حركة المقاومة الإسلامية (حماس)
التاريخ: 
06/12/2018
المؤلف: 

التأسيس

مثّلت هزيمة حزيران/يونيو 1967 بداية "صحوة" التيار الإسلامي الذي كان نفوذه انحسر كثيراً في فترة المد القومي العربي في الخمسينيات والنصف الأول من الستينيات. وساعدت عودة جماعة "الأخوان المسلمين" إلى المسرح السياسي في مصر، بعد تسلّم أنور السادات السلطة في أيار/مايو 1971، على تنامي دور "الجماعة" في قطاع غزة، التي كانت قد اختارت منذ سنة 1968 الشيخ أحمد ياسين لقيادة تنظيمها في القطاع، فراح ينشط في بناء جسم التنظيم، وأسس، في سنة 1973، النواة الأولى لـ "المجمع الإسلامي"، الذي صار يتكوّن من مسجد وعيادة طبية ورياض أطفال ولجنة زكاة، ووصل عدد أعضائه في سنة 1979 إلى حوالي 2000 عضو، بعد حصوله على ترخيص رسمي من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، التي اعتقدت أن تغاضيها عن نشاط "الإسلاميين" الاجتماعي سيساهم في إضعاف مواقع منظمة التحرير الفلسطينية. كما أسس الشيخ أحمد ياسين "الجمعية الإسلامية" في سنة 1976، وساهم في تأسيس "الجامعة الإسلامية" في سنة 1978. ولم يقتصر تنامي دور "الجماعة"، في تلك الفترة، على قطاع غزة، بل طاول الضفة الغربية المحتلة كذلك، مع تزايد الدعم المادي الذي صار يلقاه "الأخوان المسلمون" من جهات عربية مختلفة، وخصوصاً بعد الفوز الكبير الذي حققته قوائم منظمة التحرير الفلسطينية، التي ضمت عدداً من الشيوعيين، في الانتخابات البلدية التي جرت في الضفة الغربية في نيسان/أبريل 1976.

ومنذ مطلع الثمانينيات، صارت جماعة "الأخوان المسلمين" تلعب دوراً سياسياً ملحوظاً، وخصوصاً داخل الجامعات الفلسطينية، مركّزة نشاطاتها، في الأساس، على مواجهة النهج العلماني لمنظمة التحرير الفلسطينية، إذ دخلت في مواجهات عديدة مع الفصائل الوطنية واليسارية ومع الهيئات الاجتماعية المتعاطفة معها، مثل "جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني" في قطاع غزة. غير أن "الجماعة" لم تلعب، حتى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في كانون الأول/ديسمبر 1987، دوراً فاعلاً في التصدي للاحتلال الإسرائيلي، بل ظلت قيادتها تعتبر أن المرحلة "لا تزال مرحلة إعداد وتربية الجيل الإسلامي الذي سيقود عملية تحويل المجتمع إلى مجتمع إسلامي كمقدمة لإعلان الجهاد". وساهمت مواقف قيادة جماعة "الإخوان المسلمين" هذه في إحداث فرز بين صفوفها وشجّعت على تشكيل "حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين"، التي انشدّ مؤسسوها، وعلى رأسهم الدكتور فتحي الشقاقي، إلى تجربة الثورة الإسلامية في إيران، وأعطوا الأولوية في نشاطهم للنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي على قاعدة المزج بين الدين والوطنية، وتبنّي استراتيجية الكفاح المسلح، ونظروا إلى حركتهم باعتبارها تمثّل نقيض الاتجاه "الإصلاحي" لجماعة " الأخوان المسلمين".

