضيحتين قانونيتين كبيرتين، وذلك في غضون أقل من شهرين؛ ففي التوجيه الذي حررته إلى محامي الادعاء العام في تل أبيب، دعته إلى أن يتخذ في قضية التعويض التي رفعها العجوز العربي لقاء قتل الجنود لزوجته بعد أن ضربوها بالعصي وأطلقوا النار على بطنها من دون ذنب اقترفته، خطاً دفاعياً فحواه أن "الرجل قد ربح فقط من وفاة زوجته، ذلك بأنه كان ملزماً بإعاشتها حين كانت في قيد الحياة. أما الآن فلم يعد ملزماً، وعليه فإن خسارته تبلغ الصفر في أفضل الأحوال."[21]
أما في القضية الثانية، فقد طلبت المحامية الباك من محامي الدولة، في قضية التعويض التي رفعتها زوجة محمد المصري الذي استشهد في أثناء التحقيق معه في أروقة المخابرات، أن يدعي أن الحديث يدور عن شخص يعتبر غائباً (أي ليس له الحق في أن يكون في الدولة)، وفي المقابل أصدرت النيابة العامة للدولة شهادة غياب للمصري. وقد ادعى رونين أمام القاضي زايلر أن الدولة مستعدة لدفع تعويض بمبلغ 125 ألف شيكل من دون الاعتراف بالمسؤولية عن موته، وشرط أن تُنقل الأموال إلى القيّم على أملاك الغائبين لا إلى الأرملة.[22] وقد وصف النائب من حزب مابام، يائير تسابان، تعليمات الباك بأنها تستند إلى معايير تدل على التمييز العنصري المتطرف.[23]
مما لا شك فيه أن حالة المحامية الباك هذه حالة خاصة متطرفة على نحو ظاهر، ويجب ألا تُبنى عليها إدانة المؤسسة بكاملها أو النظام بكامله. وفي وسع المرء أن يجد أغلبية ساحقة ممتدة على مدى القوس السياسي بأكمله، ترفض مثل هذا السلوك وتستنكره. بيد أن هذه العقلية، أولاً، لم تأت من فراغ. ثم أن الباك، على الرغم من سلوكها الشاذ، لا يزال في إمكانها التمتع بسطوة مركزها من دون أن يمسها أي سوء في ظل حماية القانون وسطوة الوظيفة. وحتى الوزير المسؤول عنها، دان مريدور، وهو المعروف في الساحة السياسية الإسرائيلية بالعقلانية والتمسك بالأسس القانونية السلمية، لم ير أن عليه اتخاذ أي إجراء إداري بحقها، على الرغم من الصراخ الصادر من جهة مقاعد المعارضة والداعي إلى إقالتها.[24]
إن هذه العقلية نتاج طبيعي في تربة "دولة اليهود" التي نشأت على أكتاف العنصرية وتضفي عليها طابعاً يقترب من المصادقة الأكثر من صامتة، إذ تضم في صفوف حكومتها وزيراً يتزعم حركة تدعو على رؤوس الأشهاد إلى ترحيل العرب والانتقام العنصري منهم، وهو الوزير رحبعام زئيفي.
ولهذه العقلية مظاهر عديدة على الصعيد الاجتماعي والثقافي والمعاملة اليومية، ناهيك بسياسة التفقير الاقتصادية التي أشرنا إليها آنفاً. فقد اشتهرت في الماضي عبارة "عربي قذر" التي يرددها الكثيرون من اليهود في فلسطين، كردة فعل مريضة على عبارة "يهودي قذر" التي كانت آذانهم تسمعها ليل نهار في أوروبا اللاسامية. أما الآن، فإن عالم الكمبيوتر قد وجد متنفساً من نوع آخر لعقدة الاضطهاد، وذلك في توجيه النقمة إلى ضحية أخرى، هي العرب في هذه الحالة. فقد كشفت إحدى الصحف النقاب عن ألعاب محوسبة، تدعى "ألعاب الانتفاضة"، يفوز فيها اللاعب الذي يقتل عدداً أكبر من العرب.[25]
إن أبرز ما في هذه العقلية العنصرية رفضها التعامل مع العربي كإنسان. فقد احتج أفيشاي رفيف، رئيس جماعة أمناء أرض – إسرائيل وجبل الهيكل في جامعة تل أبيب، على انتخاب مسعد قدور، الدرزي الأصل، لمنصب رئيس اتحاد الطلبة، واصفاً إياه بالطابور الخامس. ورفض الاعتذار عن إساءته لأنه يعتبر نضاله مبدئياً لا شخصياً، ذلك بأنه يخشى أن يستغل قدور منصبه في خدمة مصالح سياسية طائفية. ولم يكتف رفيف بهذا، بل ذكر حقيقة لا يعترف الكثيرون من اليهود بها، ولا سيما الساسة منهم، ممن يغلبون المصالح السياسية على إظهار المشاعر الحقيقية تجاه العرب أو الدروز منهم، وقال: "إني لا أستطيع أن أتعامل مع العربي بصفته إنساناً."[26] تلكم هي القصة إذاً. فالذي يمارس الاضطهاد والقهر يوجِد في داخله المبررات النفسية التي تتيح له مواصلة اضطهاده وقهره ضد غيره من أبناء البشر، والتي تضفي على سلوكه الشرعية اللازمة للحفاظ على توازنه الداخلي. وهو يفعل ذلك بيسر أكثر كلما جرد ضحيته من إنسانيتها. وتعامل معها كجماد أو كحيوان، أو ألغى معالم وجودها وشخصيتها. ولعل هذا ما يفسر الإغفال المتعمد في الصحافة الإسرائيلية للتفاصيل الشخصية والإنسانية لضحايا الاحتلال في الضفة والقطاع، الذين قتلوا بنيران الجنود في أثناء الانتفاضة. فعندما يسقط شهيد لا تكاد الصحافة الإسرائيلية تذكر أية تفاصيل عنه، حتى لو بذكر اسمه، ناهيك بذكر مميزاته وشخصيته ومطامحه وغيرها من الملامح التي تجعل منه إنساناً لا مجرد رقم يضاف إلى إحصاءات جامدة عن مدى "العنف الفلسطيني"، أو مدى نجاعة الجيش الإسرائيلي في التصدي له. والحال تختلف تماماً عندما تقع إصابة ما لأي يهودي في حادثة يُتهم بها عرب.
واللافت للنظر بالنسبة إلى حملة رفيف بحق الدرزي مسعد، أن الزعماء السياسيين بكل اتجاهاتهم قد استنكروا هذه الحملة، ومنهم الوزير رفائيل إيتان وهو الذي وصف العرب ذات مرة بـ"الصراصير الدائخة داخل زجاجة"، وكذلك وزير الترانسفير زئيفي وزميلته اليمينية المتطرفة غيئولا كوهين، بل حتى رئيس حركة أمناء جبل الهيكل جرشون سلمون الذي وصف أقوال رفيف بـ"القرف"، وبأنها "تثير الصدمة في قلب كل يهودي في إسرائيل."[27]
وتبرز مظاهر التفرقة، بصورة خاصة، إزاء العرب من الضفة الغربية وقطاع غزة؛ فهؤلاء تسري عليهم قوانين خاصة لا تخضع، في الغالب، لرقابة المحاكم الإسرائيلية والقانون الإسرائيلي، وهي تشمل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية كافة. فقد أصدر رئيس بلدية بني براك، الحاخام يرحميئيل بوبر، تعليماته إلى رجال قسم الهندسة في المدينة لحفر قنوات في المواقع التي ينتظر العرب فيها، في ساعات الصباح، وتسييج هذه المواقع. وقال بوبر: "إن المجلس البلدي اجتمع وقرر منع احتشاد أبناء الأقليات في المدينة، وذلك لضمان سلامة السكان. فالكثيرون من هؤلاء يشتكون أن أبناء الأقليات يدخلون ساحاتهم لقضاء حاجاتهم، ويقلقون السكان."[28]
كما أن العرب من الأراضي المحتلة يعملون في إسرائيل في أدنى الأعمال السود وأحقرها. فقد أفادت مصلحة الاستخدام أن العرب من "المناطق" قد شغلوا 9 آلاف وظيفة في تموز/يوليو الماضي، وذلك بعد أن رفضها المهاجرون الجدد.[29] ومع ذلك، نجد الوزير زئيفي يطالب سلطات الاستيعاب بإقالة 50 ألف عامل من الأراضي المحتلة لتشغيل المهاجرين.[30]
وتقتطع مصلحة الاستخدام من عمال الأراضي المحتلة في إسرائيل بدل ضمان وطني بمعدل مساوٍ لذلك الذي تقتطعه من العمال الإسرائيليين، حتى بلغ حجم هذه الاقتطاعات في العام المالي السابق 95 مليون شيكل؛ وذلك على الرغم من أن عمال الأراضي المحتلة لا يتمتعون بحقوق الضمان الوطني، كمنح الولادة ومخصصات الأطفال والتقاعد والتعويض من حوادث العمل وغيرها. وقد حصلت مؤسسة الضمان الوطني على 7,6 من هذه المبالغ، بينما ذهب القسم الآخر إلى وزارة المال التي كان من المفترض أن تنقله إلى الإدارة المدنية، لتستخدمه هذه بدورها في مصلحة رفاه السكان المحليين(!) بيد أن الإدارة المدنية لم تتلق غير 34,4 مليوناً، وهو ما يعني اختفاء نحو 44 مليون شيكل في وزارة المال. ولم يستطع الناطق بلسان وزارة العمل، التي تنقل الأموال من مصلحة الاستخدام إلى وزارة المال، تبرير اختفاء الأموال إلا بدعوة "أنه موضوع أمني". ولم يوضح المصدر الذي استُقيت هذه المعلومات منه، ما هو مصير حتى تلك الأموال التي ذهبت فعلاً إلى الإدارة المدنية، وكيف كانت وجهة صرفها.[31]
كما أن العمال العرب يتعرضون للفصل من العمل من دون إنذار مسبق، ومن دون تلقي التعويضات. فقد أفادت معلومات مؤسسة "خط العامل" التي تعكف على مقاضاة أرباب العمل الإسرائيليين على إجحافاتهم بحق العمال العرب، بأنها تمثل عشرات العمال العرب الذين طردوا من العمل في أثناء حرب الخليج، وذلك عقب فرض حظر التجول في الأراضي المحتلة آنذاك.[32]
وذكرت صحيفة "يروشلايم"، التي تعنى بسكان القدس، أن عشرة عمال عرب قد أقيلوا من عملهم في فندق شيراتون لأسباب قومية.[33]
إن هذه، في الواقع، غيض من فيض. وحتى المجلدات نفسها لا تتسع للوقوف عند كل حادثة فردية.
