تخوف إسرائيلي من انفجار الغضب الفلسطيني
التاريخ: 
08/12/2017
المؤلف: 

رغم كل ما قيل عن التنسيق والتخطيط المسبقين اللذين قام بهما الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع قادة إسرائيل ومع زعماء الدول العربية والعالم قبل الإقدام على إعلان اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، يتخوف الإسرائيليون بكثير من القلق من ردة فعل الفلسطينيين على هذه الخطوة الدراماتيكية. ربما يعتقد ترامب وطاقمه أن التشاور المسبق مع قادة عرب سيساهم في طمس الاحتجاج الشعبي أو سيساعد على تطويق ردات الفعل الغاضبة، وأنه يجب أن يفهم الفلسطينيون أن لا فائدة من الاحتجاج، فما حدث قد حدث ولا عودة عنه، ولا فائدة من رفضه أو الاحتجاج عليه لأن الرئيس لن يتراجع عن قراره.

 لكن على الرغم من ذلك إذا ظنّ ترامب أنه نجح حيث أخفق غيره، وأنه تمتع بالجرأة التي افتقر إليها رؤساء سابقون، وأنه بإعلانه هذا فرض حقائق على الأرض من شأنها أن ترسم ملامح المرحلة المقبلة؛ فإن ما لن يفلح في التنبؤ به، أو معرفته مسبقاً، هو كيف ستكون فيه ردة الجماهير الفلسطينية والشارع العربي على خطوته الاستفزازية. من هنا فإن الأيام

المقبلة هي أيام حاسمة في رسم ملامح اتجاهات الصراع الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

بينما طغت مشاعر الغضب والإحباط واليأس والرفض على الفلسطينيين ، بدا الإسرائيلييون، رغم فرحهم الظاهر بإعلان ترامب، يتأرجحون بين الإحساس بأن ما حدث هو "إنجاز تاريخي"، وبين التخوف من الثمن السياسي والأمني الذي قد يدفعونه.

 ولقد برز الحذر ظاهراً في كلام المعلقين السياسيين في الصحف الإسرائيلية على اختلاف انتماءاتهم، في ظل معلومات تحدثت عن طلب إدارة ترامب من الحكومة الإسرائيلية لجم ردات الفعل الداخلية الإسرائيلية التي من شأنها تجنب تأجيج مشاعر الفلسطينيين

من بين التساؤلات التي طرحها المعلقون الإسرائيليون بعد إعلان ترامب: ما هو تأثير هذا الإعلان على عملية السلام والتسوية السياسية؟ وما الهدف من التوقيت الحالي للإعلان؟ وما هي الأسباب التي دفعت البيت الأبيض إلى تغيير موقفه؟ وما هي الحسابات الداخلية لترامب؟ وأي نتائج سياسية لهذا القرار على شعبية رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو؟

غداة إعلان ترامب، كان عنوان افتتاحية صحيفة "هآرتس"، وهي صحيفة مستقلة أقرب إلى اليسار: "انسحاب أميركي من السلام". واعتبرت الصحيفة أن هذا القرار هو خطوة إضافية في مسار الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط. لكنها أشارت أيضاَ إلى أنه رغم اعتراف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، فقد حرص على عدم ترسيم حدود المدينة. ومع أنه أعرب عن دعمه لحل الدولتين لشعبين، فقد حمّل مسؤولية التوصل إلى الحل للإسرائيليين والفلسطينيين. أما المعلق السياسي في الصحيفة تسفي برئيل فرأى أن ترامب لم "يقتل عملية السلام" بل تجرأ على "إعلان موتها". بينما اعتبر المعلق السياسي أمنون لورد، اليميني الاتجاه في صحيفة "إسرائيل اليوم"، وهي صحيفة تؤيد نتنياهو وتوزع اقع كما هو حاليا في القدس، ومن شأنه أن يدفع بالسلام ن القرار هواعتراف بالو أ مجاناً، قدماً. ورأى الكاتب أن الرئيس ترامب لم يغلق تماماً الباب في وجه الفلسطينيين الذين نصحهم الكاتب بعدم اللجوء إلى العنف. في صحيفة "يديعوت أحرونوت" توقف المحلل العسكري رون بن يشاي أمام النقاط التي لم يتطرق إليها إعلان ترامب مثل عدم التحدث عن حدود القدس وربط ذلك بمحادثات السلام، وعدم الإعلان عن موعد انتقال السفارة الحديث

 عن الطلب من وزارة الخارجية الأميركية الاهتمام بالموضوع، كما لم يتحدث الإعلان عن خطة ترامب للسلام. ولم يستبعد يشاي أن يكون إعلان ترامب هو جزء"من استراتيجية شرق أوسطية واسعة النطاق". 

ثمة إجماع بين المعلقين بأن توقيت الإعلان هو محاولة من جانب ترامب لاستغلال فترة عيد الميلاد لتقديم "هدية" إلى قاعدته الانتخابية من المسيحيين الأميركيين، وإلى الناخبين اليهود في الولايات المتحدة الأميركية الذين جزء كبير منهم لم يصوّت له في الانتخابات الأخيرة، يثبت لهم فيها أنه رجل يفي بوعوده. لكن لم يغب عن بال هؤلاء المعلقين الدوافع الأميركية الداخلية لهذا الإعلان في هذا الوقت والذي يهدف إلى تجنيد وتعبئة مؤيديه لمواجهة حملة الانتقادات الداخلية التي يتعرض لها. هناك أيضاً طبيعة الرئيس ترامب الذي يريد دائماً أن يثبت اختلافه عن الرئيس الذي سبقه باراك أوباما، وأنه أكثر جرأة منه

ليس هناك أدنى شك في إسرائيل بأن اعتراف ترامب بالقدس هو بمثابة هدية سياسية قيمة جداً بالنسبة إلى بنيامين نتنياهو الذي يمر بفترة كئيبة من حكمه في ظل التحقيقات التي تجريها الشرطة الإسرائيلية معه لتورطه في قضايا فساد، وأن هذا القرار يمكن أن يشكل رافعة لزعامته السياسية وسط الجمهور اليميني القومي والمستوطنين اليهود.

أدى إعلان ترامب إلى تظهير الانقسام الإسرائيلي بشأن مسألة التسوية السياسية مع الفلسطينيين، من خلال بروز توجهين وسط الرأي العام في إسرائيل: اتجاه يتخوف من تداعيات الخطوة على الهدوء الهش في الضفة الغربية وغزة، ومن الثمن السياسي الذي قد تدفعه إسرائيل لاحقاً إذا تبين أن ترامب سيطرح خطة سياسية لحل النزاع، والثمن الأمني الناتج عن اندلاع أعمال العنف. وتوجه مخالف اعتبر الاعتراف الأميركي بمثابة تتويج للشراكة الأميركية - الإسرائيلية، وهو أيضاً درس للفلسطينيين بأن الزمن يعمل ضدهم، وضوء أخضر أميركي لمعاودة البناء في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية

ليس اعتراف ترامب كما يدعي البعض خطوة رمزية لن تغير ولا تبدل، بل هو أقرب إلى أن يكون كرة نار من شأنها أن تشعل غضباً فلسطينيا هو حصيلة 011 عام من التواطؤ الدولي ضدهم منذ تصريح بلفور، و01 عاماً من الظلم الذي لحق بهم نتيجة قرار التقسيم، و01 عاماً من الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم، وقمعه لهم، وحرمانهم من حقهم في وطنهم.

عن المؤلف: 

محررة النشرة اليومية "مختارات من الصحف العبرية" التي تصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت.