دان كيرتزر: إدارة بوش، افتراضات في شأن عملية السلام ، 8 كانون الأول/ديسمبر 1989
النص الكامل: 

ثمة درسان اهتدت إدارة بوش بهما في مقاربتها عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية: الأول هو إدراك أنه لا يمكن إطلاق أية عملية [سلمية] أو تعزيزها من دون مقاربة حكومية إسرائيلية موحدة. فقد ثبت أن التجارب السابقة، في ظل إسرائيل منقسمة، ليست عملية؛ والثاني هو أن المسألتين الجوهريتين اللتين تحتاجان إلى المعالجة في نهاية المطاف، عندما نصل إلى المفاوضات – وهما التمثيل الفلسطيني وشكل التسوية النهائية – هما من التعقيد إلى درجة لا يمكن معها تناولهما منذ البداية.

عندما تقلّد الرئيس بوش الحكم، كان ثمة العديد من الافتراضات المضلّلة في شأن نظرة الولايات المتحدة إلى الوضع في الشرق الأوسط. كان الأول ان الحوار بين الولايات المتحدة و م. ت. ف. سيصبح واسطة العِقْد في الجهود الدبلوماسية الأميركية من أجل عملية السلام. وكان الثاني أنه سيحدث تغيير درامي في مقاربتنا القديمة العهد من مسألتي تقرير المصير وإقامة الدولة للفلسطينيين. والافتراض المضلّل الثالث كان أن الإدارة الجديدة ستكون أقرب من سابقاتها إلى فكرة مؤتمر دولي بوصفه وسيلة لبدء المفاوضات.

لقد أثبتت إدارة بوش مبكراً أن هذه الافتراضات كانت غير صحيحة. فمقاربة الرئيس بوش والوزير بيكر قامت على أرضية المبادئ الأميركية القديمة العهد، واهتدت بالدرسين اللذين ناقشناهما آنفاً: ان المفاوضات لن تعلق منذ البداية بمسألتي التمثيل الفلسطيني وشكل التسوية النهائية، وان العملية ستنتفع من وجود موقف موحد للحكومة الإسرائيلية.

 دبلوماسية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط

استهلت إدارة بوش تحركها الدبلوماسي في الشرق الأوسط بالاتصال بالحكومة الإسرائيلية والطلب منها أن تطور مقاربة موحدة من عملية السلام. وكان يؤمل أن تخرج إسرائيل بشيء يمكن تعزيزه سياسياً، وجذاب في حدّه الأدنى للأفرقاء العرب، ويوفر نقطة البداية للمفاوضات. وعندما قدمت إسرائيل مبادرتها الخاصة بالانتخابات، احتضنتها الولايات المتحدة وأعربت عن دعمها لها، لا لأن الخطة أجابت عن الأسئلة كلها، بل لأنها قدمت منصة لبناء عملية سلام قابلة للحياة. كما أن الخطة قدمت شيئاً ثبت مع الأيام أنه أكثر قيمة، وهو بزرة فكرة ديمقراطية في عملية السلام. وكلنا يعرف قيمة الديمقراطية وأهميتها في عالم اليوم. ولست بحاجة إلى أن أذكركم بالتغييرات الكبرى الجارية في أوروبا الشرقية. ان فكرة الانتخابات تتضمن قسطاً كبيراً من النشاط السياسي – حريات الكلام والاجتماع والتنظيم، والحملات الانتخابية والشعارات – التي من شأنها أن توفر أداة فاعلة لإطلاق عملية مفاوضات في الشرق الأوسط.

ان حجة إدارة بوش في دعم المبادرة الإسرائيلية بسيطة: ثمة إمكان لتغيير طريقة معالجة هذا الصراع تغييراً جذرياً. فالإسرائيليون والفلسطينيون يمكن أن يلتقوا في عملية حوار وانتخابات ومفاوضات، قد تكون مختلفة عن أية آليات أو مقاربات جرى تجريبها في الماضي.

لقد قالت الولايات المتحدة: «لا تنظروا إلى ما تفتقده مبادرة 14 أيار/مايو، بل انظروا إلى الإمكانات الكامنة فيها.» واحتجت إدارة بوش بأن هذه الإمكانات الكامنة – في حال استغلالها وصقلها وتوسيعها – يمكن أن تساعد في بلورة عملية سلام قابلة للنجاح فعلاً.

قد يشعر البعض بأن الليكود في إسرائيل هو الطرف الوحيد الذي يعوق التقدم في عملية السلام. انني ارفض هذا التأكيد رفضاً باتاً. فالليكود والعمل، بعملهما معاً في حكومة ائتلافية، هما اللذان أتاحا المجال أمام تقدم هذه العملية.

