على هامش "ورشة المنامة": "السلام الاقتصادي": خلفياته، مضامينه وهدفه
التاريخ: 
07/06/2019
المؤلف: 

يبدو أن "ورشة المنامة" الاقتصادية، التي ستشهد الإعلان عن الشق الاقتصادي من خطة "السلام" التي أعدتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، ستعقد في موعدها المحدد ما بين 25 و 26 حزيران/يونيو الجاري، بينما من المرجح أن يجري تأجيل طرح الشق السياسي لهذه الخطة إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية التي ستجري في 19 أيلول/سبتمبر القادم، علماً أن بعض المراقبين يتوقع أن لا يرى هذا الشق السياسي النور حتى بعد هذه الانتخابات، على اعتبار أن دونالد ترامب سيكون آنذاك مشغولاً بإطلاق حملته الانتخابية لولاية رئاسية ثانية. ومهما يكن، فقد شهدت الأشهر الفائتة خطوات عملية على طريق تطبيق هذا الشق السياسي، كان من أهمها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها ونزع صفة "الأراضي المحتلة" عن الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها إسرائيل في حزيران/يونيو 1967.

إن هدف هذا المقال هو إظهار أن مفهوم "السلام الاقتصادي"، الذي ينطوي عليه الشق الاقتصادي من خطة "السلام" الأميركية، ليس جديداً، وأن المحللين الموضوعيين، بمن فيهم بعض المحللين الإسرائيليين، يجمعون على أن السلام السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين "هو شرط أساسي لـ "سلام اقتصادي"".

 

مفهوم قديم يطل علينا من جديد

فالواقع، أن مفهوم "السلام الاقتصادي" يعود بجذوره إلى الأفكار التي طرحها شمعون بيريس في كتابه: "الشرق الأوسط الجديد" الذي صدر باللغة الإنكليزية في بريطانيا سنة 1993، وتضمن تصوراً لتسوية سياسية  للصراع العربي - الإسرائيلي تقوم على قاعدة تطوير التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة في إطار بناء نظام إقليمي جديد، يتيح توظيف الموارد النفطية والمائية والبشرية التي تمتلكها الدول العربية، والتكنولوجيا المتقدمة التي تمتلكها إسرائيل، بما يضمن الاستقرار والتنمية ويفسح المجال أمام فتح الحدود والانتقال الحر للأشخاص والبضائع، كما يضمن حل المشكلات المعقدة المرتبطة بهذا الصراع، كمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، التي يقترح بيرس أن يجري  حلها عبر توطينهم في الدول التي استضافتهم ومنحهم جنسيات هذه الدول، مع استعداد إسرائيل للمساهمة في تمويل مشاريع ترمي إلى تحسين أوضاعهم المعيشية. وبعد التوصل إلى "اتفاق أوسلو"، وبروز وهم "السلام" القادم، روّج لمفهوم "السلام الاقتصادي" في المنتدى الاقتصادي العالمي للتنمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي عقد في مدينة الدار البيضاء في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 1994.

وعقب التوصل في "مؤتمر أنابوليس" في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2007، الذي دعا إليه الرئيس جورج بوش الابن وشارك فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، إلى اتفاق على إطلاق مفاوضات فلسطينية-إسرائيلية تفضي قبل نهاية سنة 2008 إلى تسوية قائمة على حل "الدولتين"، اقترح رئيس حزب "الليكود" بنيامين نتنياهو، في خطاب ألقاه في "مؤتمر هرتسليا" في كانون الثاني/يناير 2008، سلوك طريق "السلام الاقتصادي"، معتبراً أن هذا "السلام" هو "ممر لخيار السلام لاحقًا، وهو الذي سيخلق الظروف المُلائمة لتكون الأجواء جاهزة لذلك"، من خلال  تحسين الأوضاع الحياتية للفلسطينيين. وبعد تسلمه رئاسة الحكومة الإسرائيلية في العام التالي، شكّل نتياهو لجنة وزارية لدعم فكرة "السلام الاقتصادي".

وعلى هامش المنتدى الاقتصادي العالمي للتنمية في لشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي عقد ما بين 24 و 26  أيار /مايو 2013 على شواطئ البحر الميت في الأردن، وبغية إعادة "بناء الثقة" بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتهيئة أجواء مواتية لهما لاستئناف المفاوضات، طرح جون كيري وزير الخارجية في إدارة الرئيس باراك أوباما خطة لتحسين الأوضاع الاقتصادية في المناطق  الفلسطينية المحتلة تقوم على ضخ استثمارات بنحو أربعة مليارات دولار خلال ثلاث سنوات  لتطوير البنى التحتية في مجال المياه والطاقة والكهرباء، وتحفيز معدلات النمو الاقتصادي، وخفض نسبة البطالة، وزيادة مستوى دخل الأسرة الفلسطينية بشكل ملموس، والحد من اعتماد السلطة الفلسطينية في موازنتها على المساعدات الخارجية. كما اقترحت تلك الخطة تسهيل حركة تنقل الفلسطينيين وتوسيع نشاط السلطة الفلسطينية في المناطق المصنفة "ج".

 

كوشنير و "الشق الاقتصادي" من خطة "السلام" الأميركية

في أواخر شباط/فبراير 2019، قام جاريد كوشنير مستشار الرئيس دونالد ترامب، برفقة جيسون غرينبلات موفده الخاص إلى الشرق الأوسط، بجولة في عدد من دول المنطقة  لعرض الشق الاقتصادي من خطة "السلام" وتوفير الدعم المادي لما يتضمنه من مشاريع، شملت كلاً من تركيا والإمارات وعمان والبحرين والعربية السعودية وقطر. وفي مقابلة خاصة مع "سكاي نيوز عربية"، أجريت معه في 25  من الشهر نفسه في أبو ظبي، أشار كوشنير إلى أن هدف زيارته، والوفد المرافق له، هو "استشارة الجهات المعنية في المنطقة ومشاركتهم بعض التفاصيل بشأن ما نتطلع لتحقيقه، لا سيما في ما يتعلق بالرؤية الاقتصادية والفرص التي ستتوفر عندما يحل السلام"، معتبراً أن  النزاعات "تحرم الناس من فرص ممارسة التجارة وتحسين حياتهم"، وأن الأثر الاقتصادي للخطة "لن يقتصر على الإسرائيليين والفلسطينيين، بل سيشمل المنطقة برمتها، بما في ذلك الأردن ومصر ولبنان"، بحيث يتمّ "التركيز على تطوير البنى  التحتية والقوانين وتوفير التدريب من أجل إيجاد فرص جديدة وضمان الازدهار في المنطقة". وأضاف أن الاقتصاد الفلسطيني سيبقى "مقيداً في ظل غياب السلام"، وأنه إذا تمّ النجاح في "إحلال السلام بعيداً عن الترهيب، يمكن أن يضمن ذلك التدفق الحر للناس والسلع ويؤدي ذلك إلى إيجاد فرص جديدة".

ومع أن جاريد كوشنير لم يشر في مقابلته تلك إلى حل "الدولتين" ولا إلى احتمال قيام دولة فلسطينية، إلا أن حديثه، في المقابلة، عن ترسيم الحدود أثار غضب الأوساط  اليمينية المتطرفة في إسرائيل.

 

"ورشة المنامة": "من السلام إلى الازدهار"

أعلن بيان صادر عن البيت الأبيض في 19 أيار/مايو الفائت عن تنظيم "ورشة اقتصادية" في مدينة المنامة في  البحرين، يومي 25 و 26 حزيران/يونيو الجاري، "لتشجيع الاستثمارات في الضفة الغربية وغزة وفي المنطقة". وهذه الورشة التي ستعقد تحت عنوان: "من السلام إلى الازدهار"، ستمثّل، كما جاء في البيان الذي أوردته مجلة "الكورييه أنترناسيول" الفرنسية، "فرصة فريدة  لجمع ممثلين عن الحكومات والمجتمع المدني وعالم رجال الأعمال لتبادل الأفكار، ومناقشة وتعبئة الدعم للاستثمارات والمبادرات الاقتصادية التي ستكون متاحة بفضل اتفاق سلام"، و"تحديد رؤية وإطار طموحين وقابلين للتحقيق لمستقبل مزدهر للفلسطينيين وللمنطقة""، وأن هذه الرؤية، في حال وضعها موضع التطبيق، "تمتلك الطاقة اللازمة لتحويل حياة الناس بصورة راديكالية ودفع المنطقة نحو مستقبل مزهر". وفي تصريح صحفي، شكر جاريد  كوشنير مملكة البحرين لموافقتها على استضافة هذه الورشة، وقال: "هذا يسمح لنا بأن نعرض أفكارنا لنخلق دينامية اقتصادية أكبر في المنطقة". وأضاف: "إن الفلسطينيين، وجميع شعوب الشرق الأوسط، يستحقون مستقبلاً كريماً وفرصاً لتحسين حياتهم". وتراهن إدارة ترامب على قيام الدول الخليجية  بتمويل الجزء الأكبر من الاستثمارات المقترحة للمناطق الفلسطينية.

وقد  أشار مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، في تصريح أدلى به لقناة السي إن إن، ونقلته المجلة الفرنسية نفسها، إلى أن الشق الاقتصادي من خطة "السلام" سيعالج "أربعة عناصر رئيسية هي: البنى التحتية، والصناعة،  والتمكين، والاستثمار في الموارد البشرية وإصلاحات الحوكمة"، وذلك "لجعل المنطقة مؤهلة قدر الإمكان لجذب الاستثمارات". بينما  رأى مسؤول آخر أن هذا الشق الاقتصادي سيشمل "توليفة من التمويل والقروض منخفضة الفائدة ورساميل فردية"، معتبراً أن الفصل بين الشق الاقتصادي والشق السياسي هدفه "إظهار أنه لا يمكن أن يتحقق السلام من دون استقرار وفرص اقتصادية". بينما أعلن جيسون غرينبلات، رداً على الموقف الفلسطيني الذي رفض المشاركة في "ورشة المنامة": "سيكون من الخطأ أن لا يلتحق الفلسطينيون بنا [في هذه الورشة]...فهم لا يخسرون شيئاً وسيربحون كثيراً إذا رغبوا في الالتحاق بنا".

 

الاستقلال السياسي هو شرط تحسين حياة الفلسطينيين ومدخله

أظهرت الخطط والمشاريع  السابقة، التي بقيت حبراً على ورق، أن تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية في الضفة الغربية وقطاع غزة لن يكون ممكناً ما لم يتم إنهاء تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، وهو أمر لن يتحقق بدوره  ما لم يحصل الفلسطينيون على استقلالهم السياسي. وهذا ما أكده تقرير نشرته "مجموعة إكس"، التي تشكلت في فرنسا برعاية جامعة مارسيليا الثالثة، بالتنسيق مع "مركز بيريس للسلام" في إسرائيل و"مركز الدراسات والأبحاث" في فلسطين، الذي أشار إلى أن الفلسطينيين لا يتمتعون بأي سيادة اقتصادية، وهم لا يسيطرون لا على سياستهم الضريبية ولا على سياستهم النقدية، ولا تتمتع مناطقهم بتواصل جغرافي، وهم غير قادرين على الاستفادة من طاقاتهم الاقتصادية، إذ لا يملك القطاع العام هامش مناورة كاف، ولا يملك القطاع الخاص حرية الاستفادة من قواعد السوق، بينما تسيطر إسرائيل، سيطرة كاملة، على انتقال الأشخاص والمواد والسلع، وتفرض  تقييدات على قيام الفلسطينيين بمشاريع تنموية في المنطقة "ج"، التي تشكّل 60% من أراضي الضفة الغربية وتمتلك معظم مواردها الطبيعية. ويخلص التقرير إلى  أن لا مستقبل للتنمية في فلسطين سوى بانفصال الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الإسرائيلي، وتمتع السلطة الفلسطينية بالسيادة الاقتصادية، وهو أمر يمر عبر ترسيم الحدود بين فلسطين وإسرائيل.