* * *
إن هذه العقلية التي تميز ضد العرب وتحتقر العربي لمجرد كونه عربياً، وتقوم بأعمال تنم عن القهر على أساس قومي وعرقي، هي نفسها التي تمارس مثل هذا القهر ضد طوائف معينة بين اليهود، على أساس قومي – عرقي. وليس أدل على ذلك من الطريقة التي يُجرى وفقها استيعاب اليهود الإثيوبيين في إسرائيل، وذلك خلافاً لطريقة استيعاب غيرهم من اليهود، ولا سيما من الاتحاد السوفياتي، مع أن الطرفين يصلان في الفترة الزمنية نفسها، وفي ظل القيادة نفسها في المؤسسات الحكومية والصهيونية؛ فاليهود السوفيات يتم استيعابهم وفقاً للطريقة المباشرة، إذ لا يضطرون إلى المكوث في مراكز الاستيعاب، ويحصلون على سلة استيعاب كبيرة تتضمن إيجار الشقة لمدة عام، إضافة إلى تغطية أوجه الإنفاق العائلي المختلفة. أما الإثيوبيون فيوضعون في مراكز الاستيعاب، ويمر وقت طويل يتجاوز العام قبل أن ينقلوا إلى سكن دائم مستقل. ولا يحصلون على أية سلة للاستيعاب، ما خلا مصروف جيب هزيلاً لا يتجاوز الخمسين شيكلاً شهرياً. وتعدّ وزارة المال للإثيوبيين الذين وصلوا ضمن إطار عملية شلومو ميزانية خاصة بمبلغ 1,5 مليون شيكل، أي نحو ألف شيكل لكل مهاجر حتى نهاية العام. وأكدت صحيفة "معاريف" أن هذا المبلغ بعيد جداً عن أموال سلة الاستيعاب التي يتلقاها المهاجرون اليهود من الاتحاد السوفياتي.[34] وقد احتج الإثيوبيون على هذا المصروف الضئيل، وقال أحدهم: كيف يمكن العيش بخمسين شيكلاً في الشهر الواحد؛ فالمال لا يكفي، ونحن نستخدمه في شراء الأدوية وما يماثلها.[35] كما احتج آخر قائلاً: "إن لنا أطفالاً لا يتعلمون في مدرسة أو معهد، وعندما نسأل مدير مركز الاستيعاب يجيبنا بأنه لا يوجد مكان نعلمهم فيه."[36]
وقد أثارت هاتان الطريقتان في الاستيعاب، ولا سيما عندما اجتمعتا في موقع سكاني واحد، حيث أُنزل في بعض الفنادق مهاجرون من الطرفين، نزاعات حادة بين الطرفين اتخذت طابعاً عنصرياً سافراً؛ فقد نشبت مشادة عنيفة حيث ينزلون بصورة مشتركة في فندق دبلومات في القدس. وأدلى أحد المهاجرين السوفيات بتصريحات للصحافيين تفوح منها رائحة عنصرية كريهة، إذ قال: "إننا نكرههم. فهم سود فقراء جاؤوا من الغابة. وهم يقضون حاجتهم أينما كان، ولديهم أمراض، وأطفالهم يحدثون ضجة كبيرة ويضربون أطفالنا. وهم لا يفعلون شيئاً طوال النهار. إنهم لا يعملون، لكن يحصلون من الحكومة على كل شيء من دون مقابل."[37]
وأفادت الصحيفة نفسها أن الأجواء قد احتدمت في الفندق مؤخراً، عقب قرار مديره فتح حوض السباحة الفاخر هناك، مع منع الإثيوبيين من الاستحمام فيه. وفي اليوم التالي، هرع موظفو الوكالة اليهودية إلى الفندق لتسوية المشكلة، وعقدوا اجتماعاً عاماً للطرفين استمعوا خلاله إلى وجهات النظر، وأجروا في النهاية تصويتاً لكل طرف على حدة في شأن إمكان العيش المشترك. وجاء التصويت مفاجأة كبيرة، إذ صوت المهاجرون السوفيات بالإجماع على الانفصال، في حين أيد الإثيوبيون بالإجماع مواصلة المحاولة للعيش مع المهاجرين السوفيات.[38]