ولدى اندلاع الانتفاضة الشعبية لم يكن أمام قيادة جماعة "الأخوان المسلمين" كي تحافظ على نفوذها وتعززه، سوى خيار الانتقال من "الإسلام التقليدي" إلى "الإسلام الجهادي"، إذ اجتمع سبعة من قادتها في مدينة غزة، هم الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وإبراهيم اليازوري، وعبد الفتاح دخان، ومحمد شمعة، وصلاح شحادة وعيسى النشار، واتفقوا في 9 كانون الأول/ديسمبر 1987 على تأسيس إطار تنظيمي يمكّن "الجماعة" من خوض الجهاد ضد الاحتلال، وبرز اسم "حركة المقاومة الإسلامية" (حماس)، في بيانها الأول الذي وزع يوم 14 من الشهر نفسه. ومن قطاع غزة، مدّت حركة "حماس" نشاطها، في كانون الثاني/يناير 1988، إلى الضفة الغربية من خلال عدد من قيادات "الإخوان المسلمين"، أمثال الشيخ حامد البيتاوي، ومحمد الحاج، وبسام جرار، وجمال منصور، وحسن يوسف وجمال النتشة. وشاركت الحركة في البدء في مواجهات الشوارع وفي الإضرابات، وصارت تبرز، من خلال نشاطاتها المستقلة، بصفتها إطاراً منافساً وموازياً لمنظمة التحرير الفلسطينية، ثم راحت تنخرط في أعمال مسلحة ضد أهداف إسرائيلية من خلال جناحها العسكري الذي حمل، في البدء، اسم "المجاهدون الفلسطينيون" بقيادة صلاح شحادة، ثم تطوّر ليحمل، منذ أيار/مايو 1990، اسم "كتائب عز الدين القسام"، التي كان من أبرز قيادييها بشير حماد وعماد عقل ويحيى عياش ومحمد الضيف.

وعلى صعيد هيكلها التنظيمي، مثّل "مجلس الشورى العام" أعلى هيئة تنظيمية داخل حركة "حماس"، وهو الذي ينتخب المكتب السياسي، الذي حددت مهماته في رسم سياسة الحركة وتمثيلها في علاقاتها، كما ينتخب رئيس المكتب السياسي. وتمارس الحركة "الديمقراطية"، أو الشورى، داخل هياكلها التنظيمية والمؤسسية، حيث تجري انتخابات دورية لاختيار قيادات الحركة في جميع القطاعات. وكانت الانتخابات الداخلية تجري بصورة دورية كل ثلاث سنوات، وذلك قبل أن يتقرر أن تجري كل أربع سنوات.

 

توجهات حركة "حماس" السياسية

في 18 آب/أغسطس 1988، وزعت حركة "حماس" ميثاقها الذي حدد منطلقات الحركة وأهدافها، إذ أكد أن "حماس " هي " جناح من أجنحة الأخوان المسلمين في فلسطين"، "تتخذ من الإسلام منهج حياة، وتعمل على رفع راية الله في كل شبر من فلسطين"، وتعتبر أرض فلسطين "أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط بها أو بجزء منها"، وأن تحرير فلسطين هو "فرض عين على كل مسلم حيثما كان". ولدى تطرقها إلى معسكر "الأعداء"، لم تميّز "حماس"، في ميثاقها، بين "الصهيونية" و"اليهود"، بل ركّزت على هؤلاء الأخيرين باعتبارهم "عملوا على جمع ثروات مادية هائلة ومؤثرة، سخّروها لتحقيق حلمهم؛ فبالأموال سيطروا على وسائل الإعلام العالمية، من وكالات أنباء، وصحافة، ودور نشر، وإذاعات وغير ذلك؛ وبالأموال فجروا الثورات في مختلف بقاع العالم لتحقيق مصالحهم وجني الثمار". وبعد أن أشارت الحركة، في ميثاقها، إلى أنها تبادل الحركات الوطنية على الساحة الفلسطينية "الاحترام... وتشد على يدها ما دامت لا تعطي ولاءها للشرق الشيوعي أو الغرب الصليبي"، وترى في منظمة التحرير الفلسطينية "أقرب المقربين إلى حركة المقاومة الإسلامية"، أكدت أن فكرة الدولة العلمانية التي تتبنّاها منظمة التحرير "مناقضة للفكرة الدينية مناقضة تامة"، وأنه لا يمكنها أن تستبدل "إسلامية فلسطين الحالية والمستقبلية" بالفكرة العلمانية، من منطلق أن "إسلامية فلسطين جزء من ديننا، ومن فرّط في دينه فقد خسر".