وتعليقاً على تزايد الحديث عن "صفقة القرن" الأميركية، وجّه  37 من رؤساء الوزراء  ووزراء الخارجية والزعماء الأوروبيين رسالة، في 15 نيسان/أبريل 2019، إلى مسؤولة الدبلوماسية الأوروبية فريدريكا موغريني يؤكدون فيها رفضهم الضمني لهذه "الصفقة" ودعمهم لحل سياسي يقوم على قاعدة قيام دولتين تتمتعان بالسيادة، إسرائيلة وفلسطينية، معتبرين "أن سلاماً قابلاً للحياة يحتاج إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على حدود ما قبل الرابع من حزيران 1967 مع تعديلات محدودة ومتكافئة يتم التوافق عليها بين الطرفين، ومع القدس عاصمة للدولتين ومع ترتيبات أمنية تتجاوب مع  المخاوف المشروعة وتحترم سيادة كل طرف ومع حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين".

والواقع، أن المحللين الموضوعيين يجمعون على أن أي خطة لن تكون سوى "ثرثرة" ما لم تنطوِ على أفق يضمن الاستقلال السياسي للفلسطينيين.  فتعليقاً على "ورشةالمنامة" التي من المفترض أن تكون نقطة الانطلاق نحو "صفقة القرن"، أكد  المحلل العسكري في جريدة "معاريف" يوسي ميلمان، أن هذه "الصفقة " "لن تكون أكثر من هامش بسيط لعشرات خطط السلام السابقة التي عرضتها الإدارات الأميركية منذ حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967]"، خصوصاً بعد أن أعلنت السلطة الفلسطينية "التي تواصل مقاطعة الاتصالات مع إدارة ترامب بعد أن قامت هذه الأخيرة بتقليص المساعدات المالية للسلطة ولوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين [الأونروا] وللمستشفيات في القدس الشرقية"، أن مندوبيها لن يشاركوا في مؤتمر البحرين، معتبراً  أن النهج الذي تتبعه إدارة ترامب إزاء الفلسطينيين "مليء بالتناقضات الصارخة، فهي من جهة تعاقبهم، ومن جهة أُخرى تدعو إلى عقد مؤتمر دولي تطلب فيه من رجال أعمال ودول عربية أن يقدموا لهم مساعدات مالية". أما المحلل الاقتصادي لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيفر بلوتسكر، فقد اعتبر أن "صفقة القرن" ما هي سوى " خليط من خداع وتخبط"،  ومؤخراً "تغلب الخداع وتحت صيحات انتصار جرى عرض "المرحلة الأولى" من الصفقة – "سلام اقتصادي" برعاية مؤتمر اقتصادي في البحرين. سلام اقتصادي، ثرثرة اقتصادية؟"، مؤكداً أن السلام السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين "هو شرط أساسي لـ "سلام اقتصادي": والأخير لا يمكن أن يحدث ولن يحدث من دون الأول"، وهو مابيّنته التجارب السابقة، إذ "جرى تجريب ذلك مرات عديدة، وفشل"، ومضيفاً  أن مصطلح "سلام اقتصادي" هو "اختراع من دون مضمون، وهو ذريعة للتهرب من قرارات سياسية وقومية"، وأن ترامب الذي لا يرى في الفلسطينيين "أمة تستحق دولة مستقلة"، يهدف من وراء  سلامه الاقتصادي إلى "تسهيل بلعهم الحبة المُرة التي ستقضي على تطلعاتهم الوطنية نحو الاستقلال".

 

الهدف: تطبيع العلاقات العربية-الإسرائيلية وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين

ولكن، إذا كان دونالد ترامب لا يرى في الفلسطينيين "أمة تستحق دولة مستقلة" –وهذه هي حقيقة موقفه- فما الهدف إذن من "صفقة القرن" وما تنطوي عليه من "سلام اقتصادي"؟

إن الهدف هو تطبيع العلاقات العربية-الإسرائيلية، من جهة، وتصفية المكوّن الثاني الرئيسي من مكوّنات القضية الفلسطينية، بعد القدس، المتعلق بضمان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.