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في نبأ بارز لها تحت عنوان "هل إسرائيل دولة تفرقة عنصرية!"، هذا التساؤل الغاضب على لسان أعضاء لجنة العمل والرفاه الاجتماعي في الكنيست، خلال نقاش عاصف لقضية رفض صاحبة نزل للأطفال في بات يام استيعاب طفلين أثيوبيين. وادعت صاحبة النزل أنها فعلت ذلك خشية أن يخرج آباء الأطفال الآخرين أبناءهم من النزل فيتضرر رزقها. وقد تبين في سياق النقاش أن قضية النزل هذه مجرد حادثة في إطار عام. فقد تحدث عضو الكنيست أمير بيرتس عن قرية زراعية وقّع أعضاؤها عريضة تطالب بحظر دخول المهاجرين الإثيوبيين إلى المركز الاجتماعي الذي أُقيم في منطقتهم. وتوسع في الحديث عن مثل هذه الأحداث المثيرة، رئيس المنظمة العامة للمهاجرين الإثيوبيين، أديسلو مسيلا، فذكر التمييز ضد الأطفال الإثيوبيين في المؤسسة الدينية "حباد" في طبعون، وفصل مقاعد المهاجرين الإثيوبيين في فندق سالوم عن مقاعد المهاجرين السوفيات، وفصل المراحيض في مركز الاستيعاب في عكا. وقال مسيلا: "إن المؤسسات تعطي العنصرية شرعية."[39]
وقد اشتكى المهاجرون الإثيوبيون، في اعتصام قاموا به في مركز الاستيعاب في إيلات، أن الوكالة اليهودية قد حددت بنفسها أعمارهم بصورة تعسفية، الأمر الذي يمنعهم من الحصول على العديد من الحقوق. وقد اشتعلت نفوسهم غضباً عندما بُلغوا أن تعديل أعمارهم يتطلب في المحكمة رسوماً قدرها 170 شيكلاً، علماً بأنهم يتلقون مصروف جيب قدره 50 شيكلاً في الشهر للفرد الواحد.[40]
وتجبر سلطات الاستيعاب المهاجريت الإثيوبيين على إرسال أبنائهم إلى المدارس الدينية، حتى لو كانوا يرغبون في تعليمهم في مدارس علمانية. ويقول أهالي 130 طفلاً رفضوا إرسالهم إلى المدرسة الدينية المقررة لهم، وهي على بعد 35 كلم من مركز الاستيعاب، بينما توجد مدرسة علمانية على بعد 50 متراً فقط من المركز (!)، إن وزارة المعارف والثقافة تعارض استيعاب الطلاب في المدارس المحلية، كما أنها أصدرت تعليماتها إلى إدارة المدرسة حتى لا تستقبل أي طفل إثيوبي.[41]
وحتى في المدارس الدينية، فإن الأطفال الإثيوبيين يعانون "الفصل العنصري"، كما تقول صحيفة "كول هاعير"؛ إذ إنهم يدرسون في صفوف خاصة. وقالت إن "الفصل العنصري في المدارس الدينية بين الأطفال الإسرائيليين والإثيوبيين كامل"؛ "فهم يأكلون منفصلين، ويصلّون منفصلين، ويدرسون منفصلين."[42]
ولقد انتقلت قضية العنصرية في التعليم الأصولي إلى مستوى التحقيق لدى الشرطة. فقد تقدم يهودا أميتاي، الشرقي الأصل، بشكوى ضد مدرسة التلمود "اتري" الغربية في هارنوف لرفضها قبول ابنه في صفوفها، على الرغم من إيفائه بكل الالتزامات المطلوبة. وعقبت المدرسة على ذلك بأنها رفضت عشرات الأطفال، وكلهم من أصول شرقية، وذلك بسبب النقص في الأماكن.[43]
* * *
لا بد من أن يعيش المرء في إسرائيل كي يدرك عن قرب أن الرفض المعلن للأطر السياسية الأساسية للعنصرية لا يعفي إسرائيل، بصفتها نحتت على جبينها منذ البداية شعار "الدولة لليهود"، من أن تشهد مظاهر تفرقة بين الناس على أساس قومي، أو عرقي – إثني، أو طائفي.