وحاولت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية استيعاب حركة "حماس" عند تأسيسها، فعرضت عليها في سنة 1988 الانضمام إلى المجلس الوطني الفلسطيني، غير أن "حماس" رفضت المشاركة في هيئات المنظمة. وعشية انعقاد الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 1988 وتبنيها "مبادرة السلام" الفلسطينية، برز موقف حركة "حماس" الرافض للحلول السياسية، إذ أكدت في نداء وجهته في 10 من ذلك الشهر إلى أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني أن أرض فلسطين "ملك لأجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط بها أو بجزء منها"، وأن المعركة "مع الصهاينة ليست معركة على اقتسام حدود ولا خلافاً على قطعة أرض"، بل هي "معركة وجود ومصير". ورداً على الدعوة التي وجهت إليها للمشاركة في اللجنة التحضيرية لإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، وجهت حركة "حماس"، في 6 نيسان/أبريل 1990، مذكرة إلى رئيس المجلس الوطني الشيخ عبد الحميد السائح، عرضت عليه فيها تصورها لأسس تشكيل المجلس، بحيث يتم اختيار أعضائه عن طريق "الانتخاب وليس التعيين"، ويتم "تخفيض" عددهم، ويصار إلى "تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني بما ينسجم مع عقيدة الشعب الفلسطيني المسلم وتراثه الأصيل"، كما طرحت شروطها للمشاركة في عضوية المجلس الوطني، بحيث يتم "تمثيل حماس في المجلس بعدد يساوي ويكافئ ثقلها في الساحة، الذي يتراوح بين 40-50 في المئة من مجموع أعضاء المجلس"، و"التخلي عن كافة التراجعات والتنازلات والاعترافات التي تتناقض مع حقوقنا ومع تطلعات شعبنا وتضحياته، والتي كان آخرها قرارات الدورة التاسعة عشرة في الجزائر في تشرين الثاني 1988". وفي آب/أغسطس 1991، عقد في مدينة الخرطوم لقاء بين وفدين عن حركة "فتح"، برئاسة ياسر عرفات، وحركة "حماس"، برئاسة إبراهيم غوشة، بدعوة من الرئيس السوداني عمر البشير، وذلك للبحث في سبل انضمام حركة "حماس" إلى منظمة التحرير الفلسطينية. بيد أنه لم يمضِ شهران على عقد ذلك اللقاء، حتى قامت حركة "حماس" بمهاجمة نتائج الدورة العشرين للمجلس الوطني الفلسطيني، التي عقدت في الجزائر ما بين 23 و 28 أيلول/سبتمبر 1991، وذلك في بيان أصدرته في 7 تشرين الأول/أكتوبر 1991، وأدانت فيه موافقة غالبية أعضاء المجلس الوطني "على حضور مؤتمر بيع فلسطين وبيت المقدس وفق الشروط والصيغ الأميركية-الصهيونية المذلة"، معتبرة أن أي وفد فلسطيني يُشكّل على أساس قرارات تلك الدورة "هو وفد غير شرعي ولا يمثّل الشعب الفلسطيني". وفي 24 من الشهر نفسه، شاركت حركة "حماس" مع تسعة فصائل فلسطينية في إصدار بيان يدعو قيادة منظمة التحرير إلى التراجع عن قرارها المشاركة في مؤتمر مدريد "الهادف إلى تصفية قضيتنا وبيت المقدس". ثم عارضت بشدة "اتفاق أوسلو"، وقدّرت، على لسان الشيخ أحمد ياسين، أن الذين وقعوا "الاعتراف بدولة إسرائيل" سلّموا بذلك "بكل ما اغتصبته من أرضنا وتراثنا ومقدساتنا وحضارتنا"، وعادت ووصفت الاتفاقات الأمنية اللاحقة التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل بأنها "اتفاقات خيانية". ثم قدمت مقترحاً لتطوير صيغة "الفصائل العشرة"، وأُعلن رسمياً عن قيام "تحالف القوى الفلسطينية" الرافضة لمسار التسوية السياسية في أوائل سنة 1994 في العاصمة السورية دمشق.

 

نشاط حركة "حماس" المسلح

انطلقت عمليات حركة "حماس" العسكرية، باسم "المجاهدون الفلسطينيون"، منذ ربيع سنة 1988، الأمر الذي دفع السلطات الإسرائيلية إلى شن حملة قمعية واسعة على الحركة وجهازها العسكري في أيار/مايو 1989، اعتقل خلالها الشيخ أحمد ياسين وعدد كبير من قياداتها وكوادرها، وأصدرت إحدى المحاكم العسكرية الإسرائيلية حكماً بسجن الشيخ أحمد ياسين مدى الحياة مضافاً إليها خمسة عشر عاماً أخرى، بعد أن وجهت إليه لائحة اتهام تتضمن التحريض على اختطاف جنود إسرائيليين وقتلهم وتأسيس حركة "حماس" وجهازيها العسكري والأمني. ولم يُفرج عنه سوى في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 1997 في عملية تبادل جرت بين الأردن وإسرائيل، إذ قامت السلطات الأردنية بتسليم السلطات الإسرائيلية اثنين من عملاء "الموساد"، ألقت القبض عليهما في أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل في العاصمة عمان، مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين.

وكان مقاتلو "كتائب عز الدين القسام" قد نفذوا، في كانون الأول/ديسمبر 1992، عملية أسر الجندي الإسرائيلي "نسيم توليدانو" وقتله، ردّت عليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحملة اعتقالات جديدة في صفوف الحركة، وبإبعاد 415 ناشطاً من نشطائها، ومن نشطاء حركة "الجهاد الإسلامي" إلى "مرج الزهور" في جنوب لبنان، وذلك إلى ان استجابت إسرائيل إلى الضغوط الدولية وأعادتهم. وفي سنتي 1993 و 1994، تصاعد النشاط العسكري للحركة وأخذ منحى أكثر عنفاً، تجسد في تنفيذ سلسلة من العمليات الانتحارية في قلب إسرائيل، بلغت ذروتها بسلسلة عمليات تفجير حافلات في القدس وعسقلان وتل أبيب في شباط/فبراير وآذار/مارس 1996، وذلك رداً على قيام القوات الإسرائيلية باغتيال قائد "كتائب عز الدين القسام" يحيى عياش في 5 كانون الثاني/يناير 1996.

 

حركة "حماس" والسلطة الوطنية الفلسطينية

استمرت حركة "حماس" في نشاطها العسكري حتى بعد تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية في سنة 1994، مع امتناعها عن الدخول في صدام مفتوح معها. بينما راحت السلطة تضيق الخناق أكثر وأكثر على الحركة، رداً على نشاطها العسكري. وفي أواخر حزيران/يونيو 1995، اعتقلت أجهزة السلطة الأمنية عدداً من قياديي حركة "حماس"، كان من ضمنهم محمود الزهار وأحمد بحر، ثم شنت حملة اعتقالات واسعة على نشطائها في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل 1996 عقب سلسلة العمليات التفجيرية التي قامت بها الحركة داخل إسرائيل. وعشية الانتخابات التشريعية التي جرت، في كانون الثاني/يناير 1996، لانتخاب مجلس الحكم الذاتي، أعلنت حركة "حماس" مقاطعتها الانتخابات، لأنها "تجري تحت سقف اتفاق أوسلو"، وتلغي "حق أكثر من أربعة ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات، بحصرها المشاركة بأبناء الضفة الغربية وقطاع غزة "، معتبرة أن صلاحيات المجلس المنتخب ستبقى "رهينة لسلطة الاحتلال". ووواصلت أجهزة السلطة الوطنية الفلسطينية، خلال سنتَي 1997 و 1998، التضييق على نشاط حركة "حماس" العسكري، وقامت، في نيسان/أبريل 1998، باعتقال عدد من قيادييها من ضمنهم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، الذي شغل منصب الناطق الرسمي باسم حركة "حماس"، وأفرج عنه بعد 15 شهراً بسبب وفاة والدته، ثم أعيد للاعتقال بعدها ثلاث مرات، ما بين سنتَي 2000 و 2001، ليفرَج عنه بعد أن خاض إضراباً عن الطعام وبعد أن قُصِف السجن الذي كان معتقلاً فيه من قبل الطائرات الإسرائيلية.

وكان قد طرأ تحسن نسبي على العلاقات بين السلطة الفلسطينية وحركة "فتح"، من جهة، وحركة "حماس"، من جهة ثانية، عقب اندلاع الانتفاضة الثانية في أواخر أيلول/سبتمبر 2000. وبعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، تعرضت حركة "حماس" إلى حملة استهداف إسرائيلية وغربية واسعة، بحجة كونها حركة "إرهابية"، وقرر الرئيس جورج بوش الابن وضع ستة من قادتها، من ضمنهم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، على لائحة "الإرهاب". أما سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فقد اتخذت بعد اندلاع الانتفاضة قراراً بتصفية عدد من أبرز قياديي الحركة، فاغتالت ما بين 2001 و 2003 جمال سليم، وجمال منصور، وصلاح شحادة وإسماعيل أبو شنب. وفي فجر 22 آذار/مارس 2004 ، استشهد الشيخ أحمد ياسين إثر قيام مروحية أباتشي إسرائيلية بإطلاق ثلاثة صواريخ عليه وهو خارج على كرسيه المتحرك من مسجد المجمّع الإسلامي بحي الصّبرة في قطاع غزة. كما استشهد معه سبعة من مرافقيه وجُرح اثنان من أبنائه. وبعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين، بايعت حركة "حماس" الدكتور عبد العزيز الرنتيسي خليفة له في قيادة الحركة. لكن لم يمضِ شهر على شغله هذا الموقع، حتى قامت مروحية اسرائيلية بإطلاق ثلاثة صواريخ على سيارته في قطاع غزة، في 17 نيسان/أبريل 2004، ما أدى إلى استشهاده مع اثنين من مرافقيه.

 

السيطرة على قطاع غزة

برز توجه حركة "حماس" نحو الاقتراب من الاندماج في النظام السياسي الفلسطيني، الذي نشأ عن "اتفاق أوسلو"، في سنة 2004، عندما شاركت في الانتخابات المحلية، المؤجلة منذ سنة 1996، التي دعا إليها ياسر عرفات في 5 أيار/مايو من ذلك العام، وحققت فيها نتائج جيدة. ثم جاء إعلان حكومة أريئيل شارون عزمها الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة ليشجع قادة "حماس" على التقدم خطوات جديدة على طريق هذا الاندماج، الذي أصبح حقيقة واقعة بعد رحيل ياسر عرفات، في تشرين الثاني/نوفمبر 2004، وانتخاب محمود عباس ليحل محله في رئاسة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، في كانون الثاني/يناير 2005. فلم تمضِ سوى أسابيع قليلة على انتخابه حتى نجح الرئيس الجديد، بعد سلسلة اجتماعات عُقدت في القاهرة، في التوصل إلى تفاهم مع قيادة حركة "حماس"، ومع قيادات الفصائل الفلسطينية الأخرى، نص على التزام الفصائل المسلحة بالامتناع عن القيام بعمليات عسكرية حتى نهاية سنة 2005، وبإجراء انتخابات محلية وتشريعية دون تأخير والبدء في محادثات من أجل ضم حركتَي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إلى منظمة التحرير الفلسطينية.

وفي انتخابات المجلس التشريعي، التي جرت في كانون الثاني/يناير 2006، فازت حركة "حماس" بأغلبية مقاعد المجلس، وجاء فوزها، في المقام الأول، بفضل تصويت "احتجاجي" لقطاع واسع من المواطنين على الأوضاع القائمة في المناطق الفلسطينية المحتلة. وأدّت الانتخابات إلى خلق استقطاب ثنائي في الساحة الفلسطينية. ونتيجة رفض الحكومة الإسرائيلية مناقشة ترتيبات خطة "فك الارتباط" بقطاع غزة مع السلطة الفلسطينية، أعقب انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، الذي بدأ في منتصف شهر آب/أغسطس 2005 وانتهى بخروج آخر جندي إسرائيلي من القطاع في 12 أيلول/سبتمبر 2005، نشوء حالة من الفلتان الأمني ومن فوضى السلاح، وجرت محاولات عديدة لإطلاق صواريخ نحو الخط الأخضر، ردت عليها القوات الإسرائيلية بشن اعتداءات واسعة على القطاع، كما قامت حركة "حماس" بتنظيم مسيرات مسلحة وعروض عسكرية، وتكرر وقوع اشتباكات مسلحة بين عناصر الشرطة الفلسطينية ومقاتلي حركة "حماس"، تحوّلت إلى صراع شامل، انتهى، في أواسط حزيران/يونيو 2007، بقيام "حماس" بفرض سيطرتها بالقوة العسكرية على قطاع غزة، وهو ما أدّى إلى حدوث انقسام جغرافي وسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

حركة "حماس" في السلطة

بعد سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة، جرت محاولات عدة لإنهاء الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني، وإحياء الحوار بين حركتَي "فتح" و "حماس". ففي أواخر شباط/فبراير 2009، التأم في القاهرة، بمشاركة ممثلين عن الحركتين، حوار وطني شامل أفضى إلى الاتفاق على وثيقة "الوفاق الوطني"، كما عقد حوار ثنائي في القاهرة كذلك، في 27 نيسان/أبريل 2011، بين ممثلين عن حركتَي "فتح" و "حماس"، أسفر عن الاتفاق على "تفاهمات" حول الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، وحول منظمة التحرير الفلسطينية و"الإطار القيادي المؤقت" الذي يشارك فيه ممثلو حركتَي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وحول تشكيل حكومة وفاق وطني. ثم توصّل ممثلو الحركتين إلى اتفاق في مدينة غزة، في 23 نيسان/أبريل 2014، نجم عنه تشكيل حكومة "توافق وطني"، أعقبه التوصل إلى اتفاق جديد وقعه ممثلو الحركتين في القاهرة في تشرين الأول/أكتوبر 2017 يقضي بأن تقوم الحكومة الفلسطينية في رام الله بإدارة وشؤون قطاع غزة، بدءاً من الأول من كانون الأول/ديسمبر2017. بيد أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل إلى الآن ولم تنجح في إنهاء الانقسام.

ومن ناحية أخرى، تعرض قطاع غزة، منذ وقوعه تحت سيطرة حركة "حماس"، إلى حصار خانق فرضته إسرائيل، تسبب في تردي أحوال سكانه المعيشية تردياً كبيراً، كما شنت إسرائيل على القطاع ما بين أواخر 2008 وصيف 2014 ثلاث حروب كبيرة أدّت إلى استشهاد آلاف الفلسطينيين، وإلى سقوط عشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين، وإلى تدمير آلاف المنازل والورش والمصانع. وكانت حركة "حماس"، قد أوقفت، بعد سيطرتها على قطاع غزة، عملياتها التفجيرية أو "الاستشهادية"، وصارت تلجأ، رداً على الاعتداءات الإسرائيلية، إلى إطلاق الصواريخ المصنعة محلياً، أو المهربة عبر الأنفاق إلى قطاع غزة.

 

وثيقة "حماس" الجديدة وقيادتها الجديدة

أعلنت حركة "حماس" مساء الاثنين في الأول من أيار/مايو 2017 من الدوحة، على لسان رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، وثيقتها السياسية الجديدة التي تحدد وترسم مبادئ الحركة بعد مرور نحو 30 عامًا على انطلاقها. وصدرت هذه الوثيقة تحت اسم "وثيقة المبادئ والسياسات العامة لحركة حماس"، ونُظر إليها باعتبارها خطوة مهمة على طريق تطوير مواقف الحركة وإنضاجها. ففي هذه الوثيقة، تبنت حركة "حماس" بصورة واضحة هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة، إذ ورد فيها أن "حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة، بما لا يعني إطلاقاً الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا التنازل عن أيٍّ من الحقوق الفلسطينية". كما قطعت الحركة في هذه الوثيقة صلتها المعلنة بجماعة "الأخوان المسلمين"، التي أشارت إليها في "ميثاق" 1988، إذ ورد في تعريف الحركة أن "حركة المقاومة الإسلامية "حماس" هي حركة تحرّر ومقاومة وطنية فلسطينيَّة إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، مرجعيَّتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها". وتمثّل التطور الثالث الرئيسي في تمييز الحركة بين اليهود والصهيونية، إذ استخدمت الوثيقة بصورة واضحة كلمة "الصهاينة"، حين أكدت أن "المشروع الصهيوني هو مشروع عنصري، عدواني، إحلالي، توسعي، قائم على اغتصاب حقوق الآخرين، ومعادٍ للشعب الفلسطيني وتطلّعاته في الحرية والتحرير والعودة وتقرير المصير؛ وأنَّ الكيان الإسرائيلي هو أداة المشروع الصهيوني وقاعدته العدوانية".