 قضايا بحاجة إلى حل

وصلت العملية [السلمية]، خلال الأشهر الستة الأخيرة، إلى نقطة أصبح عندها حاجة إلى حل قضيتين من أجل التمكن من بدء المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وهما: من سيحضر الحوار؟ في ماذا سيبحثون عندما يصلون إلى هناك؟

لقد قامت الجهود الدبلوماسية على أساس عدد من المبادئ الجوهرية: أولاً، أكدت الولايات المتحدة لإسرائيل أنه لن تكون ثمة مفاجآت فيما يتعلق بشركاء التفاوض؛ ثانياً، في حين أن إسرائيل لن تُرغم على التفاوض مع أي طرف تعتبره غير مقبول، لا يجوز أن تظهر إسرائيل علناً أنها هي التي تختار الوفد الفلسطيني أو تضع فيتو عليه؛ ثالثاً، ان مصر ليست بديلاً من الفلسطينيين، وهي لا تريد ذلك، ولا تستطيع أن تكون كذلك. وفي الوقت نفسه، إذا كانت م. ت. ف. تسعى وراء نوع من الرمزية العلنية في أي وقت، فإنها ستحرف هذه العملية عن مسارها؛ رابعاً، يجب أن ينصب الحوار على الانتخابات: كيفية الوصول إليها، وكيفية إنجاحها، وكيفية الانتقال منها إلى عملية التفاوض. ومع ذلك، قلنا أيضاً ان كل طرف سيكون حراً – في كلمته الاستهلالية – في أن يناقش القضايا والاهتمامات التي يختارها.

ان الولايات المتحدة مستعدة أيضاً، علاوة على مناقشة نقاط الوزير بيكر الخمس، لإعطاء الضمانات التي تساعد في تبديد مخاوف كل فريق. وثمة ثلاثة توضيحات دفعاً لسوء التفاهم: أولاً، لن تكون ثمة أية ضمانات خاصة تظل سرية أو محجوبة عن الفريق الآخر؛ ثانياً، ان أية ضمانات تعطى لهذا الفريق أو ذاك ستكون منسجمة مع روح الإطار نفسه الذي وضعه بيكر ومع مقصد هذا الإطار؛ وأخيراً، ان الضمانات لن تكون وسيلة للتفاوض في شأن بنية العملية أو إطارها، ويجب ألا يُنظر إليها على هذا النحو.

 دروس من عملية السلام

هناك درسان يمكننا تعلمهما من تطور العملية وبنيتها حتى الآن، قد يشيران إلى ما ينتظرنا في المستقبل: أولاً، ان شكل العملية تغيّر. فالبعد الإسرائيلي – الفلسطيني أصبح القضية البارزة، وهو ما تعترف الأطراف كافة به. لقد اعترفت الحكومة الإسرائيلية بذلك في مبادرتها التي تدعو إلى انتخاب ممثلين فلسطينيين؛ ثانياً، ان الولايات المتحدة، بدلاً من ان تفقد تأثيرها في الشرق الأوسط، قد أثبتت ان الوسائل القديمة في التأثير في الأحداث يمكن ان تنجح. وهي قامت بذلك من دون تهديدات، بل بواسطة الإقناع الهادئ والدبلوماسية الهادئة جداً.

كما ان الولايات المتحدة وضعت لها، كمبدأ جوهري، ان الديمقراطية هي قيمة ذات أهمية في عملية حل نزاع الشرق الأوسط. وهي أداة فعالة، وهدف فعال بأن يناضل الفلسطينيون والعرب والإسرائيليون من أجله. ومن خلال عملية قائمة على الديمقراطية، يمكن للأفرقاء أن يتطلعوا إلى معالجة وضع ما بعد الصراع، الذي سيكون فيه التعاون في كل من السياسة والاقتصاد ضرورياً للغاية، إذا ما أرادت المنطقة أن تكون قادرة على التنافس بفعالية وهي تدخل القرن المقبل.

إضافة إلى ذلك، أرست العملية مستوى من الواقعية جعل كل طرف من الأطراف ينظر إلى النزاع وعملية حله نظرة أكثر إيجابية. ان لدى كلا الطرفين الآن نظرة واقعية إلى ما يمكن تحقيقه وعمله، وإلى مواطن الحساسيات. وفي حين تناقش الولايات المتحدة العمل الذي لا يزال بحاجة إلى الإتمام، فإنها تأمل بأن يمكّن مستوى الواقعية الجديد هذا من جَسْر الثغرات الباقية وإنتاج ذلك النوع من الحوار الفلسطيني – الإسرائيلي الذي يطلق عملية [سلمية] ناجحة.

 

* نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لمفاوضات الشرق الأوسط.

** Policy Forum Report, Vol. 1, No. 8, December 1989, p. 3.