ولا شك في أن للصراع العربي - الإسرائيلي عامة، وللصراع التاريخي الفلسطيني – الإسرائيلي خاصة، دوراً كبيراً في إشعال أوار الكراهية المتبادلة؛ فالشعب المضطهد والخاضع للاحتلال والقهر لا بد من أن يكره محتله ومضطهده وقاهره، لأن صورة عذاباته ومبرر وجودها واستمرارها تتركز فيه. كما أن الشعب الذي يمارس الاضطهاد والقهر والاحتلال يحتاج، هو الآخر، إلى هذه الكراهية لأنه يدافع من خلالها عن توازنه الداخلي، ويبرر سلوكه أمام نفسه. وليس أدل على هذه الكراهية المتبادلة من الحادثة التي تقترب عناصرها من صورة اللامعقول واللامفهوم؛ فقد قام رجل عربي ناضج، في العقد الرابع من عمره، وأب لعدة أطفال، بمطاردة مجندتين في العشرين من عمرهما وطعنهما بالسكين. وهذه صورة يصعب فعلاً فهمها. إذ كيف يعقل أن يقوم رجل ناضج مثله بمثل هذا العمل ضد فتاتين في منزلة بناته. لكن الأمنع على الفهم هو سلوك جمهور بكامله ينقضّ على الرجل ويستمر في ضربه بوحشية منقطعة النظير حتى يلفظ أنفاسه؛ وهذا أمنع على الفهم لأن هذا الجمهور هو القوي وهو القادر، بحكم القانون والقوة والسيادة، على أن يقتص من الفاعل من دون الاضطرار إلى اللجوء إلى الوحشية البدائية المتمثلة في سلوكه آنف الذكر.
27/11/1991
[1] "دافار"، 8/10/1991.
[2] د. عزيز حيدر، "السكان العرب في الاقتصاد الإسرائيلي" – مراجعة مارسيلو فسكار، News from Within، المجلد السابع، العدد الثاني، 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1991، ص 10.
[3] المصدر نفسه.
[4] المصدر نفسه.
[5] المصدر نفسه، ص 11.
[6] المصدر نفسه، ص 12.
[7] "دافار"، 8/10/1991.
[8] المصدر نفسه.
[9] المصدر نفسه، 14/10/1991.
[10] المصدر نفسه.
[11] المصدر نفسه.
[12] ياعل فيشباين، "دافار"، 14/10/1991.
[13] "حداشوت" 25/10/1991.
[14] "يديعوت أحرونوت"، 13/9/1991.
[15] المصدر نفسه، 6/8/1991.
[16] "حداشوت"، 7/11/1991.
[17] "دافار"، 13/10/1991.
[18] "معاريف"، 14/10/1991.
[19] "يروشلايم"، 8/11/1991.
[20] "حداشوت"، 27/10/1991.
[21] "يديعوت أحرونوت"، 15/10/1991.
[22] "حداشوت"، 10/11/1991.
[23] "عال همشمار"، 10/11/1991.
[24] المصدر نفسه.
[25] "معاريف"، 22/11/1991.
[26] "يديعوت أحرونوت"، 30/8/1991.
[27] المصدر نفسه.
[28] المصدر نفسه، 13/10/1991.
[29] "دافار"، 28/7/1991.
[30] "معاريف"، 5/8/1991.
[31] "كول هاعير"، 26/7/1991.
[32] "دافار"، 26/9/1991.
[33] "يروشلايم"، 5/7/1991.
[34] "معاريف"، 2/7/1991.
[35] "يديعوت أحرونوت"، 17/10/1991.
[36] المصدر نفسه.
[37] المصدر نفسه، 27/8/1991.
[38] المصدر نفسه، 28/8/1991.
[39] المصدر نفسه، 15/8/1991.
[40] "معاريف"، 28/8/1991.
[41] "حداشوت"، 30/8/1991.
[42] "كول هاعير"، 5/7/1991.
[43] المصدر نفسه، 13/9/1991.