وفي 6 أيار/مايو 2017، أُعلنت نتائج الانتخابات التي أجرتها حركة "حماس" في قطاع غزة، والضفة الغربية، وداخل السجون، وخارج فلسطين، والتي أسفرت عن انتخاب 45 عضواً لـ "مجلس الشورى العام"، قاموا بانتخاب 19 عضواً في المكتب السياسي لمدة 4 سنوات، وانتخبوا إسماعيل هنية رئيساً لهذا المكتب خلفاً لخالد مشعل، الذي شغل هذا المنصب منذ سنة 1996. وكانت الحركة قد انتخبت، قبل ذلك، يحيى السنوار مسؤول تنظيمها في قطاع غزة.

 

علاقات حركة "حماس" الخارجية

منذ مطلع التسعينيات، احتضنت سورية أعضاء قيادة حركة "حماس" المقيمين خارج فلسطين ودعمت الحركة، التي اعتمدت كذلك على دعم سياسي ومادي كبير تلقته من إيران، وأقامت علاقات تحالف مع "حزب الله" اللبناني، وذلك إلى أن ساءت علاقاتها مع هؤلاء الحلفاء عقب قيام "حماس" بدعم الحراك الشعبي الذي صارت تشهده سورية منذ آذار/مارس 2011، ومشاركة مجموعات قريبة منها في نشاط "المعارضة" السورية المسلحة. وقد نقلت الحركة إثر ذلك مركز قيادتها في الخارج إلى قطر، وعززت علاقاتها التحالفية التاريخية مع تركيا. ومع أن علاقات الحركة شهدت تحسناً في الآونة الأخيرة مع كلٍ من إيران و "حزب الله"، إلا أن علاقاتها مع سورية بقيت مقطوعة إلى الآن.

 

المراجع

أبو عمرو، زياد. "الحركة الإسلامية في الضفة الغربية وقطاع غزة: الإخوان المسلمون، الجهاد الإسلامي". عكا: دار الأسوار، 1989.

"الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية". الجزء الأول . ط 3. تنسيق فيصل دراج، جمال باروت. دمشق: المركز العربي للدراسات الاستراتيجية، 2000.

"الحركات الإسلامية في فلسطين". في: "معلومات". بيروت: المركز العربي للمعلومات، العدد 22، شباط 1996.

"حركة المقاومة الإسلامية حماس. دراسات في الفكر والتجربة". تحرير محسن محمد صالح. بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2014.

"حركة المقاومة الإسلامية" (حماس)"، مجلة الدراسات الفلسطينية ( الملف)، العدد 13 ( شتاء 1993)، ص 70-151.

الحروب، خالد. "حماس: الفكر والممارسة السياسية". ط 2. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1997.

الشريف، ماهر، "البحث عن كيان. دراسة في الفكر السياسي الفلسطيني 1908-1993"، نيقوسيا، مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي، 1995.

الصالحي، بسام، "الزعامة السياسية والدينية في الأرض المحتلة، واقعها وتطورها 1967-1991"، القدس، دار القدس للنشر والتوزيع، 1993.

مذكرات الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي إعداد عامر شماخ، غزة، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2004.

النواتي، مهيب سلمان أحمد. "حماس من الداخل". غزة-عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع، 2002.

منصور أحمد، "الشيخ أحمد ياسين شاهد على عصر الانتفاضة". سلسلة كتاب الجزيرة-شاهد على العصر. بيروت: الدار العربية للعلوم-دار ابن حزم، 2003.