والواقع، أن بنيامين نتنياهو  صار يؤكد كثيراً في الفترة الأخيرة، في ظل تصاعد الحديث عن "السلام الاقتصادي"، أن إسرائيل لم تعد في حاجة إلى تحقيق السلام مع الفلسطينيين من أجل تطبيع علاقاتها مع الدول العربية، مقدّراً أن الدول العربية، وخصوصاً في منطقة الخليج، ستنفتح على إسرائيل نتيجة قيمتها "كمركز ثقل تكنولوجي ومالي ودفاعي واستخباراتي”، وأن "الخطر" الإيراني يمثّل قاسماً مشتركاً بين إسرائيل وهذه الدول، التي تقدّر أن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل سيحمي ويعزز علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية.  وبحسب الباحث جيرار فللوز، المروّج  لمشاريع "السلام الاقتصادي" في المنطقة، فإن إسرائيل في وسعها كسب السلام في الشرق الأدنى "إذا ما أبرزت لجيرانها الإقليميين ديناميتها الاقتصادية، ونجاحاتها التكنولوجية، ومواردها الجديدة من الغاز القابل للتصدير، وقدراتها على تحقيق التنمية الاقتصادية الحديثة. وعلى هؤلاء الجيران أن ينتهزوا هذه الفرصة التاريخية لبلوغ الازدهار الحديث. وهذا هو الرهان الحقيقي للسلام المطروح عليهم خلال السنوات القادمة". 

وقد تسارعت في الفترة الأخيرة الخطوات التطبيعية بين إسرائيل وبعض الدول العربية، واتخذت أشكالاً متعددة، مثل زيارات رسمية على أعلى المستويات ومشاركات في أنشطة رياضية وثقافية واقتصادية تقيمها دول عربية، ومشاريع تعاون  إقليمي، كمشروع "سكة حديد السلام" الإستراتيجي. فبعد أقل من أسبوعين على زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لسلطنة عمان، والتي تعتبر الأولى منذ عقدين، أعلن وزير المواصلات والنقل الإسرائيلي يسرائيل كاتس خلال مشاركته في "المؤتمر العالمي للنقل الطرقي"، الذي انعقد في مدينة مسقط في الأسبوع الثاني من تشرين الثاني/نوفبر 2018، أن هذا المشروع، الذي هو "فوق الخلافات السياسية والأيديولوجية"، يهدف للربط بين البحر الأبيض المتوسط ودول الخليج عبر إسرائيل كجسر بري، والأردن كمحور مواصلات إقليمي، على أن ينطلق الخط من ميناء حيفا مرورًأ بالأردن ثم الخليج عبر نقاط محددة، وهو سيسمح –كما أضاف- "بتوسيع وإنعاش التجارة بين دول الخليج وموانئ البحر المتوسط، وسيعزّز اقتصاد دولة إسرائيل ووضع إسرائيل في المنطقة أولاً"، كما سيعزز "محور إسرائيل الإقليمي مع الدول السنية المعتدلة في مواجهة إيران في هذه المنطقة اقتصادياً"!. وشدد كاتس على أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدعم هذا المشروع، الذي "سيخلق في المنطقة طريقاً تجارياً إضافياً يكون السفر عليه أسرع وأرخص، ويدعم اقتصاد كل من الأردن والفلسطينيين وإسرائيل والدول الخليجية". كما يمكن الإشارة إلى قيام دولة الإمارات العربية المتحدة باستثمار مئة مليون دولار لتمويل مد أنبوب بحري لنقل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا.

ومن ناحية أخرى، يرتبط  تصاعد الحديث عن "السلام الاقتصادي" بالسعي إلى تصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين عبر تقديم مغريات مادية للدول العربية التي تستضيفهم كي تقوم بتوطنيهم وتجنيسهم، من جهة، وحل وكالة "الأونروا"، من جهة ثانية. وبينما يؤكد الفلسطينيون، وممثلو الدول العربية المضيفة للاجئين الفلسطينيين، رفضهم القاطع لكل مشاريع التوطين، تكثف إدارة ترامب، بعد قرارها بوقف مساهمتها في  ميزانية وكالة "الأنروا"، مساعيها من أجل تصفية هذه الوكالة، إذ اعتبر  جيسون غرينبلات، في كلمة ألقاها أمام مجلس الأمن الدولي في 21 أيار الفائت، ونشرتها صحيفة "هآرتس" في 23 من الشهر نفسه، "أن الوقت حان كي تتسلم الدول التي تستضيف اللاجئين والمنظمات غير الحكومية الخدمات التي تقدمها هذه الوكالة الدولية"، مؤكداً أن نموذج "الأونروا" "خذل الشعب الفلسطيني"، وأن "جودة حياة الفلسطينيين لم تتحسن ولو قليلاً"، وذلك على الرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية وحدها تبرعت  لوكالة "الأونروا"- كما زعم- "بما يصل إلى 6 مليارات دولار".  ورد  مدير "الأونروا" بيير كرينبول على غرنيبلات، في كلمة عبر الفيديو من غزة ، قائلاً "إنه في الوقت الذي يواجه اللاجئون الفلسطينيون غياباً شبه تام لأي أفق سياسي، فإن استمرار خدمات هذه الوكالة مهم جداً لحفظ الكرامة الإنسانية والاستقرار الإقليمي"، وأضاف في تصريح: "أرفض من دون تحفظ الأقوال التي تعتبر الأونروا مسؤولة عن استمرار عدد اللاجئين وتزايدهم وحاجاتهم المتعاظمة"، معتبراً أن استمرار وجود الأونروا "يبرز اليوم فشل الأطراف المعنية والمجتمع الدولي في حل المسألة السياسية ولا يمكن تحميل مسؤولية ذلك لمنظمة إنسانية".       

 

المصادر والمراجع

بلوتسكر، سيفر، "ثرثرة اقتصادية اسمها "صفقة القرن""، "Ynet"، 29  أيار/مايو 2019 ، نقلاً عن "مختارات من الصحف العبرية"

https://www.palestine-studies.org/daily/mukhtarat-view/235226

بيريس، شمعون، الشرق الأوسط الجديد، ترجمة وتحقيق محمد حلمي عبد الحافظ، عمان، الأهلية للنشر والتوزيع، 2018.

حلس، رائد محمد، "السلام الاقتصادي وصفقة القرن وفق نظرية الأمن الإسرائيلي"، رام الله، مركز الأبحاث، تقارير دراسات سياسية،

https://www.prc.ps

سعد الدين، نادية، "السلام الاقتصادي الإسرائيلي: خطة كيري الاقتصادية، وقائع مضادة"، 7 تموز/يوليو 2013

https://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2013/7/7/

صايغ، يزيد، "خطة جون كيري لفلسطين: من النمو الاقتصادي إلى السلام؟"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2013،

https://carnegie-mec.org/2013/11/15/ar-pub-53593

عبد الرحمن، عمر حسن، "ماذا وراء العلاقات بين إسرائيل دول الخليج"، مركز بروكنجز الدوحة، 31 كانون الثاني/يناير 2019.

www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2019/01/31/      

"غرينلات يدعو إلى حل وكالة الأونروا"، "هآرتس"، 23/5/2019، نقلاً عن "مختارات من الصحف العبرية"،

https://www.palestine-studies.org/ar/daily/mukhtarat-view/235164

ميلمان، يوسي، ""السلام الاقتصادي" الذي تسعى "صفقة القرن" للدفع به قدماً لا يشكّل أدنى ضمانة للسلام السياسي"،  معاريف،  24 أيار/مايو 2019

https://www.palestine-studies.org/ar/daily/mukhtarat-view?field mukhtarat_date_value%

هلال، جميل، "المشروع الإسرائيلي للنظام الإقليمي"، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 22، ربيع 1995، ص 31-51.

Fellous, Gérard , « La paix économique au Proche-Orient est en marche », 5 avril 2013,

www.crif.org › Accueil › Tribune.

Horovitz, David, « Le problème avec l’UNRWA », The Times of Israël , 1 août 2014,

 https://fr.timesofisrael.com/le-probleme-avec-lunrwa/

« Top of Form

Kushner : Economie et « nouvelles frontières », points clés du plan de paix Trump

Times of Israel Staff , 26 février 2019

Le Hay, Mélodie, « Le groupe d’Aix ou les dimensions économiques d’un accord entre Israël et les Territoires palestiniens », le 15 octobre 2013,

https://www.lesclesdumoyenorient.com/Le-groupe-d-Aix-ou-les-dimensions-e...

Peres, Shimon, The New Middle East, Dorset, Element Books, 1993.

«Trump dévoilera fin juin le volet économique de son plan de paix israélo-palestinien », le 20 mai 2019

https://www.courrierinternational.com/article/moyen-orient-trump-devoile...